المبحث الخامس ـ السجود

السجود من أركان الصلاة المهمة، ويتحقّق بوضع المساجد السبعة على الأرض بقصد التذلل والخضوع لله تعالى، والمساجد السبعة هي: الجبهة وباطن الكفين والركبتان وإبهاما الرجلين. ولا يصدق السجود إلاَّ بوضع الجبهة على الأرض، وعليها يكون حساب الزيادة والنقصان. والواجب منه في كلّ ركعة سجدتان، بلا فرق بين الفريضة والنافلة، ومحله بعد رفع الرأس من الركوع.
والكلام فيه سوف يتناول: كيفيته، وما يصح السجود عليه، وأحكامه، وسجدة التلاوة، ومستحبات السجود، وذلك في عناوين:
في كيفية السجود:
لا يتحقّق السجود ولا يصح إلاَّ عند توفر أمور:
أولاً: وضع المساجد على الأرض، وهي سبعة كما ذكرنا:
1 ـ الجبهة، وهي الأصل فيها. والمراد بها القسم الأعلى من الوجه الذي يقع بين منبت الشعر والحاجبين والجبينين. ولا يجب السجود على تمام الجبهة بل يكفي السجود على بعضها بالمقدار الذي يصدق به مسمى السجود، وإن كان الأفضل الزيادة عليه.
مسألة 709: تجب مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه من الأرض وما أنبتت. ولا يجب ذلك في غيرها من أعضاء السجود، وسنبين ذلك في عنوان خاص.
مسألة 710: لا يجب كون ما يصح السجود عليه مجتمعاً، فيصح وضع الجبهة على مثل حبات الحصى أو السبحة إذا كانت مساحتها مما يتحقّق به مسمى السجود على الأقل.
مسألة 711: إذا كان في جبهته قرحٌ مثلاً يمنعه من السجود عليها، فإن كان بعض الجبهة سليماً يمكن السجود عليه، ولو بتجويف المكان الذي سوف يسجد عليه، ليقع فيه محل القرح، وليقع السليم على الأرض، وجب السجود عليها بذلك النحو، أمّا إذا كان المانع مستوعباً لتمام الجبهة لزمه السجود على أحد الجبينين، والأحوط استحباباً تقديم الأيمن، فإذا تعذر السجود على الجبين اكتفى بالسجود على الذقن، فإن تعذر أومأ إلى السجود برأسه، وإلاَّ بعينيه، بغمضهما رمزاً للسجود وفتحهما رمزاً لرفع الرأس منه.
2 ـ الكفان، والواجب فيهما السجود على باطنيهما، ويجب بسطهما، فلا يكفي فيهما تقويسهما ووضع الأصابع فقط. فإن تعذر وضْع الباطن وضَع ظاهرَ كفيه، وإلاَّ وضَع باطن الذراعين، فإن تعذر وَضَعَ ما يمكن وضْعُه من ظاهر الذراعين، وهكذا يراعي وضْعَ الأقرب فالأقرب إلى الكفين. ولا يضرّ بالسجود كونهما ملفوفتين برباطٍ، لحرق أو جرح مثلاً، أو مع مثل القفازات.
3 ـ الركبتان، ويكفي فيهما المسمى. ولا يجب إلقاء ثقله عليهما، فلو كان في إحداهما قرحة، مثلاً، جاز مَسُّها الأرض مسّاً رفيقاً.
4 ـ إبهاما الرجلين، ويجب فيهما وضع رأسيهما، فلا يكفي باطناهما.
ثانياً: الذكر، وهو واجب في السجود بالنحو الذي ذكر في الركوع، غير أنَّه إذا اختار التسبيحة الكبرى فلا بُدَّ أن يقول: «سُبحانَ رَبِّيَ الأَعلى وبِحَمدِه»، وإذا ترك الذكر عمداً بطلت صلاته، ولا تبطل مع النسيان أو الجهل عن قصور.
ثالثاً: ثبات واستقرار أعضاء السجود، كلّ في محله، وخاصة حين الذكر، فإن أراد رفع شيء منها أو تحريكه من دون رفع لزمه السكوت عن الذكر حتى يستقر. نعم لا يصح رفع الجبهة ثُمَّ وضعها، لأنَّ الوضع ثانية يعتبر سجدة ثانية، وله حكم خاص يتبين مما سيأتي، بينما لا يضرّ تحريكها بالنحو الذي سلف كسائر أعضاء السجود. وفي كلّ حال يحدث فيها الاضطراب والتحرّك سهواً، أو قهراً بسبب الازدحام مثلاً، أثناء الذكر فإنه لا تجب إعادة الذكر حتى مع الالتفات لذلك قبل رفع الرأس.
مسألة 712: إذا ارتفعت جبهته عن المسجد قهراً، بسبب قوّة هَوِّيه إلى السجود مثلاً، فإن قدر على إمساكها عن الوقوع ثانية لزمه ذلك، واحتسبت له سجدة، سواء كان قبل الذكر أو أثناءه أو بعده، وإن عادت فسقطت قهراً عنه لـم يضرّ ذلك الارتفاع وحسب الجميع سجدة واحدة، فإن لـم يكن قد ذكر لزمه الذكر حينئذ، ثُمَّ يأتي بالسجدة الثانية إن لـم يكن قد أتى بها، ولا شيء عليه.
رابعاً: رفع الرأس من السجدة الأولى والجلوس معتدلاً مطمئناً، ثُمَّ الهوي إلى السجدة الثانية عن ذلك الاعتدال، وهو معتبر في السجدة الثانية مثلما كان الركوع عن قيام معتبراً في الركوع، لكنَّه ليس ركناً هنا مثلما كان القيام في الركوع، فلو سها عنه وسجد الثانية من دون أن يجلس لـم يبطل سجوده بذلك واكتفى به. أمّا الجلوس بعد السجدة الثانية وقبل القيام، والمعبّر عنه بـ (جلسة الاستراحة) فهي غير واجبة، وإن كان الأحوط استحباباً الإتيان بها.
خامساً: تساوي موضع جبهته وموقفه، فلا يصح أن يكون أحدهما أعلى من الآخر أزيد من مقدار أربع أصابع مضمومات، من دون فرق بين صورة الانحدار، وهو الذي يحصل تدريجياً على امتداد المساحة التي يقف فيها المصلي، وبين صورة التسنيم، وهو الارتفاع أو الهبوط الحَدِّي، كمثل حرف الرصيف ونحوه. هذا ولا يشترط ذلك في بقية المساجد، لا بعضها مع بعض ولا بالنسبة إلى الجبهة، فلا يضرّ اختلافها في الارتفاع والانخفاض في بقاء هيئة السجود.
هذا وكنّا قد ذكرنا في مبحث مكان المصلي شرط إباحة موضع السجود لأننا رأيناه أنسب بذلك المبحث منه بهذا، فلينظر هناك.
في ما يصح السجود عليه:
يجب حين السجود وضع الجبهة على شيء من الأرض أو ما أنبتت، بشرط أن يكون مما لا يلبسه الإنسان ولا يأكله. وتفصيل ذلك في مسائل.
مسألة 713: المراد بالأرض كلّ ما يصدق عليه اسمها من التراب والصخر والرمل وغيرها، بما في ذلك المطبوخ منها، كالإسمنت والكلس ونحوهما مما لـم يخرجه الطبخ عن إطلاق اسم الأرض عليه ولم يحوّله إلى حقيقة أخرى غيرها، وإن كان الأحوط استحباباً ترك السجود عليه، ويلحق بالمطبوخ ما يصنع منه مثل الموزاييك والفخار ونحوهما ما عدا الزجاج، فإنَّ الظاهر فيه خروجه بالتصنيع عن صدق اسم الأرض عليه.
مسألة 714: لا يصح السجود على ما يستخرج من الأرض مما يدخل تحت عنوان المعادن أو البترول أو الأحجار الكريمة، وذلك بشتى أصنافها، ويشمل ذلك ما يصنع منها، كالنايلون ونحوه.
مسألة 715: المراد بالنبات كلّ ما نبت من الأرض، من الأشجار والأعشاب، فيشمل الأخشاب والأغصان والأوراق والأثمار، بشرط أن يكون مما لا يأكله الإنسان وبشرط بقائه على حقيقته، فلو تحوّل إلى مثل الرماد لـم يجز السجود عليه.
مسألة 716: المراد بالمأكول ما اتخذه الإنسان طعاماً وغذاءً له من النبات كالقمح والشعير وغيرهما من الحبوب والخضروات والفواكه، فلا يجوز السجود على مثل هذه الأشياء، سواء كانت ناضجة أو غير ناضجة، وسواء كانت تحتاج إلى طبخ أو تؤكل نيئة. نعم يجوز السجود على ما لا يؤكل من أجزائها، كأوراق التين والتوت ونحوهما، وكذا قشور بعض الفواكه وبذورها، وعلى مثل عيدان الأرز والقمح والشعير.
مسألة 717: ما يُتغذى على مائه، كالشاي والقهوة والزهورات ونحوها من الأعشاب التي لها طعم حسن يرغب فيه، لا يجوز السجود عليها. أمّا ما لـم يكن لها طعم حسن لكنَّها تؤخذ هي أو مغليُّها من أجل التداوي والعلاج، أو تؤكل عند الاضطرار والمجاعة، فإنها لا تعدّ من المأكول، فيجوز السجود عليها.
مسألة 718: يكفي في اعتبار الشيء من المأكول أن تأكله طائفة من النّاس أو شعب منهم، فلا يشترط كونه مأكولاً عند جميع النّاس، إلاَّ أن يعدّ أكله أمراً شاذاً ونادراً، فلا يعدّ من المأكول حينئذٍ.
مسألة 719: المراد بالملبوس كلّ ما اتخذه الإنسان ونسجه لحاجاته، سواء كان للبسه على جسده أو جعله فراشاً أو غطاءً أو ستاراً، فيشمل الثياب والفرش والسجاد وغيرها من النسيج، كما لا فرق فيه بين ما كان من الحيوان أو النبات أو النفط كالنايلون والصوف والكتان ونحوها، ولا بين ما يستر العورة منه وغيره. نعم لا بأس بالسجود على الحصير أو القبعة ونحوها مما صنع من أغصان النبات الطبيعية غير المنسوجة، ولا يضرّ بذلك كونها ملونة ما دام ليس له جرم، كما لا يضرّ تشبيكها بالخيوط ما دام الغالب هو القش.
مسألة 720: الأظهر جواز السجود على الورق، حتى لو كان متخذاً مما لا يصح السجود عليه، كالمتخذ من الكتان أو القطن، وإن كان الأحوط استحباباً تركه في مثلهما. هذا ويجوز السجود على الورق الملون أو المكتوب عليه منه إذا لـم يكن للحبر أو الصبغ جرم مستوعب.
مسألة 721: أفضل ما يسجد عليه من الأرض التراب، وأفضله تراب مرقد الإمام الحسين y.
مسألة 722: يشترط فيما يصح السجود عليه طهارته من كلّ نجاسة خبثية، سواء كانت متعدية أو غير متعدية، غير أنه إذا سجد على النجس غفلة أو جهلاً وعلم بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة، وكذا يصح ما أتى به إذا كان التذكر أو العلم أثناء الصلاة، وعليه تحقيق طهارة موضع السجود لما بقي من السجدات.
مسألة 723: لا يشترط جفاف ما يسجد عليه من التراب ولا من النبات، نعم إذا لـم تستقرّ الجبهة على الوحل لـم يجز السجود عليه لأجل عدم الاستقرار لا من أجل رطوبته.
في أحكام السجود:
مسألة 724: إذا اضطر المكلّف للصلاة في مكان موحل بحيث يلزم من السجود تلوث ثيابه وبدنه بالوحل، وكان ذلك موجباً للحرج، جاز له أن يصلي مومياً للسجود قياماً، من دون أن يجلس للسجود.
مسألة 725: إذ لـم يضع المصلي جبهته ـ سهواً أو عمداً ـ على الأرض وظلّت مرتفعة عنها لـم يعتبر ذلك سجوداً حتى لو وضع سائر المساجد على الأرض، أمّا إذا لـم يضع المصلي واحداً غير الجبهة من أعضاء السجود، كأن لـم يسجد على إبهامي الرجلين، أو وضع كفاً واحدة على الأرض، أو نحو ذلك، فإن كان عمداً تبطل صلاته، وإن كان سهواً أو جهلاً والتفت أثناء السجود لزمه وضع ذلك العضو في محله وإعادة الذكر، وإن التفت بعد رفع رأسه من السجود مضى في صلاته ولا شيء عليه.
مسألة 726: إذا فقد المكلّف أثناء الصلاة ما يصح السجود عليه، فإن وسع الوقت ولو لركعة واحدة قطع الصلاة وأتى بها مع الشروط، وإن لـم يسع الوقت للقطع والاستئناف سجد على ثوبه، قطناً كان أو كتاناً أو غيرهما، فإن لـم يجد سجد على ما تيسر له. وكذا حكم من وُجِد في مكان ليس فيه ما يصح السجود عليه، كالمحبوس والخائف ونحوهما من حالات الضرورة، فإن كان العذر يرتفع مع التأخير في سعة الوقت أخّر صلاته إلى حين ارتفاع العذر وتحصيل الشرط، وإلاَّ سجد على النحو المتقدّم.
مسألة 727: إذا سجد على ما لا يصح السجود عليه معتقداً كونه مما يصح السجود عليه، فإن التفت إلى ذلك أثناء الصلاة بعدما سجد سجدة أو سجدتين، فهو بالخيار بين أن يقطع صلاته ويستأنفها من جديد جامعة لشروطها، وبين أن يتمّ صلاته بعد أن يوفر ما يصح السجود عليه للسجدات الآتية، مع إعادتها من باب الاحتياط الاستحبابي. أمّا إذا لـم يلتفت إلاَّ بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة، وإن كان الأحوط استحباباً إعادتها أداءً في وقتها أو قضاءً إن لـم يدركها في وقتها.
مسألة 728: إذا وضع جبهته غفلة على المكان المرتفع أو المنخفض، فإن كان من الارتفاع بحدّ لا يصدق معه السجود، والتفت أثناء السجود، وجب رفع الجبهة ووضعها على المكان المناسب، وإن كان بحدٍّ يصدق عليه السجود وأمكنه تحصيل الشرط بجرها من دون رفع وجب ذلك، وإلاَّ رفع جبهته ووضعها على المكان المناسب. أمّا إذا لـم يلتفت إلى ذلك إلاَّ بعد الفراغ من الصلاة فالأحوط ـ استحباباً ـ إعادة الصلاة أداءً في وقتها أو قضاءً إن لـم يدركها في وقتها.
مسألة 729: إذا عجز عن السجود التام لزمه الانحناء بالمقدار الممكن بحيث يتحقّق معه السجود عرفاً، وعليه ـ حينئذ ـ أن يرفع ما يسجد عليه إلى جبهته، ومع عدم الإمكان، أو كون مقدار الانحناء لا يعتبر سجوداً عرفاً، يلزمه الإيماء إليه برأسه رافعاً ما يسجد عليه بمقدار ما تستقر الجبهة عليه، وإلاَّ أومأ بعينيه، يغمضهما للسجود ويفتحهما للرفع منه، فإن لـم يمكن حتى بالعينين نوى ذلك بقلبه مع تحريك لسانه بذكر السجود، أمّا غير الجبهة من المساجد فإنه يجب وضع ما يقدر على وضعه منها في أماكنها، وإلاَّ لـم يجب.
مسألة 730: السجدتان معاً ركن تبطل الصلاة بنقصه عمداً أو سهواً، وبزيادته عمداً لا سهواً، وليس كذلك السجدة الواحدة، فإنَّ الصلاة لا تبطل إلاَّ بزيادتها أو نقصها عمداً لا سهواً.
مسألة 731: إذا نسي سجدة واحدة وتذكرها قبل ركوع الركعة التالية لزمه الجلوس والإتيان بها، ثُمَّ الإتيان بسجدتي السهو لزيادة القيام، وإن تذكرها بعد الدخول في الركوع مضى في صلاته وقضاها بعد الفراغ من الصلاة، كما سيأتي بيانه لاحقاً. أمّا إذا نسي السجدتين وتذكرهما قبل ركوع الركعة التالية فالحكم كما سبق، وإن تذكرهما بعد الدخول في الركوع بطلت صلاته.
وإذا كان المنسي هي السجدة أو السجدتين الأخيرتين وتذكرهما بعد التسليم، فإن لـم يمر فاصل طويل ولم يصدر منه ما يبطل الصلاة أتى بما نسيه وأعاد التشهد والتسليم بعده، وكذا إن لـم يمر فاصل طويل وحدث منه ما يبطل الصلاة في صورة العمد فقط، كالكلام، أمّا إذا مرّ فاصل طويل أو صدر منه ما يفسد الصلاة في صورة العمد أو السهو، كمثل الحدث الأصغر، فإن كان المنسي سجدة واحدة قضاها وتصح صلاته، وإن كان المنسي سجدتين بطلت صلاته.
مسألة 732: إذا شك في السجود بعد أن نهض قائماً لـم يعتن بشكه، وكذا إذا كان الشك بعد الدخول في التشهد أو بعد تحقّق القيام منه، أمّا إذا شكّ في السجود حال نهوضه للقيام فإن عليه الاعتناء بشكّه على الأحوط بقصد القربة المطلقة، وإذا وجد نفسه قائماً وشك في أنَّ قيامه هذا هل هو من الركوع وأنه لـم يسجد بعد، أو أنَّ قيامه هذا إنما هو بعد السجود وأنه قد قام منه للقراءة أو الذكر، فإنَّ عليه أن يعتبر أنه قيام الركوع وأن عليه السجود بعده. هذا ولا تبطل الصلاة في صورة ما لو تبين لهذا الشاك الذي اعتنى بشكه وأتى بسجدتين أنه كان قد سجدهما، أما لو بنى على الإتيان بهما ثُمَّ تبين له بعد تجاوز محل التدارك أنه لـم يأت بهما، فإنَّ صلاته تبطل لنقصان ركن منها.
وإذا شك بعد ما أتى بالسجدة في أنها السجدة الأولى أو الثانية اعتبر أنها الأولى ولزمه الإتيان بالثانية، وإذا شك في أنها هل هي الثانية أو الثالثة اعتبرها ثانية وليس عليه شيء. وإذا شك في صحة السجود بعد رفع الرأس منه اعتبره صحيحاً، وكذا إذا شك في صحة الذكر بعد الانتهاء منه.
ـ في قضاء السجدة:
قلنا إنَّ من نسي سجدة واحدة ولم يذكرها إلاَّ بعد الدخول في ركن بعدها لزمه قضاء هذه السجدة بعد الانتهاء من الصلاة، وكيفية القضاء أنه بعدما ينهي التسليم مباشرة، ينوي الإتيان بسجدة بدلاً عن السجدة المنسية، ثُمَّ يهوي إلى السجود ويأتي بسجدة واحدة بجميع ما يعتبر فيها، من وضع المساجد السبعة، والسجود على ما يصح السجود عليه، والذكر، والطمأنينة حال الذكر، مضافاً لذلك الاستقبال والطهارة وستر العورة وغيرها مما يعتبر في سجود الصلاة. وليس بعده تشهد ولا تسليم، كما أنه لا يضر الإتيان بالمنافي بين الصلاة وبين السجدة المقضية، وإن كان الأحوط استحباباً إعادة الصلاة عند الفصل بالمنافي، هذا والأحوط وجوباً الإتيان بسجدتي السهو لنسيان السجدة بعد قضائها.
في أحكام سجدة التلاوة:
مسألة 733: يجب السجود عند قراءة إحدى آيات السجدة، وهي أربع:
1 ـ قوله تعالى:  {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة:15].
2 ـ قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37].
3 ـ قوله تعالى:{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا } [النجم: 62].
4 ـ قوله تعالى: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب } [العلق: 19].
ولا يجب السجود لغير هذه الأربعة من الآيات التي فيها أمر بالسجود، وإن كان يستحب السجود في مواضع خاصة منها، بل هو مستحب عند قراءة كلّ آية فيها أمر بالسجود.
مسألة 734: كما يجب السجود عند قراءتها كذلك يجب السجود عند الإصغاء والاستماع إلى قراءتها من قبل الغير، نعم لا يجب السجود إذا وقعت في السمع من دون قصد الإصغاء.
ولا يشترط عند الاستماع إليها من مقرئ أن يكون بشرياً، فلو سمعها من آلة تسجيل أو في بث مرئي أو مسموع، مباشر أو غير مباشر، وجب عليه السجود لها؛ نعم لا بُدَّ من قراءتها باللغة العربية، فلو قرأ آية السجدة مترجمة إلى غير العربية لـم يجب السجود على قارئها ولا مستمعها. وكذلك لا يجب السجود عند خطورها بالبال أو كتابتها من دون تلفظ بها.
مسألة 735: يجب تكرار السجود كلّما تكرّرت القراءة، إلاَّ أن يقرأها جماعة من النّاس دفعة واحدة فلا تتكرر بعددهم، بل يسجد مرة واحدة، سواء قرأ معهم أو استمع إليهم من دون قراءة.
مسألة 736: تجب المبادرة إلى السجود مع الإمكان، ويجوز التأخير مع الحرج أو التعذر إلى حين القدرة عليه، وكذا مع نسيانه، وإن كان الأحوط استحباباً الإيماء للسجود حال وجود العذر ثُمَّ السجود لها بعد ذلك.
مسألة 737: لا فرق في كيفية السجود بين هذه السجدة وسجدة الصلاة من حيث الشكل، ولكن لا يشترط فيها ما يشترط في سجدة الصلاة من وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، وإن كان ذلك أحوط استحباباً. ولا يعتبر فيها الطهارة من الحدث ولا من الخبث، فيصح السجود من غير المتوضئ ومن الجنب والحائض ونحوهما، وبالبدن والثياب المتنجسة. وكذا لا يعتبر فيها طهارة موضع الجبهة ولا ستر العورة ولا الاستقبال، ولا إباحة المكان أو اللباس وإن أثـم بالتصرّف بهما.
وكذا لا يجب فيها تكبيرة افتتاح ولا تشهد ولا تسليم ولا ذكر وإن كان يستحب فيها الذكر بمثل: «سَجدتُ لكَ يا ربِّ تَعبُّداً ورِقاً، لا مُستكبِراً عن عِبادتِك، ولا مُستنكِفاً ولا مُستعظِماً، بل أنا عبدٌ ذَليلٌ خَائفٌ مُستجِير».
في مستحبات السجود:
قد ذكر العلماء للسجود مستحبات عديدة، منها:
السبق باليدين عند الهوي إلى السجود، واستيعاب الجبهة على ما يصح السجود عليه، وإرغام الأنف ووضعه على ما يصح السجود عليه، وبسط كفيه على الأرض مضمومتي الأصابع بمساواة أذنيه موجهاً لهما نحو القبلة، والنظر إلى طرف الأنف حال السجود، واختيار التسبيح في ذكر السجود، وخاصة التسبيحة الكبرى، وتكرار الذكر والختم بالفرد، والحرص على مساواة موضع وقوفه لموضع سجوده، والدعاء في آخر سجدة من الصلاة بمثل: «يَا خَيْرَ المسؤولينَ وَيا خيرَ المُعطين، ارْزقنِي وارزُقْ عِيالي منْ فَضلِكَ، فإِنكَ ذُو الفضْلِ العَظيم»، والاستغفار في جلوس ما بين السجدتين، والتكبير قبل كلّ سجدة وبعدها، ووضع اليدين على الفخذين حال الجلوس بعد السجدة، اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى، ورفع البطن حال السجود عن الأرض، وتجنيح اليدين، برفع مرفقيه عن الأرض وإبعاد عضديه عن جانبيه، والصلاة على النبيّ وآله في ذكر السجود، وأن يقوم برفع ركبتيه عن الأرض قبل يديه، وإطالة السجود والإكثار فيه من التسبيح والذكر، وأن يجلس بين السجدتين لاوياً قدميه تحت إليتيه، واضعاً ظاهر القدم اليمنى على باطن القدم اليسرى ملقياً ثقله على فخذه الأيسر، ويكره ترك القدمين منتصبين تحت إليتيه.
هذا بالنسبة للرجال، أمّا المرأة فإنها لا تختلف عن الرّجل إلاَّ بأنها تضع ركبتيها قبل يديها عند الهوي إلى السجود، ولا تجنح بمرفقيها حال السجود، بل تلصقهما بالأرض ضامة عضديها إلى جانبيها، ولا ترفع ركبتيها عند القيام من السجود قبل يديها، بل تنهض وتنتصب عدلاً.
هذا وقد ذكر العلماء أنه يستحب السجود شكراً لله تعالى عند تجدّد نعمة أو دفع نقمة أو عند تذكرهما مما كان سابقاً، أو للتوفيق لأداء فريضة أو نافلة أو فعل خير، ويكفي فيه مجرّد وضع الجبهة على الأرض ناوياً للشكر، ويستحب أن يقول فيه «شكراً لله» أو «شكراً»، وأن يكررها مائة مرة، وتكفي الثلاث، بل الواحدة.
كذلك يستحب السجود بقصد التذلل أو التعظيم لله تعالى، أو بقصد كونه راجحاً عبادةً لله تعالى، بل هو من أعظم العبادات وآكدها، بل ما عُبِد الله بمثله، وأقرب ما يكون العبد لله وهو ساجد، ويستحب إطالته، فقد روي عن زين العابدين y أنه سجد على حجارة خشنة حتى أحصي عليه قوله ألف مرة: «لا إله إلاَّ الله حقّاً حقّاً، لا إله إلاَّ الله تعبّداً ورقاً، لا إله إلاَّ الله إيماناً وصدقاً».
مسألة 738: يحرم السجود لغير الله تعالى مهما كانت درجة العبد المسجود له من العظمة الدينية أو الدنيوية. هذا وما كان سجود الملائكة لآدم بل كان آدم قِبْلةً لهم، وكذا لـم يكن سجود يعقوب ووُلده لإبنه يوسف عليه وعلى أبيه السلام، بل كان شكراً لله تعالى على ما أعطاه من الملك.

السجود من أركان الصلاة المهمة، ويتحقّق بوضع المساجد السبعة على الأرض بقصد التذلل والخضوع لله تعالى، والمساجد السبعة هي: الجبهة وباطن الكفين والركبتان وإبهاما الرجلين. ولا يصدق السجود إلاَّ بوضع الجبهة على الأرض، وعليها يكون حساب الزيادة والنقصان. والواجب منه في كلّ ركعة سجدتان، بلا فرق بين الفريضة والنافلة، ومحله بعد رفع الرأس من الركوع.
والكلام فيه سوف يتناول: كيفيته، وما يصح السجود عليه، وأحكامه، وسجدة التلاوة، ومستحبات السجود، وذلك في عناوين:
في كيفية السجود:
لا يتحقّق السجود ولا يصح إلاَّ عند توفر أمور:
أولاً: وضع المساجد على الأرض، وهي سبعة كما ذكرنا:
1 ـ الجبهة، وهي الأصل فيها. والمراد بها القسم الأعلى من الوجه الذي يقع بين منبت الشعر والحاجبين والجبينين. ولا يجب السجود على تمام الجبهة بل يكفي السجود على بعضها بالمقدار الذي يصدق به مسمى السجود، وإن كان الأفضل الزيادة عليه.
مسألة 709: تجب مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه من الأرض وما أنبتت. ولا يجب ذلك في غيرها من أعضاء السجود، وسنبين ذلك في عنوان خاص.
مسألة 710: لا يجب كون ما يصح السجود عليه مجتمعاً، فيصح وضع الجبهة على مثل حبات الحصى أو السبحة إذا كانت مساحتها مما يتحقّق به مسمى السجود على الأقل.
مسألة 711: إذا كان في جبهته قرحٌ مثلاً يمنعه من السجود عليها، فإن كان بعض الجبهة سليماً يمكن السجود عليه، ولو بتجويف المكان الذي سوف يسجد عليه، ليقع فيه محل القرح، وليقع السليم على الأرض، وجب السجود عليها بذلك النحو، أمّا إذا كان المانع مستوعباً لتمام الجبهة لزمه السجود على أحد الجبينين، والأحوط استحباباً تقديم الأيمن، فإذا تعذر السجود على الجبين اكتفى بالسجود على الذقن، فإن تعذر أومأ إلى السجود برأسه، وإلاَّ بعينيه، بغمضهما رمزاً للسجود وفتحهما رمزاً لرفع الرأس منه.
2 ـ الكفان، والواجب فيهما السجود على باطنيهما، ويجب بسطهما، فلا يكفي فيهما تقويسهما ووضع الأصابع فقط. فإن تعذر وضْع الباطن وضَع ظاهرَ كفيه، وإلاَّ وضَع باطن الذراعين، فإن تعذر وَضَعَ ما يمكن وضْعُه من ظاهر الذراعين، وهكذا يراعي وضْعَ الأقرب فالأقرب إلى الكفين. ولا يضرّ بالسجود كونهما ملفوفتين برباطٍ، لحرق أو جرح مثلاً، أو مع مثل القفازات.
3 ـ الركبتان، ويكفي فيهما المسمى. ولا يجب إلقاء ثقله عليهما، فلو كان في إحداهما قرحة، مثلاً، جاز مَسُّها الأرض مسّاً رفيقاً.
4 ـ إبهاما الرجلين، ويجب فيهما وضع رأسيهما، فلا يكفي باطناهما.
ثانياً: الذكر، وهو واجب في السجود بالنحو الذي ذكر في الركوع، غير أنَّه إذا اختار التسبيحة الكبرى فلا بُدَّ أن يقول: «سُبحانَ رَبِّيَ الأَعلى وبِحَمدِه»، وإذا ترك الذكر عمداً بطلت صلاته، ولا تبطل مع النسيان أو الجهل عن قصور.
ثالثاً: ثبات واستقرار أعضاء السجود، كلّ في محله، وخاصة حين الذكر، فإن أراد رفع شيء منها أو تحريكه من دون رفع لزمه السكوت عن الذكر حتى يستقر. نعم لا يصح رفع الجبهة ثُمَّ وضعها، لأنَّ الوضع ثانية يعتبر سجدة ثانية، وله حكم خاص يتبين مما سيأتي، بينما لا يضرّ تحريكها بالنحو الذي سلف كسائر أعضاء السجود. وفي كلّ حال يحدث فيها الاضطراب والتحرّك سهواً، أو قهراً بسبب الازدحام مثلاً، أثناء الذكر فإنه لا تجب إعادة الذكر حتى مع الالتفات لذلك قبل رفع الرأس.
مسألة 712: إذا ارتفعت جبهته عن المسجد قهراً، بسبب قوّة هَوِّيه إلى السجود مثلاً، فإن قدر على إمساكها عن الوقوع ثانية لزمه ذلك، واحتسبت له سجدة، سواء كان قبل الذكر أو أثناءه أو بعده، وإن عادت فسقطت قهراً عنه لـم يضرّ ذلك الارتفاع وحسب الجميع سجدة واحدة، فإن لـم يكن قد ذكر لزمه الذكر حينئذ، ثُمَّ يأتي بالسجدة الثانية إن لـم يكن قد أتى بها، ولا شيء عليه.
رابعاً: رفع الرأس من السجدة الأولى والجلوس معتدلاً مطمئناً، ثُمَّ الهوي إلى السجدة الثانية عن ذلك الاعتدال، وهو معتبر في السجدة الثانية مثلما كان الركوع عن قيام معتبراً في الركوع، لكنَّه ليس ركناً هنا مثلما كان القيام في الركوع، فلو سها عنه وسجد الثانية من دون أن يجلس لـم يبطل سجوده بذلك واكتفى به. أمّا الجلوس بعد السجدة الثانية وقبل القيام، والمعبّر عنه بـ (جلسة الاستراحة) فهي غير واجبة، وإن كان الأحوط استحباباً الإتيان بها.
خامساً: تساوي موضع جبهته وموقفه، فلا يصح أن يكون أحدهما أعلى من الآخر أزيد من مقدار أربع أصابع مضمومات، من دون فرق بين صورة الانحدار، وهو الذي يحصل تدريجياً على امتداد المساحة التي يقف فيها المصلي، وبين صورة التسنيم، وهو الارتفاع أو الهبوط الحَدِّي، كمثل حرف الرصيف ونحوه. هذا ولا يشترط ذلك في بقية المساجد، لا بعضها مع بعض ولا بالنسبة إلى الجبهة، فلا يضرّ اختلافها في الارتفاع والانخفاض في بقاء هيئة السجود.
هذا وكنّا قد ذكرنا في مبحث مكان المصلي شرط إباحة موضع السجود لأننا رأيناه أنسب بذلك المبحث منه بهذا، فلينظر هناك.
في ما يصح السجود عليه:
يجب حين السجود وضع الجبهة على شيء من الأرض أو ما أنبتت، بشرط أن يكون مما لا يلبسه الإنسان ولا يأكله. وتفصيل ذلك في مسائل.
مسألة 713: المراد بالأرض كلّ ما يصدق عليه اسمها من التراب والصخر والرمل وغيرها، بما في ذلك المطبوخ منها، كالإسمنت والكلس ونحوهما مما لـم يخرجه الطبخ عن إطلاق اسم الأرض عليه ولم يحوّله إلى حقيقة أخرى غيرها، وإن كان الأحوط استحباباً ترك السجود عليه، ويلحق بالمطبوخ ما يصنع منه مثل الموزاييك والفخار ونحوهما ما عدا الزجاج، فإنَّ الظاهر فيه خروجه بالتصنيع عن صدق اسم الأرض عليه.
مسألة 714: لا يصح السجود على ما يستخرج من الأرض مما يدخل تحت عنوان المعادن أو البترول أو الأحجار الكريمة، وذلك بشتى أصنافها، ويشمل ذلك ما يصنع منها، كالنايلون ونحوه.
مسألة 715: المراد بالنبات كلّ ما نبت من الأرض، من الأشجار والأعشاب، فيشمل الأخشاب والأغصان والأوراق والأثمار، بشرط أن يكون مما لا يأكله الإنسان وبشرط بقائه على حقيقته، فلو تحوّل إلى مثل الرماد لـم يجز السجود عليه.
مسألة 716: المراد بالمأكول ما اتخذه الإنسان طعاماً وغذاءً له من النبات كالقمح والشعير وغيرهما من الحبوب والخضروات والفواكه، فلا يجوز السجود على مثل هذه الأشياء، سواء كانت ناضجة أو غير ناضجة، وسواء كانت تحتاج إلى طبخ أو تؤكل نيئة. نعم يجوز السجود على ما لا يؤكل من أجزائها، كأوراق التين والتوت ونحوهما، وكذا قشور بعض الفواكه وبذورها، وعلى مثل عيدان الأرز والقمح والشعير.
مسألة 717: ما يُتغذى على مائه، كالشاي والقهوة والزهورات ونحوها من الأعشاب التي لها طعم حسن يرغب فيه، لا يجوز السجود عليها. أمّا ما لـم يكن لها طعم حسن لكنَّها تؤخذ هي أو مغليُّها من أجل التداوي والعلاج، أو تؤكل عند الاضطرار والمجاعة، فإنها لا تعدّ من المأكول، فيجوز السجود عليها.
مسألة 718: يكفي في اعتبار الشيء من المأكول أن تأكله طائفة من النّاس أو شعب منهم، فلا يشترط كونه مأكولاً عند جميع النّاس، إلاَّ أن يعدّ أكله أمراً شاذاً ونادراً، فلا يعدّ من المأكول حينئذٍ.
مسألة 719: المراد بالملبوس كلّ ما اتخذه الإنسان ونسجه لحاجاته، سواء كان للبسه على جسده أو جعله فراشاً أو غطاءً أو ستاراً، فيشمل الثياب والفرش والسجاد وغيرها من النسيج، كما لا فرق فيه بين ما كان من الحيوان أو النبات أو النفط كالنايلون والصوف والكتان ونحوها، ولا بين ما يستر العورة منه وغيره. نعم لا بأس بالسجود على الحصير أو القبعة ونحوها مما صنع من أغصان النبات الطبيعية غير المنسوجة، ولا يضرّ بذلك كونها ملونة ما دام ليس له جرم، كما لا يضرّ تشبيكها بالخيوط ما دام الغالب هو القش.
مسألة 720: الأظهر جواز السجود على الورق، حتى لو كان متخذاً مما لا يصح السجود عليه، كالمتخذ من الكتان أو القطن، وإن كان الأحوط استحباباً تركه في مثلهما. هذا ويجوز السجود على الورق الملون أو المكتوب عليه منه إذا لـم يكن للحبر أو الصبغ جرم مستوعب.
مسألة 721: أفضل ما يسجد عليه من الأرض التراب، وأفضله تراب مرقد الإمام الحسين y.
مسألة 722: يشترط فيما يصح السجود عليه طهارته من كلّ نجاسة خبثية، سواء كانت متعدية أو غير متعدية، غير أنه إذا سجد على النجس غفلة أو جهلاً وعلم بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة، وكذا يصح ما أتى به إذا كان التذكر أو العلم أثناء الصلاة، وعليه تحقيق طهارة موضع السجود لما بقي من السجدات.
مسألة 723: لا يشترط جفاف ما يسجد عليه من التراب ولا من النبات، نعم إذا لـم تستقرّ الجبهة على الوحل لـم يجز السجود عليه لأجل عدم الاستقرار لا من أجل رطوبته.
في أحكام السجود:
مسألة 724: إذا اضطر المكلّف للصلاة في مكان موحل بحيث يلزم من السجود تلوث ثيابه وبدنه بالوحل، وكان ذلك موجباً للحرج، جاز له أن يصلي مومياً للسجود قياماً، من دون أن يجلس للسجود.
مسألة 725: إذ لـم يضع المصلي جبهته ـ سهواً أو عمداً ـ على الأرض وظلّت مرتفعة عنها لـم يعتبر ذلك سجوداً حتى لو وضع سائر المساجد على الأرض، أمّا إذا لـم يضع المصلي واحداً غير الجبهة من أعضاء السجود، كأن لـم يسجد على إبهامي الرجلين، أو وضع كفاً واحدة على الأرض، أو نحو ذلك، فإن كان عمداً تبطل صلاته، وإن كان سهواً أو جهلاً والتفت أثناء السجود لزمه وضع ذلك العضو في محله وإعادة الذكر، وإن التفت بعد رفع رأسه من السجود مضى في صلاته ولا شيء عليه.
مسألة 726: إذا فقد المكلّف أثناء الصلاة ما يصح السجود عليه، فإن وسع الوقت ولو لركعة واحدة قطع الصلاة وأتى بها مع الشروط، وإن لـم يسع الوقت للقطع والاستئناف سجد على ثوبه، قطناً كان أو كتاناً أو غيرهما، فإن لـم يجد سجد على ما تيسر له. وكذا حكم من وُجِد في مكان ليس فيه ما يصح السجود عليه، كالمحبوس والخائف ونحوهما من حالات الضرورة، فإن كان العذر يرتفع مع التأخير في سعة الوقت أخّر صلاته إلى حين ارتفاع العذر وتحصيل الشرط، وإلاَّ سجد على النحو المتقدّم.
مسألة 727: إذا سجد على ما لا يصح السجود عليه معتقداً كونه مما يصح السجود عليه، فإن التفت إلى ذلك أثناء الصلاة بعدما سجد سجدة أو سجدتين، فهو بالخيار بين أن يقطع صلاته ويستأنفها من جديد جامعة لشروطها، وبين أن يتمّ صلاته بعد أن يوفر ما يصح السجود عليه للسجدات الآتية، مع إعادتها من باب الاحتياط الاستحبابي. أمّا إذا لـم يلتفت إلاَّ بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة، وإن كان الأحوط استحباباً إعادتها أداءً في وقتها أو قضاءً إن لـم يدركها في وقتها.
مسألة 728: إذا وضع جبهته غفلة على المكان المرتفع أو المنخفض، فإن كان من الارتفاع بحدّ لا يصدق معه السجود، والتفت أثناء السجود، وجب رفع الجبهة ووضعها على المكان المناسب، وإن كان بحدٍّ يصدق عليه السجود وأمكنه تحصيل الشرط بجرها من دون رفع وجب ذلك، وإلاَّ رفع جبهته ووضعها على المكان المناسب. أمّا إذا لـم يلتفت إلى ذلك إلاَّ بعد الفراغ من الصلاة فالأحوط ـ استحباباً ـ إعادة الصلاة أداءً في وقتها أو قضاءً إن لـم يدركها في وقتها.
مسألة 729: إذا عجز عن السجود التام لزمه الانحناء بالمقدار الممكن بحيث يتحقّق معه السجود عرفاً، وعليه ـ حينئذ ـ أن يرفع ما يسجد عليه إلى جبهته، ومع عدم الإمكان، أو كون مقدار الانحناء لا يعتبر سجوداً عرفاً، يلزمه الإيماء إليه برأسه رافعاً ما يسجد عليه بمقدار ما تستقر الجبهة عليه، وإلاَّ أومأ بعينيه، يغمضهما للسجود ويفتحهما للرفع منه، فإن لـم يمكن حتى بالعينين نوى ذلك بقلبه مع تحريك لسانه بذكر السجود، أمّا غير الجبهة من المساجد فإنه يجب وضع ما يقدر على وضعه منها في أماكنها، وإلاَّ لـم يجب.
مسألة 730: السجدتان معاً ركن تبطل الصلاة بنقصه عمداً أو سهواً، وبزيادته عمداً لا سهواً، وليس كذلك السجدة الواحدة، فإنَّ الصلاة لا تبطل إلاَّ بزيادتها أو نقصها عمداً لا سهواً.
مسألة 731: إذا نسي سجدة واحدة وتذكرها قبل ركوع الركعة التالية لزمه الجلوس والإتيان بها، ثُمَّ الإتيان بسجدتي السهو لزيادة القيام، وإن تذكرها بعد الدخول في الركوع مضى في صلاته وقضاها بعد الفراغ من الصلاة، كما سيأتي بيانه لاحقاً. أمّا إذا نسي السجدتين وتذكرهما قبل ركوع الركعة التالية فالحكم كما سبق، وإن تذكرهما بعد الدخول في الركوع بطلت صلاته.
وإذا كان المنسي هي السجدة أو السجدتين الأخيرتين وتذكرهما بعد التسليم، فإن لـم يمر فاصل طويل ولم يصدر منه ما يبطل الصلاة أتى بما نسيه وأعاد التشهد والتسليم بعده، وكذا إن لـم يمر فاصل طويل وحدث منه ما يبطل الصلاة في صورة العمد فقط، كالكلام، أمّا إذا مرّ فاصل طويل أو صدر منه ما يفسد الصلاة في صورة العمد أو السهو، كمثل الحدث الأصغر، فإن كان المنسي سجدة واحدة قضاها وتصح صلاته، وإن كان المنسي سجدتين بطلت صلاته.
مسألة 732: إذا شك في السجود بعد أن نهض قائماً لـم يعتن بشكه، وكذا إذا كان الشك بعد الدخول في التشهد أو بعد تحقّق القيام منه، أمّا إذا شكّ في السجود حال نهوضه للقيام فإن عليه الاعتناء بشكّه على الأحوط بقصد القربة المطلقة، وإذا وجد نفسه قائماً وشك في أنَّ قيامه هذا هل هو من الركوع وأنه لـم يسجد بعد، أو أنَّ قيامه هذا إنما هو بعد السجود وأنه قد قام منه للقراءة أو الذكر، فإنَّ عليه أن يعتبر أنه قيام الركوع وأن عليه السجود بعده. هذا ولا تبطل الصلاة في صورة ما لو تبين لهذا الشاك الذي اعتنى بشكه وأتى بسجدتين أنه كان قد سجدهما، أما لو بنى على الإتيان بهما ثُمَّ تبين له بعد تجاوز محل التدارك أنه لـم يأت بهما، فإنَّ صلاته تبطل لنقصان ركن منها.
وإذا شك بعد ما أتى بالسجدة في أنها السجدة الأولى أو الثانية اعتبر أنها الأولى ولزمه الإتيان بالثانية، وإذا شك في أنها هل هي الثانية أو الثالثة اعتبرها ثانية وليس عليه شيء. وإذا شك في صحة السجود بعد رفع الرأس منه اعتبره صحيحاً، وكذا إذا شك في صحة الذكر بعد الانتهاء منه.
ـ في قضاء السجدة:
قلنا إنَّ من نسي سجدة واحدة ولم يذكرها إلاَّ بعد الدخول في ركن بعدها لزمه قضاء هذه السجدة بعد الانتهاء من الصلاة، وكيفية القضاء أنه بعدما ينهي التسليم مباشرة، ينوي الإتيان بسجدة بدلاً عن السجدة المنسية، ثُمَّ يهوي إلى السجود ويأتي بسجدة واحدة بجميع ما يعتبر فيها، من وضع المساجد السبعة، والسجود على ما يصح السجود عليه، والذكر، والطمأنينة حال الذكر، مضافاً لذلك الاستقبال والطهارة وستر العورة وغيرها مما يعتبر في سجود الصلاة. وليس بعده تشهد ولا تسليم، كما أنه لا يضر الإتيان بالمنافي بين الصلاة وبين السجدة المقضية، وإن كان الأحوط استحباباً إعادة الصلاة عند الفصل بالمنافي، هذا والأحوط وجوباً الإتيان بسجدتي السهو لنسيان السجدة بعد قضائها.
في أحكام سجدة التلاوة:
مسألة 733: يجب السجود عند قراءة إحدى آيات السجدة، وهي أربع:
1 ـ قوله تعالى:  {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة:15].
2 ـ قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37].
3 ـ قوله تعالى:{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا } [النجم: 62].
4 ـ قوله تعالى: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب } [العلق: 19].
ولا يجب السجود لغير هذه الأربعة من الآيات التي فيها أمر بالسجود، وإن كان يستحب السجود في مواضع خاصة منها، بل هو مستحب عند قراءة كلّ آية فيها أمر بالسجود.
مسألة 734: كما يجب السجود عند قراءتها كذلك يجب السجود عند الإصغاء والاستماع إلى قراءتها من قبل الغير، نعم لا يجب السجود إذا وقعت في السمع من دون قصد الإصغاء.
ولا يشترط عند الاستماع إليها من مقرئ أن يكون بشرياً، فلو سمعها من آلة تسجيل أو في بث مرئي أو مسموع، مباشر أو غير مباشر، وجب عليه السجود لها؛ نعم لا بُدَّ من قراءتها باللغة العربية، فلو قرأ آية السجدة مترجمة إلى غير العربية لـم يجب السجود على قارئها ولا مستمعها. وكذلك لا يجب السجود عند خطورها بالبال أو كتابتها من دون تلفظ بها.
مسألة 735: يجب تكرار السجود كلّما تكرّرت القراءة، إلاَّ أن يقرأها جماعة من النّاس دفعة واحدة فلا تتكرر بعددهم، بل يسجد مرة واحدة، سواء قرأ معهم أو استمع إليهم من دون قراءة.
مسألة 736: تجب المبادرة إلى السجود مع الإمكان، ويجوز التأخير مع الحرج أو التعذر إلى حين القدرة عليه، وكذا مع نسيانه، وإن كان الأحوط استحباباً الإيماء للسجود حال وجود العذر ثُمَّ السجود لها بعد ذلك.
مسألة 737: لا فرق في كيفية السجود بين هذه السجدة وسجدة الصلاة من حيث الشكل، ولكن لا يشترط فيها ما يشترط في سجدة الصلاة من وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، وإن كان ذلك أحوط استحباباً. ولا يعتبر فيها الطهارة من الحدث ولا من الخبث، فيصح السجود من غير المتوضئ ومن الجنب والحائض ونحوهما، وبالبدن والثياب المتنجسة. وكذا لا يعتبر فيها طهارة موضع الجبهة ولا ستر العورة ولا الاستقبال، ولا إباحة المكان أو اللباس وإن أثـم بالتصرّف بهما.
وكذا لا يجب فيها تكبيرة افتتاح ولا تشهد ولا تسليم ولا ذكر وإن كان يستحب فيها الذكر بمثل: «سَجدتُ لكَ يا ربِّ تَعبُّداً ورِقاً، لا مُستكبِراً عن عِبادتِك، ولا مُستنكِفاً ولا مُستعظِماً، بل أنا عبدٌ ذَليلٌ خَائفٌ مُستجِير».
في مستحبات السجود:
قد ذكر العلماء للسجود مستحبات عديدة، منها:
السبق باليدين عند الهوي إلى السجود، واستيعاب الجبهة على ما يصح السجود عليه، وإرغام الأنف ووضعه على ما يصح السجود عليه، وبسط كفيه على الأرض مضمومتي الأصابع بمساواة أذنيه موجهاً لهما نحو القبلة، والنظر إلى طرف الأنف حال السجود، واختيار التسبيح في ذكر السجود، وخاصة التسبيحة الكبرى، وتكرار الذكر والختم بالفرد، والحرص على مساواة موضع وقوفه لموضع سجوده، والدعاء في آخر سجدة من الصلاة بمثل: «يَا خَيْرَ المسؤولينَ وَيا خيرَ المُعطين، ارْزقنِي وارزُقْ عِيالي منْ فَضلِكَ، فإِنكَ ذُو الفضْلِ العَظيم»، والاستغفار في جلوس ما بين السجدتين، والتكبير قبل كلّ سجدة وبعدها، ووضع اليدين على الفخذين حال الجلوس بعد السجدة، اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى، ورفع البطن حال السجود عن الأرض، وتجنيح اليدين، برفع مرفقيه عن الأرض وإبعاد عضديه عن جانبيه، والصلاة على النبيّ وآله في ذكر السجود، وأن يقوم برفع ركبتيه عن الأرض قبل يديه، وإطالة السجود والإكثار فيه من التسبيح والذكر، وأن يجلس بين السجدتين لاوياً قدميه تحت إليتيه، واضعاً ظاهر القدم اليمنى على باطن القدم اليسرى ملقياً ثقله على فخذه الأيسر، ويكره ترك القدمين منتصبين تحت إليتيه.
هذا بالنسبة للرجال، أمّا المرأة فإنها لا تختلف عن الرّجل إلاَّ بأنها تضع ركبتيها قبل يديها عند الهوي إلى السجود، ولا تجنح بمرفقيها حال السجود، بل تلصقهما بالأرض ضامة عضديها إلى جانبيها، ولا ترفع ركبتيها عند القيام من السجود قبل يديها، بل تنهض وتنتصب عدلاً.
هذا وقد ذكر العلماء أنه يستحب السجود شكراً لله تعالى عند تجدّد نعمة أو دفع نقمة أو عند تذكرهما مما كان سابقاً، أو للتوفيق لأداء فريضة أو نافلة أو فعل خير، ويكفي فيه مجرّد وضع الجبهة على الأرض ناوياً للشكر، ويستحب أن يقول فيه «شكراً لله» أو «شكراً»، وأن يكررها مائة مرة، وتكفي الثلاث، بل الواحدة.
كذلك يستحب السجود بقصد التذلل أو التعظيم لله تعالى، أو بقصد كونه راجحاً عبادةً لله تعالى، بل هو من أعظم العبادات وآكدها، بل ما عُبِد الله بمثله، وأقرب ما يكون العبد لله وهو ساجد، ويستحب إطالته، فقد روي عن زين العابدين y أنه سجد على حجارة خشنة حتى أحصي عليه قوله ألف مرة: «لا إله إلاَّ الله حقّاً حقّاً، لا إله إلاَّ الله تعبّداً ورقاً، لا إله إلاَّ الله إيماناً وصدقاً».
مسألة 738: يحرم السجود لغير الله تعالى مهما كانت درجة العبد المسجود له من العظمة الدينية أو الدنيوية. هذا وما كان سجود الملائكة لآدم بل كان آدم قِبْلةً لهم، وكذا لـم يكن سجود يعقوب ووُلده لإبنه يوسف عليه وعلى أبيه السلام، بل كان شكراً لله تعالى على ما أعطاه من الملك.

ص
299
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية