المطلب الأول: في الكفارات
تترتّب الكفارة على مخالفة بعض الأمور التي أوجبها الشرع، أو التي حرّمها، كما يمكن أن تثبت الكفارة في بعض الموارد التي لا يأثم فيها المكلّف، كما في صورة الجهل. والكفّارة تختلف باختلاف نوع الفعل، ولمّا كان غالب هذه الكفارات مترتّباً على ارتكاب شيء من محرّمات الإحرام، كان ذلك مقتضياً لأن تُبحث تبعاً لمحرّمات الإحرام، إلا أنّنا آثرنا ذكرها بشكل مستقل، تسهيلاً على المكلّف، ولعدم كون الكفّارات داخلة في صُلب أفعال الحجّ، بل هي من آثار مخالفة التكليف. على أنّنا ارتأينا تجزئة كفّارات محرّمات الإحرام بحسب تنوّع تلك المحرمات، تيسيراً للرجوع إليها عند الحاجة.
والكفّارات وأحكامها نستعرضها ضمن الفروع التالية:
الأول: كفّارات الصيد
م ـ 325: لا كفّارة فيما جاز صيدُه، كالحيوان البحري، كما لا تثبت الكفارة في ذبح الأنعام - وهي الإبل والبقر والغنم -، وكذا الدجاج وغيرها مما استثني من حرمة الصيد والقتل مما سبق ذكره في محرّمات الإحرام. وأما ما يحرم صيده فله كفارات لم نذكرها لقلّة الابتلاء بها، خصوصاً في عصرنا الحاضر.
الثاني: كفارات الممارسات الجنسية:
1 - الجماع، وتثبت الكفارة فيه في الحالات التالية:
أ - إذا جامع المكلف امرأته في عمرة التَّمتُّع، قبلاً أو دبراً، عالماً عامداً، حتى لو كان بعد السعي، فكفارته بدنة أو بقرة أو شاة، مخيراً بينها، والأفضل اختيار البُدنة.
ب - إذا جامعها في إحرام الحجّ قبل الوقوف بمزدلفة، فإذا كانت مُحرِمة وعالمة بالحال ومطاوعة لزوجها على الجماع فعليها الكفارة عن نفسها، فإذا أكرهها فعليه كفارتان وليس عليها شيء، والكفارة بدنة، فإن عجز عنها فشاة.
ت - إذا جامع بعد الوقوف بمزدلفة قبل طواف النساء أو قبل الشوط الخامس منه فالكفارة كما في (ب).
ث - إذا جامع المحلّ زوجته المحرمة، فإن كانت مطاوعة وجبت عليها كفارة بدنة يدفعها عنها زوجها على الأحوط، وإن كانت مكرهة فلا شيء عليها وتجب الكفارة على زوجها.
م ـ 326: لا تجب الكفارة إذا جامع المحرم امرأته جهلاً بحرمة ذلك أو نسياناً.
2 - الاستمناء:
المقصود بالاستمناء هنا هو إخراج المني بواسطة اليد ونحوها عن طريق دلك العضو التناسلي للذكر، وحكمه في الكفّارة حكم الجماع في الحجّ والعمرة المفردة، غير أنّه لا يبطل به الحجّ ولا العمرة المفردة. وأمّا إذا خرج المني بنحو التقبيل والمس والمداعبة فحال الكفّارة يختلف، وذلك على النحو الذي سيأتي بيانه.
3 - تقبيل النساء:
م ـ 327: إذا قبّل المحرم المرأة بشهوة فأمنى فعليه أن يكفِّر ببدنة أو جزور، بل وعليه ذلك مع عدم الإمناء على الأحوط.
م ـ 328: إذا قبّل المحرم المرأة بغير شهوة فكفّارته شاة، وكذا إذا قبَّل المحلّ زوجته المحرمة على الأحوط.
4 - مسّ النساء:
م ـ 329: مسّ المرأة أو حملها أو ضمّها عن شهوة موجب للكفّارة إذا تعمد ذلك، وهي شاة، أما إذا لم يتعمده فلا شيء عليه.
5 - النظر والمداعبة:
م ـ 330: مداعبة الزوجة مع الإمناء كفّارته بدنة، فإن عجز عنها فشاة، وأمّا النظر إليها بشهوة مع الإمناء فكفّارته بدنة أو جزور، وأمّا إذا نظر إليها بشهوة ولم يمنِ فليس عليه كفّارة.
م ـ 331: إذا نظر المحرم إلى غير زوجته نظراً لا يحلّ له، عن شهوة كان أو من دونها، فإن لم يمنِ فلا كفّارة عليه، وإن أمنى وجبت عليه الكفارة، فإن كان موسراً كفّر ببدنة، وإن كان متوسّط الحال كفّر ببقرة، وأمّا الفقير فتجزئه الشاة.
الثالث: في كفارة عقد الزواج حال الإحرام
م ـ 332: إذا عُقد لمحرِم على امرأة فدخل بها، فعلى كلّ من العاقد والرجل والمرأة كفّارة بُدنة، إذا كانوا عالمين بالحال - حكماً وموضوعاً - وإذا كان بعضهم عالماً والبعض الآخر جاهلاً اختصّت الكفارة بالعالم منهم، ولا فرق في وجوب التكفير بين أن يكون العاقد والمرأة محلّين أو محرمين.
الرابع: في كفارة استعمال الطيب
م ـ 333: استعمال الطيب يمكن أن يكون بتناول شيء من الطيب بالأكل، أو بالشم، أو بلبس ما يكون عليه أثرٌ من الطيب، والكفّارة في تعمّد كل ذلك شاة.
الخامس: في كفارة ما يحرم لبسه حال الإحرام
م ـ 334: إذا تعمّد المحرم لبس شيء مما يحرم عليه لبسه حال الإحرام، وجبت عليه كفّارة شاة، والأولى التكفير أيضاً في صورة الاضطرار. ولو تعدّد اللبس تعدّدت الكفارة، فلو لبس قميصاً مخيطاً، ولبس الحرير مثلاً كان عليه شاتان، وهكذا. نعم، لو جعل بعض الألبسة في بعض ولبس الجميع دفعة واحدة لم تتعدّد الكفارة، سواء اتحدت في الصنف أو اختلفت؛ وبعبارة أخرى: تعدّد الكفارة مترتّب على تعدّد اللبس لا على تعدّد الملبوس.
تنبيهٌ: إنّ نفينا لوجوب الكفّارة عن المضطّر، يختصُّ بمن هو مضطّر إلى لبس ما لا يجوز له لبسه أثناء أدائه لما هو واجبٌ عليه من الحجّ أو العمرة، ولا يشمل النائب أو من يحجّ مستحبّاً؛ لأنّ هناك تحفّظاً في شرعيّة عمل النائب عمّن استأجره للنيابة مع علمه بحاجته إلى لبس ما يحرم عليه لبسه في حال قيامه بحجّه أو عمرته. وأمّا من يحجّ مستحبّاً فإنّه لا يصدق الاضطرار عليه؛ لأنّه ليس ملزماً بالحجّ مع عدم توفّر شروطه الشرعية، إلاّ أن يكون ذلك من قبيل الحالة الطارئة التي لم تكن واردةً في حسابه العملي عند قصده للنسك، فيكون حكمه حكم المضطّر.
السادس: في كفارة الجدال
م ـ 335: تقدّم في محرّمات الإحرام أن الجدال المحرّم هو ما كان مشتملاً على الحلف بالله تعالى، وهنا يمكن فرض حالتين:
أ - أن يحلف المجادل صادقاً، فلا يجب عليه التكفير في الجدال الأول، وكذلك لا يجب في الجدال الثاني، حتى لو تكرّر الحلف منه أكثر من مرّة في كلّ جدال. والذي يوجب تعدّد الجدال إمّا تعدّد موضوع الجدال، كأن يتجادلا على ملكيّة سيارة في الأول، وعلى إيجار الدار في الثاني؛ وإمّا الفاصل الزماني أو المكاني ولو كان الموضوع هو نفسه، بحيث لا يعدّان جدالاً واحداً لدى العرف. أمّا في الجدال الثالث فيجب التكفير بشاة.
ب - أن يحلف بالله كاذباً، فعليه كفارة شاة للمرّة الواحدة، وشاتين لمرتين، وبقرة لثلاث، وأمّا إذا زاد على الثلاث، فإمّا أن يكون قد كفّر عن الثلاث الأولى فعليه أن يكفّر من جديد على النحو المتقدّم، وإما أن لا يكون قد كفّر فيكفيه دفع البقرة ولا تتعدّد الكفارة عندئذٍ. وأمّا إذا حلف مرّتين كاذباً فكفّر، ثمّ حلف كذلك مرة ثالثة وجبت عليه كفارة شاة لا بقرة. وبتعبير آخر: في كلّ مورد يكفّر فيه عن الحلف كاذباً يكون قد انتهى حكم ما كفّر عنه، فإذا حلف من جديد كفّر كأنه بدأ الحلف للتو، وأمّا إن لم يكفّر فإن أقصى ما يمكن دفعه هو البقرة ولا تتعدّد مهما بلغت الأيمان الكاذبة.
السابع: في كفارة إزالة الشعر عن البدن وتقليم الأظافر والإدماء
م ـ 336: إذا سقط الشعر من بدن المحرم عن غير قصد حال قيامه بالوضوء أو الغسل أو التيمّم أو الطهارة من الخبث، أو حال إزالة الحاجب اللاصق المانع من إحدى الطهارتين، فليس عليه شيء.
م ـ 337: إذا حلق المحرم رأسه لضرورة، كما إذا تكاثر القمل في رأسه وتأذى من ذلك، فكفّارته شاة، أو صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين يُعطى كلّ واحد منهم مُدّين من الطعام (المدّ يساوي ثلاثة أرباع الكيلو). أمّا إذا حلقه من دون ضرورة فتتعيّن عليه الشاة.
م ـ 338: إذا نتف المحرم شعره النابت تحت إبطيه، فكفّارته شاة، وكذا إذا نتف أحد إبطيه.
م ـ 339: إذا نتف المحرم شيئاً من شعر لحيته أو غيرها فيُستحبُّ له أن يطعم مسكيناً بكفّ من الطعام، وكذلك الحكم إذا أمرّ المحرم يده على رأسه أو لحيته عبثاً فسقطت شعرة أو أكثر.
م ـ 340: يثبت - على الأحوط - الحكم المتقدّم نفسه في الحلق والنتف بكلّ الوسائل التي تؤدّي إلى إزالة الشعر كاستعمال النورة وبعض المراهم المزيلة للشعر.
م ـ 341: إذا حلق المحرم رأس غيره محرماً كان ذلك الغير أو محلاً فلا كفّارة عليه.
م ـ 342: كفّارة تقليم كلّ ظفر من اليد - وكذا بالنسبة لأظافر القدم - مدّ من الطعام ما لم يقلّم عشرة أظافر من اليدين أو القدمين، فإذا قلّم عشرة كانت كفارته شاة لأظافر اليدين وشاة لأظافر القدمين إن تمّ التقليم لكل منهما في مرة مستقلّة. أمّا إذا كان تقليم أظافر اليدين والقدمين جميعاً مرة واحدة فالكفارة شاة واحدة.
م ـ 343: إذا أخرج المحرم الدم من جسده لغير ضرورة فالأفضل له التكفير بشاة.
الثامن: في كفارة ستر الرأس
م ـ 344: إذا ستر المحرم رأسه فكفّارته شاة على الأحوط الأولى، وليس عليه شيءٌ في الموارد التي يجوز فيها الستر أو في موارد الاضطرار.
التاسع: في كفارة التظليل
م ـ 345: إذا ظلّل المحرم على نفسه من الشمس لزمته الكفارة، وتجزىء فيها الشاة، وكذا إذا ظلّل المحرم على نفسه من المطر على الأحوط وجوباً.
هذا، ولا فرق في وجوب دفع الكفارة في صورة التظليل اختياراً أو فيما لو اضطر المحرم للتظليل. كما أنّه إذا تكرّر التظليل فالأفضل دفع كفّارة عن كلّ يوم، وإن كان الأظهر كفاية كفارة واحدة في كلّ إحرام، فلو ظلّل على نفسه في العمرة، ثمّ ظلّل على نفسه في الحجّ لزمه دفع شاتين لا أكثر، حتى لو تظلّل في أكثر من موضع.
العاشر: في كفارة انتهاك محرّمات الحرم
م ـ 346: كفّارة قلع الشجرة في داخل الحرم دفع قيمتها، وكفارة القطع منها دفع قيمة المقطوع، ولا كفارة في قلع الأعشاب وقطعها.
الحادي عشر: في كفارة الإفاضة من عرفات والمشعر
م ـ 347: إذا أفاض وخرج من عرفات قبل غروب الشمس عالماً عامداً، فإذا رجع قبل الغروب فلا شيء عليه، وإن لم يرجع فعليه كفارة بدنة ينحرها يوم العيد، والأحوط أن تكون بمنى، فإن لم يتمكّن منها صام ثمانية عشر يوماً بمكَّة أو في الطريق أو عند أهله، والأولى أن يصومها متوالية.
هذا، ولا يجب التكفير فيما لو أفاض ناسياً أو جاهلاً، لكنّه لو علم أو تذكّر وجب عليه الرجوع قبل الغروب، فإن لم يرجع فالأفضل له أن يكفّر بالنحو المذكور سابقاً.
م ـ 348: إذا أفاض وخرج من مزدلفة قبل طلوع الفجر كانت عليه كفارة شاة إن كان عالماً، وليس عليه شيء مع الجهل. وأمّا إن وقف مقداراً بين طلوع الفجر والشروق وأفاض قبله - أي قبل الشروق - فلا شيء عليه وإن كان آثماً.
الثاني عشر: في كفارة ترك الطواف والسعي
م ـ 349: إذا ترك المكلّف طواف العمرة أو طواف الحجّ وكان جاهلاً بوجوب الطواف فيهما فإنّ عليه أن يكفّر ببدنة على الأحوط وجوباً. نعم، الظاهر أنّه لا كفّارة في ترك طواف النساء.
م ـ 350: إذا نقّص شيئاً من السعي في عمرة التَّمتُّع نسياناً، فأحلّ من إحرامه لاعتقاده الفراغ من السعي، فالأحوط استحباباً أن يكفّر عن ذلك ببقرة.
الثالث عشر: في كفارة ترك المبيت في منى
م ـ 351: من ترك المبيت بمنى في ليالي أيام التشريق فعليه دم شاة عن كلّ ليلة، إلا من جاز لهم ترك المبيت - مما تقدّم ذكره - فلا يجب عليهم شيء. وكذا فإنّ من أراد الإفاضة من منى عند الزوال من اليوم الثاني عشر، فأخّره الزحام إلى أن غربت الشمس عليه وهو في منى، فإنّه إن ترك المبيت عندئذٍ لكونه حرجياً عليه لزمه ذبح شاة على الأحوط، وإن بات فلا شيء عليه. نعم، إذا لم يكن المبيت حرجياً عليه ومع ذلك تركه فعليه التكفير بشاة جزماً.
فرعٌ: في أحكام التكفير
م ـ 352: مكان الذبح في الكفارة يختلف باختلاف سببها، فإذا وجبت على المحرم لأجل الصيد في العمرة المفردة أو في عمرة التَّمتُّع فالأظهر جواز ذبحها في محلّ الإصابة، والأفضل ذبحها في مكَّة المكرّمة، وإذا كان الصيد في إحرام الحجّ فمحل ذبحها منى.
أمّا إذا وجبت الكفارة على المحرم بسبب غير الصيد فالأظهر أنّه يجوز تأخيرها إلى حين عودته من الحجّ، فيذبحها أينما شاء، والأفضل إنجاز ذلك خلال الحجّ.
م ـ 353: إذا وجبت الكفارة على المحرم بسبب الصيد فلم يذبحها في محلّها في مكَّة أو منى، لعذرٍ كان ذلك أو من دونه، حتى رجع إلى بلده، جاز له ذبحها إينما شاء على الأظهر.
م ـ 354: الشروط المذكورة في الهدي الواجب في الحجّ في أعمال يوم العيد لجهة الصفات الداخلية والخارجية لا تعتبر فيما يُذبح كفّارة، وإن كان الأفضل اعتبارها فيه أيضاً.
م ـ 355: لا يجب أن يذبح المكفّر بنفسه، بل يجوز له الاستنابة تماماً كما مرّ في الهدي الواجب.
م ـ 356: الكفارات التي تَلزَم المحرم مصرفُها هو الفقراء والمساكين، ولا بدّ من أن يُدفع له من الشاة نفسها أو البقرة أو البدنة، فلا يجزىء دفع قيمة الكفارة.
هذا، ويجوز للمكفِّر أن يأكل شيئاً قليلاً من الحيوان المذبوح كفارةً بشرط أن يضمن قيمة ما يأكله ويدفعه للفقير.