وقد قلنا إنَّ المراد به دفع المخاطر المتوجهة إلى نفس المكلّف أو نفس غيره ممن يتعلّق به أو لا يتعلّق به من سائر المسلمين وغيرهم، أو المتوجهة إلى غير النفس كالأموال. واستيفاء الكلام فيها يقع في عناوين:
1 ـ الدفاع عن الذات:
مسألة 1200: يجب على كلّ مكلّف، رجلاً كان أو امرأة، دفع الضرر المتوجه إليه من الغير، سواء كان مصدره إنساناً أو حيواناً أو شيئاً آخر غيرهما من المخاطر الطبيعية الأرضية أو السَّماوية، بل يحرم على المكلّف إيقاع الضرر بنفسه، ويجب عليه ترك ذلك وحفظ نفسه من الأضرار.
وحدّ الضرر الواجب دفعه وحماية النفس منه هو ما يحرص عامة العقلاء على دفعه عن أنفسهم، وأعلاه الموت، ثُمَّ ما يشبه الموت من الأضرار الكبرى، كالإغماء الدائم أو الشلل أو الجنون أو العمى أو غير ذلك من الأمور المستلزمة لتعطل الأعضاء والوظائف الرئيسة في الجسم، ثُمَّ الجروح والحروق البليغة أو الكسور والأمراض والأوجاع الحادة والصعبة، ونحو ذلك من مراتب الإضرار بالنفس التي تتجاوز الحدّ الأدنى في الأذى والإيلام، فإن كان مثل الخدوش واللطمات والرضوض والأوجاع البسيطة الناتجة عن مثل حُرقة المعدة أو السعال أو الحساسية الجلديّة أو نحو ذلك فإنها مما لا يحرص العقلاء على تجنيب أنفسهم منه فلا يجب حفظ النفس منه وتجنيبها إياه.
ومن المخاطر الواجب دفعها ما إذا قصده المهاجم بعدوان جنسي، بمثل الجمـاع فمـا دون، للرّجـل والمـرأة، مـن الرّجـل أو المـرأة. ويعدّ منهـا ـ أيضاً ـ الاعتداء على كرامته وحرمته المعنوية، بمثل الأعمال والأقوال المؤدية إلى السخرية منه والاستهزاء به وإقلاق راحته وحجز حريته، ونحو ذلك مما لا يترتّب عليه أذى مادي ظاهر بل يكون أذاه معنوياً باطنياً.
وإنَّ من موارد العدوان على الحرمات حالة ما لو عمد شخص إلى تسلق سور دار إنسان، أو أحدث ثقباً في جدار داره، أو استخدم الناظور المقرّب، أو وضع أجهزة تنصت أو تصوير، وذلك بهدف مراقبته وكشف أسراره أو الإلتذاذ الجنسي بمشاهدة حريمه أو أعماله الجنسيّة، فإنه يجوز له، وقد يجب عليه، دفعه ومنعه من فعل ذلك، فإن توقف دفعه على الجناية عليه أو إتلاف ماله لـم يكن عليه ضمان.
مسألة 1201: لا يستثنى من ذلك الأضرار التي ألف النّاس إيقاع أنفسهم فيها، كتدخين التبغ، ولا الأضرار التي يوقعها بعض النّاس بأنفسهم لدواعٍ دينية، كضرب الرأس بالسيف أو جرح الجسد أو حرقه حزناً على الإمام الحسين y، فإنَّ الضرر إذا انطبق عليه ذلك المعيار يحرم إيقاع النفس فيه حتى لو صار مألوفاً أو مغلفاً ببعض التقاليد الدينيّة التي لـم يأمر بها الشرع ولم يرغب بها.
مسألة 1202: قد يجب ارتكاب الضرر الأقل إذا توقّف عليه دفع الضرر الأكثر، بل قد يجب، أو يجوز، إهلاك النفس، كما في العمليات الجهاديّة الاستشهاديّة، إذا توقف عليه أمر أهم منه، كدفع العدو ونحوه.
مسألة 1203: دفع الخطر له مرتبتان:
الأولى: بالتوقي والتحصن منه واستخدام الحيلة لدفع عدوانه وخطره، وهو الأصل في دفع المخاطر الطبيعيّة عن النفس، كأضرار الحر والبرد والأوبئة والسباع وغيرها. وإذا كان المعتدي إنساناً وأمكن التخلّص من عدوانه بالتحصن في بيت، أوبتنبيهه بمثل السعال والكلام إلى كونه مستيقظاً ومستعداً له، أو بالفرار منه وتغييب نفسه عنه، فإنه يجوز فعل ذلك إذا لـم يترتب عليه ذلة وهتك لحرمته أو غيرهما من العناوين الموجبة للحرمة، بل قد يجب ذلك إذا كان فيه سلامة المعتدي وسلامة المعتدى عليه، في مثل موارد غضب الرحم على رحمه، أو كون المهاجم مجنوناً، أو غيرها من الموارد.
ويجب التنبيه إلى أنَّ حالات وموارد هذه المرتبة كثيرة ومتنوّعة، بل إنَّ بعضها معقد ومُربِك، لذا فإنَّ على المكلّف أن يكون دقيقاً في تشخيص ما يناسب حالته والاعتماد في هذه الدقة على العلم بالشريعة وعلى الاحتياط والورع، خاصة وأنَّ النفس ميالة إلى السلامة والدعة، بل إنَّ ذلك الاحتياط مطلوب في كلّ موارد الدفاع وأساليبه حتى عند استخدام القوّة والعنف خشية الإفراط فيه وتجاوز الحدّ المشروع.
الثانية: مبادرة المهاجم بالهجوم المضاد، ودفع خطره ـ ولو كان دون القتل ـ بالوسائل المادية المتوفرة، وفي هذا المقام فإنه يجوز استخدام كلّ وسيلة متوفرة بين يديه من أجل ردّ الخطر ودفع العدو ولو أدّت إلى إيقاع الضرر البالغ بالمعتدي أو قتله، ولكن يجب على الدافع ـ مع الإمكان ـ الترقي في الدفع من الأخف إلى الأشدّ، ومرادنا بـ «الإمكان» هو كون المدافع قادراً على إدارة المواجهة من حيث القدرة البدنية والأدوات والزمان والمكان بتلك الطريقة من التدرج، وذلك في مقابل حالة عدم الإمكان، وهي الحالة التي يكون فيها المدافِع مربكاً أو خائفاً أو فاقداً للأدوات المناسبة ونحو ذلك من الأمور التي تعجزه عن الدفاع بتدرج.
مسألة 1204: كلّ حالة من الدفاع لها أسلوبها في الدفع المتدرج، ويمكن تحديد ذلك بنحو إجمالي كما يلي:
أولاً: باللجوء إلى وسيلة دون الضرب، وذلك مثل: عزل النفس عن المعتدي، بمثل الدرع أو إغلاق الباب، أو الصراخ أو إطلاق النّار في الهواء، أو التلويح باليد أو السلاح، أو نحو ذلك.
ثانياً: ضربه باليد أو العصا على الأماكن الأقل إيلاماً، متدرجاً فيه إلى الأماكن الأكثر إيلاماً، كما إنَّ عليه التدرج في قوّة الضرب مما لا يترك أثراً إلى ما يترك أثراً، الإحمرار ثُمَّ الإزرقاق ثُمَّ الإسوداد، وهكذا إلى استخدام الأدوات الحادة بقصد إصابته بجروح خفيفة ثُمَّ بالأعمق، ويلتفت إلى ما بين الجروح العميقة والكسور من مراتب، فيتدرج إلى آخر المراتب.
نعم إذا اعتقد ـ مسبقاً ـ أنه لا يندفع إلاَّ بالأشدّ جاز فعل الأشدّ مباشرة، وكذا إذا لـم يكن له مجال لتحديد المرتبة الأخف من ناحية طبيعة الوضع وتعقيدات الدفاع. أمّا المرجع فيما هو الأخف والأشدّ فهو العرف.
مسألة 1205: لا يضمن المدافع ما يقع على المعتدي من ضرر الجروح أو الكسور، أو تلف في أمواله، كثيابه ودابته ونحوهما، إذا كان المدافع قد التزم الأسلوب المشروع في الدفع فلم يعتد ولم يفرط، وإلاَّ كان ضامناً بقدر تعديه أو تفريطه.
مسألة 1206: إذا اعتقد المكلّف ـ خطأ ـ أنَّ شخصاً يريد العدوان عليه فدفعه فجنى عليه، ثُمَّ تبين له خطأُه لزمه ضمان ما جناه عليه في نفسه وماله، ولم يكن آثماً بذلك.
مسألة 1207: لا بُدَّ من توفر أمور في المدافع كي يجوز له أو يجب عليه مباشرة عملية الدفاع:
الأول: إحراز كون الخصم يريده بالأذى، فلو ظنّ أو احتمل أنه يريده، وكان واثقاً من قدرته على دفعه في كلّ وقت، لـم يجز له الدفع إلاَّ بعد وثوقه بالهجوم عليه. فإن خاف مفاجأته له بالهجوم في وقت لا يقدر على دفعه، وكان ظنَّه معتبراً عرفاً، جاز له الدفاع، وإن كان مجرّد احتمالٍ ففي جواز الدفع إشكال، والأقرب العدم.
الثاني: احتمال التغلّب على الخصم في الحدّ الأدنى، فإذا اعتقد عدم قدرته من التغلّب على الخصم لـم يجب عليه الدفاع حينئذ إلاَّ أن يكون في ترك الدفاع مفسدة أعظم فيجب التصدّي ولو انهزم.
الثالث: أن لا يقطع بالقتل، فإذا أدّى دفع الجرح أو القتل عن نفسه إلى قتل نفسه لـم يجب عليه الدفع وإن جاز له، أمّا في الموارد التي يجوز له الدفاع فيها، كما في مورد الدفاع عن المال فإنه يحرم الدفع إذا أدّى إلى قتله، وإلاَّ بقي على جوازه فيما دون القتل من الكسر والجرح مثلاً حتى لو كان ما يترتب على الدفع أكثر خطراً وضرراً مما يريد دفعه عنه.
مسألة 1208: لا فرق في جواز الدفاع أو وجوبه بين ما لو كان المهاجم غريباً عنه أو كان من أرحامه ومن في حكمهم، كالأب والإبن والزوج ونحوهم، فإذا هاجم الأب ولده أو الولد والده أو الزوج زوجته جاز للمعتدى عليه الدفاع عن نفسه حتى لو أدّى ذلك إلى قتل المهاجم أو جرحه إذا توقّف الدفاع عليه.
مسألة 1209: حيث يندفع المهاجم ويكفُّ ويثقُ المدافِعُ بذلك لا يجوز له الاستمرار في دفعه، وكذا إذا أدبر المهاجم معرضاً عن عدوانه، فلو دفعه في إحدى هاتين الحالتين وجنى عليه كان آثماً وضامناً.
مسألة 1210: إذا توقف دفعه على الإستعانة بالظالم أو الكافر جاز ذلك أو وجب، حسب المورد، حتى لو أدّى إلى إفراطه في ردّ الاعتداء عن النفس والعرض، نعم إذا أمكنه نهيُ الظالم عن الإفراط وجب عليه، ولا يضمن المستعينُ جناية الظالم عند إفراطه على كلّ حال، بل الظالم هو الذي يضمن.
مسألة 1211: إذا تشاجر الشخصان فاعتدى كلّ منهما على الآخر ضَمِنَ كلّ منهما ما وقع على الآخر من جناية، وإذا كفّ أحدهما وترك المهاجمة فلم يتوقف الآخر واستمر فيها وجدد هجومه عليه فاضطر المتوقف للدفاع عن نفسه لـم يضمن المدافع ما يقع من جناية على خصمه.
2 ـ الدفاع عن الغير:
مسألة 1212: يجب الدفاع عن الغير مما يجب دفعه عن النفس إذا كان الغير عاجزاً عن الدفاع عن نفسه، جزئياً أو كلياً، بل يجب الدفاع عنه مع قدرته وغفلته عن الخطر وعدم إمكان تنبيهه ليدافع عن نفسه، سواء كان ذلك الخطر يؤدي إلى هلاكه أو إلى ما دون الهلاك من المخاطر التي يجب حفظ النفس منها. أمّا إذا كـان قادراً على الدفاع عن نفسه فتعمد ترك الدفاع لـم يجب الدفاع عنه ـ كفرد ـ إلاَّ في حالات الخطر الشديد المؤدي للهلاك أو لما يشبه الهلاك، كالعمى والشلل والجنون، ولكن رغم ذلك فإنه يجوز الدفاع عنه في مثل تلك الحالة وإن لـم يكن واجباً.
ويجري في الدفاع عن الغير الأحكام التي تجري في الدفاع عن النفس إجمالاً مع ضرورة ملاحظة ما يلي:
أولاً: إن جميع ما ذكر من أحكام الدفاع عن الذات يجري في صورة الدفاع عن أهله ممن يعدّ من محارمه، وهم: الأبوان وإن علوا، والأبناء وإن سفلوا، والزوج، والإخوة والأخوات وأبناؤهم، والأعمام والعمات والأخوال والخالات، ذلك أنهم بمنزلة النفس للإنسان.
ولا فرق في العدوان بين ما يستهدف الجسد بالجرح أو القتل وبين ما يستهدف العرض بالاغتصاب أو ما دونه.
ثانياً: إنَّ غير مَنْ ذكرنا من الأهل يشمل أقرباءه وسائر المسلمين، وخصوصاً من يتعلّق به كخادمه، فيجب الدفاع عنهم إذا لـم يعلم بأنه سوف يلحقه من الضرر أكثر مما يأمل في دفعه عنهم، وخاصة في صورة ما لو استلزم الدفع هلاكه أو ما يشبه الهلاك، فإنَّ ترتب على دفاعه عن الغير ـ في هذه الحالة ـ وقوع ضرر أكبر مما هو دون القتل وشبهه جاز الدفع ولم يجب، فإذا ترتب عليه هلاكه أو شبهه لـم يجز فضلاً عن أن يكون واجباً.
3 ـ الدفاع عن المال:
مسألة 1213: يجوز الدفاع عن المال إذا تعرّض للسرقة أو الإتلاف مع سلامة المدافع من الهلاك ولو أدّى ذلك إلى قتل المعتدي، ويجوز ترك الدفاع والكف عن المعتدي، قليلا كان المال أو كثيراً حتى مع الوثوق بالسلامة.
هذا ويجري هنا ما ذكر في أحكام الدفاع عن النفس من عدم ضمان ما يقع من الضرر على المعتدي من جراء الدفع، وكذلك لزوم التدرج في دفعه، ونحوهما.
وكما يدافع عن ماله يدافع عن مال أهله، أما مال غيرهم فإنه يجوز له الدفاع عنه إذا لـم يقطع بترتب ضرر عليه، كمثل الجرح أو الكسر أو ما دونهما مما يجب حفظ نفسه منه.
وقد قلنا إنَّ المراد به دفع المخاطر المتوجهة إلى نفس المكلّف أو نفس غيره ممن يتعلّق به أو لا يتعلّق به من سائر المسلمين وغيرهم، أو المتوجهة إلى غير النفس كالأموال. واستيفاء الكلام فيها يقع في عناوين:
1 ـ الدفاع عن الذات:
مسألة 1200: يجب على كلّ مكلّف، رجلاً كان أو امرأة، دفع الضرر المتوجه إليه من الغير، سواء كان مصدره إنساناً أو حيواناً أو شيئاً آخر غيرهما من المخاطر الطبيعية الأرضية أو السَّماوية، بل يحرم على المكلّف إيقاع الضرر بنفسه، ويجب عليه ترك ذلك وحفظ نفسه من الأضرار.
وحدّ الضرر الواجب دفعه وحماية النفس منه هو ما يحرص عامة العقلاء على دفعه عن أنفسهم، وأعلاه الموت، ثُمَّ ما يشبه الموت من الأضرار الكبرى، كالإغماء الدائم أو الشلل أو الجنون أو العمى أو غير ذلك من الأمور المستلزمة لتعطل الأعضاء والوظائف الرئيسة في الجسم، ثُمَّ الجروح والحروق البليغة أو الكسور والأمراض والأوجاع الحادة والصعبة، ونحو ذلك من مراتب الإضرار بالنفس التي تتجاوز الحدّ الأدنى في الأذى والإيلام، فإن كان مثل الخدوش واللطمات والرضوض والأوجاع البسيطة الناتجة عن مثل حُرقة المعدة أو السعال أو الحساسية الجلديّة أو نحو ذلك فإنها مما لا يحرص العقلاء على تجنيب أنفسهم منه فلا يجب حفظ النفس منه وتجنيبها إياه.
ومن المخاطر الواجب دفعها ما إذا قصده المهاجم بعدوان جنسي، بمثل الجمـاع فمـا دون، للرّجـل والمـرأة، مـن الرّجـل أو المـرأة. ويعدّ منهـا ـ أيضاً ـ الاعتداء على كرامته وحرمته المعنوية، بمثل الأعمال والأقوال المؤدية إلى السخرية منه والاستهزاء به وإقلاق راحته وحجز حريته، ونحو ذلك مما لا يترتّب عليه أذى مادي ظاهر بل يكون أذاه معنوياً باطنياً.
وإنَّ من موارد العدوان على الحرمات حالة ما لو عمد شخص إلى تسلق سور دار إنسان، أو أحدث ثقباً في جدار داره، أو استخدم الناظور المقرّب، أو وضع أجهزة تنصت أو تصوير، وذلك بهدف مراقبته وكشف أسراره أو الإلتذاذ الجنسي بمشاهدة حريمه أو أعماله الجنسيّة، فإنه يجوز له، وقد يجب عليه، دفعه ومنعه من فعل ذلك، فإن توقف دفعه على الجناية عليه أو إتلاف ماله لـم يكن عليه ضمان.
مسألة 1201: لا يستثنى من ذلك الأضرار التي ألف النّاس إيقاع أنفسهم فيها، كتدخين التبغ، ولا الأضرار التي يوقعها بعض النّاس بأنفسهم لدواعٍ دينية، كضرب الرأس بالسيف أو جرح الجسد أو حرقه حزناً على الإمام الحسين y، فإنَّ الضرر إذا انطبق عليه ذلك المعيار يحرم إيقاع النفس فيه حتى لو صار مألوفاً أو مغلفاً ببعض التقاليد الدينيّة التي لـم يأمر بها الشرع ولم يرغب بها.
مسألة 1202: قد يجب ارتكاب الضرر الأقل إذا توقّف عليه دفع الضرر الأكثر، بل قد يجب، أو يجوز، إهلاك النفس، كما في العمليات الجهاديّة الاستشهاديّة، إذا توقف عليه أمر أهم منه، كدفع العدو ونحوه.
مسألة 1203: دفع الخطر له مرتبتان:
الأولى: بالتوقي والتحصن منه واستخدام الحيلة لدفع عدوانه وخطره، وهو الأصل في دفع المخاطر الطبيعيّة عن النفس، كأضرار الحر والبرد والأوبئة والسباع وغيرها. وإذا كان المعتدي إنساناً وأمكن التخلّص من عدوانه بالتحصن في بيت، أوبتنبيهه بمثل السعال والكلام إلى كونه مستيقظاً ومستعداً له، أو بالفرار منه وتغييب نفسه عنه، فإنه يجوز فعل ذلك إذا لـم يترتب عليه ذلة وهتك لحرمته أو غيرهما من العناوين الموجبة للحرمة، بل قد يجب ذلك إذا كان فيه سلامة المعتدي وسلامة المعتدى عليه، في مثل موارد غضب الرحم على رحمه، أو كون المهاجم مجنوناً، أو غيرها من الموارد.
ويجب التنبيه إلى أنَّ حالات وموارد هذه المرتبة كثيرة ومتنوّعة، بل إنَّ بعضها معقد ومُربِك، لذا فإنَّ على المكلّف أن يكون دقيقاً في تشخيص ما يناسب حالته والاعتماد في هذه الدقة على العلم بالشريعة وعلى الاحتياط والورع، خاصة وأنَّ النفس ميالة إلى السلامة والدعة، بل إنَّ ذلك الاحتياط مطلوب في كلّ موارد الدفاع وأساليبه حتى عند استخدام القوّة والعنف خشية الإفراط فيه وتجاوز الحدّ المشروع.
الثانية: مبادرة المهاجم بالهجوم المضاد، ودفع خطره ـ ولو كان دون القتل ـ بالوسائل المادية المتوفرة، وفي هذا المقام فإنه يجوز استخدام كلّ وسيلة متوفرة بين يديه من أجل ردّ الخطر ودفع العدو ولو أدّت إلى إيقاع الضرر البالغ بالمعتدي أو قتله، ولكن يجب على الدافع ـ مع الإمكان ـ الترقي في الدفع من الأخف إلى الأشدّ، ومرادنا بـ «الإمكان» هو كون المدافع قادراً على إدارة المواجهة من حيث القدرة البدنية والأدوات والزمان والمكان بتلك الطريقة من التدرج، وذلك في مقابل حالة عدم الإمكان، وهي الحالة التي يكون فيها المدافِع مربكاً أو خائفاً أو فاقداً للأدوات المناسبة ونحو ذلك من الأمور التي تعجزه عن الدفاع بتدرج.
مسألة 1204: كلّ حالة من الدفاع لها أسلوبها في الدفع المتدرج، ويمكن تحديد ذلك بنحو إجمالي كما يلي:
أولاً: باللجوء إلى وسيلة دون الضرب، وذلك مثل: عزل النفس عن المعتدي، بمثل الدرع أو إغلاق الباب، أو الصراخ أو إطلاق النّار في الهواء، أو التلويح باليد أو السلاح، أو نحو ذلك.
ثانياً: ضربه باليد أو العصا على الأماكن الأقل إيلاماً، متدرجاً فيه إلى الأماكن الأكثر إيلاماً، كما إنَّ عليه التدرج في قوّة الضرب مما لا يترك أثراً إلى ما يترك أثراً، الإحمرار ثُمَّ الإزرقاق ثُمَّ الإسوداد، وهكذا إلى استخدام الأدوات الحادة بقصد إصابته بجروح خفيفة ثُمَّ بالأعمق، ويلتفت إلى ما بين الجروح العميقة والكسور من مراتب، فيتدرج إلى آخر المراتب.
نعم إذا اعتقد ـ مسبقاً ـ أنه لا يندفع إلاَّ بالأشدّ جاز فعل الأشدّ مباشرة، وكذا إذا لـم يكن له مجال لتحديد المرتبة الأخف من ناحية طبيعة الوضع وتعقيدات الدفاع. أمّا المرجع فيما هو الأخف والأشدّ فهو العرف.
مسألة 1205: لا يضمن المدافع ما يقع على المعتدي من ضرر الجروح أو الكسور، أو تلف في أمواله، كثيابه ودابته ونحوهما، إذا كان المدافع قد التزم الأسلوب المشروع في الدفع فلم يعتد ولم يفرط، وإلاَّ كان ضامناً بقدر تعديه أو تفريطه.
مسألة 1206: إذا اعتقد المكلّف ـ خطأ ـ أنَّ شخصاً يريد العدوان عليه فدفعه فجنى عليه، ثُمَّ تبين له خطأُه لزمه ضمان ما جناه عليه في نفسه وماله، ولم يكن آثماً بذلك.
مسألة 1207: لا بُدَّ من توفر أمور في المدافع كي يجوز له أو يجب عليه مباشرة عملية الدفاع:
الأول: إحراز كون الخصم يريده بالأذى، فلو ظنّ أو احتمل أنه يريده، وكان واثقاً من قدرته على دفعه في كلّ وقت، لـم يجز له الدفع إلاَّ بعد وثوقه بالهجوم عليه. فإن خاف مفاجأته له بالهجوم في وقت لا يقدر على دفعه، وكان ظنَّه معتبراً عرفاً، جاز له الدفاع، وإن كان مجرّد احتمالٍ ففي جواز الدفع إشكال، والأقرب العدم.
الثاني: احتمال التغلّب على الخصم في الحدّ الأدنى، فإذا اعتقد عدم قدرته من التغلّب على الخصم لـم يجب عليه الدفاع حينئذ إلاَّ أن يكون في ترك الدفاع مفسدة أعظم فيجب التصدّي ولو انهزم.
الثالث: أن لا يقطع بالقتل، فإذا أدّى دفع الجرح أو القتل عن نفسه إلى قتل نفسه لـم يجب عليه الدفع وإن جاز له، أمّا في الموارد التي يجوز له الدفاع فيها، كما في مورد الدفاع عن المال فإنه يحرم الدفع إذا أدّى إلى قتله، وإلاَّ بقي على جوازه فيما دون القتل من الكسر والجرح مثلاً حتى لو كان ما يترتب على الدفع أكثر خطراً وضرراً مما يريد دفعه عنه.
مسألة 1208: لا فرق في جواز الدفاع أو وجوبه بين ما لو كان المهاجم غريباً عنه أو كان من أرحامه ومن في حكمهم، كالأب والإبن والزوج ونحوهم، فإذا هاجم الأب ولده أو الولد والده أو الزوج زوجته جاز للمعتدى عليه الدفاع عن نفسه حتى لو أدّى ذلك إلى قتل المهاجم أو جرحه إذا توقّف الدفاع عليه.
مسألة 1209: حيث يندفع المهاجم ويكفُّ ويثقُ المدافِعُ بذلك لا يجوز له الاستمرار في دفعه، وكذا إذا أدبر المهاجم معرضاً عن عدوانه، فلو دفعه في إحدى هاتين الحالتين وجنى عليه كان آثماً وضامناً.
مسألة 1210: إذا توقف دفعه على الإستعانة بالظالم أو الكافر جاز ذلك أو وجب، حسب المورد، حتى لو أدّى إلى إفراطه في ردّ الاعتداء عن النفس والعرض، نعم إذا أمكنه نهيُ الظالم عن الإفراط وجب عليه، ولا يضمن المستعينُ جناية الظالم عند إفراطه على كلّ حال، بل الظالم هو الذي يضمن.
مسألة 1211: إذا تشاجر الشخصان فاعتدى كلّ منهما على الآخر ضَمِنَ كلّ منهما ما وقع على الآخر من جناية، وإذا كفّ أحدهما وترك المهاجمة فلم يتوقف الآخر واستمر فيها وجدد هجومه عليه فاضطر المتوقف للدفاع عن نفسه لـم يضمن المدافع ما يقع من جناية على خصمه.
2 ـ الدفاع عن الغير:
مسألة 1212: يجب الدفاع عن الغير مما يجب دفعه عن النفس إذا كان الغير عاجزاً عن الدفاع عن نفسه، جزئياً أو كلياً، بل يجب الدفاع عنه مع قدرته وغفلته عن الخطر وعدم إمكان تنبيهه ليدافع عن نفسه، سواء كان ذلك الخطر يؤدي إلى هلاكه أو إلى ما دون الهلاك من المخاطر التي يجب حفظ النفس منها. أمّا إذا كـان قادراً على الدفاع عن نفسه فتعمد ترك الدفاع لـم يجب الدفاع عنه ـ كفرد ـ إلاَّ في حالات الخطر الشديد المؤدي للهلاك أو لما يشبه الهلاك، كالعمى والشلل والجنون، ولكن رغم ذلك فإنه يجوز الدفاع عنه في مثل تلك الحالة وإن لـم يكن واجباً.
ويجري في الدفاع عن الغير الأحكام التي تجري في الدفاع عن النفس إجمالاً مع ضرورة ملاحظة ما يلي:
أولاً: إن جميع ما ذكر من أحكام الدفاع عن الذات يجري في صورة الدفاع عن أهله ممن يعدّ من محارمه، وهم: الأبوان وإن علوا، والأبناء وإن سفلوا، والزوج، والإخوة والأخوات وأبناؤهم، والأعمام والعمات والأخوال والخالات، ذلك أنهم بمنزلة النفس للإنسان.
ولا فرق في العدوان بين ما يستهدف الجسد بالجرح أو القتل وبين ما يستهدف العرض بالاغتصاب أو ما دونه.
ثانياً: إنَّ غير مَنْ ذكرنا من الأهل يشمل أقرباءه وسائر المسلمين، وخصوصاً من يتعلّق به كخادمه، فيجب الدفاع عنهم إذا لـم يعلم بأنه سوف يلحقه من الضرر أكثر مما يأمل في دفعه عنهم، وخاصة في صورة ما لو استلزم الدفع هلاكه أو ما يشبه الهلاك، فإنَّ ترتب على دفاعه عن الغير ـ في هذه الحالة ـ وقوع ضرر أكبر مما هو دون القتل وشبهه جاز الدفع ولم يجب، فإذا ترتب عليه هلاكه أو شبهه لـم يجز فضلاً عن أن يكون واجباً.
3 ـ الدفاع عن المال:
مسألة 1213: يجوز الدفاع عن المال إذا تعرّض للسرقة أو الإتلاف مع سلامة المدافع من الهلاك ولو أدّى ذلك إلى قتل المعتدي، ويجوز ترك الدفاع والكف عن المعتدي، قليلا كان المال أو كثيراً حتى مع الوثوق بالسلامة.
هذا ويجري هنا ما ذكر في أحكام الدفاع عن النفس من عدم ضمان ما يقع من الضرر على المعتدي من جراء الدفع، وكذلك لزوم التدرج في دفعه، ونحوهما.
وكما يدافع عن ماله يدافع عن مال أهله، أما مال غيرهم فإنه يجوز له الدفاع عنه إذا لـم يقطع بترتب ضرر عليه، كمثل الجرح أو الكسر أو ما دونهما مما يجب حفظ نفسه منه.