وفيه أمور:
الأمر الأول ـ فيما يستحب أو يكره من مقدمات الوضوء:
ذكر العلماء أنه يستحب وضع الإبريق على الجانب الأيمن لمن يتوضأ بالإبريق.
والاقتصار من الماء على حوالي الكيلو غرام في الوضوء وترك الزيادة على ذلك، فقد روي أنّ رسول الله w كان يتوضّأ بمدٍ من ماء، ويستحب الإستياك بأي شيء ولو بفرشاة الأسنان أو بالإصبع، والأفضل بالمسواك المعروف المتخذ من عود شجر ينبت في الحجاز يدعى (الأراك).
والمضمضة بالفم ثلاثاً، والاستنشاق بالأنف ثلاثاً.
والتسمية عند وضع اليد في الماء للاغتراف أو عند صبه، وأفضلها «بسم الله وبالله، اللّهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين».
وغسل كلّ من الوجه واليدين مرتين، وتحرم الزيادة على ذلك، ويبطل بها الوضوء إذا قصد بها التشريع، ولا تضر بالوضوء إذا وقعت جهلاً بالحكم. والمراد بالغسلة غسل تمام العضو، لا عدد الغرفات والصبات التي توضع على العضو لترطيبه قبل تمام غسله، ويستحب أن يبدأ الرّجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الأولى وبباطنهما في الغسلة الثانية، والمرأة بالعكس.
ويستحب غسل اليدين قبل الشروع في الوضوء، مرة من حدث النوم وخروج البول، ومرتين من الغائط.
ويستحب غسل الأعضاء بطريقة صبّ الماء وإمرار اليد على العضو حين الغسل، وترك مجرّد الغمس بالماء وإن كفى في الغسل.
ويستحب قراءة المأثور من الأدعية عند غسل كلّ عضو أو مسحه، كذلك تستحب قراءة سورة القدر أثناء الوضوء، وآية الكرسي بعد الانتهاء منه.
أمّا المكروه منها فهو: الاستعانة بالغير في صبّ الماء على يد المتوضئ. والتوضّؤ بالماء المسخن بالشمس، وبالماء النتن، وبالماء القليل الذي ماتت فيه الحيّة أو العقرب أو الوزغ، وبما شرب منه الفرس أو البغل أو الحمار، أو كلّ ما لا يؤكل لحمه عدا الهرة.
الأمر الثاني ـ في النية:
وهي القصد الموجود في الذهن عند إرادة الفعل، وهو بهذا المقدار كاف في تحقق النية وحصولها من دون حاجة إلى التلفظ بها ولا إخطارها في الذهن، وذلك بحيث لو سُئل ماذا يفعل، لأجاب بأنه يتوضأ.
وهنا مسائل:
مسألة 245: لا بُدَّ أن يقترن هذا القصد بكون الباعث للفعل والداعي إليه هو أمر الله تعالى، وإيجاد الوضوء من أجل الله تعالى قد يكون على أساس أنَّ الوضوء في نفسه طاعة ومستحب، وقد يكون على أساس أنه واجب لغيره، كالصلاة، فمن نوى الإتيان به من أجل الله تعالى على أحد هذين الأساسين صح وضوءه. وعلى هذا فمن نوى الوضوء لصلاة الظهر ـ مثلاً ـ قربة إلى الله تعالى صح وضوءه، بلا فرق بين أن يكون بعد دخول وقت الصلاة أو قبله، وكذا يصح الوضوء قبل الوقت أو بعده إذا نواه لكونه طاعة لله ومستحباً في نفسه.
مسألة 246: لا يجب قصد سبب الوضوء، مثل: رفع حدث النوم أو البول، ولا قصد الغاية له، مثل الكون على طهارة أو رفع الحدث أو الصلاة أو قراءة القرآن أو غير ذلك، ولا صفة الحكم، من كونه واجباً أو مستحباً.
مسألة 247: يجب الاستمرار في النية إلى حين الانتهاء من الوضوء، فلو غفل في الأثناء عن كونه يتوضأ ولم يعرف ماذا يفعل بطل وضوءه، وكذا لو تردّد في الاستمرار في الوضوء أو قطعه، وظلّ متردّداً حتى فاتت الموالاة، أمّا إذا عاد إلى عزمه على الاستمرار في الوضوء قبل فوات الموالاة صح الوضوء.
مسألة 248: يجب الإخلاص في التوجه بالوضوء إلى الله تعالى، فلو خالط النية «الرياء»، بنحو كان وضوءه من أجل الغير ليحوز رضاه وعطفه، أو يأمن شره، أو نحو ذلك من الغايات التي يتجه فيها القصد إلى غير الله تعالى، بطل وضوءه، وكذلك يبطل الوضوء إذا كان من أجل «السمعة»، وهي: الظهور بمظهر الإيمان لتحصيل السمعة والذكر الحسن. ولا فرق في بطلان الوضوء بهما بين ما لو كان الرياء أو السمعة في أصل الوضوء أو في أجزائه وكيفيته.
مسألة 249: لا يُبطل الرياء أو السمعة الوضوء إلاَّ إذا كان هو الداعي إلى الفعل، فلا يضر إذا كان من نوع الخواطر الذهنية الطارئة، سواء كانت قبل الفعل أو أثناءه، كذلك لا يبطل بالرياء أو السمعة الواقعين بعد انتهاء العمل.
مسألة 250: لا يبطل الوضوء بالعجب، والعجب هو: إعجاب الإنسان بفعله واستحسانه له وتزكيته لنفسه، وقد ورد في الحديث الشريف أنه موجب لحبط الثواب وزواله.
مسألة 251: إذا خالط قصدَ الامتثال دواعٍ أخرى، مثل التنظيف والتبريد، فإن كانت أقوى في انبعاث المكلّف من قصد امتثال أمر الله تعالى بطل بها الوضوء، وأمّا إذا كانت أضعف، بحيث كان الدافع الأساس طاعة الله، وكانت سائر الدواعي ثانوية، فإنها لا تضر بالوضوء.
الأمر الثالث ـ في كيفية الوضوء:
يجب في الوضوء غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين، وتفصيل ذلك في عنوانين:
الأول ـ غسل الوجه واليدين:
وذلك على النحو التالي:
1 ـ غسل الوجه:
يجب غسل الوجه طولاً من منبت شعر الرأس إلى طرف الذقن، وعرضاً غسل المساحة التي تقع ما بين الإبهام والوسطى عند وضع الكف على الوجه. وذلك في الإنسان الطبيعي المعتدل الحجم، فمن نبت الشعر في جزء من جبهته أو زال الشعر عن مقدم رأسه عليه الرجوع في معرفة الحدّ إلى من يماثله في حدّ وجهه من دون شعر في جبهته ولا صلع في رأسه، ومن صغر وجهه أو كبر أكثر من المعتاد يراعي الوسطى والإبهام المتلائمتين مع وجهه، ومن طالت أصابعه أو قصرت أكثر من المعتاد رجع إلى المعتدل فيها.
مسألة 252: لا يجب إيصال الماء إلى ما تحت الشعر من البشرة، سواء شعر اللحية أو الحاجبين أو الشارب، بل يكفي غسل ظاهر الشعر، نعم لو كان شعر الحاجب أو اللحية قليلاً ومتفرقاً بنحو تظهر البشرة من تحته وجب غسل ذلك الشعر مع البشرة التي تحته. كذلك لا يجب غسل شعر اللحية الزائد عن حدّ الوجه.
2 ـ غسل اليدين:
بعد اكتمال غسل الوجه تجب المبادرة إلى غسل اليد اليمنى أولاً ثُمَّ اليد اليسرى، وذلك ابتداءً بالمرفق الذي يلتقي فيه عظم الذراع بالعضد وانتهاءً برؤوس الأصابع، ويجب فيهما غسل البشرة وما عليها من الشعر الرقيق أو الغليظ، وكذلك غسل مثل الإصبع الزائدة ونحوها مما يُعدُّ من توابع اليد.
مسألة 253: من له يد زائدة، فإن كانت تحت المرفق وجب غسلها، وإن كانت فوق المرفق وكان من الواضح أنها زائدة غير أصلية لـم يجب غسلها، أمّا إذا لـم يتضح كونها هي الزائدة أو الأصلية أو كانتا أصليتين فالواجب غسلهما معاً.
مسألة 254: من قطعت يده من المرفق لـم يجب عليه غسل شيء من العضد، وإن قطعت دون المرفق يغسل ما بقي منها.
3 ـ أحكام مشتركة لغسل الوجه واليدين:
هذا ويشترك غسل الوجه واليدين في أمور نذكرها في مسائل:
مسألة 255: تجب الزيادة قليلاً عن الحدّ المذكور في الوجه واليدين من باب الاحتياط للتأكيد على غسل المقدار المطلوب.
مسألة 256: يجب أن يكون الغسل من الأعلى إلى الأسفل، فلا يصح أن يبدأ بغسل وجهه من الذقن صعوداً إلى منبت الشعر في الوجه، وكذلك لا يصح أن يبدأ من أطراف الأصابع إلى المرفق في اليدين. نعم ليس من الضروري أن يغسل كلّ جزء من الأعلى قبل كلّ جزء من الأسفل، فيصح أن يغسل الجانب الأيمن من وجهه من الأعلى إلى الأسفل ثُمَّ يغسل الجانب الأيسر كذلك، كما أنه يمكنه أن يغسل ظاهر يده من المرفق إلى أطراف الأصابع ثُمَّ يغسل باطن يده كذلك، وهكذا.
مسألة 257: لا يجب غسل ما يعد من الباطن، كباطن العينين، ومطبق الشفتين من جهة الداخل، وداخل الثقب في الأنف المتعارف عند بعض الشعوب لتعليق الحلقة، نعم يجب غسل شيء من باطن المنخرين من باب التأكيد على انغسال حافتيهما. وإذا شك في شيء أنه من الظاهر أو الباطن لـم يجب غسله، نعم إذا كان للشيء حالة سابقة، كأن كان من الظاهر فشك في صيرورته من الباطن، أو العكس، فإنه يبني حكمه على طبق الحالة السابقة التي كان عليها ولا يبالي بالشك.
مسألة 258: ما يوجد في الوجه أو اليد من شقوق إذا كانت وسيعة يرى جوفها وجب غسل باطنها، وإلاَّ لـم يجب.
مسألة 259: لا بُدَّ من تحقّق مفهوم الغسل في الوجه وغيره من أعضاء الوضوء المغسولة فلا يكفي مجرّد الدهن والمسح ببلِّ خرقةٍ أو إسفنجة أو ترطيب اليد بالماء ومسح العضو بها، بل لا بُدَّ من إجراء الماء على العضو وغسله ولو بمساعدة اليد.
مسألة 260: لا يكفي وقوع الماء على الأعضاء من دون قصد الوضوء ثُمَّ إمرار اليد عليها قاصداً بها الوضوء، بل لا بُدَّ من وقوع الماء عليها بقصد الوضوء، فمن كانت أعضاء وضوئه رطبة لوقوع ماء المطر عليها مثلاً لـم يكفه نية الوضوء وإمرار اليد عليها بقصد الوضوء، بل لا بُدَّ أن يكون قصد الوضوء سابقاً أو مقارناً لوقوع الماء على الأعضاء.
مسألة 261: يجوز التوضؤ إرتماساً، وذلك برمس الوجه واليدين بالماء، مراعياً البدء من الأعلى إلى الأسفل، ومراعياً للترتيب برمس كلّ عضو بعد الآخر، وكما يصح الوضوء برمس تمام الأعضاء يصح برمس بعضها دون بعضها الآخر بنفس الشروط.
الثاني ـ مسح الرأس والقدمين:
وذلك على النحو التالي:
1 ـ مسح الرأس:
بعد غسل اليد اليسرى يجب مسح مقدم الرأس، وهو خصوص القسم المتوسط بين الشعر النابت فوق الأذنين وما بين منبت الشعر ونقرة الرأس، ولا يجب استيعابه كلّه بالمسح، بل يكفي المسمى طولاً وعرضاً، والأفضل أن يستوعب مقدار ما يقع تحت ثلاث أصابع مضمومة عرضاً، ومقدار إصبع طولاً، ويصح مسح الرأس من جهة العرض من إحدى الأذنين إلى الأخرى مثلما يجوز من نقرة الرأس إلى منبت الشعر. والأصلع يأخذ بالحدّ المتعارف في معتدل الخلقة، وكذا «الأغم» وهو: من طغى شعره فنبت في جزء من جبهته.
مسألة 262: لا يجب أن يكون المسح على نفس جلدة الرأس، بل يكفي المسح على ظاهر الشعر مهما كان كثيفاً، نعم لا يجوز المسح على الشعر الزائد عن منبت الشعر حتى لو جمعه في داخل رأسه، وهنا لا بُدَّ من سَبل الشعر أو فَرْقِه والمسح على ما هو داخل في حدّ الرأس.
2 ـ مسح القدمين:
بعد مسح الرأس يجب مسح ظاهر القدمين، ويكفي مسحهما معاً، والأفضل الترتيب بينهما، فيمسح اليمنى أولاً ثُمَّ اليسرى، وحدّ القدم ما بين رؤوس الأصابع وقبة القدم طولاً، وعرضاً يكفي فيه المسمى، كعرض إصبع أو أقل، والأفضل أن يكون بعرض ثلاثة أصابع.
3 ـ أحكام مشتركة لمسح الرأس والقدمين:
مسألة 263: يجب أن يكون المسح بما بقي من نداوة ماء الوضوء على الكف حتى لو كان ضئيلاً، فلا يجوز أخذ ماء جديد ومسح الرأس والقدمين به.
مسألة 264: يجب أن يكون مسح الرأس بباطن الكف الأيمن، والأحوط وجوباً مسح ظاهر القدم اليمنى بباطن اليمنى، وظاهر القدم اليسرى بباطن اليسرى، وذلك في حال الاختيار، فإن تعذر المسح بالباطن انتقل إلى الظاهر بنفس الترتيب.
مسألة 265: لا يجب أن يضع تمام كفه على تمام موضع المسح من الرأس أو القدم، بل يصح المسح ببعض الكف.
مسألة 266: لا يجب أن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل، فيجوز مسح الرأس نكساً من منبت الشعر إلى الأعلى، وكذا يصح مسح القدم من قبة القدم إلى الأصابع، وإن كان الأحوط استحباباً ترك النكس فيهما.
مسألة 267: يجب أن يكون مقدار موضع المسح جافاً من الرطوبة البارزة التي يظهر أثرها على كلّ من الرأس والقدمين، فلا تضر الرطوبة الخفيفة التي ليس لها تشخص ظاهر والتي تغلبها رطوبة الماسح وتؤثر فيها.
مسألة 268: تجب مماسة الماسح للممسوح، فلا يصح المسح على ما يستر الرأس أو القدمين، كالعمامة والجورب ونحوهما إلا عند الضرورة لبرد أو خوف أو نحوهما، نعم لا تمنع الجبيرة المستوعبة لتمام العضو الماسح أو الممسوح من المسح به أو عليه، فإن لـم تكن مستوعبة للعضو الماسح وجب المسح بالجزء السليم منه، وأمّا في الممسوح فإن كان القسم السليم يُكتفى بالمسح عليه وجب اختيار الموضع السليم، وإلاَّ لزم المسح على المقدار المطلوب كيف كان.
مسألة 269: إذا كان المكلّف مقطوع بعض الكف مسح بما بقي منه ولو كان ضئيلاً، وإذا قطع أحد الكفين كلّه مسح رأسه وقدميه بكفه الآخر، وإذا فقد تمام الكفين لزمه المسح بذراعه مخيراً بين باطنه وظاهره. وإذا فقد بعض قدميه مسح على ما بقي منها مما يجب مسحه، وإن فقد تمام ما يجب مسحه منهما سقط عنه المسح.
مسألة 270: من كانت له يد زائدة في يده اليمنى مثلاً كفاه مسح رأسه وقدمه اليمنى بإحداهما ولا يجب المسح بكلتيهما وإن كان قد وجب عليه غسلهما معاً بالنحو الذي مر في حكم غسل اليدين.
مسألة 271: يتحقّق المسح بإجراء الماسح على الممسوح بنحو يكون العضو الممسوح ثابتاً والعضو الماسح هو الذي يجري ويتحرّك فوق الممسوح، ولكنَّه لا يضر بالوضوء لو عكس ذلك، فثبت يده وحرك رأسه أو قدمه تحتها، ولكن الأحوط استحبابا عدم الاكتفاء بالمسح في صورة العكس هذه.
مسألة 272: قد تجف الرطوبة من باطن الكف فلا يجد ما يمسح به رأسه أو قدميه، فهنا يأخذ من رطوبة شعر لحيته الداخل في حدّ الوجه فيمسح به، بل يمكنه الأخذ من سائر الأعضاء، فإن جف الماء حتى عن شعر وجهه أعاد الوضوء إلاَّ أن يكون على حالة من المرض، أو الجوّ على درجة من الحرارة، بحيث كلّما كرر الوضوء جف الماء عن جميع أعضائه، فإنَّ عليه التيمم حينئذ.
مسألة 273: لا يؤثّر التوضؤ ارتماساً على المسح، ولذا فإنه لا يجب نية الوضوء عند إخراج اليسرى من الماء من أجل أن يصح المسح ببلتها.
مسألة 274: لا يضر بالمسح وضع اليد اليسرى، بعد تمام غسلها، على الوجه ولا على اليد اليمنى، فما قد يفعله البعض من الاستمرار في إمرار اليدين على بعضهما حتى يصل إلى مصلاه ليمسح على رأسه وقدميه لا يؤثر في صحة المسح، ووضوءه صحيح، وإن كان الأحوط استحباباً إعادته.
وفيه أمور:
الأمر الأول ـ فيما يستحب أو يكره من مقدمات الوضوء:
ذكر العلماء أنه يستحب وضع الإبريق على الجانب الأيمن لمن يتوضأ بالإبريق.
والاقتصار من الماء على حوالي الكيلو غرام في الوضوء وترك الزيادة على ذلك، فقد روي أنّ رسول الله w كان يتوضّأ بمدٍ من ماء، ويستحب الإستياك بأي شيء ولو بفرشاة الأسنان أو بالإصبع، والأفضل بالمسواك المعروف المتخذ من عود شجر ينبت في الحجاز يدعى (الأراك).
والمضمضة بالفم ثلاثاً، والاستنشاق بالأنف ثلاثاً.
والتسمية عند وضع اليد في الماء للاغتراف أو عند صبه، وأفضلها «بسم الله وبالله، اللّهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين».
وغسل كلّ من الوجه واليدين مرتين، وتحرم الزيادة على ذلك، ويبطل بها الوضوء إذا قصد بها التشريع، ولا تضر بالوضوء إذا وقعت جهلاً بالحكم. والمراد بالغسلة غسل تمام العضو، لا عدد الغرفات والصبات التي توضع على العضو لترطيبه قبل تمام غسله، ويستحب أن يبدأ الرّجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الأولى وبباطنهما في الغسلة الثانية، والمرأة بالعكس.
ويستحب غسل اليدين قبل الشروع في الوضوء، مرة من حدث النوم وخروج البول، ومرتين من الغائط.
ويستحب غسل الأعضاء بطريقة صبّ الماء وإمرار اليد على العضو حين الغسل، وترك مجرّد الغمس بالماء وإن كفى في الغسل.
ويستحب قراءة المأثور من الأدعية عند غسل كلّ عضو أو مسحه، كذلك تستحب قراءة سورة القدر أثناء الوضوء، وآية الكرسي بعد الانتهاء منه.
أمّا المكروه منها فهو: الاستعانة بالغير في صبّ الماء على يد المتوضئ. والتوضّؤ بالماء المسخن بالشمس، وبالماء النتن، وبالماء القليل الذي ماتت فيه الحيّة أو العقرب أو الوزغ، وبما شرب منه الفرس أو البغل أو الحمار، أو كلّ ما لا يؤكل لحمه عدا الهرة.
الأمر الثاني ـ في النية:
وهي القصد الموجود في الذهن عند إرادة الفعل، وهو بهذا المقدار كاف في تحقق النية وحصولها من دون حاجة إلى التلفظ بها ولا إخطارها في الذهن، وذلك بحيث لو سُئل ماذا يفعل، لأجاب بأنه يتوضأ.
وهنا مسائل:
مسألة 245: لا بُدَّ أن يقترن هذا القصد بكون الباعث للفعل والداعي إليه هو أمر الله تعالى، وإيجاد الوضوء من أجل الله تعالى قد يكون على أساس أنَّ الوضوء في نفسه طاعة ومستحب، وقد يكون على أساس أنه واجب لغيره، كالصلاة، فمن نوى الإتيان به من أجل الله تعالى على أحد هذين الأساسين صح وضوءه. وعلى هذا فمن نوى الوضوء لصلاة الظهر ـ مثلاً ـ قربة إلى الله تعالى صح وضوءه، بلا فرق بين أن يكون بعد دخول وقت الصلاة أو قبله، وكذا يصح الوضوء قبل الوقت أو بعده إذا نواه لكونه طاعة لله ومستحباً في نفسه.
مسألة 246: لا يجب قصد سبب الوضوء، مثل: رفع حدث النوم أو البول، ولا قصد الغاية له، مثل الكون على طهارة أو رفع الحدث أو الصلاة أو قراءة القرآن أو غير ذلك، ولا صفة الحكم، من كونه واجباً أو مستحباً.
مسألة 247: يجب الاستمرار في النية إلى حين الانتهاء من الوضوء، فلو غفل في الأثناء عن كونه يتوضأ ولم يعرف ماذا يفعل بطل وضوءه، وكذا لو تردّد في الاستمرار في الوضوء أو قطعه، وظلّ متردّداً حتى فاتت الموالاة، أمّا إذا عاد إلى عزمه على الاستمرار في الوضوء قبل فوات الموالاة صح الوضوء.
مسألة 248: يجب الإخلاص في التوجه بالوضوء إلى الله تعالى، فلو خالط النية «الرياء»، بنحو كان وضوءه من أجل الغير ليحوز رضاه وعطفه، أو يأمن شره، أو نحو ذلك من الغايات التي يتجه فيها القصد إلى غير الله تعالى، بطل وضوءه، وكذلك يبطل الوضوء إذا كان من أجل «السمعة»، وهي: الظهور بمظهر الإيمان لتحصيل السمعة والذكر الحسن. ولا فرق في بطلان الوضوء بهما بين ما لو كان الرياء أو السمعة في أصل الوضوء أو في أجزائه وكيفيته.
مسألة 249: لا يُبطل الرياء أو السمعة الوضوء إلاَّ إذا كان هو الداعي إلى الفعل، فلا يضر إذا كان من نوع الخواطر الذهنية الطارئة، سواء كانت قبل الفعل أو أثناءه، كذلك لا يبطل بالرياء أو السمعة الواقعين بعد انتهاء العمل.
مسألة 250: لا يبطل الوضوء بالعجب، والعجب هو: إعجاب الإنسان بفعله واستحسانه له وتزكيته لنفسه، وقد ورد في الحديث الشريف أنه موجب لحبط الثواب وزواله.
مسألة 251: إذا خالط قصدَ الامتثال دواعٍ أخرى، مثل التنظيف والتبريد، فإن كانت أقوى في انبعاث المكلّف من قصد امتثال أمر الله تعالى بطل بها الوضوء، وأمّا إذا كانت أضعف، بحيث كان الدافع الأساس طاعة الله، وكانت سائر الدواعي ثانوية، فإنها لا تضر بالوضوء.
الأمر الثالث ـ في كيفية الوضوء:
يجب في الوضوء غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين، وتفصيل ذلك في عنوانين:
الأول ـ غسل الوجه واليدين:
وذلك على النحو التالي:
1 ـ غسل الوجه:
يجب غسل الوجه طولاً من منبت شعر الرأس إلى طرف الذقن، وعرضاً غسل المساحة التي تقع ما بين الإبهام والوسطى عند وضع الكف على الوجه. وذلك في الإنسان الطبيعي المعتدل الحجم، فمن نبت الشعر في جزء من جبهته أو زال الشعر عن مقدم رأسه عليه الرجوع في معرفة الحدّ إلى من يماثله في حدّ وجهه من دون شعر في جبهته ولا صلع في رأسه، ومن صغر وجهه أو كبر أكثر من المعتاد يراعي الوسطى والإبهام المتلائمتين مع وجهه، ومن طالت أصابعه أو قصرت أكثر من المعتاد رجع إلى المعتدل فيها.
مسألة 252: لا يجب إيصال الماء إلى ما تحت الشعر من البشرة، سواء شعر اللحية أو الحاجبين أو الشارب، بل يكفي غسل ظاهر الشعر، نعم لو كان شعر الحاجب أو اللحية قليلاً ومتفرقاً بنحو تظهر البشرة من تحته وجب غسل ذلك الشعر مع البشرة التي تحته. كذلك لا يجب غسل شعر اللحية الزائد عن حدّ الوجه.
2 ـ غسل اليدين:
بعد اكتمال غسل الوجه تجب المبادرة إلى غسل اليد اليمنى أولاً ثُمَّ اليد اليسرى، وذلك ابتداءً بالمرفق الذي يلتقي فيه عظم الذراع بالعضد وانتهاءً برؤوس الأصابع، ويجب فيهما غسل البشرة وما عليها من الشعر الرقيق أو الغليظ، وكذلك غسل مثل الإصبع الزائدة ونحوها مما يُعدُّ من توابع اليد.
مسألة 253: من له يد زائدة، فإن كانت تحت المرفق وجب غسلها، وإن كانت فوق المرفق وكان من الواضح أنها زائدة غير أصلية لـم يجب غسلها، أمّا إذا لـم يتضح كونها هي الزائدة أو الأصلية أو كانتا أصليتين فالواجب غسلهما معاً.
مسألة 254: من قطعت يده من المرفق لـم يجب عليه غسل شيء من العضد، وإن قطعت دون المرفق يغسل ما بقي منها.
3 ـ أحكام مشتركة لغسل الوجه واليدين:
هذا ويشترك غسل الوجه واليدين في أمور نذكرها في مسائل:
مسألة 255: تجب الزيادة قليلاً عن الحدّ المذكور في الوجه واليدين من باب الاحتياط للتأكيد على غسل المقدار المطلوب.
مسألة 256: يجب أن يكون الغسل من الأعلى إلى الأسفل، فلا يصح أن يبدأ بغسل وجهه من الذقن صعوداً إلى منبت الشعر في الوجه، وكذلك لا يصح أن يبدأ من أطراف الأصابع إلى المرفق في اليدين. نعم ليس من الضروري أن يغسل كلّ جزء من الأعلى قبل كلّ جزء من الأسفل، فيصح أن يغسل الجانب الأيمن من وجهه من الأعلى إلى الأسفل ثُمَّ يغسل الجانب الأيسر كذلك، كما أنه يمكنه أن يغسل ظاهر يده من المرفق إلى أطراف الأصابع ثُمَّ يغسل باطن يده كذلك، وهكذا.
مسألة 257: لا يجب غسل ما يعد من الباطن، كباطن العينين، ومطبق الشفتين من جهة الداخل، وداخل الثقب في الأنف المتعارف عند بعض الشعوب لتعليق الحلقة، نعم يجب غسل شيء من باطن المنخرين من باب التأكيد على انغسال حافتيهما. وإذا شك في شيء أنه من الظاهر أو الباطن لـم يجب غسله، نعم إذا كان للشيء حالة سابقة، كأن كان من الظاهر فشك في صيرورته من الباطن، أو العكس، فإنه يبني حكمه على طبق الحالة السابقة التي كان عليها ولا يبالي بالشك.
مسألة 258: ما يوجد في الوجه أو اليد من شقوق إذا كانت وسيعة يرى جوفها وجب غسل باطنها، وإلاَّ لـم يجب.
مسألة 259: لا بُدَّ من تحقّق مفهوم الغسل في الوجه وغيره من أعضاء الوضوء المغسولة فلا يكفي مجرّد الدهن والمسح ببلِّ خرقةٍ أو إسفنجة أو ترطيب اليد بالماء ومسح العضو بها، بل لا بُدَّ من إجراء الماء على العضو وغسله ولو بمساعدة اليد.
مسألة 260: لا يكفي وقوع الماء على الأعضاء من دون قصد الوضوء ثُمَّ إمرار اليد عليها قاصداً بها الوضوء، بل لا بُدَّ من وقوع الماء عليها بقصد الوضوء، فمن كانت أعضاء وضوئه رطبة لوقوع ماء المطر عليها مثلاً لـم يكفه نية الوضوء وإمرار اليد عليها بقصد الوضوء، بل لا بُدَّ أن يكون قصد الوضوء سابقاً أو مقارناً لوقوع الماء على الأعضاء.
مسألة 261: يجوز التوضؤ إرتماساً، وذلك برمس الوجه واليدين بالماء، مراعياً البدء من الأعلى إلى الأسفل، ومراعياً للترتيب برمس كلّ عضو بعد الآخر، وكما يصح الوضوء برمس تمام الأعضاء يصح برمس بعضها دون بعضها الآخر بنفس الشروط.
الثاني ـ مسح الرأس والقدمين:
وذلك على النحو التالي:
1 ـ مسح الرأس:
بعد غسل اليد اليسرى يجب مسح مقدم الرأس، وهو خصوص القسم المتوسط بين الشعر النابت فوق الأذنين وما بين منبت الشعر ونقرة الرأس، ولا يجب استيعابه كلّه بالمسح، بل يكفي المسمى طولاً وعرضاً، والأفضل أن يستوعب مقدار ما يقع تحت ثلاث أصابع مضمومة عرضاً، ومقدار إصبع طولاً، ويصح مسح الرأس من جهة العرض من إحدى الأذنين إلى الأخرى مثلما يجوز من نقرة الرأس إلى منبت الشعر. والأصلع يأخذ بالحدّ المتعارف في معتدل الخلقة، وكذا «الأغم» وهو: من طغى شعره فنبت في جزء من جبهته.
مسألة 262: لا يجب أن يكون المسح على نفس جلدة الرأس، بل يكفي المسح على ظاهر الشعر مهما كان كثيفاً، نعم لا يجوز المسح على الشعر الزائد عن منبت الشعر حتى لو جمعه في داخل رأسه، وهنا لا بُدَّ من سَبل الشعر أو فَرْقِه والمسح على ما هو داخل في حدّ الرأس.
2 ـ مسح القدمين:
بعد مسح الرأس يجب مسح ظاهر القدمين، ويكفي مسحهما معاً، والأفضل الترتيب بينهما، فيمسح اليمنى أولاً ثُمَّ اليسرى، وحدّ القدم ما بين رؤوس الأصابع وقبة القدم طولاً، وعرضاً يكفي فيه المسمى، كعرض إصبع أو أقل، والأفضل أن يكون بعرض ثلاثة أصابع.
3 ـ أحكام مشتركة لمسح الرأس والقدمين:
مسألة 263: يجب أن يكون المسح بما بقي من نداوة ماء الوضوء على الكف حتى لو كان ضئيلاً، فلا يجوز أخذ ماء جديد ومسح الرأس والقدمين به.
مسألة 264: يجب أن يكون مسح الرأس بباطن الكف الأيمن، والأحوط وجوباً مسح ظاهر القدم اليمنى بباطن اليمنى، وظاهر القدم اليسرى بباطن اليسرى، وذلك في حال الاختيار، فإن تعذر المسح بالباطن انتقل إلى الظاهر بنفس الترتيب.
مسألة 265: لا يجب أن يضع تمام كفه على تمام موضع المسح من الرأس أو القدم، بل يصح المسح ببعض الكف.
مسألة 266: لا يجب أن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل، فيجوز مسح الرأس نكساً من منبت الشعر إلى الأعلى، وكذا يصح مسح القدم من قبة القدم إلى الأصابع، وإن كان الأحوط استحباباً ترك النكس فيهما.
مسألة 267: يجب أن يكون مقدار موضع المسح جافاً من الرطوبة البارزة التي يظهر أثرها على كلّ من الرأس والقدمين، فلا تضر الرطوبة الخفيفة التي ليس لها تشخص ظاهر والتي تغلبها رطوبة الماسح وتؤثر فيها.
مسألة 268: تجب مماسة الماسح للممسوح، فلا يصح المسح على ما يستر الرأس أو القدمين، كالعمامة والجورب ونحوهما إلا عند الضرورة لبرد أو خوف أو نحوهما، نعم لا تمنع الجبيرة المستوعبة لتمام العضو الماسح أو الممسوح من المسح به أو عليه، فإن لـم تكن مستوعبة للعضو الماسح وجب المسح بالجزء السليم منه، وأمّا في الممسوح فإن كان القسم السليم يُكتفى بالمسح عليه وجب اختيار الموضع السليم، وإلاَّ لزم المسح على المقدار المطلوب كيف كان.
مسألة 269: إذا كان المكلّف مقطوع بعض الكف مسح بما بقي منه ولو كان ضئيلاً، وإذا قطع أحد الكفين كلّه مسح رأسه وقدميه بكفه الآخر، وإذا فقد تمام الكفين لزمه المسح بذراعه مخيراً بين باطنه وظاهره. وإذا فقد بعض قدميه مسح على ما بقي منها مما يجب مسحه، وإن فقد تمام ما يجب مسحه منهما سقط عنه المسح.
مسألة 270: من كانت له يد زائدة في يده اليمنى مثلاً كفاه مسح رأسه وقدمه اليمنى بإحداهما ولا يجب المسح بكلتيهما وإن كان قد وجب عليه غسلهما معاً بالنحو الذي مر في حكم غسل اليدين.
مسألة 271: يتحقّق المسح بإجراء الماسح على الممسوح بنحو يكون العضو الممسوح ثابتاً والعضو الماسح هو الذي يجري ويتحرّك فوق الممسوح، ولكنَّه لا يضر بالوضوء لو عكس ذلك، فثبت يده وحرك رأسه أو قدمه تحتها، ولكن الأحوط استحبابا عدم الاكتفاء بالمسح في صورة العكس هذه.
مسألة 272: قد تجف الرطوبة من باطن الكف فلا يجد ما يمسح به رأسه أو قدميه، فهنا يأخذ من رطوبة شعر لحيته الداخل في حدّ الوجه فيمسح به، بل يمكنه الأخذ من سائر الأعضاء، فإن جف الماء حتى عن شعر وجهه أعاد الوضوء إلاَّ أن يكون على حالة من المرض، أو الجوّ على درجة من الحرارة، بحيث كلّما كرر الوضوء جف الماء عن جميع أعضائه، فإنَّ عليه التيمم حينئذ.
مسألة 273: لا يؤثّر التوضؤ ارتماساً على المسح، ولذا فإنه لا يجب نية الوضوء عند إخراج اليسرى من الماء من أجل أن يصح المسح ببلتها.
مسألة 274: لا يضر بالمسح وضع اليد اليسرى، بعد تمام غسلها، على الوجه ولا على اليد اليمنى، فما قد يفعله البعض من الاستمرار في إمرار اليدين على بعضهما حتى يصل إلى مصلاه ليمسح على رأسه وقدميه لا يؤثر في صحة المسح، ووضوءه صحيح، وإن كان الأحوط استحباباً إعادته.