المبحث الثاني ـ الزيادة والنقصان

وهو الذي اصطلح الفقهاء على تسميته بـ «الخلل»، والحديث عنه يقع في أمرين:
الأول ـ في طبيعة الخلل وأحكامه:
قد يخل المصلي بشيء مما يجب في صلاته، فيزيد في أجزائها أو ينقص منها، أو يترك بعض الشروط الواجبة فيها، وهذا الإخلال قد يحصل عن عمد والتفات، أو عن غفلة ونسيان، أو عن جهل بالحكم الشرعي، وقد سبق استعراض العديد من الأحكام بصورة متفرقة عند الكلام عن تلك الأجزاء والشرائط، ونزيد ذلك توضيحاً واستيعاباً فنستعرض فيما يلي جملة من القواعد العامة، ثُمَّ ما تنطبق عليه من حالات الخلل، وذلك ضمن العناوين التالية:
ـ المبدأ العام:
مسألة 763: إذا أخل المصلي بواجبه فترك شيئاً من أجزاء الصلاة أو شرائطها عامداً عالماً بأنه جزء أو شرط بطلت صلاته لأنها ناقصة.
وإذا زاد في صلاته عامداً وملتفتاً إلى أنَّ ذلك لا يجوز بطلت صلاته.
وأمّا في غير حالة العامد الملتفت إذا انقص أو أزاد فهناك حالات تبطل فيها الصلاة بالنقص أو الزيادة على أي حال، وهناك حالات لا تبطل فيها.
وقبل تفصيل ذلك لا بُدَّ من التأكيد والتوضيح لبعض المصطلحات التي لها علاقة بهذا المبحث، فنقول:
كلّ واجب من واجبات الصلاة تبطل الصلاة بتركه ولو من الناسي أو الجاهل يسمى ركناً.
وكلّ واجب لا تبطل الصلاة بتركه إلاَّ في حالة العمد والالتفات إلى الحكم الشرعي يسمى واجباً غير ركني.
وكلّ واجب من واجبات الصلاة مرتبط بجزء معين من أجزائها، على نحو يجب ضمن ذلك الجزء، فهو من واجبات الجزء، وليس من واجبات الصلاة مباشرة، فالذكر في السجود من واجبات السجود وأمّا التشهد فهو من واجبات الصلاة مباشرة.
ومن أمثلة واجبات الجزء: الذكر في الركوع، والقيام حال القراءة فإنَّه من واجبات القراءة، والطمأنينة حال الذكر فإنها من واجبات الذكر، وكذلك الطمأنينة حال القراءة أو التشهد أو التسليم، والجهر والإخفات في القراءة.
والمبدأ العام الذي يحكم ما ينقص من شروط الصلاة وأجزائها، وخاصة أجزاؤها هو: إنَّ ما يمكن تداركه والعودة لفعله من دون أن يتسبب ببطلان الصلاة فتداركه واجب ويصح به العمل، وإلاَّ فإنه يصح في بعض الأحيان ويبطل في بعض الأحيان. والتدارك ممكنٌ دائماً إلاَّ في حالات ثلاث:
الأولى: أن يكون المصلي قد أتى قبل أن يتفطن إلى نسيانه أو جهله بركن، فلا يتاح له ـ حينئذ ـ أن يتدارك، لأنَّ التدارك معناه أن يأتي بما تركه وبما بعده محافظةً على الترتيب، ولو صنع ذلك والحالة هذه لأدّى به إلى تكرار الإتيان بذلك الركن مرّة ثانية، والزيادة العمدية في ذلك الركن مبطلة، ومن هنا يقول الفقهاء في مثل ذلك: إنَّ محل التدارك قد فات.
الثانية: أن يكون المتروك من واجبات الجزء، وقد أتى المصلي بذلك الجزء وفرغ منه، كما إذا نسي الذكر في سجدته الثانية مثلاً حتى رفع رأسه منها، فلا يتاح له حينئذٍ أن يتدارك، لأنه إن ذكر بدون سجود فلا قيمة له، لأنَّ الواجب إنما هو الذكر في السجود، وإن سجد مرة ثالثة وذكر فلا قيمة له أيضاً، لأنَّ الذكر من واجبات الجزء، والجزء إنما هو السجدة الأولى والثانية دون الثالثة.
الثالثة: أن يفرغ المصلي من صلاته وتنمحي صورتها نهائياً، أو يفرغ من صلاته ويصدر منه ما يوجب الوضوء أو الغسل، ففي هذه الحالة لا يمكن التدارك أيضاً.
ويستخلص من ذلك أنه في كلّ حالة لا يمكن فيها التدارك إن كان المتروك ركناً فالصلاة باطلة، وإن كان المتروك واجباً غير ركني فالصلاة صحيحة وعليه أن يواصلها، وفي كلّ حالة يمكن فيها التدارك يجب التدارك وتصح الصلاة بذلك، فإذا أهمل التدارك وواصل صلاته بطلت.
وعلى ضوء ذلك يمكن بيان ما تبطل به الصلاة وما لا تبطل به من الحالات على النحو التالي:
ـ الحالات التي تبطل بها الصلاة:
وهي الحالات التي تبطل فيها الصلاة لفقدان شرط فيها أو لنقصان جزءٍ أو زيادته مع عدم إمكان التدارك والتصحيح خلال الصلاة، وهي كما يلي:
1 ـ إذا ترك الركوع من ركعة حتى سجد السجدة الثانية منها ثُمَّ تفطن في أثناء الصلاة أو بعدها.
2 ـ إذا ترك كلتا السجدتين من ركعة إلى أن ركع ركوع الركعة التي بعدها ثُمَّ تفطن.
3 ـ إذا تعمد القادر ترك القيام حال تكبيرة الإحرام فكبر جالساً.
4 ـ إذا تعمد القادر ترك القيام في الركوع فركع جالساً.
5 ـ إذا تعمّد الركوع ناهضاً من حالة الجلوس لا هاوياً من حالة القيام.
6 ـ إذا صلّى بدون ما يجب عليه من وضوء وغسل وتيمم، أو صدر منه في أثناء الصلاة ما يوجب الوضوء أو الغسل.
7 ـ إذا صدرت منه تصرّفـات أدّت إلى محـو اسـم الصلاة والذهاب بصورتها.
8 ـ إذا صلّى في النجاسة ـ التي لا تسوغ في الصلاة ـ نسياناً.
9 ـ إذا ركع في ركعة واحدة ركوعين عمداً لا سهواً.
10 ـ إذا سجد في ركعة واحدة أربع سجدات عمداً لا سهواً.
11 ـ إذا صلّى والقبلة عن يمينه أو يساره أو خلفه وهو يعتقد بأنها أمامه واكتشف الحال قبل انتهاء الوقت فصلاته باطلة، وكذلك تبطل في حالة النسيان أو الجهل بالحكم. (أنظر المسألة 623).
12 ـ إذا صلّى قبل الوقت المحدّد جهلاً منه بالوقت أو غفلة أو اعتقاداً بدخول الوقت المحدّد لها فإنَّ الصلاة تقع باطلة، وكذلك إذا وقعت بداية الصلاة قبل الوقت في بعض الحالات التي سبق ذكرها في مبحث أوقات الصلاة (أنظر المسألة 527).
13 ـ زيادة الركعة الكاملة ولو سهواً تبطل الصلاة، وكذا نقصانها، غير أنه في حالة النقيصة إذا التفت إلى ذلك قبل التسليم أو بعده قبل فعل ما يوجب بطلان الصلاة ولو مع السهو لزمه تدارك الركعة وتصح صلاته.
ـ الحالات التي لا تبطل فيها الصلاة:
أمّا الحالات التي لا تبطل فيها الصلاة من الناسي أو الجاهل بالحكم الشرعي غير الملتفت إليه فهي ما سوى ذلك، وتنقسم إلى قسمين: أحدهما الحالات التي يجب فيها على المصلي أن يتدارك ما صدر منه ويعود إلى ما نسيه فيأتي به وبما بعده ويواصل صلاته. والآخر الحالات التي لا يجب فيها على المصلي التدارك والإتيان بما نسيه بل يكتفي بصلاته الناقصة.
أمّا حالات التدارك فهي كما يلي:
1 ـ إذا ترك تكبيرة الإحرام سهواً أو جهلاً وتذكّرها قبل الركوع، تداركها واستأنف القراءة.
2 ـ إذا ترك شيئاً من فاتحة الكتاب أو السورة التي عقيبها وتفطن قبل الركوع من تلك الركعة فإنه يأتي بما تركه وبما بعده ويواصل صلاته.
3 ـ إذا ترك شيئاً مما يجب من قراءة أو تسبيحات في الركعة الثالثة أو الرابعة وتفطن قبل الركوع من تلك الركعة فإنه يأتي بما تركه وبما بعده ويواصل صلاته.
4 ـ إذا ترك الركوع وتفطن قبل أن يسجد السجدة الثانية من تلك الركعة فإنه يقوم واقفاً ثُمَّ يأتي بالركوع وبما بعده ويواصل صلاته.
5 ـ إذا ترك السجدتين من ركعة أو السجدة الثانية منها فقط وتفطن قبل أن يركع في الركعة اللاحقة رجع إلى السجود وأتى به وبما بعده وواصل صلاته.
6 ـ إذا ترك التشهد في الركعة الثانية ونهض قائماً وتفطن قبل أن يركع رجع وأتى بالتشهد وبما بعده وواصل صلاته.
7 ـ إذا ترك سجدتين من الركعة الأخيرة أو التشهد من تلك الركعة أو التسليم وتفطن قبل أن يُحدِثَ بالأصغر أو الأكبر، أو قبل أن تنمحي صورة الصلاة وتنقطع نهائياً، تدارك وأتى بما تركه وبما بعده.
وأمّا حالات عدم وجوب التدارك لما ترك نسياناً أو لعدم الالتفات إلى الحكم الشرعي فهي كما يلي:
1 ـ إذا ترك القراءة أو الذكر أو بعضاً منهما وتفطن بعد أن ركع فلا يجب عليه التدارك ويواصل صلاته.
2 ـ إذا ترك الذكر في ركوع أو سجود وتفطن بعد أن رفع رأسه وخرج عن حالة الراكع أو الساجد فلا يجب عليه التدارك ويواصل صلاته.
3 ـ إذا ترك السجدة الثانية من أي ركعة، أو التشهد من الركعة الثانية أو شيئاً من هذا التشهد حتى ركع في الركعة اللاحقة، فلا يجب عليه التدارك ويواصل صلاته، ولكن عليه أن يقضي ما نسيه بعد الانتهاء من الصلاة كما تقدّم ذكره.
4 ـ إذا ترك السجدة الثانية من الركعة الأخيرة أو التشهد منها أو التسليم وتفطن بعد أن مضت فترة طويلة وذهبت صورة الصلاة نهائياً فقد صحت صلاته ومضت، ولكن عليه أن يقضي ما نسيه من السجدة أو التشهد كما تقدّم ذكره.
5 ـ إذا ترك القيام حال القراءة فقرأ جالساً وتفطن بعد أن أكمل القراءة فلا يجب عليه أن يتدارك بل يواصل صلاته.
6 ـ إذا ترك الجهر في موضع الإخفات في القراءة، أو العكس، لـم يجب عليه التدارك حتى لو التفت في الأثناء، بل يواصل القراءة بحسب تكليفه، وكذلك حكم ما لو ترك الطمأنينة حال ذكر الركوع أو السجود فإنه لا يعيده حتى لو التفت في الأثناء.
7 ـ إذا سها المصلي أثناء السجود عن وضع واحد من المساجد الستة الأخرى غير الجبهة على الأرض، والتفت إلى ذلك بعدما رفع رأسه من السجود، لـم يجب عليه التدارك وتصح صلاته ويمضي فيها.
هذا ما أردنا ذكره من حالات الخلل مع القواعد العامة التي يمكن الاستناد إليها في معرفة أحكام فروع الخلل الأخرى إن وجدت، ولكنَّه في جميع الحالات المذكورة يفضل الرجوع إلى المبحث الخاص بالجزء أو الشرط الذي وقع الخلل فيه وذلك من أجل الإحاطة بتفاصيل وفروع ذلك الخلل.
الثاني ـ في سجود السهو:
وهو سجدتان بكيفية خاصة يؤتى بهما لعلاج بعض حالات الخلل التي تطرأ على الصلاة. وهو وإن سمي بـ (سجود السهو) فإنه يشمل بعض حالات الشك. ولا يجب هذا السجود عند كلّ سهو مما مرّ ذكره في البحوث الماضية، بل إنَّ معظم حالات السهو لا يجب لها السجود، ما عدا بعض الموارد التي نذكرها فيما يلي:
الأول: لمن تكلّم في الصلاة سهواً متخيلاً أنه انتهى من الصلاة أو أنه ليس في حالة صلاة. ولا يجب السجود لغير التكلّم من منافيات الصلاة، كالضحك أو البكاء سهواً. وإذا أراد المصلي قول ذكرٍ أو آيةٍ فسبق لسانه إلى غيرها، أو نطق بأحد ألفاظه خطأ لـم يجب له سجود السهو.
الثاني: في حالة الشك في عدد الركعات، وذلك عند الشك بين الأربع والخمس بعد إكمال ذكر السجدة الأخيرة، وعند الشك بين الخمس والست في حال القيام، وسيأتي تفصيل ذلك لاحقاً.
الثالث: إذا أنقص من الصلاة سجدة واحدة على الأحوط وجوباً، أو التشهد كلّه أو بعضه، أو القيام غير الركني على الأحوط وجوباً، وذلك كما لو هوى إلى السجود بعد الانتهاء من ذكر الركوع بدون أن يرفع رأسه قائماً وجميع ذلك مشروط بفوات محل التدارك، فلو تدارك الجزء الناقص صحت صلاته وليس عليه شيء.
الرابع: إذا زاد في صلاته التسليم كلّه أو بعضه، كلمة منه أو بعض كلمة، وكذا لزيادة القيام على الأحوط وجوباً، وذلك كمثل ما لو قام من أجل ذكر التسبيحات فتذكر أنه لـم يتشهد، فإنه يهدم القيام ويتشهد ثُمَّ يقوم للذكر، فيكون قد زاد قياماً بذلك. ولا يجب سجود السهو لزيادة غيرهما من أجزاء الصلاة.
هذا والأحوط استحباباً عدم الاقتصار على هذه الموارد، والإتيان بسجود السهو لكلّ زيادة ونقصان.
مسألة 764: سجود السهو مؤلف من سجدتين وتشهد وتسليم، وتجب فيه نية القربة، ولا يجب فيه تعيين السبب، ولا بُدَّ فيه من تحقّق مفهوم السجود بوضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، ووضع سائر المساجد الستة، ولا يجب فيه الاستقبال ولا الطهارة من الحدث والخبث ولا الستر ولا غيرهما مما يعتبر في سجود الصلاة، وإن كان الأحوط استحباباً مراعاة جميع ذلك.
وصورته العملية الفضلى كما يلي:
بعد انتهاء المصلي من التشهد والتسليم من صلاته التي سها فيها، يبقى على جلسته متوجهاً إلى القبلة، فينوي السجود للسهو قربة إلى الله تعالى، ثُمَّ يكبّر استحباباً، ثُمَّ يهوي إلى السجدة الأولى ويقول فيها الذكر الخاص بسجود السهو، ثُمَّ يرفع رأسه معتدلاً مطمئناً، ثُمَّ يهوي للسجدة الثانية مع الذكر، ثُمَّ يرفع رأسه مستقراً، فيتشهد ويسلّم منهياً به سجود السهو.
مسألة 765: يجب الذكر أثناء السجود، ويجب أن يشتمل على ذكر الله تعالى وذكر نبيّه w على الأحوط، ويتخيّر المصلي بين هاتين الصيغتين:
أ ـ بِسْمِ الله وبِالله، السَّلامُ عَليكَ أَيُّها النَبِيُّ ورحمةُ الله وبَرَكاتُه، أو (بسم الله وبالله والسلام.. إلخ).
ب ـ بِسْمِ الله وبِالله، وصَلَّى الله على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد.
والصيغة الأولى أحوط استحباباً.
مسألة 766: يجب الإتيان بسجود السهو بعد انتهاء الصلاة فوراً، وقبل الفصل بينها وبينه بفعل المنافي، ولا يضر ترك الفورية بصحة الصلاة وإن أثـم مع التعمد، وحينئذ تلزمه الفورية حين التذكر أو الندم أو حين زوال المانع عند وجوده.
وإذا اجتمع عليه سجود السهو وصلاة الاحتياط وقضاء جزء منسي، وجب عليه تقديم صلاة الاحتياط على غيرها، ثُمَّ قضاء الجزء المنسي، ثُمَّ الإتيان بسجود السهو.
مسألة 767: يتعدّد سجود السهو بتعدّد السبب الموجب له، لكنَّ مثلَ الكلام بجُمَلٍ أو ألفاظٍ متعددة في سهو واحد يعتبر واحداً، وكذا لو سها فسلّم بالصيغ الثلاث دفعة واحدة، فلا يجب في الحالتين إلاَّ سجود واحد للسهو، نعم لو تكلّم بجملةٍ أو لفظٍ فتذكر، ثُمَّ سها فتكلّم بلفظ أو جملة، لزمه السجود مرتين، وهكذا.
هذا ولا يجب الترتيب في سجود السهو بترتب الأسباب، خاصة وأنه لا يجب تعيين السبب في النية كما سبق بيانه.
مسألة 768: إذا شك في حدوث ما يوجب سجود السهو لـم يلتفت، وإذا شك في عدد الموجب بنى على الأقل، وإذا شك في إتيانه بعد العلم بوجوبه أتى به وإن كان شكه بعد فوات المبادرة على الأحوط، وإذا اعتقد تحقّق الموجب، وبعد السَّلام شك فيه، لـم يلتفت، كما أنه إذا شك في الموجب، وبعد ذلك علم به أتى به على ما مر، وإذا علم أنه سجد سجدة واحدة من سجدتي السهو وشك في الثانية أتى بها، إلاَّ إذا كان قد دخل في التشهد، وإذا علم أنه أتى بسجدتين وشك في أنه هل زاد على ذلك وأتى بسجدة ثالثة لـم يبال بهذا الشك، فإذا علم أنه أتى بثلاث أعاد سجدتي السهو على الأحوط. وإذا نسي سجدة واحدة فإن أمكنه التدارك، بأنَّ ذكرها قبل تحقّق الفصل الطويل، تداركها، وإلاَّ أتى بسجدتي السهو من جديد.

وهو الذي اصطلح الفقهاء على تسميته بـ «الخلل»، والحديث عنه يقع في أمرين:
الأول ـ في طبيعة الخلل وأحكامه:
قد يخل المصلي بشيء مما يجب في صلاته، فيزيد في أجزائها أو ينقص منها، أو يترك بعض الشروط الواجبة فيها، وهذا الإخلال قد يحصل عن عمد والتفات، أو عن غفلة ونسيان، أو عن جهل بالحكم الشرعي، وقد سبق استعراض العديد من الأحكام بصورة متفرقة عند الكلام عن تلك الأجزاء والشرائط، ونزيد ذلك توضيحاً واستيعاباً فنستعرض فيما يلي جملة من القواعد العامة، ثُمَّ ما تنطبق عليه من حالات الخلل، وذلك ضمن العناوين التالية:
ـ المبدأ العام:
مسألة 763: إذا أخل المصلي بواجبه فترك شيئاً من أجزاء الصلاة أو شرائطها عامداً عالماً بأنه جزء أو شرط بطلت صلاته لأنها ناقصة.
وإذا زاد في صلاته عامداً وملتفتاً إلى أنَّ ذلك لا يجوز بطلت صلاته.
وأمّا في غير حالة العامد الملتفت إذا انقص أو أزاد فهناك حالات تبطل فيها الصلاة بالنقص أو الزيادة على أي حال، وهناك حالات لا تبطل فيها.
وقبل تفصيل ذلك لا بُدَّ من التأكيد والتوضيح لبعض المصطلحات التي لها علاقة بهذا المبحث، فنقول:
كلّ واجب من واجبات الصلاة تبطل الصلاة بتركه ولو من الناسي أو الجاهل يسمى ركناً.
وكلّ واجب لا تبطل الصلاة بتركه إلاَّ في حالة العمد والالتفات إلى الحكم الشرعي يسمى واجباً غير ركني.
وكلّ واجب من واجبات الصلاة مرتبط بجزء معين من أجزائها، على نحو يجب ضمن ذلك الجزء، فهو من واجبات الجزء، وليس من واجبات الصلاة مباشرة، فالذكر في السجود من واجبات السجود وأمّا التشهد فهو من واجبات الصلاة مباشرة.
ومن أمثلة واجبات الجزء: الذكر في الركوع، والقيام حال القراءة فإنَّه من واجبات القراءة، والطمأنينة حال الذكر فإنها من واجبات الذكر، وكذلك الطمأنينة حال القراءة أو التشهد أو التسليم، والجهر والإخفات في القراءة.
والمبدأ العام الذي يحكم ما ينقص من شروط الصلاة وأجزائها، وخاصة أجزاؤها هو: إنَّ ما يمكن تداركه والعودة لفعله من دون أن يتسبب ببطلان الصلاة فتداركه واجب ويصح به العمل، وإلاَّ فإنه يصح في بعض الأحيان ويبطل في بعض الأحيان. والتدارك ممكنٌ دائماً إلاَّ في حالات ثلاث:
الأولى: أن يكون المصلي قد أتى قبل أن يتفطن إلى نسيانه أو جهله بركن، فلا يتاح له ـ حينئذ ـ أن يتدارك، لأنَّ التدارك معناه أن يأتي بما تركه وبما بعده محافظةً على الترتيب، ولو صنع ذلك والحالة هذه لأدّى به إلى تكرار الإتيان بذلك الركن مرّة ثانية، والزيادة العمدية في ذلك الركن مبطلة، ومن هنا يقول الفقهاء في مثل ذلك: إنَّ محل التدارك قد فات.
الثانية: أن يكون المتروك من واجبات الجزء، وقد أتى المصلي بذلك الجزء وفرغ منه، كما إذا نسي الذكر في سجدته الثانية مثلاً حتى رفع رأسه منها، فلا يتاح له حينئذٍ أن يتدارك، لأنه إن ذكر بدون سجود فلا قيمة له، لأنَّ الواجب إنما هو الذكر في السجود، وإن سجد مرة ثالثة وذكر فلا قيمة له أيضاً، لأنَّ الذكر من واجبات الجزء، والجزء إنما هو السجدة الأولى والثانية دون الثالثة.
الثالثة: أن يفرغ المصلي من صلاته وتنمحي صورتها نهائياً، أو يفرغ من صلاته ويصدر منه ما يوجب الوضوء أو الغسل، ففي هذه الحالة لا يمكن التدارك أيضاً.
ويستخلص من ذلك أنه في كلّ حالة لا يمكن فيها التدارك إن كان المتروك ركناً فالصلاة باطلة، وإن كان المتروك واجباً غير ركني فالصلاة صحيحة وعليه أن يواصلها، وفي كلّ حالة يمكن فيها التدارك يجب التدارك وتصح الصلاة بذلك، فإذا أهمل التدارك وواصل صلاته بطلت.
وعلى ضوء ذلك يمكن بيان ما تبطل به الصلاة وما لا تبطل به من الحالات على النحو التالي:
ـ الحالات التي تبطل بها الصلاة:
وهي الحالات التي تبطل فيها الصلاة لفقدان شرط فيها أو لنقصان جزءٍ أو زيادته مع عدم إمكان التدارك والتصحيح خلال الصلاة، وهي كما يلي:
1 ـ إذا ترك الركوع من ركعة حتى سجد السجدة الثانية منها ثُمَّ تفطن في أثناء الصلاة أو بعدها.
2 ـ إذا ترك كلتا السجدتين من ركعة إلى أن ركع ركوع الركعة التي بعدها ثُمَّ تفطن.
3 ـ إذا تعمد القادر ترك القيام حال تكبيرة الإحرام فكبر جالساً.
4 ـ إذا تعمد القادر ترك القيام في الركوع فركع جالساً.
5 ـ إذا تعمّد الركوع ناهضاً من حالة الجلوس لا هاوياً من حالة القيام.
6 ـ إذا صلّى بدون ما يجب عليه من وضوء وغسل وتيمم، أو صدر منه في أثناء الصلاة ما يوجب الوضوء أو الغسل.
7 ـ إذا صدرت منه تصرّفـات أدّت إلى محـو اسـم الصلاة والذهاب بصورتها.
8 ـ إذا صلّى في النجاسة ـ التي لا تسوغ في الصلاة ـ نسياناً.
9 ـ إذا ركع في ركعة واحدة ركوعين عمداً لا سهواً.
10 ـ إذا سجد في ركعة واحدة أربع سجدات عمداً لا سهواً.
11 ـ إذا صلّى والقبلة عن يمينه أو يساره أو خلفه وهو يعتقد بأنها أمامه واكتشف الحال قبل انتهاء الوقت فصلاته باطلة، وكذلك تبطل في حالة النسيان أو الجهل بالحكم. (أنظر المسألة 623).
12 ـ إذا صلّى قبل الوقت المحدّد جهلاً منه بالوقت أو غفلة أو اعتقاداً بدخول الوقت المحدّد لها فإنَّ الصلاة تقع باطلة، وكذلك إذا وقعت بداية الصلاة قبل الوقت في بعض الحالات التي سبق ذكرها في مبحث أوقات الصلاة (أنظر المسألة 527).
13 ـ زيادة الركعة الكاملة ولو سهواً تبطل الصلاة، وكذا نقصانها، غير أنه في حالة النقيصة إذا التفت إلى ذلك قبل التسليم أو بعده قبل فعل ما يوجب بطلان الصلاة ولو مع السهو لزمه تدارك الركعة وتصح صلاته.
ـ الحالات التي لا تبطل فيها الصلاة:
أمّا الحالات التي لا تبطل فيها الصلاة من الناسي أو الجاهل بالحكم الشرعي غير الملتفت إليه فهي ما سوى ذلك، وتنقسم إلى قسمين: أحدهما الحالات التي يجب فيها على المصلي أن يتدارك ما صدر منه ويعود إلى ما نسيه فيأتي به وبما بعده ويواصل صلاته. والآخر الحالات التي لا يجب فيها على المصلي التدارك والإتيان بما نسيه بل يكتفي بصلاته الناقصة.
أمّا حالات التدارك فهي كما يلي:
1 ـ إذا ترك تكبيرة الإحرام سهواً أو جهلاً وتذكّرها قبل الركوع، تداركها واستأنف القراءة.
2 ـ إذا ترك شيئاً من فاتحة الكتاب أو السورة التي عقيبها وتفطن قبل الركوع من تلك الركعة فإنه يأتي بما تركه وبما بعده ويواصل صلاته.
3 ـ إذا ترك شيئاً مما يجب من قراءة أو تسبيحات في الركعة الثالثة أو الرابعة وتفطن قبل الركوع من تلك الركعة فإنه يأتي بما تركه وبما بعده ويواصل صلاته.
4 ـ إذا ترك الركوع وتفطن قبل أن يسجد السجدة الثانية من تلك الركعة فإنه يقوم واقفاً ثُمَّ يأتي بالركوع وبما بعده ويواصل صلاته.
5 ـ إذا ترك السجدتين من ركعة أو السجدة الثانية منها فقط وتفطن قبل أن يركع في الركعة اللاحقة رجع إلى السجود وأتى به وبما بعده وواصل صلاته.
6 ـ إذا ترك التشهد في الركعة الثانية ونهض قائماً وتفطن قبل أن يركع رجع وأتى بالتشهد وبما بعده وواصل صلاته.
