المبحث الثاني ـ في الحيض:

المبحث الثاني ـ في الحيض:
وهو دم تقذفه المرأة السوية من الرحم إلى الخارج، في أوقات منتظمة غالباً، بواسطة الفرج الذي هو المخرج المعتاد، وقد يتعذر خروجه من موضعه المعتاد فيتحول عنه ليخرج من موضع آخر استثنائي، بسبب الخلقة أو بسبب طارئ صحي، وتترتب عليه أحكام الحيض سواء خرج من الموضع المعتاد أو من غيره. وغالباً ما يكون على الصفة التالية: أحمر أو أسود، حاراً، كثيفاً، يخرج بدفق وحرقة، وهذه الصفات نحتاجها عند الاشتباه لتمييز دم الحيض عن غيره كما سيأتي.
 الشروط العامة:
يجب أن تتوفر عدّة أمور أساسية كي يعتبر الدم الخارج دم حيض، بحيث لو لـم تتوفّر هذه الأمور لا يعتبر الدم حيضاً حتى ولو كان في وقت العادة أو موافقاً لصفات دم الحيض، وهذه الشروط هي:
الأول ـ البلوغ: يعتبر الحيض علامة على البلوغ الشرعي إذا خرج قبل سن الثالثة عشرة قمريّة، والتي تساوي بالميلادي اثنتي عشرة سنة وسبعة أشهر وعشرين يوماً، وذلك إذا خرج بعد إكمالها سن التاسعة قمريّة، واجتمعت فيه صفات الحيض الأخرى التي سيأتي ذكرها.
الثاني ـ عدم بلوغ سن اليأس: وهي السن التي تيأس المرأة بعدها ـ بحكم العادة الغالبة ـ من إنجاب الأطفال، وهي محددة في الشرع بإكمال سن الخمسين عاماً قمرية (والتي تساوي بالميلادي ثمانية وأربعين عاماً وستة أشهر ونصف الشهر تقريباً)، فكلّ امرأة بلغت الخمسين من عمرها لا يكون ما تراه من الدم دم حيض، بل هو استحاضة حتى ولو كان بصفات دم الحيض. والأحوط استحباباً للمرأة «القرشية» أن تجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض فيما بين الخمسين والستين عند توفر شروط الحيض، وإلا فهي مستحاضة كغيرها من النساء.
والمرأة القرشية: هي التي تنتسب إلى (النضر بن كنانة) الجد الأصلي للبطون العربية التي كانت تعيش في مكة، أمثال بني تيم وبني عدي وبني زهرة وبني هاشم وبني أمية وغيرهم ممن ذكرهم النسابة، فتكون المرأة الفاطمية التي تنتسب إلى رسول الله w عن طريق ابنته فاطمة الزهراء u أحد أفراد المرأة القرشية، وبما أنَّ غالب النّاس لا يهتمون بتحديد أنسابهم البعيدة، فإنَّ من تشك في أنها قرشية أو غير قرشية لا يحكم بكونها قرشية، وتكون مدة حيضها حتى الخمسين، وما بعد الخمسين يكون استحاضة.
ومعنى (الجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض) أنه يجب عليها الصوم والصلاة بالنحو الواجب في الاستحاضة، كما يجب عليها ـ أيضاً ـ ترك دخول المساجد واجتناب الاتصال الجنسي ونحوهما مما يحرم على الحائض.
الثالث ـ خروج الدم: فلا يحكم بالحيض إلاَّ بعد خروجه إلى خارج الفرج، وسبب هذا الشرط أنَّ الدم في بداية نزوله من الرحم قد لا يكون غزيراً، بل يتنقط ببطء شديد ليقطع تجويف (المهبل) الممتد بضعة سنتمترات تفصل ما بين عنق الرحم، الذي يبدأ الدم بالنزول منه، وبين فوهة الفرج التي يخرج منها الدم إلى الخارج، وهذه المسافة تسمى (باطن الفرج)، ومن هنا فإنَّ المرأة قد تحسّ ببداية خروج الدم من الرحم ولكنها لا تراه يخرج من الفرج، فما دام الدم موجوداً في الباطن لا تعتبر المرأة في الحيض أبداً بل تبقى على ما هي عليه من الصلاة وغيرها، أمّا إذا خرج الدم وسال بنفسه أو أنها أدخلت قطنة وخرج عليها دم ثُمَّ استمر الدم في الجريان أو ظلّ موجوداً في باطن الفرج، اعتبرت نفسها في الحيض عند توفر باقي الشرائط المطلوبة.
وكما بداية الحيض كذلك نهايته، فإنَّ بقاء الدم في الباطن في الأيام الأخيرة من الحيض يدل على استمرار الحيض حتى لو انقطع سيلانه من الخارج.
مسألة 333: إذا شعرت المرأة بخروج الدم من الرحم وظنّت أنَّ حيضها قد بدأ لـم يجب عليها أن تدخل قطنة لتفحص نفسها وتتأكد من ذلك، بل إنَّ بإمكانها أن لا تهتم بهذا الشعور وتبقى على ما هي عليه حتى يخرج الدم من نفسه وتتيقن ـ حينئذ ـ ببداية الحيض فعلاً، ولكن الأحوط الأولى أن تفحص نفسها في هذه الحالة.
الرابع: موافقة ذلك الدم وخروجه في وقت العادة للمرأة ذات العادة ولو لـم يكن بصفات دم الحيض، أو خروجه موافقاً لصفات دم الحيض من المرأة التي ليس لها عادة، وعليه فإنه إذا تمت سائر الشروط لـم يحكم بكون الدم حيضاً إلاَّ إذا وافق أحد هذين الأمرين، وتفصيل ذلك على النحو التالي:
الأول: موافقته لأيام العادة الوقتية، بحيث يكون للمرأة عادة منتظمة في الوقت وترى الدم فيها باستمرار، ففي هذه الحالة تعتبر نفسها في الحيض بمجرّد أن ترى الدم حتى ولو لـم يكن بصفات دم الحيض، وسوف يأتي البيان الوافي لأحوال ذات العادة.
الثاني: موافقة الدم الخارج من غير ذات العادة الوقتية لصفات دم الحيض، فإذا لـم يكن الدم الخارج موافقاً لصفات الحيض لـم يعتبر حيضاً، بل يكون استحاضة كما سيأتي بيانه. ويجب الانتباه إلى أنه لا يجب اجتماع جميع تلك الصفات، بل يكفي وجود واحدة منها ليحكم بكونه حيضاً. وذلك أننا قد أشرنا فيما سبق إلى أنَّ دم الحيض يكون ـ في الغالب ـ أحمر أو أسود، حاراً كثيفاً، يخرج بحرقة ودفق. ومن الناحية العملية فإننا نلاحظ أحياناً انتقال الدم ما بين الأحمر والأسود، أو خلوه من الدفق أو الحرقة في بعض الأحيان واشتماله عليها في أحيان أخرى، وهذا لا يضر في كون الجميع حيضاً، ما دام قد اشتمل على بعض هذه الصفات. نعم سوف يأتي في أحكام المبتدئة والمضطربة الاعتداد بمراتب الحمرة، فلو كان دم أحمر والآخر أسود اعتبر الأحمر استحاضة والأسود حيضاً. وعموماً فإنَّ ما ذكر من الصفات لدم الحيض تكون موجودة في الغالب عندما تكون المرأة في حدث الحيض بينما يكون ضدّها هو الموجود في حدث الاستحاضة.
الخامس ـ مدة الجريان: من أجل اعتبار الدم حيضاً لا بُدَّ أن يستمر ويجري مدة معينة، ومن أجل تحديد هذه المدة وتوضيح ملابساتها لا بُدَّ من ملاحظة الأمور التالية:
أولاً: يجب أن لا تقل المدة عن ثلاثة أيام ولا تزيد عن العشرة، فلو رأت المرأة الدم ساعة أو يوماً أو يومين ثُمَّ توقف تماماً وانقطع لـم يعتبر ذلك الدم حيضـاً، وكذلك لـو ظلّت تـرى الـدم إلى مـدة تزيد عن العشرة أيام، فإنَّ الدم ـ حينئذ ـ لا يكون جميعه حيضاً كما سنبين ذلك لاحقاً.
ثانياً: ما دامت الأيام الثلاثة الأولى هي الأصل في كون المرأة حائضاً، فإنه لا يجب تتابع أيام الدم الثلاثة وتواصلها خلافاً لما ذهب إليه المشهور، فلا يضر بذلك، رؤية الدم يوماً مثلاً ثُمَّ توقفه وانقطاعه تماماً في اليوم الثاني ثُمَّ عودته في اليوم الثالث يوماً أو يومين، وهكذا، بل تعتبر المرأة حائضاً إذا كان مجموع الأيام التي رأت فيها الدم ثلاثة أيام فصاعداً، ورغم أنَّ الغالب في دم الحيض هو تواصل أيامه فإنه إذا حدث التقطع فإنَّ الأحوط وجوباً للمرأة في اليوم الذي ترى فيه الدم أن تجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض، أمّا يوم الانقطاع والطهر فإنه يجب عليها الاغتسال والإتيان بأعمال الطاهرة.
وقد تقول: إنَّ هذه الملاحظة واضحة من الناحية النظرية، ولكن كيف تتصرف المرأة مع مثل هذا الوضع عملياً فيما لو كانت تعلم أنَّ الدم سوف يكون متقطعاً بهذا النحو أو أنها لا تعلم به.
والجواب: إنَّ المرأة إذا استقر أمرها على هذا النحو من التقطع وكانت تعلم به مسبقاً، فلا إشكال عليها، لأنها ـ حينئذ ـ تهيئ نفسها للقيام بتلك الوظيفة بمجرّد أن ترى الدم، فتجمع بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض في يوم الدم، وحيث إننا نفترض أنه سينقطع عنها الدم في اليوم التالي فإن حدث الاستحاضة الذي انقطع عنها قد يستلزم أن تغتسل غسل الاستحاضة في يوم النقاء والانقطاع وتؤدي عباداتها، وهكذا في سائر الأيام.
وأمّا إذا لـم تكن تعلم بهذا التقطع، فإنها تعتبر نفسها حائضاً في يوم الدم ما دامت لا تعلم بأنه سينقطع في اليوم التالي، فإذا انقطع لزمها الاغتسال والصلاة، فإذا جاءها الدم في اليوم الثالث فالواجب أن تعتبره حيضاً لأنها أيضاً لا تعلم إن كان سينقطع في اليوم الذي بعده، وهكذا إلى ما بعد اليوم الثالث الذي ترى فيه الدم، فإنها عند ذلك تكتشف أنها حائض فتمضي في حيضها ولا شيء عليها، أو تكتشف أنها غير حائض وأنه كان يجب عليها أن تأتي بأعمال المستحاضة، فعليها حينئذ قضاء ما فاتها من صلاة وصوم في ذينيك اليومين.
ثالثاً: يجب استمرار الدم بالتواجد ولو في باطن الفرج بعد خروجه أو إخراجه بقطنة، في كلّ يوم من الأيام الثلاثة الأولى على مدار الأربع والعشرين ساعة، من دون أن يضر توقفه لفترة يسيرة كالدقائق، فلو توقف خلال الليل أو النهار ساعة مثلاً أو ساعتين توقفاً تاماً ونقت فيه المرأة من الدم تماماً لـم يعتبر الدم الذي رأته قبل التوقف من دم الحيض، وعليها أن تستأنف الحساب بعد تجدد خروج الدم. وبالمقارنة بين الملاحظة الثانية والثالثة يتبين لنا أنَّ الدم لا بُدَّ أن يتواجد لمدة ثلاثة أيام ولو لـم تكن متواصلة كما هو مفاد الملاحظة الثانية، ولكنه في كلّ يوم من هذه الأيام الثلاثة يجب أن يبقى متواجداً على مدار الليل والنهار حتى لو انقطع بعد ذلك ليوم ثُمَّ تجدّد بعد ذلك، كما هو مفاد الملاحظة الثالثة.
السادس: أن يفصل بين الحيض السابق والحيض الذي بعده مدة لا تقل عن عشرة أيام، فلو رأت الدم بعد ثمانية أيام من نهاية حيضها السابق لـم يكن هذا الدم حيضاً، بل إنَّ عليها اعتباره استحاضة حتى تتم العشرة من نهاية الحيض الأول، ثُمَّ بعد ذلك يمكن اعتباره حيضاً إذا اجتمعت شروطه.
السابع: أن لا يكون دم جرح أو قرح مما ينتج عن أسباب مرضية أو عن افتضاض البكارة، وسيأتي بيان أحكامه لاحقاً.
مسألة 334: المبدأ الشرعي لاحتساب الأيام وعدها، سواء في ذلك الأيام الثلاثة الأول بناءً على القول بضرورة التوالي فيما بينها، أو غير الأيام الثلاثة، كاحتساب عشرة الطهر، أو احتساب أيامٍ من عادتها، عشرةُ أيام متواصلة أو أقل، إنَّ المبدأ الشرعي يتصور على نحوين، وليكن المثل على العشرة أيام:
الأول: أن ترى الدم صباح يوم الخميس ـ مثلاً ـ مع طلوع الفجر أو قبله، فعليها أن تعد عشر نهارات وتسع ليالٍ، فتنتهي الأيام العشرة غروب يوم السبت، وكذلك لو رأت الدم في ليلة يوم الخميس، في أي وقت منها، فإنها لا تُدخِل هذا الوقت في الحساب، بل تبدأ الحساب من صباح يوم الخميس.
الثاني: أن ترى الدم نهار الخميس، بعد الفجر أو قبل الظهر أو بعده، فعليها أن تعد أحد عشر نهاراً وعشرة ليالٍ، فتنتهي الأيام العشرة في هذا المثال يوم الأحد بنفس الساعة التي كانت قد رأت الدم فيها يوم الخميس.
وهكذا لو أرادت حساب خمسة أيام أو سبعة، تحسبها بنفس الطريقتين السابقتين مع تغيير رقم العدد فقط.
مسألة 335: لا شك في أنَّ فترة الرضاع يحدث فيها الحيض، فيمكن أن تكون المرأة مرضعاً ويأتيها الحيض مثل غير المرضع، أمّا المرأة الحامل فالأقرب فيها عدم اجتماع الحيض مع الحمل واعتبار الدم الذي تراه خلال حملها استحاضة، غير أنَّ ما تراه من الدم إذا وافق شروط الحيض بأن كان في وقت عادتها، أو كان بصفات دم الحيض، لا سيما إذا رأته بعد عادتها بعشرين يوماً، فالأحوط استحباباً لها أن تجمع في فترة الدم بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض.
مسألة 336: إذا شكت المرأة في الدم الخارج منها في ليلة زفافها فلم تعرف أهو دم حيض أو أنه دم افتضاض البكارة، وجب عليها في هذه الحالة أن تفحص نفسها بإدخال قطنة وتركها في موضع الدم دقيقة ثـمَّ إخراجها بتمهل، فإن كانت مطوقة وملوثة بالدم بنحو لـم تُغمس بالدم وتمتلئ فإنَّ هذا الدم يكون دم بكارة، ولا يترتب عليه شيء سوى تطهير موضع النجاسة والقيام بأعمالها بالشكل الطبيعي، وأمّا إذا كانت مغموسة بالدم ومملوءة فهو دم الحيض إذا وافق باقي الشروط، وأمّا إذا لـم تتمكن من إجراء الاختبار السابق، فإن كان لها عادة وقتية وصادف هذا الدم وقت عادتها اعتبرته حيضاً، وإن لـم يصادف وقت عادتها اعتبرته دم بكارة، وأمّا إذا لـم يكن لها حالة سابقة أو جهلت حالتها السابقة اعتبرت أنها ليست في الحيض وأنّ الدم الخارج دم بكارة ومارست أمورها بنحو اعتيادي.
هذا، وإنَّ معنى وجوب الفحص المذكور هنا أنها إذا لـم تفحص نفسها وصلّت لا تكون آثمة بترك الفحص، ولكنها إذا صلّت بقصد الأمر اليقيني المتوجه إليها تكون صلاتها باطلة إذا كانت ملتفتة، أمّا إذا كانت غافلةً أو تحقّق منها قصد القربة جهلاً بالحكم فإنَّ صلاتها تكون صحيحة إذا تبين أنَّ الدم دم بكارة.
مسألة 337: إذا وجد في باطن الفرج قرح أو جرح مُعرَّض للنزف، ورأت الدم وشكت أنه دم ذلك الجرح أو أنه من دم الحيض، ففي هذه الحالة تعتبر أنَّ الدم الخارج هو دم الجرح وليس من دم الحيض، من دون أن يترتب عليها شيء أبداً، حتى إنَّ هذا الدم إذا لـم ينقطع وبقي ينزف يجوز لها الصلاة مع النزف ولا يجب تطهير الموضع ما دام التطهير غير ممكن.
مسألة 338: إذا رأت المرأة على ثوبها شيئاً بلون الدم وشكت في كونه دماً أو صباغاً أحمر مثلاً فإنها لا تعتبره دماً، ولو علمت أنه دم وشكت في كونه من الرحم أو من غيره لـم تعتن بهذا الشك بالنسبة لترتيب آثار الحيض، أما بالنسبة للنجاسة فإنَّ عليها تطهير الموضع منه كما هو واضح.
مسألة 339: بعدما ذكرنا جميع الشروط التي لا بُدَّ من توفرها ليكون الدم حيضاً، وبعدما تبين أن بعض هذه الشروط يتوفر قبل الدم أو مقارناً له وبعضها يتوفر بعد مضي مدة عليه، ثلاثة أيام أو أكثر، فإنه يتبين لنا أنَّ المرأة لن تعرف أنها في حدث الحيض فور رؤيتها للدم، بل لا بُدَّ من مرور تلك المدة السابقة أي ثلاثة أيام في أوله وانتظار وقوفه على العشرة في آخره، فما هو معنى الأحكام التي مرت من اعتبار نفسها في الحيض أو اعتبارها في الاستحاضة ما دامت غير عالمة بحالها ولا بوظيفتها، بل كيف وماذا تفعل خلال مدة الترقب هذه التي تنتهي باليقين..؟؟
والجواب: إننا قد ذكرنا شيئاً من هذا عند حديثنا عن مدة الجريان، ونزيد على ذلك فنقول: إنَّ المرأة حين خروج الدم منها موافقاً لوقت عادتها يلزمها منذ اللحظة الأولى أن تعتبر نفسها حائضاً وتبادر إلى ترك الصلاة والصوم ودخول المساجد وغيرها مما لا يصح منها في فترة الحيض، لأن ذلك هو الوضع الطبيعي لغالب النساء اللواتي لهن عادة منتظمة ويعرفن حالهن عند بداية خروج الدم. فإذا اختل هذا الوضع الطبيعي واضطرب وقت خروج الدم منها وجب عليها ـ أيضاً ـ أن تتحيض بمجرّد رؤية الدم موافقاً لصفات الحيض، ثُمَّ إن تبين لها بعد ذلك، وحتى اليوم العاشر، أنها في الحيض تكون قد أدّت ما عليها، وإن تبين أنها مستحاضة وجب عليها أن تقضي ما فاتها وتشرع بوظيفة المستحاضة، وكذا إن تبين لها أنه يجب عليها الجمع بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض.
وهذا يعني أنَّ دور بعض هذه الشروط هو دور الكاشف عن الوظيفة الحقيقية للعمل على طبقها ولو قضاءً بعد فوات الأوان.
 أصناف النساء:
قد تتأكّد المرأة أنَّ الدم الخارج منها ليس دم بكارة ولا جرح ولا قرح ولا غيرها، بل هو دم قد قذفه الرحم... ويمكن أن يكون حيضاً كما يمكن أن يكون استحاضة، وقد قلنا: إنه لا يمكن تعيين الحيض إلاَّ بإحدى وسيلتين: إمّا موافقة وقت العادة أو موافقة صفات الحيض لمن ليس لها عادة مضبوطة، ولما كانت أصناف النساء مختلفة في ذلك فإنَّ من الطبيعي أن تختلف الأحكام باختلاف الأصناف، ومحصلة ذلك ستة أصناف:
1 ـ ذات العادة الوقتية والعددية: وهي المرأة التي لها عادة مضبوطة في الوقت والعدد، بحيث ترى الدم ـ مثلاً ـ في أول كلّ شهر ويستمر سبعة أيام، ويبقى هكذا دائماً.
2 ـ ذات العادة الوقتية: وهي التي ترى الدم في أول كلّ شهر ـ مثلاً ـ دائماً، ولكن مرة يستمر ثلاثة ومرة يستمر خمسة أو سبعة، بحيث يتفق في الوقت ويختلف في العدد.
3 ـ ذات العادة العددية فقط: وهي التي لها عادة مستمرة متفقة في العدد ومختلفة في الوقت، كأن ترى الدم ـ مثلاً ـ دائماً سبعة أيام، ولكن مرة تراه في أول الشهر ومرة في وسطه ومرة في آخره، وهكذا يستمر على ذلك.
4 ـ المضطربة: وهي التي كانت لها عادة مستقرة ثُمَّ اضطربت فلم تنتظم لا من حيث الوقت ولا من حيث العدد، واستمرت على ذلك.
5 ـ ناسية العادة: وهي التي كانت لها عادة مستقرة ونسيتها فلم تعد تذكر متى وكم كانت عادتها، واستمرت على ذلك.
6 ـ المبتدئة: وهي التي ترى الدم للمرة الأولى في حياتها.
مسألة 340: إنما تعتبر المرأة ذات عادة إذا تكررت لها رؤية الدم على أحد الأنحاء الثلاثة السابقة مرتين متواليتين متماثلتين، فإذا اتفقت العادة في الوقت والعدد أو في أحدهما فقط في شهرين متواليين تعتبر ذات عادة، فتعمل ابتداءً من الشهر الثالث على وفق عادتها وتُجري على نفسها أحكام الحيض التي أجرتها في السابق.
مسألة 341: ذات العادة المستقرّة قد يعرض عليها الاضطراب والاختلاف، فإن كان لمرة واحدة لـم تؤثّر في ثباتها على عادتها، وإن تكرّر الاختلاف شهرين متواليين، ارتفعت العادة الأولى عند ذلك، وأصبح لها عادة جديدة، ويكون العمل على طبقها ما دامت مستمرة على النحو الجديد، فإذا لـم تستمر على ذلك اعتبرت عادتها مضطربة، ولحقتها أحكام المضطربة ابتداءً من الشهر الرابع أو المرة الرابعة التي ترى فيها الدم، أمّا في الأشهر الثلاثة الأُوَل التي بدأ الاضطراب منها فإنه قد كان يجب عليها أن تعتبر نفسها حائضاً حتى يوم عادتها الأولى إذا كانت أقل من ستة أيام، ثُمَّ تترك العبادة حتى اليوم السادس أو السابع احتياطاً إذا بقي الدم مستمراً إليهما، ثُمَّ بعد ذلك يلحقها الحكم العام من وقوفه على العشرة أو قبلها أو زيادته على العشرة، كما سيأتي.
مسألة 342: قد تثبت للمرأة عادة مركبة، وذلك بأن ترى الدم على نحو معين شهرين متماثلين ثم شهرين متماثلين على خلاف الشهرين السابقين، مثل أن ترى الدم في أول الشهر ولمدة خمسة أيام مرتين، ثُمَّ ترى الدم في منتصف الشهر الثالث ولمدة أسبوع مرتين، وتظلّ هكذا دائماً، أو ترى شهراً متفقاً وشهراً مختلفاً ثُمَّ ترى الشهرين التاليين مثلهما، مثل أن ترى في أوله خمسة أيام، وفي الشهر الثاني في منتصفه سبعة أيام، والشهر الثالث مثل الأول والرابع مثل الثاني، وتبقى هكذا دائماً.
ولكن ذلك لا يجعلها بحكم ذات العادة ولا يحل مشكلتها، بل يجب أن تحتاط باعتبار نفسها مضطربة وذات عادة، ومعنى ذلك أنه في كلّ مرة يكون فيها الدم بحسب عادتها المركبة أقل من ستة أيام يجب عليها أن تعتبر أيام عادتها المركبة حيضاً ثُمَّ تترك العبادة إلى اليوم السادس أو السابع زيادة على عادتها، فإذا كان وقت عادتها الطبيعي مرة ثلاثة ومرة أربعة وجب عليها أن تعتبر نفسها حائضاً حتى اليوم السادس أو السابع مخيرة في ذلك.
مسألة 343: ليس من الضروري لذات العادة الوقتية أن تكون رؤية الدم في الوقت تماماً، فلو تقدّمت على الوقت بيوم أو يومين أو كانت بعد الوقت بيوم أو يومين لـم يؤثر ذلك على اعتبارها ذات عادة وقتية ما دامت رؤيته قد تمت خلال أيام العادة.
فإن رأته قبل عادتها بأسبوع أو أربعة أيام لـم تتحيض بمجرّد رؤية الدم، بل ترى إن كان بصفات دم الحيض تجعله حيضاً، وإلاَّ كان استحاضة، فإن حان وقت عادتها تحيضت ولو كان الدم أصفر.
 أحكام كلّ صنف:
لا بُدَّ لنا بعدما استعرضنا أصناف المرأة الحائض من أن نذكر فيما يلي الأحكام الخاصة بكلّ صنف من الأصناف المذكورة، وبما أنَّ الوضع الطبيعي للمرأة أن ترى الحيض لأول مرة في حياتها فإننا سوف نبدأ بأحكام المبتدئة التي تتفق في أغلب أحكامها مع المضطربة فنقول:
الصنف الأول ـ المبتدئة والمضطربة:
إذا رأت المرأة الدم وليس لها عادة منتظمة إمّا بسبب كونها قد رأت الدم للمرة الأولى في حياتها، أو بسبب اضطراب عادتها بعد انتظامها، فمن الطبيعي في مثل هذه الحالة أن يكون اكتشافها للحيض على أساس الصفات، فما كان واجداً لصفات الحيض تجعله حيضاً وما كان فاقداً لها تعتبره استحاضة، لكن إذا لـم يتجاوز الدم عشرة أيام وتراوح لون الدم خلال هذه الأيام ما بين الأحمر والأسود والأصفر، جعلت الدم غير الأصفر حيضاً، حتى ولو كان أحمر تارة وأسود أخرى، وجعلت الدم الأصفر استحاضة. وإذا كان جميعه بلون واحد اعتبرته حيضاً إن كان بصفات الحيض واستحاضة إن كان بصفات دم الاستحاضة في الأيام العشرة جميعها.
أمّا إذا تجاوز الدم العشرة أيام فهنا فرضان:
الفرض الأول: أن يختلف لون الدم طوال الثلاثة عشر يوماً مثلاً ويتراوح بين الأسود والأحمر فقط، أو بين الأحمر والأسود والأصفر، فهنا تعتبر الأكثف لوناً حيضاً، وهو الأسود في الحالة الأولى والأحمر والأسود في الحالة الثانية، والأخف لوناً، وهو الأحمر في الأولى والأصفر في الثانية، استحاضة، كذلك لو تراوح اللون بين الأحمر والأصفر فإنها تجعل الأول حيضاً والثاني استحاضة، وذلك جميعه مشروط بأن لا يقل الدم الذي اعتبرته حيضاً عن الثلاثة ولا يزيد على العشرة، إذ يعتبر عند ذلك استحاضة حتى ولو كان أكثف لوناً. وقد ترى الدم بصفات الحيض خمسة أيام مثلاً ثُمَّ بصفات الاستحاضة خمسة ثُمَّ خمسة أيام بصفات الحيض، وحكمها أن تجعل الخمسة الأُوَل حيضاً والخمسة الثانية استحاضة وكذلك الخمسة الثالثة لأنه لـم يفصل بينها وبين آخر أيام الحيض في الخمسة الأُوَل عشرة أيام طهراً.
الفرض الثاني: أن يتساوى لون الدم في جميع الأيام، فإن كان جميعه بصفة دم الاستحاضة اعتبرته جميعاً استحاضة، أمّا إذا كان جميعه بصفة دم الحيض فإنه يحكم بكونه حيضاً بمجرّد رؤية الدم، ولكنه لما كان أزيد من عشرة أيام فإننا لا يمكن أن نعتبره كلّه حيضاً، فلا بُدَّ من اعتماد عدد معين ترجع إليه هذه المرأة، وهذا العدد يختلف بين المبتدئة والمضطربة.
أمّا المبتدئة: فإنها ترجع في العدد إلى عادة أقاربها، وهن: أمها وجداتها وعماتها وخالاتها وبنات عمها وخالها ونحوهن من أقاربها، فتأخذ بعادتهن إذا كانت لهن عادة متحدة فتجعلها حيضها والزائد عنها يكون استحاضة، وأمّا إذا لـم تكن لهن عادة واحدة فإن عليها في الشهر الأول أن تعتبر حيضها ستة أو سبعة أيام مخيرة في ذلك، ثُمَّ تحتاط إلى اليوم العاشر بالجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض، وعليها في الأشهر التالية أن تتحيض ثلاثة أيام، ثُمَّ تحتاط بالجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض حتى اليوم السادس أو السابع، وتجعل الباقي استحاضة، وتبقى على هذا الحكم الأخير حتى تستقر عادتها.
وأمّا المضطربة: فلا يجب عليها الرجوع إلى عادة الأقارب، بل تعتبر أن حيضها دائماً هو ستة أو سبعة أيام والباقي استحاضة.
الصنف الثاني ـ ذات العادة:
نظراً لكثرة وتشعب فروع هذه الحالة فإننا سوف نستعرضها تحت عنوانين:
الأول ـ حكم الدم إذا بقي ضمن العشرة:
وفيه صور:
الصورة الأولى: أن تكون لها عادة وقتية وعددية مستقرة ومنتظمة، وحكمها أن تتحيض بمجرّد رؤية الدم إلى أن يحصل لها النقاء في آخر أيام عادتها، سواء كان الدم بصفات دم الحيض أو لـم يكن، وسواء كانت عادتها عشرة أو أقل من ذلك.
ونؤكد هنا على ما سبق قوله من أنه لا يضر ـ في هذه الصورة ـ تقدم الدم على الوقت المحدد بيوم أو يومين، ولا تأخره عنه بيوم أو يومين.
الصورة الثانية: أن تكون المرأة ذات عادة شهرية مستقرة، كالصورة الأولى، ولكن الدم استمر معها بعد العادة، وحكمها أنها إن كانت مستحاضة قبل مجيء عادتها واتصل دم العادة بدم الاستحاضة أنهت حيضها بانتهاء أيام عادتها واعتبرت ما يبقى من الدم استحاضة، وإن لـم تكن مستحاضة على هذا النحو، بل كانت طاهرة قبل مجيء العادة، فالحكم يتبع تقديرها الشخصي، فإذا كانت تقدر بصورة جازمة أن الدم سيستمر في المستقبل ويتجاوز عشرة أيام أنهت حيضها بانتهاء أيام عادتها واعتبرت الباقي استحاضة. وإذا كانت تأمل انقطاع الدم قبل تجاوزه عشرة أيام وجب عليها أن تضيف يوماً واحداً على الأقل إلى عادتها فتعتبر نفسها حائضاً فيه ثُمَّ تعمل كمستحاضة، ويجوز لها أن تضيف يومين أو كلّ ما يتبقى من الأيام العشرة إلى أيام عادتها فتواصل حكم الحائض طيلة المدة. وإذا جزمت بوقوف الدم على العشرة أو قبلها، ولم يكن ذلك مجرّد احتمال، وجب عليها ـ حينئذ ـ أن تتحيض إلى وقت عادتها، ثُمَّ ما زاد عنها تجعله حيضاً إذا كان بصفات دم الحيض وإلاَّ جعلته استحاضة.
الصورة الثالثة: أن تكون المرأة ذات عادة وقتية فقط، بحيث ترى الدم مرة خمسة ومرة سبعة أو أكثر أو أقل، وحكمها أن تعتبر نفسها حائضاً في الأيام الثلاثة الأولى مهما كانت صفة الدم، ثُمَّ بعدها ترى إن كان الدم بصفة الحيض تتحيض به وإلاَّ كانت مستحاضة، وذلك حتى يقف الدم على العشرة أو دونها.
وهذه المرأة مثلها مثل ذات العادة الوقتية والعددية لا يضرها تقدّم الدم عن وقت عادتها أو تأخره عنها بالنحو الذي ذكر آنفاً.
الصورة الرابعة: أن تكون لها عادة عددية فقط، وصاحبة هذه العادة لا بُدَّ لها من التمييز بالصفات عند رؤية الدم، فإن كان جميعه بصفة الحيض جعلته حيضاً إلى أن يتوقف على العشرة أو دونها، حسبما هي عادتها، وإذا تجاوز الدم أيام عادتها فإنَّ حكمها في الاستظهار حكم من كانت تأمل أو تجزم بانقطاع الدم قبل العشرة الوارد في الصورة الثانية. وأمّا إذا كان جميعه بصفة الاستحاضة فإنها تكون مستحاضة بالغاً ما بلغ الدم من القلة والكثرة.
وأمّا إذا كان بعضه بصفة الحيض وبعضه بصفة الاستحاضة، فإنها تحكم على ما هو بصفة دم الحيض بالحيض، وعلى ما هو بصفة دم الاستحاضة بالاستحاضة، وذلك من دون فرق بين ما وافق في عدده عدد أيام العادة أو اختلف عنها زيادة أو نقصاً، ما دام الجميع في داخل العشرة أيام.
الثاني ـ حكم الدم إذا تجاوز العشرة:
المرأة الحائض ذات العادة قد يتجاوز دمها العشرة أيام، وتفصيل ذلك في عدّة صور:
الصورة الأولى: ذات العادة الوقتية والعددية، وحكمها أن تعتبر ما وقع في أيام العادة حيضاً، وما زاد عن العادة إلى ما بعد العشرة استحاضة، حتى لو كان بصفات دم الحيض.
هذا إذا جاءها الدم في وقت عادتها، أمّا إذا جاءها الدم قبل وقت العادة أو بعدها، أو قبلها وبعدها بما في ذلك جميع أيام العادة، وتجاوز المجموع العشرة فإنَّ عليها أن تعتبر حيضها هو خصوص الدم الواقع في أيام العادة دون ما سبقها ولا ما لحقها. ومثاله: أن تكون عادة المرأة خمسة أيام من أول الشهر، فترى الدم قبلها بخمسة أيام ويستمر إلى أن يصل إلى ثلاثة عشر يوماً، فحيضها خصوص أيام عادتها، وما قبلها يكون استحاضة، وكذا ما بعد العادة وهو الثلاثة أيام.
وهنا افتراض آخر وهو: لو أنَّ المرأة رأت الدم في بعض أيام العادة وفي غير أيام العادة، ومثاله: أن تكون عادتها ستة أيام من أول الشهر، فلا ترى الدم إلاَّ في اليوم الثالث من أول الشهر ويستمر حتى يتجاوز العشرة. وحكمها أن تعتبر حيضها خصوص ما وقع من الدم في أيام العادة، وهو ثلاثة أيام حسب الفرض، وما زاد عن ذلك يكون استحاضة، وعليه فإنه لا يجب عليها أن تأخذ مما بعد زمان عادتها ما تكمل به النقص لتتم عادتها ستة أيام. وبعبارة أوضح: لا يجب عليها أن تأخذ الأيام الثلاثة الأخيرة من عادتها وثلاثة أيام بعدها حتى يتم لها ستة أيام.
ونفس هذا الحكم يثبت لو انعكس الفرض، وذلك بأن رأت الدم قبل عادتها بثمانية أيام وأربعة أيام من عادتها، فهنا تعتبر أنَّ حيضها هو خصوص الأربعة أيام التي رأت فيها الدم ابتداء من أول الشهر، ولا تتمّ مقدار عادتها وهو ستة أيام بيومين من الدم السابق على عادتها، بل يكون جميعه استحاضة.
الصورة الثانية: ذات العادة العددية فقط، فإنها إذا كان الدم في جميع الأيام بصفة الحيض تعتبر مقدار عادتها حيضاً والباقي استحاضة، وإذا كان جميعه بصفة الاستحاضة كان كلّه استحاضة، أمّا إذا كان بعض الدم بصفة الحيض وبعضه بصفة الاستحاضة فهنا ـ أيضاً ـ لا أهمية لتجاوز الدم العشرة ما دام المعول عليه هو التمييز بالصفات، لأنَّ الصور المتخيلة لهذا التغيّر المفترض وقوعه قبل العشرة معظهما سوف يتميز نوعها بصفات الدم، مثلاً:
لو رأت الدم أحد عشر يوماً، وعادتها سبعة أيام، وصادف أنها رأت الدم بصفة الاستحاضة من الأول إلى اليوم السادس، ثُمَّ إلى اليوم الحادي عشر بصفة الحيض، فهنا نعتبر هذه السبع الأخيرة حيضاً، رغم تجاوز عموم الدم العشرة، لأنَّ هذه السبعة موافقة لصفة دم الحيض والحكم بالعكس لو انعكست الصورة.
نعم لو فرض ما يلي:
امرأة لها عادة عددية مدتها أربعة أيام، ورأت الدم بصفة الاستحاضة من الأول إلى الثالث ثُمَّ رأته بصفة الحيض إلى اليوم الثاني عشر، فهنا يمكنها تطبيق حكم تجاوز الدم العشرة، فتجعل أيام عادتها الأربعة، أي من اليوم الرابع إلى السابع، حيضاً وما زاد عنه فتجاوز العشرة استحاضة، رغم أنه بصفة دم الحيض، أي من الثامن إلى الثاني عشر، أمّا الأيام الأولى التي ليست بصفة الحيض فهي استحاضة على كل حال.
وهكذا يمكن صياغة قاعدة على النحو التالي:
المرأة ذات العادة العددية التي يختلف لون الدم عندها ويتجاوز العشرة، إذا اكتملت أيام عادتها قبل العشرة، واستمر الدم فتجاوز العشرة، وكان ما في أيام العادة وما بعدها موافقاً لصفات دم الحيض، حكمها أن تجعل مقدار أيام العادة حيضاً، وما زاد عنه فتجاوز العشرة استحاضة، رغم كونه بصفة دم الحيض.
وهذه القاعدة يمكن تصورها بسهولة إذا كان ما بصفة الاستحاضة في أول الدم.
الصورة الثالثة: ذات العادة الوقتية فقط إذا تجاوز دمها العشرة. وحكمها أن تتحيض بمجرّد رؤية الدم إلى ثلاثة أيام، سواء كان الدم فيها بصفات الحيض أو بصفات الاستحاضة، ثُمَّ بعد الثلاث إن ظلّ الدم على صفات دم الحيض تجعله حيضاً حتى اليوم السادس أو السابع، وما بعده حتى يتجاوز العشرة تجعله استحاضة. وأمّا إذا كان الدم بعد الثلاث على صفة الاستحاضة فإنها تجعله جميعه استحاضة إلى أن يتجاوز العشرة.
الصنف الثالث ـ ناسية العادة:
المرأة التي تكون لها عادة ثُمَّ تنساها يختلف حكمها باختلاف الصنف التي هي منه، وذلك بين أن تكون ذات عادة وقتية وعددية أو ذات واحدة منهما، فهنا عدة أصناف نذكرها كما يلي:
الأول ـ ذات العادة العددية: المرأة التي تكون ذات عادة عددية فقط فتنساها، فلا تتذكر أهي خمسة أيام أو سبعة أيام أو أكثر أو أقل، فحيث إنه ليس لها عادة وقتية لتتحيض بمجرّد رؤية الدم فإنها يجب أن تعتمد على الصفات عند رؤيتها للدم، فما يكون بصفة الحيض تجعله حيضاً وما يكون بصفة الاستحاضة تجعله استحاضة إذا لـم يتجاوز الدم العشرة؛ أمّا إذا تجاوز الدم العشرة، وكانت قد احتملت ـ مجرّد احتمال ـ أنَّ عادتها كانت خمسة أيام مثلاً، فإنها تسير على طبق احتمالها فتجعله حيضاً وتعتبر الباقي استحاضة، لكن لو كان ما احتملته أزيد من سبعة أيام وجب عليها أن تجمع بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض في الأيام الزائدة على السبع حتى يصل رقم الاحتمال إلى عشرة أيام، ثُمَّ تجعل غير الزائد المحتمل استحاضة، مثال ذلك أن يأتيها الحيض في أول الشهر ويستمر معها حتى يزيد على العشرة أيام ويتوقف في اليوم الثالث عشر مثلاً، فإذا احتملت أن عادتها تسعة أيام وجب عليها أن تعتبر حيضها سبعة أيام وتحتاط إلى اليوم التاسع، ثُمَّ تعتبر نفسها مستحاضة من اليوم العاشر حتى الثالث عشر.
الثاني ـ ذات العادة الوقتية: المرأة التي تنسى عادتها الوقتية وليس لها في الأصل عادة عددية، ولم تعد تذكر متى كان وقت عادتها، فإذا جاءها الدم وتجاوز الثلاثة ووقف على العشرة اعتبرت ما بصفة الحيض حيضاً وما بصفة الاستحاضة استحاضة، وأمّا إذا تجاوز الدم العشرة فهنا افتراضان:
الافتراض الأول: أن تعلم أنَّ عادتها قد وقعت في ضمن هذه الثلاثة عشر يوماً ـ مثلاً ـ من دون أن تتمكن من تحديدها، ففي هذه الحالة يجب عليها الاحتياط بالجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض طوال الثلاثة عشر يوماً، سواء كان الدم بصفة الحيض أو بصفة الاستحاضة.
الافتراض الثاني: أن لا تعلم إجمالاً بوقوع عادتها خلال هذه الأيام، فيجب عليها عند اختلاف صفة الدم أن تعتبر ما بصفة الحيض حيضاً، بشرط أن لا يزيد عن العشرة ولا يقل عن الثلاثة، وما بصفة الاستحاضة استحاضة، وإذا تساوت صفات الدم وكان جميعه بصفة الحيض اعتبرت حيضها ستة أو سبعة أيام والباقي استحاضة، أو كان كلّه بصفة الاستحاضة فتجعل الجميع استحاضة.
الثالث: ذات العادة الوقتية والعددية: وهذه بما أنها مرة تنسى الوقت والعدد معاً، ومرة تنسى الوقت وتحفظ العدد، ومرة تنسى العدد وتحفظ الوقت، فإنَّ لها ثلاث حالات:
أ ـ ناسية الوقت حافظة العدد: وهذه حكمها حكم المرأة ذات العادة الوقتية فقط الناسية لها، غير أنها في حال رؤية الدم بصفة الحيض وزيادة الدم على العشرة وعدم علمها الإجمالي بموافقة الدم لأيام عادتها يجب عليها هنا أن تعتبر أيام عادتها العددية حيضاً وتجعل الباقي استحاضة.
ب ـ ناسية العدد حافظة الوقت: بما أنها حافظة لوقت عادتها يجب عليها التحيض بمجرد رؤية الدم، حتى ولو لـم يكن بصفات دم الحيض، لمدة ثلاثة أيام، ثُمَّ ما يزيد على الثلاثة إن كان بصفات الحيض اعتبرته حيضاً حتى اليوم العاشر، وإن لـم يكن بصفة الحيض اعتبرته استحاضة، أمّا إذا تجاوز الدم العشرة أيام فإنَّ حكمها في هذه الحالة هو حكم ذات العادة العددية فقط الناسية لها، وهي التي مرت في أول هذا البحث من الصفحة السابقة.
ج ـ ناسية الوقت والعدد معاً: وحكم هذه الحالة يظهر من حكم الحالتين السابقتين، فمثلاً: لو رأت هذه المرأة الدم ووقف على العشرة اعتبرته جميعاً حيضاً إذا كان بصفات دم الحيض، وإذا تجاوز العشرة وعلمت إجمالاً بموافقة هذه الأيام لوقت عادتها يجب عليها الجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض حتى لو احتملت عدداً معيناً لعادتها، لأنَّ مراعاة جانب الوقت هنا أقوى وأهم من مراعاة جانب العدد، أمّا إذا لـم تعلم إجمالاً بالموافقة لأيام العادة، فهنا لا بُدَّ من مراعاة جانب العدد فإذا احتملت عدداً معيناً لعادتها جعلته حيضها بالنحو الذي تقدم تفصيله في مسألة (ناسية عادتها العددية)، وهكذا يمكن الجري على هذا النحو في ملاحظة باقي موارد هذه المسألة.
 مسائل عامة:
مسألة 344: يحتمل ـ في بعض الأحيان ـ أن ترى المرأة الدم ثلاثة أيام أو أكثر، ثُمَّ ينقطع عدّة أيام، ثُمَّ تراه ثلاثة أيام أو أكثر.
وهنا حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون مجموع أيام الدم والانقطاع عشرة أو أقل، وتكون ذات عادة، وفيها صورتان: الأولى: أن يكون أحد الدمَّين موافقاً لوقت العادة والآخر بصفات دم الحيض، وحكمها أن تعتبر الجميع حيضاً واحداً، بما في ذلك أيام النقاء والانقطاع. الثانية: أن يكون أحدهما موافقاً لوقت العادة أو لصفات دم الحيض، والآخر غير موافق لأحدهما، وحكمها أن تجعل الموافق لأحدهما حيضاً وغير الموافق استحاضة وفترة الانقطاع فترة طهر ونقاء.
الحالة الثانية: أن يكون المجموع أكثر من عشرة أيام، وكانت ذات عادة وقتية وعددية، فهنا تعتبر ما في العادة حيضاً مهما كانت صفته، وفترة النقاء فترة طهر، والدم الثاني استحاضة حتى لو كان بصفة دم الحيض، وإذا كان ما وقع من الدم في أيام العادة أقل منها فإنه لا يجب عليها إكمال ما نقص من أيام عادتها من هذا الدم الثاني. ونفس الحكم يثبت لذات العادة العددية فقط إذا كان الدم بصفات دم الحيض. وأمّا إذا لـم تكن ذات عادة، فهنا عدّة صور: الأولى: أن يختلف لون الدم، فعليها أن تجعل ما كان بصفة الحيض حيضاً وما عداه استحاضة وفترة الانقطاع فترة طهر. الثانية: أن يتساوى لون الدم، ويكون بصفة دم الحيض، فتجعل الدم الأول حيضاً، وفترة الانقطاع طهراً، والدم الثاني استحاضة. الثالثة: أن يكون جميعه بصفة الاستحاضة فتجعله جميعاً استحاضة، وفترة الانقطاع طهراً.
مسألة 345: إذا توسط بين دمَّين بصفة الحيض دم ثالث بصفة الاستحاضة، مثل ما إذا رأت ثلاثة أيام بصفة الحيض، ثُمَّ ثلاثة أيام بصفة الاستحاضة، ثُمَّ عدّة أيام بصفة الحيض، فإن كان المجموع أزيد من عشرة أيام وكان أحدهما في أيام العادة دون الآخر جعلت ما في العادة حيضاً، وإن لـم يكن واحد منهما في العادة، أو لـم تكن ذات عادة، جعلت الدم الأول حيضاً، لكنها إذا كانت ذات عادة عددية وكان بعض الدم الثاني متمماً للعدد مع الاستحاضة المتخللة جعلته حيضاً على الأظهر. وإن لـم يتجاوز العشرة اعتبرت الجميع حيضاً بما فيها ما يكون بصفة الاستحاضة.
مسألة 346: إذا احتملت الحائض أنها قد طهرت وانقطع الدم عنها، فلا يجوز لها أن تهمل هذا الاحتمال وتظلَّ على حيضها، بل يجب عليها أن تفحص وتتأكد، وذلك بأن تدخل قطنة وتتركها في موضع الدم ثُمَّ تخرجها، فإن كانت نقية من الدم نظرت في أمرها، فإن كانت تعلم أن هذا النقاء مؤقت ولوقت قصير وكانت واثقة من عودة الدم من جديد فلا تبالي بهذا النقاء المؤقت، وتعتبر حالها كما لو لـم يكن الدم قد انقطع، وإن كانت واثقة من عدم عودة الدم، أو كانت شاكة في عودته، فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي، فإذا لـم يعد الدم خلال الأيام العشرة صح ما عملته، وإن عاد قبل مضي عشرة أيام من حين ابتدائه عادت إلى حكم الحيض بالنحو المناسب لصنفها ممّا مر ذكره دون أن يؤثر في استمرار كونها حائضاً انقطاع الدم يوماً أو يومين، وكانت كمن استمر بها الدم طيلة هذه المدة بما فيها فترة النقاء، ومثال ذلك امرأة رأت الحيض أربعة أيام ثُمَّ نقت فاغتسلت وصلت يومين، ثُمَّ رأت الدم ثلاثة أيام، فتعتبر أيامها التسعة كلّها حيضاً، وينكشف لديها في النهاية أنَّ ما أتت به من غسل وعبادة خلال اليومين الخامس والسادس ليس صحيحاً شرعاً.
وهذا معنى قول الفقهاء: «إنَّ النقاء المتخلل بين دمين يعتبر مع الدمَّين حيضاً واحداً مستمراً إذا لـم يتجاوز المجموع عشرة أيام».
والفحص والاختبار بالطريقة التي ذكرناها، أو بأي طريقة أخرى تؤدي نفس الغرض، واجب في كل وقت تحتمل فيه المرأة النقاء، فإذا لـم تفحص المرأة واغتسلت غسل الحيض بأمل أن تكون قد نقت من الدم وهي لا تدري شيئاً عنه فلا يعتبر هذا الغسل صحيحاً ومطهراً لها، إلاَّ إذا ثبت لديها بعد ذلك أنها كانت نقية من الدم حين اغتسلت؛ وإذا أيقنت المرأة بالنقاء بدون فحص لـم يجب عليها الاختبار وكان لها أن تغتسل وتصلي.
مسألة 347: في موارد التخيير بين التحيض بست أو سبع، أو في موارد الاحتياط الوجوبي التي تختلف فيها مدة التحيض قلة وكثرة، إذا عارض الزوج زوجته في جعل مدة الحيض سبعة أيام وطلب أن تجعلها ستة، لأنَّ ذلك يحرمه من فرصة الاستمتاع بزوجته، لـم يجب عليها أن تطيع زوجها فيما يريد، وكذا في موارد الاحتياط الوجوبي بالجمع بين أفعال الطاهر أو المستحاضة وبين تروك الحائض، حتى ولو كان بإمكانها الرجوع في ذلك الاحتياط إلى غير مقلَّدها، عندما يكون ذلك الرجوع موفِّراً فرصة الاستمتاع لزوجها. أمّا في موارد الاحتياط الاستحبابي فإنها يجب أن تطيعه في ترك ما ينافي حقّه.
المبحث الثاني ـ في الحيض:
وهو دم تقذفه المرأة السوية من الرحم إلى الخارج، في أوقات منتظمة غالباً، بواسطة الفرج الذي هو المخرج المعتاد، وقد يتعذر خروجه من موضعه المعتاد فيتحول عنه ليخرج من موضع آخر استثنائي، بسبب الخلقة أو بسبب طارئ صحي، وتترتب عليه أحكام الحيض سواء خرج من الموضع المعتاد أو من غيره. وغالباً ما يكون على الصفة التالية: أحمر أو أسود، حاراً، كثيفاً، يخرج بدفق وحرقة، وهذه الصفات نحتاجها عند الاشتباه لتمييز دم الحيض عن غيره كما سيأتي.
 الشروط العامة:
يجب أن تتوفر عدّة أمور أساسية كي يعتبر الدم الخارج دم حيض، بحيث لو لـم تتوفّر هذه الأمور لا يعتبر الدم حيضاً حتى ولو كان في وقت العادة أو موافقاً لصفات دم الحيض، وهذه الشروط هي:
الأول ـ البلوغ: يعتبر الحيض علامة على البلوغ الشرعي إذا خرج قبل سن الثالثة عشرة قمريّة، والتي تساوي بالميلادي اثنتي عشرة سنة وسبعة أشهر وعشرين يوماً، وذلك إذا خرج بعد إكمالها سن التاسعة قمريّة، واجتمعت فيه صفات الحيض الأخرى التي سيأتي ذكرها.
الثاني ـ عدم بلوغ سن اليأس: وهي السن التي تيأس المرأة بعدها ـ بحكم العادة الغالبة ـ من إنجاب الأطفال، وهي محددة في الشرع بإكمال سن الخمسين عاماً قمرية (والتي تساوي بالميلادي ثمانية وأربعين عاماً وستة أشهر ونصف الشهر تقريباً)، فكلّ امرأة بلغت الخمسين من عمرها لا يكون ما تراه من الدم دم حيض، بل هو استحاضة حتى ولو كان بصفات دم الحيض. والأحوط استحباباً للمرأة «القرشية» أن تجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض فيما بين الخمسين والستين عند توفر شروط الحيض، وإلا فهي مستحاضة كغيرها من النساء.
والمرأة القرشية: هي التي تنتسب إلى (النضر بن كنانة) الجد الأصلي للبطون العربية التي كانت تعيش في مكة، أمثال بني تيم وبني عدي وبني زهرة وبني هاشم وبني أمية وغيرهم ممن ذكرهم النسابة، فتكون المرأة الفاطمية التي تنتسب إلى رسول الله w عن طريق ابنته فاطمة الزهراء u أحد أفراد المرأة القرشية، وبما أنَّ غالب النّاس لا يهتمون بتحديد أنسابهم البعيدة، فإنَّ من تشك في أنها قرشية أو غير قرشية لا يحكم بكونها قرشية، وتكون مدة حيضها حتى الخمسين، وما بعد الخمسين يكون استحاضة.
ومعنى (الجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض) أنه يجب عليها الصوم والصلاة بالنحو الواجب في الاستحاضة، كما يجب عليها ـ أيضاً ـ ترك دخول المساجد واجتناب الاتصال الجنسي ونحوهما مما يحرم على الحائض.
الثالث ـ خروج الدم: فلا يحكم بالحيض إلاَّ بعد خروجه إلى خارج الفرج، وسبب هذا الشرط أنَّ الدم في بداية نزوله من الرحم قد لا يكون غزيراً، بل يتنقط ببطء شديد ليقطع تجويف (المهبل) الممتد بضعة سنتمترات تفصل ما بين عنق الرحم، الذي يبدأ الدم بالنزول منه، وبين فوهة الفرج التي يخرج منها الدم إلى الخارج، وهذه المسافة تسمى (باطن الفرج)، ومن هنا فإنَّ المرأة قد تحسّ ببداية خروج الدم من الرحم ولكنها لا تراه يخرج من الفرج، فما دام الدم موجوداً في الباطن لا تعتبر المرأة في الحيض أبداً بل تبقى على ما هي عليه من الصلاة وغيرها، أمّا إذا خرج الدم وسال بنفسه أو أنها أدخلت قطنة وخرج عليها دم ثُمَّ استمر الدم في الجريان أو ظلّ موجوداً في باطن الفرج، اعتبرت نفسها في الحيض عند توفر باقي الشرائط المطلوبة.
وكما بداية الحيض كذلك نهايته، فإنَّ بقاء الدم في الباطن في الأيام الأخيرة من الحيض يدل على استمرار الحيض حتى لو انقطع سيلانه من الخارج.
مسألة 333: إذا شعرت المرأة بخروج الدم من الرحم وظنّت أنَّ حيضها قد بدأ لـم يجب عليها أن تدخل قطنة لتفحص نفسها وتتأكد من ذلك، بل إنَّ بإمكانها أن لا تهتم بهذا الشعور وتبقى على ما هي عليه حتى يخرج الدم من نفسه وتتيقن ـ حينئذ ـ ببداية الحيض فعلاً، ولكن الأحوط الأولى أن تفحص نفسها في هذه الحالة.
الرابع: موافقة ذلك الدم وخروجه في وقت العادة للمرأة ذات العادة ولو لـم يكن بصفات دم الحيض، أو خروجه موافقاً لصفات دم الحيض من المرأة التي ليس لها عادة، وعليه فإنه إذا تمت سائر الشروط لـم يحكم بكون الدم حيضاً إلاَّ إذا وافق أحد هذين الأمرين، وتفصيل ذلك على النحو التالي:
الأول: موافقته لأيام العادة الوقتية، بحيث يكون للمرأة عادة منتظمة في الوقت وترى الدم فيها باستمرار، ففي هذه الحالة تعتبر نفسها في الحيض بمجرّد أن ترى الدم حتى ولو لـم يكن بصفات دم الحيض، وسوف يأتي البيان الوافي لأحوال ذات العادة.
الثاني: موافقة الدم الخارج من غير ذات العادة الوقتية لصفات دم الحيض، فإذا لـم يكن الدم الخارج موافقاً لصفات الحيض لـم يعتبر حيضاً، بل يكون استحاضة كما سيأتي بيانه. ويجب الانتباه إلى أنه لا يجب اجتماع جميع تلك الصفات، بل يكفي وجود واحدة منها ليحكم بكونه حيضاً. وذلك أننا قد أشرنا فيما سبق إلى أنَّ دم الحيض يكون ـ في الغالب ـ أحمر أو أسود، حاراً كثيفاً، يخرج بحرقة ودفق. ومن الناحية العملية فإننا نلاحظ أحياناً انتقال الدم ما بين الأحمر والأسود، أو خلوه من الدفق أو الحرقة في بعض الأحيان واشتماله عليها في أحيان أخرى، وهذا لا يضر في كون الجميع حيضاً، ما دام قد اشتمل على بعض هذه الصفات. نعم سوف يأتي في أحكام المبتدئة والمضطربة الاعتداد بمراتب الحمرة، فلو كان دم أحمر والآخر أسود اعتبر الأحمر استحاضة والأسود حيضاً. وعموماً فإنَّ ما ذكر من الصفات لدم الحيض تكون موجودة في الغالب عندما تكون المرأة في حدث الحيض بينما يكون ضدّها هو الموجود في حدث الاستحاضة.
الخامس ـ مدة الجريان: من أجل اعتبار الدم حيضاً لا بُدَّ أن يستمر ويجري مدة معينة، ومن أجل تحديد هذه المدة وتوضيح ملابساتها لا بُدَّ من ملاحظة الأمور التالية:
أولاً: يجب أن لا تقل المدة عن ثلاثة أيام ولا تزيد عن العشرة، فلو رأت المرأة الدم ساعة أو يوماً أو يومين ثُمَّ توقف تماماً وانقطع لـم يعتبر ذلك الدم حيضـاً، وكذلك لـو ظلّت تـرى الـدم إلى مـدة تزيد عن العشرة أيام، فإنَّ الدم ـ حينئذ ـ لا يكون جميعه حيضاً كما سنبين ذلك لاحقاً.
ثانياً: ما دامت الأيام الثلاثة الأولى هي الأصل في كون المرأة حائضاً، فإنه لا يجب تتابع أيام الدم الثلاثة وتواصلها خلافاً لما ذهب إليه المشهور، فلا يضر بذلك، رؤية الدم يوماً مثلاً ثُمَّ توقفه وانقطاعه تماماً في اليوم الثاني ثُمَّ عودته في اليوم الثالث يوماً أو يومين، وهكذا، بل تعتبر المرأة حائضاً إذا كان مجموع الأيام التي رأت فيها الدم ثلاثة أيام فصاعداً، ورغم أنَّ الغالب في دم الحيض هو تواصل أيامه فإنه إذا حدث التقطع فإنَّ الأحوط وجوباً للمرأة في اليوم الذي ترى فيه الدم أن تجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض، أمّا يوم الانقطاع والطهر فإنه يجب عليها الاغتسال والإتيان بأعمال الطاهرة.
وقد تقول: إنَّ هذه الملاحظة واضحة من الناحية النظرية، ولكن كيف تتصرف المرأة مع مثل هذا الوضع عملياً فيما لو كانت تعلم أنَّ الدم سوف يكون متقطعاً بهذا النحو أو أنها لا تعلم به.
والجواب: إنَّ المرأة إذا استقر أمرها على هذا النحو من التقطع وكانت تعلم به مسبقاً، فلا إشكال عليها، لأنها ـ حينئذ ـ تهيئ نفسها للقيام بتلك الوظيفة بمجرّد أن ترى الدم، فتجمع بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض في يوم الدم، وحيث إننا نفترض أنه سينقطع عنها الدم في اليوم التالي فإن حدث الاستحاضة الذي انقطع عنها قد يستلزم أن تغتسل غسل الاستحاضة في يوم النقاء والانقطاع وتؤدي عباداتها، وهكذا في سائر الأيام.
وأمّا إذا لـم تكن تعلم بهذا التقطع، فإنها تعتبر نفسها حائضاً في يوم الدم ما دامت لا تعلم بأنه سينقطع في اليوم التالي، فإذا انقطع لزمها الاغتسال والصلاة، فإذا جاءها الدم في اليوم الثالث فالواجب أن تعتبره حيضاً لأنها أيضاً لا تعلم إن كان سينقطع في اليوم الذي بعده، وهكذا إلى ما بعد اليوم الثالث الذي ترى فيه الدم، فإنها عند ذلك تكتشف أنها حائض فتمضي في حيضها ولا شيء عليها، أو تكتشف أنها غير حائض وأنه كان يجب عليها أن تأتي بأعمال المستحاضة، فعليها حينئذ قضاء ما فاتها من صلاة وصوم في ذينيك اليومين.
ثالثاً: يجب استمرار الدم بالتواجد ولو في باطن الفرج بعد خروجه أو إخراجه بقطنة، في كلّ يوم من الأيام الثلاثة الأولى على مدار الأربع والعشرين ساعة، من دون أن يضر توقفه لفترة يسيرة كالدقائق، فلو توقف خلال الليل أو النهار ساعة مثلاً أو ساعتين توقفاً تاماً ونقت فيه المرأة من الدم تماماً لـم يعتبر الدم الذي رأته قبل التوقف من دم الحيض، وعليها أن تستأنف الحساب بعد تجدد خروج الدم. وبالمقارنة بين الملاحظة الثانية والثالثة يتبين لنا أنَّ الدم لا بُدَّ أن يتواجد لمدة ثلاثة أيام ولو لـم تكن متواصلة كما هو مفاد الملاحظة الثانية، ولكنه في كلّ يوم من هذه الأيام الثلاثة يجب أن يبقى متواجداً على مدار الليل والنهار حتى لو انقطع بعد ذلك ليوم ثُمَّ تجدّد بعد ذلك، كما هو مفاد الملاحظة الثالثة.
السادس: أن يفصل بين الحيض السابق والحيض الذي بعده مدة لا تقل عن عشرة أيام، فلو رأت الدم بعد ثمانية أيام من نهاية حيضها السابق لـم يكن هذا الدم حيضاً، بل إنَّ عليها اعتباره استحاضة حتى تتم العشرة من نهاية الحيض الأول، ثُمَّ بعد ذلك يمكن اعتباره حيضاً إذا اجتمعت شروطه.
السابع: أن لا يكون دم جرح أو قرح مما ينتج عن أسباب مرضية أو عن افتضاض البكارة، وسيأتي بيان أحكامه لاحقاً.
مسألة 334: المبدأ الشرعي لاحتساب الأيام وعدها، سواء في ذلك الأيام الثلاثة الأول بناءً على القول بضرورة التوالي فيما بينها، أو غير الأيام الثلاثة، كاحتساب عشرة الطهر، أو احتساب أيامٍ من عادتها، عشرةُ أيام متواصلة أو أقل، إنَّ المبدأ الشرعي يتصور على نحوين، وليكن المثل على العشرة أيام:
الأول: أن ترى الدم صباح يوم الخميس ـ مثلاً ـ مع طلوع الفجر أو قبله، فعليها أن تعد عشر نهارات وتسع ليالٍ، فتنتهي الأيام العشرة غروب يوم السبت، وكذلك لو رأت الدم في ليلة يوم الخميس، في أي وقت منها، فإنها لا تُدخِل هذا الوقت في الحساب، بل تبدأ الحساب من صباح يوم الخميس.
الثاني: أن ترى الدم نهار الخميس، بعد الفجر أو قبل الظهر أو بعده، فعليها أن تعد أحد عشر نهاراً وعشرة ليالٍ، فتنتهي الأيام العشرة في هذا المثال يوم الأحد بنفس الساعة التي كانت قد رأت الدم فيها يوم الخميس.
وهكذا لو أرادت حساب خمسة أيام أو سبعة، تحسبها بنفس الطريقتين السابقتين مع تغيير رقم العدد فقط.
مسألة 335: لا شك في أنَّ فترة الرضاع يحدث فيها الحيض، فيمكن أن تكون المرأة مرضعاً ويأتيها الحيض مثل غير المرضع، أمّا المرأة الحامل فالأقرب فيها عدم اجتماع الحيض مع الحمل واعتبار الدم الذي تراه خلال حملها استحاضة، غير أنَّ ما تراه من الدم إذا وافق شروط الحيض بأن كان في وقت عادتها، أو كان بصفات دم الحيض، لا سيما إذا رأته بعد عادتها بعشرين يوماً، فالأحوط استحباباً لها أن تجمع في فترة الدم بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض.
مسألة 336: إذا شكت المرأة في الدم الخارج منها في ليلة زفافها فلم تعرف أهو دم حيض أو أنه دم افتضاض البكارة، وجب عليها في هذه الحالة أن تفحص نفسها بإدخال قطنة وتركها في موضع الدم دقيقة ثـمَّ إخراجها بتمهل، فإن كانت مطوقة وملوثة بالدم بنحو لـم تُغمس بالدم وتمتلئ فإنَّ هذا الدم يكون دم بكارة، ولا يترتب عليه شيء سوى تطهير موضع النجاسة والقيام بأعمالها بالشكل الطبيعي، وأمّا إذا كانت مغموسة بالدم ومملوءة فهو دم الحيض إذا وافق باقي الشروط، وأمّا إذا لـم تتمكن من إجراء الاختبار السابق، فإن كان لها عادة وقتية وصادف هذا الدم وقت عادتها اعتبرته حيضاً، وإن لـم يصادف وقت عادتها اعتبرته دم بكارة، وأمّا إذا لـم يكن لها حالة سابقة أو جهلت حالتها السابقة اعتبرت أنها ليست في الحيض وأنّ الدم الخارج دم بكارة ومارست أمورها بنحو اعتيادي.
هذا، وإنَّ معنى وجوب الفحص المذكور هنا أنها إذا لـم تفحص نفسها وصلّت لا تكون آثمة بترك الفحص، ولكنها إذا صلّت بقصد الأمر اليقيني المتوجه إليها تكون صلاتها باطلة إذا كانت ملتفتة، أمّا إذا كانت غافلةً أو تحقّق منها قصد القربة جهلاً بالحكم فإنَّ صلاتها تكون صحيحة إذا تبين أنَّ الدم دم بكارة.
مسألة 337: إذا وجد في باطن الفرج قرح أو جرح مُعرَّض للنزف، ورأت الدم وشكت أنه دم ذلك الجرح أو أنه من دم الحيض، ففي هذه الحالة تعتبر أنَّ الدم الخارج هو دم الجرح وليس من دم الحيض، من دون أن يترتب عليها شيء أبداً، حتى إنَّ هذا الدم إذا لـم ينقطع وبقي ينزف يجوز لها الصلاة مع النزف ولا يجب تطهير الموضع ما دام التطهير غير ممكن.
مسألة 338: إذا رأت المرأة على ثوبها شيئاً بلون الدم وشكت في كونه دماً أو صباغاً أحمر مثلاً فإنها لا تعتبره دماً، ولو علمت أنه دم وشكت في كونه من الرحم أو من غيره لـم تعتن بهذا الشك بالنسبة لترتيب آثار الحيض، أما بالنسبة للنجاسة فإنَّ عليها تطهير الموضع منه كما هو واضح.
مسألة 339: بعدما ذكرنا جميع الشروط التي لا بُدَّ من توفرها ليكون الدم حيضاً، وبعدما تبين أن بعض هذه الشروط يتوفر قبل الدم أو مقارناً له وبعضها يتوفر بعد مضي مدة عليه، ثلاثة أيام أو أكثر، فإنه يتبين لنا أنَّ المرأة لن تعرف أنها في حدث الحيض فور رؤيتها للدم، بل لا بُدَّ من مرور تلك المدة السابقة أي ثلاثة أيام في أوله وانتظار وقوفه على العشرة في آخره، فما هو معنى الأحكام التي مرت من اعتبار نفسها في الحيض أو اعتبارها في الاستحاضة ما دامت غير عالمة بحالها ولا بوظيفتها، بل كيف وماذا تفعل خلال مدة الترقب هذه التي تنتهي باليقين..؟؟
والجواب: إننا قد ذكرنا شيئاً من هذا عند حديثنا عن مدة الجريان، ونزيد على ذلك فنقول: إنَّ المرأة حين خروج الدم منها موافقاً لوقت عادتها يلزمها منذ اللحظة الأولى أن تعتبر نفسها حائضاً وتبادر إلى ترك الصلاة والصوم ودخول المساجد وغيرها مما لا يصح منها في فترة الحيض، لأن ذلك هو الوضع الطبيعي لغالب النساء اللواتي لهن عادة منتظمة ويعرفن حالهن عند بداية خروج الدم. فإذا اختل هذا الوضع الطبيعي واضطرب وقت خروج الدم منها وجب عليها ـ أيضاً ـ أن تتحيض بمجرّد رؤية الدم موافقاً لصفات الحيض، ثُمَّ إن تبين لها بعد ذلك، وحتى اليوم العاشر، أنها في الحيض تكون قد أدّت ما عليها، وإن تبين أنها مستحاضة وجب عليها أن تقضي ما فاتها وتشرع بوظيفة المستحاضة، وكذا إن تبين لها أنه يجب عليها الجمع بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض.
وهذا يعني أنَّ دور بعض هذه الشروط هو دور الكاشف عن الوظيفة الحقيقية للعمل على طبقها ولو قضاءً بعد فوات الأوان.
 أصناف النساء:
قد تتأكّد المرأة أنَّ الدم الخارج منها ليس دم بكارة ولا جرح ولا قرح ولا غيرها، بل هو دم قد قذفه الرحم... ويمكن أن يكون حيضاً كما يمكن أن يكون استحاضة، وقد قلنا: إنه لا يمكن تعيين الحيض إلاَّ بإحدى وسيلتين: إمّا موافقة وقت العادة أو موافقة صفات الحيض لمن ليس لها عادة مضبوطة، ولما كانت أصناف النساء مختلفة في ذلك فإنَّ من الطبيعي أن تختلف الأحكام باختلاف الأصناف، ومحصلة ذلك ستة أصناف:
1 ـ ذات العادة الوقتية والعددية: وهي المرأة التي لها عادة مضبوطة في الوقت والعدد، بحيث ترى الدم ـ مثلاً ـ في أول كلّ شهر ويستمر سبعة أيام، ويبقى هكذا دائماً.
2 ـ ذات العادة الوقتية: وهي التي ترى الدم في أول كلّ شهر ـ مثلاً ـ دائماً، ولكن مرة يستمر ثلاثة ومرة يستمر خمسة أو سبعة، بحيث يتفق في الوقت ويختلف في العدد.
3 ـ ذات العادة العددية فقط: وهي التي لها عادة مستمرة متفقة في العدد ومختلفة في الوقت، كأن ترى الدم ـ مثلاً ـ دائماً سبعة أيام، ولكن مرة تراه في أول الشهر ومرة في وسطه ومرة في آخره، وهكذا يستمر على ذلك.
4 ـ المضطربة: وهي التي كانت لها عادة مستقرة ثُمَّ اضطربت فلم تنتظم لا من حيث الوقت ولا من حيث العدد، واستمرت على ذلك.
5 ـ ناسية العادة: وهي التي كانت لها عادة مستقرة ونسيتها فلم تعد تذكر متى وكم كانت عادتها، واستمرت على ذلك.
6 ـ المبتدئة: وهي التي ترى الدم للمرة الأولى في حياتها.
مسألة 340: إنما تعتبر المرأة ذات عادة إذا تكررت لها رؤية الدم على أحد الأنحاء الثلاثة السابقة مرتين متواليتين متماثلتين، فإذا اتفقت العادة في الوقت والعدد أو في أحدهما فقط في شهرين متواليين تعتبر ذات عادة، فتعمل ابتداءً من الشهر الثالث على وفق عادتها وتُجري على نفسها أحكام الحيض التي أجرتها في السابق.
مسألة 341: ذات العادة المستقرّة قد يعرض عليها الاضطراب والاختلاف، فإن كان لمرة واحدة لـم تؤثّر في ثباتها على عادتها، وإن تكرّر الاختلاف شهرين متواليين، ارتفعت العادة الأولى عند ذلك، وأصبح لها عادة جديدة، ويكون العمل على طبقها ما دامت مستمرة على النحو الجديد، فإذا لـم تستمر على ذلك اعتبرت عادتها مضطربة، ولحقتها أحكام المضطربة ابتداءً من الشهر الرابع أو المرة الرابعة التي ترى فيها الدم، أمّا في الأشهر الثلاثة الأُوَل التي بدأ الاضطراب منها فإنه قد كان يجب عليها أن تعتبر نفسها حائضاً حتى يوم عادتها الأولى إذا كانت أقل من ستة أيام، ثُمَّ تترك العبادة حتى اليوم السادس أو السابع احتياطاً إذا بقي الدم مستمراً إليهما، ثُمَّ بعد ذلك يلحقها الحكم العام من وقوفه على العشرة أو قبلها أو زيادته على العشرة، كما سيأتي.
مسألة 342: قد تثبت للمرأة عادة مركبة، وذلك بأن ترى الدم على نحو معين شهرين متماثلين ثم شهرين متماثلين على خلاف الشهرين السابقين، مثل أن ترى الدم في أول الشهر ولمدة خمسة أيام مرتين، ثُمَّ ترى الدم في منتصف الشهر الثالث ولمدة أسبوع مرتين، وتظلّ هكذا دائماً، أو ترى شهراً متفقاً وشهراً مختلفاً ثُمَّ ترى الشهرين التاليين مثلهما، مثل أن ترى في أوله خمسة أيام، وفي الشهر الثاني في منتصفه سبعة أيام، والشهر الثالث مثل الأول والرابع مثل الثاني، وتبقى هكذا دائماً.
ولكن ذلك لا يجعلها بحكم ذات العادة ولا يحل مشكلتها، بل يجب أن تحتاط باعتبار نفسها مضطربة وذات عادة، ومعنى ذلك أنه في كلّ مرة يكون فيها الدم بحسب عادتها المركبة أقل من ستة أيام يجب عليها أن تعتبر أيام عادتها المركبة حيضاً ثُمَّ تترك العبادة إلى اليوم السادس أو السابع زيادة على عادتها، فإذا كان وقت عادتها الطبيعي مرة ثلاثة ومرة أربعة وجب عليها أن تعتبر نفسها حائضاً حتى اليوم السادس أو السابع مخيرة في ذلك.
مسألة 343: ليس من الضروري لذات العادة الوقتية أن تكون رؤية الدم في الوقت تماماً، فلو تقدّمت على الوقت بيوم أو يومين أو كانت بعد الوقت بيوم أو يومين لـم يؤثر ذلك على اعتبارها ذات عادة وقتية ما دامت رؤيته قد تمت خلال أيام العادة.
فإن رأته قبل عادتها بأسبوع أو أربعة أيام لـم تتحيض بمجرّد رؤية الدم، بل ترى إن كان بصفات دم الحيض تجعله حيضاً، وإلاَّ كان استحاضة، فإن حان وقت عادتها تحيضت ولو كان الدم أصفر.
 أحكام كلّ صنف:
لا بُدَّ لنا بعدما استعرضنا أصناف المرأة الحائض من أن نذكر فيما يلي الأحكام الخاصة بكلّ صنف من الأصناف المذكورة، وبما أنَّ الوضع الطبيعي للمرأة أن ترى الحيض لأول مرة في حياتها فإننا سوف نبدأ بأحكام المبتدئة التي تتفق في أغلب أحكامها مع المضطربة فنقول:
الصنف الأول ـ المبتدئة والمضطربة:
إذا رأت المرأة الدم وليس لها عادة منتظمة إمّا بسبب كونها قد رأت الدم للمرة الأولى في حياتها، أو بسبب اضطراب عادتها بعد انتظامها، فمن الطبيعي في مثل هذه الحالة أن يكون اكتشافها للحيض على أساس الصفات، فما كان واجداً لصفات الحيض تجعله حيضاً وما كان فاقداً لها تعتبره استحاضة، لكن إذا لـم يتجاوز الدم عشرة أيام وتراوح لون الدم خلال هذه الأيام ما بين الأحمر والأسود والأصفر، جعلت الدم غير الأصفر حيضاً، حتى ولو كان أحمر تارة وأسود أخرى، وجعلت الدم الأصفر استحاضة. وإذا كان جميعه بلون واحد اعتبرته حيضاً إن كان بصفات الحيض واستحاضة إن كان بصفات دم الاستحاضة في الأيام العشرة جميعها.
أمّا إذا تجاوز الدم العشرة أيام فهنا فرضان:
الفرض الأول: أن يختلف لون الدم طوال الثلاثة عشر يوماً مثلاً ويتراوح بين الأسود والأحمر فقط، أو بين الأحمر والأسود والأصفر، فهنا تعتبر الأكثف لوناً حيضاً، وهو الأسود في الحالة الأولى والأحمر والأسود في الحالة الثانية، والأخف لوناً، وهو الأحمر في الأولى والأصفر في الثانية، استحاضة، كذلك لو تراوح اللون بين الأحمر والأصفر فإنها تجعل الأول حيضاً والثاني استحاضة، وذلك جميعه مشروط بأن لا يقل الدم الذي اعتبرته حيضاً عن الثلاثة ولا يزيد على العشرة، إذ يعتبر عند ذلك استحاضة حتى ولو كان أكثف لوناً. وقد ترى الدم بصفات الحيض خمسة أيام مثلاً ثُمَّ بصفات الاستحاضة خمسة ثُمَّ خمسة أيام بصفات الحيض، وحكمها أن تجعل الخمسة الأُوَل حيضاً والخمسة الثانية استحاضة وكذلك الخمسة الثالثة لأنه لـم يفصل بينها وبين آخر أيام الحيض في الخمسة الأُوَل عشرة أيام طهراً.
الفرض الثاني: أن يتساوى لون الدم في جميع الأيام، فإن كان جميعه بصفة دم الاستحاضة اعتبرته جميعاً استحاضة، أمّا إذا كان جميعه بصفة دم الحيض فإنه يحكم بكونه حيضاً بمجرّد رؤية الدم، ولكنه لما كان أزيد من عشرة أيام فإننا لا يمكن أن نعتبره كلّه حيضاً، فلا بُدَّ من اعتماد عدد معين ترجع إليه هذه المرأة، وهذا العدد يختلف بين المبتدئة والمضطربة.
أمّا المبتدئة: فإنها ترجع في العدد إلى عادة أقاربها، وهن: أمها وجداتها وعماتها وخالاتها وبنات عمها وخالها ونحوهن من أقاربها، فتأخذ بعادتهن إذا كانت لهن عادة متحدة فتجعلها حيضها والزائد عنها يكون استحاضة، وأمّا إذا لـم تكن لهن عادة واحدة فإن عليها في الشهر الأول أن تعتبر حيضها ستة أو سبعة أيام مخيرة في ذلك، ثُمَّ تحتاط إلى اليوم العاشر بالجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض، وعليها في الأشهر التالية أن تتحيض ثلاثة أيام، ثُمَّ تحتاط بالجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض حتى اليوم السادس أو السابع، وتجعل الباقي استحاضة، وتبقى على هذا الحكم الأخير حتى تستقر عادتها.
وأمّا المضطربة: فلا يجب عليها الرجوع إلى عادة الأقارب، بل تعتبر أن حيضها دائماً هو ستة أو سبعة أيام والباقي استحاضة.
الصنف الثاني ـ ذات العادة:
نظراً لكثرة وتشعب فروع هذه الحالة فإننا سوف نستعرضها تحت عنوانين:
الأول ـ حكم الدم إذا بقي ضمن العشرة:
وفيه صور:
الصورة الأولى: أن تكون لها عادة وقتية وعددية مستقرة ومنتظمة، وحكمها أن تتحيض بمجرّد رؤية الدم إلى أن يحصل لها النقاء في آخر أيام عادتها، سواء كان الدم بصفات دم الحيض أو لـم يكن، وسواء كانت عادتها عشرة أو أقل من ذلك.
ونؤكد هنا على ما سبق قوله من أنه لا يضر ـ في هذه الصورة ـ تقدم الدم على الوقت المحدد بيوم أو يومين، ولا تأخره عنه بيوم أو يومين.
الصورة الثانية: أن تكون المرأة ذات عادة شهرية مستقرة، كالصورة الأولى، ولكن الدم استمر معها بعد العادة، وحكمها أنها إن كانت مستحاضة قبل مجيء عادتها واتصل دم العادة بدم الاستحاضة أنهت حيضها بانتهاء أيام عادتها واعتبرت ما يبقى من الدم استحاضة، وإن لـم تكن مستحاضة على هذا النحو، بل كانت طاهرة قبل مجيء العادة، فالحكم يتبع تقديرها الشخصي، فإذا كانت تقدر بصورة جازمة أن الدم سيستمر في المستقبل ويتجاوز عشرة أيام أنهت حيضها بانتهاء أيام عادتها واعتبرت الباقي استحاضة. وإذا كانت تأمل انقطاع الدم قبل تجاوزه عشرة أيام وجب عليها أن تضيف يوماً واحداً على الأقل إلى عادتها فتعتبر نفسها حائضاً فيه ثُمَّ تعمل كمستحاضة، ويجوز لها أن تضيف يومين أو كلّ ما يتبقى من الأيام العشرة إلى أيام عادتها فتواصل حكم الحائض طيلة المدة. وإذا جزمت بوقوف الدم على العشرة أو قبلها، ولم يكن ذلك مجرّد احتمال، وجب عليها ـ حينئذ ـ أن تتحيض إلى وقت عادتها، ثُمَّ ما زاد عنها تجعله حيضاً إذا كان بصفات دم الحيض وإلاَّ جعلته استحاضة.
الصورة الثالثة: أن تكون المرأة ذات عادة وقتية فقط، بحيث ترى الدم مرة خمسة ومرة سبعة أو أكثر أو أقل، وحكمها أن تعتبر نفسها حائضاً في الأيام الثلاثة الأولى مهما كانت صفة الدم، ثُمَّ بعدها ترى إن كان الدم بصفة الحيض تتحيض به وإلاَّ كانت مستحاضة، وذلك حتى يقف الدم على العشرة أو دونها.
وهذه المرأة مثلها مثل ذات العادة الوقتية والعددية لا يضرها تقدّم الدم عن وقت عادتها أو تأخره عنها بالنحو الذي ذكر آنفاً.
الصورة الرابعة: أن تكون لها عادة عددية فقط، وصاحبة هذه العادة لا بُدَّ لها من التمييز بالصفات عند رؤية الدم، فإن كان جميعه بصفة الحيض جعلته حيضاً إلى أن يتوقف على العشرة أو دونها، حسبما هي عادتها، وإذا تجاوز الدم أيام عادتها فإنَّ حكمها في الاستظهار حكم من كانت تأمل أو تجزم بانقطاع الدم قبل العشرة الوارد في الصورة الثانية. وأمّا إذا كان جميعه بصفة الاستحاضة فإنها تكون مستحاضة بالغاً ما بلغ الدم من القلة والكثرة.
وأمّا إذا كان بعضه بصفة الحيض وبعضه بصفة الاستحاضة، فإنها تحكم على ما هو بصفة دم الحيض بالحيض، وعلى ما هو بصفة دم الاستحاضة بالاستحاضة، وذلك من دون فرق بين ما وافق في عدده عدد أيام العادة أو اختلف عنها زيادة أو نقصاً، ما دام الجميع في داخل العشرة أيام.
الثاني ـ حكم الدم إذا تجاوز العشرة:
المرأة الحائض ذات العادة قد يتجاوز دمها العشرة أيام، وتفصيل ذلك في عدّة صور:
الصورة الأولى: ذات العادة الوقتية والعددية، وحكمها أن تعتبر ما وقع في أيام العادة حيضاً، وما زاد عن العادة إلى ما بعد العشرة استحاضة، حتى لو كان بصفات دم الحيض.
هذا إذا جاءها الدم في وقت عادتها، أمّا إذا جاءها الدم قبل وقت العادة أو بعدها، أو قبلها وبعدها بما في ذلك جميع أيام العادة، وتجاوز المجموع العشرة فإنَّ عليها أن تعتبر حيضها هو خصوص الدم الواقع في أيام العادة دون ما سبقها ولا ما لحقها. ومثاله: أن تكون عادة المرأة خمسة أيام من أول الشهر، فترى الدم قبلها بخمسة أيام ويستمر إلى أن يصل إلى ثلاثة عشر يوماً، فحيضها خصوص أيام عادتها، وما قبلها يكون استحاضة، وكذا ما بعد العادة وهو الثلاثة أيام.
وهنا افتراض آخر وهو: لو أنَّ المرأة رأت الدم في بعض أيام العادة وفي غير أيام العادة، ومثاله: أن تكون عادتها ستة أيام من أول الشهر، فلا ترى الدم إلاَّ في اليوم الثالث من أول الشهر ويستمر حتى يتجاوز العشرة. وحكمها أن تعتبر حيضها خصوص ما وقع من الدم في أيام العادة، وهو ثلاثة أيام حسب الفرض، وما زاد عن ذلك يكون استحاضة، وعليه فإنه لا يجب عليها أن تأخذ مما بعد زمان عادتها ما تكمل به النقص لتتم عادتها ستة أيام. وبعبارة أوضح: لا يجب عليها أن تأخذ الأيام الثلاثة الأخيرة من عادتها وثلاثة أيام بعدها حتى يتم لها ستة أيام.
ونفس هذا الحكم يثبت لو انعكس الفرض، وذلك بأن رأت الدم قبل عادتها بثمانية أيام وأربعة أيام من عادتها، فهنا تعتبر أنَّ حيضها هو خصوص الأربعة أيام التي رأت فيها الدم ابتداء من أول الشهر، ولا تتمّ مقدار عادتها وهو ستة أيام بيومين من الدم السابق على عادتها، بل يكون جميعه استحاضة.
الصورة الثانية: ذات العادة العددية فقط، فإنها إذا كان الدم في جميع الأيام بصفة الحيض تعتبر مقدار عادتها حيضاً والباقي استحاضة، وإذا كان جميعه بصفة الاستحاضة كان كلّه استحاضة، أمّا إذا كان بعض الدم بصفة الحيض وبعضه بصفة الاستحاضة فهنا ـ أيضاً ـ لا أهمية لتجاوز الدم العشرة ما دام المعول عليه هو التمييز بالصفات، لأنَّ الصور المتخيلة لهذا التغيّر المفترض وقوعه قبل العشرة معظهما سوف يتميز نوعها بصفات الدم، مثلاً:
لو رأت الدم أحد عشر يوماً، وعادتها سبعة أيام، وصادف أنها رأت الدم بصفة الاستحاضة من الأول إلى اليوم السادس، ثُمَّ إلى اليوم الحادي عشر بصفة الحيض، فهنا نعتبر هذه السبع الأخيرة حيضاً، رغم تجاوز عموم الدم العشرة، لأنَّ هذه السبعة موافقة لصفة دم الحيض والحكم بالعكس لو انعكست الصورة.
نعم لو فرض ما يلي:
امرأة لها عادة عددية مدتها أربعة أيام، ورأت الدم بصفة الاستحاضة من الأول إلى الثالث ثُمَّ رأته بصفة الحيض إلى اليوم الثاني عشر، فهنا يمكنها تطبيق حكم تجاوز الدم العشرة، فتجعل أيام عادتها الأربعة، أي من اليوم الرابع إلى السابع، حيضاً وما زاد عنه فتجاوز العشرة استحاضة، رغم أنه بصفة دم الحيض، أي من الثامن إلى الثاني عشر، أمّا الأيام الأولى التي ليست بصفة الحيض فهي استحاضة على كل حال.
وهكذا يمكن صياغة قاعدة على النحو التالي:
المرأة ذات العادة العددية التي يختلف لون الدم عندها ويتجاوز العشرة، إذا اكتملت أيام عادتها قبل العشرة، واستمر الدم فتجاوز العشرة، وكان ما في أيام العادة وما بعدها موافقاً لصفات دم الحيض، حكمها أن تجعل مقدار أيام العادة حيضاً، وما زاد عنه فتجاوز العشرة استحاضة، رغم كونه بصفة دم الحيض.
وهذه القاعدة يمكن تصورها بسهولة إذا كان ما بصفة الاستحاضة في أول الدم.
الصورة الثالثة: ذات العادة الوقتية فقط إذا تجاوز دمها العشرة. وحكمها أن تتحيض بمجرّد رؤية الدم إلى ثلاثة أيام، سواء كان الدم فيها بصفات الحيض أو بصفات الاستحاضة، ثُمَّ بعد الثلاث إن ظلّ الدم على صفات دم الحيض تجعله حيضاً حتى اليوم السادس أو السابع، وما بعده حتى يتجاوز العشرة تجعله استحاضة. وأمّا إذا كان الدم بعد الثلاث على صفة الاستحاضة فإنها تجعله جميعه استحاضة إلى أن يتجاوز العشرة.
الصنف الثالث ـ ناسية العادة:
المرأة التي تكون لها عادة ثُمَّ تنساها يختلف حكمها باختلاف الصنف التي هي منه، وذلك بين أن تكون ذات عادة وقتية وعددية أو ذات واحدة منهما، فهنا عدة أصناف نذكرها كما يلي:
الأول ـ ذات العادة العددية: المرأة التي تكون ذات عادة عددية فقط فتنساها، فلا تتذكر أهي خمسة أيام أو سبعة أيام أو أكثر أو أقل، فحيث إنه ليس لها عادة وقتية لتتحيض بمجرّد رؤية الدم فإنها يجب أن تعتمد على الصفات عند رؤيتها للدم، فما يكون بصفة الحيض تجعله حيضاً وما يكون بصفة الاستحاضة تجعله استحاضة إذا لـم يتجاوز الدم العشرة؛ أمّا إذا تجاوز الدم العشرة، وكانت قد احتملت ـ مجرّد احتمال ـ أنَّ عادتها كانت خمسة أيام مثلاً، فإنها تسير على طبق احتمالها فتجعله حيضاً وتعتبر الباقي استحاضة، لكن لو كان ما احتملته أزيد من سبعة أيام وجب عليها أن تجمع بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض في الأيام الزائدة على السبع حتى يصل رقم الاحتمال إلى عشرة أيام، ثُمَّ تجعل غير الزائد المحتمل استحاضة، مثال ذلك أن يأتيها الحيض في أول الشهر ويستمر معها حتى يزيد على العشرة أيام ويتوقف في اليوم الثالث عشر مثلاً، فإذا احتملت أن عادتها تسعة أيام وجب عليها أن تعتبر حيضها سبعة أيام وتحتاط إلى اليوم التاسع، ثُمَّ تعتبر نفسها مستحاضة من اليوم العاشر حتى الثالث عشر.
الثاني ـ ذات العادة الوقتية: المرأة التي تنسى عادتها الوقتية وليس لها في الأصل عادة عددية، ولم تعد تذكر متى كان وقت عادتها، فإذا جاءها الدم وتجاوز الثلاثة ووقف على العشرة اعتبرت ما بصفة الحيض حيضاً وما بصفة الاستحاضة استحاضة، وأمّا إذا تجاوز الدم العشرة فهنا افتراضان:
الافتراض الأول: أن تعلم أنَّ عادتها قد وقعت في ضمن هذه الثلاثة عشر يوماً ـ مثلاً ـ من دون أن تتمكن من تحديدها، ففي هذه الحالة يجب عليها الاحتياط بالجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض طوال الثلاثة عشر يوماً، سواء كان الدم بصفة الحيض أو بصفة الاستحاضة.
الافتراض الثاني: أن لا تعلم إجمالاً بوقوع عادتها خلال هذه الأيام، فيجب عليها عند اختلاف صفة الدم أن تعتبر ما بصفة الحيض حيضاً، بشرط أن لا يزيد عن العشرة ولا يقل عن الثلاثة، وما بصفة الاستحاضة استحاضة، وإذا تساوت صفات الدم وكان جميعه بصفة الحيض اعتبرت حيضها ستة أو سبعة أيام والباقي استحاضة، أو كان كلّه بصفة الاستحاضة فتجعل الجميع استحاضة.
الثالث: ذات العادة الوقتية والعددية: وهذه بما أنها مرة تنسى الوقت والعدد معاً، ومرة تنسى الوقت وتحفظ العدد، ومرة تنسى العدد وتحفظ الوقت، فإنَّ لها ثلاث حالات:
أ ـ ناسية الوقت حافظة العدد: وهذه حكمها حكم المرأة ذات العادة الوقتية فقط الناسية لها، غير أنها في حال رؤية الدم بصفة الحيض وزيادة الدم على العشرة وعدم علمها الإجمالي بموافقة الدم لأيام عادتها يجب عليها هنا أن تعتبر أيام عادتها العددية حيضاً وتجعل الباقي استحاضة.
ب ـ ناسية العدد حافظة الوقت: بما أنها حافظة لوقت عادتها يجب عليها التحيض بمجرد رؤية الدم، حتى ولو لـم يكن بصفات دم الحيض، لمدة ثلاثة أيام، ثُمَّ ما يزيد على الثلاثة إن كان بصفات الحيض اعتبرته حيضاً حتى اليوم العاشر، وإن لـم يكن بصفة الحيض اعتبرته استحاضة، أمّا إذا تجاوز الدم العشرة أيام فإنَّ حكمها في هذه الحالة هو حكم ذات العادة العددية فقط الناسية لها، وهي التي مرت في أول هذا البحث من الصفحة السابقة.
ج ـ ناسية الوقت والعدد معاً: وحكم هذه الحالة يظهر من حكم الحالتين السابقتين، فمثلاً: لو رأت هذه المرأة الدم ووقف على العشرة اعتبرته جميعاً حيضاً إذا كان بصفات دم الحيض، وإذا تجاوز العشرة وعلمت إجمالاً بموافقة هذه الأيام لوقت عادتها يجب عليها الجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض حتى لو احتملت عدداً معيناً لعادتها، لأنَّ مراعاة جانب الوقت هنا أقوى وأهم من مراعاة جانب العدد، أمّا إذا لـم تعلم إجمالاً بالموافقة لأيام العادة، فهنا لا بُدَّ من مراعاة جانب العدد فإذا احتملت عدداً معيناً لعادتها جعلته حيضها بالنحو الذي تقدم تفصيله في مسألة (ناسية عادتها العددية)، وهكذا يمكن الجري على هذا النحو في ملاحظة باقي موارد هذه المسألة.
 مسائل عامة:
مسألة 344: يحتمل ـ في بعض الأحيان ـ أن ترى المرأة الدم ثلاثة أيام أو أكثر، ثُمَّ ينقطع عدّة أيام، ثُمَّ تراه ثلاثة أيام أو أكثر.
وهنا حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون مجموع أيام الدم والانقطاع عشرة أو أقل، وتكون ذات عادة، وفيها صورتان: الأولى: أن يكون أحد الدمَّين موافقاً لوقت العادة والآخر بصفات دم الحيض، وحكمها أن تعتبر الجميع حيضاً واحداً، بما في ذلك أيام النقاء والانقطاع. الثانية: أن يكون أحدهما موافقاً لوقت العادة أو لصفات دم الحيض، والآخر غير موافق لأحدهما، وحكمها أن تجعل الموافق لأحدهما حيضاً وغير الموافق استحاضة وفترة الانقطاع فترة طهر ونقاء.
الحالة الثانية: أن يكون المجموع أكثر من عشرة أيام، وكانت ذات عادة وقتية وعددية، فهنا تعتبر ما في العادة حيضاً مهما كانت صفته، وفترة النقاء فترة طهر، والدم الثاني استحاضة حتى لو كان بصفة دم الحيض، وإذا كان ما وقع من الدم في أيام العادة أقل منها فإنه لا يجب عليها إكمال ما نقص من أيام عادتها من هذا الدم الثاني. ونفس الحكم يثبت لذات العادة العددية فقط إذا كان الدم بصفات دم الحيض. وأمّا إذا لـم تكن ذات عادة، فهنا عدّة صور: الأولى: أن يختلف لون الدم، فعليها أن تجعل ما كان بصفة الحيض حيضاً وما عداه استحاضة وفترة الانقطاع فترة طهر. الثانية: أن يتساوى لون الدم، ويكون بصفة دم الحيض، فتجعل الدم الأول حيضاً، وفترة الانقطاع طهراً، والدم الثاني استحاضة. الثالثة: أن يكون جميعه بصفة الاستحاضة فتجعله جميعاً استحاضة، وفترة الانقطاع طهراً.
مسألة 345: إذا توسط بين دمَّين بصفة الحيض دم ثالث بصفة الاستحاضة، مثل ما إذا رأت ثلاثة أيام بصفة الحيض، ثُمَّ ثلاثة أيام بصفة الاستحاضة، ثُمَّ عدّة أيام بصفة الحيض، فإن كان المجموع أزيد من عشرة أيام وكان أحدهما في أيام العادة دون الآخر جعلت ما في العادة حيضاً، وإن لـم يكن واحد منهما في العادة، أو لـم تكن ذات عادة، جعلت الدم الأول حيضاً، لكنها إذا كانت ذات عادة عددية وكان بعض الدم الثاني متمماً للعدد مع الاستحاضة المتخللة جعلته حيضاً على الأظهر. وإن لـم يتجاوز العشرة اعتبرت الجميع حيضاً بما فيها ما يكون بصفة الاستحاضة.
مسألة 346: إذا احتملت الحائض أنها قد طهرت وانقطع الدم عنها، فلا يجوز لها أن تهمل هذا الاحتمال وتظلَّ على حيضها، بل يجب عليها أن تفحص وتتأكد، وذلك بأن تدخل قطنة وتتركها في موضع الدم ثُمَّ تخرجها، فإن كانت نقية من الدم نظرت في أمرها، فإن كانت تعلم أن هذا النقاء مؤقت ولوقت قصير وكانت واثقة من عودة الدم من جديد فلا تبالي بهذا النقاء المؤقت، وتعتبر حالها كما لو لـم يكن الدم قد انقطع، وإن كانت واثقة من عدم عودة الدم، أو كانت شاكة في عودته، فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي، فإذا لـم يعد الدم خلال الأيام العشرة صح ما عملته، وإن عاد قبل مضي عشرة أيام من حين ابتدائه عادت إلى حكم الحيض بالنحو المناسب لصنفها ممّا مر ذكره دون أن يؤثر في استمرار كونها حائضاً انقطاع الدم يوماً أو يومين، وكانت كمن استمر بها الدم طيلة هذه المدة بما فيها فترة النقاء، ومثال ذلك امرأة رأت الحيض أربعة أيام ثُمَّ نقت فاغتسلت وصلت يومين، ثُمَّ رأت الدم ثلاثة أيام، فتعتبر أيامها التسعة كلّها حيضاً، وينكشف لديها في النهاية أنَّ ما أتت به من غسل وعبادة خلال اليومين الخامس والسادس ليس صحيحاً شرعاً.
وهذا معنى قول الفقهاء: «إنَّ النقاء المتخلل بين دمين يعتبر مع الدمَّين حيضاً واحداً مستمراً إذا لـم يتجاوز المجموع عشرة أيام».
والفحص والاختبار بالطريقة التي ذكرناها، أو بأي طريقة أخرى تؤدي نفس الغرض، واجب في كل وقت تحتمل فيه المرأة النقاء، فإذا لـم تفحص المرأة واغتسلت غسل الحيض بأمل أن تكون قد نقت من الدم وهي لا تدري شيئاً عنه فلا يعتبر هذا الغسل صحيحاً ومطهراً لها، إلاَّ إذا ثبت لديها بعد ذلك أنها كانت نقية من الدم حين اغتسلت؛ وإذا أيقنت المرأة بالنقاء بدون فحص لـم يجب عليها الاختبار وكان لها أن تغتسل وتصلي.
مسألة 347: في موارد التخيير بين التحيض بست أو سبع، أو في موارد الاحتياط الوجوبي التي تختلف فيها مدة التحيض قلة وكثرة، إذا عارض الزوج زوجته في جعل مدة الحيض سبعة أيام وطلب أن تجعلها ستة، لأنَّ ذلك يحرمه من فرصة الاستمتاع بزوجته، لـم يجب عليها أن تطيع زوجها فيما يريد، وكذا في موارد الاحتياط الوجوبي بالجمع بين أفعال الطاهر أو المستحاضة وبين تروك الحائض، حتى ولو كان بإمكانها الرجوع في ذلك الاحتياط إلى غير مقلَّدها، عندما يكون ذلك الرجوع موفِّراً فرصة الاستمتاع لزوجها. أمّا في موارد الاحتياط الاستحبابي فإنها يجب أن تطيعه في ترك ما ينافي حقّه.
ص
10
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية