وتفصيل الكلام فيه يقع في فروع:
الأول ـ بين الشك والظنّ:
يُراد بالشك تحيّر المكلّف وشكه في وقوع الشيء وعدمه، بحيث يتساوى احتمال وقوع الفعل واحتمال عدم الوقوع، من دون رجحان أحدهما على الآخر. وهو ما يصطلح عليه علمياً بـ (الشك).
أمّا «الظنّ» فهو الحالة التي يكون فيها احتمال الوجود أو العدم أرجح من الآخر.
وقد ساوى الفقهاء في الحكم بين الشك والظنّ إذا وقعا في أجزاء الصلاة وأفعالها، فحكموا بضرورة الإتيان بالمشكوك قبل الدخول في الفعل الذي بعده كالشك في النية أو تكبيرة الإحرام أو الركوع ونحوها، وفرّقوا بينهما إذا كان المورد هو عدد الركعات، فجعلوا الظنّ في العدد ملحقاً بالعلم، ورتبوا على الشك أحكاماً خاصة سنبينها فيما يلي.
والأقوى اعتبار الظنّ كالعلم في عدد الركعات وفي أفعال الصلاة، في ضرورة العمل بمفاد الظنّ وترتيب الأثر على الطرف الراجح وجوداً أو عدماً، فمن ترجح لديه أنه لـم يأت بالركوع أتى به ولو كان بعد الدخول في الجزء الذي بعده ما لـم يكن ركناً، ومن ترجح لديه أنه أتى بالركوع اعتبره مأتياً به ولو كان قبل الدخول في الجزء الذي بعده، وهو في ذلك مثل الظنّ بعدد الركعات في الاعتداد بالطرف الراجح وجوداً وعدماً، فإنَّ من تحيّر في أنه هل هو في الركعة الثانية أو الثالثة، ثُمَّ ترجح لديه أنه في الثالثة، فإنه يعتبر نفسه فعلاً في الركعة الثالثة ويمضي في صلاته.
مسألة 769: إذا تردّد المكلّف في أنَّ الحالة التي هو فيها هل هي شك أو ظنّ اعتبرها شكاً، وإذا كانت حالته هي الشك فانقلبت إلى ظنّ، أو الظنّ فانقلبت إلى شك، رتّب الأثر على ما استقر عليه أمره في الحالة الثانية، غير أنه قد يوجب بطلان الصلاة في بعض الحالات، وذلك كما في حالة ما لو ظنّ أنه في الركعة الثالثة فتابع صلاته على هذا الأساس ثُمَّ انقلب ظنّه إلى الشك بين الاثنتين والثلاث، فإن لـم يكن قد أكمل ذكر السجدة الثانية بطلت صلاته، لأنَّ صحة الصلاة في هذه الحالة من الشك مشروطة بوقوع الشك بعد إكمال ذكر السجدة الثانية.
وهكذا فإنَّ تحوّل حالة المصلي والعمل على طبق الحالة الجديدة قد يستوجب صحة العمل وقد يستوجب فساده، فلا بد من أخذ ذلك بعين الاعتبار.
الثاني ـ حكم كثير الشك:
ما يذكر من أحكام الشك إنما يعالج حالة الشك العادية، فإذا تكرر الشك من المكلّف حتى صار كثير الشك اختص بحكم خاص نذكره في مسائل.
مسألة 770: كثير الشك هو الذي يتكرر منه الشك في فعل خاص، أو في كلّ فعل، بنحو يتجاوز المألوف، والمرجع فيه العرف، حيث يرى العرف أنَّ من شك في كلّ ثلاث صلوات مرة يعتبر كثير الشك. وقد تتفاقم كثرة الشك فتصل إلى حدّ الوسوسة، وهي حالة مرضية يسيطر فيها الشك على الذهن حتى لا يملك القطع بشيء على الإطلاق، أو بشيء خاص، كالشك الدائم في الطهارة للوسواسي بالنجاسة، أو بالنطق الصحيح لتكبيرة الإحرام أو القراءة، أو بغير ذلك من الحالات. ومن كان كثير الشك أو وسواسياً في فعل خاص اقتصر في صدق هذا العنوان عليه بذلك الفعل دون غيره من الأفعال التي يكون شكه فيها عادياً.
مسألة 771: لا يشمل عنوان «كثير الشك» من كثر شكه من باب المصادفة والاتفاق لظروف خاصة توجب التوتر والقلق، كأن يكون مطارداً من ظالم، أو محزوناً بفقد عزيز أو خسارة مال، فإنه يتعاطى مع هذا الشك الكثير الطارئ مثلما يتعاطى مع الشك الاعتيادي.
مسألة 772: حكم كثير الشك، وكذا الوسواسي، أن يأخذ بالحالة التي يعتبر عمله فيها صحيحاً، سواء كان الشك في الأفعال أو الشروط أو عدد الركعات، فمن كان كثير الشك في أنه صلّى أو لـم يصلّ يعتبر أنه قد صلّى، أو في أنه توضأ للصلاة أو لا، يعتبر أنه قد توضأ، أو في أنه ركع أو لا، يعتبر أنه قد ركع، أو في أنه ركع مرة أو مرتين، يعتبر أنه قد ركع مرة واحدة، أو في عدد الركعات، فإنه يبني على الأكثر، إلاَّ أن يكون الأكثر مفسداً، كمن شك في أنه صلّى الظهر أربع ركعات أو خمس، فإنه هنا يبني على الأقل الذي تكون به الصلاة صحيحة، وهكذا.
مسألة 773: إذا لـم يعتن كثير الشك بشكه ثُمَّ تبين له وجود خلل في صلاته في الموضع الذي كان قد شك فيه وجب عليه أن يعمل بما هو المناسب لحالته، فإن كان زيادة أو نقصاً مبطلاً أعاد صلاته، وإن كان مما يمكن تداركُه تدراكَه، وإن كان مما يجب قضاؤه قضاه، وهكذا. ونفس الحكم ثابت لغير كثير الشك في الحالات التي يَعمل فيها بوظيفة الشاك، ثُمَّ يتبين له وجود الخلل، كما سيأتي بيانه.
مسألة 774: لا يجوز لكثير الشك الاعتناء بشكه، لكنه إذا أتى بالمشكوك بقصد القربة لـم تبطل صلاته، بدون فرق بين ما لو كان المشكوك فيه ركناً كالركوع، أو غير ركن كالقراءة، وإن كان آثماً لمطاوعة شكه.
مسألة 775: لو شك في حصول حالة كثرة الشك بنى على عدمها، وإذا كان كثير الشك فشك في زوال هذه الحالة بنى على بقائها، إلاَّ أن يرجع شكه إلى الشك في مفهوم كثرة الشك العرفي ومدى اعتبار حالته من نوع كثرة الشك أو لا، فإنه حينئذ يعتني بشكه ولا يلحقه حكم كثير الشك.
الثالث ـ الشك في الأفعال:
الشك الذي يحصل من الإنسان العادي في شكه تارة يكون في أفعال الصلاة وشروطها وتارة يكون في عدد ركعاتها، ولكلٍّ منهما حكم خاص، وفي هذا الفرع نتعرّض لحكم الشك في الأفعال والشروط، وحيث إننا قد ذكرنا حكم الشك في كلّ فعل أو شرط عند الحديث عنه في محله فإنه لا ضرورة للإعادة، ونكتفي هنا بالتعرّض للقاعدة العامة التي ترجع إليها تلك الفروع المذكورة وغيرها مما يمكن أن يستجد، وذلك كما يلي:
مسألة 776: كلّما شك المصلي في أداء واجب من واجبات الصلاة بنى على أنَّه لـم يؤده. وتستثنى من ذلك الحالات التالية:
الحالة الأولى: إذا شك في الإتيان بجزءٍ من أجزاء الصلاة بعد أن تجاوز مكانه المقرر له فيها تبعاً لترتيبها وتنسيقها ودخل في الجزء الذي يليه ولو كان مستحباً، فإنه يمضي ولا يعتني بشكه، فإذا شك في تكبيرة الإحرام وهو يقرأ الفاتحة فإنه يمضي ولا يكترث، وكذا إذا شك في القراءة وهو في القنوت، أو شكّ في القراءة وهو راكع، نعم لو كان الشك في ذلك وهو يهوي إلى الركوع، ولم يصل بعد إلى مستوى الراكع، فالأحوط له الاعتناء بالشك والإتيان بالجزء المشكوك بنية القربة المطلقة،وكذلك حكم من شك في السجود أو التشهد حال نهوضه للقيام.
وهذا الحكم العام بعدم الاعتناء بالشك في شيء بعد التجاوز عنه أو بعد الدخول في الجزء الذي يليه يسمى لدى الفقهاء بـ «قاعدة التجاوز»، وقد مرّت بنا من خلال استعراض أجزاء الصلاة تطبيقات كثيرة لهذه القاعدة. وفي مقابل ذلك يجب الاعتناء بالشك إذا حصل في جزءٍ قبل التجاوز عن مكانه المقرر له وهو ما يسمى عند الفقهاء بـ «قاعدة الشك في المحل»، وبموجب هذه القاعدة يجب على كلّ من يشك في جزء قبل أن يتجاوزه إلى الجزء الذي يليه أن يعتني بشكه ويفترض بأنه لـم يأت بذلك الجزء المشكوك فيؤديه، وذلك كمن شك في القراءة قبل أن يهوي إلى الركوع أو قبل أن يشرع في القنوت، فإنه يأتي بالقراءة معتبراً أنه لـم يقرأ بعد. وهكذا سائر الموارد.
الحالة الثانية: إذا شكَّ في صحة الجزء الواقع وفساده، لا في أصل وقوعه ووجوده، بعدما أداه وفرغ منه، فالحكم فيه الصحة على أي حال، سواء كان حين الشك قد تجاوز المحل المقرر لذلك الجزء ودخل في الجزء الذي يليه أم لـم يتجاوز ولم يدخل، فمن كبر للإحرام ثُمَّ شك في صحة التكبير فالتكبير صحيح وإن لـم يكن قد قرأ بعد، وكذا من شك في صحة القراءة ولم يكن قد ركع.
وهذا الحكم العام بعدم الاعتناء بالشك في صحة ما وقع بعد الفراغ منه يسمى لدى الفقهاء بـ «قاعدة الفراغ»، وقد مرّت تطبيقات عديدة له من خلال استعراض أجزاء الصلاة.
الحالة الثالثة: إذا بدأ الصلاة وشروطُها متوافرة، ثُمَّ شك في أنَّ هذه الشروط هل استمرت مع صلاته أو اختل شيء منها في أثناء الصلاة، مضى ولم يعتن بشكه، ومثاله: من بدأ صلاته مستقبلاً للقبلة ثُمَّ شك في أنه هل انحرف عنها في بعض الأجزاء السابقة أو لا، ومثال آخر: امرأة بدأت صلاتها وهي ساترة لشعرها ثُمَّ تشك في أنه هل انكشف شعرها في الأثناء أم لا، والحكم في المثالين هو المضي وعدم الاعتناء لأنَّ الأصل بقاء الحالة السابقة، ومن أمثلة ذلك أيضاً أن يشك في وقوع مبطل من المبطلات أو صدور زيادة مبطلة منه فإنه لا يعتني بكلّ ذلك.
مسألة 777: في كلّ حالة كان الحكم فيها المضي وعدم الاعتناء بالشك إذا طبق المصلي هذا الحكم ثُمَّ انكشف أنه لـم يكن قد أتى بالجزء المشكوك حقاً، فإنه إذا كان بإمكانه التدارك بالمعنى المتقدّم في مبحث الزيادة والنقصان رجع وتدارك، وإلاَّ مضى وصحت صلاته ما لـم يكن الجزء المتروك ركناً، فإنَّ انكشاف فوته يبطل الصلاة.
وفي كلّ حالة كان الحكم فيها هو الاعتناء بالشك والإتيان بما يشك فيه، تبعاً لقاعدة الشك في المحل، إذا طبق المصلي هذا الحكم فأتى بالجزء المشكوك ثُمَّ اتضح له أنه كان قد أتى به سابقاً مضى في صلاته، وعليه ملاحظة ما لو كان يستلزم سجود السهو فيأتي به بعد الإنتهاء من الصلاة.
الرابع ـ الشك في عدد الركعات:
الشك في عدد الركعات إذا وقع بعد الفراغ من الصلاة فلا أثر له ولا يعتنى به، وأمّا إذا كان في أثناء الصلاة فهو على أقسام: لأنَّ منه ما هو مبطل للصلاة، ومنه ما هو غير مبطل وبحاجة إلى علاج شرعاً، ومنه ما هو غير مبطل وليس بحاجة إلى علاج، فهذه أقسام ثلاثة:
1 ـ الشك الذي لا أثر له:
ونريد به الشك الذي لا يبطل الصلاة، ولا تحتاج معه في صحتها إلى معالجة بمثل صلاة الاحتياط، وهو يتمثّل في إحدى الصور التالية:
الأولى: أن يجد المصلي نفسه وهو يتشهد، أو قد أكمل تشهده، وشك في أنه هل فرغ من الركعة الثانية وهذا هو التشهد المطلوب منه في مثل هذا الموضع، أو أنه لـم يفرغ حتى الآن إلاَّ من الركعة الأولى وقد وقع هذا التشهد منه سهواً، ففي هذه الحالة يبني المصلي على أنه قد صلى ركعتين، وأنَّ هذا هو التشهد المطلوب منه، ويقوم لأداء الركعة الثالثة إذا كانت صلاته ثلاثية أو رباعية ولا شيء عليه، وأمّا إذا كانت صلاته ثنائية ـ ذات ركعتين ـ فعليه أن يكمل تشهده وتسليمه وتصح صلاته.
الثانية: أن يصلي الإنسان صلاة رباعية فيجد نفسه يتشهد أو قد أكمل تشهده، وهو على يقين بأنه تجاوز الركعة الثانية إلى ما بعده من ركعات، وشك في أنه هل فرغ من الركعة الرابعة وهذا هو التشهد المطلوب منه في مثل الموضع، أو أنه لا يزال في الركعة الثالثة وقد وقع منه هذا التشهد سهواً، ففي هذه الحالة يبني على أنه في الرابعة ويكمل صلاته على هذا الأساس ولا شيء عليه.
الثالثة: أن يصلي الإنسان صلاة ثلاثية فيجد نفسه مشغولاً بالتسليم ويشك في أنه هل فرغ من الركعة الثالثة وهذا التسليم هو المطلوب منه في مثل هذا الموضع، أو أنه لا يزال في الركعة الثانية وقد وقع منه هذا التسليم سهواً، ففي هذه الحالة يبني على أنه أتى بالثالثة ويكمل تسليمه ولا شيء عليه.
2 ـ الشك الذي له علاج:
ونريد به صور الشك التسع المشهورة التي لا تبطل بها الصلاة إذا تمت معالجتها بالنحو المطلوب شرعاً، ووقعت في خصوص الصلاة المؤلفة من أربع ركعات، وهذه الصور هي:
الصورة الأولى: أن يرفع المصلي رأسه من السجدة الثانية، أو يكمل الذكر فيها على الأقل، ثُمَّ يشك في أنَّ هذه الركعة التي فرغ منها الآن: هل هي ثانية أو ثالثة، فالثانية متيقنة لا ريب فيها، والثالثة محل الريب، فيبني على أنها ثالثة، ويأتي بالرابعة، ويتشهد ويسلّم، ثُمَّ يأتـي بصـلاة الاحتيـاط، وهي ـ فـي هذه الصورة ـ ركعة واحدة من قيام على الأحوط وجوباً للقادر على القيام، أو ركعة واحدة من جلوس بدلاً عنها لمن عجز عن القيام وكانت وظيفته الصلاة جالساً.
الثانية: أن يشك هل صلّى ثلاث ركعات أو أربع، فإنه يبني على الأربع، سواء أوقع الشك منه حال القيام أم حال الركوع أم السجود أم بعد رفع الرأس من السجود، ويتمّ ما بقي من الركعة الرابعة ويتشهد ويسلّم، وإذا كان المصلي مكلّفاً بالصلاة قائماً فله هنا الخيار بين الاحتياط بركعة من قيام والاحتياط بركعتين من جلوس، وإن كان عاجزاً عن القيام ومكلّفاً بالصلاة من جلوس فعليه الاحتياط بالإتيان بركعة واحدة جالساً.
هذا كلّه إذا لـم يطرأ هذا الشك على المصلي وهو يتشهد وإلاَّ كان من الصورة الثانية للقسم السابق الذي تصح معه الصلاة بلا علاج.
الثالثة: أن يشك بين الركعتين والأربع بعد إكمال السجدتين، وذلك بالفراغ من الذكر من السجدة الثانية أو برفع الرأس منها، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويأتي بركعتين من قيام، وإن كان المصلي ممن يصلي جالساً احتاط بركعتين من جلوس.
الرابعة: أن يشك بين الركعتين والثلاث والأربع أيضاً بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي أولاً بركعتين من قيام ثُمَّ بركعتين من جلوس. وإن كان فرضه أن يصلي جالساً احتاط بركعتين من جلوس ثُمَّ بركعة جالساً.
الخامسة: أن يشك بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويسجد سجدتي السهو.
السادسة: أن يشك بين الأربع والخمس حال القيام، فعليه أن يهوي جالساً، وبذلك يرجع شكه إلى الشك بين الثلاث والأربع، لأنه بجلوسه هدم الركعة التي كان فيها وقطعها، وهذا يعني أنها لو كانت هي الرابعة فقد بقي معه ثلاث ركعات، ولو كانت هي الخامسة فقد بقي معه أربع ركعات، فهو الآن بين الثلاث والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويأتي بركعة قائماً أو بركعتين جالساً، تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الثانية.
السابعة: أن يشك بين الثلاث والخمس وهو قائم، فيجلس ويرجع شكه إلى الشك بين الاثنتين والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويأتي بركعتين من قيام تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الثالثة.
الثامنة: أن يشك بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام، فيجلس ويرجع شكه إلى الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويأتي أولاً بركعتين من قيام ثُمَّ بركعتين من جلوس تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الرابعة.
التاسعة: أن يشك بين الخمس والست وهو قائم فيجلس ويرجع شكه إلى الشك بين الأربع والخمس ويتمّ صلاته ويسجد سجدتي السهو تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الخامسة.
ففي هذه الصور التسع تصح الصلاة بالعلاج الذي حدّدناه، ويستثنى من ذلك حالات تصح فيها الصلاة من دون علاج رغم كون الشك من نوع تلك الصور التسع، وهذه الحالات هي:
أولاً: إذا حصل للشاك ترجيح معين لأحد الاحتمالات، وهو ما يسمى «بالظنّ» فيعتمد على ظنّه، فإذا غلب على ظنّ المصلي أنَّ هذه الركعة التي هو فيها هي ثالثة أو رابعة أو ثانية ـ مثلاً ـ عمل بظنّه هذا، تماماً كما يعمل بعلمه في عدد الركعات، ولا شيء عليه ولا يحتاج إلى علاج.
ثانياً: إذا كان الإنسان مفرطاً في الشك وخارجاً عن الحالة الاعتيادية على نحو يصدق عليه عرفاً أنه كثير الشك، كما إذا كان يشك عادة في كلّ ثلاث صلوات متتالية مرة واحدة على الأقل، أو في كلّ ست صلوات متتالية مرتين، وهكذا، فعليه أن يلغي شكه ويفترض أنه قد أتى بما شك فيه من ركعات، أي أنه يبني على الأكثر، فإذا شك في أنه هل أتى بركعتين أو ثلاث بنى على الثلاث، وإذا شك بين الثلاث والأربع بنى على الأربع، ويتمّ صلاته في هاتين الحالتين أو غيرهما من حالات الشك ولا شيء عليه ولا يحتاج إلى علاج، إلا إذا كان الأكثر مبطلاً للصلاة فإنه ـ حينئذ ـ يبني على الأقل ويتمّ صلاته بدون علاج، وذلك كما لو شك بين الأربع والخمس فإنه يبنى على الأربع، لأنَّ البناء على الخمس يبطل الصلاة.
ثالثاً: إذا كان الشاك في عدد الركعات إماماً أو مأموماً، وكان مأمومه أو إمامه حافظاً وضابطاً للعدد، رجع إليه واعتمد على حفظه، سواء كان حفظه على مستوى اليقين أو الظنّ، كما سيأتي تفصيله. (أنظر ص 346).
رابعاً: إذا كان المصلي يؤدي صلاة النافلة وشك في عدد ركعاتها فإنَّ له أن يبني على أقل عدد محتمل ويكمل صلاته ولا شيء عليه، وله أن يبني على أكبر عدد محتمل ما لـم يكن مبطلاً ويكمل صلاته ولا شيء عليه.
3 ـ الشك المبطل للصلاة:
ونريد به القسم الثالث الذي ليس له علاج، فتبطل به الصلاة عند حدوثه، ويجمع فروع هذا القسم أن نقول: «إن كلّ حالة غير الحالات الذي ذكرناها مما تقدّم صحة الصلاة معه، بعلاج أو بدون علاج، فهو من النوع الذي يتسبب ببطلان الصلاة». وتوضيحاً لذلك نذكر الحالات التالية من هذا القسم:
الأولى: أن لا ينحصر شك المصلي في عدد معين من أعداد الركعات، فلا يدري في أية ركعة هو، من دون أن يخطر في ذهنه عدد معين متيقن ينطلق منه لمعالجة الشك، وليس عليه هنا إلاَّ قطع الصلاة واستئنافها من جديد.
الثانية: أن يكون شكه في غير الرباعية من الصلوات اليومية، كأن يكون شكه بين الاثنين والثلاث في صلاة المغرب، أو بين الأولى والثانية في صلاة الصبح، وتبطل الصلاة بهذا الشك في الموردين.
الثالثة: أن يتردّد المصلي في عدد الركعات في صلاة رباعية دون أن يتأكد ويتثبت من وجود الركعة الثانية كاملة سالمة، وإنما تكمل ـ كما أسلفنا القول ـ بإكمال الذكر في السجدة الثانية من الركعة الثانية، كما إذا شك بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في أنَّ هذه الركعة التي فرغ منها الآن هل هي الأولى أو الثانية، وكما إذا شك بعد رفع الرأس من السجدة الأولى، أو قبل ذلك، في أنَّ هذه الركعة التي يؤديها هل هي الثانية أو الثالثة، فإنَّ صلاته تبطل حينئذ، لأنَّ وجودَ الركعة الثانية كاملةً غيرُ مؤكد. وهذا هو معنى اشتراط حدوث الشك في بعض الصور بعد إتمام ذكر السجدة الثانية.
مسألة 778: يجب التذكير في هذا القسم بأنَّ بطلان الصلاة وإن كان حتماً لازماً في مثل هذه الحالات، غير أنه يمكن تدارك ذلك وتصحيح الصلاة ضمن الاستثناءات التي وردت في ثنايا كلامنا الآنف، وهذه الاستثناءات هي:
1 ـ حدوث الشك من المصلي أثناء التشهد أو بعده، بنحو يشك أن تشهده هذا هل وقع منه خطأ في الركعة الأولى، وأنه الآن في الركعة الأولى، أو أنه في الركعة الثانية والتشهد في محله، فإنه يجعل التشهد قرينة على أنه قد أتـمّ الركعة الثانية ويرتب عليها الآثار المناسبة.
2 ـ تحوُّلُ شكِّه إلى الظنّ والترجيح لعدد على غيره، فضلاً عمّا لو تحوّل إلى يقين، فإنه يعمل على مقتضى ظنّه أو يقينه في جميع الحالات.
3 ـ كونه كثير الشك، فإنه لا يعتني بشكه حتى في الحالات التي يكون الشك فيها من الإنسان العادي مبطلاً.
4 ـ أن يعتمد كلّ من الإمام والمأموم على الآخر، الشاك منهما على الحافظ.
5 ـ أن يكون الشك في نافلة، فإنه تصح به الصلاة رغم كونها ركعتين في معظم النوافل. وقد مرّ جميع ذلك في محله مفصلاً.
مسألة 779: في كلّ صورة يهدم فيها القيام فإنَّ الأحوط وجوباً أن يسجد سجدتي السهو لزيادة القيام، ومحلها بعد الانتهاء من صلاة الاحتياط أو بعد سجدتي السهو الواجبتين في علاج الشك.
مسألة 780: في الصور التسع التي يمكن تصحيح الصلاة فيها في حال الشك لا يجوز للمكلف قطع الصلاة واستئنافها على الأحوط وجوباً، بل لا بُدَّ له من العمل بموجب العلاج الذي تفرضه صورة الشك التي هو عليها.
الخامس ـ في صلاة الاحتياط:
وهي الصلاة التي يجب الإتيان بها لعلاج الشك بالنحو الذي بيناه في صور الشك بهدف تدارك النقص المحتمل في عدد ركعات الصلاة.
مسألة 781: يشترط. في صلاة الاحتياط جميع ما يشترط في الصلاة من الشرائط، كالاستقبال والطهارة والستر وغير ذلك، فإذا أحرز ذلك كلّه ينوي ويكبر للإحرام، ويقرأ الفاتحة من دون سورة ويخفت فيها على الأحوط وجوباً، بما فيها البسملة، ويركع ويسجد السجدتين ويتشهد ويسلّم، إن كانت ركعة واحدة، وإن كانت ركعتين جعل ذلك التشهد والتسليم في الركعة الثانية. وليس فيها أذان ولا إقامة ولا قنوت.
مسألة 782: الظاهر لزوم الإتيان بها فوراً بعد الصلاة، وقبل فعل المنافي، وعليه فإنه لا يجوز تعمد فعل المنافي قبلها بنية إعادة الصلاة، ولو صدر منه المنافي اختياراً أو اضطراراً أعاد الصلاة بدون صلاة الاحتياط.
مسألة 783: إذا زال شكه واعتقد تمامية الصلاة واكتمالها، فإن كان قبل صلاة الاحتياط لـم يحتج إليها، وإن كان أثناء صلاة الاحتياط جاز له قطعها وجاز إتمامها بنية النافلة ركعتين.
مسألة 784: إذا زال شك المصلي بعد فراغه من الصلاة واعتقد نقصان صلاته ركعة أو أكثر، فإنَّ حكمه نفصله في الحالات التالية:
الأولى: أن يتبين له النقص قبل البدء بصلاة الاحتياط، وعليه في هذه الحالة أن يغض النظر عما وقع منه من تشهد وتسليم، ويقوم لإكمال صلاته وتدارك النقص بشكل طبيعي.
الثانية: أن يتبين له النقص أثناء صلاة الاحتياط فهنا صورتان:
أ ـ أن يكون ذلك قبل الدخول في ركوع الصلاة، فإن كانت صلاته قياماً استمر فيها بقصد إكمال الناقص من صلاته، لا بقصد كونها صلاة احتياط، وأتمها بمقدار ما نقص منها. وإن كانت صلاته جلوساً فإنَّ عليه أن يلغي ما أتى به وينهض قائماً ليتدارك الناقص وكأنه لـم يتشهد ولم يسلّم، من دون تكبيرة الإحرام.
ب ـ أن يكون ذلك بعد الدخـول في الركوع، فإنَّ عليه قطع صلاة الاحتياط التي هو فيها وإعادة صلاة الفريضة التي كان قد شك فيها من جديد على الأحوط وجوباً، سواء كانت صلاته الاحتياطية من قيام أو من جلوس.
الثالثة: أن يتبين له النقص بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، فإن كان الذي أتى به بمقدار ما نقص منها صح ما أتى به وأجزأ عنه، وإذا كان المأتي به أقل من الناقص، وذلك كمن شك بين الثلاث والأربع، فأتى بركعة الاحتياط قائماً، ثُمَّ تبين له قبل الإتيان بالمنافي أنَّ الناقص من صلاته ركعتان، فالظاهر وجوب إعادة الصلاة، وعدم كفاية صلاة الاحتياط وحدها، ولا مع تتميم الناقص متصلاً بها على الأحوط.
الرابعة: أن يتبين له بعد الفراغ من صلاة الاحتياط زيادتها عن الناقص من الفريضة، وحكمه لزوم إعادة صلاة الفريضة من جديد وعدم الاكتفاء بصلاة الاحتياط التي أداها. ومثاله: أن يكون قد شك بين الاثنتين والأربع، وبعدما أتى بركعتين احتياطا تبين له أنَّ الناقص من صلاته ركعة واحدة، وأنَّ ما أتى به احتياطا أزيد مما نقص من الفريضة.
مسألة 785: يجري في صلاة الاحتياط ما يجري في سائر الفرائض من أحكام السهو في الزيادة والنقصان، ومن أحكام الشك في الأفعال، ولا تبطل مع الشك في عدد ركعاتها، بل يبني على الأكثر، إلاَّ إذا كان الأكثر مفسداً فيبني على الأقل، وتصح حينئذ من دون صلاة احتياط ثانية خاصة بها.
مسألة 786: إذا نسي من صلاة الاحتياط ركناً ولم يتمكن من تداركه، أو زاد فيها ركعة بطلت صلاته ولزمه إعادة الفريضة.
مسألة 787: إذا شك في الإتيان بصلاة الاحتياط بنى على العدم إلاَّ إذا كان بعد خروج الوقت، أو بعد صدور ما ينافي الصلاة عمداً وسهواً، فإنه لا يبالي بشكه ويعتبر أنه قد أتى بها.
السادس ـ الشك خلال صلاة الجماعة:
ما ذكرنا من أحكام الشك في عدد الركعات بنوعيه إنما هو في غير صلاة الجماعة، أمّا في صلاة الجماعة فإنَّ الإمام إذا شك في عدد الركعات يرجع في شكه إلى المأموم الحافظ، عادلاً كان المأموم أو فاسقاً، ذكراً أو أنثى، وكذلك إذا شك المأموم فإنه يرجع إلى الإمام الحافظ. والظانّ منهما بمنزلة الحافظ فيكفي كونه ظاناً في رجوع الشاك إليه.
وقد يختلف المأمومون فيكون بعضهم حافظاً وبعضهم شاكاً، فهنا يرجع الإمام إلى الحافظ منهم، لكن المأموم الشاك لا يمكنه حينئذ الرجوع إلى الإمام، بل إنَّ عليه العمل بموجب شكه، إلاَّ أن يُحدث رجوع الإمام إلى الحافظ من المأمومين له الظنّ فيجوز للشاك من المأمومين ـ حينئذ ـ الرجوع إليه.
وكما يرجع كلّ من المأموم والإمام إلى الآخر في عدد الركعات كذلك فإنَّ الشاك منهما يرجع إلى الحافظ في الأفعال، فإذا شك المأموم الذي لـم يتخلّف عن متابعة الإمام بأنه سجد مرة أو مرتين، جاز له الرجوع إلى الإمام الحافظ في ذلك، أمّا إذا احتمل تخلّفه عن الإمام في السجود فإنه لا يجوز له الرجوع فيها إلى الإمام، بل يبني على الأقل ويأتي بسجدة ثانية.
تتمة في حكم الخلل في النافلة:
لا تختلف النافلة عن الفريضة فيما ذكر من أنواع الخلل وأحكامه ما عدا أموراً:
الأول: لا تبطل النافلة بزيادة الركن اضطراراً أو سهواً.
الثاني: يجب تدارك الجزء المنسي فيها ولو بعد الدخول في الركن الذي بعده رغم استلزامه لزيادة الركن، لأنه من نوع الزيادة اضطراراً وقد تقدّم أنَّه لا يبطل النافلة. مثلاً: لو نسي القراءة وتذكرها بعدما دخل في الركوع، لزمه الوقوف والقراءة ثُمَّ الركوع مرة ثانية، وهكذا.
الثالث: لا يجب فيها سجود السهو عند حصول موجب السهو.
الرابع: لا يجب قضاء السجدة الواحدة عند نسيانها.
الخامس: لا تبطل بالشك في عدد ركعاتها وإن كانت مؤلفة من ركعتين، وحينئذ يجوز البناء فيها على الأقل مثلما يجوز فيها البناء على الأكثر، إلاَّ إذا كان البناء على الأكثر موجباً لبطلانها بزيادة ركعة عليها فيبني على الأقل.
وتفصيل الكلام فيه يقع في فروع:
الأول ـ بين الشك والظنّ:
يُراد بالشك تحيّر المكلّف وشكه في وقوع الشيء وعدمه، بحيث يتساوى احتمال وقوع الفعل واحتمال عدم الوقوع، من دون رجحان أحدهما على الآخر. وهو ما يصطلح عليه علمياً بـ (الشك).
أمّا «الظنّ» فهو الحالة التي يكون فيها احتمال الوجود أو العدم أرجح من الآخر.
وقد ساوى الفقهاء في الحكم بين الشك والظنّ إذا وقعا في أجزاء الصلاة وأفعالها، فحكموا بضرورة الإتيان بالمشكوك قبل الدخول في الفعل الذي بعده كالشك في النية أو تكبيرة الإحرام أو الركوع ونحوها، وفرّقوا بينهما إذا كان المورد هو عدد الركعات، فجعلوا الظنّ في العدد ملحقاً بالعلم، ورتبوا على الشك أحكاماً خاصة سنبينها فيما يلي.
والأقوى اعتبار الظنّ كالعلم في عدد الركعات وفي أفعال الصلاة، في ضرورة العمل بمفاد الظنّ وترتيب الأثر على الطرف الراجح وجوداً أو عدماً، فمن ترجح لديه أنه لـم يأت بالركوع أتى به ولو كان بعد الدخول في الجزء الذي بعده ما لـم يكن ركناً، ومن ترجح لديه أنه أتى بالركوع اعتبره مأتياً به ولو كان قبل الدخول في الجزء الذي بعده، وهو في ذلك مثل الظنّ بعدد الركعات في الاعتداد بالطرف الراجح وجوداً وعدماً، فإنَّ من تحيّر في أنه هل هو في الركعة الثانية أو الثالثة، ثُمَّ ترجح لديه أنه في الثالثة، فإنه يعتبر نفسه فعلاً في الركعة الثالثة ويمضي في صلاته.
مسألة 769: إذا تردّد المكلّف في أنَّ الحالة التي هو فيها هل هي شك أو ظنّ اعتبرها شكاً، وإذا كانت حالته هي الشك فانقلبت إلى ظنّ، أو الظنّ فانقلبت إلى شك، رتّب الأثر على ما استقر عليه أمره في الحالة الثانية، غير أنه قد يوجب بطلان الصلاة في بعض الحالات، وذلك كما في حالة ما لو ظنّ أنه في الركعة الثالثة فتابع صلاته على هذا الأساس ثُمَّ انقلب ظنّه إلى الشك بين الاثنتين والثلاث، فإن لـم يكن قد أكمل ذكر السجدة الثانية بطلت صلاته، لأنَّ صحة الصلاة في هذه الحالة من الشك مشروطة بوقوع الشك بعد إكمال ذكر السجدة الثانية.
وهكذا فإنَّ تحوّل حالة المصلي والعمل على طبق الحالة الجديدة قد يستوجب صحة العمل وقد يستوجب فساده، فلا بد من أخذ ذلك بعين الاعتبار.
الثاني ـ حكم كثير الشك:
ما يذكر من أحكام الشك إنما يعالج حالة الشك العادية، فإذا تكرر الشك من المكلّف حتى صار كثير الشك اختص بحكم خاص نذكره في مسائل.
مسألة 770: كثير الشك هو الذي يتكرر منه الشك في فعل خاص، أو في كلّ فعل، بنحو يتجاوز المألوف، والمرجع فيه العرف، حيث يرى العرف أنَّ من شك في كلّ ثلاث صلوات مرة يعتبر كثير الشك. وقد تتفاقم كثرة الشك فتصل إلى حدّ الوسوسة، وهي حالة مرضية يسيطر فيها الشك على الذهن حتى لا يملك القطع بشيء على الإطلاق، أو بشيء خاص، كالشك الدائم في الطهارة للوسواسي بالنجاسة، أو بالنطق الصحيح لتكبيرة الإحرام أو القراءة، أو بغير ذلك من الحالات. ومن كان كثير الشك أو وسواسياً في فعل خاص اقتصر في صدق هذا العنوان عليه بذلك الفعل دون غيره من الأفعال التي يكون شكه فيها عادياً.
مسألة 771: لا يشمل عنوان «كثير الشك» من كثر شكه من باب المصادفة والاتفاق لظروف خاصة توجب التوتر والقلق، كأن يكون مطارداً من ظالم، أو محزوناً بفقد عزيز أو خسارة مال، فإنه يتعاطى مع هذا الشك الكثير الطارئ مثلما يتعاطى مع الشك الاعتيادي.
مسألة 772: حكم كثير الشك، وكذا الوسواسي، أن يأخذ بالحالة التي يعتبر عمله فيها صحيحاً، سواء كان الشك في الأفعال أو الشروط أو عدد الركعات، فمن كان كثير الشك في أنه صلّى أو لـم يصلّ يعتبر أنه قد صلّى، أو في أنه توضأ للصلاة أو لا، يعتبر أنه قد توضأ، أو في أنه ركع أو لا، يعتبر أنه قد ركع، أو في أنه ركع مرة أو مرتين، يعتبر أنه قد ركع مرة واحدة، أو في عدد الركعات، فإنه يبني على الأكثر، إلاَّ أن يكون الأكثر مفسداً، كمن شك في أنه صلّى الظهر أربع ركعات أو خمس، فإنه هنا يبني على الأقل الذي تكون به الصلاة صحيحة، وهكذا.
مسألة 773: إذا لـم يعتن كثير الشك بشكه ثُمَّ تبين له وجود خلل في صلاته في الموضع الذي كان قد شك فيه وجب عليه أن يعمل بما هو المناسب لحالته، فإن كان زيادة أو نقصاً مبطلاً أعاد صلاته، وإن كان مما يمكن تداركُه تدراكَه، وإن كان مما يجب قضاؤه قضاه، وهكذا. ونفس الحكم ثابت لغير كثير الشك في الحالات التي يَعمل فيها بوظيفة الشاك، ثُمَّ يتبين له وجود الخلل، كما سيأتي بيانه.
مسألة 774: لا يجوز لكثير الشك الاعتناء بشكه، لكنه إذا أتى بالمشكوك بقصد القربة لـم تبطل صلاته، بدون فرق بين ما لو كان المشكوك فيه ركناً كالركوع، أو غير ركن كالقراءة، وإن كان آثماً لمطاوعة شكه.
مسألة 775: لو شك في حصول حالة كثرة الشك بنى على عدمها، وإذا كان كثير الشك فشك في زوال هذه الحالة بنى على بقائها، إلاَّ أن يرجع شكه إلى الشك في مفهوم كثرة الشك العرفي ومدى اعتبار حالته من نوع كثرة الشك أو لا، فإنه حينئذ يعتني بشكه ولا يلحقه حكم كثير الشك.
الثالث ـ الشك في الأفعال:
الشك الذي يحصل من الإنسان العادي في شكه تارة يكون في أفعال الصلاة وشروطها وتارة يكون في عدد ركعاتها، ولكلٍّ منهما حكم خاص، وفي هذا الفرع نتعرّض لحكم الشك في الأفعال والشروط، وحيث إننا قد ذكرنا حكم الشك في كلّ فعل أو شرط عند الحديث عنه في محله فإنه لا ضرورة للإعادة، ونكتفي هنا بالتعرّض للقاعدة العامة التي ترجع إليها تلك الفروع المذكورة وغيرها مما يمكن أن يستجد، وذلك كما يلي:
مسألة 776: كلّما شك المصلي في أداء واجب من واجبات الصلاة بنى على أنَّه لـم يؤده. وتستثنى من ذلك الحالات التالية:
الحالة الأولى: إذا شك في الإتيان بجزءٍ من أجزاء الصلاة بعد أن تجاوز مكانه المقرر له فيها تبعاً لترتيبها وتنسيقها ودخل في الجزء الذي يليه ولو كان مستحباً، فإنه يمضي ولا يعتني بشكه، فإذا شك في تكبيرة الإحرام وهو يقرأ الفاتحة فإنه يمضي ولا يكترث، وكذا إذا شك في القراءة وهو في القنوت، أو شكّ في القراءة وهو راكع، نعم لو كان الشك في ذلك وهو يهوي إلى الركوع، ولم يصل بعد إلى مستوى الراكع، فالأحوط له الاعتناء بالشك والإتيان بالجزء المشكوك بنية القربة المطلقة،وكذلك حكم من شك في السجود أو التشهد حال نهوضه للقيام.
وهذا الحكم العام بعدم الاعتناء بالشك في شيء بعد التجاوز عنه أو بعد الدخول في الجزء الذي يليه يسمى لدى الفقهاء بـ «قاعدة التجاوز»، وقد مرّت بنا من خلال استعراض أجزاء الصلاة تطبيقات كثيرة لهذه القاعدة. وفي مقابل ذلك يجب الاعتناء بالشك إذا حصل في جزءٍ قبل التجاوز عن مكانه المقرر له وهو ما يسمى عند الفقهاء بـ «قاعدة الشك في المحل»، وبموجب هذه القاعدة يجب على كلّ من يشك في جزء قبل أن يتجاوزه إلى الجزء الذي يليه أن يعتني بشكه ويفترض بأنه لـم يأت بذلك الجزء المشكوك فيؤديه، وذلك كمن شك في القراءة قبل أن يهوي إلى الركوع أو قبل أن يشرع في القنوت، فإنه يأتي بالقراءة معتبراً أنه لـم يقرأ بعد. وهكذا سائر الموارد.
الحالة الثانية: إذا شكَّ في صحة الجزء الواقع وفساده، لا في أصل وقوعه ووجوده، بعدما أداه وفرغ منه، فالحكم فيه الصحة على أي حال، سواء كان حين الشك قد تجاوز المحل المقرر لذلك الجزء ودخل في الجزء الذي يليه أم لـم يتجاوز ولم يدخل، فمن كبر للإحرام ثُمَّ شك في صحة التكبير فالتكبير صحيح وإن لـم يكن قد قرأ بعد، وكذا من شك في صحة القراءة ولم يكن قد ركع.
وهذا الحكم العام بعدم الاعتناء بالشك في صحة ما وقع بعد الفراغ منه يسمى لدى الفقهاء بـ «قاعدة الفراغ»، وقد مرّت تطبيقات عديدة له من خلال استعراض أجزاء الصلاة.
الحالة الثالثة: إذا بدأ الصلاة وشروطُها متوافرة، ثُمَّ شك في أنَّ هذه الشروط هل استمرت مع صلاته أو اختل شيء منها في أثناء الصلاة، مضى ولم يعتن بشكه، ومثاله: من بدأ صلاته مستقبلاً للقبلة ثُمَّ شك في أنه هل انحرف عنها في بعض الأجزاء السابقة أو لا، ومثال آخر: امرأة بدأت صلاتها وهي ساترة لشعرها ثُمَّ تشك في أنه هل انكشف شعرها في الأثناء أم لا، والحكم في المثالين هو المضي وعدم الاعتناء لأنَّ الأصل بقاء الحالة السابقة، ومن أمثلة ذلك أيضاً أن يشك في وقوع مبطل من المبطلات أو صدور زيادة مبطلة منه فإنه لا يعتني بكلّ ذلك.
مسألة 777: في كلّ حالة كان الحكم فيها المضي وعدم الاعتناء بالشك إذا طبق المصلي هذا الحكم ثُمَّ انكشف أنه لـم يكن قد أتى بالجزء المشكوك حقاً، فإنه إذا كان بإمكانه التدارك بالمعنى المتقدّم في مبحث الزيادة والنقصان رجع وتدارك، وإلاَّ مضى وصحت صلاته ما لـم يكن الجزء المتروك ركناً، فإنَّ انكشاف فوته يبطل الصلاة.
وفي كلّ حالة كان الحكم فيها هو الاعتناء بالشك والإتيان بما يشك فيه، تبعاً لقاعدة الشك في المحل، إذا طبق المصلي هذا الحكم فأتى بالجزء المشكوك ثُمَّ اتضح له أنه كان قد أتى به سابقاً مضى في صلاته، وعليه ملاحظة ما لو كان يستلزم سجود السهو فيأتي به بعد الإنتهاء من الصلاة.
الرابع ـ الشك في عدد الركعات:
الشك في عدد الركعات إذا وقع بعد الفراغ من الصلاة فلا أثر له ولا يعتنى به، وأمّا إذا كان في أثناء الصلاة فهو على أقسام: لأنَّ منه ما هو مبطل للصلاة، ومنه ما هو غير مبطل وبحاجة إلى علاج شرعاً، ومنه ما هو غير مبطل وليس بحاجة إلى علاج، فهذه أقسام ثلاثة:
1 ـ الشك الذي لا أثر له:
ونريد به الشك الذي لا يبطل الصلاة، ولا تحتاج معه في صحتها إلى معالجة بمثل صلاة الاحتياط، وهو يتمثّل في إحدى الصور التالية:
الأولى: أن يجد المصلي نفسه وهو يتشهد، أو قد أكمل تشهده، وشك في أنه هل فرغ من الركعة الثانية وهذا هو التشهد المطلوب منه في مثل هذا الموضع، أو أنه لـم يفرغ حتى الآن إلاَّ من الركعة الأولى وقد وقع هذا التشهد منه سهواً، ففي هذه الحالة يبني المصلي على أنه قد صلى ركعتين، وأنَّ هذا هو التشهد المطلوب منه، ويقوم لأداء الركعة الثالثة إذا كانت صلاته ثلاثية أو رباعية ولا شيء عليه، وأمّا إذا كانت صلاته ثنائية ـ ذات ركعتين ـ فعليه أن يكمل تشهده وتسليمه وتصح صلاته.
الثانية: أن يصلي الإنسان صلاة رباعية فيجد نفسه يتشهد أو قد أكمل تشهده، وهو على يقين بأنه تجاوز الركعة الثانية إلى ما بعده من ركعات، وشك في أنه هل فرغ من الركعة الرابعة وهذا هو التشهد المطلوب منه في مثل الموضع، أو أنه لا يزال في الركعة الثالثة وقد وقع منه هذا التشهد سهواً، ففي هذه الحالة يبني على أنه في الرابعة ويكمل صلاته على هذا الأساس ولا شيء عليه.
الثالثة: أن يصلي الإنسان صلاة ثلاثية فيجد نفسه مشغولاً بالتسليم ويشك في أنه هل فرغ من الركعة الثالثة وهذا التسليم هو المطلوب منه في مثل هذا الموضع، أو أنه لا يزال في الركعة الثانية وقد وقع منه هذا التسليم سهواً، ففي هذه الحالة يبني على أنه أتى بالثالثة ويكمل تسليمه ولا شيء عليه.
2 ـ الشك الذي له علاج:
ونريد به صور الشك التسع المشهورة التي لا تبطل بها الصلاة إذا تمت معالجتها بالنحو المطلوب شرعاً، ووقعت في خصوص الصلاة المؤلفة من أربع ركعات، وهذه الصور هي:
الصورة الأولى: أن يرفع المصلي رأسه من السجدة الثانية، أو يكمل الذكر فيها على الأقل، ثُمَّ يشك في أنَّ هذه الركعة التي فرغ منها الآن: هل هي ثانية أو ثالثة، فالثانية متيقنة لا ريب فيها، والثالثة محل الريب، فيبني على أنها ثالثة، ويأتي بالرابعة، ويتشهد ويسلّم، ثُمَّ يأتـي بصـلاة الاحتيـاط، وهي ـ فـي هذه الصورة ـ ركعة واحدة من قيام على الأحوط وجوباً للقادر على القيام، أو ركعة واحدة من جلوس بدلاً عنها لمن عجز عن القيام وكانت وظيفته الصلاة جالساً.
الثانية: أن يشك هل صلّى ثلاث ركعات أو أربع، فإنه يبني على الأربع، سواء أوقع الشك منه حال القيام أم حال الركوع أم السجود أم بعد رفع الرأس من السجود، ويتمّ ما بقي من الركعة الرابعة ويتشهد ويسلّم، وإذا كان المصلي مكلّفاً بالصلاة قائماً فله هنا الخيار بين الاحتياط بركعة من قيام والاحتياط بركعتين من جلوس، وإن كان عاجزاً عن القيام ومكلّفاً بالصلاة من جلوس فعليه الاحتياط بالإتيان بركعة واحدة جالساً.
هذا كلّه إذا لـم يطرأ هذا الشك على المصلي وهو يتشهد وإلاَّ كان من الصورة الثانية للقسم السابق الذي تصح معه الصلاة بلا علاج.
الثالثة: أن يشك بين الركعتين والأربع بعد إكمال السجدتين، وذلك بالفراغ من الذكر من السجدة الثانية أو برفع الرأس منها، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويأتي بركعتين من قيام، وإن كان المصلي ممن يصلي جالساً احتاط بركعتين من جلوس.
الرابعة: أن يشك بين الركعتين والثلاث والأربع أيضاً بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي أولاً بركعتين من قيام ثُمَّ بركعتين من جلوس. وإن كان فرضه أن يصلي جالساً احتاط بركعتين من جلوس ثُمَّ بركعة جالساً.
الخامسة: أن يشك بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويسجد سجدتي السهو.
السادسة: أن يشك بين الأربع والخمس حال القيام، فعليه أن يهوي جالساً، وبذلك يرجع شكه إلى الشك بين الثلاث والأربع، لأنه بجلوسه هدم الركعة التي كان فيها وقطعها، وهذا يعني أنها لو كانت هي الرابعة فقد بقي معه ثلاث ركعات، ولو كانت هي الخامسة فقد بقي معه أربع ركعات، فهو الآن بين الثلاث والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويأتي بركعة قائماً أو بركعتين جالساً، تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الثانية.
السابعة: أن يشك بين الثلاث والخمس وهو قائم، فيجلس ويرجع شكه إلى الشك بين الاثنتين والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويأتي بركعتين من قيام تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الثالثة.
الثامنة: أن يشك بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام، فيجلس ويرجع شكه إلى الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويأتي أولاً بركعتين من قيام ثُمَّ بركعتين من جلوس تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الرابعة.
التاسعة: أن يشك بين الخمس والست وهو قائم فيجلس ويرجع شكه إلى الشك بين الأربع والخمس ويتمّ صلاته ويسجد سجدتي السهو تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الخامسة.
ففي هذه الصور التسع تصح الصلاة بالعلاج الذي حدّدناه، ويستثنى من ذلك حالات تصح فيها الصلاة من دون علاج رغم كون الشك من نوع تلك الصور التسع، وهذه الحالات هي:
أولاً: إذا حصل للشاك ترجيح معين لأحد الاحتمالات، وهو ما يسمى «بالظنّ» فيعتمد على ظنّه، فإذا غلب على ظنّ المصلي أنَّ هذه الركعة التي هو فيها هي ثالثة أو رابعة أو ثانية ـ مثلاً ـ عمل بظنّه هذا، تماماً كما يعمل بعلمه في عدد الركعات، ولا شيء عليه ولا يحتاج إلى علاج.
ثانياً: إذا كان الإنسان مفرطاً في الشك وخارجاً عن الحالة الاعتيادية على نحو يصدق عليه عرفاً أنه كثير الشك، كما إذا كان يشك عادة في كلّ ثلاث صلوات متتالية مرة واحدة على الأقل، أو في كلّ ست صلوات متتالية مرتين، وهكذا، فعليه أن يلغي شكه ويفترض أنه قد أتى بما شك فيه من ركعات، أي أنه يبني على الأكثر، فإذا شك في أنه هل أتى بركعتين أو ثلاث بنى على الثلاث، وإذا شك بين الثلاث والأربع بنى على الأربع، ويتمّ صلاته في هاتين الحالتين أو غيرهما من حالات الشك ولا شيء عليه ولا يحتاج إلى علاج، إلا إذا كان الأكثر مبطلاً للصلاة فإنه ـ حينئذ ـ يبني على الأقل ويتمّ صلاته بدون علاج، وذلك كما لو شك بين الأربع والخمس فإنه يبنى على الأربع، لأنَّ البناء على الخمس يبطل الصلاة.
ثالثاً: إذا كان الشاك في عدد الركعات إماماً أو مأموماً، وكان مأمومه أو إمامه حافظاً وضابطاً للعدد، رجع إليه واعتمد على حفظه، سواء كان حفظه على مستوى اليقين أو الظنّ، كما سيأتي تفصيله. (أنظر ص 346).
رابعاً: إذا كان المصلي يؤدي صلاة النافلة وشك في عدد ركعاتها فإنَّ له أن يبني على أقل عدد محتمل ويكمل صلاته ولا شيء عليه، وله أن يبني على أكبر عدد محتمل ما لـم يكن مبطلاً ويكمل صلاته ولا شيء عليه.
3 ـ الشك المبطل للصلاة:
ونريد به القسم الثالث الذي ليس له علاج، فتبطل به الصلاة عند حدوثه، ويجمع فروع هذا القسم أن نقول: «إن كلّ حالة غير الحالات الذي ذكرناها مما تقدّم صحة الصلاة معه، بعلاج أو بدون علاج، فهو من النوع الذي يتسبب ببطلان الصلاة». وتوضيحاً لذلك نذكر الحالات التالية من هذا القسم:
الأولى: أن لا ينحصر شك المصلي في عدد معين من أعداد الركعات، فلا يدري في أية ركعة هو، من دون أن يخطر في ذهنه عدد معين متيقن ينطلق منه لمعالجة الشك، وليس عليه هنا إلاَّ قطع الصلاة واستئنافها من جديد.
الثانية: أن يكون شكه في غير الرباعية من الصلوات اليومية، كأن يكون شكه بين الاثنين والثلاث في صلاة المغرب، أو بين الأولى والثانية في صلاة الصبح، وتبطل الصلاة بهذا الشك في الموردين.
الثالثة: أن يتردّد المصلي في عدد الركعات في صلاة رباعية دون أن يتأكد ويتثبت من وجود الركعة الثانية كاملة سالمة، وإنما تكمل ـ كما أسلفنا القول ـ بإكمال الذكر في السجدة الثانية من الركعة الثانية، كما إذا شك بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في أنَّ هذه الركعة التي فرغ منها الآن هل هي الأولى أو الثانية، وكما إذا شك بعد رفع الرأس من السجدة الأولى، أو قبل ذلك، في أنَّ هذه الركعة التي يؤديها هل هي الثانية أو الثالثة، فإنَّ صلاته تبطل حينئذ، لأنَّ وجودَ الركعة الثانية كاملةً غيرُ مؤكد. وهذا هو معنى اشتراط حدوث الشك في بعض الصور بعد إتمام ذكر السجدة الثانية.
مسألة 778: يجب التذكير في هذا القسم بأنَّ بطلان الصلاة وإن كان حتماً لازماً في مثل هذه الحالات، غير أنه يمكن تدارك ذلك وتصحيح الصلاة ضمن الاستثناءات التي وردت في ثنايا كلامنا الآنف، وهذه الاستثناءات هي:
1 ـ حدوث الشك من المصلي أثناء التشهد أو بعده، بنحو يشك أن تشهده هذا هل وقع منه خطأ في الركعة الأولى، وأنه الآن في الركعة الأولى، أو أنه في الركعة الثانية والتشهد في محله، فإنه يجعل التشهد قرينة على أنه قد أتـمّ الركعة الثانية ويرتب عليها الآثار المناسبة.
2 ـ تحوُّلُ شكِّه إلى الظنّ والترجيح لعدد على غيره، فضلاً عمّا لو تحوّل إلى يقين، فإنه يعمل على مقتضى ظنّه أو يقينه في جميع الحالات.
3 ـ كونه كثير الشك، فإنه لا يعتني بشكه حتى في الحالات التي يكون الشك فيها من الإنسان العادي مبطلاً.
4 ـ أن يعتمد كلّ من الإمام والمأموم على الآخر، الشاك منهما على الحافظ.
5 ـ أن يكون الشك في نافلة، فإنه تصح به الصلاة رغم كونها ركعتين في معظم النوافل. وقد مرّ جميع ذلك في محله مفصلاً.
مسألة 779: في كلّ صورة يهدم فيها القيام فإنَّ الأحوط وجوباً أن يسجد سجدتي السهو لزيادة القيام، ومحلها بعد الانتهاء من صلاة الاحتياط أو بعد سجدتي السهو الواجبتين في علاج الشك.
مسألة 780: في الصور التسع التي يمكن تصحيح الصلاة فيها في حال الشك لا يجوز للمكلف قطع الصلاة واستئنافها على الأحوط وجوباً، بل لا بُدَّ له من العمل بموجب العلاج الذي تفرضه صورة الشك التي هو عليها.
الخامس ـ في صلاة الاحتياط:
وهي الصلاة التي يجب الإتيان بها لعلاج الشك بالنحو الذي بيناه في صور الشك بهدف تدارك النقص المحتمل في عدد ركعات الصلاة.
مسألة 781: يشترط. في صلاة الاحتياط جميع ما يشترط في الصلاة من الشرائط، كالاستقبال والطهارة والستر وغير ذلك، فإذا أحرز ذلك كلّه ينوي ويكبر للإحرام، ويقرأ الفاتحة من دون سورة ويخفت فيها على الأحوط وجوباً، بما فيها البسملة، ويركع ويسجد السجدتين ويتشهد ويسلّم، إن كانت ركعة واحدة، وإن كانت ركعتين جعل ذلك التشهد والتسليم في الركعة الثانية. وليس فيها أذان ولا إقامة ولا قنوت.
مسألة 782: الظاهر لزوم الإتيان بها فوراً بعد الصلاة، وقبل فعل المنافي، وعليه فإنه لا يجوز تعمد فعل المنافي قبلها بنية إعادة الصلاة، ولو صدر منه المنافي اختياراً أو اضطراراً أعاد الصلاة بدون صلاة الاحتياط.
مسألة 783: إذا زال شكه واعتقد تمامية الصلاة واكتمالها، فإن كان قبل صلاة الاحتياط لـم يحتج إليها، وإن كان أثناء صلاة الاحتياط جاز له قطعها وجاز إتمامها بنية النافلة ركعتين.
مسألة 784: إذا زال شك المصلي بعد فراغه من الصلاة واعتقد نقصان صلاته ركعة أو أكثر، فإنَّ حكمه نفصله في الحالات التالية:
الأولى: أن يتبين له النقص قبل البدء بصلاة الاحتياط، وعليه في هذه الحالة أن يغض النظر عما وقع منه من تشهد وتسليم، ويقوم لإكمال صلاته وتدارك النقص بشكل طبيعي.
الثانية: أن يتبين له النقص أثناء صلاة الاحتياط فهنا صورتان:
أ ـ أن يكون ذلك قبل الدخول في ركوع الصلاة، فإن كانت صلاته قياماً استمر فيها بقصد إكمال الناقص من صلاته، لا بقصد كونها صلاة احتياط، وأتمها بمقدار ما نقص منها. وإن كانت صلاته جلوساً فإنَّ عليه أن يلغي ما أتى به وينهض قائماً ليتدارك الناقص وكأنه لـم يتشهد ولم يسلّم، من دون تكبيرة الإحرام.
ب ـ أن يكون ذلك بعد الدخـول في الركوع، فإنَّ عليه قطع صلاة الاحتياط التي هو فيها وإعادة صلاة الفريضة التي كان قد شك فيها من جديد على الأحوط وجوباً، سواء كانت صلاته الاحتياطية من قيام أو من جلوس.
الثالثة: أن يتبين له النقص بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، فإن كان الذي أتى به بمقدار ما نقص منها صح ما أتى به وأجزأ عنه، وإذا كان المأتي به أقل من الناقص، وذلك كمن شك بين الثلاث والأربع، فأتى بركعة الاحتياط قائماً، ثُمَّ تبين له قبل الإتيان بالمنافي أنَّ الناقص من صلاته ركعتان، فالظاهر وجوب إعادة الصلاة، وعدم كفاية صلاة الاحتياط وحدها، ولا مع تتميم الناقص متصلاً بها على الأحوط.
الرابعة: أن يتبين له بعد الفراغ من صلاة الاحتياط زيادتها عن الناقص من الفريضة، وحكمه لزوم إعادة صلاة الفريضة من جديد وعدم الاكتفاء بصلاة الاحتياط التي أداها. ومثاله: أن يكون قد شك بين الاثنتين والأربع، وبعدما أتى بركعتين احتياطا تبين له أنَّ الناقص من صلاته ركعة واحدة، وأنَّ ما أتى به احتياطا أزيد مما نقص من الفريضة.
مسألة 785: يجري في صلاة الاحتياط ما يجري في سائر الفرائض من أحكام السهو في الزيادة والنقصان، ومن أحكام الشك في الأفعال، ولا تبطل مع الشك في عدد ركعاتها، بل يبني على الأكثر، إلاَّ إذا كان الأكثر مفسداً فيبني على الأقل، وتصح حينئذ من دون صلاة احتياط ثانية خاصة بها.
مسألة 786: إذا نسي من صلاة الاحتياط ركناً ولم يتمكن من تداركه، أو زاد فيها ركعة بطلت صلاته ولزمه إعادة الفريضة.
مسألة 787: إذا شك في الإتيان بصلاة الاحتياط بنى على العدم إلاَّ إذا كان بعد خروج الوقت، أو بعد صدور ما ينافي الصلاة عمداً وسهواً، فإنه لا يبالي بشكه ويعتبر أنه قد أتى بها.
السادس ـ الشك خلال صلاة الجماعة:
ما ذكرنا من أحكام الشك في عدد الركعات بنوعيه إنما هو في غير صلاة الجماعة، أمّا في صلاة الجماعة فإنَّ الإمام إذا شك في عدد الركعات يرجع في شكه إلى المأموم الحافظ، عادلاً كان المأموم أو فاسقاً، ذكراً أو أنثى، وكذلك إذا شك المأموم فإنه يرجع إلى الإمام الحافظ. والظانّ منهما بمنزلة الحافظ فيكفي كونه ظاناً في رجوع الشاك إليه.
وقد يختلف المأمومون فيكون بعضهم حافظاً وبعضهم شاكاً، فهنا يرجع الإمام إلى الحافظ منهم، لكن المأموم الشاك لا يمكنه حينئذ الرجوع إلى الإمام، بل إنَّ عليه العمل بموجب شكه، إلاَّ أن يُحدث رجوع الإمام إلى الحافظ من المأمومين له الظنّ فيجوز للشاك من المأمومين ـ حينئذ ـ الرجوع إليه.
وكما يرجع كلّ من المأموم والإمام إلى الآخر في عدد الركعات كذلك فإنَّ الشاك منهما يرجع إلى الحافظ في الأفعال، فإذا شك المأموم الذي لـم يتخلّف عن متابعة الإمام بأنه سجد مرة أو مرتين، جاز له الرجوع إلى الإمام الحافظ في ذلك، أمّا إذا احتمل تخلّفه عن الإمام في السجود فإنه لا يجوز له الرجوع فيها إلى الإمام، بل يبني على الأقل ويأتي بسجدة ثانية.
تتمة في حكم الخلل في النافلة:
لا تختلف النافلة عن الفريضة فيما ذكر من أنواع الخلل وأحكامه ما عدا أموراً:
الأول: لا تبطل النافلة بزيادة الركن اضطراراً أو سهواً.
الثاني: يجب تدارك الجزء المنسي فيها ولو بعد الدخول في الركن الذي بعده رغم استلزامه لزيادة الركن، لأنه من نوع الزيادة اضطراراً وقد تقدّم أنَّه لا يبطل النافلة. مثلاً: لو نسي القراءة وتذكرها بعدما دخل في الركوع، لزمه الوقوف والقراءة ثُمَّ الركوع مرة ثانية، وهكذا.
الثالث: لا يجب فيها سجود السهو عند حصول موجب السهو.
الرابع: لا يجب قضاء السجدة الواحدة عند نسيانها.
الخامس: لا تبطل بالشك في عدد ركعاتها وإن كانت مؤلفة من ركعتين، وحينئذ يجوز البناء فيها على الأقل مثلما يجوز فيها البناء على الأكثر، إلاَّ إذا كان البناء على الأكثر موجباً لبطلانها بزيادة ركعة عليها فيبني على الأقل.