خاتمة ـ في أحكام التخلي:
التخلي: طلب الخلوة لقضاء حاجة البول والغائط، وذِكْرُه في مبحث المطهرات أنسب، لأنَّ الغرض الأساس منه ذكر كيفية تطهير موضع البول والغائط، غير أنه من أجل اشتماله على أحكام أخرى غير التطهير، فإننا قد استحسنا إفراده بالذكر في هذه الخاتمة.
وللتخلي أحكام تندرج في أمور:
الأمر الأول ـ في مكان التخلي:
وفيه مسائل:
مسألة 185: يحرم استخدام ملك الغير لقضاء الحاجة فيه من دون إذنه، سواء في ذلك الأراضي أو الأبنية، والإذن إمّا أن يكون صريحاً بذلك، بخصوصه أو بالأعم الذي يشمله، أو يكون الإذن بالتلميح وفحوى الكلام، وذلك كأن يأذن له بالوضوء والصلاة بالنحو الذي يفهم منه ضمناً الإذن بقضاء الحاجة، أو يفهم الإذن من نوع الصلة القائمة بين هذا المكلف والمالك، كعلاقة الصداقة الوطيدة أو القرابة القائمة بينهما، أو وجود مفتاح البيت معه، أو من كون الأرض غير مغروسة ولا مسورة، بنحو يفهم منه ـ عرفاً ـ تراضي النّاس على ذلك وعدم ممانعتهم فيه، ونحو ذلك من القرائن اللفظيّة أو العمليّة، ولا حاجة للإذن في الأراضي المتّسعة ما لـم يصرح المالك بكراهة ذلك وعدم رضاه عنه.
مسألة 186: الطرق الخاصة المملوكة لأصحابها لا يجوز قضاء الحاجة فيها من دون إذن مالكيها، وكذا الأوقاف الخاصة بشخص أو أشخاص محدّدين.
مسألة 187: الأوقاف العامة مثل المساجد والحسينيات والمدارس والنوادي ونحوها يجوز استخدام المرافق الصحية فيها ما لـم يعلم بأنَّ مرافقها وقف خاص على المصلين في المسجد أو الطلبة الساكنين في المدرسة، فإذا علم بذلك لـم يجز لغير المصلي التخلّي في مرافق المسجد، ولا لغير الطلبة الساكنين أو المنتسبين التخلي في مرافق المدرسة، وهكذا غيرهما من الأوقاف العامة. ومن أجل الاستعلام عن حال الوقف يكفي الاعتماد على قول المتولي، أو قول الخادم أو الساكن فيه مع الوثوق بخبره.
مسألة 188: يحرم التخلي في الطرقات العامة إذا سبب ذلك أذى للمارة، ويكره مع عدم الأذى، كذلك يكره التخلي في الماء ولا سيما الراكد منه، وتحت الأشجار المثمرة ولو في غير أوان الثمر، ويكره البول على الأرض الصلبة، وفي ثقوب الحشرات، ويكره التخلي في أماكن استراحة النّاس، كمواقف السيارات العامة أو الحدائق المعدة للتنزه ونحو ذلك، ويستحب في البرية أن يطلب مكاناً يغيب فيه شخصه عن الناظر.
الأمر الثاني ـ ستر العورة:
وفيه مسائل:
مسألة 189: يجب على المكلّف ستر عورته عن الناظرين، في حال التخلي وفي غيره من الأحوال، بكلّ ما يصلح حاجزاً وستراً عند وجود الناظر وعدم الأمن منه. وتفصيل ذلك يختلف بين الذكر والأنثى:
أمّا عورة الرّجل فهي خصوص القضيب والبيضتين وحلقة الدبر دون غيرها من جسده، سواء كان الناظر من الذكور المماثلين له أو من الإناث، وسواء في ذلك المحارم كالولد والأب والأم ونحوهم أو غيرهم من الأجانب، بما في ذلك المجنون وغير البالغ إذا كان ممن يميّز ويعي معنى العمل الجنسي ومعنى العورة ووظيفتها الجنسية.
نعم يستثنى من ذلك الزوجة ولو كانت في عدّة الطلاق الرجعي الذي يصح فيه الرجوع من قبل الزوج إليها من دون عقد، في مقابل الطلاق البائن الذي لا يصح فيه الرجوع إلى الزوجة في عدتها إلاَّ بعقد جديد. كذلك يستثنى الطفل الصغير غير المميز.
أمّا عورة المرأة فهي جميع جسدها ما عدا الوجه والكفين والقدمين، ويختلف الحكم في المرأة بين جسدها وبين نفس العورة الخاصة منها، وهي الفرج وحلقة الدبر.
فالعورة الخاصة يجب سترها ولا يجوز النظر إليها من كلّ ناظر من الذكور سواء المحارم أو الأجانب، وكذا من الناظر المماثل من الإناث عند عدم الحاجة الموجبة للنظر، كالولادة والفحص الطبي وتجميل العروس وغيرها من الضرورات والحاجات العرفية، فإن وجدت مثل هذه الحاجة جاز النظر إلى العورة من دون شهوة. هذا ويستثنى من حرمة النظر الزوج والطفل الصغير غير المميز فإنه لا يجب ستر العورة الخاصة عنهما فضلاً عن سائر الجسد، وذلك بالنحو الذي ذكر في عورة الرّجل.
أمّا غير العورة الخاصة من الجسد فإنه لا يجوز النظر إليه من قبل الناظر الذكر الأجنبي حتى المجنون وغير البالغ إذا كان مميزاً، ويجوز لمثلها النظر إليها ولو من دون ضرورة، وكذلك المحارم الذكور، من دون شهوة في الحالتين، وإن كان الأحوط استحباباً للمحرم الرّجل ترك النظر لما بين السرة والركبة من محارمه النساء.
مسألة 190: كما يجب على المكلّف ستر عورته عمن ذكرنا فإنه لا يجوز له النظر إلى عوراتهم بنفس التفاصيل والاستثناءات المذكورة، من دون فرق بين النظر بشهوة أو بدونها.
مسألة 191: كما لا يجب ستر العورة عن الطفل غير المميز كذلك فإنه يجوز النظر إلى عورته، وإن كان الأفضل ترك النظر لعورة الطفل فوق ست سنوات، وخاصة الأنثى، والتستر عنه.
مسألة 192:لا مانع من النظر بدون شهوة إلى صورة ما يحرم كشفه من الرّجل والمرأة، إلاَّ إذا كانت تمثّل حالة أو وضعاً خلاعياً، أو كانت الصورة لامرأة معروفة وكان في النظر إليها هتكٌ لحرمتها بحسب الوضع الاجتماعي العام، كما في مثل المرأة المحجبة. وكما يجوز النظر إلى الصورة بدون شهوة في الحالات العادية فإنه يجوز ـ أيضاً ـ في نطاق البحوث العلمية في كليات الطب ومعاهد التمريض وما أشبه ذلك.
مسألة 193: الواجب ستر بشرة العورة لا حجمها ولا شبحها، فإذا ظهر لون العورة من وراء الساتر الرقيق بنحو لـم يعتبر ستراً للعورة عرفاً وجب ستر الشبح حينئذ، وقد يجب ستر الحجم والشبح ويحرم النظر إليهما إذا أوجب ظهورهما افتتان الناظر وتحرّك غريزته، كما في مثل الملابس الضيقة المبرزة لحجم العورة.
مسألة 194: يجوز النظر إلى العورة عند الاضطرار لعلاج أو إنقاذ من الغرق أو نحو ذلك. ويُراد بالاضطرار مطلق المخاطر الصحية التي يعتد بها مما يسعى العقلاء إلى تجنبه حفاظاً على سلامة الجسد، حتى لو كان الألم مما يمكن تحمله والصبر عليه، فضلاً عمّا لو كان يوجب الهلاك أو ما يشبه الهلاك كفقد الأعضاء الحيوية أو الأمراض الخطيرة، وكذا يجوز النظر في حالات الجبر والإكراه التي قد تقترن بالتهديد بالهلاك وشبهه أو بما دون ذلك من الآلام التي يعتد بها، وفي حالات الحرج الشديد التي يصعب تحملها مثل العار والفضيحة والذل الشديد ونحو ذلك.
هذا وقد سلف القول منا أنه يكفي في جواز نظر المرأة إلى عورة المرأة الضرورة العرفية، مثل مساعدة المرأة حين الوضع ولو لغير القابلة، ومثل وضع مانع للحمل ولو من غير ضرورة، ومثل حالة تجميل المرأة، ونحو ذلك مما يعدّ حاجة للمرأة يصعب قضاؤها من دون مساعدة الغير، فلو انتفت مثل هذه الحاجة لـم يجز للمرأة النظر إلى عورة أمثالها من النساء، كما أنَّ جواز النظر مشروط بكونه بدون شهوة.
مسألة 195: في حالات الاضطرار ونحوه إذا أمكن أن ينظر الرّجل إلى عورة المرأة أو الرّجل، أو أن تنظر المرأة إلى عورة الرّجل، بمثل المرآة وجب ذلك ولم يجز النظر المباشر.
هذا وسوف يأتي ذكر جوانب أخرى من أحكام الستر والنظر واللمس عند الحديث عن لباس المصلي وعن العلاقة الزوجية في البحوث القادمة من هذا الكتاب.
الأمر الثالث ـ اتجاه البدن حين التخلي:
وفيه مسائل:
مسألة 196: ذهب المشهور من الفقهاء إلى حرمة استقبال القبلة بمقاديم البدن أو استدبارها حين التخلي، والمراد بالمقاديم الصدر والبطن والركبتان، وهو الأحوط استحباباً، من دون فرق بين كون التخلي في الأبنية أو في البرية.
مسألة 197: يتحقّق ترك الاستقبال والإستدبار بمجرد الميل عن حدّ القبلة بالنحو الذي يعتبر عرفاً غير مستقبل ولا مستدبر، فلا ضرورة للجلوس إلى جهة الشرق أو الغرب تماماً.
مسألة 198: في البرية يكره استقبال قرص الشمس والقمر بالبول والغائط، ويكره استقبال الريح بالبول.
الأمر الرابع ـ في تطهير المخرجين:
وهو الذي اصطلح عليه الفقهاء بـ (الاستنجاء)، وفيه مسائل:
مسألة 199: يكفي تطهير موضع البول بالماء القليل مرتين، إحداهما الغسلة المزيلة للعين، ومع الاستمرار في الصب بالنحو الذي تتحقّق فيه إزالة العين والتطهير تكفي المرة الواحدة، كما تكفي المرة الواحدة بالماء الكثير.
مسألة 200: موضع الغائط يمكن تطهيره بأمرين:
الأول: بالماء، وذلك بالاستمرار بصبّ الماء حتى تزول عين النجاسة وينظف الموضع، من دون حاجة إلى التعدّد، سواء بالماء القليل أو الكثير.
الثاني: بمسحه بكلّ ما يقلع النجاسة ويزيلها، مثل الأحجار والأوراق والأخشاب والحديد ونحو ذلك. ولا بُدَّ من استخدام ثلاث قطع حتى لو حصلت النظافة بالأقل، وإن لـم ينظف بالثلاث وجبت الزيادة عليها حتى ينقى. ويشترط أن تكون القطع طاهرة، كذلك يشترط أن لا تتعدى النجاسة المخرج، فإن تلوثت جوانب المخرج بالغائط لـم يُجزِ ـ حينئذ ـ إلاَّ الماء، وكذلك لو خرج مع الغائط دم أو لاقت المخرج نجاسة من الخارج.
مسألة 201: الغسل بالماء أفضل من المسح بالأحجار، والجمع بينهما أكمل وأنظف، ويكفي لطهارة المخرج بالمسح زوال العين والجرم به، فلا يضر بقاء الأجزاء الصغار التي لا ترى. أمّا عند التطهير بالماء فلا بُدَّ من إزالة العين والأثر دون اللون والرائحة.
مسألة 202: يحرم الاستنجاء بالأجسام المحترمة، كالخبز والفاكهة والأوراق النقدية، والأحوط وجوباً ترك الاستنجاء بمثل العظم وفضلات المواشي اليابسة، مثل بعر الماعز أو الحمار ونحوهما، فإن عصى المكلّف ومسح بها موضع الغائط لـم يطهر المحل بها على الأحوط لزوماً.
مسألة 203: إذا شك في قطعة أنها من الأجسام المحترمة أو من غيرها جاز المسح بها وأجزأ في الطهارة.
مسألة 204: إذا شك بعد الخروج من الخلاء أنه طهر الموضع أو لا، بنى على عدم التطهير حتى لو كان معتاداً على التطهير، نعم لو شك في ذلك بعدما تمت صلاته، بنى على صحة الصلاة ولزمه التطهير للصلاة التالية.
مسألة 205: ماء الاستنجاء طاهر عند اجتماع الشروط، فلا يجب التحرز عمّا يقع منه على البدن أو الثوب، وقد سبق ذكره مفصلاً في مبحث المطهرات (أنظر المسألة 116).
مسألة 206: من أجل التحرز عن خروج قطرات من البول عند التطهير يستحب الاستبراء، وهو مصطلح يُراد به طلب نقاء المخرج من البول بالطريقة التالية:
بعد تطهير مخرج الغائط يمسح بإصبعه الوسطى من اليد اليسرى من حلقة الدبر إلى أصل القضيب تحت الخصيتين ثلاث مرات، ثُمَّ يمسك القضيب بين السبابة والإبهام ويمسح من أصل القضيب فوق الخصيتين إلى رأسه ثلاثاً، ثُمَّ ينتره بتحريكه من الأعلى إلى الأسفل ثلاث مرات، وبذلك لا يبقى أثر للبول في المجرى، ثُمَّ يُطهِّر الموضع بالماء بعد ذلك. والفائدة المترتبة على ذلك أنه لو شك بعد الاستبراء في رطوبة خرجت منه أنها بول أو غيره اعتبرها طاهرة ولم ينتقض بها وضوؤه، إلاَّ أن يتأكد أنها بول، أمّا لو لـم يستبرأ فإنه ـ مـع الشـك ـ يعتبـر هذه الرطوبة بولاً ويجب عليه التطهير منها ويبطل الوضوء لو كان متوضئاً.
مسألة 207: المسح المطلوب في الاستبراء لا يجب فيه الضغط بقوّة، فيكفي الدلك الموجب لإخراج فضلات البول الموجودة في المجرى، وكذا لا تجب فيه المباشرة فيكفي فعله من قبل الغير الذي يحلّ له ذلك، كزوجته، ولو مع قدرته عليه.
مسألة 208: من الواضح أنَّ هذه الطريقة خاصة بالرّجل، أمّا المرأة فليس عليها استبراء، والرطوبة التي تخرج منها بعد تطهير موضع البول محكومة بالطهارة إلاَّ أن تتأكد أنها بول.
الأمر الخامس ـ في آداب التخلي:
قد ذكر الفقهاء أنه يستحب أن يدخل إلى موضع الخلاء مقدماً رجله اليسرى وأن يخرج مقدماً رجله اليمنى، وأن يستر رأسه ويتقنع، وأن يسمي عند كشف العورة، وأن يجعل ثقله حال الجلوس على رجله اليسرى ويريح اليمنى ويفرجها، وأن يستبرىء بالكيفية التي ذكرت، وأن يتنحنح قبل الاستبراء، وأن يقدّم تطهير موضع الغائط على موضع البول، وفي حال اختيار التطهير بمثل المسح بالأحجار ونحوها ولم ينق الموضع بالثلاث، يستحب أن يجعل الزائد بالفرد، خمسة أو سبعة، وأن يكون الاستنجاء والاستبراء باليد اليسرى، وأن يدعو بالأدعية المأثورة الواردة في مثل هذه الحالة والمذكورة في كتب الأدعية والحديث، ويستحب البول عند إرادة الصلاة، وقبل النوم والجماع، وبعد خروج المني.
ويكره الأكل والشرب أثناء التخلي، بل في بيت الخلاء ولو في غير حال التخلي، والاستنجاء باليمين وباليد التي فيها خاتم فيه اسم الله تعالى، بل يحرم ذلك إذا أوجب تنجس اسم الجلالة، وطول المكث في بيت الخلاء، والكلام في بيت الخلاء بغير ذكر الله تعالى أو لغير ضرورة، والتخلي على قبور المؤمنين إذا لـم يستلزم هتك حرمة الميت المؤمن، وإلاَّ حرم، ويكره حبس البول والغائط، بل يحرم الحبس إذا أضر ضرراً معتداً به.
خاتمة ـ في أحكام التخلي:
التخلي: طلب الخلوة لقضاء حاجة البول والغائط، وذِكْرُه في مبحث المطهرات أنسب، لأنَّ الغرض الأساس منه ذكر كيفية تطهير موضع البول والغائط، غير أنه من أجل اشتماله على أحكام أخرى غير التطهير، فإننا قد استحسنا إفراده بالذكر في هذه الخاتمة.
وللتخلي أحكام تندرج في أمور:
الأمر الأول ـ في مكان التخلي:
وفيه مسائل:
مسألة 185: يحرم استخدام ملك الغير لقضاء الحاجة فيه من دون إذنه، سواء في ذلك الأراضي أو الأبنية، والإذن إمّا أن يكون صريحاً بذلك، بخصوصه أو بالأعم الذي يشمله، أو يكون الإذن بالتلميح وفحوى الكلام، وذلك كأن يأذن له بالوضوء والصلاة بالنحو الذي يفهم منه ضمناً الإذن بقضاء الحاجة، أو يفهم الإذن من نوع الصلة القائمة بين هذا المكلف والمالك، كعلاقة الصداقة الوطيدة أو القرابة القائمة بينهما، أو وجود مفتاح البيت معه، أو من كون الأرض غير مغروسة ولا مسورة، بنحو يفهم منه ـ عرفاً ـ تراضي النّاس على ذلك وعدم ممانعتهم فيه، ونحو ذلك من القرائن اللفظيّة أو العمليّة، ولا حاجة للإذن في الأراضي المتّسعة ما لـم يصرح المالك بكراهة ذلك وعدم رضاه عنه.
مسألة 186: الطرق الخاصة المملوكة لأصحابها لا يجوز قضاء الحاجة فيها من دون إذن مالكيها، وكذا الأوقاف الخاصة بشخص أو أشخاص محدّدين.
مسألة 187: الأوقاف العامة مثل المساجد والحسينيات والمدارس والنوادي ونحوها يجوز استخدام المرافق الصحية فيها ما لـم يعلم بأنَّ مرافقها وقف خاص على المصلين في المسجد أو الطلبة الساكنين في المدرسة، فإذا علم بذلك لـم يجز لغير المصلي التخلّي في مرافق المسجد، ولا لغير الطلبة الساكنين أو المنتسبين التخلي في مرافق المدرسة، وهكذا غيرهما من الأوقاف العامة. ومن أجل الاستعلام عن حال الوقف يكفي الاعتماد على قول المتولي، أو قول الخادم أو الساكن فيه مع الوثوق بخبره.
مسألة 188: يحرم التخلي في الطرقات العامة إذا سبب ذلك أذى للمارة، ويكره مع عدم الأذى، كذلك يكره التخلي في الماء ولا سيما الراكد منه، وتحت الأشجار المثمرة ولو في غير أوان الثمر، ويكره البول على الأرض الصلبة، وفي ثقوب الحشرات، ويكره التخلي في أماكن استراحة النّاس، كمواقف السيارات العامة أو الحدائق المعدة للتنزه ونحو ذلك، ويستحب في البرية أن يطلب مكاناً يغيب فيه شخصه عن الناظر.
الأمر الثاني ـ ستر العورة:
وفيه مسائل:
مسألة 189: يجب على المكلّف ستر عورته عن الناظرين، في حال التخلي وفي غيره من الأحوال، بكلّ ما يصلح حاجزاً وستراً عند وجود الناظر وعدم الأمن منه. وتفصيل ذلك يختلف بين الذكر والأنثى:
أمّا عورة الرّجل فهي خصوص القضيب والبيضتين وحلقة الدبر دون غيرها من جسده، سواء كان الناظر من الذكور المماثلين له أو من الإناث، وسواء في ذلك المحارم كالولد والأب والأم ونحوهم أو غيرهم من الأجانب، بما في ذلك المجنون وغير البالغ إذا كان ممن يميّز ويعي معنى العمل الجنسي ومعنى العورة ووظيفتها الجنسية.
نعم يستثنى من ذلك الزوجة ولو كانت في عدّة الطلاق الرجعي الذي يصح فيه الرجوع من قبل الزوج إليها من دون عقد، في مقابل الطلاق البائن الذي لا يصح فيه الرجوع إلى الزوجة في عدتها إلاَّ بعقد جديد. كذلك يستثنى الطفل الصغير غير المميز.
أمّا عورة المرأة فهي جميع جسدها ما عدا الوجه والكفين والقدمين، ويختلف الحكم في المرأة بين جسدها وبين نفس العورة الخاصة منها، وهي الفرج وحلقة الدبر.
فالعورة الخاصة يجب سترها ولا يجوز النظر إليها من كلّ ناظر من الذكور سواء المحارم أو الأجانب، وكذا من الناظر المماثل من الإناث عند عدم الحاجة الموجبة للنظر، كالولادة والفحص الطبي وتجميل العروس وغيرها من الضرورات والحاجات العرفية، فإن وجدت مثل هذه الحاجة جاز النظر إلى العورة من دون شهوة. هذا ويستثنى من حرمة النظر الزوج والطفل الصغير غير المميز فإنه لا يجب ستر العورة الخاصة عنهما فضلاً عن سائر الجسد، وذلك بالنحو الذي ذكر في عورة الرّجل.
أمّا غير العورة الخاصة من الجسد فإنه لا يجوز النظر إليه من قبل الناظر الذكر الأجنبي حتى المجنون وغير البالغ إذا كان مميزاً، ويجوز لمثلها النظر إليها ولو من دون ضرورة، وكذلك المحارم الذكور، من دون شهوة في الحالتين، وإن كان الأحوط استحباباً للمحرم الرّجل ترك النظر لما بين السرة والركبة من محارمه النساء.
مسألة 190: كما يجب على المكلّف ستر عورته عمن ذكرنا فإنه لا يجوز له النظر إلى عوراتهم بنفس التفاصيل والاستثناءات المذكورة، من دون فرق بين النظر بشهوة أو بدونها.
مسألة 191: كما لا يجب ستر العورة عن الطفل غير المميز كذلك فإنه يجوز النظر إلى عورته، وإن كان الأفضل ترك النظر لعورة الطفل فوق ست سنوات، وخاصة الأنثى، والتستر عنه.
مسألة 192:لا مانع من النظر بدون شهوة إلى صورة ما يحرم كشفه من الرّجل والمرأة، إلاَّ إذا كانت تمثّل حالة أو وضعاً خلاعياً، أو كانت الصورة لامرأة معروفة وكان في النظر إليها هتكٌ لحرمتها بحسب الوضع الاجتماعي العام، كما في مثل المرأة المحجبة. وكما يجوز النظر إلى الصورة بدون شهوة في الحالات العادية فإنه يجوز ـ أيضاً ـ في نطاق البحوث العلمية في كليات الطب ومعاهد التمريض وما أشبه ذلك.
مسألة 193: الواجب ستر بشرة العورة لا حجمها ولا شبحها، فإذا ظهر لون العورة من وراء الساتر الرقيق بنحو لـم يعتبر ستراً للعورة عرفاً وجب ستر الشبح حينئذ، وقد يجب ستر الحجم والشبح ويحرم النظر إليهما إذا أوجب ظهورهما افتتان الناظر وتحرّك غريزته، كما في مثل الملابس الضيقة المبرزة لحجم العورة.
مسألة 194: يجوز النظر إلى العورة عند الاضطرار لعلاج أو إنقاذ من الغرق أو نحو ذلك. ويُراد بالاضطرار مطلق المخاطر الصحية التي يعتد بها مما يسعى العقلاء إلى تجنبه حفاظاً على سلامة الجسد، حتى لو كان الألم مما يمكن تحمله والصبر عليه، فضلاً عمّا لو كان يوجب الهلاك أو ما يشبه الهلاك كفقد الأعضاء الحيوية أو الأمراض الخطيرة، وكذا يجوز النظر في حالات الجبر والإكراه التي قد تقترن بالتهديد بالهلاك وشبهه أو بما دون ذلك من الآلام التي يعتد بها، وفي حالات الحرج الشديد التي يصعب تحملها مثل العار والفضيحة والذل الشديد ونحو ذلك.
هذا وقد سلف القول منا أنه يكفي في جواز نظر المرأة إلى عورة المرأة الضرورة العرفية، مثل مساعدة المرأة حين الوضع ولو لغير القابلة، ومثل وضع مانع للحمل ولو من غير ضرورة، ومثل حالة تجميل المرأة، ونحو ذلك مما يعدّ حاجة للمرأة يصعب قضاؤها من دون مساعدة الغير، فلو انتفت مثل هذه الحاجة لـم يجز للمرأة النظر إلى عورة أمثالها من النساء، كما أنَّ جواز النظر مشروط بكونه بدون شهوة.
مسألة 195: في حالات الاضطرار ونحوه إذا أمكن أن ينظر الرّجل إلى عورة المرأة أو الرّجل، أو أن تنظر المرأة إلى عورة الرّجل، بمثل المرآة وجب ذلك ولم يجز النظر المباشر.
هذا وسوف يأتي ذكر جوانب أخرى من أحكام الستر والنظر واللمس عند الحديث عن لباس المصلي وعن العلاقة الزوجية في البحوث القادمة من هذا الكتاب.
الأمر الثالث ـ اتجاه البدن حين التخلي:
وفيه مسائل:
مسألة 196: ذهب المشهور من الفقهاء إلى حرمة استقبال القبلة بمقاديم البدن أو استدبارها حين التخلي، والمراد بالمقاديم الصدر والبطن والركبتان، وهو الأحوط استحباباً، من دون فرق بين كون التخلي في الأبنية أو في البرية.
مسألة 197: يتحقّق ترك الاستقبال والإستدبار بمجرد الميل عن حدّ القبلة بالنحو الذي يعتبر عرفاً غير مستقبل ولا مستدبر، فلا ضرورة للجلوس إلى جهة الشرق أو الغرب تماماً.
مسألة 198: في البرية يكره استقبال قرص الشمس والقمر بالبول والغائط، ويكره استقبال الريح بالبول.
الأمر الرابع ـ في تطهير المخرجين:
وهو الذي اصطلح عليه الفقهاء بـ (الاستنجاء)، وفيه مسائل:
مسألة 199: يكفي تطهير موضع البول بالماء القليل مرتين، إحداهما الغسلة المزيلة للعين، ومع الاستمرار في الصب بالنحو الذي تتحقّق فيه إزالة العين والتطهير تكفي المرة الواحدة، كما تكفي المرة الواحدة بالماء الكثير.
مسألة 200: موضع الغائط يمكن تطهيره بأمرين:
الأول: بالماء، وذلك بالاستمرار بصبّ الماء حتى تزول عين النجاسة وينظف الموضع، من دون حاجة إلى التعدّد، سواء بالماء القليل أو الكثير.
الثاني: بمسحه بكلّ ما يقلع النجاسة ويزيلها، مثل الأحجار والأوراق والأخشاب والحديد ونحو ذلك. ولا بُدَّ من استخدام ثلاث قطع حتى لو حصلت النظافة بالأقل، وإن لـم ينظف بالثلاث وجبت الزيادة عليها حتى ينقى. ويشترط أن تكون القطع طاهرة، كذلك يشترط أن لا تتعدى النجاسة المخرج، فإن تلوثت جوانب المخرج بالغائط لـم يُجزِ ـ حينئذ ـ إلاَّ الماء، وكذلك لو خرج مع الغائط دم أو لاقت المخرج نجاسة من الخارج.
مسألة 201: الغسل بالماء أفضل من المسح بالأحجار، والجمع بينهما أكمل وأنظف، ويكفي لطهارة المخرج بالمسح زوال العين والجرم به، فلا يضر بقاء الأجزاء الصغار التي لا ترى. أمّا عند التطهير بالماء فلا بُدَّ من إزالة العين والأثر دون اللون والرائحة.
مسألة 202: يحرم الاستنجاء بالأجسام المحترمة، كالخبز والفاكهة والأوراق النقدية، والأحوط وجوباً ترك الاستنجاء بمثل العظم وفضلات المواشي اليابسة، مثل بعر الماعز أو الحمار ونحوهما، فإن عصى المكلّف ومسح بها موضع الغائط لـم يطهر المحل بها على الأحوط لزوماً.
مسألة 203: إذا شك في قطعة أنها من الأجسام المحترمة أو من غيرها جاز المسح بها وأجزأ في الطهارة.
مسألة 204: إذا شك بعد الخروج من الخلاء أنه طهر الموضع أو لا، بنى على عدم التطهير حتى لو كان معتاداً على التطهير، نعم لو شك في ذلك بعدما تمت صلاته، بنى على صحة الصلاة ولزمه التطهير للصلاة التالية.
مسألة 205: ماء الاستنجاء طاهر عند اجتماع الشروط، فلا يجب التحرز عمّا يقع منه على البدن أو الثوب، وقد سبق ذكره مفصلاً في مبحث المطهرات (أنظر المسألة 116).
مسألة 206: من أجل التحرز عن خروج قطرات من البول عند التطهير يستحب الاستبراء، وهو مصطلح يُراد به طلب نقاء المخرج من البول بالطريقة التالية:
بعد تطهير مخرج الغائط يمسح بإصبعه الوسطى من اليد اليسرى من حلقة الدبر إلى أصل القضيب تحت الخصيتين ثلاث مرات، ثُمَّ يمسك القضيب بين السبابة والإبهام ويمسح من أصل القضيب فوق الخصيتين إلى رأسه ثلاثاً، ثُمَّ ينتره بتحريكه من الأعلى إلى الأسفل ثلاث مرات، وبذلك لا يبقى أثر للبول في المجرى، ثُمَّ يُطهِّر الموضع بالماء بعد ذلك. والفائدة المترتبة على ذلك أنه لو شك بعد الاستبراء في رطوبة خرجت منه أنها بول أو غيره اعتبرها طاهرة ولم ينتقض بها وضوؤه، إلاَّ أن يتأكد أنها بول، أمّا لو لـم يستبرأ فإنه ـ مـع الشـك ـ يعتبـر هذه الرطوبة بولاً ويجب عليه التطهير منها ويبطل الوضوء لو كان متوضئاً.
مسألة 207: المسح المطلوب في الاستبراء لا يجب فيه الضغط بقوّة، فيكفي الدلك الموجب لإخراج فضلات البول الموجودة في المجرى، وكذا لا تجب فيه المباشرة فيكفي فعله من قبل الغير الذي يحلّ له ذلك، كزوجته، ولو مع قدرته عليه.
مسألة 208: من الواضح أنَّ هذه الطريقة خاصة بالرّجل، أمّا المرأة فليس عليها استبراء، والرطوبة التي تخرج منها بعد تطهير موضع البول محكومة بالطهارة إلاَّ أن تتأكد أنها بول.
الأمر الخامس ـ في آداب التخلي:
قد ذكر الفقهاء أنه يستحب أن يدخل إلى موضع الخلاء مقدماً رجله اليسرى وأن يخرج مقدماً رجله اليمنى، وأن يستر رأسه ويتقنع، وأن يسمي عند كشف العورة، وأن يجعل ثقله حال الجلوس على رجله اليسرى ويريح اليمنى ويفرجها، وأن يستبرىء بالكيفية التي ذكرت، وأن يتنحنح قبل الاستبراء، وأن يقدّم تطهير موضع الغائط على موضع البول، وفي حال اختيار التطهير بمثل المسح بالأحجار ونحوها ولم ينق الموضع بالثلاث، يستحب أن يجعل الزائد بالفرد، خمسة أو سبعة، وأن يكون الاستنجاء والاستبراء باليد اليسرى، وأن يدعو بالأدعية المأثورة الواردة في مثل هذه الحالة والمذكورة في كتب الأدعية والحديث، ويستحب البول عند إرادة الصلاة، وقبل النوم والجماع، وبعد خروج المني.
ويكره الأكل والشرب أثناء التخلي، بل في بيت الخلاء ولو في غير حال التخلي، والاستنجاء باليمين وباليد التي فيها خاتم فيه اسم الله تعالى، بل يحرم ذلك إذا أوجب تنجس اسم الجلالة، وطول المكث في بيت الخلاء، والكلام في بيت الخلاء بغير ذكر الله تعالى أو لغير ضرورة، والتخلي على قبور المؤمنين إذا لـم يستلزم هتك حرمة الميت المؤمن، وإلاَّ حرم، ويكره حبس البول والغائط، بل يحرم الحبس إذا أضر ضرراً معتداً به.