المبحث الرابع ـ في أحكام الأمر والنهي

وهو يتضمّن جملة من المسائل نذكرها كما يلي:
مسألة 1192: لا يجب الترتيب بين الإنكار بالقلب وبين الإنكار باللسان بل يختار الآمر أو الناهي ما يحتمل التأثير منهما. أمّا الإنكار باليد فقد أشرنا آنفاً إلى أنه لا يجوز اللجوء إليه إلاَّ بعد استنفاد جميع الوسائل الأخرى أو العلم بعدم تأثيرها ولو لـم يستخدمها، والمعيار في جميع هذه المراتب هو حث العاصي على التوبة والطاعة بأقل قدر من الإهانة والإيذاء، لأنَّ الأصل هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن تحقّق الهدف بألطف سبيل كان متعيناً.
مسألة 1193: لا يترتب على السلطة في الحكم أو على علاقة الأبوة أو الزواج حقّ استثنائي للحاكم والأب والزوج في الأمر والنهي على الطرف الآخر، بل هم محكومون في الأمر والنهي مع من يتعلّق بهم بنفس الأحكام العامة للأمر والنهي من دون خصوصية لهم فيها، عدا حالات نادرة لا تدخل تحت عنوان الأمر والنهي وإن أفادت فائدته، ولمزيد من التوضيح نذكر بعض الأمثلة:
1 ـ إنَّ ما يصدر من الحاكم الشرعي تحت عنوان «التعزير» لا يدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هو داخل في باب العقوبات التي يجريها الحاكم بغرض أعم من ردع فاعل المعصية وتأديبه، وذلك بما يتعداه إلى تأديب المجتمع وإحلال هيبة السلطة فيه.
2 ـ حقّ الوالد في تأديب ولده هو ـ أيضاً ـ خارج عمّا نحن فيه، والملحوظ فيه حالة ما قبل البلوغ التي لا يكون الولد فيها مكلّفاً أصلاً، وحيث يضطر الوالد إلى ضربه تأديباً فإنَّ له حدوداً أخرى غير ما هو للضرب في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لذا فإنَّ الواجب على الوالد ـ بعد بلوغ أولاده ـ التزام أحكام الأمر والنهي في علاقته معهم، مثله في ذلك مثل أمره أو نهيه لغير أولاده من سائر النّاس.
3 ـ الواجب على الزوج اتجاه زوجته أن يأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر كما يأمر غيرها من النّاس، وإن كان بإمكانه استخدام بعض الوسائل الذكية الضاغطة بحرية أكبر، وما ذكرته الآية الكريمة من جواز ضربها عند نشوزها لا يخرج عن الجوّ العام لأحكام الأمر والنهي، لذا فإنه لا يجوز ضربها إلاَّ بعد الموعظة والهجر، كما أنَّ للنشوز بعض تفاصيل قد تميّزه عن مراتب الأمر والنهي، فهو حالة خاصة أَوْكَلَ الإسلام أمر علاجها للزوج ضمن إطارها الخاص، وفيما عدا ذلك فإنَّ علاقته بها يجب أن تتمّ ضمن الإطار العام لنظام العلاقات في الإسلام.
4 ـ ليس للأخ سلطة خاصة على أخته، ولا يجوز له في علاقته بها أن يتجاوز الحدود المرسومة لعلاقة عامة النّاس ببعضهم البعض، وما هو شائع في مجتمعنا من الممارسات الظالمة بحقّ الفتاة من قبل أخيها أمر لا يقره الإسلام ولا يعترف به، ولو كان تحت عناوين مثل التأديب والتربية والمحافظة على الشرف ونحو ذلك.
5 ـ فـي علاقة الأرحام ببعضهم البعض قد يستحل الأب أو الأخ أو الزوج شتم ولده أو أخته أو زوجته بهدف تربيته أو أمره بالمعروف، وهو أمر غير جائز ـ بالأصل ـ لا في حقّ القريب ولا في حقّ الغريب، نعم إذا كان الإغلاظ في القول بهذا الحدّ مؤثراً في الإرتداع جاز استخدامه إذا كانت المعصية المنهي عنها أهم وأعظم مفسدة.
6 ـ إذا توقف أمر الوالدين بالمعروف من قبل الولد على الإغلاظ في القول أو الضرب أو الحبس أو نحو ذلك جاز أو وجب القيام به، لأنَّ ذلك من مصاديق البرّ بهما، ولكن لا بُدَّ من التدقيـق في دراسـة الوسائـل ـ من الناحية الواقعية ـ في ضرورتها أو جدواها وعدم التسرّع في ذلك، فلا يقدم على التصرفات السلبية قبل اقتناعه بها بطريقة شرعية حتى لا يختلط عليه مورد البِر بمورد العقوق.
مسألة 1194: قد يوجب النهي عن المنكر ارتكاب الناهي لبعض المحرّمات، مثل الدخول إلى بيت بدون إذن، أو النظر أو اللمس لما يحرم من المرأة الأجنبية، أو الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، ونحو ذلك، وحينئذ فإنه لا بُدَّ في مثل هذه الأمور من دراسة أهمية المنكر في نتائجه السلبية على الفرد أو المجتمع، من هذا المحرّم أو ذاك، فإذا كان أكثر أهمية وخطورة من الحرام جاز ذلك وإلاَّ فلا يجوز، انطلاقاً من قاعدة التزاحم التي ترتكز على تقديم الأهم والأكثر مصلحة على المهمّ إذا توقف امتثال الأهم على ترك المهمّ، على ما مرّت الإشارة إليه في مسائل سابقة.
مسألة 1195: إذا توقف التأثير في الأمر والنهي على اجتماع أكثر من واحد، سواء في إطار منظم، كالجمعية أو النادي أو الحزب، أو من دون تنظيم وتكتل، وجب عليهم ذلك مع إمكانه، ولم يسقط التكليف عنهم إلاَّ به، ولذا فإنه لا يحرمُ، بل قد يجب، تشكيل الأحزاب والمنظمات الإسلامية من أجل الدعوة إلى الله تعالى والعمل لتوجيه النّاس إلى طاعته، وإلى الالتزام بالإسلام فكراً وعاطفة ومنهجاً للحياة، ومواجهة المنكر في العقيدة والخطّ والواقع، وإقامة الحقّ وإزهاق الباطل، مع ملاحظة الحدود الشرعية في الحركة والأسلوب والتخطيط والمواجهة في المسألة السياسية والأمنية والاجتماعية والعسكرية، ومن دون تعصب أو انغلاق أو تمزيق للواقع الإسلامي أو تكفير أو تفسيق لمن كان بعيداً عن الحزب أو المنظمة، ليكون هذا النهج وسيلة من وسائل تقوية الإسلام في الواقع، ولا فرق في ذلك بين العالم الديني وغيره.
مسألة 1196: إذا توقف الأمر والنهي، وخاصة المهم من المعروف، كإصلاح ذات البين ونحوه على بذل المال من قبل الآمر أو الناهي لـم يجب عليه صرف المال في هذا السبيل إلاَّ إذا كان المنكر يمثّل خطورة كبرى، كما إذا كان النزاع الواقع بين النّاس يؤدي إلى إتلاف الأنفس والأموال والفتنة، ولم يوجد من الحقوق الشرعية من الخمس والزكاة ما يمكن بذله في ذلك، فإنه يجب على النّاس وجوباً كفائياً بذل ما يتحقّق به زوال المنكر وإقامة المعروف من الأموال، أمّا مع وجود الحقوق الشرعية، كالزكاة وسهم الإمام (ع) فإن صرفها في مثل ذلك من أفضل المصارف.
مسألة 1197: لا يجوز للمسلمين وضع أولادهم في المدارس غير الإسلامية إذا خيف عليهم من الضلال ولو في المستقبل، وإلاَّ جاز وضعهم فيها، ولكنَّنا لا نشجع ذلك مع وجود مدارس إسلامية في المستوى التربوي النموذجي، ولو فرض عدم وجود مدارس إسلامية، وخيف على أولاد المسلمين من الضلال في المدارس غير الإسلامية كما هو الغالب، مما يجعله من المنكرات الاجتماعية التربوية، فإنه يجب على المسلمين بالوجوب الكفائي السعي لإيجاد تلك المدارس بالمقدار الذي يحقّق الكفاية.
مسألة 1198: إذا توقف ردع فاعل المنكر على الاستعانة بالظالم جازت الاستعانة به حتى مع العلم بأنَّ الظالم سوف يتعدى ويتجاوز الحدّ الشرعي المقبول في ردعه، إلاَّ أن يكون الضرر الذي سوف يلحق فاعل المنكر أعظم مفسدة من المنكر الذي يفعله، فيدخل حينئذ في باب التزاحم وضرورة الموازنة بين الأهم والمهم.
مسألة 1199: البدعة هي نسبة حكم أو معتقد إلى الإسلام مع عدم وجود نص يدل عليه ولا قاعدة شرعية تشمله، ولا حكم عقلي يلزم به، وهي من المنكرات التي قد تمثّل خطورة كبرى في المجتمع الإسلامي، لأنها قد تترك تأثيراتها على التصوّر العقيدي أو الواقع العملي فتؤدي إلى انحراف المسلمين عن الإسلام في العقيدة والعمل، ولذلك لا بُدَّ من مواجهتها بكلّ الوسائل العملية الحكيمة الكفيلة بإزالتها أو إضعافها، وربما يجب القيام بذلك حتى لو لـم يكن هنـاك أمـل في التأثير، لأنَّ المطلوب هو إبعاد التصوّر العام للمسلمين ـ حتى المنحرفين منهم ـ عن اعتبارها عنواناً إسلاميّاً شرعيّاً.
خاتمة:
لما صار فعل المنكر وترك المعروف ظاهرة كبيرة متمثّلة في دول وهيئات وجمعيات ومؤسسات، مضافاً لتمثّلها في أفراد عاديين أو ذوي شأن، فإنَّ المواجهة القوية المؤثرة لهذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة واسعة وخطّة شاملة تتصل بالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ونحوه، أمّا العاملون في حقل التوجيه الديني فإنَّ عليهم ـ بقدر موقعهم وطاقتهم ـ أن يبذلوا كلّ جهدهم في الوعظ والإرشاد والتوعية ومواجهة الواقع الفاسد بحكمة وعمق وروية وشمولية، وأن يحرّكوا جهودهم مع العاملين في سبيل تحويل الخطّة إلى واقع في هذا الموقع أو ذاك، لأنَّ المرحلة هي مرحلة الطوارىء التي ينبغي لهم أن يحرّكوا فيها كلّ طاقتهم في هذا الهمِّ الرسالي الكبير.
ثُمَّ إنه قد ذكر بعض الأكابر قدس سره.
إنَّ من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعلاها وأتقنها وأشدّها، خصوصاً بالنسبة إلى رؤساء الدِّين أن يلبس الآمر أو الناهي رداء المعروف واجبه ومندوبه، وينزع رداء المنكر محرمه ومكروهه، ويستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة، وينزهها عن الأخلاق الذميمة، فإنَّ ذلك منه سبب تام لفعل النّاس المعروف، ونزعهم المنكر، خصوصاً إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المرغبة والمرهبة، فإن لكلّ مقام مقالاً، ولكلّ داء دواء، وطب النفوس والعقول أشدّ من طب الأبدان بمراتب كثيرة، وحينئذٍ يكون قد جاء بأعلى أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهنا يستحسن ذكر جملة من الأمور الداخلة في المعروف تذكيراً بها وترغيباً فيها، وذكر أمور من المنكر تزهيداً فيها وتنفيراً عنها، وذلك في مطلبين:
المطلب الأول ـ في ذكر أمور هي من المعروف:
منها: الاعتصام بالله تعالى، قال الله تعالى: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، وروي عن أبي عبدالله (ع) أنه قال: «أوحى الله عزَّ وجلّ إلى داوود: ما اعتصمَ بي عبدٌ من عبادي دونَ أحدٍ من خلقي عَرفْتُ ذلك منْ نِيتهِ، ثُمَّ تَكيدُه السَّماواتُ والأرضُ ومنْ فيهن إلاَّ جَعلتُ له المَخرَجَ مِنْ بينهنَّ».
ومنها: التوكّل على الله سبحانـه، الرؤوف الرحيـم بخلقـه العالم بمصالحهم والقـادر على قضـاء حوائجهـم. وإذا لـم يتوكـل عليه تعالى فعلى من يتوكـل، أعلى نفسه، أم على غيـره مع عجـزه وجهلـه؟ قال الله تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، وروي عن أبي عبدالله (ع)، أنه قال: «الغِنَى والعِزُّ يَجُولان، فإذا ظَفِرا بِموضعٍ منَ التوكّلِ أَوْطَنا».
ومنها: حسن الظنّ بالله تعالى، فعن أمير المؤمنين (ع) فيما قال: «والذي لا إله إلاَّ هو لا يَحسُن ظنُّ عبدٍ مؤمنٍ بالله إلاَّ كانَ الله عند ظنِّ عبدِه المؤمن، لأنَّ الله كريمٌ بيده الخيرُ يَستحي أن يكونَ عبدُه المؤمنُ قد أحسنَ به الظَّنَّ ثُمَّ يُخلِفُ ظنَّهُ ورجاءَه، فأَحسِنوا بالله الظنَّ وارغبُوا إليه».
ومنها: الصبر عند البلاء، والصبر عن محارم الله، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وروي عن رسول الله (ص) في حديث أنه قال: «فاصبرْ فإنَّ في الصبرِ على ما تكره خيراً كثيراً، واعلم أنَّ النصرَ مع الصبر، وأنَّ الفرجَ مع الكـربِ، فإنَّ مـع العُسرِ يُسراً، إنَّ مع العُسرِ يُسراً»، وعن أمير المؤمنين y، أنـه قـال: «لا يُعدمُ الصبرُ الظَفَرَ وإن طالَ بهِ الزمانُ»، وعنه (ع) أيضاً: «الصبرُ صبران: صبرٌ عند المصيبة حسنٌ جميلٌ، وأحسنُ من ذلك الصبرُ عند ما حرَّمَ الله تعالى عليكَ».
ومنها: العفة، فعن أبي جعفر (ع): «ما عبادة أفضلُ عند الله من عفةِ بطنٍ وفرجٍ»، وعن أبي عبدالله (ع): «إنما شيعةُ جعفر منْ عفَّ بطنَه وفرَجه، واشتَدَّ جِهادُه، وعَمِل لخالِقه، ورجا ثَوابَه، وخافَ عِقابَه، فإذا رأيْتَ أولئكَ فأولئك شيعةُ جعفر (ع)».
ومنها: الحلم، روي عن رسول الله w أنه قال: «ما أعزَّ الله بجهلٍ قط، ولا أذلَّ بحلم قط»، وعن أمير المؤمنين y أنه قال: «أول عوض الحليم من حلمه أنَّ النّاس أنصاره على الجاهل»، وعن الرضا (ع) أنه قال: «لا يكون الرّجل عابداً حتى يكون حليماً».
ومنها: التواضع، روي عن رسول الله w أنه قال: «من تواضع لله رفعهُ الله ومن تكبّر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله ومن بذّر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبّه الله تعالى».
ومنها: إنصاف النّاس، ولو من النفس، رُوي عن رسول الله (ص) أنه قال: «سيِّدُ الأعمال إنصاف النّاس من نفسك، ومواساة الأخ في الله تعالى على كلّ حال».
ومنها: اشتغال الإنسان بعيبه عن عيوب النّاس، فعن رسول الله (ص)أنه قال: «طوبى لمن شغله خوف الله عزَّ وجلّ عن خوف النّاس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين»، وعنه (ص): «إنَّ أسرع الخير ثواباً البر، وإنَّ أسرع الشر عقاباً البغي، وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من النّاس ما يعمى عنه من نفسه، وأن يعيّر النّاس بما لا يستطيع تركه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه».
ومنها: إصلاح النفس عند ميلها إلى الشر، روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: «من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته، ومن عمل لدينه كفاه الله دنياه، ومن أحسن فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين النّاس».
ومنها: الزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها، روي عن أبي عبدالله (ع) أنه قال: «من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه، وانطلق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها، وأخرجه منها سالماً إلى دار السَّلام»، وروي أنَّ رجلاً قال لأبي عبدالله (ع): «إني لا ألقاك إلاَّ في السنين فأوصني بشيءٍ حتى آخذ به؟ فقال (ع): أوصيك بتقوى الله، والورع والاجتهاد، وإياك أن تطمع إلى من فوقك، وكفى بما قال الله عزَّ وجلّ لرسول الله (ص): {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وقال تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ}، فإن خفت ذلك فاذكر عيش رسول الله (ص)، فإنما كان قوته من الشعير، وحلواه من التمر ووقوده من السعف إذا وجده، وإذا أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول الله (ص) فإنَّ الخلائق لـم يصابوا بمثله قط».
المطلب الثاني ـ في ذكر بعض الأمور التي هي من المنكر:
منها: الغضب. فعن رسول الله (ص) أنه قال: «الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل»، وعن أبي عبدالله (ع) أنه قال: «الغضب مفتاح كلّ شر». وعن أبي جعفر (ع) أنّه قال: «إنَّ الرّجل ليغضب فما يرضى أبداً حتى يدخل النّار، فأيما رجل غضب على قومه وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنه سيذهب عنه رجس الشيطان، وأيما رجل غضب على ذي رحم فَليَدْنُ منه فَلْيَمسَّهُ، فإنَّ الرحمَ إذا مُسَّتْ سكنت».
ومنها: الحسد، فعن أبي جعفر وأبي عبدالله (ع) أنّهما قالا: «إنَّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب»، وعن رسول الله (ص) أنه قال ذات يوم لأصحابه: «إنّه قد دبّ إليكم داء الأمم ممن قبلكم وهو الحسد، ليس بحالق الشعر ولكنَّه حالق الدّين، ويُنَجِّي فيه أن يكف الإنسان يده، ويخزن لسانه، ولا يكون ذا غَمْزٍ على أخيه المؤمن».
ومنها: الظلم، روي عن أبي عبدالله (ع)، أنه قال: «من ظَلَمَ مظلمةً أُخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده»، وروي عنه أيضاً أنه قال: «ما ظَفَر بخير من ظفر بالظلم، أمّا إنَّ المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم».
ومنها: كون الإنسان ممن يتقى شره، فعن رسول الله (ص) أنه قال: «شرّ النّاس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتّقاء شرّهم»، وعن أبي عبدالله (ع) أنّه قال: «ومن خاف النّاسُ لسانَه فهو في النّار» وعنه (ع) أيضاً: «إنَّ أبغض خلق الله عبدٌ اتقى النّاسُ لسانَه».
وهو يتضمّن جملة من المسائل نذكرها كما يلي:
مسألة 1192: لا يجب الترتيب بين الإنكار بالقلب وبين الإنكار باللسان بل يختار الآمر أو الناهي ما يحتمل التأثير منهما. أمّا الإنكار باليد فقد أشرنا آنفاً إلى أنه لا يجوز اللجوء إليه إلاَّ بعد استنفاد جميع الوسائل الأخرى أو العلم بعدم تأثيرها ولو لـم يستخدمها، والمعيار في جميع هذه المراتب هو حث العاصي على التوبة والطاعة بأقل قدر من الإهانة والإيذاء، لأنَّ الأصل هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن تحقّق الهدف بألطف سبيل كان متعيناً.
مسألة 1193: لا يترتب على السلطة في الحكم أو على علاقة الأبوة أو الزواج حقّ استثنائي للحاكم والأب والزوج في الأمر والنهي على الطرف الآخر، بل هم محكومون في الأمر والنهي مع من يتعلّق بهم بنفس الأحكام العامة للأمر والنهي من دون خصوصية لهم فيها، عدا حالات نادرة لا تدخل تحت عنوان الأمر والنهي وإن أفادت فائدته، ولمزيد من التوضيح نذكر بعض الأمثلة:
1 ـ إنَّ ما يصدر من الحاكم الشرعي تحت عنوان «التعزير» لا يدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هو داخل في باب العقوبات التي يجريها الحاكم بغرض أعم من ردع فاعل المعصية وتأديبه، وذلك بما يتعداه إلى تأديب المجتمع وإحلال هيبة السلطة فيه.
2 ـ حقّ الوالد في تأديب ولده هو ـ أيضاً ـ خارج عمّا نحن فيه، والملحوظ فيه حالة ما قبل البلوغ التي لا يكون الولد فيها مكلّفاً أصلاً، وحيث يضطر الوالد إلى ضربه تأديباً فإنَّ له حدوداً أخرى غير ما هو للضرب في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لذا فإنَّ الواجب على الوالد ـ بعد بلوغ أولاده ـ التزام أحكام الأمر والنهي في علاقته معهم، مثله في ذلك مثل أمره أو نهيه لغير أولاده من سائر النّاس.
3 ـ الواجب على الزوج اتجاه زوجته أن يأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر كما يأمر غيرها من النّاس، وإن كان بإمكانه استخدام بعض الوسائل الذكية الضاغطة بحرية أكبر، وما ذكرته الآية الكريمة من جواز ضربها عند نشوزها لا يخرج عن الجوّ العام لأحكام الأمر والنهي، لذا فإنه لا يجوز ضربها إلاَّ بعد الموعظة والهجر، كما أنَّ للنشوز بعض تفاصيل قد تميّزه عن مراتب الأمر والنهي، فهو حالة خاصة أَوْكَلَ الإسلام أمر علاجها للزوج ضمن إطارها الخاص، وفيما عدا ذلك فإنَّ علاقته بها يجب أن تتمّ ضمن الإطار العام لنظام العلاقات في الإسلام.
4 ـ ليس للأخ سلطة خاصة على أخته، ولا يجوز له في علاقته بها أن يتجاوز الحدود المرسومة لعلاقة عامة النّاس ببعضهم البعض، وما هو شائع في مجتمعنا من الممارسات الظالمة بحقّ الفتاة من قبل أخيها أمر لا يقره الإسلام ولا يعترف به، ولو كان تحت عناوين مثل التأديب والتربية والمحافظة على الشرف ونحو ذلك.
5 ـ فـي علاقة الأرحام ببعضهم البعض قد يستحل الأب أو الأخ أو الزوج شتم ولده أو أخته أو زوجته بهدف تربيته أو أمره بالمعروف، وهو أمر غير جائز ـ بالأصل ـ لا في حقّ القريب ولا في حقّ الغريب، نعم إذا كان الإغلاظ في القول بهذا الحدّ مؤثراً في الإرتداع جاز استخدامه إذا كانت المعصية المنهي عنها أهم وأعظم مفسدة.
6 ـ إذا توقف أمر الوالدين بالمعروف من قبل الولد على الإغلاظ في القول أو الضرب أو الحبس أو نحو ذلك جاز أو وجب القيام به، لأنَّ ذلك من مصاديق البرّ بهما، ولكن لا بُدَّ من التدقيـق في دراسـة الوسائـل ـ من الناحية الواقعية ـ في ضرورتها أو جدواها وعدم التسرّع في ذلك، فلا يقدم على التصرفات السلبية قبل اقتناعه بها بطريقة شرعية حتى لا يختلط عليه مورد البِر بمورد العقوق.
مسألة 1194: قد يوجب النهي عن المنكر ارتكاب الناهي لبعض المحرّمات، مثل الدخول إلى بيت بدون إذن، أو النظر أو اللمس لما يحرم من المرأة الأجنبية، أو الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، ونحو ذلك، وحينئذ فإنه لا بُدَّ في مثل هذه الأمور من دراسة أهمية المنكر في نتائجه السلبية على الفرد أو المجتمع، من هذا المحرّم أو ذاك، فإذا كان أكثر أهمية وخطورة من الحرام جاز ذلك وإلاَّ فلا يجوز، انطلاقاً من قاعدة التزاحم التي ترتكز على تقديم الأهم والأكثر مصلحة على المهمّ إذا توقف امتثال الأهم على ترك المهمّ، على ما مرّت الإشارة إليه في مسائل سابقة.
مسألة 1195: إذا توقف التأثير في الأمر والنهي على اجتماع أكثر من واحد، سواء في إطار منظم، كالجمعية أو النادي أو الحزب، أو من دون تنظيم وتكتل، وجب عليهم ذلك مع إمكانه، ولم يسقط التكليف عنهم إلاَّ به، ولذا فإنه لا يحرمُ، بل قد يجب، تشكيل الأحزاب والمنظمات الإسلامية من أجل الدعوة إلى الله تعالى والعمل لتوجيه النّاس إلى طاعته، وإلى الالتزام بالإسلام فكراً وعاطفة ومنهجاً للحياة، ومواجهة المنكر في العقيدة والخطّ والواقع، وإقامة الحقّ وإزهاق الباطل، مع ملاحظة الحدود الشرعية في الحركة والأسلوب والتخطيط والمواجهة في المسألة السياسية والأمنية والاجتماعية والعسكرية، ومن دون تعصب أو انغلاق أو تمزيق للواقع الإسلامي أو تكفير أو تفسيق لمن كان بعيداً عن الحزب أو المنظمة، ليكون هذا النهج وسيلة من وسائل تقوية الإسلام في الواقع، ولا فرق في ذلك بين العالم الديني وغيره.
مسألة 1196: إذا توقف الأمر والنهي، وخاصة المهم من المعروف، كإصلاح ذات البين ونحوه على بذل المال من قبل الآمر أو الناهي لـم يجب عليه صرف المال في هذا السبيل إلاَّ إذا كان المنكر يمثّل خطورة كبرى، كما إذا كان النزاع الواقع بين النّاس يؤدي إلى إتلاف الأنفس والأموال والفتنة، ولم يوجد من الحقوق الشرعية من الخمس والزكاة ما يمكن بذله في ذلك، فإنه يجب على النّاس وجوباً كفائياً بذل ما يتحقّق به زوال المنكر وإقامة المعروف من الأموال، أمّا مع وجود الحقوق الشرعية، كالزكاة وسهم الإمام (ع) فإن صرفها في مثل ذلك من أفضل المصارف.
مسألة 1197: لا يجوز للمسلمين وضع أولادهم في المدارس غير الإسلامية إذا خيف عليهم من الضلال ولو في المستقبل، وإلاَّ جاز وضعهم فيها، ولكنَّنا لا نشجع ذلك مع وجود مدارس إسلامية في المستوى التربوي النموذجي، ولو فرض عدم وجود مدارس إسلامية، وخيف على أولاد المسلمين من الضلال في المدارس غير الإسلامية كما هو الغالب، مما يجعله من المنكرات الاجتماعية التربوية، فإنه يجب على المسلمين بالوجوب الكفائي السعي لإيجاد تلك المدارس بالمقدار الذي يحقّق الكفاية.
مسألة 1198: إذا توقف ردع فاعل المنكر على الاستعانة بالظالم جازت الاستعانة به حتى مع العلم بأنَّ الظالم سوف يتعدى ويتجاوز الحدّ الشرعي المقبول في ردعه، إلاَّ أن يكون الضرر الذي سوف يلحق فاعل المنكر أعظم مفسدة من المنكر الذي يفعله، فيدخل حينئذ في باب التزاحم وضرورة الموازنة بين الأهم والمهم.
مسألة 1199: البدعة هي نسبة حكم أو معتقد إلى الإسلام مع عدم وجود نص يدل عليه ولا قاعدة شرعية تشمله، ولا حكم عقلي يلزم به، وهي من المنكرات التي قد تمثّل خطورة كبرى في المجتمع الإسلامي، لأنها قد تترك تأثيراتها على التصوّر العقيدي أو الواقع العملي فتؤدي إلى انحراف المسلمين عن الإسلام في العقيدة والعمل، ولذلك لا بُدَّ من مواجهتها بكلّ الوسائل العملية الحكيمة الكفيلة بإزالتها أو إضعافها، وربما يجب القيام بذلك حتى لو لـم يكن هنـاك أمـل في التأثير، لأنَّ المطلوب هو إبعاد التصوّر العام للمسلمين ـ حتى المنحرفين منهم ـ عن اعتبارها عنواناً إسلاميّاً شرعيّاً.
خاتمة:
لما صار فعل المنكر وترك المعروف ظاهرة كبيرة متمثّلة في دول وهيئات وجمعيات ومؤسسات، مضافاً لتمثّلها في أفراد عاديين أو ذوي شأن، فإنَّ المواجهة القوية المؤثرة لهذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة واسعة وخطّة شاملة تتصل بالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ونحوه، أمّا العاملون في حقل التوجيه الديني فإنَّ عليهم ـ بقدر موقعهم وطاقتهم ـ أن يبذلوا كلّ جهدهم في الوعظ والإرشاد والتوعية ومواجهة الواقع الفاسد بحكمة وعمق وروية وشمولية، وأن يحرّكوا جهودهم مع العاملين في سبيل تحويل الخطّة إلى واقع في هذا الموقع أو ذاك، لأنَّ المرحلة هي مرحلة الطوارىء التي ينبغي لهم أن يحرّكوا فيها كلّ طاقتهم في هذا الهمِّ الرسالي الكبير.
ثُمَّ إنه قد ذكر بعض الأكابر قدس سره.
إنَّ من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعلاها وأتقنها وأشدّها، خصوصاً بالنسبة إلى رؤساء الدِّين أن يلبس الآمر أو الناهي رداء المعروف واجبه ومندوبه، وينزع رداء المنكر محرمه ومكروهه، ويستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة، وينزهها عن الأخلاق الذميمة، فإنَّ ذلك منه سبب تام لفعل النّاس المعروف، ونزعهم المنكر، خصوصاً إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المرغبة والمرهبة، فإن لكلّ مقام مقالاً، ولكلّ داء دواء، وطب النفوس والعقول أشدّ من طب الأبدان بمراتب كثيرة، وحينئذٍ يكون قد جاء بأعلى أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهنا يستحسن ذكر جملة من الأمور الداخلة في المعروف تذكيراً بها وترغيباً فيها، وذكر أمور من المنكر تزهيداً فيها وتنفيراً عنها، وذلك في مطلبين:
المطلب الأول ـ في ذكر أمور هي من المعروف:
منها: الاعتصام بالله تعالى، قال الله تعالى: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، وروي عن أبي عبدالله (ع) أنه قال: «أوحى الله عزَّ وجلّ إلى داوود: ما اعتصمَ بي عبدٌ من عبادي دونَ أحدٍ من خلقي عَرفْتُ ذلك منْ نِيتهِ، ثُمَّ تَكيدُه السَّماواتُ والأرضُ ومنْ فيهن إلاَّ جَعلتُ له المَخرَجَ مِنْ بينهنَّ».
ومنها: التوكّل على الله سبحانـه، الرؤوف الرحيـم بخلقـه العالم بمصالحهم والقـادر على قضـاء حوائجهـم. وإذا لـم يتوكـل عليه تعالى فعلى من يتوكـل، أعلى نفسه، أم على غيـره مع عجـزه وجهلـه؟ قال الله تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، وروي عن أبي عبدالله (ع)، أنه قال: «الغِنَى والعِزُّ يَجُولان، فإذا ظَفِرا بِموضعٍ منَ التوكّلِ أَوْطَنا».
ومنها: حسن الظنّ بالله تعالى، فعن أمير المؤمنين (ع) فيما قال: «والذي لا إله إلاَّ هو لا يَحسُن ظنُّ عبدٍ مؤمنٍ بالله إلاَّ كانَ الله عند ظنِّ عبدِه المؤمن، لأنَّ الله كريمٌ بيده الخيرُ يَستحي أن يكونَ عبدُه المؤمنُ قد أحسنَ به الظَّنَّ ثُمَّ يُخلِفُ ظنَّهُ ورجاءَه، فأَحسِنوا بالله الظنَّ وارغبُوا إليه».
ومنها: الصبر عند البلاء، والصبر عن محارم الله، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وروي عن رسول الله (ص) في حديث أنه قال: «فاصبرْ فإنَّ في الصبرِ على ما تكره خيراً كثيراً، واعلم أنَّ النصرَ مع الصبر، وأنَّ الفرجَ مع الكـربِ، فإنَّ مـع العُسرِ يُسراً، إنَّ مع العُسرِ يُسراً»، وعن أمير المؤمنين y، أنـه قـال: «لا يُعدمُ الصبرُ الظَفَرَ وإن طالَ بهِ الزمانُ»، وعنه (ع) أيضاً: «الصبرُ صبران: صبرٌ عند المصيبة حسنٌ جميلٌ، وأحسنُ من ذلك الصبرُ عند ما حرَّمَ الله تعالى عليكَ».
ومنها: العفة، فعن أبي جعفر (ع): «ما عبادة أفضلُ عند الله من عفةِ بطنٍ وفرجٍ»، وعن أبي عبدالله (ع): «إنما شيعةُ جعفر منْ عفَّ بطنَه وفرَجه، واشتَدَّ جِهادُه، وعَمِل لخالِقه، ورجا ثَوابَه، وخافَ عِقابَه، فإذا رأيْتَ أولئكَ فأولئك شيعةُ جعفر (ع)».
ومنها: الحلم، روي عن رسول الله w أنه قال: «ما أعزَّ الله بجهلٍ قط، ولا أذلَّ بحلم قط»، وعن أمير المؤمنين y أنه قال: «أول عوض الحليم من حلمه أنَّ النّاس أنصاره على الجاهل»، وعن الرضا (ع) أنه قال: «لا يكون الرّجل عابداً حتى يكون حليماً».
ومنها: التواضع، روي عن رسول الله w أنه قال: «من تواضع لله رفعهُ الله ومن تكبّر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله ومن بذّر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبّه الله تعالى».
ومنها: إنصاف النّاس، ولو من النفس، رُوي عن رسول الله (ص) أنه قال: «سيِّدُ الأعمال إنصاف النّاس من نفسك، ومواساة الأخ في الله تعالى على كلّ حال».
ومنها: اشتغال الإنسان بعيبه عن عيوب النّاس، فعن رسول الله (ص)أنه قال: «طوبى لمن شغله خوف الله عزَّ وجلّ عن خوف النّاس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين»، وعنه (ص): «إنَّ أسرع الخير ثواباً البر، وإنَّ أسرع الشر عقاباً البغي، وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من النّاس ما يعمى عنه من نفسه، وأن يعيّر النّاس بما لا يستطيع تركه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه».
ومنها: إصلاح النفس عند ميلها إلى الشر، روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: «من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته، ومن عمل لدينه كفاه الله دنياه، ومن أحسن فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين النّاس».
ومنها: الزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها، روي عن أبي عبدالله (ع) أنه قال: «من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه، وانطلق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها، وأخرجه منها سالماً إلى دار السَّلام»، وروي أنَّ رجلاً قال لأبي عبدالله (ع): «إني لا ألقاك إلاَّ في السنين فأوصني بشيءٍ حتى آخذ به؟ فقال (ع): أوصيك بتقوى الله، والورع والاجتهاد، وإياك أن تطمع إلى من فوقك، وكفى بما قال الله عزَّ وجلّ لرسول الله (ص): {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وقال تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ}، فإن خفت ذلك فاذكر عيش رسول الله (ص)، فإنما كان قوته من الشعير، وحلواه من التمر ووقوده من السعف إذا وجده، وإذا أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول الله (ص) فإنَّ الخلائق لـم يصابوا بمثله قط».
المطلب الثاني ـ في ذكر بعض الأمور التي هي من المنكر:
منها: الغضب. فعن رسول الله (ص) أنه قال: «الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل»، وعن أبي عبدالله (ع) أنه قال: «الغضب مفتاح كلّ شر». وعن أبي جعفر (ع) أنّه قال: «إنَّ الرّجل ليغضب فما يرضى أبداً حتى يدخل النّار، فأيما رجل غضب على قومه وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنه سيذهب عنه رجس الشيطان، وأيما رجل غضب على ذي رحم فَليَدْنُ منه فَلْيَمسَّهُ، فإنَّ الرحمَ إذا مُسَّتْ سكنت».
ومنها: الحسد، فعن أبي جعفر وأبي عبدالله (ع) أنّهما قالا: «إنَّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب»، وعن رسول الله (ص) أنه قال ذات يوم لأصحابه: «إنّه قد دبّ إليكم داء الأمم ممن قبلكم وهو الحسد، ليس بحالق الشعر ولكنَّه حالق الدّين، ويُنَجِّي فيه أن يكف الإنسان يده، ويخزن لسانه، ولا يكون ذا غَمْزٍ على أخيه المؤمن».
ومنها: الظلم، روي عن أبي عبدالله (ع)، أنه قال: «من ظَلَمَ مظلمةً أُخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده»، وروي عنه أيضاً أنه قال: «ما ظَفَر بخير من ظفر بالظلم، أمّا إنَّ المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم».
ومنها: كون الإنسان ممن يتقى شره، فعن رسول الله (ص) أنه قال: «شرّ النّاس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتّقاء شرّهم»، وعن أبي عبدالله (ع) أنّه قال: «ومن خاف النّاسُ لسانَه فهو في النّار» وعنه (ع) أيضاً: «إنَّ أبغض خلق الله عبدٌ اتقى النّاسُ لسانَه».
ص
601
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية