المبحث الثالث ـ القراءة والذكر

ونتناول فيه أحكام قراءة الفاتحة والسورة في الركعتين الأولى والثانية، وأحكام ذكر «التسبيحات الأربع» الذي يُقال في الركعتين الثالثة والرابعة، وتفصيل أحكام هذا المبحث يقع في عناوين:
قراءة الفاتحة والسورة:
تجب قراءة الفاتحة في كلّ صلاة واجبة أو مستحبة، ما عدا صلاة الميت، إذ إنها لا تعدّ صلاة بالمعنى المصطلح؛ والأحوط قراءة سورة كاملة في صلاة الفريضة، وإن كان يجزي فيها بعض السورة، أمّا النافلة فلا تجب السورة فيها.
وهنا مسائل:
مسألة 652: تجب السورة في الفريضة وإن صارت مندوبة مستحبة، كما في الفريضة التي تُعاد مرة ثانية جماعة، ولا تجب في النافلة وإن صارت واجبة بالنذر ونحوه على الأقوى، أمّا النوافل التي وردت في كيفيتها سور مخصوصة، فإنَّ الأولى فيها الاقتصار عليها.
مسألة 653: تسقط السورة في الفريضة عن المريض والمستعجل، ويكفي في سقوطها عنهما تألم المريض أو فوت أمر مُهمٍّ على المستعجل ولو لـم يكن ذلك شاقاً وصعباً عليهما. وكذا تسقط في حالة الخوف وفي حالة ضيق الوقت عن إدراك تمام الفريضة إذا قرأها.
مسألة 654: لا تجوز قراءة السور التي يفوت الوقت بقراءتها، كالسور الطوال، فإن قرأها عامداً بطلت الصلاة، وإن كان ساهياً عدل إلى غيرها مع سعة الوقت أو اكتفى ببعضها، وإن ذكر بعد الفراغ منها ـ وقد خرج الوقت ـ أتـمّ صلاته، إلاَّ إذا لـم يكن قد أدرك ركعة فيحكم ـ حينئذ ـ ببطلان صلاته ولزمه القضاء على الأحوط وجوباً.
مسألة 655: الظاهر عدم حرمة قراءة سور العزائم التي يجب فيها السجود لآية السجدة، وتجزي قراءتها في الفريضة، فإن قرأها كفاه أن يومئ للسجود ثُمَّ يأتي بالسجدة بعد الصلاة على الأحوط استحباباً، وإن لـم يسجد لها نسياناً أو جهلاً أو عصياناً صحت صلاته. ونفس الحكم يثبت لمن استمع وأصغى أثناء الصلاة إلى من يقرأ آية السجدة، فإن طرقت سمعه من دون قصد لـم يجب عليه السجود لها.
مسألة 656: البسملة جزء من كلّ سورة، فتجب قراءتها معها عدا سورة براءة المعروفة بسورة التوبة، ولا يجب تعيين السورة قبل البسملة كي تقع البسملة لخصوص السورة المعينة، فيجزي ذكر البسملة ثُمَّ اختيار أية سورة شاء.
مسألة 657: تجوز قراءة سور العزائم في النافلة منفردة، أو منضمة إلى سورة أخرى، ويسجد عند قراءة آية السجدة، ويعود إلى صلاته فيتمها، وكذا الحكم لو قرأ آية السجدة وحدها. وسور العزائم أربع: (السجدة، فصلت، النجم، اقرأ باسم ربك). هذا وسوف يأتي تفصيل أحكام سجدة التلاوة في مبحث السجود.
مسألة 658: ذهب بعض الفقهاء إلى اعتبار سورتي الفيل وقريش سورة واحدة، وكذا سورتي الضحى والانشراح، وأوجب قراءتهما معاً في الركعة الواحدة من الفريضة، غير أنه لما لـم يثبت عندنا وحدة السورتين، ولما كنّا نقول بجواز الاكتفاء ببعض السورة الواحدة، فإنه تجوز قراءة إحدى السورتين دون الأخرى على كلّ حال.
مسألة 659: الأحوط عدم قراءة سورتين كاملتين في ركعة واحدة في الفريضة، وإن كان الأظهر الجواز على كراهة، ولا يكره ذلك في النافلة.
مسألة 660: لا بأس بالعدول من سورة إلى سورة غيرها قبل تجاوز نصفها، إلاَّ في سورتي التوحيد والكافرون فإنَّ الأحوط وجوباً فيهما ترك العدول، أمّا بعد تجاوز النصف فلا يجوز العدول في جميع السور.
نعم إذا نسي بعض آيات السورة جاز له العدول في جميع السور ولو بعد تجاوز النصف، ويلحق بذلك صورة خوف فوات الوقت إذا أراد الإكمال، أو خوف طروء مانع يمنعه عن الإكمال، كما يلحق به أيضاً من نوى في صلاة الجمعة قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى وسورة المنافقين في الركعة الثانية، فسهى عن ذلك وقرأ غيرهما فإنه يجوز له ترك السورة التي بيده والعدول إلى الجمعة أو المنافقين مهما كان نوع السورة.
مسألة 661: الظاهر أنه يجوز ـ اختياراً ـ القراءة في المصحف الشريف للسور التي لا يحفظها، بل وللسور التي يحفظها، وإن كان الأحوط استحباباً الاقتصار على صورة عدم القدرة على الحفظ ولا على الائتمام بالحافظ لها.
ذكر التسبيحات:
يتخيّر المصلي في الركعة الثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء والظهر والعصر بين قراءة الفاتحة وحدها وبين ذكر التسبيحات الأربع، وهي: «سُبحانَ الله والحَمدُ للهِ ولا إِلهَ إِلاَّ الله والله أَكْبَرْ»، بلا فـرق بين الإمام والمأموم، وإن كان الأفضل لهما وللمنفرد اختيار ذكر التسبيح على قراءة الفاتحة. ويجزي قولها مرة واحدة، وإن كان الأحوط استحباباً تكرارها ثلاث مرات. والأفضل إضافة الاستغفار إليه. بأن يقول بعد تمامها: أستغفر الله ربّي وأتوب إليه.
مسألة 662: لا تجب المساواة بين الركعتين الأخيرتين في القراءة أو الذكر، فله القراءة في إحداهما والذكر في الأخرى.
مسألة 663: إذا قصد القراءة فسبق لسانه إلى التسبيحات، أو بالعكس، صح ما سبق اللسان إليه، ولم تجب إعادته.
اشتراط العربية:
مسألة 664: يجـب فـي ذكـر القراءة ـ وكـذا التسبيحـات ـ أداء الحـروف وإخراجها من مخارجها على النحو الموافق للعرف العربي العام في كيفية النطق وإن خرج من غير المخرج الذي عينه علماء اللغة أو التجويد، لأنَّ المطلوب أن يقرأ المصلي كما يقرأ النّاس. كذلك يجب أن تكون هيئة الكلمة في تركيب حروفها وحركاتها موافقة للأسلوب العربي المعتمد على قواعد علمي النحو والصرف، فإن أخل بشيء من ذلك بطلت القراءة.
مسألة 665: يجب حذف همزة الوصل من الكلمة عند نطق الكلمات متتابعـة دون توقـف علـى الكلمـة السابقـة لهـا، وهـو الـذي يصطلـح عليـه بـ (الدَرْجِ)، مثل همزة: الله والرحمن، والرحيم، واهدنا وغيرها، فإذا أثبتها بطلت القراءة، وكذا يجب إثبات همزة القطع في مثل إياك، وأنعمت، فإذا حذفها بطلت القراءة.
مسألة 666: يتخير القارئ في الحرف الأخير من الكلمة المعربة التي يصح الوقوف عندها، بين الوقوف عليها بالحركة أو السكون، ففي مثل: الحمد لله ربّ العالمين، يجوز الوقوف على كلمة العالمين بالسكون كما يجوز الوقوف بتحريك النون بالفتح ولو لـم يَصِلْها بغيرها.
مسألة 667: يجب المد في الواو المضموم ما قبلها، والياء المكسور ما قبلها، والألف المفتوح ما قبلها، إذا كان بعدها سكون لازم مثل: ضآلين، وجاء، وجيء، وسوء، والمقدار الواجب منه هو الذي يظهر منه حرف الألف والواو والياء الواقعة قبل الهمزة ونحوها، لأنَّ الإخلال به إخلال بالحرف، كما إذا قال: «جأ» بدل «جاء» ولا يجب الزائد على هذا المقدار.
مسألة 668: الأحوط ـ استحباباً ـ الإِدغام إذا كان بعد النون الساكنة أو التنوين أحد حروف: «يرملون». هذا ولا تجب مراعاة غير ذلك من أحكام التجويد التي وضعت مراعاةً لحسن الأداء، مثل الغُنَّة والتفخيم، وغيرهما.
مسألة 669: يجب إدغام لام التعريف إذا دخلت على التاء والثاء، والدال، والذال، والراء، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، واللام، والنون، وهي التي يُقال لها: «الأحرف الشمسية»، ويجب إظهارها في بقية الحروف، وهي التي يُقال لها: «الأحرف القمرية»، فيدغم اللام ويخفيها في مثل: الله، والرحمن، والرحيم، والصراط، والضالين، ويظهرها في مثل: الحمد، والعالمين، والمستقيم.
مسألة 670: يجب الإدغام في مثل مدّ وردّ مما اجتمع في آخره حرفان متشابهان، ولا يجب في مثل: «اذهبْ بكتابي»، و «يدركْكُم» مما اجتمع فيه المثلان في كلمتين، وكان الأول ساكناً، وإن كان الإدغام أحوط.
مسألة 671: تجوز قراءة «مالك يوم الدِّين» و «مَلِكِ يوم الدِّين» ويجوز في «الصراط» بالصاد والسين، ويجوز في «كفواً» أن يقرأ بضمّ الفاء وبسكونها، مع الهمزة أو الواو، على هذا النحو: «كفُواً، كفْواً، كفُؤاً، كفْؤاً».
مسألة 672: إذا لـم يقـف علـى «أحـد» في «قـل هـو الله أحد» ووصله، بـ (الله الصمد) فالأحوط أن يقول «أحَدُنِ الله الصمد»، بضمّ الدال وكسر النون الناتجة عن التنوين.
مسألة 673: إذا اعتقد كون الكلمة على وجه خاص من الإعراب أو البناء أو مخرج الحرف، فصلّى مدّة على ذلك الوجه، ثُمَّ تبين أنه غلط، فالظاهر الصحة، وإن كان الأحوط الإعادة.
الجهر والإخفات:
مسألة 674: المراد «بالجهر» رفع الصوت بالقراءة، و«الإخفات» ضدّه. ويكفي فيهما أن يصدق عرفاً على الصوت أنه جهر أو إخفات، ولا يبعد أن يكون الأساس في ذلك هو أنَّ الإخفات في القراءة مرتبط بتوفر أمرين: أحدهما: أن لا يكون جوهر الصوت وجرسه بارزاً. والآخر: أن لا يكون الصوت، بحسب الجهد المبذول فيه، عالياً، حتى لو منع من ظهور علوه مثلُ البُحة المانعة من ظهور جوهر الصوت. أمّا الجهر فالأساس فيه أن يبرز جوهر الصوت وجرسه، فإن منعته البحة من الظهور فإنَّ الجهد المبذول في رفع الصوت هو الذي يجعل الكلام جهراً عند المعافى، بحيث لولا البحة لصدر الكلام من هذا المتكلّم جهراً.
ويجب الاعتدال في رفع الصوت في الجهر، فلا يصح الإفراط في رفع الصوت إلى حدّ الصياح، وكذا لا يصح الإفراط في الإخفات إلى حدّ لا يسمع نفسه، وفي حالة الضجيج أو الأصم لا بُدَّ من الأخذ بحالة الإنسان السليم كمقياس للتقدير من خلال مقدار الجهد المبذول.
مسألة 675: يجب الجهر على الرجال في قراءة صلاة الصبح وفي الركعتين الأوليين من صلاتي المغرب والعشاء، أمّا النساء فيتخيرن فيها بين الجهر والإخفات. أمّا القراءة في الركعتين الأوليين من صلاتي الظهر والعصر فيجب على الرجال والنساء فيهما الإخفات، ما عدا البسملة فإنه يستحب الجهر فيها للرجال، وكذا يستحب لهم الجهر بقراءة الظهر في يوم الجمعة، فإن أقيمت صلاة الجمعة فيه وجب على الإمام فيها الجهر بالقراءة.
مسألة 676: يجب الإخفات في ذكر التسبيحات على الرجال والنساء في الركعة الثالثة من صلاة المغرب وفي الركعتين الثالثة والرابعة من صلاة العشاء والظهر والعصر، وكذا يجب فيها الإخفات في الفاتحة بما فيها البسملة إذا قالها بدل ذكر التسبيحات.
مسألة 677: إذا دخل المأموم في صلاة الجماعة في الركعة الثالثة أو الرابعة من صلاة الإمام في صلاة المغرب أو العشاء، حسبت له ركعة أولى، وحيث تجب القراءة فإنَّ الواجب عليه الإخفات بها مراعاة لإخفات الإمام، بما في ذلك البسملة، على الرغم من أنَّ الصلاة جهرية.
مسألة 678: ما عدا الفاتحة والسورة وذكر التسبيحات من أذكار الصلاة الواجبة أو المستحبة يتخيّر فيها المصلي بين الجهر والإخفات.
مسألة 679: إذا تحيّر المصلي في صلاة بين لزوم الجهر أو الإخفات عليه، وكان غير قادر على معرفة الحكم، ساغ له أن يؤديها على أحد الوجهين راجياً أن تكون عند الله تعالى كما أتى بها، ثُمَّ بعد الصلاة إذا تبين له العكس، كانت صلاته صحيحة ولا شيء عليه، وإن كان الأحوط الأولى الإعادة.
الأحكام العامة:
مسألة 680: إذا عجز المصلي عن النطق الصحيح للفاتحة والسورة معاً، أو لإحداهما، ولم يمكنه تصحيح قراءته، إمّا لعارض تكويني، كالألثغ الذي ينطق الراء ياءً أو غيناً، أو لقصوره عن التعلّم، أو لضيق الوقت عن التعلّم، كغير العربي الذي أسلم الآن ويريد الصلاة، فإنه تجزيه قراءته لهما بالنحو الذي يتيسر له، وقد يرجح له أن يصلي مأموماً ليكتفي بقراءة الإمام لكنَّه لا يجب عليه ذلك. أمّا الجاهل القادر على التعلّم فإنه إذا أهمل وقصر حتى ضاق وقته عنه وجب عليه الإئتمام مع التمكن، وإلاَّ صلّى كما يتيسر له وأثـم بترك التعلّم. وإذا تعلّم الجاهل بعض الفاتحة اقتصر في قراءته عليه وسقط عنه الباقي، وكذا تسقط عنه إذا لـم يتعلّم منها شيئاً، وفي الحالتين فإنه إذا كان يعرف شيئاً من القرآن فإنَّ الأحوط له استحباباً أن يقرأ بدل الفاتحة، أو ما نقص منها، آيات من القرآن بقدر كلماتها. فإن لـم يحسن شيئاً من القرآن أجزأه أن يذكر الله تعالى تسبيحاً وتهليلاً بدلاً عنها، والأحوط استحباباً اختيار التسبيحات الأربع، وأن تكون بقدر الفاتحة.
ومن عرف الفاتحة وبعض السورة كفاه ذلك من الأصل، فإن جهل جميع السورة سقطت عنه وكفته الفاتحة ما دام غير قادر على تعلّمها، ولو بعضاً منها.
مسألة 681: إذا تحيّر أثناء الصلاة في نطق كلمة، فلم يدر أي الوجهين هو الصحيح، وجب عليه التعلّم مع سعة الوقت ولو لزم منه قطع الصلاة، فإذا لـم يمكنه التعلّم ـ ولو لضيق الوقت ـ احتاط بقول الوجهين من دون حاجة إلى تكرار الصلاة، إذ لا يلحق ذلك بكلام الآدميين على الأظهر.
مسألة 682: يجب الترتيب بقراءة الفاتحة أولاً ثُمَّ السورة، فإذا أخل به عمداً بطلت صلاته ووجب عليه استئنافها، وإذا قدم السورة على الفاتحة سهواً وتذكر قبل الركوع، فإن كان قد قرأ الفاتحة بعدها وجب عليه قراءة السورة فقط، وإن لـم يكن قد قرأ الفاتحة وجب عليه قراءة الفاتحة ثُمَّ السورة بعدها. أمّا إذا لـم يتذكر إلاَّ بعد الركوع فإنه يمضي في صلاته ولا شيء عليه. كذلك يجب الترتيب بين الآيات في الفاتحة والسورة، فإن تعمّد الإخلال بترتيب الآيات بطلت الصلاة، وإن حصل ذلك سهواً أعاد قراءة ما أخل بترتيبه.
مسألة 683: إذا ترك القراءة عمداً بطلت صلاته، أمّا إذا تركها سهواً، فإن تذكر قبل الركوع أتى بها، وإن تذكر بعد الركوع أو بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة ولا شيء عليه، من دون فرق بين نسيان السورة والفاتحة معاً أو نسيان إحداهما.
مسألة 684: إذا شك في الإتيان بالقراءة أو الذكر قبل الوصول إلى حدّ الركوع، ولو عند الهوي إليه، لـم يجب عليه الإتيان بها، وكذا إن كان الشك بعد الوصول إلى حدّ الركوع، وكلّ آية أو كلمة يشك في الإتيان بها بعد الدخول في الآية أو الكلمة التالية لا يبالي بشكه فيها، وكذلك لو شك في صحة القراءة كلّها أو بعضها بعد الفراغ من قراءتها فإنه لا يبالي بشكه فيها.
مسألة 685: إذا جهـر فـي موضـع الاخفات، أو أخفت في موضع الجهر ـ عمداً ـ بطلت صلاته، وإذا كان ناسياً، أو جاهلاً بالحكم من أصله، أو بمعنى الجهر والإخفات، حتى فرغ من الصلاة، صحت صلاته، وإذا تذكر الناسي، أو علم الجاهل، في أثناء القراءة صحح قراءته من موضع الالتفات ومضى فيها، ولم تجب إعادة ما قرأه على خلاف وظيفته قبل الالتفات.
مسألة 686: إذا تحرّك المصلي من موضعه قهراً فالظاهر عدم وجوب إعادة الفقرة التي فقد الاستقرار خلالها من القراءة أو ذكر التسبيحات، فضلاً عن إعادة القراءة كلّها. نعم إذا أراد المصلي، حال القراءة أو الذكر، التقدّم أو التأخر قليلاً، أو التحرّك إلى أحد الجانبين، أو الانحناء لأخذ شيء من الأرض، وجب عليه السكوت حال الحركة لفوات الاستقرار، فإذا استقر استأنف القراءة من حيث توقف. هذا ولا يضر مثل تحريك اليد أو أصابع الرجلين أو التمايل يسيراً أو الانحناء كذلك أثناء القراءة.
مسألة 687: تجب الموالاة بين الفاتحة والسورة بترك الفصل الموجب لمحو صورة الصلاة وإلاَّ بطلت الصلاة بفوتها عمداً وسهواً، وكذا تجب الموالاة والتتابع في نطق حروف الكلمة الواحدة من كلّ آية أو جملة بالمقدار الذي يتوقف عليه صدق الكلمة، فإذا فاتت الموالاة سهواً أعاد الكلمة، وكذا يعيدها إذا تعمّد قطعها خلال النطق بها، أمّا إذا تعمّد قَطْعَ الكلمة وتَجْزِأَةَ حروفها قاصداً ذلك منذ بداية نطقه بالكلمة، عُدَّ ذلك من نوع تَعمُّدِ تفويتِ الموالاة، فتبطل به الصلاة. وفي حكم الكلمة الواحدة الجار والمجرور، وحرف (أل) التعريف والكلمة المتصلة به، ونحوهما مما يعدّ جزءاً للكلمة. وكذا لا بُدَّ من الموالاة والتتابع بين الكلمتين المتلازمتين، كالمضاف والمضاف إليه، والموصوف والصفة، ونحو ذلك مما له هيئة خاصة على نحو لا يجوز الفصل فيه بالأجنبي عنه من الألفاظ أو الجمل، والحكم فيهما هو نفس حكم الموالاة في أحرف الكلمة الواحدة.
مسألة 688: يجوز تكرار بعض الآيات الكريمة، أو فقرات من الدعاء والذكر، بداعي التدبّر والتفكّر، ففي الحديث عن الإمام زين العابدين y أنه كان يردّد «مالك يوم الدِّين» حتى يكاد يموت، وعن الإمام الكاظم y أنه قال في جواب من سأله عن ذلك: «يردّد القرآن ما شاء، وإن جاءه البكاء فلا بأس».
مسألة 689: قد ذكر العلماء أنه تستحب الاستعاذة قبل الشروع في القراءة في الركعة الأولى، والأولى الإخفات بها، والجهر بالبسملة في الركعتين الأوليين من صلاتي الظهر والعصر، والترتيل في القراءة، وتحسين الصوت بلا غناء، والوقف على فواصل الآيات، والسكتة بين الحمد والسورة، وبين السورة وتكبير الركوع أو القنوت، وأن يقول بعد قراءة التوحيد: «كذلك الله ربّي» أو «ربُّنا»، وأن يقول بعد الفراغ من الفاتحة: «الحمد لله ربّ العالمين»، والمأموم يقولها بعد فراغ الإمام منها، ويستحب في كلّ صلاة قراءة القدر في الأولى والتوحيد في الثانية، وقد ورد في بعض الرِّوايات أنه إذا عدل من غيرهما إليهما رغبة في فضلهما أعطي أجر السورة التي عدل عنها مضافاً إلى أجرهما. إلى غير ذلك من المستحبات المذكورة في كتب الأدعية والحديث.
مسألة 690: قد ذكر العلماء أنه يكره ترك قراءة سورة التوحيد في جميع الفرائض الخمس، وقراءتُها بنَفَس واحد من دون توقف على فواصل الآيات، ويكره أن يقرأ في الركعة الثانية نفس السورة التي قرأها في الركعة الأولى إلاَّ سورة التوحيد.
تتمة في القنوت:
والمراد به دعاء الله تعالى وحمده وذكره بكيفية خاصة أثناء الصلاة، ومحله في معظم الصلوات الواجبة أو المستحبة بعد انتهاء القراءة وقبل الركوع في الركعة الثانية من كلّ صلاة، ما عدا صلاة الجمعة والآيات والعيدين، فإنه يختلف فيها محلاً وعدداً، وسيأتي بيان ما يتعلّق بذلك عند ذكر أحكام هذه الصلوات.
مسألة 691: القنوت مستحب في كلّ صلاة واجبة، ويتأكد استحبابه في الفرائض الجهرية، وخصوصاً في الصبح والمغرب والجمعة، كما أنه مستحب في كلّ صلاة مستحبة، عدا ركعتي الشفع من صلاة الليل، فإنَّ الأحوط الإتيان به فيها برجاء المطلوبية.
مسألة 692: لا يشترط في القنوت قول مخصوص، بل يكفي فيه ما يقع على لسانه من ذكر أو دعاء أو حمد أو ثناء، ويجزي فيه قول: «سبحان الله» خمس مرات أو ثلاثاً أو مرة، والأولى قراءة المأثور عن المعصومين i.
مسألة 693: يستحب الجهر بالقنوت للرّجل في جميع الصلوات للإمام والمنفرد، وكذا للمأموم إلاَّ أن يسمع الإمام صوته فيُكره حينئذ. ويستحب التكبير قبل القنوت، ورفع اليدين حال التكبير ووضعهما، ثُمَّ رفع اليدين حيال الوجه. وقيل يستحب بسطهما جاعلاً باطنهما نحو السّماء وظاهرها نحو الأرض، منضمتين مضمومتي الأصابع عدا الإبهامين، وأن يكون نظره إلى كفيه.
ويستحب أمور أخرى كثيرة ورد ذكرها في كتب الحديث والأدعية.
مسألة 694: إذا نسي القنوت وهوى، فإن ذكره قبل الوصول إلى حدّ الركوع رجع واقفاً وقنت، وإن كان بعد الوصول إليه قنت بعد الانتصاب من الركوع، ثُمَّ يهوي إلى السجود، وإذا ذكره بعد الهوي إلى السجود، فضلاً عمّا لو ذكره بعد الدخول في السجود فإنه لا يرجع للقيام للقنوت، بل يتمّ صلاته ويقضيه بعد انتهاء الصلاة جالساً مستقبلاً. أمّا إذا تركه عمداً في محله، أو بعدما ذكره بعد الركوع، فلا قضاء له.
مسألة 695: الظاهر أنه يجوز أن يؤدى القنوت بالدعاء المشتمل على ألفاظ مخالفة لقواعد اللغة العربية إذا صدق عليه أنه دعاء أو ذكر عرفاً، بل بغير العربية من اللغات.
ونتناول فيه أحكام قراءة الفاتحة والسورة في الركعتين الأولى والثانية، وأحكام ذكر «التسبيحات الأربع» الذي يُقال في الركعتين الثالثة والرابعة، وتفصيل أحكام هذا المبحث يقع في عناوين:
قراءة الفاتحة والسورة:
تجب قراءة الفاتحة في كلّ صلاة واجبة أو مستحبة، ما عدا صلاة الميت، إذ إنها لا تعدّ صلاة بالمعنى المصطلح؛ والأحوط قراءة سورة كاملة في صلاة الفريضة، وإن كان يجزي فيها بعض السورة، أمّا النافلة فلا تجب السورة فيها.
وهنا مسائل:
مسألة 652: تجب السورة في الفريضة وإن صارت مندوبة مستحبة، كما في الفريضة التي تُعاد مرة ثانية جماعة، ولا تجب في النافلة وإن صارت واجبة بالنذر ونحوه على الأقوى، أمّا النوافل التي وردت في كيفيتها سور مخصوصة، فإنَّ الأولى فيها الاقتصار عليها.
مسألة 653: تسقط السورة في الفريضة عن المريض والمستعجل، ويكفي في سقوطها عنهما تألم المريض أو فوت أمر مُهمٍّ على المستعجل ولو لـم يكن ذلك شاقاً وصعباً عليهما. وكذا تسقط في حالة الخوف وفي حالة ضيق الوقت عن إدراك تمام الفريضة إذا قرأها.
مسألة 654: لا تجوز قراءة السور التي يفوت الوقت بقراءتها، كالسور الطوال، فإن قرأها عامداً بطلت الصلاة، وإن كان ساهياً عدل إلى غيرها مع سعة الوقت أو اكتفى ببعضها، وإن ذكر بعد الفراغ منها ـ وقد خرج الوقت ـ أتـمّ صلاته، إلاَّ إذا لـم يكن قد أدرك ركعة فيحكم ـ حينئذ ـ ببطلان صلاته ولزمه القضاء على الأحوط وجوباً.
مسألة 655: الظاهر عدم حرمة قراءة سور العزائم التي يجب فيها السجود لآية السجدة، وتجزي قراءتها في الفريضة، فإن قرأها كفاه أن يومئ للسجود ثُمَّ يأتي بالسجدة بعد الصلاة على الأحوط استحباباً، وإن لـم يسجد لها نسياناً أو جهلاً أو عصياناً صحت صلاته. ونفس الحكم يثبت لمن استمع وأصغى أثناء الصلاة إلى من يقرأ آية السجدة، فإن طرقت سمعه من دون قصد لـم يجب عليه السجود لها.
مسألة 656: البسملة جزء من كلّ سورة، فتجب قراءتها معها عدا سورة براءة المعروفة بسورة التوبة، ولا يجب تعيين السورة قبل البسملة كي تقع البسملة لخصوص السورة المعينة، فيجزي ذكر البسملة ثُمَّ اختيار أية سورة شاء.
مسألة 657: تجوز قراءة سور العزائم في النافلة منفردة، أو منضمة إلى سورة أخرى، ويسجد عند قراءة آية السجدة، ويعود إلى صلاته فيتمها، وكذا الحكم لو قرأ آية السجدة وحدها. وسور العزائم أربع: (السجدة، فصلت، النجم، اقرأ باسم ربك). هذا وسوف يأتي تفصيل أحكام سجدة التلاوة في مبحث السجود.
مسألة 658: ذهب بعض الفقهاء إلى اعتبار سورتي الفيل وقريش سورة واحدة، وكذا سورتي الضحى والانشراح، وأوجب قراءتهما معاً في الركعة الواحدة من الفريضة، غير أنه لما لـم يثبت عندنا وحدة السورتين، ولما كنّا نقول بجواز الاكتفاء ببعض السورة الواحدة، فإنه تجوز قراءة إحدى السورتين دون الأخرى على كلّ حال.
مسألة 659: الأحوط عدم قراءة سورتين كاملتين في ركعة واحدة في الفريضة، وإن كان الأظهر الجواز على كراهة، ولا يكره ذلك في النافلة.
مسألة 660: لا بأس بالعدول من سورة إلى سورة غيرها قبل تجاوز نصفها، إلاَّ في سورتي التوحيد والكافرون فإنَّ الأحوط وجوباً فيهما ترك العدول، أمّا بعد تجاوز النصف فلا يجوز العدول في جميع السور.
نعم إذا نسي بعض آيات السورة جاز له العدول في جميع السور ولو بعد تجاوز النصف، ويلحق بذلك صورة خوف فوات الوقت إذا أراد الإكمال، أو خوف طروء مانع يمنعه عن الإكمال، كما يلحق به أيضاً من نوى في صلاة الجمعة قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى وسورة المنافقين في الركعة الثانية، فسهى عن ذلك وقرأ غيرهما فإنه يجوز له ترك السورة التي بيده والعدول إلى الجمعة أو المنافقين مهما كان نوع السورة.
مسألة 661: الظاهر أنه يجوز ـ اختياراً ـ القراءة في المصحف الشريف للسور التي لا يحفظها، بل وللسور التي يحفظها، وإن كان الأحوط استحباباً الاقتصار على صورة عدم القدرة على الحفظ ولا على الائتمام بالحافظ لها.
ذكر التسبيحات:
يتخيّر المصلي في الركعة الثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء والظهر والعصر بين قراءة الفاتحة وحدها وبين ذكر التسبيحات الأربع، وهي: «سُبحانَ الله والحَمدُ للهِ ولا إِلهَ إِلاَّ الله والله أَكْبَرْ»، بلا فـرق بين الإمام والمأموم، وإن كان الأفضل لهما وللمنفرد اختيار ذكر التسبيح على قراءة الفاتحة. ويجزي قولها مرة واحدة، وإن كان الأحوط استحباباً تكرارها ثلاث مرات. والأفضل إضافة الاستغفار إليه. بأن يقول بعد تمامها: أستغفر الله ربّي وأتوب إليه.
مسألة 662: لا تجب المساواة بين الركعتين الأخيرتين في القراءة أو الذكر، فله القراءة في إحداهما والذكر في الأخرى.
مسألة 663: إذا قصد القراءة فسبق لسانه إلى التسبيحات، أو بالعكس، صح ما سبق اللسان إليه، ولم تجب إعادته.
اشتراط العربية:
مسألة 664: يجـب فـي ذكـر القراءة ـ وكـذا التسبيحـات ـ أداء الحـروف وإخراجها من مخارجها على النحو الموافق للعرف العربي العام في كيفية النطق وإن خرج من غير المخرج الذي عينه علماء اللغة أو التجويد، لأنَّ المطلوب أن يقرأ المصلي كما يقرأ النّاس. كذلك يجب أن تكون هيئة الكلمة في تركيب حروفها وحركاتها موافقة للأسلوب العربي المعتمد على قواعد علمي النحو والصرف، فإن أخل بشيء من ذلك بطلت القراءة.
مسألة 665: يجب حذف همزة الوصل من الكلمة عند نطق الكلمات متتابعـة دون توقـف علـى الكلمـة السابقـة لهـا، وهـو الـذي يصطلـح عليـه بـ (الدَرْجِ)، مثل همزة: الله والرحمن، والرحيم، واهدنا وغيرها، فإذا أثبتها بطلت القراءة، وكذا يجب إثبات همزة القطع في مثل إياك، وأنعمت، فإذا حذفها بطلت القراءة.
مسألة 666: يتخير القارئ في الحرف الأخير من الكلمة المعربة التي يصح الوقوف عندها، بين الوقوف عليها بالحركة أو السكون، ففي مثل: الحمد لله ربّ العالمين، يجوز الوقوف على كلمة العالمين بالسكون كما يجوز الوقوف بتحريك النون بالفتح ولو لـم يَصِلْها بغيرها.
مسألة 667: يجب المد في الواو المضموم ما قبلها، والياء المكسور ما قبلها، والألف المفتوح ما قبلها، إذا كان بعدها سكون لازم مثل: ضآلين، وجاء، وجيء، وسوء، والمقدار الواجب منه هو الذي يظهر منه حرف الألف والواو والياء الواقعة قبل الهمزة ونحوها، لأنَّ الإخلال به إخلال بالحرف، كما إذا قال: «جأ» بدل «جاء» ولا يجب الزائد على هذا المقدار.
مسألة 668: الأحوط ـ استحباباً ـ الإِدغام إذا كان بعد النون الساكنة أو التنوين أحد حروف: «يرملون». هذا ولا تجب مراعاة غير ذلك من أحكام التجويد التي وضعت مراعاةً لحسن الأداء، مثل الغُنَّة والتفخيم، وغيرهما.
مسألة 669: يجب إدغام لام التعريف إذا دخلت على التاء والثاء، والدال، والذال، والراء، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، واللام، والنون، وهي التي يُقال لها: «الأحرف الشمسية»، ويجب إظهارها في بقية الحروف، وهي التي يُقال لها: «الأحرف القمرية»، فيدغم اللام ويخفيها في مثل: الله، والرحمن، والرحيم، والصراط، والضالين، ويظهرها في مثل: الحمد، والعالمين، والمستقيم.
مسألة 670: يجب الإدغام في مثل مدّ وردّ مما اجتمع في آخره حرفان متشابهان، ولا يجب في مثل: «اذهبْ بكتابي»، و «يدركْكُم» مما اجتمع فيه المثلان في كلمتين، وكان الأول ساكناً، وإن كان الإدغام أحوط.
مسألة 671: تجوز قراءة «مالك يوم الدِّين» و «مَلِكِ يوم الدِّين» ويجوز في «الصراط» بالصاد والسين، ويجوز في «كفواً» أن يقرأ بضمّ الفاء وبسكونها، مع الهمزة أو الواو، على هذا النحو: «كفُواً، كفْواً، كفُؤاً، كفْؤاً».
مسألة 672: إذا لـم يقـف علـى «أحـد» في «قـل هـو الله أحد» ووصله، بـ (الله الصمد) فالأحوط أن يقول «أحَدُنِ الله الصمد»، بضمّ الدال وكسر النون الناتجة عن التنوين.
مسألة 673: إذا اعتقد كون الكلمة على وجه خاص من الإعراب أو البناء أو مخرج الحرف، فصلّى مدّة على ذلك الوجه، ثُمَّ تبين أنه غلط، فالظاهر الصحة، وإن كان الأحوط الإعادة.
الجهر والإخفات:
مسألة 674: المراد «بالجهر» رفع الصوت بالقراءة، و«الإخفات» ضدّه. ويكفي فيهما أن يصدق عرفاً على الصوت أنه جهر أو إخفات، ولا يبعد أن يكون الأساس في ذلك هو أنَّ الإخفات في القراءة مرتبط بتوفر أمرين: أحدهما: أن لا يكون جوهر الصوت وجرسه بارزاً. والآخر: أن لا يكون الصوت، بحسب الجهد المبذول فيه، عالياً، حتى لو منع من ظهور علوه مثلُ البُحة المانعة من ظهور جوهر الصوت. أمّا الجهر فالأساس فيه أن يبرز جوهر الصوت وجرسه، فإن منعته البحة من الظهور فإنَّ الجهد المبذول في رفع الصوت هو الذي يجعل الكلام جهراً عند المعافى، بحيث لولا البحة لصدر الكلام من هذا المتكلّم جهراً.
ويجب الاعتدال في رفع الصوت في الجهر، فلا يصح الإفراط في رفع الصوت إلى حدّ الصياح، وكذا لا يصح الإفراط في الإخفات إلى حدّ لا يسمع نفسه، وفي حالة الضجيج أو الأصم لا بُدَّ من الأخذ بحالة الإنسان السليم كمقياس للتقدير من خلال مقدار الجهد المبذول.
مسألة 675: يجب الجهر على الرجال في قراءة صلاة الصبح وفي الركعتين الأوليين من صلاتي المغرب والعشاء، أمّا النساء فيتخيرن فيها بين الجهر والإخفات. أمّا القراءة في الركعتين الأوليين من صلاتي الظهر والعصر فيجب على الرجال والنساء فيهما الإخفات، ما عدا البسملة فإنه يستحب الجهر فيها للرجال، وكذا يستحب لهم الجهر بقراءة الظهر في يوم الجمعة، فإن أقيمت صلاة الجمعة فيه وجب على الإمام فيها الجهر بالقراءة.
مسألة 676: يجب الإخفات في ذكر التسبيحات على الرجال والنساء في الركعة الثالثة من صلاة المغرب وفي الركعتين الثالثة والرابعة من صلاة العشاء والظهر والعصر، وكذا يجب فيها الإخفات في الفاتحة بما فيها البسملة إذا قالها بدل ذكر التسبيحات.
مسألة 677: إذا دخل المأموم في صلاة الجماعة في الركعة الثالثة أو الرابعة من صلاة الإمام في صلاة المغرب أو العشاء، حسبت له ركعة أولى، وحيث تجب القراءة فإنَّ الواجب عليه الإخفات بها مراعاة لإخفات الإمام، بما في ذلك البسملة، على الرغم من أنَّ الصلاة جهرية.
مسألة 678: ما عدا الفاتحة والسورة وذكر التسبيحات من أذكار الصلاة الواجبة أو المستحبة يتخيّر فيها المصلي بين الجهر والإخفات.
مسألة 679: إذا تحيّر المصلي في صلاة بين لزوم الجهر أو الإخفات عليه، وكان غير قادر على معرفة الحكم، ساغ له أن يؤديها على أحد الوجهين راجياً أن تكون عند الله تعالى كما أتى بها، ثُمَّ بعد الصلاة إذا تبين له العكس، كانت صلاته صحيحة ولا شيء عليه، وإن كان الأحوط الأولى الإعادة.
الأحكام العامة:
مسألة 680: إذا عجز المصلي عن النطق الصحيح للفاتحة والسورة معاً، أو لإحداهما، ولم يمكنه تصحيح قراءته، إمّا لعارض تكويني، كالألثغ الذي ينطق الراء ياءً أو غيناً، أو لقصوره عن التعلّم، أو لضيق الوقت عن التعلّم، كغير العربي الذي أسلم الآن ويريد الصلاة، فإنه تجزيه قراءته لهما بالنحو الذي يتيسر له، وقد يرجح له أن يصلي مأموماً ليكتفي بقراءة الإمام لكنَّه لا يجب عليه ذلك. أمّا الجاهل القادر على التعلّم فإنه إذا أهمل وقصر حتى ضاق وقته عنه وجب عليه الإئتمام مع التمكن، وإلاَّ صلّى كما يتيسر له وأثـم بترك التعلّم. وإذا تعلّم الجاهل بعض الفاتحة اقتصر في قراءته عليه وسقط عنه الباقي، وكذا تسقط عنه إذا لـم يتعلّم منها شيئاً، وفي الحالتين فإنه إذا كان يعرف شيئاً من القرآن فإنَّ الأحوط له استحباباً أن يقرأ بدل الفاتحة، أو ما نقص منها، آيات من القرآن بقدر كلماتها. فإن لـم يحسن شيئاً من القرآن أجزأه أن يذكر الله تعالى تسبيحاً وتهليلاً بدلاً عنها، والأحوط استحباباً اختيار التسبيحات الأربع، وأن تكون بقدر الفاتحة.
ومن عرف الفاتحة وبعض السورة كفاه ذلك من الأصل، فإن جهل جميع السورة سقطت عنه وكفته الفاتحة ما دام غير قادر على تعلّمها، ولو بعضاً منها.
مسألة 681: إذا تحيّر أثناء الصلاة في نطق كلمة، فلم يدر أي الوجهين هو الصحيح، وجب عليه التعلّم مع سعة الوقت ولو لزم منه قطع الصلاة، فإذا لـم يمكنه التعلّم ـ ولو لضيق الوقت ـ احتاط بقول الوجهين من دون حاجة إلى تكرار الصلاة، إذ لا يلحق ذلك بكلام الآدميين على الأظهر.
مسألة 682: يجب الترتيب بقراءة الفاتحة أولاً ثُمَّ السورة، فإذا أخل به عمداً بطلت صلاته ووجب عليه استئنافها، وإذا قدم السورة على الفاتحة سهواً وتذكر قبل الركوع، فإن كان قد قرأ الفاتحة بعدها وجب عليه قراءة السورة فقط، وإن لـم يكن قد قرأ الفاتحة وجب عليه قراءة الفاتحة ثُمَّ السورة بعدها. أمّا إذا لـم يتذكر إلاَّ بعد الركوع فإنه يمضي في صلاته ولا شيء عليه. كذلك يجب الترتيب بين الآيات في الفاتحة والسورة، فإن تعمّد الإخلال بترتيب الآيات بطلت الصلاة، وإن حصل ذلك سهواً أعاد قراءة ما أخل بترتيبه.
مسألة 683: إذا ترك القراءة عمداً بطلت صلاته، أمّا إذا تركها سهواً، فإن تذكر قبل الركوع أتى بها، وإن تذكر بعد الركوع أو بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة ولا شيء عليه، من دون فرق بين نسيان السورة والفاتحة معاً أو نسيان إحداهما.
مسألة 684: إذا شك في الإتيان بالقراءة أو الذكر قبل الوصول إلى حدّ الركوع، ولو عند الهوي إليه، لـم يجب عليه الإتيان بها، وكذا إن كان الشك بعد الوصول إلى حدّ الركوع، وكلّ آية أو كلمة يشك في الإتيان بها بعد الدخول في الآية أو الكلمة التالية لا يبالي بشكه فيها، وكذلك لو شك في صحة القراءة كلّها أو بعضها بعد الفراغ من قراءتها فإنه لا يبالي بشكه فيها.
مسألة 685: إذا جهـر فـي موضـع الاخفات، أو أخفت في موضع الجهر ـ عمداً ـ بطلت صلاته، وإذا كان ناسياً، أو جاهلاً بالحكم من أصله، أو بمعنى الجهر والإخفات، حتى فرغ من الصلاة، صحت صلاته، وإذا تذكر الناسي، أو علم الجاهل، في أثناء القراءة صحح قراءته من موضع الالتفات ومضى فيها، ولم تجب إعادة ما قرأه على خلاف وظيفته قبل الالتفات.
مسألة 686: إذا تحرّك المصلي من موضعه قهراً فالظاهر عدم وجوب إعادة الفقرة التي فقد الاستقرار خلالها من القراءة أو ذكر التسبيحات، فضلاً عن إعادة القراءة كلّها. نعم إذا أراد المصلي، حال القراءة أو الذكر، التقدّم أو التأخر قليلاً، أو التحرّك إلى أحد الجانبين، أو الانحناء لأخذ شيء من الأرض، وجب عليه السكوت حال الحركة لفوات الاستقرار، فإذا استقر استأنف القراءة من حيث توقف. هذا ولا يضر مثل تحريك اليد أو أصابع الرجلين أو التمايل يسيراً أو الانحناء كذلك أثناء القراءة.
مسألة 687: تجب الموالاة بين الفاتحة والسورة بترك الفصل الموجب لمحو صورة الصلاة وإلاَّ بطلت الصلاة بفوتها عمداً وسهواً، وكذا تجب الموالاة والتتابع في نطق حروف الكلمة الواحدة من كلّ آية أو جملة بالمقدار الذي يتوقف عليه صدق الكلمة، فإذا فاتت الموالاة سهواً أعاد الكلمة، وكذا يعيدها إذا تعمّد قطعها خلال النطق بها، أمّا إذا تعمّد قَطْعَ الكلمة وتَجْزِأَةَ حروفها قاصداً ذلك منذ بداية نطقه بالكلمة، عُدَّ ذلك من نوع تَعمُّدِ تفويتِ الموالاة، فتبطل به الصلاة. وفي حكم الكلمة الواحدة الجار والمجرور، وحرف (أل) التعريف والكلمة المتصلة به، ونحوهما مما يعدّ جزءاً للكلمة. وكذا لا بُدَّ من الموالاة والتتابع بين الكلمتين المتلازمتين، كالمضاف والمضاف إليه، والموصوف والصفة، ونحو ذلك مما له هيئة خاصة على نحو لا يجوز الفصل فيه بالأجنبي عنه من الألفاظ أو الجمل، والحكم فيهما هو نفس حكم الموالاة في أحرف الكلمة الواحدة.
مسألة 688: يجوز تكرار بعض الآيات الكريمة، أو فقرات من الدعاء والذكر، بداعي التدبّر والتفكّر، ففي الحديث عن الإمام زين العابدين y أنه كان يردّد «مالك يوم الدِّين» حتى يكاد يموت، وعن الإمام الكاظم y أنه قال في جواب من سأله عن ذلك: «يردّد القرآن ما شاء، وإن جاءه البكاء فلا بأس».
مسألة 689: قد ذكر العلماء أنه تستحب الاستعاذة قبل الشروع في القراءة في الركعة الأولى، والأولى الإخفات بها، والجهر بالبسملة في الركعتين الأوليين من صلاتي الظهر والعصر، والترتيل في القراءة، وتحسين الصوت بلا غناء، والوقف على فواصل الآيات، والسكتة بين الحمد والسورة، وبين السورة وتكبير الركوع أو القنوت، وأن يقول بعد قراءة التوحيد: «كذلك الله ربّي» أو «ربُّنا»، وأن يقول بعد الفراغ من الفاتحة: «الحمد لله ربّ العالمين»، والمأموم يقولها بعد فراغ الإمام منها، ويستحب في كلّ صلاة قراءة القدر في الأولى والتوحيد في الثانية، وقد ورد في بعض الرِّوايات أنه إذا عدل من غيرهما إليهما رغبة في فضلهما أعطي أجر السورة التي عدل عنها مضافاً إلى أجرهما. إلى غير ذلك من المستحبات المذكورة في كتب الأدعية والحديث.
مسألة 690: قد ذكر العلماء أنه يكره ترك قراءة سورة التوحيد في جميع الفرائض الخمس، وقراءتُها بنَفَس واحد من دون توقف على فواصل الآيات، ويكره أن يقرأ في الركعة الثانية نفس السورة التي قرأها في الركعة الأولى إلاَّ سورة التوحيد.
تتمة في القنوت:
والمراد به دعاء الله تعالى وحمده وذكره بكيفية خاصة أثناء الصلاة، ومحله في معظم الصلوات الواجبة أو المستحبة بعد انتهاء القراءة وقبل الركوع في الركعة الثانية من كلّ صلاة، ما عدا صلاة الجمعة والآيات والعيدين، فإنه يختلف فيها محلاً وعدداً، وسيأتي بيان ما يتعلّق بذلك عند ذكر أحكام هذه الصلوات.
مسألة 691: القنوت مستحب في كلّ صلاة واجبة، ويتأكد استحبابه في الفرائض الجهرية، وخصوصاً في الصبح والمغرب والجمعة، كما أنه مستحب في كلّ صلاة مستحبة، عدا ركعتي الشفع من صلاة الليل، فإنَّ الأحوط الإتيان به فيها برجاء المطلوبية.
مسألة 692: لا يشترط في القنوت قول مخصوص، بل يكفي فيه ما يقع على لسانه من ذكر أو دعاء أو حمد أو ثناء، ويجزي فيه قول: «سبحان الله» خمس مرات أو ثلاثاً أو مرة، والأولى قراءة المأثور عن المعصومين i.
مسألة 693: يستحب الجهر بالقنوت للرّجل في جميع الصلوات للإمام والمنفرد، وكذا للمأموم إلاَّ أن يسمع الإمام صوته فيُكره حينئذ. ويستحب التكبير قبل القنوت، ورفع اليدين حال التكبير ووضعهما، ثُمَّ رفع اليدين حيال الوجه. وقيل يستحب بسطهما جاعلاً باطنهما نحو السّماء وظاهرها نحو الأرض، منضمتين مضمومتي الأصابع عدا الإبهامين، وأن يكون نظره إلى كفيه.
ويستحب أمور أخرى كثيرة ورد ذكرها في كتب الحديث والأدعية.
مسألة 694: إذا نسي القنوت وهوى، فإن ذكره قبل الوصول إلى حدّ الركوع رجع واقفاً وقنت، وإن كان بعد الوصول إليه قنت بعد الانتصاب من الركوع، ثُمَّ يهوي إلى السجود، وإذا ذكره بعد الهوي إلى السجود، فضلاً عمّا لو ذكره بعد الدخول في السجود فإنه لا يرجع للقيام للقنوت، بل يتمّ صلاته ويقضيه بعد انتهاء الصلاة جالساً مستقبلاً. أمّا إذا تركه عمداً في محله، أو بعدما ذكره بعد الركوع، فلا قضاء له.
مسألة 695: الظاهر أنه يجوز أن يؤدى القنوت بالدعاء المشتمل على ألفاظ مخالفة لقواعد اللغة العربية إذا صدق عليه أنه دعاء أو ذكر عرفاً، بل بغير العربية من اللغات.
ص
284
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية