إنَّ المال النقدي أو العيني الذي يدخل في ملك الإنسان لا يخلو من أمرين: فإمّا أن يدخره المكلّف لإنفاقه أو استخدامه في حاجاته الشخصية، وهو ما اصطلح عليه بـ «المؤنة»، وإمّا أن يوظف ذلك الشيء في عمل يدر ربحاً، وهو ما يصطلح عليه بـ «التجارة». ومرادنا بالأخير كلّ ما يُجعل له رأس مال نقدي أو عيني من أجل توظيفه في عمل إنتاجي، سواء في ذلك الإتجار بالنقد أو البضائع أو استثماره في مشاريع زراعية أو صناعية أو غيرها من مجالات الاستثمار. وبما أنَّ له أحكاماً كثيرة تتعلّق بكيفية اتخاذ رأس المال التجاري وبجَبْر الخسارة وبالديون كان من اللازم إفراده بالذكر وخصّه بهذا العنوان الذي نفصل مسائله كما يلي:
رأس المال التجاري:
يُراد بـ (رأس المال) كلّ ما له علاقة بالعملية التجارية مما يمكن حصر أفراده تحت العنوانين التاليين:
الأول: ما يكون من نوع الوسيلة لتحصيل الربح من الأمور التي يقتنيها العامل أو التاجر وتبقى أعيانها موجودة لاستخدامها دائماً في عملية الإنتاج بمختلف جوانبه، وهي مثل: آلات الإنتاج، وسيارة نقل الموظفين أو توزيع الإنتاج أو تأمين المواد الأولية ونحوها، ومحل الإنتاج، من مصنع وصالة عرض أو دكان أو مستودع أو مكتب علاقات ونحوها، وفرش وتجهيز ذلك البناء، وغير ذلك من الأمور العينية، بل إنَّ هذا العنوان يشتمل على بعض الأمور غير العينية كالمال الذي يدفع «خلواً» عند استئجار مكان للعمل، فإنه، وإن كان نقداً، غير أنه من الأمور التي تعتبر من مقدمات الإنتاج ووسائله لا من الأمور التي يتّجر بها. ويشبه «الخُلوَّ» المالُ النقدي الذي يدفعه التاجر كتأمين يُرَدُّ له فيما بعد للسماح له باستحداث المصنع أو المؤسسة مثلاً وغير ذلك، أمّا ما يدفعه من أجل الترخيص له من دون أن يُردَّ إليه فإنه لا يعدّ في رأس المال الذي يستربح به، بل من مؤنة التجارة ونفقاتها، مثلها كمثل أجرة المحل والعمال.
كذلك يشتمل العنوان الأول على مثل: آلة الفلاحة لمن يمتهنها، وسيارة نقل الركاب لمن يعمل في نقل الركاب، والأرض المغروسة أو المستصلحة للزراعة، والمواشي المقتناة لبيع لبنها وسخالها وفضلاتها، ونحو ذلك من آلات الحرف والصنائع المختلفة.
الثاني: ما يكون من الأمور التي يتجر بها من الأعيان التي يبيعها، سواء في ذلك الأموال نفسها في أعمال البنوك والصيرفة، أو البضائع بشتى أنواعها، أو البناء والعقارات أو غير ذلك.
وهنا لا بُدَّ من ذكر مسائل:
مسألة 1141: يجب تخميس رأس مال التجارة مهما كان نوعه، سواء كان ما يدخل تحت العنوان الأول أو الثاني من الأمور الآنفة الذكر، ولو كانت مثل «الخلو» لمن استأجر محلاً ليتخذه مكتباً له، بحيث لـم يكن له رأس مال إلاَّ ذلك الخلو والطاولة والكرسي التي يجلس عليها.
ويستثنى من وجوب التخميس ما يلي:
1 ـ رأس المال المتخذ من مال مخمس سابقاً أو من مال لا يجب تخميسه بالأصل، كالميراث ومهر الزواج وعوض الطلاق الخلعي، فإنَّ مقدار ذلك المال يبقى محفوظاً من دون تخميس مهما تغيّر وتبدل عند الإتجار به، فمن ورث عن أبيه عقاراً مثلاً فباعه واشترى بثمنه مواد غذائية يتجر بها فإنه لا يخمس إلاَّ ما يربحه زيادة على ثمن ذلك العقار، ونفس الكلام يجري لو فرض أنه باع تلك المواد الغذائية واشترى بها سيارات واتجر بها، وهكذا الأمر في المهر وعوض الخلع. ويثبت نفس الحكم لما يتلف منه ويخسره ثُمَّ يجبره من أرباح سنته، فإنه يبقى معتبراً رأسَ مالٍ معفواً من الخمس؛ أمّا إذا تلف بأكمله أو تلف بعضه ولم يقدر على جبره من ربح سنته فإنه يصبح معدوماً ولا يعوض من ربح السنة الثانية كما سيأتي بيانه فيما بعد.
2 ـ المال الذي يساوي مقدار مصروفه السنوي أو يقل عنه، فإنه إذا لـم يكن يملك غيره، لا نقداً ولا عيناً يمكن الإستغناء عنها، كالأرض وغيرها، ولم يكن عنده عمل إنتاجي آخر، فإنه إذا رغب في الإتجار بذلك المال، فاشترى سيارة لنقل الركاب مثلاً، أو فتح به حانوتاً لبيع الثياب أو غيرها، أو اشترى به عدّة للحياكة أو النجارة أو غيرهما، لـم يجب عليه خمس المال الذي عنده إلاَّ أن يكون قد وجب فيه الخمس قبل ذلك لكونه مالاً مجمداً قد مضت عليه سنة سابقاً.
فإن كان عنده مال آخر أو وظيفة أو تجارة أخرى مثلاً، وكانت تغطي كامل نفقاته لـم يشمله هذا الإستثناء ولزمه تخميس رأس ماله كغيره، وأما إذا كانت الوظيفة أو المال الزائد عن مصروفه السنوي لا تغطي إلاَّ بعض مصروفه السنوي فإنه يستثني من ذلك بنسبة ما ينقص عنه من المصروف السنوي فلا يخمسه ويخمس الباقي.
ومثاله: رجل يصرف في السنة عشرة آلاف، وهبه أخوه عشرة آلاف، وليس عنده مال آخر ولا عمل آخر، فإذا أتجر بذلك المال الموهوب له فإنه لا يخمسه.
أمّا إذا كان هذا الرّجل موظفاً وينتج خمسة آلاف في السنة، فإنه يخمس نصف ذلك المبلغ الموهوب له فقط إذا أتجر به، وكذلك لو لـم يكن موظفاً لكنه كان يملك خمسة آلاف نقداً أو عيناً زيادة على المبلغ الموهوب له من أخيه.
مسألة 1142: إذا مضت عدّة سنين على التاجر من دون أن يكون له رأس سنة للخمس، فجعل لنفسه رأس سنة، فإذا أراد استثناء مقدار مصروفه السنوي من رأس المال لـم يجب عليه أن يستثنيه بمقدار ما كان يصرفه في سنته الأولى التي بدأ فيها تجارته، بل إنَّ له أن يستثنيه بمقدار مصروفه في سنته الفعلية هذه، ولكن الاحتياط بمراعاة مصلحة المستحق أحسن.
مسألة 1143: لا تجب المبادرة إلى تخميس رأس المال التجاري عند بداية الإتجار به، بل يجوز إنتظار مرور سنة على ذلك الإتّجار فيخمسه على رأس السنة إلاَّ أن يتعلّق به الخمس لأسباب أخرى قبل ذلك، وذلك كما لو كان قد مرّت عليه سنة عنده، أو أنتجه خلال السنة ومرّت عليه رأس سنته، أو كان مالاً مختلطاً بالحرام، أو غير ذلك من الأسباب، وحيث يسوغ تخميسه آخر السنة، فإنه لو اشترى به مثلاً آلات للخياطة أو الزراعة فنقصت قيمتها آخر السنة فإنه يخمسها بقيمتها الحالية لا بقيمتها عند الشراء.
ما يخمس من أرباح التجارة:
مسألة 1144: لا يجب تخميس الربح الذي يزيد عن رأس المال المخمس فور ظهوره، بل إنَّ له أن ينتظر حتى يحل رأس سنته أو مرور سنة عليه منذ بداية ظهور الربح إن لـم يكن له رأس سنة، وذلك لأنه يسوغ له خلال هذه السنة التصرّف بالأرباح التي تظهر في مؤنته وحاجاته الحالية أو قضاء ديون عليه من سنين سابقة. ثُمَّ إنَّ له أن يستثني ما كان قد صرفه من أجل الإنتاج، من مثل: أجرة المحل والعمال، والضرائب ومصاريف الإنارة والوقود وغير ذلك مما يعدّ من نفقات الإنتاج. فمن كان إنتاجه عشرين ألفاً، وكان قد صرف منها في حاجاته ثمانية، وصرف من أجل الإنتاج أربعة، فإنَّ الذي يجب تخميسه هو الثمانية الباقية عنده، فلا يَعتبِر ما صرفه كأنه ما يزال موجوداً ويخمسه، بل يستثني جميع ذلك ويخمِّس الباقي فحسب.
مسألة 1145: لا يجب على المكلّف أن يجعل لكلّ ربح رأس سنة خاص به، بل يجوز لمن عنده أنواع متعدّدة من المكاسب أن يجعل لها رأس سنة واحداً، بلا فرق بين ما اختلفت أنواعه، كالتجارة والزراعة والصناعة، وبين ما اتحدّ نوعاً واختلف صنفاً، كالتجارة في الحبوب وفي قطع السيارات وفي الثياب.
مسألة 1146: استثناء مصاريف الإنتاج لا ينحصر بما يظهر ربحه في سنة الصرف، فلو صرف في هذه السنة من أجل ربح لن يظهر إلاَّ في السنة التالية أو التي بعدها فإنه يصح له استثناؤه عند ظهور الربح بعد سنة أو سنتين أو أكثر.
مسألة 1147: كما تستثنى مصاريف الإنتاج من الأرباح كذلك تجبر كلّ خسارة وقعت على رأس المال من الأرباح التي تظهر آخر السنة، ولا فرق في ذلك بين الخسارة الناتجة من التلف الذي يقع على الآلات والعمال والمواد الخام أو السلع المُنتَجةِ خلال عملية الإنتاج، وبين الخسارة الناتجة من هبوط سعر الآلة بسبب استخدامها، فإنَّ من كانت آلات مصنعه، والتي هي عبارة أخرى عن رأس ماله، تساوي مائة ألف، فصارت بالاستعمال تساوي سبعين ألفاً، فإنه يكون في الحقيقة قد خسر من رأس ماله ثلاثين ألفاً، ولا يختلف الحكم بجواز استثنائها من أرباح هذه السنة بين كون تلك الخسارة قد تكونت تدريجياً خلال السنين السابقة وبين كونها قد حدثت فجأة في هذه السنة.
مسألة 1148: قد ذكرنا سماح الشريعة بجَبْر خسارة التلف الواقع في الآلات ونحوها نتيجة تشغيلها في الإنتاج أو نتيجة هبوط قيمة السلعة في السوق أو نتيجة لتعرّضها للحرق أو الغرق أو السرقة أو نحوها من الطوارىء، بل إنَّ التاجر قد يطرأ عليه ما يستلزم الإنفاق في حاجاته من رأس المال المخمس، ففي جميع هذه الحالات تجبر هذه الخسارة من أرباح سنة الخسران. وزيادة على ذلك نقول: إنَّ الخسارة تجبر من ربح السنة سواء كانت الخسارة قد حدثت قبل أن يربح شيئاً في عامه هذا أو بعدما ربح، ومثاله: رجل عنده ثياب قد اشتراها بخمسين ألفاً، فباع قسماً منها وربح فيه، أو أنه لـم يكن قد باع شيئاً منها بربح، فنزلت أسعارها في السوق إلى أربعين، أو أنه احتاج شيئاً منها لحاجاته فأخذ منها ما قيمته عشرة آلاف، أو سُرق مقدار منها بقيمة عشرة آلاف، ففي جميع هذه الحالات إذا باع ما بقي عنده فربح فيه عشرين ألفاً، فإنه في آخر سنته يجبر العشرة التي خسرها من رأس المال فيضمها إليه فيرجِعُ رَأسُ ماله خمسين، ويُخمس العشرة آلاف الأخرى كربح صافٍ له.
فإن ظلّت الخسارة على ما هي عليه حتى حل رأس سنته، فإنه يعتبر أنَّ رأس ماله الجديد هو الأربعون ألفاً، وهي الثمن الذي استقرت عليه البضاعة بعد هبوط أسعارها مثلاً، فيستأنف سنة جديدة على هذا الأساس، فإذا ربح فيما بعد خلال سنته الجديدة لـم يَجبُر من ربحه هذا ما كان قد خسره في العام الماضي.
ويثبت نفس الحكم فيما لو خسر رأسماله كلّه، فإنه إن ربح شيئاً في سنة الخسارة عوض من رأس ماله بمقداره وإن لـم يربح شيئاً يكون رأسماله لسنته الجديدة صفراً فلا يُعوِّض منه شيئاً من أرباح سنته الثانية. وهكذا.
مسألة 1149: قد ذكرنا فيما سبق أنه يجب الخمس في كلّ نماء متصل أو منفصل، بلا فرق بين ما كانت أصوله معدّة للإقتناء أو للتجارة، لأنَّ هذا النماء زيادةٌ على الأصل وربحٌ متحقّق فيه فيجري عليه حكم الأرباح. كذلك فإننا قد ذكرنا حكم زيادة القيمة السوقية وفرقنا فيه بين ما يكون قد ملكه بالشراء أو ملكه بالحيازة أو الميراث، وبين ما يكون قد أعدّ للإسترباح بثمنه أو للإقتناء الشخصي أو التجاري، وذكرنا حكم الأقسام مفصلاً ومنها ماله علاقة بالتجارة فليرجع إليه هناك. (أنظر المسألة 1123).
مسألة 1150: إذا اشترى عيناً للإتجار بها، كالعقار مثلاً، فزادت قيمتها خلال السنة فلم يبادر لبيعها، إمّا طلباً لأكثر من ذلك من الزيادة أو غفلة أو لغير ذلك من الأسباب، ثُمَّ تراجعت قيمتها عند حلول رأس السنة إلى ما كانت عليه أولاً، فإنه لا يجب عليه خمس تلك الزيادة التي فاتته ما دامت قد زالت وانعدمت.
ويثبت نفس الحكم فيما لو فرض أنَّ هذه الزيادة ظلّت إلى أن حل رأس سنته فلم يبعها أيضاً مع قدرته على بيعها والتفاته لذلك، فإنها إذا تراجعت قيمتها إلى ما كانت عليه لـم يجب خمس ما فاته من الزيادة، نعم إذا تراجعت قيمتها جزئياً وجب عليه تخميس ما بقي من هذه الزيادة، وذلك كما لو زادت قيمتها ثلاثين في المائة ثُمَّ تراجعت إلى العشرين في المائة لزمه الخمس فيها مقدَّرةً بزيادة العشرين في المائة.
مسألة 1151: لا يختلف مال التجارة عن غيره في كون الخمس متعلّقاً بالعين نفسها، وفي أنَّ المكلّف مخيَّر بين الدفع منها وبين دفع قيمتها، وقد بينا ذلك فيما سبق في المسألة 1137 وسنُبيِّنه مفصَّلاً في مبحث «كيفية تقدير الخمس»، كما أننا قد ذكرنا لتونا في المسألة السابقة أنَّ هبوط سعر السلعة وارتفاعه خلال السنة لا يعتدّ به، والمعول عليه هو السعر الذي تستقر عليه عند حلول رأس السنة.
نعم لما كان للسلعة التجارية سعران: سعر المفرق وسعر الجملة، فإنَّ التاجر عند تقويم البضاعة الموجودة عنده إن كان يلتزم أحد الأمرين في بيعه فإنَّه يجري عليه، وإذا كان يبيع بالأمرين معاً فإنه يلاحظهما معاً بنسبة ما يبيع بهما، وفي جميع الفروض فإنَّ الملاحظ من الأسعار هو سعر السوق الحالي حين التخميس لا السعر الذي اشترى به ولا السعر الذي يبيع به، فلو فرض أنَّ ثوباً يشتريه من مصدره بألف، ويبيعه بثلاثة آلاف، ولكن قيمته في سوق البلد الذي هو فيه ألفان، فإنَّ المعوّل عليه في تقدير البضاعة التي ما تزال عنده هو سعر السوق، وحيث يصعب معرفة ذلك في العديد من السلع التجارية في بلد من البلدان ذات الإقتصاد الحر كلبنان فإنه لا محيص للمكلّف من التصالح مع الحاكم الشرعي أو سلوك سبيل الاحتياط.
حكم المزروعات والمواشي:
مسألة 1152: لا يختلف الحكم في المزروعات والمواشي عن حكم غيرهما من الأموال، سواء فيما يرجع إلى المؤنة التي تقدّم الكلام عنها في مسائل أحكام المؤنة، أو فيما يرجع إلى التجارة التي نفصلها كما يلي:
أولاً ـ حكم المواشي:
قد يرغب المكلّف في شراء عددٍ من الأبقار أو رؤوس الماعز أو الغنم أو غير ذلك كالخيول والدجاج والنعام والطيور، ونحو ذلك مما يُراد منه الإتجار بنتاجه من الحليب والصوف والفضلات والمواليد ونحوها، وحكمه أنَّ الأصول التي تكون عنده هي رأس ماله، بمالها من توابع، كالحظيرة، وآلات الحلب والتفقيس وسيارات النقل وغيرها، فتعامل معاملة رأس المال الذي يستفاد من نتاجه، فيخمس رأس المال بالنحو الذي ذكرناه، ولكنَّه في مثل هذه الحالة لا يخمس ما يحدث فيه من زيادة في القيمة السوقية ما دام هدفه الإتجار بالنماء لا بالأصول، بل يخمس كلّ ربح يحصل عليه بعد استثناء مؤنة السنة ومؤنة الإنتاج.
وقد يرغب المكلّف في الإتجار بنفس المواشي فيشتري قسماً منها ليبيعها ويربح، فهذه أيضاً لا بُدَّ من تخميسها كرأس مال تجاري وتخميس أرباحه بما في ذلك زيادة القيمة السوقية لما يبقى عنده من دون بيع إلى آخر السنة.
ثانياً ـ حكم المزروعات:
تجري في الزراعة نفس القاعدة المذكورة في المواشي، فإنَّ من أراد الإعتياش من تعمير الأراضي واستصلاحها وغرسها، إن كان هدفه الإتجار بنماء الشجر أو بتأجير الأرض للزراعة أو لجعلها موقفاً للسيارات أو مستودعاً، أو غير ذلك من منافع الأرض والبستان، فإنَّ ذلك العقار وما يحويه من منشئآت وغروس يعدّ رأس مال ويجري عليه ما سبق ذكره، وإذا زادت قيمته خلال السنة لـم يجب خمس الزائد.
وهنا لو فرض أنه «ضَمَّن» هذا البستان وأجَّره لمدّة خمس سنين مثلاً وقبض الأجرة سلفاً، فهل يعتبر هذا المال جميعه ربحاً لسنة التأجير فيجب خمسه في آخر السنة بعد استثناء مؤنته ونحوها، أم أنه يوزع هذا المال على كلّ سنة من السنوات الخمس فينظر في آخر كلّ سنة ما يفضل عن المقدار الخاص بها عن مؤنته فيخمسه؟ والجواب: إنَّ الحكم في أمثال ذلك هو الأول، فيعتبر أنَّ المال جميعه من أرباح سنة التأجير، فيصرف منه ما يحتاجه على نفسه إلى آخر السنة فيحسمه من الأجرة، وكذلك يحسم منه النقصان الذي طرأ على هذا البستان بسبب كونه مسلوب المنفعة خلال مدّة التأجير، ويخمس الباقي. ولزيادة التوضيح نقول: لو فرض أنَّ قيمة البستان خمسون ألفاً، فأجّره لمدّة خمس سنوات بعشرة آلاف وقبضها، ولنفترض أنَّ هذا البستان في حالته هذه التي لن ينتفع فيها المشتري بالبستان قد هبطت قيمته الشرائية إلى خمسة وأربعين ألفاً، فإنَّ المالك هنا عندما يحول عليه الحول، يستثنى مؤنة سنته، وهي ألفان مثلاً، ويستثنى مقدار النقصان الحاصل في ثمن البستان، وهو خمسة آلاف، فيبقى له من العشرة ثلاثة آلاف فيخمسها.
ويجري نفس الحكم فيمن أجَّر داره أو دكَّانه أو سيارته لعدّة سنين.
هذا كلّه إذا أراد الإستفادة من نماء البستان، أمّا إذا كان مراده الإتجار بنفس البستان ليبيعه ويربح بثمنه، فهو كالأول يعتبر كلّه رأسمال له، ولكنَّه إذا زادت قيمته خلال السنة وجب عليه خمس الزيادة ولو لـم يبعه، وذلك بالتفاصيل التي ذكرناها في المسألة الخاصة بأحكام زيادة القيمة السوقية. (أنظر المسألة 1123).
مسألة 1153: إذا زرع الفلاح لتجارته أو لمؤنته أكثر من موسم، فما ينضج من الثمار في سنته يعدّ من أرباح تلك السنة، وما لـم ينضج بعد حتى تنقضي السنة فإنه يعدّ من أرباح السنة القادمة، اللّهم إلاَّ أن يكون في مقدّمات النضج ما يكون له قيمة بنفسه بغض النظر عن ثمره، وذلك كالقصيل الذي يمكن جزه وبيعه علفاً للماشية، فإنه يعدّ من أرباح هذه السنة ويجري عليه حكمها
حكم ديون التجارة:
لا تكاد تخلو عملية تجارية من ديون للتاجر عند زبائنه أو ديون عليه للتجار أو البنوك، ولما كان دين التجارة مختلفاً في بعض أحكامه عن دين المؤنة فإنه لا بُدَّ من استعراض أحكامه في عنوانين:
أ ـ حكم الديون التي عليه:
وهي تنقسم إلى قسمين:
الأول: ما كان بدل دينه موجوداً، ويُراد به ما يبقى عند التاجر بعينه أو ببدله من أجل استخدامه في عملية التجارة، كأن يقترض مقداراً من المال ليجعله رأس مال له، فيتجر به كنقد في عمليات مالية، أو يشتري به بضاعة أو محلاً، أو ليدفعه خلواً، أو ليجهز به محله أو يشتري به آلات صنعته، أو نحو ذلك. أو أن يأخذ بضاعة أو آلات أو عقاراً في الذمة، على أن يسدّد ثمنه فيما بعد، دفعة واحدة أو أقساطاً، ونحو ذلك من الموارد التي يبقى فيه وجود لذلك المال بصورته النقدية أو العينية خلال تقلبات العملية التجارية.
وحكم هذا القسم ما يلي:
إنَّ رأس المال الذي يكون كلّه أو بعضه ديناً على التاجر مُنَزَّل منزلة المعدوم ما دام لـم يفِ منه شيئاً، فمن كان رأسماله خمسين ألفاً، نصفها مملوك له ونصفه الآخر مقترض، فإنَّ رأس المال لهذا التاجر هو خصوص القسم المملوك، ومعنى ذلك أنه إذا دارت السنة على المكلّف لـم يجب عليه تخميس ذلك النصف الذي اقترضه ما دام لـم يفِ منه شيئاً.
كذلك فإنه لا يستثني مقدار ذلك الدين من أرباحه كي لا يخمسها، بل إنَّ من ربح في المثال المذكور عشرين ألفاً يلزمه خمسها على كلّ حال، سواء ضمَّها إلى رأس المال أو وفى بها القسم المقترض من رأسماله، وذلك طبعاً بعد استثناء نفقات مؤنته ومؤنة الإنتاج بالنحو الذي ذكرناه سابقاً.
وهذا يعني أنَّ التاجر الذي عليه أقساط شهرية مثلاً إذا فرض أنه وفى من ديونه عشرة آلاف خلال هذه السنة فإنه يعتبرها في آخر السنة ربحاً ويلزمه دفع خمسها، وهكذا الأمر فيما يوفيه من الدين في السنوات التالية.
وهنا يجب الالتفات إلى أنَّ من اتخذ رأس مال بالدين، مثل من اقترض مالاً وبنى به مصنعاً للخياطة مثلاً، ولم يكن يخمس ما يدفعه كلّ سنة من أرباح المصنع وفاءً لدينه جهلاً أو عصياناً، فإنه إذا أراد أن يخمس المصنع بعد عدّة سنوات مثلاً لـم يجب عليه تخميسه بقيمته الحالية، ولو صارت أضعاف القيمة السابقة، بل إنَّ عليه أن يخمسه بثمنه الأول مع زيادة خمس الخمس عليه، فيكون الحقّ الشرعي المترتب عليه هو مقدار ربع ثمنه السابق تقريباً.
مسألة 1154: لا يختلف أمر الإقتراض من البنوك عن الإقتراض من غيرها، كذلك فإنه لا يختلف دين البنوك بين ما كان بطريقة «فتح اعتماد» أو ما كان بطريقة «التسليف»، ولا بين ما كان من دون فائدة أو كان بفائدة، سواء كان التاجر معذوراً بدفع الربا أو غير معذور، فإنه يصدق عنوان «الدين» في الجميع وتجري عليه الأحكام السابقة.
الثاني: أن يكون الدين الذي على التاجر من نوع التلف والخسارة الواقعة على رأس المال، كمن اقترض لسدّ النقص الحاصل في رأس المال، أو لوفاء أجور العمال أو لنفقات الوقود أو نحو ذلك مما لا يكون له بدل موجود مستثمر في عملية الإنتاج.
وحكمه أنه إذا ربح في تلك السنة.
فإن وفى دينه من ذلك الربح أعفي مقداره من الخمس، وكان ذلك الربح تعويضاً لتلك الخسارة، وإن لـم يف دينه منه بل وفاه من ربح السنة الثانية جاز له ذلك ولكن يلزمه دفع خمسه عند وفاء الدين به.
وأمّا إذا لـم يربح في سنة الدَّين فإنه يوفّيه من أرباح السنة الثانية من دون أن يخمسه.
مسألة 1155: ما ذكرناه من حكم الدين في المسألة السابقة مختص بالدين المتعلّق برأس المال، أمّا إذا كان الدين الذي عليه هو الخمس الذي كان ينبغي دفعه من أرباح سنته فلم يدفعه، لعذر أو بدون عذر، وصار يدفعه من أرباح السنة الثانية أو التي بعدها، فإننا قد ذكرنا حكمه مفصلاً في المسألة 1129 من أحكام المؤنة المستثناة، وخلاصة ما ذكرناه فيها: أنَّ الخمس إن كان عن عين ما تزال موجودة فإنَّ عليه تخميس مقدار الخمس عند دفعه، فيصير مقداره ربعاً تقريباً، وإن كان عن عين تالفة كفاه دفع مقدار الخمس الذي عليه من دون تخميسه.
ب ـ حكم الديون التي له:
مسألة 1156: لا يختلف حكم الديون التي تكون للتاجر عند زبائنه عن حكم الديون التي تكون لغير التاجر عند النّاس، وذلك لأنَّ هذا الدين يعدّ مالاً مملوكاً له، وكونه غائباً عنه لا يخرجه عن ملكه، فإن كان قد حل أجله، أو كان يعطى له لو طلبه ولو قبل حلول الأجل، لزمه تخميسه، وأمّا إذا لـم يحل أجله، أو لا يدفع له لو طالب به، فإنه بالخيار بين تخميسه الآن وبين انتظار الوقت الذي يدفع فيه إليه فيخمسه حينئذ، ولكنَّه في هذه الحالة يعتبره من أرباح سنة الإقراض لا سنة الوفاء.
مسألة 1157: التعويض الذي يعطى للموظف عند نهاية الخدمة على نحوين:
الأول: أن يكون مقتطعاً من راتبه الشهري ويُدخر له إلى حين انتهاء خدمته أو استقالته، فيكون حكمه حكم الديون التي له، ولما كان ـ عادة ـ لا يمكنه أخذ شيء من المبلغ خلال خدمته فإنَّ له أن يؤجل تخميسه إلى حين قبضه فيخمس منه ـ فوراً ـ ما دارت عليه السنة أو السنون، كأي مال آخر.
الثاني: أن لا يكون كذلك، بل هو مبلغ يستحقه عند تقاعده أو استقالته، فتكون ملكيته له حادثةً وجديدة، فيكون المال من أرباح سنته التي قبضه فيها، فيدخل في مؤنته ويلحقه حكمها، فما يصرفه منه في حاجاته لا شيء فيه، ويخمّس ما يبقى منه عند حلول رأس سنته إذا كان له رأس سنة، أو عند مرور سنة عليه من تاريخ قبضه إذا لـم يكن له رأس سنة.
ولا يختلف الحكم بين الموظف في شركة أهلية أو في مؤسسة حكومية.
مسألة 1158: من له دين على إنسان ويئس من تحصيله، فإن كان الخمس قد تعلّق بذلك المال قبل إقراضه لزمه دفع خمسه، وذلك كأن تكون قد مرّت عليه سنة عنده بدون تخميس ثُمَّ أقرضه، وإلاَّ لـم يجب عليه تخميسه.
إنَّ المال النقدي أو العيني الذي يدخل في ملك الإنسان لا يخلو من أمرين: فإمّا أن يدخره المكلّف لإنفاقه أو استخدامه في حاجاته الشخصية، وهو ما اصطلح عليه بـ «المؤنة»، وإمّا أن يوظف ذلك الشيء في عمل يدر ربحاً، وهو ما يصطلح عليه بـ «التجارة». ومرادنا بالأخير كلّ ما يُجعل له رأس مال نقدي أو عيني من أجل توظيفه في عمل إنتاجي، سواء في ذلك الإتجار بالنقد أو البضائع أو استثماره في مشاريع زراعية أو صناعية أو غيرها من مجالات الاستثمار. وبما أنَّ له أحكاماً كثيرة تتعلّق بكيفية اتخاذ رأس المال التجاري وبجَبْر الخسارة وبالديون كان من اللازم إفراده بالذكر وخصّه بهذا العنوان الذي نفصل مسائله كما يلي:
رأس المال التجاري:
يُراد بـ (رأس المال) كلّ ما له علاقة بالعملية التجارية مما يمكن حصر أفراده تحت العنوانين التاليين:
الأول: ما يكون من نوع الوسيلة لتحصيل الربح من الأمور التي يقتنيها العامل أو التاجر وتبقى أعيانها موجودة لاستخدامها دائماً في عملية الإنتاج بمختلف جوانبه، وهي مثل: آلات الإنتاج، وسيارة نقل الموظفين أو توزيع الإنتاج أو تأمين المواد الأولية ونحوها، ومحل الإنتاج، من مصنع وصالة عرض أو دكان أو مستودع أو مكتب علاقات ونحوها، وفرش وتجهيز ذلك البناء، وغير ذلك من الأمور العينية، بل إنَّ هذا العنوان يشتمل على بعض الأمور غير العينية كالمال الذي يدفع «خلواً» عند استئجار مكان للعمل، فإنه، وإن كان نقداً، غير أنه من الأمور التي تعتبر من مقدمات الإنتاج ووسائله لا من الأمور التي يتّجر بها. ويشبه «الخُلوَّ» المالُ النقدي الذي يدفعه التاجر كتأمين يُرَدُّ له فيما بعد للسماح له باستحداث المصنع أو المؤسسة مثلاً وغير ذلك، أمّا ما يدفعه من أجل الترخيص له من دون أن يُردَّ إليه فإنه لا يعدّ في رأس المال الذي يستربح به، بل من مؤنة التجارة ونفقاتها، مثلها كمثل أجرة المحل والعمال.
كذلك يشتمل العنوان الأول على مثل: آلة الفلاحة لمن يمتهنها، وسيارة نقل الركاب لمن يعمل في نقل الركاب، والأرض المغروسة أو المستصلحة للزراعة، والمواشي المقتناة لبيع لبنها وسخالها وفضلاتها، ونحو ذلك من آلات الحرف والصنائع المختلفة.
الثاني: ما يكون من الأمور التي يتجر بها من الأعيان التي يبيعها، سواء في ذلك الأموال نفسها في أعمال البنوك والصيرفة، أو البضائع بشتى أنواعها، أو البناء والعقارات أو غير ذلك.
وهنا لا بُدَّ من ذكر مسائل:
مسألة 1141: يجب تخميس رأس مال التجارة مهما كان نوعه، سواء كان ما يدخل تحت العنوان الأول أو الثاني من الأمور الآنفة الذكر، ولو كانت مثل «الخلو» لمن استأجر محلاً ليتخذه مكتباً له، بحيث لـم يكن له رأس مال إلاَّ ذلك الخلو والطاولة والكرسي التي يجلس عليها.
ويستثنى من وجوب التخميس ما يلي:
1 ـ رأس المال المتخذ من مال مخمس سابقاً أو من مال لا يجب تخميسه بالأصل، كالميراث ومهر الزواج وعوض الطلاق الخلعي، فإنَّ مقدار ذلك المال يبقى محفوظاً من دون تخميس مهما تغيّر وتبدل عند الإتجار به، فمن ورث عن أبيه عقاراً مثلاً فباعه واشترى بثمنه مواد غذائية يتجر بها فإنه لا يخمس إلاَّ ما يربحه زيادة على ثمن ذلك العقار، ونفس الكلام يجري لو فرض أنه باع تلك المواد الغذائية واشترى بها سيارات واتجر بها، وهكذا الأمر في المهر وعوض الخلع. ويثبت نفس الحكم لما يتلف منه ويخسره ثُمَّ يجبره من أرباح سنته، فإنه يبقى معتبراً رأسَ مالٍ معفواً من الخمس؛ أمّا إذا تلف بأكمله أو تلف بعضه ولم يقدر على جبره من ربح سنته فإنه يصبح معدوماً ولا يعوض من ربح السنة الثانية كما سيأتي بيانه فيما بعد.
2 ـ المال الذي يساوي مقدار مصروفه السنوي أو يقل عنه، فإنه إذا لـم يكن يملك غيره، لا نقداً ولا عيناً يمكن الإستغناء عنها، كالأرض وغيرها، ولم يكن عنده عمل إنتاجي آخر، فإنه إذا رغب في الإتجار بذلك المال، فاشترى سيارة لنقل الركاب مثلاً، أو فتح به حانوتاً لبيع الثياب أو غيرها، أو اشترى به عدّة للحياكة أو النجارة أو غيرهما، لـم يجب عليه خمس المال الذي عنده إلاَّ أن يكون قد وجب فيه الخمس قبل ذلك لكونه مالاً مجمداً قد مضت عليه سنة سابقاً.
فإن كان عنده مال آخر أو وظيفة أو تجارة أخرى مثلاً، وكانت تغطي كامل نفقاته لـم يشمله هذا الإستثناء ولزمه تخميس رأس ماله كغيره، وأما إذا كانت الوظيفة أو المال الزائد عن مصروفه السنوي لا تغطي إلاَّ بعض مصروفه السنوي فإنه يستثني من ذلك بنسبة ما ينقص عنه من المصروف السنوي فلا يخمسه ويخمس الباقي.
ومثاله: رجل يصرف في السنة عشرة آلاف، وهبه أخوه عشرة آلاف، وليس عنده مال آخر ولا عمل آخر، فإذا أتجر بذلك المال الموهوب له فإنه لا يخمسه.
أمّا إذا كان هذا الرّجل موظفاً وينتج خمسة آلاف في السنة، فإنه يخمس نصف ذلك المبلغ الموهوب له فقط إذا أتجر به، وكذلك لو لـم يكن موظفاً لكنه كان يملك خمسة آلاف نقداً أو عيناً زيادة على المبلغ الموهوب له من أخيه.
مسألة 1142: إذا مضت عدّة سنين على التاجر من دون أن يكون له رأس سنة للخمس، فجعل لنفسه رأس سنة، فإذا أراد استثناء مقدار مصروفه السنوي من رأس المال لـم يجب عليه أن يستثنيه بمقدار ما كان يصرفه في سنته الأولى التي بدأ فيها تجارته، بل إنَّ له أن يستثنيه بمقدار مصروفه في سنته الفعلية هذه، ولكن الاحتياط بمراعاة مصلحة المستحق أحسن.
مسألة 1143: لا تجب المبادرة إلى تخميس رأس المال التجاري عند بداية الإتجار به، بل يجوز إنتظار مرور سنة على ذلك الإتّجار فيخمسه على رأس السنة إلاَّ أن يتعلّق به الخمس لأسباب أخرى قبل ذلك، وذلك كما لو كان قد مرّت عليه سنة عنده، أو أنتجه خلال السنة ومرّت عليه رأس سنته، أو كان مالاً مختلطاً بالحرام، أو غير ذلك من الأسباب، وحيث يسوغ تخميسه آخر السنة، فإنه لو اشترى به مثلاً آلات للخياطة أو الزراعة فنقصت قيمتها آخر السنة فإنه يخمسها بقيمتها الحالية لا بقيمتها عند الشراء.
ما يخمس من أرباح التجارة:
مسألة 1144: لا يجب تخميس الربح الذي يزيد عن رأس المال المخمس فور ظهوره، بل إنَّ له أن ينتظر حتى يحل رأس سنته أو مرور سنة عليه منذ بداية ظهور الربح إن لـم يكن له رأس سنة، وذلك لأنه يسوغ له خلال هذه السنة التصرّف بالأرباح التي تظهر في مؤنته وحاجاته الحالية أو قضاء ديون عليه من سنين سابقة. ثُمَّ إنَّ له أن يستثني ما كان قد صرفه من أجل الإنتاج، من مثل: أجرة المحل والعمال، والضرائب ومصاريف الإنارة والوقود وغير ذلك مما يعدّ من نفقات الإنتاج. فمن كان إنتاجه عشرين ألفاً، وكان قد صرف منها في حاجاته ثمانية، وصرف من أجل الإنتاج أربعة، فإنَّ الذي يجب تخميسه هو الثمانية الباقية عنده، فلا يَعتبِر ما صرفه كأنه ما يزال موجوداً ويخمسه، بل يستثني جميع ذلك ويخمِّس الباقي فحسب.
مسألة 1145: لا يجب على المكلّف أن يجعل لكلّ ربح رأس سنة خاص به، بل يجوز لمن عنده أنواع متعدّدة من المكاسب أن يجعل لها رأس سنة واحداً، بلا فرق بين ما اختلفت أنواعه، كالتجارة والزراعة والصناعة، وبين ما اتحدّ نوعاً واختلف صنفاً، كالتجارة في الحبوب وفي قطع السيارات وفي الثياب.
مسألة 1146: استثناء مصاريف الإنتاج لا ينحصر بما يظهر ربحه في سنة الصرف، فلو صرف في هذه السنة من أجل ربح لن يظهر إلاَّ في السنة التالية أو التي بعدها فإنه يصح له استثناؤه عند ظهور الربح بعد سنة أو سنتين أو أكثر.
مسألة 1147: كما تستثنى مصاريف الإنتاج من الأرباح كذلك تجبر كلّ خسارة وقعت على رأس المال من الأرباح التي تظهر آخر السنة، ولا فرق في ذلك بين الخسارة الناتجة من التلف الذي يقع على الآلات والعمال والمواد الخام أو السلع المُنتَجةِ خلال عملية الإنتاج، وبين الخسارة الناتجة من هبوط سعر الآلة بسبب استخدامها، فإنَّ من كانت آلات مصنعه، والتي هي عبارة أخرى عن رأس ماله، تساوي مائة ألف، فصارت بالاستعمال تساوي سبعين ألفاً، فإنه يكون في الحقيقة قد خسر من رأس ماله ثلاثين ألفاً، ولا يختلف الحكم بجواز استثنائها من أرباح هذه السنة بين كون تلك الخسارة قد تكونت تدريجياً خلال السنين السابقة وبين كونها قد حدثت فجأة في هذه السنة.
مسألة 1148: قد ذكرنا سماح الشريعة بجَبْر خسارة التلف الواقع في الآلات ونحوها نتيجة تشغيلها في الإنتاج أو نتيجة هبوط قيمة السلعة في السوق أو نتيجة لتعرّضها للحرق أو الغرق أو السرقة أو نحوها من الطوارىء، بل إنَّ التاجر قد يطرأ عليه ما يستلزم الإنفاق في حاجاته من رأس المال المخمس، ففي جميع هذه الحالات تجبر هذه الخسارة من أرباح سنة الخسران. وزيادة على ذلك نقول: إنَّ الخسارة تجبر من ربح السنة سواء كانت الخسارة قد حدثت قبل أن يربح شيئاً في عامه هذا أو بعدما ربح، ومثاله: رجل عنده ثياب قد اشتراها بخمسين ألفاً، فباع قسماً منها وربح فيه، أو أنه لـم يكن قد باع شيئاً منها بربح، فنزلت أسعارها في السوق إلى أربعين، أو أنه احتاج شيئاً منها لحاجاته فأخذ منها ما قيمته عشرة آلاف، أو سُرق مقدار منها بقيمة عشرة آلاف، ففي جميع هذه الحالات إذا باع ما بقي عنده فربح فيه عشرين ألفاً، فإنه في آخر سنته يجبر العشرة التي خسرها من رأس المال فيضمها إليه فيرجِعُ رَأسُ ماله خمسين، ويُخمس العشرة آلاف الأخرى كربح صافٍ له.
فإن ظلّت الخسارة على ما هي عليه حتى حل رأس سنته، فإنه يعتبر أنَّ رأس ماله الجديد هو الأربعون ألفاً، وهي الثمن الذي استقرت عليه البضاعة بعد هبوط أسعارها مثلاً، فيستأنف سنة جديدة على هذا الأساس، فإذا ربح فيما بعد خلال سنته الجديدة لـم يَجبُر من ربحه هذا ما كان قد خسره في العام الماضي.
ويثبت نفس الحكم فيما لو خسر رأسماله كلّه، فإنه إن ربح شيئاً في سنة الخسارة عوض من رأس ماله بمقداره وإن لـم يربح شيئاً يكون رأسماله لسنته الجديدة صفراً فلا يُعوِّض منه شيئاً من أرباح سنته الثانية. وهكذا.
مسألة 1149: قد ذكرنا فيما سبق أنه يجب الخمس في كلّ نماء متصل أو منفصل، بلا فرق بين ما كانت أصوله معدّة للإقتناء أو للتجارة، لأنَّ هذا النماء زيادةٌ على الأصل وربحٌ متحقّق فيه فيجري عليه حكم الأرباح. كذلك فإننا قد ذكرنا حكم زيادة القيمة السوقية وفرقنا فيه بين ما يكون قد ملكه بالشراء أو ملكه بالحيازة أو الميراث، وبين ما يكون قد أعدّ للإسترباح بثمنه أو للإقتناء الشخصي أو التجاري، وذكرنا حكم الأقسام مفصلاً ومنها ماله علاقة بالتجارة فليرجع إليه هناك. (أنظر المسألة 1123).
مسألة 1150: إذا اشترى عيناً للإتجار بها، كالعقار مثلاً، فزادت قيمتها خلال السنة فلم يبادر لبيعها، إمّا طلباً لأكثر من ذلك من الزيادة أو غفلة أو لغير ذلك من الأسباب، ثُمَّ تراجعت قيمتها عند حلول رأس السنة إلى ما كانت عليه أولاً، فإنه لا يجب عليه خمس تلك الزيادة التي فاتته ما دامت قد زالت وانعدمت.
ويثبت نفس الحكم فيما لو فرض أنَّ هذه الزيادة ظلّت إلى أن حل رأس سنته فلم يبعها أيضاً مع قدرته على بيعها والتفاته لذلك، فإنها إذا تراجعت قيمتها إلى ما كانت عليه لـم يجب خمس ما فاته من الزيادة، نعم إذا تراجعت قيمتها جزئياً وجب عليه تخميس ما بقي من هذه الزيادة، وذلك كما لو زادت قيمتها ثلاثين في المائة ثُمَّ تراجعت إلى العشرين في المائة لزمه الخمس فيها مقدَّرةً بزيادة العشرين في المائة.
مسألة 1151: لا يختلف مال التجارة عن غيره في كون الخمس متعلّقاً بالعين نفسها، وفي أنَّ المكلّف مخيَّر بين الدفع منها وبين دفع قيمتها، وقد بينا ذلك فيما سبق في المسألة 1137 وسنُبيِّنه مفصَّلاً في مبحث «كيفية تقدير الخمس»، كما أننا قد ذكرنا لتونا في المسألة السابقة أنَّ هبوط سعر السلعة وارتفاعه خلال السنة لا يعتدّ به، والمعول عليه هو السعر الذي تستقر عليه عند حلول رأس السنة.
نعم لما كان للسلعة التجارية سعران: سعر المفرق وسعر الجملة، فإنَّ التاجر عند تقويم البضاعة الموجودة عنده إن كان يلتزم أحد الأمرين في بيعه فإنَّه يجري عليه، وإذا كان يبيع بالأمرين معاً فإنه يلاحظهما معاً بنسبة ما يبيع بهما، وفي جميع الفروض فإنَّ الملاحظ من الأسعار هو سعر السوق الحالي حين التخميس لا السعر الذي اشترى به ولا السعر الذي يبيع به، فلو فرض أنَّ ثوباً يشتريه من مصدره بألف، ويبيعه بثلاثة آلاف، ولكن قيمته في سوق البلد الذي هو فيه ألفان، فإنَّ المعوّل عليه في تقدير البضاعة التي ما تزال عنده هو سعر السوق، وحيث يصعب معرفة ذلك في العديد من السلع التجارية في بلد من البلدان ذات الإقتصاد الحر كلبنان فإنه لا محيص للمكلّف من التصالح مع الحاكم الشرعي أو سلوك سبيل الاحتياط.
حكم المزروعات والمواشي:
مسألة 1152: لا يختلف الحكم في المزروعات والمواشي عن حكم غيرهما من الأموال، سواء فيما يرجع إلى المؤنة التي تقدّم الكلام عنها في مسائل أحكام المؤنة، أو فيما يرجع إلى التجارة التي نفصلها كما يلي:
أولاً ـ حكم المواشي:
قد يرغب المكلّف في شراء عددٍ من الأبقار أو رؤوس الماعز أو الغنم أو غير ذلك كالخيول والدجاج والنعام والطيور، ونحو ذلك مما يُراد منه الإتجار بنتاجه من الحليب والصوف والفضلات والمواليد ونحوها، وحكمه أنَّ الأصول التي تكون عنده هي رأس ماله، بمالها من توابع، كالحظيرة، وآلات الحلب والتفقيس وسيارات النقل وغيرها، فتعامل معاملة رأس المال الذي يستفاد من نتاجه، فيخمس رأس المال بالنحو الذي ذكرناه، ولكنَّه في مثل هذه الحالة لا يخمس ما يحدث فيه من زيادة في القيمة السوقية ما دام هدفه الإتجار بالنماء لا بالأصول، بل يخمس كلّ ربح يحصل عليه بعد استثناء مؤنة السنة ومؤنة الإنتاج.
وقد يرغب المكلّف في الإتجار بنفس المواشي فيشتري قسماً منها ليبيعها ويربح، فهذه أيضاً لا بُدَّ من تخميسها كرأس مال تجاري وتخميس أرباحه بما في ذلك زيادة القيمة السوقية لما يبقى عنده من دون بيع إلى آخر السنة.
ثانياً ـ حكم المزروعات:
تجري في الزراعة نفس القاعدة المذكورة في المواشي، فإنَّ من أراد الإعتياش من تعمير الأراضي واستصلاحها وغرسها، إن كان هدفه الإتجار بنماء الشجر أو بتأجير الأرض للزراعة أو لجعلها موقفاً للسيارات أو مستودعاً، أو غير ذلك من منافع الأرض والبستان، فإنَّ ذلك العقار وما يحويه من منشئآت وغروس يعدّ رأس مال ويجري عليه ما سبق ذكره، وإذا زادت قيمته خلال السنة لـم يجب خمس الزائد.
وهنا لو فرض أنه «ضَمَّن» هذا البستان وأجَّره لمدّة خمس سنين مثلاً وقبض الأجرة سلفاً، فهل يعتبر هذا المال جميعه ربحاً لسنة التأجير فيجب خمسه في آخر السنة بعد استثناء مؤنته ونحوها، أم أنه يوزع هذا المال على كلّ سنة من السنوات الخمس فينظر في آخر كلّ سنة ما يفضل عن المقدار الخاص بها عن مؤنته فيخمسه؟ والجواب: إنَّ الحكم في أمثال ذلك هو الأول، فيعتبر أنَّ المال جميعه من أرباح سنة التأجير، فيصرف منه ما يحتاجه على نفسه إلى آخر السنة فيحسمه من الأجرة، وكذلك يحسم منه النقصان الذي طرأ على هذا البستان بسبب كونه مسلوب المنفعة خلال مدّة التأجير، ويخمس الباقي. ولزيادة التوضيح نقول: لو فرض أنَّ قيمة البستان خمسون ألفاً، فأجّره لمدّة خمس سنوات بعشرة آلاف وقبضها، ولنفترض أنَّ هذا البستان في حالته هذه التي لن ينتفع فيها المشتري بالبستان قد هبطت قيمته الشرائية إلى خمسة وأربعين ألفاً، فإنَّ المالك هنا عندما يحول عليه الحول، يستثنى مؤنة سنته، وهي ألفان مثلاً، ويستثنى مقدار النقصان الحاصل في ثمن البستان، وهو خمسة آلاف، فيبقى له من العشرة ثلاثة آلاف فيخمسها.
ويجري نفس الحكم فيمن أجَّر داره أو دكَّانه أو سيارته لعدّة سنين.
هذا كلّه إذا أراد الإستفادة من نماء البستان، أمّا إذا كان مراده الإتجار بنفس البستان ليبيعه ويربح بثمنه، فهو كالأول يعتبر كلّه رأسمال له، ولكنَّه إذا زادت قيمته خلال السنة وجب عليه خمس الزيادة ولو لـم يبعه، وذلك بالتفاصيل التي ذكرناها في المسألة الخاصة بأحكام زيادة القيمة السوقية. (أنظر المسألة 1123).
مسألة 1153: إذا زرع الفلاح لتجارته أو لمؤنته أكثر من موسم، فما ينضج من الثمار في سنته يعدّ من أرباح تلك السنة، وما لـم ينضج بعد حتى تنقضي السنة فإنه يعدّ من أرباح السنة القادمة، اللّهم إلاَّ أن يكون في مقدّمات النضج ما يكون له قيمة بنفسه بغض النظر عن ثمره، وذلك كالقصيل الذي يمكن جزه وبيعه علفاً للماشية، فإنه يعدّ من أرباح هذه السنة ويجري عليه حكمها
حكم ديون التجارة:
لا تكاد تخلو عملية تجارية من ديون للتاجر عند زبائنه أو ديون عليه للتجار أو البنوك، ولما كان دين التجارة مختلفاً في بعض أحكامه عن دين المؤنة فإنه لا بُدَّ من استعراض أحكامه في عنوانين:
أ ـ حكم الديون التي عليه:
وهي تنقسم إلى قسمين:
الأول: ما كان بدل دينه موجوداً، ويُراد به ما يبقى عند التاجر بعينه أو ببدله من أجل استخدامه في عملية التجارة، كأن يقترض مقداراً من المال ليجعله رأس مال له، فيتجر به كنقد في عمليات مالية، أو يشتري به بضاعة أو محلاً، أو ليدفعه خلواً، أو ليجهز به محله أو يشتري به آلات صنعته، أو نحو ذلك. أو أن يأخذ بضاعة أو آلات أو عقاراً في الذمة، على أن يسدّد ثمنه فيما بعد، دفعة واحدة أو أقساطاً، ونحو ذلك من الموارد التي يبقى فيه وجود لذلك المال بصورته النقدية أو العينية خلال تقلبات العملية التجارية.
وحكم هذا القسم ما يلي:
إنَّ رأس المال الذي يكون كلّه أو بعضه ديناً على التاجر مُنَزَّل منزلة المعدوم ما دام لـم يفِ منه شيئاً، فمن كان رأسماله خمسين ألفاً، نصفها مملوك له ونصفه الآخر مقترض، فإنَّ رأس المال لهذا التاجر هو خصوص القسم المملوك، ومعنى ذلك أنه إذا دارت السنة على المكلّف لـم يجب عليه تخميس ذلك النصف الذي اقترضه ما دام لـم يفِ منه شيئاً.
كذلك فإنه لا يستثني مقدار ذلك الدين من أرباحه كي لا يخمسها، بل إنَّ من ربح في المثال المذكور عشرين ألفاً يلزمه خمسها على كلّ حال، سواء ضمَّها إلى رأس المال أو وفى بها القسم المقترض من رأسماله، وذلك طبعاً بعد استثناء نفقات مؤنته ومؤنة الإنتاج بالنحو الذي ذكرناه سابقاً.
وهذا يعني أنَّ التاجر الذي عليه أقساط شهرية مثلاً إذا فرض أنه وفى من ديونه عشرة آلاف خلال هذه السنة فإنه يعتبرها في آخر السنة ربحاً ويلزمه دفع خمسها، وهكذا الأمر فيما يوفيه من الدين في السنوات التالية.
وهنا يجب الالتفات إلى أنَّ من اتخذ رأس مال بالدين، مثل من اقترض مالاً وبنى به مصنعاً للخياطة مثلاً، ولم يكن يخمس ما يدفعه كلّ سنة من أرباح المصنع وفاءً لدينه جهلاً أو عصياناً، فإنه إذا أراد أن يخمس المصنع بعد عدّة سنوات مثلاً لـم يجب عليه تخميسه بقيمته الحالية، ولو صارت أضعاف القيمة السابقة، بل إنَّ عليه أن يخمسه بثمنه الأول مع زيادة خمس الخمس عليه، فيكون الحقّ الشرعي المترتب عليه هو مقدار ربع ثمنه السابق تقريباً.
مسألة 1154: لا يختلف أمر الإقتراض من البنوك عن الإقتراض من غيرها، كذلك فإنه لا يختلف دين البنوك بين ما كان بطريقة «فتح اعتماد» أو ما كان بطريقة «التسليف»، ولا بين ما كان من دون فائدة أو كان بفائدة، سواء كان التاجر معذوراً بدفع الربا أو غير معذور، فإنه يصدق عنوان «الدين» في الجميع وتجري عليه الأحكام السابقة.
الثاني: أن يكون الدين الذي على التاجر من نوع التلف والخسارة الواقعة على رأس المال، كمن اقترض لسدّ النقص الحاصل في رأس المال، أو لوفاء أجور العمال أو لنفقات الوقود أو نحو ذلك مما لا يكون له بدل موجود مستثمر في عملية الإنتاج.
وحكمه أنه إذا ربح في تلك السنة.
فإن وفى دينه من ذلك الربح أعفي مقداره من الخمس، وكان ذلك الربح تعويضاً لتلك الخسارة، وإن لـم يف دينه منه بل وفاه من ربح السنة الثانية جاز له ذلك ولكن يلزمه دفع خمسه عند وفاء الدين به.
وأمّا إذا لـم يربح في سنة الدَّين فإنه يوفّيه من أرباح السنة الثانية من دون أن يخمسه.
مسألة 1155: ما ذكرناه من حكم الدين في المسألة السابقة مختص بالدين المتعلّق برأس المال، أمّا إذا كان الدين الذي عليه هو الخمس الذي كان ينبغي دفعه من أرباح سنته فلم يدفعه، لعذر أو بدون عذر، وصار يدفعه من أرباح السنة الثانية أو التي بعدها، فإننا قد ذكرنا حكمه مفصلاً في المسألة 1129 من أحكام المؤنة المستثناة، وخلاصة ما ذكرناه فيها: أنَّ الخمس إن كان عن عين ما تزال موجودة فإنَّ عليه تخميس مقدار الخمس عند دفعه، فيصير مقداره ربعاً تقريباً، وإن كان عن عين تالفة كفاه دفع مقدار الخمس الذي عليه من دون تخميسه.
ب ـ حكم الديون التي له:
مسألة 1156: لا يختلف حكم الديون التي تكون للتاجر عند زبائنه عن حكم الديون التي تكون لغير التاجر عند النّاس، وذلك لأنَّ هذا الدين يعدّ مالاً مملوكاً له، وكونه غائباً عنه لا يخرجه عن ملكه، فإن كان قد حل أجله، أو كان يعطى له لو طلبه ولو قبل حلول الأجل، لزمه تخميسه، وأمّا إذا لـم يحل أجله، أو لا يدفع له لو طالب به، فإنه بالخيار بين تخميسه الآن وبين انتظار الوقت الذي يدفع فيه إليه فيخمسه حينئذ، ولكنَّه في هذه الحالة يعتبره من أرباح سنة الإقراض لا سنة الوفاء.
مسألة 1157: التعويض الذي يعطى للموظف عند نهاية الخدمة على نحوين:
الأول: أن يكون مقتطعاً من راتبه الشهري ويُدخر له إلى حين انتهاء خدمته أو استقالته، فيكون حكمه حكم الديون التي له، ولما كان ـ عادة ـ لا يمكنه أخذ شيء من المبلغ خلال خدمته فإنَّ له أن يؤجل تخميسه إلى حين قبضه فيخمس منه ـ فوراً ـ ما دارت عليه السنة أو السنون، كأي مال آخر.
الثاني: أن لا يكون كذلك، بل هو مبلغ يستحقه عند تقاعده أو استقالته، فتكون ملكيته له حادثةً وجديدة، فيكون المال من أرباح سنته التي قبضه فيها، فيدخل في مؤنته ويلحقه حكمها، فما يصرفه منه في حاجاته لا شيء فيه، ويخمّس ما يبقى منه عند حلول رأس سنته إذا كان له رأس سنة، أو عند مرور سنة عليه من تاريخ قبضه إذا لـم يكن له رأس سنة.
ولا يختلف الحكم بين الموظف في شركة أهلية أو في مؤسسة حكومية.
مسألة 1158: من له دين على إنسان ويئس من تحصيله، فإن كان الخمس قد تعلّق بذلك المال قبل إقراضه لزمه دفع خمسه، وذلك كأن تكون قد مرّت عليه سنة عنده بدون تخميس ثُمَّ أقرضه، وإلاَّ لـم يجب عليه تخميسه.