وهي أمور:
الأول ـ غنائم الحرب:
وهو ما يغنمه المسلمون في الحرب ضدّ الكفّار والمأخوذ بالقوّة، ولا بُدَّ أن تكون الحرب بإذن الإمام في حال الحضور أو بإذن السلطة الشرعية في حال الغيبة. وقد اتفق المسلمون على وجوب الخمس في هذه الغنائم، وهو ما دلت عليه النصوص المعتبرة من الكتاب والسنة.
والظاهر أنَّ هذا المورد لا موضوع له في عصرنا الحاضر، وذلك لأنَّ القيادة الإسلامية في العصور الماضية لـم تكن تتحمّل مصاريف الجيش بل إنَّ المقاتلين كانوا هم الذي يتحمّلون مسؤولية المصاريف اللازمة للقتال، من السلاح والزاد والراحلة، لذلك كان تقسيم الغنائم عليهم باعتبار أنها نتاج جهدهم، أمّا الآن فإنَّ القيادة الإسلامية ـ الدولة ـ هي التي تتحمّل لوازم الحرب وتكاليفها، كما تتحمّل إعطاء الرواتب والمساعدات للمقاتلين، لذلك لا يبعد القول برجوع الغنائم إلى الدولة، وبأنه لا تشملها الأدلة الدالة على تقسيم الغنائم بين المقاتلين، بعدما صار الجنود في الواقع الحاضر بمنزلة الأجراء على العمل.
مسألة 1102: الظاهر أنَّ عنوان الغنيمة الذي كان مصداقاً لترتب الآثار الشرعية هو المال الذي يؤخذ عن طريق الحرب، أمّا ما يقع في يد المسلم من مال الكافر الحربي ـ إذا جاز له أخذه ـ فيدخل في أرباح المكاسب، وقد يُقال بعدم جواز أخذ مال الحربي من قِبَل المسلمين، لأنَّ من المحتمل أن يُرجع في علاقة المسلمين بأموال الحربيين إلى الحاكم الشرعي الذي يملك الولاية العامة، مما يجعل الاحتياط لازماً في عدم جواز أخذه.
الثاني ـ المعدن:
وهو كلّ ما خرج من الأرض مما خلق فيها، ولم يكن جزءاً من حقيقتها، على أن يكون له قيمة وثمن.
ولا فرق في وجوب الخمس في المعادن بين المعادن الظاهرة والباطنة، فيجب الخمس في الذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد والياقوت والزبرجد والفيروزج والعقيق والزئبق والكبريت والنفط والزفت والملح ونحوها.
والظاهر أنَّ المعدن من الأنفال، فلا بُدَّ من استئذان وليّ المسلمين في إخراجه وتملكه، من دون فرق بين الأراضي المفتوحة عنوة وغيرها.
مسألة 1103: لو أخرج شخص المعدن من أرض مملوكة لغيره بغير إذن مالكها، فالمشهور هو أنَّ المعدن ملك لمالك الأرض، لأنَّ ما في الأرض يتبعها، وحكمه حكمه. ولكن الظاهر اختصاص ذلك بالمعدن الظاهر، أو المعدود من توابع الأرض عرفاً، كما إذا كان عمقه في الأرض قليلاً، أمّا إذا كان عميقاً فيها بحيث لا يعدّ من توابعها فلا يتبع ملكية الأرض ليكون لمالكها، ولذلك فلا بُدَّ من التصالح بين المالك والمُخرِج احتياطاً، فإن لـم يتراضيا رجعا إلى الحاكم الشرعي الذي هو وليّ المعدن.
مسألة 1104: يشترط النصاب في وجوب الخمس في المعدن، وهو ما بلغت قيمته عشرين ديناراً، وهو ما يقارب عشر ليرات ذهبية عثمانية. والظاهر أنَّ الذي يجب تخميسه هو مقدار النصاب الصافي لصاحبه بعد إستثناء مؤنة إستخراج المعدن وتكاليف تصفيته، فلو كان الخارج من المعدن خمساً وعشرين، وكانت المؤونة عشرة لـم يجب الخمس، لأنَّ الباقي ـ وهو الخمسة عشر ـ دون النصاب وإن كان المجموع فوقه.
مسألة 1105: إذا أخرج المعدن على دفعات، فإن صدقت وحدة الإخراج عرفاً، بحيث كان العمل شبه مستمر لا يفصل بين أوقاته إلاَّ المقدار المتعارف في العمل الواحد، كفى بلوغ المجموع نصاباً حتى مع تعدّد الدفعات، وأمّا إذا صدق تعدّد الإخراج عرفاً، بأن كان الفاصل الزمني طويلاً، كما إذا أهمله فترة طويلة لمانع خارجي أو غيره، أو كانت طبيعة العمل تقتضي تعدّده بحيث كان الواقع الإقتصادي يفرض ذلك، فلا يجب الخمس فيه إلاَّ إذا بلغ كلّ إخراجٍ نصاباً.
مسألة 1106: إذا اشترك جماعة في الإخراج، فلا بُدَّ ـ في وجوب الخمس ـ من بلوغ حصة كلّ واحدٍ منهم النصاب، فلو لـم تبلغ الحصة الخاصة، لهذا أو ذاك، النصاب لـم يجب الخمس فيها حتى لو بلغ المجموع مقدار النصاب.
مسألة 1107: إذا شك في بلوغ النصاب، فالأحوط ـ لزوماً ـ الاختبار مع الإمكان، أمّا مع عدم الإمكان فلا يجب عليه شيء، وكذا إذا اختبره فلم يتبين له شيء.
الثالث ـ الكنز:
الكنز ـ في الأصل ـ هو المال المنقول المذخور والمخفي في أرض أو كهف أو جدار أو شجر أو نحوها، بنحو جعله ذلك الإستتار الطارىء خارجاً عن قابلية التصرّف الفعلي، وهو في الغالب من النقود والجواهر والمعادن النفيسة كالذهب والفضة، لكنَّه لما صار لمثل الحجر والخرز والفخار ونحوها من الأثريات قيمة كبيرة في هذا الزمان، فإنَّ كلّ ما يستخرج من أثريات قديمة مما له قيمة نفيسة مشمول للكنز ومحكوم بحكمه.
مسألة 1108: يتملك الكنزَ واجدُه إذا لـم يُعلم له مالك مسلم أو كافر محترم المال، بلا فرق بين ما كان في بلاد الحرب أو الإسلام، ولا بين ما عليه أثر الإسلام أو الجاهلية، ولا بين الأرض التي كانت حين الفتح عامرة أو خراباً، ولا بين ما كان زمانه قريب العهد بواجده أو بعيده. فإن عَلِمَ له مالكاً مُحترَماً موجوداً بنفسه أو بوارثه دفعه إليه إن عرفه، وإن لـم يعرفه بعد الفحص عنه جرى عليه حكم مجهول المالك ودفعه للحاكم الشرعي، وإن كان المالك قديماً لا يعرف له وارث جرى عليه حكم الكنز.
مسألة 1109: مهما كان نوع الأرض التي يوجد فيها الكنز فإنه حيث لا يعلم بأنّ له مالكاً محترماً لا يجب عليه الفحص والبحث عن وجود مالك له، وخاصة إذا كان الكنز قديماً لـم تمسه يد من قبل، بلا فرق بين الأرض التي ملكها بالوراثة عن آبائه أو بالإحياء لها بعد أن كانت مواتاً ليس لها مالك قبله، وبين الأرض التي ملكها بالشراء من مالك قبله أو بالهبة أو نحوهما، نعم إذا كانت مملوكة لمالك قبله وعلم أنَّ للكنز الذي وجده مالكاً محترم المال، واحتمل أن يكون للمالك السابق أو لوارثه، وجب عليه أن يسأله ويستعلمه، وكذا لو احتمل أنه للمالك الأسبق أو لوارثه، فإن عرفه دفعه إليه وإلا جرى عليه الحكم المذكور في المسألة السابقة.
مسألة 1110: لا يختلف الحكم بين الأرض التي يجوز له التصرّف فيها بإجارة ونحوها وبين الأرض التي لـم يؤذن له بالتصرّف فيها، وإن كان آثماً بالتصرّف فيها، وفي كلّ حال فإنَّ الأحوط استحباباً التصالح مع صاحب الأرض التي وجد فيها الكنز حتى لو كان مأذوناً بالتصرّف فيها، أو الرجوع إلى الحاكم الشرعي إذا لـم يتراضيا بينهما.
مسألة 1111: يجب إخراج الخمس إذا بلغ مقدار الكنز ـ في حدّه الأدنى ـ نصاب الزكاة الأول في الذهب أو الفضة، وهو عشرون ديناراً ذهباً، أو مائتا درهم فضة، أو ما يساوي في قيمته ذلك إن كان الكنز من غير النقدين الذهب أو الفضة.
كذلك يشترط في الحصة التي تبلغ النصاب ما سبق اشتراطه في المعدن، وهو أن يستخرج مقدار النصاب دفعة واحدة عرفية ولو على مراحل متقاربة، فإن تباعدت الدفعات على مدى عدّة أيام أو شهور، بحيث لـم يصدق الإخراج دفعة واحدة فإنه لا يجب الخمس إلاَّ في كلّ دفعة تبلغ النصاب.
كذلك فإنَّ له أن يستثني تكاليف الحفر ونحوه مما بذله للكشف عن الكنز وإخراجه، فإن كان الباقي بعد الإستثناء نصاباً خمَّسه وإلاَّ لـم يجب فيه الخمس.
مسألة 1112: إذا اشترك جماعة في إخراج الكنز فلا يكفي لوجوب الخمس بلوغ المجموع نصاباً، بل لا بُدَّ من بلوغ حصة كلّ واحد نصاباً ليجب عليه الخمس، وهذا هو نفس الحكم الذي ذكر في المعدن، وكذلك يشترك مع المعدن في لزوم الاحتياط بالفحص عن بلوغه النصاب مع الإمكان.
مسألة 1113: ينبغي للمسلم عدم مخالفة الأنظمة المرعية في القضايا العامة للبلدان التي يعيش فيها، ومنها تلك التي تحمي التراث الوطني وتحفظ الآثار، فإن خالفها فوجد كنزاً جاز له أخذه.
الرابع ـ ما يخرج بالغوص:
وهو ما يخرج من داخل البحر عن طريق غوص الإنسان، أو عن طريق آلة خاصة به، كالجواهر واللؤلؤ والمرجان وما إليها من المعادن والنباتات التي لها قيمة دون الأسماك والحيوانات، أمّا ما يلتقط من وجه الماء فلا يترتب عليه حكم الغوص بل يلحق بأرباح المكاسب.
والظاهر أنَّ الأنهار العظيمة حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص.
مسألة 1114: الظاهر اعتبار النصاب في المستخرج بالغوص، ومقداره دينار، وهو يساوي نصف ليرة عثمانية ذهبية تقريباً، ولا بُدَّ من بلوغ هذا المقدار في حصة كلّ شخص إذا اشترك جماعة في إخراجه. ولا فرق في ذلك بين اتحاد النوع وعدمه.
مسألة 1115: إذا غرق شيء في البحر كالسفينة وما إليها، وأعرض عنه مالكه بحسب القرائن المحيطة بالموضوع، كما إذا لـم يكن بصدد البحث عنه بواسطة الوسائل الموجودة، أو كان مما لا يمكن إخراجه عادة، فهو لمن أخرجه، ولا يلحقه حكم الغوص على الأقوى وإن كان مثل اللؤلؤ والمرجان، ويلحقه حكم أرباح المكاسب. وكذا ما قذفه البحر، فهو لمن حازه ووضع يده عليه.
مسألة 1116: العنبر إن أُخرج بالغوص جرى عليه حكمه ووجب فيه الخمس، وإن أخذ عن وجه الماء أو الساحل لـم يجب فيه الخمس بعنوان الغوص، وكان من أرباح المكاسب.
الخامس ـ المال الحلال المختلط بالحرام:
والمراد به اختلاط المال المكتسب من طرق محللة بمال آخر اُكتُسِبَ من طرق محرّمة، ولم يمكن تمييز الحرام من الحلال، لا بعينه وشخصه، ولا بمقداره ولا بجنسه، ولا بصاحبه ومستحقه، فصار المكلّف جاهلاً ومتحيراً في التخلّص من الحرام وتبرئة ذمته منه، فأوجبت الشريعة على المكلّف دفع خمس هذا المال المختلط بالحرام كطريقة للتخلّص من الحرام وجَعْلِ الباقي حلالاً، وذلك فور توبة الإنسان وعودته إلى الله تعالى وندمه على ذنبه من دون انتظار مرور سنة على ذلك الإختلاط كما ألمحنا إلى ذلك في التمهيد.
أمّا مرادنا بـ «المال المحرم»، وقد يُقال له: (السحت)، فهو كلّ مال اكتسِبَ عن طريقٍ حرّمه الإسلام، أو أُخذ من مالكه بغصب أو سرقة. فالأول: مثل المال المأخوذ أجراً على الغناء المحرّم، أو الزنى واللواط ونحوهما من الموبقات الجنسية، أو صنع التماثيل، ونحو ذلك، أو كان ثمناً لشيء محرّم، كثمن الميتة والخمر والخنزير، أو كان من الربا والقمار ونحوهما. والثاني: كلّ ما أخذ من مالكه من دون إذنه ورضاه بالغصب والقهر أو بالسرقة والغيلة، وسوف نتعرّض لتفصيل مصادر الكسب المحرّم وأحكامه في باب المعاملات لاحقاً إن شاء الله تعالى. فإذا تاب فاعل الحرام الذي بيده هذا المال المحرّم فإنَّ من الواجب عليه حتماً أن يتخلّص منه بإرجاعه إلى من أخذه منه وتمكينه منه، أو بالتسامح منه واسترضائه، بلا فرق بين أنواع الحرام التي ذكرناها.
ولكن هذا المال الحرام ـ حين إرجاعه ـ تارة تكون عينه موجودة غير تالفة، وأخرى تكون تالفة ومتحولة إلى مال في الذمة، وهو في كلا الحالتين إمّا أن يكون صاحبه معلوماً أو مجهولاً، وإن كان معلوماً، فهو إمّا أن يكون معلوماً بعينه أو في ضمن عدد محصور، وكذلك المال فإنه تارة يكون معلوم المقدار والنوع، وأخرى يكون مجهولهما، أو أحدهما معلوماً والآخر مجهولاً، فيتحصل من ذلك فروع عديدة لكلّ منها حكمها في مقام العلاج. وجرياً على عادة الفقهاء فإنَّ هذا المبحث من مباحث الخمس قد عقد من أجل معالجة هذا الموضوع، وسوف تتمّ معالجته من قبلنا من خلال العناوين التالية:
الأول ـ المال المعلوم مالكه:
ويتضمّن حالتين:
الحالة الأولى: ما لو كانت عين المال موجودة، ولها فروع متعددة نذكرها كما يلي:
1 ـ أن يكون المالك معروفاً بشخصه، وكذا مقدار المال ونوعه وعينه، فالواجب دفعه إلى صاحبه.
2 ـ نفس الأول، ولكن لـم تتميز عين المال، كأن كان له كتاب اللمعة في الفقه مختلطاً بنسخ من نفس الكتاب مملوكة للغاصب، فهنا إذا أمكن التصالح والتراضي بينهما على واحدة من النسخ فبها، وإلاَّ لجأ إلى القرعة لتعيين واحدة منها، من دون فرق بين ما لو كانت النسخ مختلفة في قيمتها أو متماثلة.
3 ـ أن يَعلمَ المالكَ والمقدارَ ولكنَّه يجهل نوع المال، وذلك كأن يعلم أنَّ لزيد عنده مقدار عشرة كيلوات من الحبوب، ولكنَّه يجهل إن كانت قمحاً أو شعيراً أو غيرهما، وحكمها حكم الصورة الثانية.
4 ـ أن يعلم المالك ونوع المال ويجهل مقداره، فإن أمكن التراضي بينهما بصلح ونحوه فهو، وإلاَّ اكتفى بردّ المقدار المقطوع به مقابل المشكوك، فإن لـم يقبل به رجعا إلى الحاكم الشرعي ليفصل بينهما.
5 ـ أن يكون المالك معلوماً إجمالاً في عدد محصور، كأحد أبناء زيد الثلاثة، فإن كان المقدار معلوماً، وكذا نوعه وعينه، أعلمهم بالحال، فإن ادعاه أحدهم ووافقه الآخران دفعه إليه، وإن ادعاه أكثر من واحد، فإن تراضوا فيما بينهم بصلح ونحوه فبه، وإلاَّ رجعوا إلى الحاكم الشرعي ليفصل بينهم. وأمّا إذا لـم يعرِفه أحد منهم ولا ادعاه ولم يتراضوا فيما بينهم عليه فالأظهر لزوم العمل بالقرعة، والأحوط تصدّي الحاكم الشرعي أو وكيله لإجرائها. وأمّا إذا كان المقدار مجهولاً فإنه يجري فيه ما قد ذكر في الفرع الرابع من التراضي أو دفع الأقل أو الرجوع إلى الحاكم، وإذا كان المجهول هو الجنس أو العيـن فإنـه ـ كذلـك ـ يرجع فيه إلى ما ذكر سابقاً في الفرعين الثالث والثاني.
الحالة الثانية: ما لو كانت عين المال تالفة، بنحو صار ذلك المال الحرام مضموناً على الغاصب ومستقراً في ذمته، فحكم فروعها كما يلي:
1 ـ إن عرف المالك والمقدار والنوع ردّه إليه إن كان نقداً، وإن كان عيناً ردّ مثله إن كان مثلياً، كما في مثل المصنوعات التي تتماثل أفرادها في زماننا، ودفع قيمته إن كان قيمياً، كما في مثل الحيوان والأحجار الكريمة ونحوهما.
2 ـ إذا عَرفَ المالكَ وَجهِلَ المقدار، فإن عرف نوعه جاز له الاقتصار في ردّه على الأقل المقطوع به، وإن جهل نوعه لزمه التصالح معه أو الرجوع إلى الحاكم الشرعي.
3 ـ إذا عرف المالك إجمالاً في عدد محصور، كأحد أبناء زيد الثلاثة، فالأحوط وجوباً استرضاء الجميع، وإلاَّ عيّنه بالقرعة، وفي حالة ما لو علم المقدار أو جهله، وحالة ما لو علم النوع أو جهله، تجري نفس الأحكام الثابتة لفروع ما لو عرف المالك بعينه كما في الفرعين الأول والثاني.
الثاني ـ المال المجهول مالكه:
إذا لـم يَعرِف الغاصبُ مالكَ العين لا بشخصه ولا في ضمن عدد محصور، فإنَّ للعلاج حالات:
الأولى: أن يعرف المقدار والنوع، فإن كانت العين موجودة وعرفها تصدق بها، وإن لـم يعرفها تصدق بمثل مقدارها، وكذا إذا كانت العين تالفة، والأحوط وجوباً أن يكون التصدّق بإذن الحاكم الشرعي.
الثانية: أن يكون المال في الذمة وقد جهل المقدار وجهل المالك، فإننا قد قلنا سابقاً إن علاج الجهل بالمقدار هو الاقتصار على الأقل، أمّا علاج الجهل بالمالك فهو ـ أيضاً ـ بالتصدّق بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط كسابقه.
الثالثة: أن تكون عين المال موجودة خارجاً ولكنَّها اختلطت بمال آخر حلال، ولم يعرف صاحبها ولا مقدارها، وهذه هي الحالة المرادة أساساً من هذا المبحث، وعلاجها يكون بدفع خمس المال الذي اختلطت به.
وها هنا مسائل:
مسألة 1117: قد يتوهم أنَّ المال الحرام إذا كان من الأموال العامة، كالخمس والزكاة ومال الوقف ونحوها، هو من الموارد التي لا يعلم مالكها فتدخل في عنوان (المال المختلط بالحرام) وتعالج بالخمس، وهو توهم باطل، لأنَّ هذه الأموال العامة لما كان المرجع فيها هو الحاكم الشرعي فإنها تكون بحكم ما كان مالكه معلوماً، فلا تحلل بالخمس، بل يجب الرجوع فيها إلى الحاكم الشرعي بأحد الوجوه السابقة، من كونها معلومة المقدار والنوع، أو مجهولتهما، أو مختلفة فيهما بين الجهل والعلم.
مسألة 1118: إذا علم الغاصب قبل أداء الخمس أنَّ المال الحرام المختلط أزيد من الخمس لـم يكفه إخراج الخمس، بل يجب التصدّق عنه بالمقدار الذي يعلم بأنه حرام، ولا يطلب منه دفع شيء عن المبلغ المشكوك فيه. وإذا علم الغاصب ـ كذلك ـ أنَّ المال الحرام أنقص من مقدار الخمس، كفاه الاقتصار في التصدّق على المقدار الذي يعلم أنه حرام مقابل الزائد المشكوك فيه، والأحوط وجوباً أن يكون التصدّق بإذن الحاكم الشرعي في الحالتين.
وإذا علم وجزم بمقدار المال الحرام بعدما كان قد أدّى خمسه، فإن كان أزيد من مقدار الخمس وجب حينئذ التصدق بالزائد أو دفعه إلى الحاكم الشرعي، وإن كان أنقص لـم يجز له استرداد الزائد. ويثبت نفس الحكم لو كان ذلك العلم منه على نحو الإجمال.
مسألة 1119: إذا كان المكلّف يبيع في دكانه الأعيان المحرّمة، كالخمر والخنزير والميتة، مضافاً للأعيان المحللة، ثُمَّ تاب، وكان قد باع تلك الأعيان المحرّمة بغير وجه شرعي، اعتبرت أثمان هذه الأعيان مالاً محرّماً، حتى لو كان قبل ذلك قد دفع ثمنها من مال محلل، وكذلك تعتبر أرباحها مالاً محرّماً، ويجب عليه علاج هذا المال بالنحو الذي ذكر، من إرجاعه إلى صاحبه إن كان معلوماً، والتصدّق به إن كان مجهولاً، وتخميسه إن كان مختلطاً بالحلال ولم يعرف مقداره ولا صاحبه. نعم إذا ردّها إلى التاجر الذي اشتراها منه، فأعاد إليه ماله المحلل الذي كان قد دفعه ثمناً لها لـم يكن عليه شيء، وإن كان مأثوماً في صورة بيع الخمر أورده إلى مصدره، وكذا ردّ الخنزير والميتة أو بيعهما لمن لا يستحلهما، لأنَّ الواجب عليه في مثل هذه الحالة إتلاف الخمر وردّ الخنزير والميتة إلى خصوص المستحل لهما من الكفّار أو بيعهما له.
مسألة 1120: إذا علم المكلّف أنَّ في مجموع المال الحلال المختلط بالحرام مقداراً معيناً منه قد مضى عليه عنده سنة وصار متعلّقاً للخمس، فلا بُدَّ في علاجه من تخميسه مرتين، فلو فرض أنَّ مجموع المال خمسة وسبعون، وأنَّ المال الحلال المتعلّق للخمس مقداره خمسون، وأنَّ مقدار الحرام في المبلغ الباقي مردّد بين أن يكون أقل من خمس المجموع الكلي أو أكثر منه، فالواجب تخميس الخَمسين أولاً، ومقداره عشرة، ثُمَّ يُخمس الباقي وهو الخمس وستون لتحليلها، ومقداره ثلاثة عشر، فيبقى له إثنان وخمسون، وهكذا.
مسألة 1121: إذا تصرّف المكلّف بالمال المختلط بالحرام قبل تخميسه فأتلفه، وجب عليه دفع الخمس، والأحوط استحباباً دفع مقدار الخمس إلى مستحقه بقصد ما في الذمة المردّد بين الخمس والصدقة.
مسألة 1122: إذا عُرف المالك بعد دفع الخمس لـم يضمن الدافع ذلك للمالك، وإن كان لا بأس بالاحتياط بدفع ماله إليه.
فائدة فيها أمور مهمة:
الأول: إنَّ ما سبق ذكره في هذا المبحث يعالج حالة ما لو كان المال حراماً، أمّا حالة ما لو كان مال الغير الموجود عنده فعلاً، أو الذي كان موجوداً عنده فتلف، قد وصل إليه بطريق الحلال، كالعارية ونحوها، فإنَّ حكمها يختلف في بعض تفاصيله عن الحالة السابقة، ومن المعلوم أنه عند معرفة المالك والمقدار يجب ردّ العين إلى مالكها مع وجودها، ويجب ردّ مثلها أو قيمتها عند تلفها، وإذا لـم تكن معلومة من بعض النواحي فإنه يجري عليها حكم ما يشبهها من أحوال مجهولية المال المأخوذ بطريق الحرام.
الثاني: ما يصطلح عليه بـ (ردّ المظالم) هو أمر منتزع من بعض فروع هذا المبحث، و(المظالم) جمع «مَظْلَمة»، وهي الفعل الذي ظُلِمَ به الغير، ويُراد منه هنا خصوص ما يترتب عليه تبعات مالية للغير في ذمة الفاعل، ولكنَّه صار يستخدم ويعمم في بعض الحالات التي تترتب عليها تبعات مالية للغير من دون أن يكون الغير مظلوماً فيها، حيث يحكم على المكلّف في مثل هذه الحالات بـ «ردّ» وإرجاع هذه الأموال، أي «المظالم»، إلى أصحابها إن كانوا موجودين أو إلى وُرَّاثِهم إن كانوا مفقودين.
وخلاصة تكليف الإنسان تجاه ردّ المظالم هي:
إنَّ كلّ مال للغير موجود عند المكلّف بعينه، أو في الذمة في حال تلفت عينه، سواء وصل إليه عن طريق محلل، أو عن طريق محرّم من دون أن يختلط بمال حلال عنده، وكان مضموناً عليه، يجب عليه ردّه وإرجاعه إلى مالكه المجهول بالتصدّق به عنه، ولكن بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط وجوباً، سواء كان مقدار المال معلوماً أو كان مجهولاً.
هذا، ولا بُدَّ من الالتفات إلى أنَّ ردّ المظالم لا يختص بحالة من توفي فعلاً، أو من يوشك على الموت، كما قد يُتَوهَّمُ من اعتياد النّاس على الإيصاء به عند حضور المنية، بل هو واجب ـ في الأصل ـ على المكلّف فور الالتفات إليه والتوبة عنه والقدرة على أدائه عند العلم بوجود هذه المظالم عليه قطعاً، ومستحب من باب الاحتياط لبراءة الذمة عند الشك والاحتمال متى شاء ذلك ورغب فيه.
الثالث: مصطلح (مجهول المالك)، كوصف يوصف به المال، هو ـ أيضاً ـ منتزع من فروع هذا المبحث، وهو في مقابل وصف المال بأنه (معلوم المالك)، ونريد به كلّ حالة لا يكون فيها مالك المال معروفاً ومعلوماً بشخصه وعينه أو في ضمن عدد محصور، بل يكون مجهولاً جهلاً لا يقدر المكلّف معه على الوصول إليه والتخاطب معه.
وذلك من دون فرق في المالك المعلوم بين ما لو كان شخصاً، فرداً واحداً أو جماعة، وبين ما لو كان جهة كالحاكم الشرعي أو لجنة الوقف ونحوهما، ومنها (الدولة) فإنها تملك حتى لو كانت دولة ظالمة أو كافرة، فلا تندرج أموالها فيما كان مالكه مجهولاً خلافاً لبعض الفقهاء.
وهي أمور:
الأول ـ غنائم الحرب:
وهو ما يغنمه المسلمون في الحرب ضدّ الكفّار والمأخوذ بالقوّة، ولا بُدَّ أن تكون الحرب بإذن الإمام في حال الحضور أو بإذن السلطة الشرعية في حال الغيبة. وقد اتفق المسلمون على وجوب الخمس في هذه الغنائم، وهو ما دلت عليه النصوص المعتبرة من الكتاب والسنة.
والظاهر أنَّ هذا المورد لا موضوع له في عصرنا الحاضر، وذلك لأنَّ القيادة الإسلامية في العصور الماضية لـم تكن تتحمّل مصاريف الجيش بل إنَّ المقاتلين كانوا هم الذي يتحمّلون مسؤولية المصاريف اللازمة للقتال، من السلاح والزاد والراحلة، لذلك كان تقسيم الغنائم عليهم باعتبار أنها نتاج جهدهم، أمّا الآن فإنَّ القيادة الإسلامية ـ الدولة ـ هي التي تتحمّل لوازم الحرب وتكاليفها، كما تتحمّل إعطاء الرواتب والمساعدات للمقاتلين، لذلك لا يبعد القول برجوع الغنائم إلى الدولة، وبأنه لا تشملها الأدلة الدالة على تقسيم الغنائم بين المقاتلين، بعدما صار الجنود في الواقع الحاضر بمنزلة الأجراء على العمل.
مسألة 1102: الظاهر أنَّ عنوان الغنيمة الذي كان مصداقاً لترتب الآثار الشرعية هو المال الذي يؤخذ عن طريق الحرب، أمّا ما يقع في يد المسلم من مال الكافر الحربي ـ إذا جاز له أخذه ـ فيدخل في أرباح المكاسب، وقد يُقال بعدم جواز أخذ مال الحربي من قِبَل المسلمين، لأنَّ من المحتمل أن يُرجع في علاقة المسلمين بأموال الحربيين إلى الحاكم الشرعي الذي يملك الولاية العامة، مما يجعل الاحتياط لازماً في عدم جواز أخذه.
الثاني ـ المعدن:
وهو كلّ ما خرج من الأرض مما خلق فيها، ولم يكن جزءاً من حقيقتها، على أن يكون له قيمة وثمن.
ولا فرق في وجوب الخمس في المعادن بين المعادن الظاهرة والباطنة، فيجب الخمس في الذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد والياقوت والزبرجد والفيروزج والعقيق والزئبق والكبريت والنفط والزفت والملح ونحوها.
والظاهر أنَّ المعدن من الأنفال، فلا بُدَّ من استئذان وليّ المسلمين في إخراجه وتملكه، من دون فرق بين الأراضي المفتوحة عنوة وغيرها.
مسألة 1103: لو أخرج شخص المعدن من أرض مملوكة لغيره بغير إذن مالكها، فالمشهور هو أنَّ المعدن ملك لمالك الأرض، لأنَّ ما في الأرض يتبعها، وحكمه حكمه. ولكن الظاهر اختصاص ذلك بالمعدن الظاهر، أو المعدود من توابع الأرض عرفاً، كما إذا كان عمقه في الأرض قليلاً، أمّا إذا كان عميقاً فيها بحيث لا يعدّ من توابعها فلا يتبع ملكية الأرض ليكون لمالكها، ولذلك فلا بُدَّ من التصالح بين المالك والمُخرِج احتياطاً، فإن لـم يتراضيا رجعا إلى الحاكم الشرعي الذي هو وليّ المعدن.
مسألة 1104: يشترط النصاب في وجوب الخمس في المعدن، وهو ما بلغت قيمته عشرين ديناراً، وهو ما يقارب عشر ليرات ذهبية عثمانية. والظاهر أنَّ الذي يجب تخميسه هو مقدار النصاب الصافي لصاحبه بعد إستثناء مؤنة إستخراج المعدن وتكاليف تصفيته، فلو كان الخارج من المعدن خمساً وعشرين، وكانت المؤونة عشرة لـم يجب الخمس، لأنَّ الباقي ـ وهو الخمسة عشر ـ دون النصاب وإن كان المجموع فوقه.
مسألة 1105: إذا أخرج المعدن على دفعات، فإن صدقت وحدة الإخراج عرفاً، بحيث كان العمل شبه مستمر لا يفصل بين أوقاته إلاَّ المقدار المتعارف في العمل الواحد، كفى بلوغ المجموع نصاباً حتى مع تعدّد الدفعات، وأمّا إذا صدق تعدّد الإخراج عرفاً، بأن كان الفاصل الزمني طويلاً، كما إذا أهمله فترة طويلة لمانع خارجي أو غيره، أو كانت طبيعة العمل تقتضي تعدّده بحيث كان الواقع الإقتصادي يفرض ذلك، فلا يجب الخمس فيه إلاَّ إذا بلغ كلّ إخراجٍ نصاباً.
مسألة 1106: إذا اشترك جماعة في الإخراج، فلا بُدَّ ـ في وجوب الخمس ـ من بلوغ حصة كلّ واحدٍ منهم النصاب، فلو لـم تبلغ الحصة الخاصة، لهذا أو ذاك، النصاب لـم يجب الخمس فيها حتى لو بلغ المجموع مقدار النصاب.
مسألة 1107: إذا شك في بلوغ النصاب، فالأحوط ـ لزوماً ـ الاختبار مع الإمكان، أمّا مع عدم الإمكان فلا يجب عليه شيء، وكذا إذا اختبره فلم يتبين له شيء.
الثالث ـ الكنز:
الكنز ـ في الأصل ـ هو المال المنقول المذخور والمخفي في أرض أو كهف أو جدار أو شجر أو نحوها، بنحو جعله ذلك الإستتار الطارىء خارجاً عن قابلية التصرّف الفعلي، وهو في الغالب من النقود والجواهر والمعادن النفيسة كالذهب والفضة، لكنَّه لما صار لمثل الحجر والخرز والفخار ونحوها من الأثريات قيمة كبيرة في هذا الزمان، فإنَّ كلّ ما يستخرج من أثريات قديمة مما له قيمة نفيسة مشمول للكنز ومحكوم بحكمه.
مسألة 1108: يتملك الكنزَ واجدُه إذا لـم يُعلم له مالك مسلم أو كافر محترم المال، بلا فرق بين ما كان في بلاد الحرب أو الإسلام، ولا بين ما عليه أثر الإسلام أو الجاهلية، ولا بين الأرض التي كانت حين الفتح عامرة أو خراباً، ولا بين ما كان زمانه قريب العهد بواجده أو بعيده. فإن عَلِمَ له مالكاً مُحترَماً موجوداً بنفسه أو بوارثه دفعه إليه إن عرفه، وإن لـم يعرفه بعد الفحص عنه جرى عليه حكم مجهول المالك ودفعه للحاكم الشرعي، وإن كان المالك قديماً لا يعرف له وارث جرى عليه حكم الكنز.
مسألة 1109: مهما كان نوع الأرض التي يوجد فيها الكنز فإنه حيث لا يعلم بأنّ له مالكاً محترماً لا يجب عليه الفحص والبحث عن وجود مالك له، وخاصة إذا كان الكنز قديماً لـم تمسه يد من قبل، بلا فرق بين الأرض التي ملكها بالوراثة عن آبائه أو بالإحياء لها بعد أن كانت مواتاً ليس لها مالك قبله، وبين الأرض التي ملكها بالشراء من مالك قبله أو بالهبة أو نحوهما، نعم إذا كانت مملوكة لمالك قبله وعلم أنَّ للكنز الذي وجده مالكاً محترم المال، واحتمل أن يكون للمالك السابق أو لوارثه، وجب عليه أن يسأله ويستعلمه، وكذا لو احتمل أنه للمالك الأسبق أو لوارثه، فإن عرفه دفعه إليه وإلا جرى عليه الحكم المذكور في المسألة السابقة.
مسألة 1110: لا يختلف الحكم بين الأرض التي يجوز له التصرّف فيها بإجارة ونحوها وبين الأرض التي لـم يؤذن له بالتصرّف فيها، وإن كان آثماً بالتصرّف فيها، وفي كلّ حال فإنَّ الأحوط استحباباً التصالح مع صاحب الأرض التي وجد فيها الكنز حتى لو كان مأذوناً بالتصرّف فيها، أو الرجوع إلى الحاكم الشرعي إذا لـم يتراضيا بينهما.
مسألة 1111: يجب إخراج الخمس إذا بلغ مقدار الكنز ـ في حدّه الأدنى ـ نصاب الزكاة الأول في الذهب أو الفضة، وهو عشرون ديناراً ذهباً، أو مائتا درهم فضة، أو ما يساوي في قيمته ذلك إن كان الكنز من غير النقدين الذهب أو الفضة.
كذلك يشترط في الحصة التي تبلغ النصاب ما سبق اشتراطه في المعدن، وهو أن يستخرج مقدار النصاب دفعة واحدة عرفية ولو على مراحل متقاربة، فإن تباعدت الدفعات على مدى عدّة أيام أو شهور، بحيث لـم يصدق الإخراج دفعة واحدة فإنه لا يجب الخمس إلاَّ في كلّ دفعة تبلغ النصاب.
كذلك فإنَّ له أن يستثني تكاليف الحفر ونحوه مما بذله للكشف عن الكنز وإخراجه، فإن كان الباقي بعد الإستثناء نصاباً خمَّسه وإلاَّ لـم يجب فيه الخمس.
مسألة 1112: إذا اشترك جماعة في إخراج الكنز فلا يكفي لوجوب الخمس بلوغ المجموع نصاباً، بل لا بُدَّ من بلوغ حصة كلّ واحد نصاباً ليجب عليه الخمس، وهذا هو نفس الحكم الذي ذكر في المعدن، وكذلك يشترك مع المعدن في لزوم الاحتياط بالفحص عن بلوغه النصاب مع الإمكان.
مسألة 1113: ينبغي للمسلم عدم مخالفة الأنظمة المرعية في القضايا العامة للبلدان التي يعيش فيها، ومنها تلك التي تحمي التراث الوطني وتحفظ الآثار، فإن خالفها فوجد كنزاً جاز له أخذه.
الرابع ـ ما يخرج بالغوص:
وهو ما يخرج من داخل البحر عن طريق غوص الإنسان، أو عن طريق آلة خاصة به، كالجواهر واللؤلؤ والمرجان وما إليها من المعادن والنباتات التي لها قيمة دون الأسماك والحيوانات، أمّا ما يلتقط من وجه الماء فلا يترتب عليه حكم الغوص بل يلحق بأرباح المكاسب.
والظاهر أنَّ الأنهار العظيمة حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص.
مسألة 1114: الظاهر اعتبار النصاب في المستخرج بالغوص، ومقداره دينار، وهو يساوي نصف ليرة عثمانية ذهبية تقريباً، ولا بُدَّ من بلوغ هذا المقدار في حصة كلّ شخص إذا اشترك جماعة في إخراجه. ولا فرق في ذلك بين اتحاد النوع وعدمه.
مسألة 1115: إذا غرق شيء في البحر كالسفينة وما إليها، وأعرض عنه مالكه بحسب القرائن المحيطة بالموضوع، كما إذا لـم يكن بصدد البحث عنه بواسطة الوسائل الموجودة، أو كان مما لا يمكن إخراجه عادة، فهو لمن أخرجه، ولا يلحقه حكم الغوص على الأقوى وإن كان مثل اللؤلؤ والمرجان، ويلحقه حكم أرباح المكاسب. وكذا ما قذفه البحر، فهو لمن حازه ووضع يده عليه.
مسألة 1116: العنبر إن أُخرج بالغوص جرى عليه حكمه ووجب فيه الخمس، وإن أخذ عن وجه الماء أو الساحل لـم يجب فيه الخمس بعنوان الغوص، وكان من أرباح المكاسب.
الخامس ـ المال الحلال المختلط بالحرام:
والمراد به اختلاط المال المكتسب من طرق محللة بمال آخر اُكتُسِبَ من طرق محرّمة، ولم يمكن تمييز الحرام من الحلال، لا بعينه وشخصه، ولا بمقداره ولا بجنسه، ولا بصاحبه ومستحقه، فصار المكلّف جاهلاً ومتحيراً في التخلّص من الحرام وتبرئة ذمته منه، فأوجبت الشريعة على المكلّف دفع خمس هذا المال المختلط بالحرام كطريقة للتخلّص من الحرام وجَعْلِ الباقي حلالاً، وذلك فور توبة الإنسان وعودته إلى الله تعالى وندمه على ذنبه من دون انتظار مرور سنة على ذلك الإختلاط كما ألمحنا إلى ذلك في التمهيد.
أمّا مرادنا بـ «المال المحرم»، وقد يُقال له: (السحت)، فهو كلّ مال اكتسِبَ عن طريقٍ حرّمه الإسلام، أو أُخذ من مالكه بغصب أو سرقة. فالأول: مثل المال المأخوذ أجراً على الغناء المحرّم، أو الزنى واللواط ونحوهما من الموبقات الجنسية، أو صنع التماثيل، ونحو ذلك، أو كان ثمناً لشيء محرّم، كثمن الميتة والخمر والخنزير، أو كان من الربا والقمار ونحوهما. والثاني: كلّ ما أخذ من مالكه من دون إذنه ورضاه بالغصب والقهر أو بالسرقة والغيلة، وسوف نتعرّض لتفصيل مصادر الكسب المحرّم وأحكامه في باب المعاملات لاحقاً إن شاء الله تعالى. فإذا تاب فاعل الحرام الذي بيده هذا المال المحرّم فإنَّ من الواجب عليه حتماً أن يتخلّص منه بإرجاعه إلى من أخذه منه وتمكينه منه، أو بالتسامح منه واسترضائه، بلا فرق بين أنواع الحرام التي ذكرناها.
ولكن هذا المال الحرام ـ حين إرجاعه ـ تارة تكون عينه موجودة غير تالفة، وأخرى تكون تالفة ومتحولة إلى مال في الذمة، وهو في كلا الحالتين إمّا أن يكون صاحبه معلوماً أو مجهولاً، وإن كان معلوماً، فهو إمّا أن يكون معلوماً بعينه أو في ضمن عدد محصور، وكذلك المال فإنه تارة يكون معلوم المقدار والنوع، وأخرى يكون مجهولهما، أو أحدهما معلوماً والآخر مجهولاً، فيتحصل من ذلك فروع عديدة لكلّ منها حكمها في مقام العلاج. وجرياً على عادة الفقهاء فإنَّ هذا المبحث من مباحث الخمس قد عقد من أجل معالجة هذا الموضوع، وسوف تتمّ معالجته من قبلنا من خلال العناوين التالية:
الأول ـ المال المعلوم مالكه:
ويتضمّن حالتين:
الحالة الأولى: ما لو كانت عين المال موجودة، ولها فروع متعددة نذكرها كما يلي:
1 ـ أن يكون المالك معروفاً بشخصه، وكذا مقدار المال ونوعه وعينه، فالواجب دفعه إلى صاحبه.
2 ـ نفس الأول، ولكن لـم تتميز عين المال، كأن كان له كتاب اللمعة في الفقه مختلطاً بنسخ من نفس الكتاب مملوكة للغاصب، فهنا إذا أمكن التصالح والتراضي بينهما على واحدة من النسخ فبها، وإلاَّ لجأ إلى القرعة لتعيين واحدة منها، من دون فرق بين ما لو كانت النسخ مختلفة في قيمتها أو متماثلة.
3 ـ أن يَعلمَ المالكَ والمقدارَ ولكنَّه يجهل نوع المال، وذلك كأن يعلم أنَّ لزيد عنده مقدار عشرة كيلوات من الحبوب، ولكنَّه يجهل إن كانت قمحاً أو شعيراً أو غيرهما، وحكمها حكم الصورة الثانية.
4 ـ أن يعلم المالك ونوع المال ويجهل مقداره، فإن أمكن التراضي بينهما بصلح ونحوه فهو، وإلاَّ اكتفى بردّ المقدار المقطوع به مقابل المشكوك، فإن لـم يقبل به رجعا إلى الحاكم الشرعي ليفصل بينهما.
5 ـ أن يكون المالك معلوماً إجمالاً في عدد محصور، كأحد أبناء زيد الثلاثة، فإن كان المقدار معلوماً، وكذا نوعه وعينه، أعلمهم بالحال، فإن ادعاه أحدهم ووافقه الآخران دفعه إليه، وإن ادعاه أكثر من واحد، فإن تراضوا فيما بينهم بصلح ونحوه فبه، وإلاَّ رجعوا إلى الحاكم الشرعي ليفصل بينهم. وأمّا إذا لـم يعرِفه أحد منهم ولا ادعاه ولم يتراضوا فيما بينهم عليه فالأظهر لزوم العمل بالقرعة، والأحوط تصدّي الحاكم الشرعي أو وكيله لإجرائها. وأمّا إذا كان المقدار مجهولاً فإنه يجري فيه ما قد ذكر في الفرع الرابع من التراضي أو دفع الأقل أو الرجوع إلى الحاكم، وإذا كان المجهول هو الجنس أو العيـن فإنـه ـ كذلـك ـ يرجع فيه إلى ما ذكر سابقاً في الفرعين الثالث والثاني.
الحالة الثانية: ما لو كانت عين المال تالفة، بنحو صار ذلك المال الحرام مضموناً على الغاصب ومستقراً في ذمته، فحكم فروعها كما يلي:
1 ـ إن عرف المالك والمقدار والنوع ردّه إليه إن كان نقداً، وإن كان عيناً ردّ مثله إن كان مثلياً، كما في مثل المصنوعات التي تتماثل أفرادها في زماننا، ودفع قيمته إن كان قيمياً، كما في مثل الحيوان والأحجار الكريمة ونحوهما.
2 ـ إذا عَرفَ المالكَ وَجهِلَ المقدار، فإن عرف نوعه جاز له الاقتصار في ردّه على الأقل المقطوع به، وإن جهل نوعه لزمه التصالح معه أو الرجوع إلى الحاكم الشرعي.
3 ـ إذا عرف المالك إجمالاً في عدد محصور، كأحد أبناء زيد الثلاثة، فالأحوط وجوباً استرضاء الجميع، وإلاَّ عيّنه بالقرعة، وفي حالة ما لو علم المقدار أو جهله، وحالة ما لو علم النوع أو جهله، تجري نفس الأحكام الثابتة لفروع ما لو عرف المالك بعينه كما في الفرعين الأول والثاني.
الثاني ـ المال المجهول مالكه:
إذا لـم يَعرِف الغاصبُ مالكَ العين لا بشخصه ولا في ضمن عدد محصور، فإنَّ للعلاج حالات:
الأولى: أن يعرف المقدار والنوع، فإن كانت العين موجودة وعرفها تصدق بها، وإن لـم يعرفها تصدق بمثل مقدارها، وكذا إذا كانت العين تالفة، والأحوط وجوباً أن يكون التصدّق بإذن الحاكم الشرعي.
الثانية: أن يكون المال في الذمة وقد جهل المقدار وجهل المالك، فإننا قد قلنا سابقاً إن علاج الجهل بالمقدار هو الاقتصار على الأقل، أمّا علاج الجهل بالمالك فهو ـ أيضاً ـ بالتصدّق بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط كسابقه.
الثالثة: أن تكون عين المال موجودة خارجاً ولكنَّها اختلطت بمال آخر حلال، ولم يعرف صاحبها ولا مقدارها، وهذه هي الحالة المرادة أساساً من هذا المبحث، وعلاجها يكون بدفع خمس المال الذي اختلطت به.
وها هنا مسائل:
مسألة 1117: قد يتوهم أنَّ المال الحرام إذا كان من الأموال العامة، كالخمس والزكاة ومال الوقف ونحوها، هو من الموارد التي لا يعلم مالكها فتدخل في عنوان (المال المختلط بالحرام) وتعالج بالخمس، وهو توهم باطل، لأنَّ هذه الأموال العامة لما كان المرجع فيها هو الحاكم الشرعي فإنها تكون بحكم ما كان مالكه معلوماً، فلا تحلل بالخمس، بل يجب الرجوع فيها إلى الحاكم الشرعي بأحد الوجوه السابقة، من كونها معلومة المقدار والنوع، أو مجهولتهما، أو مختلفة فيهما بين الجهل والعلم.
مسألة 1118: إذا علم الغاصب قبل أداء الخمس أنَّ المال الحرام المختلط أزيد من الخمس لـم يكفه إخراج الخمس، بل يجب التصدّق عنه بالمقدار الذي يعلم بأنه حرام، ولا يطلب منه دفع شيء عن المبلغ المشكوك فيه. وإذا علم الغاصب ـ كذلك ـ أنَّ المال الحرام أنقص من مقدار الخمس، كفاه الاقتصار في التصدّق على المقدار الذي يعلم أنه حرام مقابل الزائد المشكوك فيه، والأحوط وجوباً أن يكون التصدّق بإذن الحاكم الشرعي في الحالتين.
وإذا علم وجزم بمقدار المال الحرام بعدما كان قد أدّى خمسه، فإن كان أزيد من مقدار الخمس وجب حينئذ التصدق بالزائد أو دفعه إلى الحاكم الشرعي، وإن كان أنقص لـم يجز له استرداد الزائد. ويثبت نفس الحكم لو كان ذلك العلم منه على نحو الإجمال.
مسألة 1119: إذا كان المكلّف يبيع في دكانه الأعيان المحرّمة، كالخمر والخنزير والميتة، مضافاً للأعيان المحللة، ثُمَّ تاب، وكان قد باع تلك الأعيان المحرّمة بغير وجه شرعي، اعتبرت أثمان هذه الأعيان مالاً محرّماً، حتى لو كان قبل ذلك قد دفع ثمنها من مال محلل، وكذلك تعتبر أرباحها مالاً محرّماً، ويجب عليه علاج هذا المال بالنحو الذي ذكر، من إرجاعه إلى صاحبه إن كان معلوماً، والتصدّق به إن كان مجهولاً، وتخميسه إن كان مختلطاً بالحلال ولم يعرف مقداره ولا صاحبه. نعم إذا ردّها إلى التاجر الذي اشتراها منه، فأعاد إليه ماله المحلل الذي كان قد دفعه ثمناً لها لـم يكن عليه شيء، وإن كان مأثوماً في صورة بيع الخمر أورده إلى مصدره، وكذا ردّ الخنزير والميتة أو بيعهما لمن لا يستحلهما، لأنَّ الواجب عليه في مثل هذه الحالة إتلاف الخمر وردّ الخنزير والميتة إلى خصوص المستحل لهما من الكفّار أو بيعهما له.
مسألة 1120: إذا علم المكلّف أنَّ في مجموع المال الحلال المختلط بالحرام مقداراً معيناً منه قد مضى عليه عنده سنة وصار متعلّقاً للخمس، فلا بُدَّ في علاجه من تخميسه مرتين، فلو فرض أنَّ مجموع المال خمسة وسبعون، وأنَّ المال الحلال المتعلّق للخمس مقداره خمسون، وأنَّ مقدار الحرام في المبلغ الباقي مردّد بين أن يكون أقل من خمس المجموع الكلي أو أكثر منه، فالواجب تخميس الخَمسين أولاً، ومقداره عشرة، ثُمَّ يُخمس الباقي وهو الخمس وستون لتحليلها، ومقداره ثلاثة عشر، فيبقى له إثنان وخمسون، وهكذا.
مسألة 1121: إذا تصرّف المكلّف بالمال المختلط بالحرام قبل تخميسه فأتلفه، وجب عليه دفع الخمس، والأحوط استحباباً دفع مقدار الخمس إلى مستحقه بقصد ما في الذمة المردّد بين الخمس والصدقة.
مسألة 1122: إذا عُرف المالك بعد دفع الخمس لـم يضمن الدافع ذلك للمالك، وإن كان لا بأس بالاحتياط بدفع ماله إليه.
فائدة فيها أمور مهمة:
الأول: إنَّ ما سبق ذكره في هذا المبحث يعالج حالة ما لو كان المال حراماً، أمّا حالة ما لو كان مال الغير الموجود عنده فعلاً، أو الذي كان موجوداً عنده فتلف، قد وصل إليه بطريق الحلال، كالعارية ونحوها، فإنَّ حكمها يختلف في بعض تفاصيله عن الحالة السابقة، ومن المعلوم أنه عند معرفة المالك والمقدار يجب ردّ العين إلى مالكها مع وجودها، ويجب ردّ مثلها أو قيمتها عند تلفها، وإذا لـم تكن معلومة من بعض النواحي فإنه يجري عليها حكم ما يشبهها من أحوال مجهولية المال المأخوذ بطريق الحرام.
الثاني: ما يصطلح عليه بـ (ردّ المظالم) هو أمر منتزع من بعض فروع هذا المبحث، و(المظالم) جمع «مَظْلَمة»، وهي الفعل الذي ظُلِمَ به الغير، ويُراد منه هنا خصوص ما يترتب عليه تبعات مالية للغير في ذمة الفاعل، ولكنَّه صار يستخدم ويعمم في بعض الحالات التي تترتب عليها تبعات مالية للغير من دون أن يكون الغير مظلوماً فيها، حيث يحكم على المكلّف في مثل هذه الحالات بـ «ردّ» وإرجاع هذه الأموال، أي «المظالم»، إلى أصحابها إن كانوا موجودين أو إلى وُرَّاثِهم إن كانوا مفقودين.
وخلاصة تكليف الإنسان تجاه ردّ المظالم هي:
إنَّ كلّ مال للغير موجود عند المكلّف بعينه، أو في الذمة في حال تلفت عينه، سواء وصل إليه عن طريق محلل، أو عن طريق محرّم من دون أن يختلط بمال حلال عنده، وكان مضموناً عليه، يجب عليه ردّه وإرجاعه إلى مالكه المجهول بالتصدّق به عنه، ولكن بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط وجوباً، سواء كان مقدار المال معلوماً أو كان مجهولاً.
هذا، ولا بُدَّ من الالتفات إلى أنَّ ردّ المظالم لا يختص بحالة من توفي فعلاً، أو من يوشك على الموت، كما قد يُتَوهَّمُ من اعتياد النّاس على الإيصاء به عند حضور المنية، بل هو واجب ـ في الأصل ـ على المكلّف فور الالتفات إليه والتوبة عنه والقدرة على أدائه عند العلم بوجود هذه المظالم عليه قطعاً، ومستحب من باب الاحتياط لبراءة الذمة عند الشك والاحتمال متى شاء ذلك ورغب فيه.
الثالث: مصطلح (مجهول المالك)، كوصف يوصف به المال، هو ـ أيضاً ـ منتزع من فروع هذا المبحث، وهو في مقابل وصف المال بأنه (معلوم المالك)، ونريد به كلّ حالة لا يكون فيها مالك المال معروفاً ومعلوماً بشخصه وعينه أو في ضمن عدد محصور، بل يكون مجهولاً جهلاً لا يقدر المكلّف معه على الوصول إليه والتخاطب معه.
وذلك من دون فرق في المالك المعلوم بين ما لو كان شخصاً، فرداً واحداً أو جماعة، وبين ما لو كان جهة كالحاكم الشرعي أو لجنة الوقف ونحوهما، ومنها (الدولة) فإنها تملك حتى لو كانت دولة ظالمة أو كافرة، فلا تندرج أموالها فيما كان مالكه مجهولاً خلافاً لبعض الفقهاء.