وهو أهم المطهرات وأسهلها استعمالاً وأفضلها في إزالة النجاسة وأشملها استيعاباً لشتى المتنجسات، وأحكامه كثيرة، إذ يتعلّق بعضها بأحكام الماء نفسه بغض النظر عن التطهير به وعدمه، وبعضها يتعلّق بكيفية التطهير به، لذا فإنَّ تفصيل الأحكام المتعلّقة به يقع في فرعين:
الفرع الأول ـ في أنواع المياه وأحكامها:
ونريد بالماء كلّ جسم سائل، فيشمل الماء بمعناه الكيميائي المصطلح غير المضاف إليه شيء آخر أبداً، وهو الذي يصطلح عليه الفقهاء بـ «الماء المطلق»، كما يشمل الماء المضاف إليه عنصراً آخر، كالملح أو السكر أو الشاي أو نحوها، كما يشمل كلّ سائل يختلف في حقيقته عن الماء، مثل ماء الورد وماء الرمان والنفط ونحوهما، وجميع ذلك يصطلح عليه بـ «الماء المضاف».
ولما كان لكلّ من الماء المطلق والماء المضاف أنواع وأحكام فإنَّ الكلام فيهما يقع تحت هذين العنوانين:
الأول ـ الماء المطلق:
قد سبق القول أنَّ الماء المطلق هو الماء الصرف النقي غير المختلط بعنصر آخر، وذلك مثل ماء الأنهار والينابيع، ولا ينافي إطلاق الماء عليه اختلاطه بالرواسب والأكدار التي تسبب بياضاً أو احمراراً أو خضرة في لون الماء، إلاَّ إذا كانت من الكثافة بحدّ صار الماء طيناً ووحلاً أو صار مشبعاً بعصارة الحشيش بنحو يخرج عن الإطلاق إلى الإضافة، كذلك فإنَّ ماء البحر يعتبر من الماء المطلق رغم ملوحته ومهما كانت نسبة الملوحة.
والماء المطلق ـ من حيث كميته ـ يكون كثيراً تارة وقليلاً أخرى، فالماء القليل: هو الماء المنقطع عن المنبع أو المجرى أو مساقط المطر والبالغ في وزنه أقل من ثلاثمائـة وسبعة وسبعين كيلو غراماً، وهو مقدار ما اصطلح على تسميته بـ «الكر»، فكلّ ماء كان كذلك وكان دون الكر يكون ماءً قليلا.
وحكم الماء القليل أنه طاهر في نفسه مطهر لغيره، ويتنجس بمجرّد ملاقاته لعين النجاسة أو للمتنجس بها مهما كان مقدارها ضئيلاً، وذلك بالشروط الموجبة للانفعال والتنجس التي سبق ذكرها في كيفية التنجس.
أمّا الماء الكثير: فيُراد به ـ اصطلاحاً ـ أنواع ثلاثة: ماء المطر، والماء الجاري، والراكد البالغ كراً فصاعداً، وتشترك هذه الأنواع الثلاثة في وصف «الاعتصام»، ويُراد به أنه لا يتأثر ولا ينفعل بمجرّد الملاقاة للأعيان النجسة أو المتنجسة ما لـم يتغير بلون النجاسة أو طعمها أو رائحتها، مضافاً لكونه طاهراً في نفسه مطهراً لغيره.
وتفصيل حكم كلّ نوع من أنواع الماء الكثير هو على النحو التالي:
الأول ـ ماء المطر: والمراد به الماء المعروف المتساقط من السّماء، من دون فرق بين المطر الغزير أو الرذاذ الذي يصدق عليه المطر، ولا يشترط في التطهير به وقوعه مباشرة على الشيء المتنجس، بل إنَّ ماء المطر يصدق على الماء المجتمع المتصل بماء المطر المتساقط وإن كان قليلاً دون الكر، وعلى الماء الجاري من الميزاب أو المنحدر من أوراق الشجر حال تساقط ماء المطر على السطح أو الشجر، نعم الماء المتقاطر من شقوق السقف لا يطهر المتنجس الذي تقع عليه هذه القطرات ولا يلحقه حكم ماء المطر.
مسألة 94: يتميّز التطهير بماء المطر بسقوط العصر فيما يجب عصره، كالثياب، وبسقوط التعدّد عمّا يجب التعدّد فيه من الأواني والثياب ونحوها، نعم لا يسقط عن الإناء المتنجس بولوغ الكلب لزوم تعفيره بالتراب.
مسألة 95: يكفي في تحقّق الطهارة بماء المطر جريانُه على الأرض ووصوله إلى الأماكن المتنجسة المسقوف فوقها، كما في شوارع الأزقة أو الأسواق المسقوفة ما دام هذا الماء الجاري القليل متصلاً بالمطر في الخارج.
مسألة 96: ماء المطر الواقع على عين النجاسة، كالغائط أو الدم، إذا جرى إلى الأماكن الطاهرة لا ينجسها ما لـم يكن مصحوباً بأجزاء من النجاسة، وكذلك الحكم لو تقاطر الماء من سقف عليه النجاسة، مع اشتراط استمرار تساقط المطر في الحالتين.
الثاني ـ الماء الجاري: وهو ـ في الغالب ـ الماء النابع من باطن الأرض المندفع منه إلى مسارب فوق الأرض أو تحتها، سواء كان اندفاعه بفوران وقوّة أو كان بنحو الرشح والسيحان، وسواء كان جارياً كماء الأنهار أو راكداً مثل الآبار والعيون التي لا تنقص بالأخذ منها، ولا يشترط في الكمية الخارجة الظاهرة أن تكون كثيرة فوق الكر، بل يكفي في اعتصام الماء كونه نابعاً من أصل ولو كانت الكمية المستخدمة المجتمعة على وجه الأرض قليلة، نعم إذا كان بنحو التقاطر من فوق على الماء القليل المجتمع منه لا يتحقّق به الاعتصام ويبقى الماء على حكم الماء القليل.
ومن الماء الجاري الماء المجتمع من الثلوج أو الأمطار من دون أن يكون له مادة ينبع أو يترشح منها، فيفيض ويجري عن مكانه إلى أماكن أخرى، غير أنه لا بد في اعتصامه من كونه كراً فصاعداً.
مسألة 97: قد نعلم بأنَّ هذا الماء المترشح من باطن الأرض لا يترشح عن مادة، بل إنه عروق تجمعت من ماء المطر أو غيره وتظهر إذا حفرت، فلا يلحقه حكم الماء الجاري، كما أنه لا يكون معتصماً ما لـم يعلم بكونه مقدار كر فصاعداً.
مسألة 98: العيون والأنهار الصغيرة التي تجف في بعض الفصول يلحقها حكم الجاري في زمان نبعها.
مسألة 99: إذا شك في أنَّ هذا الماء القليل له مادة أو لا لـم يحكم عليه بالاعتصام ويتنجس بالملاقاة.
مسألة 100: الماء الراكد، في مثل البرك والأحواض، إذا اتصل بالماء الجاري من خلال الأنابيب أو السواقي أو نحوهما يلحقه حكم الجاري ما دام متصلاً بالماء الجاري.
مسألة 101: يتميّز الماء الجاري بأنه لا يتنجس بالملاقاة لعين النجاسة أو المتنجس بها إلاَّ إذا تغيّر بلون النجاسة أو طعمها أو رائحتها، مضافاً لكونه طاهراً في نفسه ومطهراً لغيره.
مسألة 102: إذا تنجس جانب من الماء الجاري فتغيّر بالنجاسة اختصت النجاسة بالماء المتغيّر دون ما يجاوره مما بقي على نقائه إذا ظلّ متصلاً من أحد الجانبين بالمادة، فلو فرض أنَّ النجاسة غيّرت الماء على تمام عرض المجرى فإنه في هذه الحالة يحكم بطهارة الماء الواقع لجهة النبع لأنه متصل بالمادة ولا يحكم بطهارة القسم الواقع لجهة المصب إذا كان الباقي دون الكر.
الثالث: الماء الراكد البالغ كراً فصاعداً، وذلك مثل ماء البرك والأحواض وآبار الجمع ونحوها، ويُراد به الماء الذي ليس له مادة ينبع أو يجري منها، وهو طاهر في نفسه مطهر لغيره، ولا ينفعل بوقوع النجاسة أو المتنجس فيه إلاَّ إذا تغيّر لونه أو طعمه أو رائحته، ولا فرق فيما بلغ الكر بين ما كان مجتمعاً في موضع واحد وبين ما كان متفرقاً في عدّة أوانٍ أو أحواض متصلة ببعضها مع تساوي سطوحها، فلو اختلفت سطوحها، بأن كان بعض الكر في برميل أعلى في موقعه من البرميل الآخر، فإنَّ نزول الماء من الأعلى في الأسفل يجعل الأسفل بحكم الكر دون الأعلى.
مسألة 103:مقدار الكر بالوزن ثلاثمائة وسبعة وسبعون كيلو غراما، فإن نقص الكر ولو بمقدار يسير عن هذا الوزن لـم يعتبر كراً، ومقداره بالمساحة ما ملأ سبعة وعشرين شبراً مكعباً، أي ثلاثة أشبار طولاً، ومثلها عرضاً، ومثلها عمقاً، فإن اختلف وزن ما في هذه المساحة عن الوزن المذكور كان المعتمد هو الوزن المذكور لا المساحة.
والشبر اسم للمساحة التي تقع ما بين رأس الإصبع الصغرى المسماة بـ «الخنصر» وما بين رأس الإبهام من كف الإنسان المعتدل الكف عند أقصى تفريجٍ لأصابعه عن بعضها.
مسألة 104: لا يتنجس الكر إلاَّ عند تغيره المباشر بلون النجاسة أو طعمها أو رائحتها، فلو تغير طعم ماء الكر بمجاورة النجاسة، كما لو أنتن الماء لمجاورته للميتة، لـم يتنجس في هذه الحالة. كذلك لا يتنجس لو تغير بلون المتنجس، وذلك بمثل الثوب الأحمر الذي يتحلل صباغُه في الماء عند تطهيره من الدم القليل الذي عليه، فإنَّ اصطباغ الماء بالحمرة من الثوب المتنجس لا تجعل الماء الكري نجساً، غير أنه يصير بذلك ماءً مضافاً ويزول اعتصامه حينئذ.
مسألة 105: إذا وقعت في الكر نجاسة توجب تغيره كالدم مثلاً، ولكن منع من ظهور ذلك التغيّر اصطباغ الماء بحمرة الوحل إذ لولاه لظهر لون الدم في الماء، فالحكم هو نجاسة الماء، أمّا إذا منع من ظهور التغيّر كون النجاسة بدون لون أو رائحة، أو منع من نتونة الماء بالجيفة كون الجوّ بارداً بحيث لو كان حاراً لتغيّر، ففي هاتين الحالتين يبقى الماء على طهارته.
مسألة 106: لا يشترط في تنجس الكر بتغيّر لونه بلون النجاسة مساواة لون الماء للون عين النجاسة، فيكفي في مثل الدم الواقع في ماء الكر تغيّره إلى لون الصفرة ليحكم على الكر بالنجاسة، وكذا الأمر في الطعم والرائحة، فيكفي تغيرهما بسبب وقوع النجاسة ولو لـم يكونا من نفس طعم ورائحة النجاسة.
مسألة 107: ماء الكر الموجود في خزان، لو فرض تجمد بعضه فصار ثلجاً لـم يحكم على الماء الباقي بالاعتصام ما دام دون الكر، بل حكمه حكم الماء القليل.
مسألة 108: إذا علم كون الماء كراً ثُمَّ شك في بقائه كذلك يحكم عليه بالكرية، ولو علم كونه غير كرٍ فشك في صيرورته كراً بعد ذلك لـم يحكم عليه بالكرية.
مسألة 109: الماء المجهول حالته السابقة إذا شك في كونه كراً محكوم بعدم الكرية وبعدم طهارة المتنجس الذي يوضع فيه، ولكنه ـ في الوقت نفسه ـ لا يَنجُس بمجرّد ملاقاة النجس أو المتنجس.
مسألة 110: يكفي في تطهير الماء القليل المتنجس مجرّد اتصاله بماء الكر، ولا ضرورة لاستمرار الاتصال به فترة حتى يحصل الامتزاج بين الماء القليل وبين الماء الواصل إليه من ماء الكر، وكذا عند تطهيره بالماء الجاري والنابع وماء المطر، نعم إذا كان القليل متغيراً بالنجاسة فلا بُدَّ من استمرار الاتصال حتى يزول التغيّر وينقى الماء ليطهر.
مسألة 111: الماء الجاري أو النابع إذا تغير ولو بعضه بالنجاسة ثُمَّ زال تغيّره من نفسه حكم عليه بالطهارة، وكذلك الحكم في الماء الراكد الذي تنجس بعضه، فإنه يطهر عند زوال تغيره بنفسه إذا كان القسم غير المتغيّر مقدار كر أو أكثر، وفيما عدا ذلك فإنَّ زوال التغيّر ذاتياً لا يوجب طهارة الماء، وخاصة في الماء القليل.
مسألة 112: ماء الكر المتغيّر بالنجاسة يمكن تطهيره بوصله بالماء الجاري واستمرار ضخه فيه حتى يزول تغيره فيطهر، أو بإلقاء كر عليه، إما دفعة واحدة أو تدريجاً، من دون فرق بين أن يكون الطاهر أعلى أو النجس، نعم في فرض كون النجس أعلى فإنَّ الماء الذي فيه لا يعدّ طاهراً باتصاله بالكر الطاهر الأسفل، ولكن الماء المتنجس النازل من الكر المتنجس الأعلى إلى الكر الطاهر الأسفل محكوم بالطهارة عند نزوله في الكر الطاهر إذا ظلّ الكر الطاهر محتفظاً بخاصية النقاء وعدم التغيّر.
مسألة 113: تثبت الكرية بكلّ ما أفاد العلم أو الاطمئنان، وبشهادة العدلين، بل تثبت بشهادة العدل الواحد والثقة الواحد، وبقول صاحب اليد وإن لـم يكن عادلاً، ومثل الكرية في الإثبات الماء الجاري بأنواعه.
مسألة 114: الماء المستعمل في الطهارة من الحدث الأكبر أو الأصغر طاهر في نفسه مطهر لغيره، فيجوز استعماله مرة ثانية في رفع الحدث الأكبر والأصغر وفي إزالة الخبث والتطهير منه، وكذلك الماء المستعمل في إزالة الخبث، وهو خصوص ماء الغُسالة التي يتعقبها طهارة المحل، فإنها طاهرة في نفسها ومطهرة لغيرها، فيجوز استعمالها في الطهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر وفي الطهارة من الخبث، ما عدا ماء الاستنجاء الآتي ذكره.
مسألة 115: المراد بماء الغُسالة الماء المنفصل عند التطهير من الخبث، وحكمها يختلف في حالات:
الأولى: إن لـم يكن التعدّد واجباً وكانت عين النجاسة موجودة، فإنَّ غسالة الغسلة التي تزال بها عين النجاسة محكومة بالنجاسة إن فُصِلَ بينها وبين الغسلة التالية، بينما تعتبر غسالة الغسلة التالية طاهرة، ولما كنّا لا نرى لزوم الفصل بين الغسلة المزيلة للعين والغسلة التالية لها فإنه يمكن أن تكون نفس الغَسلة المزيلة للعين في بدايتها مطهرةً في نهايتها في حال استمرار الصب على المتنجس، وعليه فإنَّ ماء الغسالة في هذا الفرض محكوم بالطهارة. وأمّا إذا لـم تكن عين النجاسة موجودة، بل أزيلت قبل التطهير، فإنه لا إشكال في طهارة ماء الغسالة حينئذ.
الثانية: ما يجب فيه التعدّد لا يحكم إلاَّ بطهارة ماء الغسلة الأخيرة المستلزمة لطهارة العين.
الثالثة: حيث يجب عصر الثوب فإنَّ ماء الغسلة المطهرة طاهر في ذاته، وإن كان الثوب نفسه لا تكتمل طهارته إلاَّ بالعصر.
ولا بُدَّ من الإلفات إلى أنَّ فرض الكلام في طهارة ماء الغسالة إنما هو في صورة عدم عروض نجاسة عليها من الخارج، مثل وقوعها على الأرض المتنجسة، ونحو ذلك.
مسألة 116: ماء الاستنجاء هو خصوص الماء المستخدم في تطهير موضع البول والغائط، وهو طاهر إذا توفرت فيه الشروط التالية:
1 ـ بقاء الماء نقياً غير متغيّر بلون النجاسة أو طعمها أو رائحتها.
2 ـ عدم وجود النجاسة على أطراف مخرج البول أو الغائط.
3 ـ عدم خروج نجاسة أخرى، مثل الدم، مع البول أو الغائط أو منفردة.
4 ـ عدم طروء نجاسة من الخارج، مثل نجاسة الأرض التي يقع عليها ماء الاستنجاء.
5 ـ أن لا ينزل في الماء أجزاء متميزة من نفس الغائط، ولا يضر خروج أجزاء من غير الغائط، مثل الدود أو البذور غير المهضومة.
مسألة 117: لا فرق في طهارة ماء الاستنجاء بين ما كان بالماء الكثير أو القليل، ولا بين ما كان من الغسلة الأولى أو الثانية في فرض وجوب التعدّد، لكنَّه رغم طهارته في نفسه فإنه لا يزيل خبثاً ولا يرفع حدثاً.
الثاني ـ الماء المضاف:
يُراد بالماء المضاف:
أ ـ الماء النقي الممزوج بعنصر آخر يغير لونه أو طعمه أو رائحته، مثل الماء الممزوج بالسكر أو الملح أو الحبر أو الشاي أو غير ذلك.
ب ـ كلّ عنصر سائل يختلف في حقيقته عن الماء، مثل ماء الورد وعصير البرتقال والرمان والنفط وغير ذلك.
ولا يعدّ ماء البحر، ولا الماء الآسن المائل للخضرة ونتانة الطعم والرائحة، ولا الماء الملون بلون التربة الحمراء أو البيضاء، من الماء المضاف، نعم إذا كثر التراب في الماء فصار وحلاً، أو تكثفت الخضرة في الماء الآسن، بنحو لـم يعد عرفاً ماءً مطلقاً، أصبح بذلك ماءً مضافاً.
مسألة 118: الماء المجهول حالته السابقة إذا شك في كونه ماءً مطلقاً أو مضافاً لـم يحكم عليه بالإطلاق ولا بالإضافة، ولا تجري عليه أحكام الماء المطلق، فلا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث، ويتنجس بمجرّد الملاقاة للنجس أو المتنجس، قليلاً كان أو كثيراً.
