محاضرات
26/12/2024

درّبوا أنفسكم وأولادكم على ثقافة الإبداع


من هذه الأرض التي انطلقت منها شرارة الاستقلال الذي فرض نفسه من خلال الوجدان الشعبي كله على المستعمر، فانحنى المستعمر أمام الإرادة الشعبية، في انفتاح كل ذلك الشموخ والعنفوان لشعب لم يعرف أن يحني رأسه.. من هذا البقاع السهل الذي يطل عليه العنفوان من جبل الشيخ ليبقى العنفوان بالرغم من كل التحديات، وليتحرر الجبل لأن الإنسان تحرر أولاً، وعندما يتحرر الإنسان تتحرر الأرض، فالأرض تُحتل عندما يُحتل بعض الإنسان فكراً وقلباً، لكن عندما يملك الإنسان حرية عقله فإن الأرض سوف تتحرر.
من هذه البقاع التي تمردت على الحرمان الذي فُرض عليها، والتي تطالب - من موقع الحق لا موقع الإحسان - أن تنطلق الدولة إليها لتشعرأن هناك شيئاً اسمه الدولة، ونحن نريد للدولة أن تقنع شعبها بوجودها لا أن تبقى في برج عاجي، بل أن تنطلق الى كل قرية وربوة وسهل وجبل، ليشعر الجميع أن هناك دولة تزرع وتصنع، وأن هناك - وهذا هو المهم - دولة "تتأنسن"، لأنه ما أصعب الحياة عندما "تتوحشن" الدولة، ومشكلتنا في هذا الشرق هي هذه الوحشنة التي تلغي الإنسان وتصادره هنا وهناك، ويختصر فيها شخص كل الإنسان في شخصه، ولا يثرى الشخص بالإنسان في شعبه وأرضه..
إن مسألة ثقافة التغيير تنطلق من إحساس الإنسان بمعنى إنسانيته في وجوده، فقد خلق الله الإنسان ودعاه الى أن يعبده وحده ولا ينسحق في هذه العبادة، فالإنسان يكبر عندما يعش مع ربه في معنى العبادة لأنه يكون حراً بمقدار ما يكون عبداً لربه.. وأراد الله تعالى للإنسان أن لا يتجمّد، بل أن يُطلق عقله ليعبده في حركة عقله بأن ينفذ الى الكون ليتعمّق في أسراره ولينتج من خلال هذا الوعي للسر الكوني سراً جديداً وفكراً جديداً.. ثم قال الله تعالى للإنسان: أيها الإنسان، عندما تتحوّل من فرد الى مجتمع، قد يقفز فوق المجتمع شخص يملك مالاً أو قوة أو جاهاً، ويريد أن يفرض قوته وماله على فكرك، فإياك أن ينحني عقلك له، وإياك أن ينحني عقلك حتى للعبقري، لأن العبقري لا يستعبد الذين يُعجبون بالعبقرية فيه..
أضاف: إن معنى أن تكون لك ثقافة التغيير أن تكون لك ثقافة إنسانيتك، أنا لست أنت، عندما يكون لك فكر أو خط فلماذا تفرضه عليّ؟ اقنعني بفكرك وسياستك وخطك فإنني احترم هذه القناعة التي استطعت أن أكسبها منك، حتى الدين فإنه لا يفرض نفسه على الناس إلا من خلال الحجة والدليل.. أما ثقافة الإتباع فمعنى ذلك أنك لن تكون أنت، بل ستكون الآخر وبذلك تلغي إنسانيتك، وبهذا يتجمّد المجتمع عندما يكف أن يشارك في الفكر والسياسة والخطوط الاجتماعية، ولعل مشكلتنا في كل تاريخ التخلّف هي ثقافة الاتباع، ثقافة الذين يريدون أن يفرضوا أنفسهم على شعبهم ليمنعوه أن يفكر حتى لا يكتشف الحقيقة.. لذلك، فإن الشعب الذي يتعلّم ثقافة الاتباع هو شعب يمكن أن يحني رأسه لكل محتل وفاتح، لأنه أدمن أن يحتله نافذ في قريته، ووجيه في منطقته، وزعيم في بلده. ومن هنا، فإن الشعوب التي لا تستقل في فكرها تنتهي الى أن لا تستقل في سياستها ووطنها وحتى في اقتصادها، لأن المسألة تدخل في النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، حتى يكون الاتباع اتباعاً مطلقاً..
وأردف: إننا في إنسانيتنا ومسؤوليتنا أمام ربنا لا بد لنا أن نفكر باستقلال، أن ننتج الفكر من خلال الحجة والدليل، ولا بد لنا أن نحصّن إنسانيتنا بأن نعمل على أن ننمي فكرنا وذلك بأن نحرّك الفكر في كل شيء يواجهنا.. ومشكلتنا أننا في أسلوبنا الثقافي والعملي ننتج شعباً لا يعرف أن يقول "لا"، لذلك إذا أردنا أن نصنع فكراً فلا بدّ أن ندرّب أولادنا وأنفسنا على ثقافة الإبداع، وشعوبنا هي شعوب تملك عقولاً ذهبية، ولكن مشكلة هذه الشعوب أنها لم يُقدّر لها أن يكون لها حكم أو قيادة تحمي هذا الإبداع وتطوّره وتنمّيه وتقويه وتحقق له الشروط..
هل الصراع بيننا وبين إسرائيل صراع بندقية؟ نعم، في الاحتلال صراع بندقية، وقد استطعنا بإيماننا ووعينا وتخطيطنا أن نحرر الأرض، ولكن ماذا بعد ذلك؟ إن الصراع هو صراع علم، لأن إسرائيل استطاعت - من خلال رعايتها للعلم والعلماء عندها - أن تجعل من نفسها حاجة للدول الكبرى، أما نحن فقد استطعنا أن نجعل من أنفسنا أسرى للدول الكبرى، لأن ما يستعبد الإنسان حاجاته.. لذلك، إننا ننتج في ثقافة الإتباع هذه التخلّف والجهل، لذلك عندما نعيش واقع مجتمعنا نجد أنه مجتمع العصبيات التي تنشأ من حالة جمود عقلي وشعوري لدى الإنسان المتعصّب، بحيث يعيش في سجن انتمائه ويغلق على نفسه هذا السجن ولا يتنفّس الهواء الطلق..
تابع: إننا نعيش في مجتمع مدمّر نفسياً وروحياً، ضائع ثقافياً، مشلول سياسياً، مجتمع يتحرك في المتاهات، ولذلك جاءت كل نفايات العالم إلينا، مجتمع لا يعرف ماذا يريد وماذا لا يريد.. قولوا لأنفسكم ماذا تريدون، قولوا لكل الناس - إقليمياً ودولياً - نحن نريد كذا، ولا تقولوا لهم ماذا تريدون أنتم؟ إنني أخشى أننا لا نعرف ماذا نريد.. هل يملك أحدكم صورة للبنان؟ هناك شعارات فضفاضة ولكن ما هي الخطوط التفصيلية هنا وهناك، كل الناس - من موالاة ومعارضة - يتحدثون عن المشكلة الاقتصادية في لبنان، ولكن هل قدّم أحد آلية نستطيع من خلالها أن ننقذ البلد؟
إننا نستهلك الكلمات، لأننا مجتمع الكلمات الطائرة، يقيمنا خطاب ويُسقطنا خطاب، ولكن الكلمات تتطاير في الهواء وتبقى المشكلة هي المشكلة، وتبقى الأرض هي الأرض، ويبقى التابعون وراء المتبوعين، كيف نعي الحقيقة ونكتشفها ونتحرك نحوها تلك هي المسألة، أن نخرج من الضباب المذهبي والطائفي والحزبي والثقافي، لنحدّق في شمس العقل والقلب والإنسانية كلها، وعند ذلك لن نتّبع إلا الله، ونعيش الحرية أمام العالم كله.

من هذه الأرض التي انطلقت منها شرارة الاستقلال الذي فرض نفسه من خلال الوجدان الشعبي كله على المستعمر، فانحنى المستعمر أمام الإرادة الشعبية، في انفتاح كل ذلك الشموخ والعنفوان لشعب لم يعرف أن يحني رأسه.. من هذا البقاع السهل الذي يطل عليه العنفوان من جبل الشيخ ليبقى العنفوان بالرغم من كل التحديات، وليتحرر الجبل لأن الإنسان تحرر أولاً، وعندما يتحرر الإنسان تتحرر الأرض، فالأرض تُحتل عندما يُحتل بعض الإنسان فكراً وقلباً، لكن عندما يملك الإنسان حرية عقله فإن الأرض سوف تتحرر.
من هذه البقاع التي تمردت على الحرمان الذي فُرض عليها، والتي تطالب - من موقع الحق لا موقع الإحسان - أن تنطلق الدولة إليها لتشعرأن هناك شيئاً اسمه الدولة، ونحن نريد للدولة أن تقنع شعبها بوجودها لا أن تبقى في برج عاجي، بل أن تنطلق الى كل قرية وربوة وسهل وجبل، ليشعر الجميع أن هناك دولة تزرع وتصنع، وأن هناك - وهذا هو المهم - دولة "تتأنسن"، لأنه ما أصعب الحياة عندما "تتوحشن" الدولة، ومشكلتنا في هذا الشرق هي هذه الوحشنة التي تلغي الإنسان وتصادره هنا وهناك، ويختصر فيها شخص كل الإنسان في شخصه، ولا يثرى الشخص بالإنسان في شعبه وأرضه..
إن مسألة ثقافة التغيير تنطلق من إحساس الإنسان بمعنى إنسانيته في وجوده، فقد خلق الله الإنسان ودعاه الى أن يعبده وحده ولا ينسحق في هذه العبادة، فالإنسان يكبر عندما يعش مع ربه في معنى العبادة لأنه يكون حراً بمقدار ما يكون عبداً لربه.. وأراد الله تعالى للإنسان أن لا يتجمّد، بل أن يُطلق عقله ليعبده في حركة عقله بأن ينفذ الى الكون ليتعمّق في أسراره ولينتج من خلال هذا الوعي للسر الكوني سراً جديداً وفكراً جديداً.. ثم قال الله تعالى للإنسان: أيها الإنسان، عندما تتحوّل من فرد الى مجتمع، قد يقفز فوق المجتمع شخص يملك مالاً أو قوة أو جاهاً، ويريد أن يفرض قوته وماله على فكرك، فإياك أن ينحني عقلك له، وإياك أن ينحني عقلك حتى للعبقري، لأن العبقري لا يستعبد الذين يُعجبون بالعبقرية فيه..
أضاف: إن معنى أن تكون لك ثقافة التغيير أن تكون لك ثقافة إنسانيتك، أنا لست أنت، عندما يكون لك فكر أو خط فلماذا تفرضه عليّ؟ اقنعني بفكرك وسياستك وخطك فإنني احترم هذه القناعة التي استطعت أن أكسبها منك، حتى الدين فإنه لا يفرض نفسه على الناس إلا من خلال الحجة والدليل.. أما ثقافة الإتباع فمعنى ذلك أنك لن تكون أنت، بل ستكون الآخر وبذلك تلغي إنسانيتك، وبهذا يتجمّد المجتمع عندما يكف أن يشارك في الفكر والسياسة والخطوط الاجتماعية، ولعل مشكلتنا في كل تاريخ التخلّف هي ثقافة الاتباع، ثقافة الذين يريدون أن يفرضوا أنفسهم على شعبهم ليمنعوه أن يفكر حتى لا يكتشف الحقيقة.. لذلك، فإن الشعب الذي يتعلّم ثقافة الاتباع هو شعب يمكن أن يحني رأسه لكل محتل وفاتح، لأنه أدمن أن يحتله نافذ في قريته، ووجيه في منطقته، وزعيم في بلده. ومن هنا، فإن الشعوب التي لا تستقل في فكرها تنتهي الى أن لا تستقل في سياستها ووطنها وحتى في اقتصادها، لأن المسألة تدخل في النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، حتى يكون الاتباع اتباعاً مطلقاً..
وأردف: إننا في إنسانيتنا ومسؤوليتنا أمام ربنا لا بد لنا أن نفكر باستقلال، أن ننتج الفكر من خلال الحجة والدليل، ولا بد لنا أن نحصّن إنسانيتنا بأن نعمل على أن ننمي فكرنا وذلك بأن نحرّك الفكر في كل شيء يواجهنا.. ومشكلتنا أننا في أسلوبنا الثقافي والعملي ننتج شعباً لا يعرف أن يقول "لا"، لذلك إذا أردنا أن نصنع فكراً فلا بدّ أن ندرّب أولادنا وأنفسنا على ثقافة الإبداع، وشعوبنا هي شعوب تملك عقولاً ذهبية، ولكن مشكلة هذه الشعوب أنها لم يُقدّر لها أن يكون لها حكم أو قيادة تحمي هذا الإبداع وتطوّره وتنمّيه وتقويه وتحقق له الشروط..
هل الصراع بيننا وبين إسرائيل صراع بندقية؟ نعم، في الاحتلال صراع بندقية، وقد استطعنا بإيماننا ووعينا وتخطيطنا أن نحرر الأرض، ولكن ماذا بعد ذلك؟ إن الصراع هو صراع علم، لأن إسرائيل استطاعت - من خلال رعايتها للعلم والعلماء عندها - أن تجعل من نفسها حاجة للدول الكبرى، أما نحن فقد استطعنا أن نجعل من أنفسنا أسرى للدول الكبرى، لأن ما يستعبد الإنسان حاجاته.. لذلك، إننا ننتج في ثقافة الإتباع هذه التخلّف والجهل، لذلك عندما نعيش واقع مجتمعنا نجد أنه مجتمع العصبيات التي تنشأ من حالة جمود عقلي وشعوري لدى الإنسان المتعصّب، بحيث يعيش في سجن انتمائه ويغلق على نفسه هذا السجن ولا يتنفّس الهواء الطلق..
تابع: إننا نعيش في مجتمع مدمّر نفسياً وروحياً، ضائع ثقافياً، مشلول سياسياً، مجتمع يتحرك في المتاهات، ولذلك جاءت كل نفايات العالم إلينا، مجتمع لا يعرف ماذا يريد وماذا لا يريد.. قولوا لأنفسكم ماذا تريدون، قولوا لكل الناس - إقليمياً ودولياً - نحن نريد كذا، ولا تقولوا لهم ماذا تريدون أنتم؟ إنني أخشى أننا لا نعرف ماذا نريد.. هل يملك أحدكم صورة للبنان؟ هناك شعارات فضفاضة ولكن ما هي الخطوط التفصيلية هنا وهناك، كل الناس - من موالاة ومعارضة - يتحدثون عن المشكلة الاقتصادية في لبنان، ولكن هل قدّم أحد آلية نستطيع من خلالها أن ننقذ البلد؟
إننا نستهلك الكلمات، لأننا مجتمع الكلمات الطائرة، يقيمنا خطاب ويُسقطنا خطاب، ولكن الكلمات تتطاير في الهواء وتبقى المشكلة هي المشكلة، وتبقى الأرض هي الأرض، ويبقى التابعون وراء المتبوعين، كيف نعي الحقيقة ونكتشفها ونتحرك نحوها تلك هي المسألة، أن نخرج من الضباب المذهبي والطائفي والحزبي والثقافي، لنحدّق في شمس العقل والقلب والإنسانية كلها، وعند ذلك لن نتّبع إلا الله، ونعيش الحرية أمام العالم كله.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية