يجب كفايةً دفن الميت المسلم، بمعنى مواراته في الأرض بنحو يؤمن على جسده من السباع ومن إيذاء رائحته للنّاس، فلا يكفي وضعه فوق الأرض في تابوت أو بناء، حتى لو تحقّق الأمن عليه من السباع وعلى النّاس من رائحته، إلاَّ عند العجز عن دفنه في الأرض. هذا ولا يشترط وضعه على التراب، بل يجوز وضعه في تابوت أو نحوه في جوف الأرض ما دام يصدق عليه أنه مدفون في الأرض.
مسألة 481: يجب وضع الميت في قبره على جنبه الأيمن مستقبلاً القبلة بوجهه وسائر جسده، وهو، في بلاد الشام والعراق، بنحو يكون رأسه إلى الغرب ورجلاه إلى الشرق. ولا فرق في ذلك بين الجسد التام والناقص، كما في الجسد بلا رأس، والعكس، أو في الصدر وحده، بل في كلّ جزء يمكن فيه ذلك.
مسألة 482: إذا ماتت المرأة الكافرة ومات في بطنها جنين من مسلم وجب وضعها في القبر مستدبرة للقبلة ليكون وجه الجنين إلى القبلة، حتى لو لـم تلج الروح ذلك الجنين.
مسألة 483: إذا مات المسلم في سفينة في البحر، فإن أمكن تأخيره ليدفن في البر وجب، وإلاَّ وجب تغسيله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه، ثُمَّ يوضع في خابية أو ما يشبهها ويحكم إقفالها ويرمى في البحر، فإن لـم توجد خابية وجب ربط شيء ثقيل بجسده، كالحجر ونحوه، ويلقى في البحر.
مسألة 484: إذا اشتبهت القبلة يعمل على الظنّ، فإن ترجحت القبلة في جهة من الجهات وجه الميت إليها، وإلاَّ سقط وجوب الاستقبال إذا لـم يمكن تأخير الدفن للاستعلام عنها.
مسألة 485: لا يجوز دفن المسلم في الأمكنة التالية:
الأول: في مقابر الكفّار، وكذا لا يجوز دفن الكافر في مقابر المسلمين. نعم يجوز ذلك عند الضرورة، كما قد يحصل لبعض المهاجرين المسلمين في البلاد غير الإسلامية. ومن أجل دفع هذه الضرورة يجب ـ كفاية ـ على المسلمين المهاجرين العمل على تأمين مقبرة خاصة بهم.
الثاني: في الأمكنة التي يستلزم الدفن فيها هتك الحرمة، كالمزبلة ومجاري الصرف الصحية ونحوهما.
الثالث: في المكان المغصوب، وكذا في المكان الموقوف لغير الدفن، كالمساجد والحسينيات ونحوهما، حتى لو أذن الولي بذلك.
مسألة 486: لـم تثبت حرمة الدفن في قبر ميت آخر قبل اندراسه وصيرورته تراباً، كما لـم تثبت مانعية حقّ الميت في القبر من دفن غيره معه، وإن كان مكروهاً، غايته يحرم ـ من أجل ذلك ـ نبش القبر وكشف جثمان الميت قبل الإندراس، فلو عصى ونبش القبر، أو نُبش القبر بحادث طبيعي، جاز دفن ميت آخر فيه، وإن كان الاحتياط بالترك لا ينبغي تركه. أمّا دفن ميتين ـ ابتداءً ـ في قبر واحد فهو مكروه.
مسألة 487: إذا أوصى الميت بنقله إلى المشاهد المشرفة، أو إلى بلده، ليدفن فيها، ولم يتيسر ذلك إلاَّ بعد مدّة من الزمان، شهراً أو سنة، أو أكثر، لـم يجز وضعـه في مكـان فـوق الأرض والبنـاء عليـه انتظاراً لمضي المدة، وهو المسمى بـ (التوديع) المتعارف في بعض البلدان لمن يُراد نقله إلى المشاهد المشرفة، بل الواجب دفنه في الأرض ولو في داخل صندوق مقفل كالتابوت، ثُمَّ استخراج جثته لدفنها في المكان الموصى به إذا لـم يستوجب هتك حرمة الميت، وإلاَّ وجب الانتظار إلى حين زوال عنوان الهتك.
مسألة 488: لا يجوز نبش القبر إلاَّ عند وجود ضرورة تستدعي ذلك، ولها موارد متعددة نذكر بعضها كما يلي:
الأول: إذا دفن الميت في المكان المغصوب عدواناً أو جهلاً أو نسياناً، ولم يرض المالك ببقائه، فإنه يجب إخراجه منه، لأنَّ الدفن الحاصل غير شرعي، فلا اعتبار به، ولتخليص المال المحترم ـ وهو أرض المالك ـ من العدوان عليه بالغصب، ويلحق بهذا الفرع، ما إذا كان الكفن مغصوباً، أو دفن معه مال مغصوب، أو ماله المنتقل إلى الوارث بعد موته.
الثاني: إذا كان مدفوناً بلا غسل ولا كفن، أو تبين بطلان غسله، أو كان كفنه على غير الوجه الشرعي، كما إذا كان من حرير أو من جلد غير المأكول، فيجوز نبشه لتصحيح وضعه الشرعي، لأنَّ الدفن ـ بالصورة المذكورة ـ ليس شرعياً، فلا حرمة له، ولكن يختص ذلك بصورة ما إذا لـم يؤد النبش إلى هتك حرمته والإساءة إلى كرامته، فإنَّ المفسدة الناشئة من هتك حرمة المؤمن أهم وأجدر بالمراعاة من المفسدة في فقدان الشروط الشرعية لتجهيزه، فتتقدم عليها.
ويلحق بذلك صورة ما إذا وضع على غير القبلة، ولو جهلاً أو نسياناً، أمّا في صورة غسله بالماء القراح بعد تعذر السدر والكافور، فوجد بعد ذلك، أو كان الدفن بعد التيمم للميت لفقد الماء، فوجد الماء بعد دفنه، فلا يجوز النبش في تلك الحال، لصحة التيمم في الصورة الثانية والغسل في الصورة الأولى، فلا مخالفة للواجب ليكون النبش لتصحيح الوضع الشرعي.
وهكذا لو دفن قبل الصلاة عليه، أو تبين بطلان الصلاة، فلا يجوز النبش لأجلها، بل يصلى على قبره.
الثالث: إذا توقف على رؤية جسده إثبات حق من الحقوق، أو دفعُ مفسدة كبيرة، أو تحقيق مصلحة راجحة على ذلك، ولو كان ذلك من أجل معرفة الجريمة الواقعة على الميت، لتأكيد شخصيته، أو لفحص موقع الجريمة، أو نحو ذلك مما له علاقة بإثبات الحقّ أو الدعوى لترتيب الآثار الشرعية عليه.
الرابع: إذا كان النبش لمصلحة الميت، كما إذا كان مدفوناً في موضع يوجب مهانة له كمزبلة أو بالوعة ونحوهما، أو في موضع يتخوف فيه على بدنه من سيل أو سبع أو عدو، أو كان معرضاً للإهانة في المستقبل، بتحويل المكان الذي دفن فيه أو المكان القريب منه إلى عنوان يستوجب الإضرار بحرمته والإساءة إلى كرامته.
الخامس: نقله إلى المكان الذي أوصى بدفنه فيه أو أذن الولي فيه، إذا كان الدفن في المكان الحالي على خلاف الوصية أو بدون إذن الولي.
وبالجملة فإنه يجوز النبش في كلّ مورد كانت المصلحة فيه أقوى من المفسدة، سواء كان ذلك بالنسبة إلى الميت، أو بالنسبة إلى القضايا العامة، أو المصالح المتصلة بأشخاص محدّدين.
مسألة 489: إذا دفن الميت في الأرض المملوكة بإذن أصحابها، أو قبل انتقالها إلى ملكية الغير ثُمَّ تعارض وجود القبر مع مصلحة المالك الراغب في البناء بها ونحوه، لـم يجز نبش القبر ونقل رفات الميت إلى مكان آخر من الأرض، أو إلى مقبرة البلدة، من أجل بيع الأرض أو البناء عليها للاستفادة المالية أو الانتفاعية، ولكن يجوز ذلك إذا خيف على الجثة المدفونة من التعرّض للإهانة في المستقبل، أو كان في وجودها في مقبرة المسلمين مصلحة للميت، من خلال كثرة المترحمين عليه والزائرين له والداعين له من قبل النّاس المتردّدين على المقبرة العامة.
مسألة490: من كان يحفر ركائز للبناء في أرضه فوجد فيها قبوراً إسلامية قديمة لـم يجز له ـ من حيث المبدأ ـ نبش القبور الإسلاميّة، حتى إذا كان ذلك لمصلحة بناء بيته إذا اقتضت الهندسة وقوع المرافق الصحية في موقع القبور، بل يجب عليه تغيير هندسة البيت بنحو تُجعل المرافق الصحية بعيدة عن موقع القبور، حتى لو بقيت سائر غرف المنزل في موقع القبور. أمّا إذا تحقّق النبش عصياناً، أو لعدم علمه بوجودها إلاَّ بعد حفرها وانكشاف الجثث فيها، جاز له نقلها إلى مكان آخر ودفنها فيه، خاصة إلى المشاهد المشرفة التي يكون الدفن فيها راجحاً، بحيث يتقدّم على مفسدة النبش، أو على مفسدة بقاء القبور في مواقعها التي تعرّضها للهتك.
في آداب التشييع والدفن:
أمّا في التشييع فقد ذكر العلماء أنه يستحب لأولياء الميِّت إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليحضروا جنازته والصلاة عليه، والاستغفار له، ويستحب للمؤمنين المبادرة إلى ذلك، وليس للتشييع حدّ معيَّن، والأولى أن يكون إلى موضع الدفن، ودونه إلى حين الصلاة عليه، والأخبار في فضله كثيرة. وأمّا آدابه فهي أمور:
الأول: أن يقول إذا نظر الجنازة: «إنا لله وإنا إليه راجعون، الله أكبر، هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، اللّهم زدنا إيماناً وتسليماً، الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت». وهذا لا يختصّ بالمشيّع بل يستحبّ لكلّ من نظر إلى الجنازة، كما أنه يستحب له مطلقاً أن يقول: «الحمد لله الذي لـم يجعلني من السواد المخترم».
الثاني: أن يقول حين حمل الجنازة: «بسم الله وبالله وصلى الله على محمَّد وآل محمَّد، اللّهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات».
الثالث: أن يمشي بل يكره الركوب إلاَّ لعذر، نعم لا يكره في الرجوع.
الرابع: أن يحملوها على أكتافهم، لا على الحيوان أو السيارة، إلاّ لعذر كبعد المسافة.
الخامس: أن يكون المشيّع خاشعاً متفكّراً متصوِّراً أنه هو المحمول.
السادس: أن يمشي خلف الجنازة أو على أحد طرفيها، ولا يمشي قدَّامها. والأول أفضل من الثاني، والظاهر كراهة الثالث، خصوصاً في جنازة غير المؤمن.
السابع: أن يلقى عليها ثوب غير مزيَّن.
الثامن: أن يكون حاملوها أربعة.
التاسع: تربيع الشخص الواحد، بمعنى حمله جوانبها الأربعة، والأولى الابتداء بيمين الميِّت يضعه على عاتقه الأيمن، ثُمَّ مُؤخَّرها الأيمن على عاتقه الأيمن، ثُمَّ مؤخَّرها الأيسر على عاتقه الأيسر، ثُمَّ ينتقل إلى المقدَّم الأيسر واضعاً له على العاتق الأيسر، يدور عليها.
العاشر: أن يكون صاحب المصيبة على حالة يعلم منها أنَّه صاحب المصيبة، كأن يغير زيه، أو نحو ذلك.
ويكره في التشييع أمور:
الأول: الضحك واللعب واللّهو.
الثاني: وضع الرداء من غير صاحب المصيبة.
الثالث: الكلام بغير الذكر والدعاء والاستغفار، حتى ورد المنع عن السلام على المشيّع.
الرابع: تشييع النساء للجنازة وإن كانت امرأة.
الخامس: الإسراع في المشي على وجه ينافي الرفق بالميِّت، سيَّما إذا كان بالعَدْو، بل ينبغي الوسط في المشي.
السادس: ضرب اليد على الفخذ أو على الأخرى.
السابع: أن يقول المصاب أو غيره: ارفقوا به، واستغفروا له، أو: ترحموا عليه، وكذا قول: قفوا به.
الثامن: إتِّباعها بالنّار، ولو مُجمِّرةً، إلاّ في الليل، فلا يكره المصباح.
التاسع: القيام عند مرورها إن كان جالساً.
أمّا الدفن فقد ذكر له العلماء آدابا كثيرة، منها أنه يستحب حفر القبر بعمق قامة الإنسان أو إلى حدود الكتفين. وأن يجعل له لحد مما يلي القبلة في الأرض الصلبة بقدر ما يمكن فيه الجلوس، وفي الرخوة يشقّ وسط القبر شبه النهر ويجعل فيه الميت ويسقف عليه ثُمَّ يُهال عليه التراب. وأن يغطى القبر بثوب عند إدخال المرأة. والأذكار المخصوصة المذكورة في محالها عند تناول الميت، وعند وضعه في اللحد. والتحفِّي وحلّ الأزرار وكشف الرأس للمباشر لذلك. وأن تحل عقد الكفن بعد الوضع في القبر من طرف الرأس، وأن يحسر عن وجهه ويجعل خده على الأرض، ويعمل له وسادة من تراب، وأن يوضع شيء من تربة الحسين y معه. وتلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمة i( ). وأن يسدّ اللحد. وأن يخرج المباشـر من طرف الرجليـن. وأن يهيل الحاضرون ـ غير ذي الرحم ـ التراب بظهور الأكف. وطم القبر وتربيعه، لا مثلثاً، ولا مخمساً، ولا غير ذلك. ورش الماء عليه بشكل دائري يستقبل القبلة، ويبتدأ من عند الرأس فإن فضل شيء صبّ على وسطه. ووضع الحاضرين أيديهم عليه غمزاً بعد الرش، ولا سيما لمن لـم يحضر الصلاة عليه. والترحم عليه بمثل: «اللّهم جاف الأرض عن جنبيه، وصعِّد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليّين وألحقه بالصالحين». وأن يلقنه الولي بعد انصراف النّاس رافعاً صوته. وأن يكتب اسم الميت على القبر أو على لوح أو حجر وينصب على القبر.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى أنه: يكره دفن ميتين في قبر واحد. ونزول الأب في قبر ولده. وغير المحْرم في قبر المرأة. وإهالة الرحم التراب. وفرش القبر بألواح من الخشب إلاَّ أن ينبع فيه الماء ويوحل مثلاً، أو لغيره من الضرورات. وتجصيصه وتطيينه وتسنيمه. والمشي عليه والجلوس والاتكاء. وكذا البناء عليه وتجديده بعد اندراسه إلاَّ قبور الأنبياء والأوصياء والعلماء والصلحاء.
يجب كفايةً دفن الميت المسلم، بمعنى مواراته في الأرض بنحو يؤمن على جسده من السباع ومن إيذاء رائحته للنّاس، فلا يكفي وضعه فوق الأرض في تابوت أو بناء، حتى لو تحقّق الأمن عليه من السباع وعلى النّاس من رائحته، إلاَّ عند العجز عن دفنه في الأرض. هذا ولا يشترط وضعه على التراب، بل يجوز وضعه في تابوت أو نحوه في جوف الأرض ما دام يصدق عليه أنه مدفون في الأرض.
مسألة 481: يجب وضع الميت في قبره على جنبه الأيمن مستقبلاً القبلة بوجهه وسائر جسده، وهو، في بلاد الشام والعراق، بنحو يكون رأسه إلى الغرب ورجلاه إلى الشرق. ولا فرق في ذلك بين الجسد التام والناقص، كما في الجسد بلا رأس، والعكس، أو في الصدر وحده، بل في كلّ جزء يمكن فيه ذلك.
مسألة 482: إذا ماتت المرأة الكافرة ومات في بطنها جنين من مسلم وجب وضعها في القبر مستدبرة للقبلة ليكون وجه الجنين إلى القبلة، حتى لو لـم تلج الروح ذلك الجنين.
مسألة 483: إذا مات المسلم في سفينة في البحر، فإن أمكن تأخيره ليدفن في البر وجب، وإلاَّ وجب تغسيله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه، ثُمَّ يوضع في خابية أو ما يشبهها ويحكم إقفالها ويرمى في البحر، فإن لـم توجد خابية وجب ربط شيء ثقيل بجسده، كالحجر ونحوه، ويلقى في البحر.
مسألة 484: إذا اشتبهت القبلة يعمل على الظنّ، فإن ترجحت القبلة في جهة من الجهات وجه الميت إليها، وإلاَّ سقط وجوب الاستقبال إذا لـم يمكن تأخير الدفن للاستعلام عنها.
مسألة 485: لا يجوز دفن المسلم في الأمكنة التالية:
الأول: في مقابر الكفّار، وكذا لا يجوز دفن الكافر في مقابر المسلمين. نعم يجوز ذلك عند الضرورة، كما قد يحصل لبعض المهاجرين المسلمين في البلاد غير الإسلامية. ومن أجل دفع هذه الضرورة يجب ـ كفاية ـ على المسلمين المهاجرين العمل على تأمين مقبرة خاصة بهم.
الثاني: في الأمكنة التي يستلزم الدفن فيها هتك الحرمة، كالمزبلة ومجاري الصرف الصحية ونحوهما.
الثالث: في المكان المغصوب، وكذا في المكان الموقوف لغير الدفن، كالمساجد والحسينيات ونحوهما، حتى لو أذن الولي بذلك.
مسألة 486: لـم تثبت حرمة الدفن في قبر ميت آخر قبل اندراسه وصيرورته تراباً، كما لـم تثبت مانعية حقّ الميت في القبر من دفن غيره معه، وإن كان مكروهاً، غايته يحرم ـ من أجل ذلك ـ نبش القبر وكشف جثمان الميت قبل الإندراس، فلو عصى ونبش القبر، أو نُبش القبر بحادث طبيعي، جاز دفن ميت آخر فيه، وإن كان الاحتياط بالترك لا ينبغي تركه. أمّا دفن ميتين ـ ابتداءً ـ في قبر واحد فهو مكروه.
مسألة 487: إذا أوصى الميت بنقله إلى المشاهد المشرفة، أو إلى بلده، ليدفن فيها، ولم يتيسر ذلك إلاَّ بعد مدّة من الزمان، شهراً أو سنة، أو أكثر، لـم يجز وضعـه في مكـان فـوق الأرض والبنـاء عليـه انتظاراً لمضي المدة، وهو المسمى بـ (التوديع) المتعارف في بعض البلدان لمن يُراد نقله إلى المشاهد المشرفة، بل الواجب دفنه في الأرض ولو في داخل صندوق مقفل كالتابوت، ثُمَّ استخراج جثته لدفنها في المكان الموصى به إذا لـم يستوجب هتك حرمة الميت، وإلاَّ وجب الانتظار إلى حين زوال عنوان الهتك.
مسألة 488: لا يجوز نبش القبر إلاَّ عند وجود ضرورة تستدعي ذلك، ولها موارد متعددة نذكر بعضها كما يلي:
الأول: إذا دفن الميت في المكان المغصوب عدواناً أو جهلاً أو نسياناً، ولم يرض المالك ببقائه، فإنه يجب إخراجه منه، لأنَّ الدفن الحاصل غير شرعي، فلا اعتبار به، ولتخليص المال المحترم ـ وهو أرض المالك ـ من العدوان عليه بالغصب، ويلحق بهذا الفرع، ما إذا كان الكفن مغصوباً، أو دفن معه مال مغصوب، أو ماله المنتقل إلى الوارث بعد موته.
الثاني: إذا كان مدفوناً بلا غسل ولا كفن، أو تبين بطلان غسله، أو كان كفنه على غير الوجه الشرعي، كما إذا كان من حرير أو من جلد غير المأكول، فيجوز نبشه لتصحيح وضعه الشرعي، لأنَّ الدفن ـ بالصورة المذكورة ـ ليس شرعياً، فلا حرمة له، ولكن يختص ذلك بصورة ما إذا لـم يؤد النبش إلى هتك حرمته والإساءة إلى كرامته، فإنَّ المفسدة الناشئة من هتك حرمة المؤمن أهم وأجدر بالمراعاة من المفسدة في فقدان الشروط الشرعية لتجهيزه، فتتقدم عليها.
ويلحق بذلك صورة ما إذا وضع على غير القبلة، ولو جهلاً أو نسياناً، أمّا في صورة غسله بالماء القراح بعد تعذر السدر والكافور، فوجد بعد ذلك، أو كان الدفن بعد التيمم للميت لفقد الماء، فوجد الماء بعد دفنه، فلا يجوز النبش في تلك الحال، لصحة التيمم في الصورة الثانية والغسل في الصورة الأولى، فلا مخالفة للواجب ليكون النبش لتصحيح الوضع الشرعي.
وهكذا لو دفن قبل الصلاة عليه، أو تبين بطلان الصلاة، فلا يجوز النبش لأجلها، بل يصلى على قبره.
الثالث: إذا توقف على رؤية جسده إثبات حق من الحقوق، أو دفعُ مفسدة كبيرة، أو تحقيق مصلحة راجحة على ذلك، ولو كان ذلك من أجل معرفة الجريمة الواقعة على الميت، لتأكيد شخصيته، أو لفحص موقع الجريمة، أو نحو ذلك مما له علاقة بإثبات الحقّ أو الدعوى لترتيب الآثار الشرعية عليه.
الرابع: إذا كان النبش لمصلحة الميت، كما إذا كان مدفوناً في موضع يوجب مهانة له كمزبلة أو بالوعة ونحوهما، أو في موضع يتخوف فيه على بدنه من سيل أو سبع أو عدو، أو كان معرضاً للإهانة في المستقبل، بتحويل المكان الذي دفن فيه أو المكان القريب منه إلى عنوان يستوجب الإضرار بحرمته والإساءة إلى كرامته.
الخامس: نقله إلى المكان الذي أوصى بدفنه فيه أو أذن الولي فيه، إذا كان الدفن في المكان الحالي على خلاف الوصية أو بدون إذن الولي.
وبالجملة فإنه يجوز النبش في كلّ مورد كانت المصلحة فيه أقوى من المفسدة، سواء كان ذلك بالنسبة إلى الميت، أو بالنسبة إلى القضايا العامة، أو المصالح المتصلة بأشخاص محدّدين.
مسألة 489: إذا دفن الميت في الأرض المملوكة بإذن أصحابها، أو قبل انتقالها إلى ملكية الغير ثُمَّ تعارض وجود القبر مع مصلحة المالك الراغب في البناء بها ونحوه، لـم يجز نبش القبر ونقل رفات الميت إلى مكان آخر من الأرض، أو إلى مقبرة البلدة، من أجل بيع الأرض أو البناء عليها للاستفادة المالية أو الانتفاعية، ولكن يجوز ذلك إذا خيف على الجثة المدفونة من التعرّض للإهانة في المستقبل، أو كان في وجودها في مقبرة المسلمين مصلحة للميت، من خلال كثرة المترحمين عليه والزائرين له والداعين له من قبل النّاس المتردّدين على المقبرة العامة.
مسألة490: من كان يحفر ركائز للبناء في أرضه فوجد فيها قبوراً إسلامية قديمة لـم يجز له ـ من حيث المبدأ ـ نبش القبور الإسلاميّة، حتى إذا كان ذلك لمصلحة بناء بيته إذا اقتضت الهندسة وقوع المرافق الصحية في موقع القبور، بل يجب عليه تغيير هندسة البيت بنحو تُجعل المرافق الصحية بعيدة عن موقع القبور، حتى لو بقيت سائر غرف المنزل في موقع القبور. أمّا إذا تحقّق النبش عصياناً، أو لعدم علمه بوجودها إلاَّ بعد حفرها وانكشاف الجثث فيها، جاز له نقلها إلى مكان آخر ودفنها فيه، خاصة إلى المشاهد المشرفة التي يكون الدفن فيها راجحاً، بحيث يتقدّم على مفسدة النبش، أو على مفسدة بقاء القبور في مواقعها التي تعرّضها للهتك.
في آداب التشييع والدفن:
أمّا في التشييع فقد ذكر العلماء أنه يستحب لأولياء الميِّت إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليحضروا جنازته والصلاة عليه، والاستغفار له، ويستحب للمؤمنين المبادرة إلى ذلك، وليس للتشييع حدّ معيَّن، والأولى أن يكون إلى موضع الدفن، ودونه إلى حين الصلاة عليه، والأخبار في فضله كثيرة. وأمّا آدابه فهي أمور:
الأول: أن يقول إذا نظر الجنازة: «إنا لله وإنا إليه راجعون، الله أكبر، هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، اللّهم زدنا إيماناً وتسليماً، الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت». وهذا لا يختصّ بالمشيّع بل يستحبّ لكلّ من نظر إلى الجنازة، كما أنه يستحب له مطلقاً أن يقول: «الحمد لله الذي لـم يجعلني من السواد المخترم».
الثاني: أن يقول حين حمل الجنازة: «بسم الله وبالله وصلى الله على محمَّد وآل محمَّد، اللّهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات».
الثالث: أن يمشي بل يكره الركوب إلاَّ لعذر، نعم لا يكره في الرجوع.
الرابع: أن يحملوها على أكتافهم، لا على الحيوان أو السيارة، إلاّ لعذر كبعد المسافة.
الخامس: أن يكون المشيّع خاشعاً متفكّراً متصوِّراً أنه هو المحمول.
السادس: أن يمشي خلف الجنازة أو على أحد طرفيها، ولا يمشي قدَّامها. والأول أفضل من الثاني، والظاهر كراهة الثالث، خصوصاً في جنازة غير المؤمن.
السابع: أن يلقى عليها ثوب غير مزيَّن.
الثامن: أن يكون حاملوها أربعة.
التاسع: تربيع الشخص الواحد، بمعنى حمله جوانبها الأربعة، والأولى الابتداء بيمين الميِّت يضعه على عاتقه الأيمن، ثُمَّ مُؤخَّرها الأيمن على عاتقه الأيمن، ثُمَّ مؤخَّرها الأيسر على عاتقه الأيسر، ثُمَّ ينتقل إلى المقدَّم الأيسر واضعاً له على العاتق الأيسر، يدور عليها.
العاشر: أن يكون صاحب المصيبة على حالة يعلم منها أنَّه صاحب المصيبة، كأن يغير زيه، أو نحو ذلك.
ويكره في التشييع أمور:
الأول: الضحك واللعب واللّهو.
الثاني: وضع الرداء من غير صاحب المصيبة.
الثالث: الكلام بغير الذكر والدعاء والاستغفار، حتى ورد المنع عن السلام على المشيّع.
الرابع: تشييع النساء للجنازة وإن كانت امرأة.
الخامس: الإسراع في المشي على وجه ينافي الرفق بالميِّت، سيَّما إذا كان بالعَدْو، بل ينبغي الوسط في المشي.
السادس: ضرب اليد على الفخذ أو على الأخرى.
السابع: أن يقول المصاب أو غيره: ارفقوا به، واستغفروا له، أو: ترحموا عليه، وكذا قول: قفوا به.
الثامن: إتِّباعها بالنّار، ولو مُجمِّرةً، إلاّ في الليل، فلا يكره المصباح.
التاسع: القيام عند مرورها إن كان جالساً.
أمّا الدفن فقد ذكر له العلماء آدابا كثيرة، منها أنه يستحب حفر القبر بعمق قامة الإنسان أو إلى حدود الكتفين. وأن يجعل له لحد مما يلي القبلة في الأرض الصلبة بقدر ما يمكن فيه الجلوس، وفي الرخوة يشقّ وسط القبر شبه النهر ويجعل فيه الميت ويسقف عليه ثُمَّ يُهال عليه التراب. وأن يغطى القبر بثوب عند إدخال المرأة. والأذكار المخصوصة المذكورة في محالها عند تناول الميت، وعند وضعه في اللحد. والتحفِّي وحلّ الأزرار وكشف الرأس للمباشر لذلك. وأن تحل عقد الكفن بعد الوضع في القبر من طرف الرأس، وأن يحسر عن وجهه ويجعل خده على الأرض، ويعمل له وسادة من تراب، وأن يوضع شيء من تربة الحسين y معه. وتلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمة i( ). وأن يسدّ اللحد. وأن يخرج المباشـر من طرف الرجليـن. وأن يهيل الحاضرون ـ غير ذي الرحم ـ التراب بظهور الأكف. وطم القبر وتربيعه، لا مثلثاً، ولا مخمساً، ولا غير ذلك. ورش الماء عليه بشكل دائري يستقبل القبلة، ويبتدأ من عند الرأس فإن فضل شيء صبّ على وسطه. ووضع الحاضرين أيديهم عليه غمزاً بعد الرش، ولا سيما لمن لـم يحضر الصلاة عليه. والترحم عليه بمثل: «اللّهم جاف الأرض عن جنبيه، وصعِّد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليّين وألحقه بالصالحين». وأن يلقنه الولي بعد انصراف النّاس رافعاً صوته. وأن يكتب اسم الميت على القبر أو على لوح أو حجر وينصب على القبر.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى أنه: يكره دفن ميتين في قبر واحد. ونزول الأب في قبر ولده. وغير المحْرم في قبر المرأة. وإهالة الرحم التراب. وفرش القبر بألواح من الخشب إلاَّ أن ينبع فيه الماء ويوحل مثلاً، أو لغيره من الضرورات. وتجصيصه وتطيينه وتسنيمه. والمشي عليه والجلوس والاتكاء. وكذا البناء عليه وتجديده بعد اندراسه إلاَّ قبور الأنبياء والأوصياء والعلماء والصلحاء.