مسألة 119: الماء المضاف طاهر في نفسه إلاَّ ما نص الشرع على نجاسته كالبول والدم ونحوهما من الأعيان النجسة، وهو غير مطهر لغيره، فلا يرفع حدثاً ولا يزيل خبثاً، وينفعل بمجرّد الملاقاة لعين النجاسة أو المتنجس قليلاً كان أو كثيراً، ولا يقبل التطهير مع بقائه على الإضافة، إلاَّ إذا ألقي في الكر أو اتصل به حتى زالت الإضافة عنه وصار ماءً مطلقاً فإنه يطهر حينئذ عند بقاء الكر على إطلاقه وتحلل الماء المضاف وامتزاجه فيه.
مسألة 120: الماء المضاف المتنجس إذا عولج بطريقة التبخير فصار ماءً مطلقاً يحكم عليه بالطهارة، والحكم كذلك في تبخير الأعيان النجسة مثل البول ونحوه، وكذا المجاري، بشرط انعدام خصائص النجاسة من الماء الجديد المتحول عن البخار واستحالته ماءً.
مسألة 121: المحاليل الطبية التي توضع في الماء، إمّا لتنقية الماء من التلوث أو من أجل التداوي بها، إذا غيرت لون الماء أو طعمه أو رائحته فإنه يخرج بذلك عن الإطلاق إلى الإضافة، وكذا الماء الذي توضع فيه الثياب لإخراج الصابون منها فيتغير بلون الصابون تغييراً كثيفاً، أمّا التغير الطفيف الذي لا يجعل الماء مضافاً بنظر العرف العادي للنّاس، والذي هو المعيار المعتمد في حالة الشك، فإنه لا يضر في إطلاق الماء.
الفرع الثاني ـ في كيفية التطهير بالماء:
قلنا: إنَّ الماء هو أهم المطهرات من جهة إمكان تطهير معظم الأشياء المتنجسة به، وقوّة أثره في إزالة النجاسة وحصول النظافة التامة به. ولما كان الماء كثيراً تارة وقليلاً أخرى، وكانت الأشياء المتنجسة والأعيان النجسة المسببة لنجاستها مختلفة، فإنَّ تفصيل أحكام التطهير بالماء هو على النحو التالي:
شروط التطهير:
من أجل تحقّق التطهير بالماء لا بُدَّ من توفر أمور:
1 ـ إزالة عين النجاسة إذا كان أثر النجاسة موجوداً على الشيء الذي تنجس بها، كمثل أثر الدم أو الغائط أو المني أو اللبن أو الوحل المتنجسين، ونحو ذلك مما يكون من أثر نفس عين النجاسة أو المتنجس بها. ومن الطبيعي أن تكون إزالة عين النجاسة مقدمة ضرورية لحصول التطهير، لأنه لا معنى للتطهير ولا تَحقُّقَ له إلاَّ بإزالة أثر النجاسة وعينها من الأساس.
ولما كانت الشريعة مبنية على التساهل والتسامح فإنه يكفي في إزالة عين النجاسة إزالة جرمها المخصوص الظاهر، من دون ضرورة لإزالة اللون أو الرائحة، وإن كانت إزالتهما أفضل وأكمل في الطهارة.
مسألة 122: لا يشترط إزالة عين النجاسة بالماء بل تكفي إزالتها بكلّ وسيلة قالعة لها، كالورق والحجر والمسح بالأرض أو الأخشاب ونحو ذلك.
وإذا أراد المكلّف إزالتها بالماء فإنه لا يجب فصل غسلة الإزالة عن غسلة التطهير، فيمكن للمكلّف أن يصبّ الماء على الشيء المتنجس حتى تزول عين النجاسة ويستمر بالصب قليلاً بعد الإزالة ليحصل به التطهير، ويكفيه ذلك من دون حاجة إلى غسلتين، غسلة لإزالة عين النجاسة، فيقطع، ثُمَّ يغسل غسلة ثانية لتطهير الشيء المتنجس، وإن كان ذلك حسناً، خاصة في التطهير من البول.
2 ـ التعدّد: والمراد به صبّ الماء أكثر من مرة، وهو واجب عند تنجس بعض الأشياء ببعض الأعيان النجسة، كما سيأتي تفصيله لاحقاً. ومن الضروري تعدّد الصبّ بالقطع بين الصبة والصبة ليتحقّق الغَسل أكثر من مرة، فلا يكفي صبّ كمية كبيرة من الماء دفعة واحدة بما يقدر بثلاث أو سبع غسلات من دون فصل بين الغسلة والأخرى. كذلك فإنَّ غسلة إزالة عين النجاسة تحسب من عدد الغسلات، ففي الإناء المتنجس بالدم مثلاً يجب تغسيله بالماء القليل ثلاث مرات، فالغسلة التي يزال فيها أثر الدم عن الإناء بالماء تحسب الغسلة الأولى، كما ذكرنا في الشرط السابق، ويغسله مرتين بعدها فيطهر، وهكذا في سائر موارد التعدّد.
3 ـ بقاء الماء على إطلاقه عند التطهير به، فإذا تغير الماء المعتصم الذي في الطشت مثلاً لحظة وضع الشيء المتنجس فيه، كالجبن المقطع أو الثوب المصبوغ أو الخضروات المقطعة، لتطهيره لـم يطهر بذلك إذا تحول الماء عن الإطلاق إلى الإضافة، بل لا بُدَّ من تغيير ذلك الماء مرة بعد مرة حتى يتم وضع الشيء المتنجس في ماء نقية ليطهر.
نعم إذا لـم يتغير الماء فوراً عند وضع المتنجس فيه واستولى عليه ونفذ فيه ثُمَّ تغير بعد ذلك فإنه يطهر حينئذ. وهنا لا بُدَّ من ملاحظة أنَّ الشيء المتنجس إذا كان مما يجب التعدّد فيه احتسبت تلك الغسلات المتغيرة من العدد، ولم يضره تغير الماء في الغسلات الأولى، وكفاه كون الماء نقياً في الغسلة الأخيرة.
4 ـ صب الماء القليل وإلقاؤه على المتنجس، فإنْ وُضعَ المتنجس فيه تنجس الماء ولم يطهر المتنجس، ويعبّر الفقهاء عن ذلك بورود الماء على المتنجس لا ورود المتنجس على الماء، أي أنه يجب جعل الماء على المتنجس لا جعل المتنجس في الماء. أمّا الماء الكثير فإنه لا يشترط فيه ذلك لاعتصامه، فيصح وضع المتنجس فيه ويطهر ويبقى الماء طاهراً إذا لـم يتغير بالنجاسة كما ذكرنا آنفاً.
5 ـ تحرّك ماء الغُسالة وانتقاله عن الموضع المتنجس، فإن كان التطهير بالماء القليل وكان الواجب غسل المتنجس مرة واحدة كفى في تحقّق الانتقال مجرّد ابتعاد الماء عن الموضع المتنجس وجريانه عنه بنفسه أو بدفعه باليد أو بآلة كالممسحة أو بالتنشيف بقطعة قماش، وحينئذ لا تتنجس الآلة ولا قطعة القماش بذلك لأنَّ ماء الغسالة محكوم بالطهارة في مثل هذه الحالة، وكذلك الحكم في الغسلة الأخيرة عند وجوب التعدّد، أمّا في غير الغسلة الأخيرة فإنه وإن كانت الغسالة نجسة، فإنها لا تُنجِّس المواضع الطاهرة التي تجري عليها، كما أنها إذا دفعت بآلة أو جففت بثوب لا تنجس الآلة أو الثوب، والسبب في ذلك أنَّ ماء الغسالة يعتبر «متنجساً ثانياً» فلا ينجِّس ما يلاقيه (كما ذكرنا في المسألة 80).
أمّا إذا كان التطهير بالماء الكثير بالصب منه على الموضع المتنجس فإنه في صورة عدم وجوب التعدّد لا يجب انتقال ماء الغسالة عن الموضع المتنجس، وكذا في الغسلة الأخيرة عند وجوب التعدّد، أمّا غير الغسلة الأخيرة فحكمها حكم الماء القليل في لزوم توفر ذلك الشرط.
وحيث يجب تحريك ماء الغسالة ونقلها عن الموضع المتنجس فإنه لا يضر بقاء القليل من الماء مما جرت العادة ببقائه.
هذا كلّه في غير الثوب، أمّا عند تطهير الثوب بالماء القليل فإنه لا بُدَّ من العصر أو الدلك من أجل إخراج ماء الغسالة، وذلك على التفصيل الآتي.
في تطهير الثوب ونحوه:
مسألة 123: يجب في تطهير الثوب أو الفراش ونحوه من جميع النجاسات غسله مرة واحدة، وذلك بعد إزالة عين النجاسة بالماء أو بغيره، بغسلة منفصلة أو متصلة بغسلة التطهير إذا كانت الإزالة تتم بالماء، ولا فرق في ذلك بين الماء القليل والكثير، ولا بين البول وغيره، ولا بين بول الرضيع وغيره، وإن كان الأحوط استحباباً في البول الفصل بين غسلة الإزالة وغسلة التطهير، سواء في ذلك الثوب وغيره.
هذا ولا يجب عصر الثوب ولا دلك ما لا يقبل العصر كالفراش عند تطهيره إلاَّ عند نفوذ النجاسة فيه وتطهيره بالماء القليل، كما في حالة تنجسه بالبول أو الدم أو الماء القليل المتنجس أو نحو ذلك، فإن لـم تنفذ فيه النجاسة بل لامست سطح الثوب أو الفراش فلا يجب عصره ولا دلكه. أمّا عند تطهيره بالماء الكثير فإنه لا يجب عصره ولا دلكه حتى عند نفوذ النجاسة فيه إلاَّ في صورة بقاء عين النجاسة وإزالتها بالماء فإنه يجب عصره ـ حينئذ ـ من غسلة الإزالة هذه.
مسألة 124: لا يشترط في العصر والدلك كيفية خاصة، فيجزي في العصر الاعتماد على سرعة الدوران في الغسالات الكهربائية لشفط الماء من الثوب، كذلك يكفي في الدلك وضع شيء ثقيل على الفراش أو السجاد وتركه كذلك حتى يخرج منه ماء الغسالة.
مسألة 125: يتحقّق التطهير بالغسالة الأتوماتيكية الحديثة، حتى مع فرض تلوث جوانب الحوض بعصارة الغسيل المتنجس، لأنَّ الحوض يطهر تبعاً لطهارة الثياب الموجودة فيه ما دام الماء الطاهر يصيب تلك الأماكن المتنجسة.
مسألة 126: الثوب الذي عليه بقايا من عين النجاسة، كالغائط مثلاً، إذا كان بين الثياب المطهرة لا تنجس به سائر الثياب إلاَّ أن يعلم سيلان الماء المتنجس من نفس المكان الملوث بالغائط إلى ما يجاوره، ومع الشك في ذلك يحكم بالطهارة. وكذلك الحكم في غير الثوب من الأشياء المتنجسة إذا بقي أثر النجاسة على بعضها.
مسألة 127: إذا وجد في الثوب أثر لمساحيق التنظيف المتنجسة، فإن كانت هذه المواد من قبيل أجزاء الصابون ونفذ فيها الماء طهر باطنها بذلك، أمّا ظاهرها فإنه يطهر ـ دائماً ـ بتطهيـر الثوب، وإن كانت من قبيل المائعات التي لها جرم معين، كالشامبو ونحوه، فإنه لا بُدَّ من تطهير موضعها ما لـم يكن الأثر من قبيل اللون.
في تطهير الأواني:
مسألة 128: المراد بالإناء ما يستخدم في الطعام أو الشراب، مثل القدور والصواني والصحون والكؤوس والأباريق ونحوها مما يحفظ أو يعدّ أو يقدّم فيها الطعام أو الشراب، ولا يشمل مثل الطشت مما يستخدم لغسل الخضروات أو الثياب حتى لو وضع فيه الطعام استثناء، والمرجع في ذلك هو عرف كلّ جيل وزمانه مما يختلف بحسب المجتمعات والأزمنة.
مسألة 129: إذا ولغ الكلب من إناء، أي شرب منه بطرف لسانه، أو شرب منه من دون ولوغ، كأن يكون مقطوع اللسان، أو لحسه بلسانه من دون شرب، وجب تعفيره بالتراب قبل التطهير بالماء، والأحوط وجوباً كون التراب طاهراً. والمراد بالتعفير أن يوضع في الإناء مقدار من التراب أو الرمل، ثُمَّ يوضع معه مقدار من الماء، فيمسح الإناء بالمزيج من التراب والماء، ثُمَّ يغسل بالماء لإزالة أثر التراب، ثُمَّ يغسل بالكثير مرة أو بالقليل مرتين. ولا يغني الوحل عن التراب، وفي صورة ما لو كان الإناء فارغاً فلحسه بلسانه لـم يجب تعفير جميع الإناء، بل يقتصر على موضع الملاقاة.
كذلك فإنه لا يجب التعفير لمجرّد وقوع لعابه فيه من دون ولوغ أو لطع. وفي الآنية الضيقة يكفي وضع التراب والماء فيه وإدارته حتى يصل إلى تمام المواضع المتنجسة ثُمَّ إلقاؤه وغسله بالماء كما سلف.
مسألة 130: يجب تطهير الإناء من شرب الخنزير منه أو موت الجرذ فيه سبع مرات بالماء الكثير أو القليل، والمراد بالجرذ الفأر الكبير البري، فلا يشمل الفأر الصغير الذي يعيش في البيوت أو في البرية، بل إنها لو ماتت في الإناء لحقها حكم غيرها من النجاسات، مرة بالماء الكثير، أو ثلاث مرات بالماء القليل، كذلك فإنه لا بُدَّ من حدوث الموت في الإناء، فلو وضع الجرذ الميت في الإناء الرطب كان حكمه في التطهير حكم سائر النجاسات.
مسألة 131: لا ينجس الإناء بملاقاة الخمر، وإن كان الأحوط استحبابا تطهيره ثلاث مرات بالماء القليل أو الكثير.
مسألة 132: إذا تنجس الإناء بغير ما سلف من النجاسات فإنَّ الواجب تطهيره ثلاث مرات بالماء القليل، أو مرة واحدة بالماء الكثير.
مسألة 133: يمكن تطهير الإناء بالماء القليل بوضع مقدار من الماء فيه وإدارته حتى يصل إلى جميع المواضع المتنجسة وإفراغه، ثُمَّ يوضع ماء جديد مرة ثانية ويفعل به كذلك، وهكذا، كما يمكن تطهيره بملئه وإفراغه مرة بعد مرة مع تجديد الماء في كلّ مرة إلى أن يتمّ العدد المطلوب.
مسألة 134: الأواني الكبيرة المثبتة التي يصعب إفراغ الماء منها يمكن تطهيرها بالماء القليل بصب الماء فيها ثُمَّ إخراج الماء المجتمع بآلة مثل الإسفنجة ونحوها، ثُمَّ يُصب فيها ماء جديد ويُخرج بالإسفنجة، وهكذا يفعل ذلك بعدد المرات الواجبة لحصول الطهارة،هذا ولا تتنجس الإسفنجة خلال ذلك بماء الغسالة لأنه متنجس ثانٍ.
في تطهير سائر المتنجسات:
مسألة 135: اللحم أو الحبــوب أو الخضـروات المتنجسـة ـ ما لـم تنفذ النجاسة إلى باطنها ـ يمكن تطهيرها بوضعها في طشت وصب الماء القليل حتى يستولي عليها وعلى ما تنجس من الطشت مرة واحدة ثُمَّ إفراغه من الماء، فتطهر الخضروات ويطهر الطشت تبعاً لها، هذا إذا وضعت في مثل الطشت، أمّا إذا وضعت في آنية، مثل القدر، فإنه حيث يتنجس بها الإناء لا يكفي تطهيره مرة بالقليل، بل لا بُدَّ من تطهيره مع ما فيه ثلاث مرات. أمّا مع نفوذ النجاسة إلى باطنها كما في البرغل أو الجبن أو الخبز ونحوها فإنه لا بُدَّ من وضعها في الماء المعتصم، كالكر ونحوه، حتى ينفذ الماء الطاهر إلى باطنها فتطهر، ولا تطهر بوضعها في الماء القليل، نعم إذا كان باطنها غير صلب بحيث ينفذ الماء فيه بسهولة فإنه يكفي في طهارتها ـ حينئذ ـ صب الماء القليل عليها كغيرها من المتنجسات.
مسألة 136: لا يشترط جفاف الباطن المتنجس عند تطهيره، بل المهم إبقاؤه في الماء مدّة يعلم معها بنفوذ الماء الطاهر إلى المواضع التي نفذ فيها الماء المتنجس، أو الاستمرار في الصب من الماء القليل حتى يعلم تغلغله في جميع الباطن المتنجس.
مسألة 137: إذا شك في نفوذ النجاسة إلى الباطن يبني على عدم النفوذ ويحكم بطهارته، وإذا علم بنفوذ النجاسة لكن شك في نفوذ الماء الطاهر إلى ذلك الموضع النجس بنى على عدم النفوذ وعلى بقاء النجاسة.
مسألة 138: الزيوت والدهون لا تطهر إذا تنجست حتى لو وضعت في كر ماء حار يغلي وتحللت ثُمَّ اجتمعت بعد برد الماء، فلا تستعمل ـ والحالة هذه ـ إلاَّ في مثل التداوي والإسراج ونحوهما مما لا يشترط فيه الطهارة.
مسألة 139: إذا تنجس الحليب لا يطهر إلاَّ بصنعه جنباً وجعله في ماء الكر حتى ينفذ الماء إلى داخله فيطهره.
مسألة 140: قد تتنجس الحلي أثناء صوغها لنجاسة الأواني التي يذوب فيها المعدن مثلاً، فإنه يكفي تطهير ظاهرها بعد صياغتها، خاصة وأنه لا يعلم بنفوذ النجاسة في مثل المعدن المذاب إلى الباطن كي تترتب أحكام أخرى.
مسألة 141: لا يمنع مجرّد الدسم الموجود على اللحم أو الشحم أو اليد أو الزيتون من تطهيرها بالماء ما دام ليس له جرم ظاهر، والأمر كذلك في اللحم المطبوخ إذا تنجس مرقه فإنه يمكن إخراجه من المرق وتطهيره، لكن في هذه الحالة لا بُدَّ من نفوذ الماء الطاهر إلى ما نفذ إليه الماء المتنجس، وذلك كما سلف القول في أمثاله في المسألة 135.
مسألة 142: الطعام المتنجس الذي يعلق بين الأسنان يبقى على النجاسة، لكنه لا يتنجس به الباطن، نعم يحرم ابتلاعه وابتلاع ما يلاقيه من الطعام الجديد الذي سوف يتنجس به، ويطهر ظاهره بالمضمضة، وكذا باطنه إذا نفذ الماء الطاهر إليه، أمّا نفس باطن الفم فإنه يطهر بزوال عين النجاسة أو المتنجس منه من دون ضرورة لتطهيره بالماء كما سيأتي في المسألة 172 وما بعدها.
وهو أهم المطهرات وأسهلها استعمالاً وأفضلها في إزالة النجاسة وأشملها استيعاباً لشتى المتنجسات، وأحكامه كثيرة، إذ يتعلّق بعضها بأحكام الماء نفسه بغض النظر عن التطهير به وعدمه، وبعضها يتعلّق بكيفية التطهير به، لذا فإنَّ تفصيل الأحكام المتعلّقة به يقع في فرعين:
الفرع الأول ـ في أنواع المياه وأحكامها:
ونريد بالماء كلّ جسم سائل، فيشمل الماء بمعناه الكيميائي المصطلح غير المضاف إليه شيء آخر أبداً، وهو الذي يصطلح عليه الفقهاء بـ «الماء المطلق»، كما يشمل الماء المضاف إليه عنصراً آخر، كالملح أو السكر أو الشاي أو نحوها، كما يشمل كلّ سائل يختلف في حقيقته عن الماء، مثل ماء الورد وماء الرمان والنفط ونحوهما، وجميع ذلك يصطلح عليه بـ «الماء المضاف».
ولما كان لكلّ من الماء المطلق والماء المضاف أنواع وأحكام فإنَّ الكلام فيهما يقع تحت هذين العنوانين:
الأول ـ الماء المطلق:
قد سبق القول أنَّ الماء المطلق هو الماء الصرف النقي غير المختلط بعنصر آخر، وذلك مثل ماء الأنهار والينابيع، ولا ينافي إطلاق الماء عليه اختلاطه بالرواسب والأكدار التي تسبب بياضاً أو احمراراً أو خضرة في لون الماء، إلاَّ إذا كانت من الكثافة بحدّ صار الماء طيناً ووحلاً أو صار مشبعاً بعصارة الحشيش بنحو يخرج عن الإطلاق إلى الإضافة، كذلك فإنَّ ماء البحر يعتبر من الماء المطلق رغم ملوحته ومهما كانت نسبة الملوحة.
والماء المطلق ـ من حيث كميته ـ يكون كثيراً تارة وقليلاً أخرى، فالماء القليل: هو الماء المنقطع عن المنبع أو المجرى أو مساقط المطر والبالغ في وزنه أقل من ثلاثمائـة وسبعة وسبعين كيلو غراماً، وهو مقدار ما اصطلح على تسميته بـ «الكر»، فكلّ ماء كان كذلك وكان دون الكر يكون ماءً قليلا.
وحكم الماء القليل أنه طاهر في نفسه مطهر لغيره، ويتنجس بمجرّد ملاقاته لعين النجاسة أو للمتنجس بها مهما كان مقدارها ضئيلاً، وذلك بالشروط الموجبة للانفعال والتنجس التي سبق ذكرها في كيفية التنجس.
أمّا الماء الكثير: فيُراد به ـ اصطلاحاً ـ أنواع ثلاثة: ماء المطر، والماء الجاري، والراكد البالغ كراً فصاعداً، وتشترك هذه الأنواع الثلاثة في وصف «الاعتصام»، ويُراد به أنه لا يتأثر ولا ينفعل بمجرّد الملاقاة للأعيان النجسة أو المتنجسة ما لـم يتغير بلون النجاسة أو طعمها أو رائحتها، مضافاً لكونه طاهراً في نفسه مطهراً لغيره.
وتفصيل حكم كلّ نوع من أنواع الماء الكثير هو على النحو التالي:
الأول ـ ماء المطر: والمراد به الماء المعروف المتساقط من السّماء، من دون فرق بين المطر الغزير أو الرذاذ الذي يصدق عليه المطر، ولا يشترط في التطهير به وقوعه مباشرة على الشيء المتنجس، بل إنَّ ماء المطر يصدق على الماء المجتمع المتصل بماء المطر المتساقط وإن كان قليلاً دون الكر، وعلى الماء الجاري من الميزاب أو المنحدر من أوراق الشجر حال تساقط ماء المطر على السطح أو الشجر، نعم الماء المتقاطر من شقوق السقف لا يطهر المتنجس الذي تقع عليه هذه القطرات ولا يلحقه حكم ماء المطر.
مسألة 94: يتميّز التطهير بماء المطر بسقوط العصر فيما يجب عصره، كالثياب، وبسقوط التعدّد عمّا يجب التعدّد فيه من الأواني والثياب ونحوها، نعم لا يسقط عن الإناء المتنجس بولوغ الكلب لزوم تعفيره بالتراب.
مسألة 95: يكفي في تحقّق الطهارة بماء المطر جريانُه على الأرض ووصوله إلى الأماكن المتنجسة المسقوف فوقها، كما في شوارع الأزقة أو الأسواق المسقوفة ما دام هذا الماء الجاري القليل متصلاً بالمطر في الخارج.
مسألة 96: ماء المطر الواقع على عين النجاسة، كالغائط أو الدم، إذا جرى إلى الأماكن الطاهرة لا ينجسها ما لـم يكن مصحوباً بأجزاء من النجاسة، وكذلك الحكم لو تقاطر الماء من سقف عليه النجاسة، مع اشتراط استمرار تساقط المطر في الحالتين.
الثاني ـ الماء الجاري: وهو ـ في الغالب ـ الماء النابع من باطن الأرض المندفع منه إلى مسارب فوق الأرض أو تحتها، سواء كان اندفاعه بفوران وقوّة أو كان بنحو الرشح والسيحان، وسواء كان جارياً كماء الأنهار أو راكداً مثل الآبار والعيون التي لا تنقص بالأخذ منها، ولا يشترط في الكمية الخارجة الظاهرة أن تكون كثيرة فوق الكر، بل يكفي في اعتصام الماء كونه نابعاً من أصل ولو كانت الكمية المستخدمة المجتمعة على وجه الأرض قليلة، نعم إذا كان بنحو التقاطر من فوق على الماء القليل المجتمع منه لا يتحقّق به الاعتصام ويبقى الماء على حكم الماء القليل.
ومن الماء الجاري الماء المجتمع من الثلوج أو الأمطار من دون أن يكون له مادة ينبع أو يترشح منها، فيفيض ويجري عن مكانه إلى أماكن أخرى، غير أنه لا بد في اعتصامه من كونه كراً فصاعداً.
مسألة 97: قد نعلم بأنَّ هذا الماء المترشح من باطن الأرض لا يترشح عن مادة، بل إنه عروق تجمعت من ماء المطر أو غيره وتظهر إذا حفرت، فلا يلحقه حكم الماء الجاري، كما أنه لا يكون معتصماً ما لـم يعلم بكونه مقدار كر فصاعداً.
مسألة 98: العيون والأنهار الصغيرة التي تجف في بعض الفصول يلحقها حكم الجاري في زمان نبعها.
مسألة 99: إذا شك في أنَّ هذا الماء القليل له مادة أو لا لـم يحكم عليه بالاعتصام ويتنجس بالملاقاة.
مسألة 100: الماء الراكد، في مثل البرك والأحواض، إذا اتصل بالماء الجاري من خلال الأنابيب أو السواقي أو نحوهما يلحقه حكم الجاري ما دام متصلاً بالماء الجاري.
مسألة 101: يتميّز الماء الجاري بأنه لا يتنجس بالملاقاة لعين النجاسة أو المتنجس بها إلاَّ إذا تغيّر بلون النجاسة أو طعمها أو رائحتها، مضافاً لكونه طاهراً في نفسه ومطهراً لغيره.
مسألة 102: إذا تنجس جانب من الماء الجاري فتغيّر بالنجاسة اختصت النجاسة بالماء المتغيّر دون ما يجاوره مما بقي على نقائه إذا ظلّ متصلاً من أحد الجانبين بالمادة، فلو فرض أنَّ النجاسة غيّرت الماء على تمام عرض المجرى فإنه في هذه الحالة يحكم بطهارة الماء الواقع لجهة النبع لأنه متصل بالمادة ولا يحكم بطهارة القسم الواقع لجهة المصب إذا كان الباقي دون الكر.
الثالث: الماء الراكد البالغ كراً فصاعداً، وذلك مثل ماء البرك والأحواض وآبار الجمع ونحوها، ويُراد به الماء الذي ليس له مادة ينبع أو يجري منها، وهو طاهر في نفسه مطهر لغيره، ولا ينفعل بوقوع النجاسة أو المتنجس فيه إلاَّ إذا تغيّر لونه أو طعمه أو رائحته، ولا فرق فيما بلغ الكر بين ما كان مجتمعاً في موضع واحد وبين ما كان متفرقاً في عدّة أوانٍ أو أحواض متصلة ببعضها مع تساوي سطوحها، فلو اختلفت سطوحها، بأن كان بعض الكر في برميل أعلى في موقعه من البرميل الآخر، فإنَّ نزول الماء من الأعلى في الأسفل يجعل الأسفل بحكم الكر دون الأعلى.
مسألة 103:مقدار الكر بالوزن ثلاثمائة وسبعة وسبعون كيلو غراما، فإن نقص الكر ولو بمقدار يسير عن هذا الوزن لـم يعتبر كراً، ومقداره بالمساحة ما ملأ سبعة وعشرين شبراً مكعباً، أي ثلاثة أشبار طولاً، ومثلها عرضاً، ومثلها عمقاً، فإن اختلف وزن ما في هذه المساحة عن الوزن المذكور كان المعتمد هو الوزن المذكور لا المساحة.
والشبر اسم للمساحة التي تقع ما بين رأس الإصبع الصغرى المسماة بـ «الخنصر» وما بين رأس الإبهام من كف الإنسان المعتدل الكف عند أقصى تفريجٍ لأصابعه عن بعضها.
مسألة 104: لا يتنجس الكر إلاَّ عند تغيره المباشر بلون النجاسة أو طعمها أو رائحتها، فلو تغير طعم ماء الكر بمجاورة النجاسة، كما لو أنتن الماء لمجاورته للميتة، لـم يتنجس في هذه الحالة. كذلك لا يتنجس لو تغير بلون المتنجس، وذلك بمثل الثوب الأحمر الذي يتحلل صباغُه في الماء عند تطهيره من الدم القليل الذي عليه، فإنَّ اصطباغ الماء بالحمرة من الثوب المتنجس لا تجعل الماء الكري نجساً، غير أنه يصير بذلك ماءً مضافاً ويزول اعتصامه حينئذ.
مسألة 105: إذا وقعت في الكر نجاسة توجب تغيره كالدم مثلاً، ولكن منع من ظهور ذلك التغيّر اصطباغ الماء بحمرة الوحل إذ لولاه لظهر لون الدم في الماء، فالحكم هو نجاسة الماء، أمّا إذا منع من ظهور التغيّر كون النجاسة بدون لون أو رائحة، أو منع من نتونة الماء بالجيفة كون الجوّ بارداً بحيث لو كان حاراً لتغيّر، ففي هاتين الحالتين يبقى الماء على طهارته.
مسألة 106: لا يشترط في تنجس الكر بتغيّر لونه بلون النجاسة مساواة لون الماء للون عين النجاسة، فيكفي في مثل الدم الواقع في ماء الكر تغيّره إلى لون الصفرة ليحكم على الكر بالنجاسة، وكذا الأمر في الطعم والرائحة، فيكفي تغيرهما بسبب وقوع النجاسة ولو لـم يكونا من نفس طعم ورائحة النجاسة.
مسألة 107: ماء الكر الموجود في خزان، لو فرض تجمد بعضه فصار ثلجاً لـم يحكم على الماء الباقي بالاعتصام ما دام دون الكر، بل حكمه حكم الماء القليل.
مسألة 108: إذا علم كون الماء كراً ثُمَّ شك في بقائه كذلك يحكم عليه بالكرية، ولو علم كونه غير كرٍ فشك في صيرورته كراً بعد ذلك لـم يحكم عليه بالكرية.
مسألة 109: الماء المجهول حالته السابقة إذا شك في كونه كراً محكوم بعدم الكرية وبعدم طهارة المتنجس الذي يوضع فيه، ولكنه ـ في الوقت نفسه ـ لا يَنجُس بمجرّد ملاقاة النجس أو المتنجس.
مسألة 110: يكفي في تطهير الماء القليل المتنجس مجرّد اتصاله بماء الكر، ولا ضرورة لاستمرار الاتصال به فترة حتى يحصل الامتزاج بين الماء القليل وبين الماء الواصل إليه من ماء الكر، وكذا عند تطهيره بالماء الجاري والنابع وماء المطر، نعم إذا كان القليل متغيراً بالنجاسة فلا بُدَّ من استمرار الاتصال حتى يزول التغيّر وينقى الماء ليطهر.
مسألة 111: الماء الجاري أو النابع إذا تغير ولو بعضه بالنجاسة ثُمَّ زال تغيّره من نفسه حكم عليه بالطهارة، وكذلك الحكم في الماء الراكد الذي تنجس بعضه، فإنه يطهر عند زوال تغيره بنفسه إذا كان القسم غير المتغيّر مقدار كر أو أكثر، وفيما عدا ذلك فإنَّ زوال التغيّر ذاتياً لا يوجب طهارة الماء، وخاصة في الماء القليل.
مسألة 112: ماء الكر المتغيّر بالنجاسة يمكن تطهيره بوصله بالماء الجاري واستمرار ضخه فيه حتى يزول تغيره فيطهر، أو بإلقاء كر عليه، إما دفعة واحدة أو تدريجاً، من دون فرق بين أن يكون الطاهر أعلى أو النجس، نعم في فرض كون النجس أعلى فإنَّ الماء الذي فيه لا يعدّ طاهراً باتصاله بالكر الطاهر الأسفل، ولكن الماء المتنجس النازل من الكر المتنجس الأعلى إلى الكر الطاهر الأسفل محكوم بالطهارة عند نزوله في الكر الطاهر إذا ظلّ الكر الطاهر محتفظاً بخاصية النقاء وعدم التغيّر.
مسألة 113: تثبت الكرية بكلّ ما أفاد العلم أو الاطمئنان، وبشهادة العدلين، بل تثبت بشهادة العدل الواحد والثقة الواحد، وبقول صاحب اليد وإن لـم يكن عادلاً، ومثل الكرية في الإثبات الماء الجاري بأنواعه.
مسألة 114: الماء المستعمل في الطهارة من الحدث الأكبر أو الأصغر طاهر في نفسه مطهر لغيره، فيجوز استعماله مرة ثانية في رفع الحدث الأكبر والأصغر وفي إزالة الخبث والتطهير منه، وكذلك الماء المستعمل في إزالة الخبث، وهو خصوص ماء الغُسالة التي يتعقبها طهارة المحل، فإنها طاهرة في نفسها ومطهرة لغيرها، فيجوز استعمالها في الطهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر وفي الطهارة من الخبث، ما عدا ماء الاستنجاء الآتي ذكره.
مسألة 115: المراد بماء الغُسالة الماء المنفصل عند التطهير من الخبث، وحكمها يختلف في حالات:
الأولى: إن لـم يكن التعدّد واجباً وكانت عين النجاسة موجودة، فإنَّ غسالة الغسلة التي تزال بها عين النجاسة محكومة بالنجاسة إن فُصِلَ بينها وبين الغسلة التالية، بينما تعتبر غسالة الغسلة التالية طاهرة، ولما كنّا لا نرى لزوم الفصل بين الغسلة المزيلة للعين والغسلة التالية لها فإنه يمكن أن تكون نفس الغَسلة المزيلة للعين في بدايتها مطهرةً في نهايتها في حال استمرار الصب على المتنجس، وعليه فإنَّ ماء الغسالة في هذا الفرض محكوم بالطهارة. وأمّا إذا لـم تكن عين النجاسة موجودة، بل أزيلت قبل التطهير، فإنه لا إشكال في طهارة ماء الغسالة حينئذ.
الثانية: ما يجب فيه التعدّد لا يحكم إلاَّ بطهارة ماء الغسلة الأخيرة المستلزمة لطهارة العين.
الثالثة: حيث يجب عصر الثوب فإنَّ ماء الغسلة المطهرة طاهر في ذاته، وإن كان الثوب نفسه لا تكتمل طهارته إلاَّ بالعصر.
ولا بُدَّ من الإلفات إلى أنَّ فرض الكلام في طهارة ماء الغسالة إنما هو في صورة عدم عروض نجاسة عليها من الخارج، مثل وقوعها على الأرض المتنجسة، ونحو ذلك.
مسألة 116: ماء الاستنجاء هو خصوص الماء المستخدم في تطهير موضع البول والغائط، وهو طاهر إذا توفرت فيه الشروط التالية:
1 ـ بقاء الماء نقياً غير متغيّر بلون النجاسة أو طعمها أو رائحتها.
2 ـ عدم وجود النجاسة على أطراف مخرج البول أو الغائط.
3 ـ عدم خروج نجاسة أخرى، مثل الدم، مع البول أو الغائط أو منفردة.
4 ـ عدم طروء نجاسة من الخارج، مثل نجاسة الأرض التي يقع عليها ماء الاستنجاء.
5 ـ أن لا ينزل في الماء أجزاء متميزة من نفس الغائط، ولا يضر خروج أجزاء من غير الغائط، مثل الدود أو البذور غير المهضومة.
مسألة 117: لا فرق في طهارة ماء الاستنجاء بين ما كان بالماء الكثير أو القليل، ولا بين ما كان من الغسلة الأولى أو الثانية في فرض وجوب التعدّد، لكنَّه رغم طهارته في نفسه فإنه لا يزيل خبثاً ولا يرفع حدثاً.
الثاني ـ الماء المضاف:
يُراد بالماء المضاف:
أ ـ الماء النقي الممزوج بعنصر آخر يغير لونه أو طعمه أو رائحته، مثل الماء الممزوج بالسكر أو الملح أو الحبر أو الشاي أو غير ذلك.
ب ـ كلّ عنصر سائل يختلف في حقيقته عن الماء، مثل ماء الورد وعصير البرتقال والرمان والنفط وغير ذلك.
ولا يعدّ ماء البحر، ولا الماء الآسن المائل للخضرة ونتانة الطعم والرائحة، ولا الماء الملون بلون التربة الحمراء أو البيضاء، من الماء المضاف، نعم إذا كثر التراب في الماء فصار وحلاً، أو تكثفت الخضرة في الماء الآسن، بنحو لـم يعد عرفاً ماءً مطلقاً، أصبح بذلك ماءً مضافاً.
مسألة 118: الماء المجهول حالته السابقة إذا شك في كونه ماءً مطلقاً أو مضافاً لـم يحكم عليه بالإطلاق ولا بالإضافة، ولا تجري عليه أحكام الماء المطلق، فلا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث، ويتنجس بمجرّد الملاقاة للنجس أو المتنجس، قليلاً كان أو كثيراً.
مسألة 119: الماء المضاف طاهر في نفسه إلاَّ ما نص الشرع على نجاسته كالبول والدم ونحوهما من الأعيان النجسة، وهو غير مطهر لغيره، فلا يرفع حدثاً ولا يزيل خبثاً، وينفعل بمجرّد الملاقاة لعين النجاسة أو المتنجس قليلاً كان أو كثيراً، ولا يقبل التطهير مع بقائه على الإضافة، إلاَّ إذا ألقي في الكر أو اتصل به حتى زالت الإضافة عنه وصار ماءً مطلقاً فإنه يطهر حينئذ عند بقاء الكر على إطلاقه وتحلل الماء المضاف وامتزاجه فيه.
مسألة 120: الماء المضاف المتنجس إذا عولج بطريقة التبخير فصار ماءً مطلقاً يحكم عليه بالطهارة، والحكم كذلك في تبخير الأعيان النجسة مثل البول ونحوه، وكذا المجاري، بشرط انعدام خصائص النجاسة من الماء الجديد المتحول عن البخار واستحالته ماءً.
مسألة 121: المحاليل الطبية التي توضع في الماء، إمّا لتنقية الماء من التلوث أو من أجل التداوي بها، إذا غيرت لون الماء أو طعمه أو رائحته فإنه يخرج بذلك عن الإطلاق إلى الإضافة، وكذا الماء الذي توضع فيه الثياب لإخراج الصابون منها فيتغير بلون الصابون تغييراً كثيفاً، أمّا التغير الطفيف الذي لا يجعل الماء مضافاً بنظر العرف العادي للنّاس، والذي هو المعيار المعتمد في حالة الشك، فإنه لا يضر في إطلاق الماء.
الفرع الثاني ـ في كيفية التطهير بالماء:
قلنا: إنَّ الماء هو أهم المطهرات من جهة إمكان تطهير معظم الأشياء المتنجسة به، وقوّة أثره في إزالة النجاسة وحصول النظافة التامة به. ولما كان الماء كثيراً تارة وقليلاً أخرى، وكانت الأشياء المتنجسة والأعيان النجسة المسببة لنجاستها مختلفة، فإنَّ تفصيل أحكام التطهير بالماء هو على النحو التالي:
شروط التطهير:
من أجل تحقّق التطهير بالماء لا بُدَّ من توفر أمور:
1 ـ إزالة عين النجاسة إذا كان أثر النجاسة موجوداً على الشيء الذي تنجس بها، كمثل أثر الدم أو الغائط أو المني أو اللبن أو الوحل المتنجسين، ونحو ذلك مما يكون من أثر نفس عين النجاسة أو المتنجس بها. ومن الطبيعي أن تكون إزالة عين النجاسة مقدمة ضرورية لحصول التطهير، لأنه لا معنى للتطهير ولا تَحقُّقَ له إلاَّ بإزالة أثر النجاسة وعينها من الأساس.
ولما كانت الشريعة مبنية على التساهل والتسامح فإنه يكفي في إزالة عين النجاسة إزالة جرمها المخصوص الظاهر، من دون ضرورة لإزالة اللون أو الرائحة، وإن كانت إزالتهما أفضل وأكمل في الطهارة.
مسألة 122: لا يشترط إزالة عين النجاسة بالماء بل تكفي إزالتها بكلّ وسيلة قالعة لها، كالورق والحجر والمسح بالأرض أو الأخشاب ونحو ذلك.
وإذا أراد المكلّف إزالتها بالماء فإنه لا يجب فصل غسلة الإزالة عن غسلة التطهير، فيمكن للمكلّف أن يصبّ الماء على الشيء المتنجس حتى تزول عين النجاسة ويستمر بالصب قليلاً بعد الإزالة ليحصل به التطهير، ويكفيه ذلك من دون حاجة إلى غسلتين، غسلة لإزالة عين النجاسة، فيقطع، ثُمَّ يغسل غسلة ثانية لتطهير الشيء المتنجس، وإن كان ذلك حسناً، خاصة في التطهير من البول.
2 ـ التعدّد: والمراد به صبّ الماء أكثر من مرة، وهو واجب عند تنجس بعض الأشياء ببعض الأعيان النجسة، كما سيأتي تفصيله لاحقاً. ومن الضروري تعدّد الصبّ بالقطع بين الصبة والصبة ليتحقّق الغَسل أكثر من مرة، فلا يكفي صبّ كمية كبيرة من الماء دفعة واحدة بما يقدر بثلاث أو سبع غسلات من دون فصل بين الغسلة والأخرى. كذلك فإنَّ غسلة إزالة عين النجاسة تحسب من عدد الغسلات، ففي الإناء المتنجس بالدم مثلاً يجب تغسيله بالماء القليل ثلاث مرات، فالغسلة التي يزال فيها أثر الدم عن الإناء بالماء تحسب الغسلة الأولى، كما ذكرنا في الشرط السابق، ويغسله مرتين بعدها فيطهر، وهكذا في سائر موارد التعدّد.
3 ـ بقاء الماء على إطلاقه عند التطهير به، فإذا تغير الماء المعتصم الذي في الطشت مثلاً لحظة وضع الشيء المتنجس فيه، كالجبن المقطع أو الثوب المصبوغ أو الخضروات المقطعة، لتطهيره لـم يطهر بذلك إذا تحول الماء عن الإطلاق إلى الإضافة، بل لا بُدَّ من تغيير ذلك الماء مرة بعد مرة حتى يتم وضع الشيء المتنجس في ماء نقية ليطهر.
نعم إذا لـم يتغير الماء فوراً عند وضع المتنجس فيه واستولى عليه ونفذ فيه ثُمَّ تغير بعد ذلك فإنه يطهر حينئذ. وهنا لا بُدَّ من ملاحظة أنَّ الشيء المتنجس إذا كان مما يجب التعدّد فيه احتسبت تلك الغسلات المتغيرة من العدد، ولم يضره تغير الماء في الغسلات الأولى، وكفاه كون الماء نقياً في الغسلة الأخيرة.
4 ـ صب الماء القليل وإلقاؤه على المتنجس، فإنْ وُضعَ المتنجس فيه تنجس الماء ولم يطهر المتنجس، ويعبّر الفقهاء عن ذلك بورود الماء على المتنجس لا ورود المتنجس على الماء، أي أنه يجب جعل الماء على المتنجس لا جعل المتنجس في الماء. أمّا الماء الكثير فإنه لا يشترط فيه ذلك لاعتصامه، فيصح وضع المتنجس فيه ويطهر ويبقى الماء طاهراً إذا لـم يتغير بالنجاسة كما ذكرنا آنفاً.
5 ـ تحرّك ماء الغُسالة وانتقاله عن الموضع المتنجس، فإن كان التطهير بالماء القليل وكان الواجب غسل المتنجس مرة واحدة كفى في تحقّق الانتقال مجرّد ابتعاد الماء عن الموضع المتنجس وجريانه عنه بنفسه أو بدفعه باليد أو بآلة كالممسحة أو بالتنشيف بقطعة قماش، وحينئذ لا تتنجس الآلة ولا قطعة القماش بذلك لأنَّ ماء الغسالة محكوم بالطهارة في مثل هذه الحالة، وكذلك الحكم في الغسلة الأخيرة عند وجوب التعدّد، أمّا في غير الغسلة الأخيرة فإنه وإن كانت الغسالة نجسة، فإنها لا تُنجِّس المواضع الطاهرة التي تجري عليها، كما أنها إذا دفعت بآلة أو جففت بثوب لا تنجس الآلة أو الثوب، والسبب في ذلك أنَّ ماء الغسالة يعتبر «متنجساً ثانياً» فلا ينجِّس ما يلاقيه (كما ذكرنا في المسألة 80).
أمّا إذا كان التطهير بالماء الكثير بالصب منه على الموضع المتنجس فإنه في صورة عدم وجوب التعدّد لا يجب انتقال ماء الغسالة عن الموضع المتنجس، وكذا في الغسلة الأخيرة عند وجوب التعدّد، أمّا غير الغسلة الأخيرة فحكمها حكم الماء القليل في لزوم توفر ذلك الشرط.
وحيث يجب تحريك ماء الغسالة ونقلها عن الموضع المتنجس فإنه لا يضر بقاء القليل من الماء مما جرت العادة ببقائه.
هذا كلّه في غير الثوب، أمّا عند تطهير الثوب بالماء القليل فإنه لا بُدَّ من العصر أو الدلك من أجل إخراج ماء الغسالة، وذلك على التفصيل الآتي.
في تطهير الثوب ونحوه:
مسألة 123: يجب في تطهير الثوب أو الفراش ونحوه من جميع النجاسات غسله مرة واحدة، وذلك بعد إزالة عين النجاسة بالماء أو بغيره، بغسلة منفصلة أو متصلة بغسلة التطهير إذا كانت الإزالة تتم بالماء، ولا فرق في ذلك بين الماء القليل والكثير، ولا بين البول وغيره، ولا بين بول الرضيع وغيره، وإن كان الأحوط استحباباً في البول الفصل بين غسلة الإزالة وغسلة التطهير، سواء في ذلك الثوب وغيره.
هذا ولا يجب عصر الثوب ولا دلك ما لا يقبل العصر كالفراش عند تطهيره إلاَّ عند نفوذ النجاسة فيه وتطهيره بالماء القليل، كما في حالة تنجسه بالبول أو الدم أو الماء القليل المتنجس أو نحو ذلك، فإن لـم تنفذ فيه النجاسة بل لامست سطح الثوب أو الفراش فلا يجب عصره ولا دلكه. أمّا عند تطهيره بالماء الكثير فإنه لا يجب عصره ولا دلكه حتى عند نفوذ النجاسة فيه إلاَّ في صورة بقاء عين النجاسة وإزالتها بالماء فإنه يجب عصره ـ حينئذ ـ من غسلة الإزالة هذه.
مسألة 124: لا يشترط في العصر والدلك كيفية خاصة، فيجزي في العصر الاعتماد على سرعة الدوران في الغسالات الكهربائية لشفط الماء من الثوب، كذلك يكفي في الدلك وضع شيء ثقيل على الفراش أو السجاد وتركه كذلك حتى يخرج منه ماء الغسالة.
مسألة 125: يتحقّق التطهير بالغسالة الأتوماتيكية الحديثة، حتى مع فرض تلوث جوانب الحوض بعصارة الغسيل المتنجس، لأنَّ الحوض يطهر تبعاً لطهارة الثياب الموجودة فيه ما دام الماء الطاهر يصيب تلك الأماكن المتنجسة.
مسألة 126: الثوب الذي عليه بقايا من عين النجاسة، كالغائط مثلاً، إذا كان بين الثياب المطهرة لا تنجس به سائر الثياب إلاَّ أن يعلم سيلان الماء المتنجس من نفس المكان الملوث بالغائط إلى ما يجاوره، ومع الشك في ذلك يحكم بالطهارة. وكذلك الحكم في غير الثوب من الأشياء المتنجسة إذا بقي أثر النجاسة على بعضها.
مسألة 127: إذا وجد في الثوب أثر لمساحيق التنظيف المتنجسة، فإن كانت هذه المواد من قبيل أجزاء الصابون ونفذ فيها الماء طهر باطنها بذلك، أمّا ظاهرها فإنه يطهر ـ دائماً ـ بتطهيـر الثوب، وإن كانت من قبيل المائعات التي لها جرم معين، كالشامبو ونحوه، فإنه لا بُدَّ من تطهير موضعها ما لـم يكن الأثر من قبيل اللون.
في تطهير الأواني:
مسألة 128: المراد بالإناء ما يستخدم في الطعام أو الشراب، مثل القدور والصواني والصحون والكؤوس والأباريق ونحوها مما يحفظ أو يعدّ أو يقدّم فيها الطعام أو الشراب، ولا يشمل مثل الطشت مما يستخدم لغسل الخضروات أو الثياب حتى لو وضع فيه الطعام استثناء، والمرجع في ذلك هو عرف كلّ جيل وزمانه مما يختلف بحسب المجتمعات والأزمنة.
مسألة 129: إذا ولغ الكلب من إناء، أي شرب منه بطرف لسانه، أو شرب منه من دون ولوغ، كأن يكون مقطوع اللسان، أو لحسه بلسانه من دون شرب، وجب تعفيره بالتراب قبل التطهير بالماء، والأحوط وجوباً كون التراب طاهراً. والمراد بالتعفير أن يوضع في الإناء مقدار من التراب أو الرمل، ثُمَّ يوضع معه مقدار من الماء، فيمسح الإناء بالمزيج من التراب والماء، ثُمَّ يغسل بالماء لإزالة أثر التراب، ثُمَّ يغسل بالكثير مرة أو بالقليل مرتين. ولا يغني الوحل عن التراب، وفي صورة ما لو كان الإناء فارغاً فلحسه بلسانه لـم يجب تعفير جميع الإناء، بل يقتصر على موضع الملاقاة.
كذلك فإنه لا يجب التعفير لمجرّد وقوع لعابه فيه من دون ولوغ أو لطع. وفي الآنية الضيقة يكفي وضع التراب والماء فيه وإدارته حتى يصل إلى تمام المواضع المتنجسة ثُمَّ إلقاؤه وغسله بالماء كما سلف.
مسألة 130: يجب تطهير الإناء من شرب الخنزير منه أو موت الجرذ فيه سبع مرات بالماء الكثير أو القليل، والمراد بالجرذ الفأر الكبير البري، فلا يشمل الفأر الصغير الذي يعيش في البيوت أو في البرية، بل إنها لو ماتت في الإناء لحقها حكم غيرها من النجاسات، مرة بالماء الكثير، أو ثلاث مرات بالماء القليل، كذلك فإنه لا بُدَّ من حدوث الموت في الإناء، فلو وضع الجرذ الميت في الإناء الرطب كان حكمه في التطهير حكم سائر النجاسات.
مسألة 131: لا ينجس الإناء بملاقاة الخمر، وإن كان الأحوط استحبابا تطهيره ثلاث مرات بالماء القليل أو الكثير.
مسألة 132: إذا تنجس الإناء بغير ما سلف من النجاسات فإنَّ الواجب تطهيره ثلاث مرات بالماء القليل، أو مرة واحدة بالماء الكثير.
مسألة 133: يمكن تطهير الإناء بالماء القليل بوضع مقدار من الماء فيه وإدارته حتى يصل إلى جميع المواضع المتنجسة وإفراغه، ثُمَّ يوضع ماء جديد مرة ثانية ويفعل به كذلك، وهكذا، كما يمكن تطهيره بملئه وإفراغه مرة بعد مرة مع تجديد الماء في كلّ مرة إلى أن يتمّ العدد المطلوب.
مسألة 134: الأواني الكبيرة المثبتة التي يصعب إفراغ الماء منها يمكن تطهيرها بالماء القليل بصب الماء فيها ثُمَّ إخراج الماء المجتمع بآلة مثل الإسفنجة ونحوها، ثُمَّ يُصب فيها ماء جديد ويُخرج بالإسفنجة، وهكذا يفعل ذلك بعدد المرات الواجبة لحصول الطهارة،هذا ولا تتنجس الإسفنجة خلال ذلك بماء الغسالة لأنه متنجس ثانٍ.
في تطهير سائر المتنجسات:
مسألة 135: اللحم أو الحبــوب أو الخضـروات المتنجسـة ـ ما لـم تنفذ النجاسة إلى باطنها ـ يمكن تطهيرها بوضعها في طشت وصب الماء القليل حتى يستولي عليها وعلى ما تنجس من الطشت مرة واحدة ثُمَّ إفراغه من الماء، فتطهر الخضروات ويطهر الطشت تبعاً لها، هذا إذا وضعت في مثل الطشت، أمّا إذا وضعت في آنية، مثل القدر، فإنه حيث يتنجس بها الإناء لا يكفي تطهيره مرة بالقليل، بل لا بُدَّ من تطهيره مع ما فيه ثلاث مرات. أمّا مع نفوذ النجاسة إلى باطنها كما في البرغل أو الجبن أو الخبز ونحوها فإنه لا بُدَّ من وضعها في الماء المعتصم، كالكر ونحوه، حتى ينفذ الماء الطاهر إلى باطنها فتطهر، ولا تطهر بوضعها في الماء القليل، نعم إذا كان باطنها غير صلب بحيث ينفذ الماء فيه بسهولة فإنه يكفي في طهارتها ـ حينئذ ـ صب الماء القليل عليها كغيرها من المتنجسات.
مسألة 136: لا يشترط جفاف الباطن المتنجس عند تطهيره، بل المهم إبقاؤه في الماء مدّة يعلم معها بنفوذ الماء الطاهر إلى المواضع التي نفذ فيها الماء المتنجس، أو الاستمرار في الصب من الماء القليل حتى يعلم تغلغله في جميع الباطن المتنجس.
مسألة 137: إذا شك في نفوذ النجاسة إلى الباطن يبني على عدم النفوذ ويحكم بطهارته، وإذا علم بنفوذ النجاسة لكن شك في نفوذ الماء الطاهر إلى ذلك الموضع النجس بنى على عدم النفوذ وعلى بقاء النجاسة.
مسألة 138: الزيوت والدهون لا تطهر إذا تنجست حتى لو وضعت في كر ماء حار يغلي وتحللت ثُمَّ اجتمعت بعد برد الماء، فلا تستعمل ـ والحالة هذه ـ إلاَّ في مثل التداوي والإسراج ونحوهما مما لا يشترط فيه الطهارة.
مسألة 139: إذا تنجس الحليب لا يطهر إلاَّ بصنعه جنباً وجعله في ماء الكر حتى ينفذ الماء إلى داخله فيطهره.
مسألة 140: قد تتنجس الحلي أثناء صوغها لنجاسة الأواني التي يذوب فيها المعدن مثلاً، فإنه يكفي تطهير ظاهرها بعد صياغتها، خاصة وأنه لا يعلم بنفوذ النجاسة في مثل المعدن المذاب إلى الباطن كي تترتب أحكام أخرى.
مسألة 141: لا يمنع مجرّد الدسم الموجود على اللحم أو الشحم أو اليد أو الزيتون من تطهيرها بالماء ما دام ليس له جرم ظاهر، والأمر كذلك في اللحم المطبوخ إذا تنجس مرقه فإنه يمكن إخراجه من المرق وتطهيره، لكن في هذه الحالة لا بُدَّ من نفوذ الماء الطاهر إلى ما نفذ إليه الماء المتنجس، وذلك كما سلف القول في أمثاله في المسألة 135.
مسألة 142: الطعام المتنجس الذي يعلق بين الأسنان يبقى على النجاسة، لكنه لا يتنجس به الباطن، نعم يحرم ابتلاعه وابتلاع ما يلاقيه من الطعام الجديد الذي سوف يتنجس به، ويطهر ظاهره بالمضمضة، وكذا باطنه إذا نفذ الماء الطاهر إليه، أمّا نفس باطن الفم فإنه يطهر بزوال عين النجاسة أو المتنجس منه من دون ضرورة لتطهيره بالماء كما سيأتي في المسألة 172 وما بعدها.