يصاحب عملية الولادة ـ غالباً ـ خروج الدم من الرحم، وهذا الدم الذي يخرج مع الولادة أو بعدها والمستند في خروجه إلى الولادة نفسها يسمى بـ (دم النفاس)، ويعتبر خروجه حدثاً أكبر مثل الحيض، حتى لو تـمّ إخراج الولد من البطن بواسطة الجراحة وكان هذا الدم بسبب هذه الولادة رغم أنها غير طبيعية.
وليس لدم النفاس صفة معينة من حيث اللون والكثافة وغيرها من الأوصاف التي ذكرت للحيض، بل يكفي فيه أن يكون دماً اجتمعت فيه شروط النفاس ليعتبر نفاساً حتى ولو كان أصفر رقيقاً.
الشروط العامة:
لا يعتبر الدم نفاساً إلاَّ إذا توفر فيه شرطان:
الأول: أن يخرج مع الولادة أو بعدها، وذلك بدون فرق بين خروجه بعد الولادة مباشرة أو بعد فاصل زمني طويل أو قصير ما دام خلال الأيام العشرة التالية للولادة.
مسألة 348: الدم الذي يخرج قبل الولادة، وعادة حين بدء المخاض (أي الطلق)، وقبل ظهور أول جزء من الولد بساعات أو بيوم أو أكثر، يعتبر استحاضة إذا سبق الولادة بزمان دون الثلاثة أيام، وكذا لو استمّر أكثر، وإن كان الأحوط استحباباً الجمع بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض إن وافق وقت عادتها أو كان بصفات دم الحيض، سواء اتصل بالولادة أو انفصل عنها.
الثاني: أن ترى الدم خلال الأيام العشرة الأُوَل، فلا يعتبر نفاساً كلّ دم تراه بعد العشرة وهذا الزمن هو حدّ أكثر النفاس، وليس لأقل النفاس حدّ، فقد لا ترى دماً بعد الولادة أبداً وقد ترى الدم دقائق وقد تراه عشرة أيام، كما أنه لا ضرورة لوجود فاصل من النقاء بين كلّ نفاس وآخر، فإنَّ من الممكن أن تلد المرأة ولدين فيعتبر لكلّ ولد نفاسه حتى ولو كان بينهما أقل من عشرة أيام، فإن حدث ذلك فإنه يبدأ نفاس الولد الأول بمجرّد ولادته، وينتهي نفاسه عند ولادة الولد الثاني ليبدأ نفاس جديد للولد الثاني. كذلك لا يشترط أن يفصل بين الحيض السابق والنفاس اللاحق عشرة أيام طهر، كما ذكر في المسألة الآنفة. نعم لا بُدَّ من وجود فترة طهر ونقاء لا تقل عن عشرة أيام بين النفاس الحالي والحيض اللاحق، فإن رأت الدم خلال الأيام العشرة التي تلي طهرها من النفاس لـم يعتبر ذلك الدم حيضاً ولا نفاساً، بل عّدَّ استحاضة حتى تمضي عشرة أيام من انتهاء نفاسها شرعاً، وتكون هي فترة الطهر الذي يمكن أن تتحيض بعده.
مسألة 349: يبدأ حساب أكثر النفاس ـ أي بداية العشرة أيام ـ من حين ظهور أول جزء من الولد ولو لـم يكتمل ظهوره ويخرج جميعه إلى الخارج، فإذا ولدت في الليل لـم تحسب تلك الليلة من العشرة وإن وجب على المرأة ترتيب أحكام النفاس على نفسها فيها، وتبدأ بحساب العشرة من الصباح كأنها قد ولدت فعلاً في الصباح، فتنتهي العشرة في مساء النهار العاشر مدخلة في حسابها تسع ليالٍ وعشر نهارات. وأمّا إذا ولدت بعد الصباح بساعات، فإنَّ العشرة حينئذ تنتهي في مثل الوقت الذي ولدت فيه من اليوم الحادي عشر، وقد مرّ تحديد مبدأ النهار بطلوع الفجر، كذلك قد مرّ تفصيل ذلك في المسألة 334 من مبحث الحيض.
مسألة 350: لا يشترط لاعتبار الخارج دم نفاس أن يكون بعد البلوغ وقبل سن اليأس، فقد تلد غير البالغة أو اليائس التي تجاوزت سن الخمسين أو الستين، وفي كلا الحالتين فإنَّ الدم الذي يخرج منهما بعد الولادة هو دم نفاس.
مسألة 351: لا يشترط لاعتبار الخارج دم نفاس أن يكون الجنين مكتملاً أو غير مكتمل، ولا فرق بين أن يكون حياً أو ميتاً، ولا بين أن يكون سقطاً أو غير سقط، ولا بين أن يكون قد ولجته الروح أو لـم تلجه الروح، نعم إذا كان السقط لا يزال مضغة (أي قطعة من اللحم غير بارزة الملامح) يَشكُلُ اعتباره وليداً، ومن ثَّم يَشكُل اعتبار الدم الخارج بعده نفاساً.
مسألة 352: قد لا ترى المرأة دماً بعد ولادتها حتى تمضي عشرة أيام، فإن رأت الدم بعدها لا يكون نفاساً، بل يلحقه حكم أمثاله من حيض أو استحاضة.
أحكام النفاس:
الدم الذي تراه المرأة بعد الولادة يختلف أمره بين الاتصال والانقطاع، وبين الوقوف على العشرة والتجاوز لها، وبين كونها ذات عادة وغيرها، ليقع في مسائل عديدة نذكرها كالتالي:
مسألة 353: إذا لـم تر الدم حين ولادتها مباشرة وظلّت نقية أياماً عديدة، ثُمَّ رأته يوماً أو يومين أو ساعة قبل العشرة، ثُمَّ وقف على العشرة، ففي هذه الحالة يعتبر نفاسها هو ذلك الوقت الذي رأته فيه فقط، ما دامت رؤيته قد حصلت قبل تمام العشرة ولم يستمر إلى ما بعد العشرة، وتكون فترة النقاء فترة طهر يجب عليها فيها أن تقوم بأعمال الطاهرة، نعم إذا علمت أن هذا القدر من الدم في مثل هذا الوقت ليس مسبباً عن الولادة، ففي هذه الحالة يشكل اعتباره نفاساً.
وإذا رأت الدم كذلك، أي قبل العشرة بيوم أو يومين أو ساعة، واستمر معها متجاوزاً الأيام العشرة من حين ولادتها، فإنها تعتبر نفسها نُفَساء من حين رؤيته، وكأنها ولدت الآن، إلى المدة المناسبة لها، وهي انتهاء أيام عادتها أو مضي عشرة أيام.
مسألة 354: إذا رأت الدم بعد ولادتها وتوقف على العشرة كان جميع ما تراه من الدم نفاساً، سواء كانت ذات عادة أو لـم تكن، وسواء كان الدم مستمراً في الجريان طوال العشرة أو متقطعاً، وفي صورة الجريان المتقطع تعتبر فترة النقاء بحكم النفاس. نعم إذا كانت ذات عادة عددية أقل من عشرة أيام وتجاوز الدم أيام عادتها، وكانت تأمل انقطاعه قبل العشرة، فإنَّ لها أن تضيف إلى أيّام عادتها يومين أو أكثر، حسب اختيارها، ما دامت هذه الإضافة في داخل العشرة، ثُمَّ تعتبر نفسها مستحاضة، ولها أن تبقى على النفاس إلى آخر العشرة.
مسألة 355: إذا رأت الدم بعد ولادتها واستمر في الجريان حتى تجاوز العشرة، فإن كانت ذات عادة عددية في الحيض اعتبرت مقدار عادتها نفاساً وجعلت الباقي استحاضة، وإن لـم يكن لها عادة اعتبرت نفاسها عشرة أيام وما بعده استحاضة.
مسألة 356: إذا رأت المرأة الدم متقطعاً، وكانت لها عادة، وتجاوز العشرة، فهنا صور نبينها بالأمثلة:
الصورة الأولى: امرأة عادتها ستة أيام رأت الدم مباشرة بعد ولادتها مدة يومين مثلاً، ثُمَّ انقطع يومين، ثُمَّ رأت الدم وظلّ مستمراً حتى تجاوز العشرة، فهنا تعتبر الدم الأول ويومين من الدم الثاني وفترة النقاء المتوسطة نفاساً، بحيث يكون المجموع بمقدار أيام عادتها وهي ستة أيام، وما زاد عليها استحاضة.
الصورة الثانية: نفس المثال السابق غير أنها لـم تر الدم مباشرة، وذلك بأن رأت الدم في اليوم الثاني لولادتها، ثُمَّ انقطع يومين، ثُمَّ جاءها الدم واستمر إلى أن تجاوز العشرة، وحكمها أن تجعل اليوم الأول طهراً، ثُمَّ يكون حكمها كالأولى، لكنه لما نقص من أول عادتها يوم فإنها تكمل ما نقص من الأول بزيادته على الدم الثاني ما دامت هذه الزيادة من الأيام التي هي دون العشرة.
الصورة الثالثة: نفس المثال في الصورة الأولى، لكنها رأت الدم الأول ثلاثة أيام وانقطع ثلاثة فتمت عادتها، ثُمَّ رأته وتجاوز العشرة، بحيث وقع الدم الثاني جميعه خارج أيام عادتها، وحكمها اعتبار الدم الأول نفاساً، وفترة الانقطاع فترة طهر ونقاء، والدم الثاني جميعه استحاضة.
وحكم هذه المسألة بصورها الثلاث يثبت نفسه فيما لو فرض حصول الانقطاع أكثر من مرة خلال أيام العادة، فتَعتبِرُ ـ دائماً ـ الدمَ الأول وفترةَ الانقطاع والدمَ الثاني وفترةَ الانقطاع الثاني والدم الثالث نفاساً بالنحو المناسب لما ذكر.
وهذا كلّه في فرض كونها ذات عادة، أمّا غير ذات العادة فإنَّ لها نفس الأحكام السابقة في جميع الصور، فلا تختلف عنها إلاَّ في أنَّ غير ذات العادة يحكم عليها بالنفاس إلى العشرة وما زاد عنها يكون استحاضة، بينما يحكم على ذات العادة بالنفاس خلال مقدار عادتها.
مسألة 357: قد يستمر الدم بالنفساء عدّة أسابيع ـ كما يحدث كثيراً ـ فإنَّ حكم النفساء في هذه الحالة هو التالي:
أولاً: تُنْهي نفاسَها بالنحو الذي سبق تفصيله، وذلك بانتهاء أيام عادتها أو بإتمام عشرة أيام، فتغتسل ـ حينئذ ـ من النفاس وتشرع بأعمال المستحاضة.
ثانياً: تستمر في اعتبار نفسها مستحاضة وتقوم بأعمال المستحاضة إلى عشرة أيام من تاريخ انتهاء النفاس الشرعي، ثُمَّ ترى بعدها فإن كان قد حان وقت حيضها الذي كانت عليه قبل حَملها اعتبرت نفسها حائضاً، وكذا إن لـم يحن وقت حيضها، أو لـم تكن ذات عادة وقتية، وكان الدم بصفات الحيض، فتعتبر نفسها حائضاً أيضاً، وإلاَّ استمرت في اعتبار نفسها مستحاضة حتى يحين وقت عادتها أو يصبح الدم بصفات دم الحيض.
مسألة 358: إذا نسيت ذات العادة عادتها فإنَّ حكمها في النفاس هو حكمها في الحيض، ولما كانت فروض هذه المسألة في الحيض كثيرة، فإنَّ موضع الحاجة منها في النفاس هو خصوص نسيان العدد فيما لو كانت النفساء على عادة عددية ـ قبل حملها ـ فنسيتها، وذلك لعدم دخالة كونها ذات عادة وقتية في النفاس، ما دام الدم يعتبر نفاساً بخروجه بعد الولادة مهما كانت صفته، كما فصلناه سابقاً.
وعليه فإنَّ النفساء إذا نسيت مقدار عادتها ورأت دم النفاس وتجاوز العشرة، فإن كانت تحتمل عدداً معيناً لما كانت عليه عادتها سارت عليه فجعلته نفاساً وجعلت ما يزيد عليه استحاضة، لكن لو كان ما احتملته أزيد من سبعة أيام وجب عليها في الأيام الزائدة على السبعة والواقعة قبل العشرة أن تجمع بين أفعال المستحاضة وتروك النفساء، ثُمَّ ما يزيد على ذلك تجعله استحاضة.
ومثاله: امرأة رأت دم النفاس وتجاوز العشرة، واحتملت أن عادتها تسعة أيام، فهنا تجعل الأيام السبعة نفاساً حتماً، ثُمَّ ما بعد السابع إلى التاسع تجمع فيه بين أعمال المستحاضة وتروك النفساء، ثُمَّ ما بعد التاسع فصاعداً تجعله استحاضة حتماً.
هذا ومن الواضح أنَّ هذه المرأة الناسية لعدد أيام عادتها إذا لـم يتجاوز دمها العشرة تجعل جميع ما تراه نفاساً مثلها مثل من لـم تنس عادتها.
مسألة 359: ما ذكرناه عند انقطاع دم الحيض أو عند الشك في انقطاعه ولزوم الفحص وكيفيته يجري بعينه في النفاس، فراجع المسألة 346 من مبحث الحيض.
يصاحب عملية الولادة ـ غالباً ـ خروج الدم من الرحم، وهذا الدم الذي يخرج مع الولادة أو بعدها والمستند في خروجه إلى الولادة نفسها يسمى بـ (دم النفاس)، ويعتبر خروجه حدثاً أكبر مثل الحيض، حتى لو تـمّ إخراج الولد من البطن بواسطة الجراحة وكان هذا الدم بسبب هذه الولادة رغم أنها غير طبيعية.
وليس لدم النفاس صفة معينة من حيث اللون والكثافة وغيرها من الأوصاف التي ذكرت للحيض، بل يكفي فيه أن يكون دماً اجتمعت فيه شروط النفاس ليعتبر نفاساً حتى ولو كان أصفر رقيقاً.
الشروط العامة:
لا يعتبر الدم نفاساً إلاَّ إذا توفر فيه شرطان:
الأول: أن يخرج مع الولادة أو بعدها، وذلك بدون فرق بين خروجه بعد الولادة مباشرة أو بعد فاصل زمني طويل أو قصير ما دام خلال الأيام العشرة التالية للولادة.
مسألة 348: الدم الذي يخرج قبل الولادة، وعادة حين بدء المخاض (أي الطلق)، وقبل ظهور أول جزء من الولد بساعات أو بيوم أو أكثر، يعتبر استحاضة إذا سبق الولادة بزمان دون الثلاثة أيام، وكذا لو استمّر أكثر، وإن كان الأحوط استحباباً الجمع بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض إن وافق وقت عادتها أو كان بصفات دم الحيض، سواء اتصل بالولادة أو انفصل عنها.
الثاني: أن ترى الدم خلال الأيام العشرة الأُوَل، فلا يعتبر نفاساً كلّ دم تراه بعد العشرة وهذا الزمن هو حدّ أكثر النفاس، وليس لأقل النفاس حدّ، فقد لا ترى دماً بعد الولادة أبداً وقد ترى الدم دقائق وقد تراه عشرة أيام، كما أنه لا ضرورة لوجود فاصل من النقاء بين كلّ نفاس وآخر، فإنَّ من الممكن أن تلد المرأة ولدين فيعتبر لكلّ ولد نفاسه حتى ولو كان بينهما أقل من عشرة أيام، فإن حدث ذلك فإنه يبدأ نفاس الولد الأول بمجرّد ولادته، وينتهي نفاسه عند ولادة الولد الثاني ليبدأ نفاس جديد للولد الثاني. كذلك لا يشترط أن يفصل بين الحيض السابق والنفاس اللاحق عشرة أيام طهر، كما ذكر في المسألة الآنفة. نعم لا بُدَّ من وجود فترة طهر ونقاء لا تقل عن عشرة أيام بين النفاس الحالي والحيض اللاحق، فإن رأت الدم خلال الأيام العشرة التي تلي طهرها من النفاس لـم يعتبر ذلك الدم حيضاً ولا نفاساً، بل عّدَّ استحاضة حتى تمضي عشرة أيام من انتهاء نفاسها شرعاً، وتكون هي فترة الطهر الذي يمكن أن تتحيض بعده.
مسألة 349: يبدأ حساب أكثر النفاس ـ أي بداية العشرة أيام ـ من حين ظهور أول جزء من الولد ولو لـم يكتمل ظهوره ويخرج جميعه إلى الخارج، فإذا ولدت في الليل لـم تحسب تلك الليلة من العشرة وإن وجب على المرأة ترتيب أحكام النفاس على نفسها فيها، وتبدأ بحساب العشرة من الصباح كأنها قد ولدت فعلاً في الصباح، فتنتهي العشرة في مساء النهار العاشر مدخلة في حسابها تسع ليالٍ وعشر نهارات. وأمّا إذا ولدت بعد الصباح بساعات، فإنَّ العشرة حينئذ تنتهي في مثل الوقت الذي ولدت فيه من اليوم الحادي عشر، وقد مرّ تحديد مبدأ النهار بطلوع الفجر، كذلك قد مرّ تفصيل ذلك في المسألة 334 من مبحث الحيض.
مسألة 350: لا يشترط لاعتبار الخارج دم نفاس أن يكون بعد البلوغ وقبل سن اليأس، فقد تلد غير البالغة أو اليائس التي تجاوزت سن الخمسين أو الستين، وفي كلا الحالتين فإنَّ الدم الذي يخرج منهما بعد الولادة هو دم نفاس.
مسألة 351: لا يشترط لاعتبار الخارج دم نفاس أن يكون الجنين مكتملاً أو غير مكتمل، ولا فرق بين أن يكون حياً أو ميتاً، ولا بين أن يكون سقطاً أو غير سقط، ولا بين أن يكون قد ولجته الروح أو لـم تلجه الروح، نعم إذا كان السقط لا يزال مضغة (أي قطعة من اللحم غير بارزة الملامح) يَشكُلُ اعتباره وليداً، ومن ثَّم يَشكُل اعتبار الدم الخارج بعده نفاساً.
مسألة 352: قد لا ترى المرأة دماً بعد ولادتها حتى تمضي عشرة أيام، فإن رأت الدم بعدها لا يكون نفاساً، بل يلحقه حكم أمثاله من حيض أو استحاضة.
أحكام النفاس:
الدم الذي تراه المرأة بعد الولادة يختلف أمره بين الاتصال والانقطاع، وبين الوقوف على العشرة والتجاوز لها، وبين كونها ذات عادة وغيرها، ليقع في مسائل عديدة نذكرها كالتالي:
مسألة 353: إذا لـم تر الدم حين ولادتها مباشرة وظلّت نقية أياماً عديدة، ثُمَّ رأته يوماً أو يومين أو ساعة قبل العشرة، ثُمَّ وقف على العشرة، ففي هذه الحالة يعتبر نفاسها هو ذلك الوقت الذي رأته فيه فقط، ما دامت رؤيته قد حصلت قبل تمام العشرة ولم يستمر إلى ما بعد العشرة، وتكون فترة النقاء فترة طهر يجب عليها فيها أن تقوم بأعمال الطاهرة، نعم إذا علمت أن هذا القدر من الدم في مثل هذا الوقت ليس مسبباً عن الولادة، ففي هذه الحالة يشكل اعتباره نفاساً.
وإذا رأت الدم كذلك، أي قبل العشرة بيوم أو يومين أو ساعة، واستمر معها متجاوزاً الأيام العشرة من حين ولادتها، فإنها تعتبر نفسها نُفَساء من حين رؤيته، وكأنها ولدت الآن، إلى المدة المناسبة لها، وهي انتهاء أيام عادتها أو مضي عشرة أيام.
مسألة 354: إذا رأت الدم بعد ولادتها وتوقف على العشرة كان جميع ما تراه من الدم نفاساً، سواء كانت ذات عادة أو لـم تكن، وسواء كان الدم مستمراً في الجريان طوال العشرة أو متقطعاً، وفي صورة الجريان المتقطع تعتبر فترة النقاء بحكم النفاس. نعم إذا كانت ذات عادة عددية أقل من عشرة أيام وتجاوز الدم أيام عادتها، وكانت تأمل انقطاعه قبل العشرة، فإنَّ لها أن تضيف إلى أيّام عادتها يومين أو أكثر، حسب اختيارها، ما دامت هذه الإضافة في داخل العشرة، ثُمَّ تعتبر نفسها مستحاضة، ولها أن تبقى على النفاس إلى آخر العشرة.
مسألة 355: إذا رأت الدم بعد ولادتها واستمر في الجريان حتى تجاوز العشرة، فإن كانت ذات عادة عددية في الحيض اعتبرت مقدار عادتها نفاساً وجعلت الباقي استحاضة، وإن لـم يكن لها عادة اعتبرت نفاسها عشرة أيام وما بعده استحاضة.
مسألة 356: إذا رأت المرأة الدم متقطعاً، وكانت لها عادة، وتجاوز العشرة، فهنا صور نبينها بالأمثلة:
الصورة الأولى: امرأة عادتها ستة أيام رأت الدم مباشرة بعد ولادتها مدة يومين مثلاً، ثُمَّ انقطع يومين، ثُمَّ رأت الدم وظلّ مستمراً حتى تجاوز العشرة، فهنا تعتبر الدم الأول ويومين من الدم الثاني وفترة النقاء المتوسطة نفاساً، بحيث يكون المجموع بمقدار أيام عادتها وهي ستة أيام، وما زاد عليها استحاضة.
الصورة الثانية: نفس المثال السابق غير أنها لـم تر الدم مباشرة، وذلك بأن رأت الدم في اليوم الثاني لولادتها، ثُمَّ انقطع يومين، ثُمَّ جاءها الدم واستمر إلى أن تجاوز العشرة، وحكمها أن تجعل اليوم الأول طهراً، ثُمَّ يكون حكمها كالأولى، لكنه لما نقص من أول عادتها يوم فإنها تكمل ما نقص من الأول بزيادته على الدم الثاني ما دامت هذه الزيادة من الأيام التي هي دون العشرة.
الصورة الثالثة: نفس المثال في الصورة الأولى، لكنها رأت الدم الأول ثلاثة أيام وانقطع ثلاثة فتمت عادتها، ثُمَّ رأته وتجاوز العشرة، بحيث وقع الدم الثاني جميعه خارج أيام عادتها، وحكمها اعتبار الدم الأول نفاساً، وفترة الانقطاع فترة طهر ونقاء، والدم الثاني جميعه استحاضة.
وحكم هذه المسألة بصورها الثلاث يثبت نفسه فيما لو فرض حصول الانقطاع أكثر من مرة خلال أيام العادة، فتَعتبِرُ ـ دائماً ـ الدمَ الأول وفترةَ الانقطاع والدمَ الثاني وفترةَ الانقطاع الثاني والدم الثالث نفاساً بالنحو المناسب لما ذكر.
وهذا كلّه في فرض كونها ذات عادة، أمّا غير ذات العادة فإنَّ لها نفس الأحكام السابقة في جميع الصور، فلا تختلف عنها إلاَّ في أنَّ غير ذات العادة يحكم عليها بالنفاس إلى العشرة وما زاد عنها يكون استحاضة، بينما يحكم على ذات العادة بالنفاس خلال مقدار عادتها.
مسألة 357: قد يستمر الدم بالنفساء عدّة أسابيع ـ كما يحدث كثيراً ـ فإنَّ حكم النفساء في هذه الحالة هو التالي:
أولاً: تُنْهي نفاسَها بالنحو الذي سبق تفصيله، وذلك بانتهاء أيام عادتها أو بإتمام عشرة أيام، فتغتسل ـ حينئذ ـ من النفاس وتشرع بأعمال المستحاضة.
ثانياً: تستمر في اعتبار نفسها مستحاضة وتقوم بأعمال المستحاضة إلى عشرة أيام من تاريخ انتهاء النفاس الشرعي، ثُمَّ ترى بعدها فإن كان قد حان وقت حيضها الذي كانت عليه قبل حَملها اعتبرت نفسها حائضاً، وكذا إن لـم يحن وقت حيضها، أو لـم تكن ذات عادة وقتية، وكان الدم بصفات الحيض، فتعتبر نفسها حائضاً أيضاً، وإلاَّ استمرت في اعتبار نفسها مستحاضة حتى يحين وقت عادتها أو يصبح الدم بصفات دم الحيض.
مسألة 358: إذا نسيت ذات العادة عادتها فإنَّ حكمها في النفاس هو حكمها في الحيض، ولما كانت فروض هذه المسألة في الحيض كثيرة، فإنَّ موضع الحاجة منها في النفاس هو خصوص نسيان العدد فيما لو كانت النفساء على عادة عددية ـ قبل حملها ـ فنسيتها، وذلك لعدم دخالة كونها ذات عادة وقتية في النفاس، ما دام الدم يعتبر نفاساً بخروجه بعد الولادة مهما كانت صفته، كما فصلناه سابقاً.
وعليه فإنَّ النفساء إذا نسيت مقدار عادتها ورأت دم النفاس وتجاوز العشرة، فإن كانت تحتمل عدداً معيناً لما كانت عليه عادتها سارت عليه فجعلته نفاساً وجعلت ما يزيد عليه استحاضة، لكن لو كان ما احتملته أزيد من سبعة أيام وجب عليها في الأيام الزائدة على السبعة والواقعة قبل العشرة أن تجمع بين أفعال المستحاضة وتروك النفساء، ثُمَّ ما يزيد على ذلك تجعله استحاضة.
ومثاله: امرأة رأت دم النفاس وتجاوز العشرة، واحتملت أن عادتها تسعة أيام، فهنا تجعل الأيام السبعة نفاساً حتماً، ثُمَّ ما بعد السابع إلى التاسع تجمع فيه بين أعمال المستحاضة وتروك النفساء، ثُمَّ ما بعد التاسع فصاعداً تجعله استحاضة حتماً.
هذا ومن الواضح أنَّ هذه المرأة الناسية لعدد أيام عادتها إذا لـم يتجاوز دمها العشرة تجعل جميع ما تراه نفاساً مثلها مثل من لـم تنس عادتها.
مسألة 359: ما ذكرناه عند انقطاع دم الحيض أو عند الشك في انقطاعه ولزوم الفحص وكيفيته يجري بعينه في النفاس، فراجع المسألة 346 من مبحث الحيض.