7 ـ إذا ترك سجدتين من الركعة الأخيرة أو التشهد من تلك الركعة أو التسليم وتفطن قبل أن يُحدِثَ بالأصغر أو الأكبر، أو قبل أن تنمحي صورة الصلاة وتنقطع نهائياً، تدارك وأتى بما تركه وبما بعده.
وأمّا حالات عدم وجوب التدارك لما ترك نسياناً أو لعدم الالتفات إلى الحكم الشرعي فهي كما يلي:
1 ـ إذا ترك القراءة أو الذكر أو بعضاً منهما وتفطن بعد أن ركع فلا يجب عليه التدارك ويواصل صلاته.
2 ـ إذا ترك الذكر في ركوع أو سجود وتفطن بعد أن رفع رأسه وخرج عن حالة الراكع أو الساجد فلا يجب عليه التدارك ويواصل صلاته.
3 ـ إذا ترك السجدة الثانية من أي ركعة، أو التشهد من الركعة الثانية أو شيئاً من هذا التشهد حتى ركع في الركعة اللاحقة، فلا يجب عليه التدارك ويواصل صلاته، ولكن عليه أن يقضي ما نسيه بعد الانتهاء من الصلاة كما تقدّم ذكره.
4 ـ إذا ترك السجدة الثانية من الركعة الأخيرة أو التشهد منها أو التسليم وتفطن بعد أن مضت فترة طويلة وذهبت صورة الصلاة نهائياً فقد صحت صلاته ومضت، ولكن عليه أن يقضي ما نسيه من السجدة أو التشهد كما تقدّم ذكره.
5 ـ إذا ترك القيام حال القراءة فقرأ جالساً وتفطن بعد أن أكمل القراءة فلا يجب عليه أن يتدارك بل يواصل صلاته.
6 ـ إذا ترك الجهر في موضع الإخفات في القراءة، أو العكس، لـم يجب عليه التدارك حتى لو التفت في الأثناء، بل يواصل القراءة بحسب تكليفه، وكذلك حكم ما لو ترك الطمأنينة حال ذكر الركوع أو السجود فإنه لا يعيده حتى لو التفت في الأثناء.
7 ـ إذا سها المصلي أثناء السجود عن وضع واحد من المساجد الستة الأخرى غير الجبهة على الأرض، والتفت إلى ذلك بعدما رفع رأسه من السجود، لـم يجب عليه التدارك وتصح صلاته ويمضي فيها.
هذا ما أردنا ذكره من حالات الخلل مع القواعد العامة التي يمكن الاستناد إليها في معرفة أحكام فروع الخلل الأخرى إن وجدت، ولكنَّه في جميع الحالات المذكورة يفضل الرجوع إلى المبحث الخاص بالجزء أو الشرط الذي وقع الخلل فيه وذلك من أجل الإحاطة بتفاصيل وفروع ذلك الخلل.
الثاني ـ في سجود السهو:
وهو سجدتان بكيفية خاصة يؤتى بهما لعلاج بعض حالات الخلل التي تطرأ على الصلاة. وهو وإن سمي بـ (سجود السهو) فإنه يشمل بعض حالات الشك. ولا يجب هذا السجود عند كلّ سهو مما مرّ ذكره في البحوث الماضية، بل إنَّ معظم حالات السهو لا يجب لها السجود، ما عدا بعض الموارد التي نذكرها فيما يلي:
الأول: لمن تكلّم في الصلاة سهواً متخيلاً أنه انتهى من الصلاة أو أنه ليس في حالة صلاة. ولا يجب السجود لغير التكلّم من منافيات الصلاة، كالضحك أو البكاء سهواً. وإذا أراد المصلي قول ذكرٍ أو آيةٍ فسبق لسانه إلى غيرها، أو نطق بأحد ألفاظه خطأ لـم يجب له سجود السهو.
الثاني: في حالة الشك في عدد الركعات، وذلك عند الشك بين الأربع والخمس بعد إكمال ذكر السجدة الأخيرة، وعند الشك بين الخمس والست في حال القيام، وسيأتي تفصيل ذلك لاحقاً.
الثالث: إذا أنقص من الصلاة سجدة واحدة على الأحوط وجوباً، أو التشهد كلّه أو بعضه، أو القيام غير الركني على الأحوط وجوباً، وذلك كما لو هوى إلى السجود بعد الانتهاء من ذكر الركوع بدون أن يرفع رأسه قائماً وجميع ذلك مشروط بفوات محل التدارك، فلو تدارك الجزء الناقص صحت صلاته وليس عليه شيء.
الرابع: إذا زاد في صلاته التسليم كلّه أو بعضه، كلمة منه أو بعض كلمة، وكذا لزيادة القيام على الأحوط وجوباً، وذلك كمثل ما لو قام من أجل ذكر التسبيحات فتذكر أنه لـم يتشهد، فإنه يهدم القيام ويتشهد ثُمَّ يقوم للذكر، فيكون قد زاد قياماً بذلك. ولا يجب سجود السهو لزيادة غيرهما من أجزاء الصلاة.
هذا والأحوط استحباباً عدم الاقتصار على هذه الموارد، والإتيان بسجود السهو لكلّ زيادة ونقصان.
مسألة 764: سجود السهو مؤلف من سجدتين وتشهد وتسليم، وتجب فيه نية القربة، ولا يجب فيه تعيين السبب، ولا بُدَّ فيه من تحقّق مفهوم السجود بوضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، ووضع سائر المساجد الستة، ولا يجب فيه الاستقبال ولا الطهارة من الحدث والخبث ولا الستر ولا غيرهما مما يعتبر في سجود الصلاة، وإن كان الأحوط استحباباً مراعاة جميع ذلك.
وصورته العملية الفضلى كما يلي:
بعد انتهاء المصلي من التشهد والتسليم من صلاته التي سها فيها، يبقى على جلسته متوجهاً إلى القبلة، فينوي السجود للسهو قربة إلى الله تعالى، ثُمَّ يكبّر استحباباً، ثُمَّ يهوي إلى السجدة الأولى ويقول فيها الذكر الخاص بسجود السهو، ثُمَّ يرفع رأسه معتدلاً مطمئناً، ثُمَّ يهوي للسجدة الثانية مع الذكر، ثُمَّ يرفع رأسه مستقراً، فيتشهد ويسلّم منهياً به سجود السهو.
مسألة 765: يجب الذكر أثناء السجود، ويجب أن يشتمل على ذكر الله تعالى وذكر نبيّه w على الأحوط، ويتخيّر المصلي بين هاتين الصيغتين:
أ ـ بِسْمِ الله وبِالله، السَّلامُ عَليكَ أَيُّها النَبِيُّ ورحمةُ الله وبَرَكاتُه، أو (بسم الله وبالله والسلام.. إلخ).
ب ـ بِسْمِ الله وبِالله، وصَلَّى الله على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد.
والصيغة الأولى أحوط استحباباً.
مسألة 766: يجب الإتيان بسجود السهو بعد انتهاء الصلاة فوراً، وقبل الفصل بينها وبينه بفعل المنافي، ولا يضر ترك الفورية بصحة الصلاة وإن أثـم مع التعمد، وحينئذ تلزمه الفورية حين التذكر أو الندم أو حين زوال المانع عند وجوده.
وإذا اجتمع عليه سجود السهو وصلاة الاحتياط وقضاء جزء منسي، وجب عليه تقديم صلاة الاحتياط على غيرها، ثُمَّ قضاء الجزء المنسي، ثُمَّ الإتيان بسجود السهو.
مسألة 767: يتعدّد سجود السهو بتعدّد السبب الموجب له، لكنَّ مثلَ الكلام بجُمَلٍ أو ألفاظٍ متعددة في سهو واحد يعتبر واحداً، وكذا لو سها فسلّم بالصيغ الثلاث دفعة واحدة، فلا يجب في الحالتين إلاَّ سجود واحد للسهو، نعم لو تكلّم بجملةٍ أو لفظٍ فتذكر، ثُمَّ سها فتكلّم بلفظ أو جملة، لزمه السجود مرتين، وهكذا.
هذا ولا يجب الترتيب في سجود السهو بترتب الأسباب، خاصة وأنه لا يجب تعيين السبب في النية كما سبق بيانه.
مسألة 768: إذا شك في حدوث ما يوجب سجود السهو لـم يلتفت، وإذا شك في عدد الموجب بنى على الأقل، وإذا شك في إتيانه بعد العلم بوجوبه أتى به وإن كان شكه بعد فوات المبادرة على الأحوط، وإذا اعتقد تحقّق الموجب، وبعد السَّلام شك فيه، لـم يلتفت، كما أنه إذا شك في الموجب، وبعد ذلك علم به أتى به على ما مر، وإذا علم أنه سجد سجدة واحدة من سجدتي السهو وشك في الثانية أتى بها، إلاَّ إذا كان قد دخل في التشهد، وإذا علم أنه أتى بسجدتين وشك في أنه هل زاد على ذلك وأتى بسجدة ثالثة لـم يبال بهذا الشك، فإذا علم أنه أتى بثلاث أعاد سجدتي السهو على الأحوط. وإذا نسي سجدة واحدة فإن أمكنه التدارك، بأنَّ ذكرها قبل تحقّق الفصل الطويل، تداركها، وإلاَّ أتى بسجدتي السهو من جديد.

ص
324
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية