المبحث الأول ـ في أوقات الفرائض ونوافلها

قلنا إنَّ الصلاة اليومية خمس فرائض، وهي من حيث الوقت وعدد الركعات والنوافل التابعة لها على النحو التالي:
1 ـ صلاة الصبح:
وهي ركعتان، ووقتها يمتد من طلوع الفجر الصادق إلى شروق الشمس، والفجر هو ضوء الصباح الذي يسبق طلوع الشمس، وهو في مصطلح الفقهاء على نحوين:
الفجر الكاذب: وهو الضوء الذي يتخذ شكلاً مستطيلاً ممتداً إلى أعلى كعمود أبيض يحوطه الظلام من الجانبين. أمّا الفجر الصادق: فهو الضوء الذي يبدأ بالانتشار أفقياً، ويشكل ما يشبه الخيط الأبيض الممتد مع الأفق، ويستمر في الانتشار طولاً وعرضاً. وأفضل أوقات أدائها هو وقت العتمة من الفجر، ويستمر وقت الفضيلة إلى حين استنارة الفضاء وتجلله بضوء الصباح.
أمّا نافلة هذه الصلاة فهي ركعتان تصليان قبل الفريضة. ووقتها ـ على المشهـور ـ بين الفجر الكاذب وطلوع الحمرة المشرقية قبيل ظهور قرص الشمس. ويجوز لمن يصلي صلاة الليل الإتيان بها في ضمن صلاة الليل قبل الفجر، وذلك بأن يأتي بإحدى ركعتي صلاة الليل بنية أنهما نافلة الفجر، أو يأتي بها مستقلة بعد الانتهاء من أعمال صلاة الليل قبل الفجر.
2 ـ صلاة الظهر:
وهي أربع ركعات، ووقتها من الزوال إلى ما قبل الغروب بمقدار أداء أربع ركعات، فإن لـم يؤدها إلى هذا الوقت يفوت وقتها، فإن فات وقتها وجب الإتيان بها قضاءً بعد ذلك.
والمراد بالزوال، لحظة بداية ميل الشمس نحو الغرب عن الوقت المنتصف نهاراً ما بين طلوع الشمس وغروبها، وربما سمي هذا الوقت «بالزوال» لزوال ظلّ الشيء وانعدامه من جهة الغرب كأثر لوجود الشمس إلى جهة الشرق، حيث يبدأ تجدد الظلّ لجهة الشرق كأثر لميل الشمس نحو الغرب، أمّا غروب الشمس فيعرف بسقوط القرص وغيابه. ووقت فضيلة الظهر ما بين الزوال وبلوغ الظلّ أربعة أسباع الشاخص، بمعنى صيرورة الظلّ من العمود أو من الإنسان بمقدار أربعة من سبعة أجزاء طوله، بعد الزوال.
أمّا نافلة الظهر فهي ثمان ركعات، تصلى قبلها، ركعتين ركعتين كصلاة الصبح، ويستمر وقتها إلى نهاية وقت الظهر بالمقدار الذي يتسع لها وللفريضة.
هذا في غير يوم الجمعة، أمّا في يوم الجمعة فهناك بديل عن صلاة الظهر هي صلاة الجمعة، وهي ركعتان قبلهما خطبتان، ووقتها ما بين زوال الشمس إلى وقت العصر الفلكي وهو الوقت الذي يصير فيه ظلّ كلّ شيء بمقداره. وهي واجبة تعييناً في زمان حضور المعصوم y، وفي زمان غيبته ، فإن أقيمت جامعة لشروطها وجب حضورها.
فإن مضى وقتها ولم يصلها، أو صلاّها باطلة، لزم الإتيان بالظهر حينئذ، ولها جملة أحكام نذكرها في محلها تحت عنوانها الخاص.
3 ـ صلاة العصر:
وهي أربع ركعات، ويبدأ وقتها بعد مضي مقدار أداء صلاة الظهر من بعد الزوال ويستمر وقتها إلى غروب الشمس بغياب القرص، ويؤتى بها بعد صلاة الظهر، فإن فاتت الصلاة حتى غربت الشمس، وجب قضاؤها فيما بعد.
أمّا وقت فضيلة العصر فهو ما بين بلوغ الشاخص مقدار سبعيه إلى ستة أسباعه.
وأمّا نافلة العصر فهي ثمان ركعات قبل صلاة العصر، يؤتى بها ركعتين ركعتين كصلاة الصبح، ووقتها يمتد مع وقت العصر.
أمّا نافلة يوم الجمعة، لمن صلى الجمعة أو لـم يصلها، فهي عشرون ركعة، يؤدي منها أربع ركعات قبل الزوال، ثُمَّ ثمان ركعات بعد الزوال، قبل صلاة الجمعة أو الظهر، ثُمَّ ثمان ركعات قبل صلاة العصر، ويجوز لمن يخشى فوت نوافل الظهر والعصر بعد زوال يوم الجمعة تقديمها قبل الزوال.
4 ـ صلاة المغرب:
وهي ثلاث ركعات، ووقتها من غروب الشمس إلى ما قبل منتصف الليل بمقدار أداء صلاة العشاء، ويتحقّق الغروب بغياب القرص، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بتأخير الصلاة إلى ما بعد ذلك بحوالي خمس عشرة دقيقة ليتحقّق زوال الحمرة المشرقية. أمّا منتصف الليل فهو الوقت الواقع ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر.
ووقت فضيلة المغرب يمتد إلى ذهاب الشفق، وهو الحمرة الموجودة لجهة الغرب ولغير المسافر، أمّا المسافر فيمتد الوقت إلى ربع الليل. أمّا نافلة المغرب فهي أربع ركعات تصلى بعدها، ركعتين ركعتين، ويمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة.
5 ـ صلاة العشاء:
وهي أربع ركعات، ووقتها بعد غروب الشمس بمقدار أداء صلاة المغرب ويمتد إلى منتصف الليل، بالتفصيل السابق. ويجب الإتيان بها بعد صلاة المغرب. ووقت الفضيلة من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل.
ونافلتها ركعتان من جلوس بعدها، ويمتد وقتها مع وقت العشاء.
هذا ويمتد وقت المغرب والعشاء للمضطر، لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها، إلى طلوع الفجر، يأتي بهما أداءً، وحينئذ تختص العشاء من آخر الوقت بمقدار أدائها. والأحوط وجوباً للعامد المبادرة إليهما بعد منتصف الليل قبل طلوع الفجر، بدون نية الأداء ولا القضاء، فإن ضاق الوقت عليه فلم يسع إلاَّ العشاء، لزمه تقديمها على المغرب، ثُمَّ يقضيها بعد قضاء المغرب احتياطاً استحبابياً.
وهنا مسائل:
مسألة 523: يعتبر الجزء الأول من وقت صلاة الظهرين وقتاً خاصاً بالظهر، وكذلك يعتبر الجزء الأول من وقت صلاة العشاءين وقتاً خاصاً بالمغرب، ويتحدّد بمقدار ما يستغرقه أداؤهما في الحالات العادية عرفاً. كذلك يعتبر الجزء الأخير، وهو ما قبل غروب الشمس بمقدار أربع ركعات، خاصاً بالعصر، ومثله قبل منتصف الليل خاصاً بالعشاء للمختار، وما بين الوقتين المختصين بالظهرين أو العشاءين يعتبر مشتركاً بينهما. وهذا يعني أنه لو مضى من أول الوقت مقدار أداء صلاة الظهر، فطرأ ما يرفع التكليف بها، كالحيض مثلاً، وجب قضاؤها فقط دون العصر، وكذا لو لـم يبق من آخر الوقت إلاَّ مقدار أربع ركعات وجب حينئذ الإتيان بصلاة العصر في الظهرين أو العشاء في العشاءين، ومثال ذلك ما لو حاضت المرأة بعد مضى مقدار أداء أربع ركعات ظهراً، ولم تكن قد صلّت فليس عليها إلاَّ قضاء الظهر، وكذا لو طهرت في آخره بمقدار أداء أربع ركعات فليس عليها إلاَّ العصر.
هذا ولا يجوز الإتيان بصلاة العصر في الوقت المختص بصلاة الظهر عمداً، فإن فعل ذلك بطلت ووجب عليه الإتيان بالظهر ثُمَّ إعادة صلاة العصر.
وكذا لا يجوز تقديم العصر على الظهر في الوقت المشترك عمداً لما فيه من مخالفة الترتيب الواجب بينهما، فلو فعل ذلك لـم تصح العصر ولزمته إعادتها بعد الإتيان بالظهر. أمّا إذا فعل ذلك في الوقت المختص أو المشترك سهواً، كأن يخيّل للمكلّف أنه أتى بالظهر فيبادر إلى الإتيان بصلاة العصر، وينتبه في أثناء الصلاة أنه لـم يصل الظهر بعد، فإنَّ عليه أن يعتبر ما بيده ظهراً ويكملها بنية الظهر، ثُمَّ يصلي العصر بعدها. وإذا انتبه إلى ذلك بعد الفراغ من صلاة العصر صحت منه عصراً ولزمه الإتيان بعدها بالظهر.
ويثبت نفس الحكم في صورة ما لو كان المكلّف معتقداً بأنه يجوز تقديم العصر على الظهر، فقدّمها ثُمَّ علم بالحكم في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها.
وحكم تقديم العشاء على المغرب لا يختلف عن حكم تقديم العصر على الظهر في جميع الحالات المتقدّمة، غير أنه إذا قدم العشاء على المغرب سهواً أو جهلاً، وتذكر في الأثناء، فإنه لا يمكنه العدول إلى المغرب إلاَّ إذا كان ذلك قبل الركوع للرابعة، فإن دخل في الرابعة بطلت صلاة العشاء التي بيده، ولزمه الإتيان بالمغرب ثُمَّ إعادة العشاء.
مسألة 524: يجوز الجمع بين الظهرين والعشاءين ويجوز التفريق بينهما، والتفريق أفضل، والمرجع في التفريق أوقات الفضيلة التي سبق ذكرها.
مسألة 525: لا بُد من إحراز دخول وقت الصلاة عند أدائها، ويعرف الوقت بالعلم، أو الاطمئنان، الحاصل من أسبابه، كالمعاينة ونحوها، كذلك يعرف الوقت بالظنّ المعتبر، وهو الظنّ الحاصل من شهادة العدلين، أو العدل الواحد، بل مطلق الثقة، إذا كان عارفاً بالوقت. ومن أجل الاعتماد على أذان المؤذن في المسجد لا بُدَّ من إحراز كونه ثقة عارفاً بالوقت. أو معتمداً على الثقة العارف، كذلك يمكن الاعتماد على التقاويم الصادرة عن أهل الخبرة، لا سيما إذا كانت الأوقات موضع اتفاق في الواقع العام أمّا إذا ظنّ المكلّف بالوقت من دون اعتماد على ذلك فهو «ظن غير معتبر» ولا يصح الاعتماد عليه إلاَّ استثنائياً كما سنبينه في المسألة التالية.
مسألة 526: لا يجوز العمل بالظنّ غير المعتبر مع القدرة على تحصيل الظن المعتبر أو العلم، نعم مع العجز عن ذلك، كما في حالة الغيم ونحوه من الأعذار النوعية العامة يجوز العمل بالظنّ والتعويل عليه، دون ما لو كان العجز لعذر شخصي كالعمى والحبس ونحوهما، فإنه يجب عليه الاحتياط بالتأخير إلى حين حصول العلم.
مسألة 527: إذا أحرز دخول الوقت باليقين أو الظنّ المعتبر فصلّى، ثُمَّ تبين وقوع صلاته كلّها قبل الوقت، حكم ببطلانها ولزوم إعادتها في الوقت وإلاَّ فقضاؤها خارج الوقت. أمّا لو علم أن بعض صلاته، ركعة منها أو أقل أو أكثر، قد وقع قبل دخول الوقت فصلاته صحيحة. والحكم كذلك عند عمل المعذور بالظنّ غير المعتبر وانكشاف الخلاف. وإذا بادر إلى الصلاة غافلاً عن النظر في الوقت ووقعت كلّها في الوقت صحت، أمّا إذا وقعت كلّها، أو بعضها، قبل الوقت فالصلاة باطلة.
وإذا فرغ من صلاته ثُمَّ شك ـ أو ظنَّ ـ في أنها هل وقعت بعد دخول الوقت أو قبل ذلك فلا يجوز الاكتفاء بها، خاصة إذا كان ما يزال دخول الوقت غير معلوم حتى تلك اللحظة.
مسألة 528: إذا شك المكلّف في ضيق الوقت بنى على سعته، حتى مع قدرته على الاستعلام، وجاز له الإتيان بالصلاة بشروطها، وتصح منه حتى إذا تبين فيما بعد أنها وقعت كلّها أو بعضها خارج الوقت.
مسألة 529: لا يجوز للمكلّف التراخي في أداء الصلاة حتى يضيق وقتها عن الإتيان بها كاملة الأجزاء والشروط، فلو حدث ذلك اضطراراً أو اختياراً فإنه تجب المبادرة إليها ما دام يمكن إدراك ركعة منها مع الطهارة من الحدث، وكلّما كان استعمال الطهارة المائية، غسلاً أو وضوءاً، موجباً لفوت الصلاة، كلّها أو بعضها، في الوقت، فإنه يجب العدول عنها إلى التيمم، فمثلاً لو كان يدرك كلّ الصلاة مع التيمم وركعة منها أو ركعتين مع الوضوء، فإنَّ الواجب عليه اختيار التيمم وإدراك الصلاة كلّها في الوقت.
ولا يختلف الأمر في الوقت الذي تضيَّق بين أن يكون لصلاة واحدة كوقت فريضة الصبح وبين أن يكون لصلاتين، فمن لـم يبق له لصلاة الظهرين إلا مقدار للتيمم وللظهرين معاً وجب التيمم وإدراك الصلاتين، ومن لـم يبق له إلاَّ مقدار خمس ركعات مع الطهارة، تطهر وقدَّم الظهر ثُمَّ ينوي العصر مدركاً ركعة منها. وهكذا يوازن بين ما يمكن إدراكه من الصلاة بإحدى الطهارتين المائية أو الترابية مع الحرص على إدراك كلّ الصلاة إن أمكن.
ومن أجل التعجيل بإدراك الركعة في الوقت يجب الاقتصار على الواجبات، وعلى الفاتحة دون السورة، إذا كان الإتيان بها مع المستحبات أو السورة موجباً لوقوع بعضها خارج الوقت.
مسألة 530: إذا علم المكلّف قبل دخول الوقت بأنّه إذا نام لـم يستيقظ لإدراك الصلاة في وقتها، لـم يحرم عليه النوم ولم يجب عليه استعمال المنبه للاستيقاظ، ولكن ما يفوته من الأجر بترك الصلاة في وقتها، وخاصة مثل صلاة الصبح، لا تعوضه لذة النوم، أمّا بعد دخول الوقت وعدم احتمال الاستيقاظ فإنه يحرم عليه النوم، أو يجب عليه استخدام وسيلة للاستيقاظ.
مسألة 531: في البلدان التي يقصر فيها الليل أو النهار أكثر من المعتاد، فيصل إلى نصف ساعة أحياناً، يجب على من يعيش فيها من المسلمين العمل بأوقات ذلك المحل، ما دام يمكن تحقّق عنوان الفجر والظهر والمغرب، حتى لو كان الفرق بين الأوقات قليلاً.
مسألة 532: المنتقل من بلد إلى بلد بالوسائل السريعة المستحدثة عليه أن يعمل على طبق الوقت الذي يكون عليه في مكانه الجديد، فمن كان الوقت ظهراً في بلده، فصلاها، ثُمَّ انتقل متجهاً غرباً ـ ومن يتّجه غرباً سوف يلتحق بالفجر ـ إلى بلد يطلع فيه الفجر، وجب عليه الإتيان بصلاة الصبح، سواء كان في الطائرة أو على الأرض، وبذلك لا يكون مكلّفاً بصلاة العشاءين، حيث لـم تغرب عليه الشمس بعد، فإذا تابع هذا المكلّف مسيره باتجاه الغرب، فإنه لا بُدَّ أن يمر في وقت الليل، وبما أنه لـم يصل العشاءين، وما يزال وقتهما مستمراً حتى طلوع الفجر للمضطر، فإنه يجب عليه الإتيان بصلاة المغرب والعشاء. ونفس القاعدة تجري لو سار ضدّ الشمس باتجاه الشرق حيث أنه سيمر بليل قصير ونهار قصير، فمتى أدركه وقت جديد صلى فريضته، إلاَّ أن يجعله المسير مع الشمس في ليل أو نهار طويل، وحينئذ إذا استمر الليل وحده، أو النهار، أربعاً وعشرين ساعة لزمه الإتيان بالصلوات الخمس من دون تحديدها بوقت معيّن.
مسألة 533: البلدان التي يطول فيها الليل أو النهار عدّة أيام أو شهور لا بّدَّ للمكلّف فيها من الإتيان بخمس صلوات في كلّ أربع وعشرين ساعة، وهو مخير بين أن يصليها كيفما يريد وبين أن يلحظ في أدائها أوقات أقرب البلدان إليه مما يجتمع في يومها الليل والنهار، ولو لمدة قصيرة، والأولى اختيار الثاني.
مسألة 534: من شك ولم يدر: هل أدى الفريضة أو لا؟
ينظر: فإن كان وقت الصلاة ما زال باقياً وقائماً فعليه أن يصلي كما لو أيقن بأنه لـم يأت بالصلاة، وإن حدث الشك والتردّد في خارج الوقت مضى ولا شيء عليه.
وإذا شك في تأدية الفريضة ـ وأيضاً شك في بقاء وقتها ـ عجل وأتى بها. وحكم الظنّ والشك هنا بمنزلة سواء.
وإذا ذهب النهار ولم يبقَ منه إلاَّ مقدار قليل لا يتسع لركعة واحدة من الصلاة فكأنه قد ذهب بالكامل ووجود هذا القليل كعدمه، وإذا اتسع الباقي من آخر الوقت لركعة أو أكثر إلى أربع ركعات وشك المكلّف في أنه: هل صلّى الصلاتين ـ الظهر والعصر ـ فعليه أن يصلي العصر حيث لا وقت للظهر، وإن اتسع الباقي لخمس ركعات صلى الصلاتين معاً.
وإذا شك وهو في أثناء العصر: هل صلّى الظهر، بنى على عدم الإتيان بالظهر وعدل بنيته إلى الظهر إن كان الوقت يتسع لإكمالها مع الإتيان بعدها بصلاة العصر أو بركعة منها قبل خروج الوقت، وإن كان الوقت لا يتسع لذلك أكملها عصراً وخرج عن عهدة الظهر بخروج وقتها.
كلّ ذلك إذا كان إنساناً اعتيادياً في شكه، وأمّا إذا كان ممن تتراكم عليه الشكوك في هذه الناحية على نحو يبدو أنه شاذ ومفرط في الشك فلا يكترث بشكه.
تتمة في بعض أحكام النوافل:
وفيها مسائل:
مسألة 535: صلاة الليل من النوافل المرتبة بوقت خاص، وإن لـم تكن مرتبطة بفريضة، ومن المعلوم أن لها ثواباً وفضلاً عظيمين، وهي ثمان ركعات، ركعتان ركعتان، ثُمَّ ركعتا الشفع التي لها قراءة خاصة، ثُمَّ ركعة الوتر.
ووقتها من منتصف الليل إلى طلوع الفجر الصادق، وأفضله السحر، وقيل: إنَّ السحر هو الثلث الأخير من الليل، وقيل: إنه السدس الأخير منه، ويمكن تقديمها على منتصف الليل للمسافر إذا خاف فوتها إن أخرها، أو صعب عليه فعلها في وقتها، وللشاب وغيره إن خاف غلبة النوم أو طروء الاحتلام، ولكلّ ذي عذر كالشيخ وخائف البرد، وينبغي لهم نية التعجيل لا الأداء.
مسألة 536: يجوز الاقتصار على بعض ما ذكر من النوافل، وفي صلاة الليل يمكن الاقتصار على الشفع والوتر، بل على الوتر خاصة.
مسألة 537: إذا فاتته النافلة في وقتها قضاها، ويستحب التعجيل، والأفضل قضاء النهارية في النهار، والليلية في الليل.
مسألة 538: تسقط نوافل الظهرين عن المسافر دون غيرها.
مسألة 539: يجوز الإتيان بالنوافل من جلوس ولو مع القدرة على القيام، والأولى ـ حينئذ ـ عد كلّ ركعتين بركعة، وعليه فيكرر الوتر مرتين. كذلك يجوز الإتيان بها حال المشي، راجلاً أو راكباً، فيكفيه ـ حينئذ ـ الإيماء للركوع والسجود. كذلك فإنَّ له الاقتصار في القراءة على الفاتحة وترك السورة، كما أنَّ له قراءة بعض آيات السورة. والنوافل تُصلّى فرادى فلا تشرع فيها الجماعة ولا تصح.
هذا ويمكن الرجوع إلى كتب الأدعية ونحوها لمعرفة تفاصيل وآداب وأسباب الكثير من النوافل.
قلنا إنَّ الصلاة اليومية خمس فرائض، وهي من حيث الوقت وعدد الركعات والنوافل التابعة لها على النحو التالي:
1 ـ صلاة الصبح:
وهي ركعتان، ووقتها يمتد من طلوع الفجر الصادق إلى شروق الشمس، والفجر هو ضوء الصباح الذي يسبق طلوع الشمس، وهو في مصطلح الفقهاء على نحوين:
الفجر الكاذب: وهو الضوء الذي يتخذ شكلاً مستطيلاً ممتداً إلى أعلى كعمود أبيض يحوطه الظلام من الجانبين. أمّا الفجر الصادق: فهو الضوء الذي يبدأ بالانتشار أفقياً، ويشكل ما يشبه الخيط الأبيض الممتد مع الأفق، ويستمر في الانتشار طولاً وعرضاً. وأفضل أوقات أدائها هو وقت العتمة من الفجر، ويستمر وقت الفضيلة إلى حين استنارة الفضاء وتجلله بضوء الصباح.
أمّا نافلة هذه الصلاة فهي ركعتان تصليان قبل الفريضة. ووقتها ـ على المشهـور ـ بين الفجر الكاذب وطلوع الحمرة المشرقية قبيل ظهور قرص الشمس. ويجوز لمن يصلي صلاة الليل الإتيان بها في ضمن صلاة الليل قبل الفجر، وذلك بأن يأتي بإحدى ركعتي صلاة الليل بنية أنهما نافلة الفجر، أو يأتي بها مستقلة بعد الانتهاء من أعمال صلاة الليل قبل الفجر.
2 ـ صلاة الظهر:
وهي أربع ركعات، ووقتها من الزوال إلى ما قبل الغروب بمقدار أداء أربع ركعات، فإن لـم يؤدها إلى هذا الوقت يفوت وقتها، فإن فات وقتها وجب الإتيان بها قضاءً بعد ذلك.
والمراد بالزوال، لحظة بداية ميل الشمس نحو الغرب عن الوقت المنتصف نهاراً ما بين طلوع الشمس وغروبها، وربما سمي هذا الوقت «بالزوال» لزوال ظلّ الشيء وانعدامه من جهة الغرب كأثر لوجود الشمس إلى جهة الشرق، حيث يبدأ تجدد الظلّ لجهة الشرق كأثر لميل الشمس نحو الغرب، أمّا غروب الشمس فيعرف بسقوط القرص وغيابه. ووقت فضيلة الظهر ما بين الزوال وبلوغ الظلّ أربعة أسباع الشاخص، بمعنى صيرورة الظلّ من العمود أو من الإنسان بمقدار أربعة من سبعة أجزاء طوله، بعد الزوال.
أمّا نافلة الظهر فهي ثمان ركعات، تصلى قبلها، ركعتين ركعتين كصلاة الصبح، ويستمر وقتها إلى نهاية وقت الظهر بالمقدار الذي يتسع لها وللفريضة.
هذا في غير يوم الجمعة، أمّا في يوم الجمعة فهناك بديل عن صلاة الظهر هي صلاة الجمعة، وهي ركعتان قبلهما خطبتان، ووقتها ما بين زوال الشمس إلى وقت العصر الفلكي وهو الوقت الذي يصير فيه ظلّ كلّ شيء بمقداره. وهي واجبة تعييناً في زمان حضور المعصوم y، وفي زمان غيبته ، فإن أقيمت جامعة لشروطها وجب حضورها.
فإن مضى وقتها ولم يصلها، أو صلاّها باطلة، لزم الإتيان بالظهر حينئذ، ولها جملة أحكام نذكرها في محلها تحت عنوانها الخاص.
3 ـ صلاة العصر:
وهي أربع ركعات، ويبدأ وقتها بعد مضي مقدار أداء صلاة الظهر من بعد الزوال ويستمر وقتها إلى غروب الشمس بغياب القرص، ويؤتى بها بعد صلاة الظهر، فإن فاتت الصلاة حتى غربت الشمس، وجب قضاؤها فيما بعد.
أمّا وقت فضيلة العصر فهو ما بين بلوغ الشاخص مقدار سبعيه إلى ستة أسباعه.
وأمّا نافلة العصر فهي ثمان ركعات قبل صلاة العصر، يؤتى بها ركعتين ركعتين كصلاة الصبح، ووقتها يمتد مع وقت العصر.
أمّا نافلة يوم الجمعة، لمن صلى الجمعة أو لـم يصلها، فهي عشرون ركعة، يؤدي منها أربع ركعات قبل الزوال، ثُمَّ ثمان ركعات بعد الزوال، قبل صلاة الجمعة أو الظهر، ثُمَّ ثمان ركعات قبل صلاة العصر، ويجوز لمن يخشى فوت نوافل الظهر والعصر بعد زوال يوم الجمعة تقديمها قبل الزوال.
4 ـ صلاة المغرب:
وهي ثلاث ركعات، ووقتها من غروب الشمس إلى ما قبل منتصف الليل بمقدار أداء صلاة العشاء، ويتحقّق الغروب بغياب القرص، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بتأخير الصلاة إلى ما بعد ذلك بحوالي خمس عشرة دقيقة ليتحقّق زوال الحمرة المشرقية. أمّا منتصف الليل فهو الوقت الواقع ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر.
ووقت فضيلة المغرب يمتد إلى ذهاب الشفق، وهو الحمرة الموجودة لجهة الغرب ولغير المسافر، أمّا المسافر فيمتد الوقت إلى ربع الليل. أمّا نافلة المغرب فهي أربع ركعات تصلى بعدها، ركعتين ركعتين، ويمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة.
5 ـ صلاة العشاء:
وهي أربع ركعات، ووقتها بعد غروب الشمس بمقدار أداء صلاة المغرب ويمتد إلى منتصف الليل، بالتفصيل السابق. ويجب الإتيان بها بعد صلاة المغرب. ووقت الفضيلة من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل.
ونافلتها ركعتان من جلوس بعدها، ويمتد وقتها مع وقت العشاء.
هذا ويمتد وقت المغرب والعشاء للمضطر، لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها، إلى طلوع الفجر، يأتي بهما أداءً، وحينئذ تختص العشاء من آخر الوقت بمقدار أدائها. والأحوط وجوباً للعامد المبادرة إليهما بعد منتصف الليل قبل طلوع الفجر، بدون نية الأداء ولا القضاء، فإن ضاق الوقت عليه فلم يسع إلاَّ العشاء، لزمه تقديمها على المغرب، ثُمَّ يقضيها بعد قضاء المغرب احتياطاً استحبابياً.
وهنا مسائل:
مسألة 523: يعتبر الجزء الأول من وقت صلاة الظهرين وقتاً خاصاً بالظهر، وكذلك يعتبر الجزء الأول من وقت صلاة العشاءين وقتاً خاصاً بالمغرب، ويتحدّد بمقدار ما يستغرقه أداؤهما في الحالات العادية عرفاً. كذلك يعتبر الجزء الأخير، وهو ما قبل غروب الشمس بمقدار أربع ركعات، خاصاً بالعصر، ومثله قبل منتصف الليل خاصاً بالعشاء للمختار، وما بين الوقتين المختصين بالظهرين أو العشاءين يعتبر مشتركاً بينهما. وهذا يعني أنه لو مضى من أول الوقت مقدار أداء صلاة الظهر، فطرأ ما يرفع التكليف بها، كالحيض مثلاً، وجب قضاؤها فقط دون العصر، وكذا لو لـم يبق من آخر الوقت إلاَّ مقدار أربع ركعات وجب حينئذ الإتيان بصلاة العصر في الظهرين أو العشاء في العشاءين، ومثال ذلك ما لو حاضت المرأة بعد مضى مقدار أداء أربع ركعات ظهراً، ولم تكن قد صلّت فليس عليها إلاَّ قضاء الظهر، وكذا لو طهرت في آخره بمقدار أداء أربع ركعات فليس عليها إلاَّ العصر.
هذا ولا يجوز الإتيان بصلاة العصر في الوقت المختص بصلاة الظهر عمداً، فإن فعل ذلك بطلت ووجب عليه الإتيان بالظهر ثُمَّ إعادة صلاة العصر.
وكذا لا يجوز تقديم العصر على الظهر في الوقت المشترك عمداً لما فيه من مخالفة الترتيب الواجب بينهما، فلو فعل ذلك لـم تصح العصر ولزمته إعادتها بعد الإتيان بالظهر. أمّا إذا فعل ذلك في الوقت المختص أو المشترك سهواً، كأن يخيّل للمكلّف أنه أتى بالظهر فيبادر إلى الإتيان بصلاة العصر، وينتبه في أثناء الصلاة أنه لـم يصل الظهر بعد، فإنَّ عليه أن يعتبر ما بيده ظهراً ويكملها بنية الظهر، ثُمَّ يصلي العصر بعدها. وإذا انتبه إلى ذلك بعد الفراغ من صلاة العصر صحت منه عصراً ولزمه الإتيان بعدها بالظهر.
ويثبت نفس الحكم في صورة ما لو كان المكلّف معتقداً بأنه يجوز تقديم العصر على الظهر، فقدّمها ثُمَّ علم بالحكم في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها.
وحكم تقديم العشاء على المغرب لا يختلف عن حكم تقديم العصر على الظهر في جميع الحالات المتقدّمة، غير أنه إذا قدم العشاء على المغرب سهواً أو جهلاً، وتذكر في الأثناء، فإنه لا يمكنه العدول إلى المغرب إلاَّ إذا كان ذلك قبل الركوع للرابعة، فإن دخل في الرابعة بطلت صلاة العشاء التي بيده، ولزمه الإتيان بالمغرب ثُمَّ إعادة العشاء.
مسألة 524: يجوز الجمع بين الظهرين والعشاءين ويجوز التفريق بينهما، والتفريق أفضل، والمرجع في التفريق أوقات الفضيلة التي سبق ذكرها.
مسألة 525: لا بُد من إحراز دخول وقت الصلاة عند أدائها، ويعرف الوقت بالعلم، أو الاطمئنان، الحاصل من أسبابه، كالمعاينة ونحوها، كذلك يعرف الوقت بالظنّ المعتبر، وهو الظنّ الحاصل من شهادة العدلين، أو العدل الواحد، بل مطلق الثقة، إذا كان عارفاً بالوقت. ومن أجل الاعتماد على أذان المؤذن في المسجد لا بُدَّ من إحراز كونه ثقة عارفاً بالوقت. أو معتمداً على الثقة العارف، كذلك يمكن الاعتماد على التقاويم الصادرة عن أهل الخبرة، لا سيما إذا كانت الأوقات موضع اتفاق في الواقع العام أمّا إذا ظنّ المكلّف بالوقت من دون اعتماد على ذلك فهو «ظن غير معتبر» ولا يصح الاعتماد عليه إلاَّ استثنائياً كما سنبينه في المسألة التالية.
مسألة 526: لا يجوز العمل بالظنّ غير المعتبر مع القدرة على تحصيل الظن المعتبر أو العلم، نعم مع العجز عن ذلك، كما في حالة الغيم ونحوه من الأعذار النوعية العامة يجوز العمل بالظنّ والتعويل عليه، دون ما لو كان العجز لعذر شخصي كالعمى والحبس ونحوهما، فإنه يجب عليه الاحتياط بالتأخير إلى حين حصول العلم.
مسألة 527: إذا أحرز دخول الوقت باليقين أو الظنّ المعتبر فصلّى، ثُمَّ تبين وقوع صلاته كلّها قبل الوقت، حكم ببطلانها ولزوم إعادتها في الوقت وإلاَّ فقضاؤها خارج الوقت. أمّا لو علم أن بعض صلاته، ركعة منها أو أقل أو أكثر، قد وقع قبل دخول الوقت فصلاته صحيحة. والحكم كذلك عند عمل المعذور بالظنّ غير المعتبر وانكشاف الخلاف. وإذا بادر إلى الصلاة غافلاً عن النظر في الوقت ووقعت كلّها في الوقت صحت، أمّا إذا وقعت كلّها، أو بعضها، قبل الوقت فالصلاة باطلة.
وإذا فرغ من صلاته ثُمَّ شك ـ أو ظنَّ ـ في أنها هل وقعت بعد دخول الوقت أو قبل ذلك فلا يجوز الاكتفاء بها، خاصة إذا كان ما يزال دخول الوقت غير معلوم حتى تلك اللحظة.
مسألة 528: إذا شك المكلّف في ضيق الوقت بنى على سعته، حتى مع قدرته على الاستعلام، وجاز له الإتيان بالصلاة بشروطها، وتصح منه حتى إذا تبين فيما بعد أنها وقعت كلّها أو بعضها خارج الوقت.
مسألة 529: لا يجوز للمكلّف التراخي في أداء الصلاة حتى يضيق وقتها عن الإتيان بها كاملة الأجزاء والشروط، فلو حدث ذلك اضطراراً أو اختياراً فإنه تجب المبادرة إليها ما دام يمكن إدراك ركعة منها مع الطهارة من الحدث، وكلّما كان استعمال الطهارة المائية، غسلاً أو وضوءاً، موجباً لفوت الصلاة، كلّها أو بعضها، في الوقت، فإنه يجب العدول عنها إلى التيمم، فمثلاً لو كان يدرك كلّ الصلاة مع التيمم وركعة منها أو ركعتين مع الوضوء، فإنَّ الواجب عليه اختيار التيمم وإدراك الصلاة كلّها في الوقت.
ولا يختلف الأمر في الوقت الذي تضيَّق بين أن يكون لصلاة واحدة كوقت فريضة الصبح وبين أن يكون لصلاتين، فمن لـم يبق له لصلاة الظهرين إلا مقدار للتيمم وللظهرين معاً وجب التيمم وإدراك الصلاتين، ومن لـم يبق له إلاَّ مقدار خمس ركعات مع الطهارة، تطهر وقدَّم الظهر ثُمَّ ينوي العصر مدركاً ركعة منها. وهكذا يوازن بين ما يمكن إدراكه من الصلاة بإحدى الطهارتين المائية أو الترابية مع الحرص على إدراك كلّ الصلاة إن أمكن.
ومن أجل التعجيل بإدراك الركعة في الوقت يجب الاقتصار على الواجبات، وعلى الفاتحة دون السورة، إذا كان الإتيان بها مع المستحبات أو السورة موجباً لوقوع بعضها خارج الوقت.
مسألة 530: إذا علم المكلّف قبل دخول الوقت بأنّه إذا نام لـم يستيقظ لإدراك الصلاة في وقتها، لـم يحرم عليه النوم ولم يجب عليه استعمال المنبه للاستيقاظ، ولكن ما يفوته من الأجر بترك الصلاة في وقتها، وخاصة مثل صلاة الصبح، لا تعوضه لذة النوم، أمّا بعد دخول الوقت وعدم احتمال الاستيقاظ فإنه يحرم عليه النوم، أو يجب عليه استخدام وسيلة للاستيقاظ.
مسألة 531: في البلدان التي يقصر فيها الليل أو النهار أكثر من المعتاد، فيصل إلى نصف ساعة أحياناً، يجب على من يعيش فيها من المسلمين العمل بأوقات ذلك المحل، ما دام يمكن تحقّق عنوان الفجر والظهر والمغرب، حتى لو كان الفرق بين الأوقات قليلاً.
مسألة 532: المنتقل من بلد إلى بلد بالوسائل السريعة المستحدثة عليه أن يعمل على طبق الوقت الذي يكون عليه في مكانه الجديد، فمن كان الوقت ظهراً في بلده، فصلاها، ثُمَّ انتقل متجهاً غرباً ـ ومن يتّجه غرباً سوف يلتحق بالفجر ـ إلى بلد يطلع فيه الفجر، وجب عليه الإتيان بصلاة الصبح، سواء كان في الطائرة أو على الأرض، وبذلك لا يكون مكلّفاً بصلاة العشاءين، حيث لـم تغرب عليه الشمس بعد، فإذا تابع هذا المكلّف مسيره باتجاه الغرب، فإنه لا بُدَّ أن يمر في وقت الليل، وبما أنه لـم يصل العشاءين، وما يزال وقتهما مستمراً حتى طلوع الفجر للمضطر، فإنه يجب عليه الإتيان بصلاة المغرب والعشاء. ونفس القاعدة تجري لو سار ضدّ الشمس باتجاه الشرق حيث أنه سيمر بليل قصير ونهار قصير، فمتى أدركه وقت جديد صلى فريضته، إلاَّ أن يجعله المسير مع الشمس في ليل أو نهار طويل، وحينئذ إذا استمر الليل وحده، أو النهار، أربعاً وعشرين ساعة لزمه الإتيان بالصلوات الخمس من دون تحديدها بوقت معيّن.
مسألة 533: البلدان التي يطول فيها الليل أو النهار عدّة أيام أو شهور لا بّدَّ للمكلّف فيها من الإتيان بخمس صلوات في كلّ أربع وعشرين ساعة، وهو مخير بين أن يصليها كيفما يريد وبين أن يلحظ في أدائها أوقات أقرب البلدان إليه مما يجتمع في يومها الليل والنهار، ولو لمدة قصيرة، والأولى اختيار الثاني.
مسألة 534: من شك ولم يدر: هل أدى الفريضة أو لا؟
ينظر: فإن كان وقت الصلاة ما زال باقياً وقائماً فعليه أن يصلي كما لو أيقن بأنه لـم يأت بالصلاة، وإن حدث الشك والتردّد في خارج الوقت مضى ولا شيء عليه.
وإذا شك في تأدية الفريضة ـ وأيضاً شك في بقاء وقتها ـ عجل وأتى بها. وحكم الظنّ والشك هنا بمنزلة سواء.
وإذا ذهب النهار ولم يبقَ منه إلاَّ مقدار قليل لا يتسع لركعة واحدة من الصلاة فكأنه قد ذهب بالكامل ووجود هذا القليل كعدمه، وإذا اتسع الباقي من آخر الوقت لركعة أو أكثر إلى أربع ركعات وشك المكلّف في أنه: هل صلّى الصلاتين ـ الظهر والعصر ـ فعليه أن يصلي العصر حيث لا وقت للظهر، وإن اتسع الباقي لخمس ركعات صلى الصلاتين معاً.
وإذا شك وهو في أثناء العصر: هل صلّى الظهر، بنى على عدم الإتيان بالظهر وعدل بنيته إلى الظهر إن كان الوقت يتسع لإكمالها مع الإتيان بعدها بصلاة العصر أو بركعة منها قبل خروج الوقت، وإن كان الوقت لا يتسع لذلك أكملها عصراً وخرج عن عهدة الظهر بخروج وقتها.
كلّ ذلك إذا كان إنساناً اعتيادياً في شكه، وأمّا إذا كان ممن تتراكم عليه الشكوك في هذه الناحية على نحو يبدو أنه شاذ ومفرط في الشك فلا يكترث بشكه.
تتمة في بعض أحكام النوافل:
وفيها مسائل:
مسألة 535: صلاة الليل من النوافل المرتبة بوقت خاص، وإن لـم تكن مرتبطة بفريضة، ومن المعلوم أن لها ثواباً وفضلاً عظيمين، وهي ثمان ركعات، ركعتان ركعتان، ثُمَّ ركعتا الشفع التي لها قراءة خاصة، ثُمَّ ركعة الوتر.
ووقتها من منتصف الليل إلى طلوع الفجر الصادق، وأفضله السحر، وقيل: إنَّ السحر هو الثلث الأخير من الليل، وقيل: إنه السدس الأخير منه، ويمكن تقديمها على منتصف الليل للمسافر إذا خاف فوتها إن أخرها، أو صعب عليه فعلها في وقتها، وللشاب وغيره إن خاف غلبة النوم أو طروء الاحتلام، ولكلّ ذي عذر كالشيخ وخائف البرد، وينبغي لهم نية التعجيل لا الأداء.
مسألة 536: يجوز الاقتصار على بعض ما ذكر من النوافل، وفي صلاة الليل يمكن الاقتصار على الشفع والوتر، بل على الوتر خاصة.
مسألة 537: إذا فاتته النافلة في وقتها قضاها، ويستحب التعجيل، والأفضل قضاء النهارية في النهار، والليلية في الليل.
مسألة 538: تسقط نوافل الظهرين عن المسافر دون غيرها.
مسألة 539: يجوز الإتيان بالنوافل من جلوس ولو مع القدرة على القيام، والأولى ـ حينئذ ـ عد كلّ ركعتين بركعة، وعليه فيكرر الوتر مرتين. كذلك يجوز الإتيان بها حال المشي، راجلاً أو راكباً، فيكفيه ـ حينئذ ـ الإيماء للركوع والسجود. كذلك فإنَّ له الاقتصار في القراءة على الفاتحة وترك السورة، كما أنَّ له قراءة بعض آيات السورة. والنوافل تُصلّى فرادى فلا تشرع فيها الجماعة ولا تصح.
هذا ويمكن الرجوع إلى كتب الأدعية ونحوها لمعرفة تفاصيل وآداب وأسباب الكثير من النوافل.
ص
237
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية