المبحث الثالث ـ في شروط الوضوء:
بعدما بينا معنى الحدث الأصغر وأنه في الوقت الذي يعتبر فيه سبباً وموجباً للوضوء يعتبر ناقضاً له، وبعدما بينا الغايات التي يجب الوضوء لأجلها أو يستحب، لا بُدَّ ـ قبل بيان كيفية الوضوء ـ أن نتحدّث عن الأمور التي يجب توفرها عند الشروع في الوضوء كي يقع الوضوء صحيحاً، وهي أمور عديدة:
الأول: طهارة الماء بالنحو الذي سلف بيانه في مبحث النجاسات، فلا يصح التوضؤ بالماء النجس أو المتنجس، ولا بأحد الإناءين المشتبه فيهما الطاهر بالنجس، ولا بواحد من أفراد الشبهة المحصورة، ولا بماء الاستنجاء رغم كونه طاهراً.
الثاني: إطلاق الماء، فلا يصح التوضؤ بالماء المضاف الذي سبق بيانه، نعم إذا اشتبه الماء المطلق على المكلّف بإناء آخر فيه ماء مضاف، ولم يمكنه التمييز بينهما، جاز له التوضؤ مرة بهذا الإناء وأخرى بذلك الإناء، فيكون قد أحرز جزماً التوضؤ بالماء المطلق ولم يضره وقوع أحد الوضوءين بالماء المضاف.
مسألة 226: لا فرق في بطلان الوضوء عند فقد هذين الشرطين بين صورة العلم والعمد أو الجهل أو النسيان.
الثالث: إباحة الماء الذي يتوضأ به، وذلك بأن يكون الماء ملكاً له أو مأذوناً بالتصرّف فيه من المالك أو من الولي المتسلط على الماء في مثل الموقوف. هذا وقد بيّنا في أحكام التخلي معنى الإذن وتوابعه. (أنظر المسألة 185).
مسألة 227: لا حاجة للاستئذان من أصحاب المياه السابلة، كالأنهار والعيون الغزيرة النابعة، وما يتفرع منها من جداول، بل يجوز الوضوء والشرب منها ونحوهما من الاستخدامات التي جرت عادة النّاس عليها خاصة مع عدم المنع والإنكار من أصحابها لمثل ذلك، بل إنه ليس لهم المنع عن مثل ذلك.
مسألة 228: مياه المساجد الموقوفة على خصوص المصلين فيها لا يجوز التوضؤ بها لمن لا يريد الصلاة فيها، ولا يبطل الوضوء في صورة ما لو نوى الصلاة فيها ثُمَّ أعرض عن نيته، وكذلك لو لـم يتمكن من الصلاة فيها مع احتمال ذلك منه حين إرادة الوضوء، فضلاً عمّا لو كان قاطعاً بالتمكن من الصلاة فيها وتوضأ بقصد الصلاة ثُمَّ منعه من ذلك مانع. وكذلك يصح الوضوء لو اعتقد عدم الاشتراط ثم علم به بعد الوضوء، أو كان عالماً بالاشتراط فغفل عنه ونسي، ولا يجب عليه في هاتين الحالتين الصلاة في المسجد، وإن كان هو الأحوط استحباباً.
مسألة 229: لا يشترط إباحة موقف المتوضئ والفضاء الذي يقف فيه ومصب الماء، وكذا لا يشترط إباحة الإناء الذي يتوضأ منه إذا أخذ بيده منه وصبّه على وجهه مثلاً، أمّا إذا رمس وجهه فيه فإنَّ وضوءه باطل إذا اعتبر العرف ذلك تصرفاً بالإناء، والظاهر أنَّ العرف لا يرى ذلك تصرفاً فيه فيصح وضوؤه في مثل هذه الحالة أيضاً، رغم أنَّ التصرف بهذا المقدار بالإناء المغصوب حرام في الحالتين.
مسألة 230: المياه التي توصلها الدولة أو الشركات الخاصة عبر الأنابيب إلى المنازل يجب الاقتصار فيها على المقدار المحدد لكلّ مشترك، فإن أخذ أزيد من حصته عدّ الزائد مغصوباً وحرم التصرف به، وبطل الوضوء والغسل منه، بلا فرق بين كون مصدر المياه من المباحات العامة، كمياه الأنهار أو المطر، أو كان مصدره مملوكاً كالآبار المحفورة.
مسألة 231: إنما يبطل الوضوء مع الغصبية في صورة العلم بالغصب وتعمد التصرف بالمغصوب، فلا يبطل مع الجهل بالغصب ولا مع الجهل بحرمة التصرف بالمغصوب إذا كان معذوراً في جهله، أمّا إذا كان مقصراً، بحيث أمكنه التعلّم ولم يتعلم وكان ملتفتاً إلى إمكان الخطأ، ولم يكن عمله في حالة الجهل هذه من نوع التشريع، بحيث أمكن منه تحقّق قصد القربة، فالأحوط وجوباً اعتبار الوضوء باطلاً. وكذلك لا يبطل الوضوء مع نسيان الغصب أو نسيان حرمة التصرف بالمغصوب، إلاَّ أن يكون الناسي هو الغاصب نفسه فيحكم ببطلان وضوئه.
مسألة 232: إذا علم بالغصبية أثناء الوضوء صح ما عمله ووجب عليه تحصيل المباح للباقي، نعم إذا كان العلم بعد غسل الأعضاء وقبل المسح لـم يمنع ذلك من المسح بنداوة الماء المغصوب، وإن كان الأحوط استحباباً إعادة الوضوء حينئذ.
مسألة 233: لا يشترط في صحة الوضوء أن يكون الإناء من معدن غير الذهب والفضة، بل يصح الوضوء من آنية الذهب أو الفضة، كالإبريق والطشت ونحوهما، من دون فرق بين الاغتراف منه وبين حمله والصبّ منه على الأعضاء، ولا يعد (صنبور) الماء المستخدم في هذا الزمان من الآنية لو كان ذهباً أو فضة، فلا يبطل الوضوء بأخذ الماء منه حتى لو قلنا بالاشتراط.
هذا وسوف نبين حكم استخدام هذه الأواني في الطعام والشراب في باب الأطعمة والأشربة إن شاء الله تعالى.
الرابع: أن تكون أعضاء الوضوء طاهرة، وهي خصوص الوجه واليدين وموضع المسح من الرأس والقدمين، دون غيرها من بدن المتوضئ. ومعنى طهارتها هو أن يقع الغسل أو المسح عليها وهي طاهرة غير متنجسة، ويكفي في ذلك تطهيرها أثناء الصبّ على كلّ واحد منها حين غسله للوضوء، فلا ضرورة لتطهيرها بنحو مستقل قبل الشروع في الوضوء، كما لا ضرورة لفصل غسلة التطهير عن غسلة الوضوء عند غسل كلّ عضو من الأعضاء التي يجب غسلها في الوضوء، أما ما يُمسح من أعضاء الوضوء، مثل الرأس والقدمين فإنَّ من الضروري غسله للتطهير أولاً ثُمَّ تجفيفه للمسح عليه بعد ذلك.
مسألة 234: لا يبطل الوضوء بتنجس العضو الذي انتهى من غسله أو مسحه أثناء الوضوء، بل يمكنه الاستمرار بالوضوء ثُمَّ يطهر العضو المتنجس بعد انتهاء الوضوء من أجل الصلاة، نعم إذا كان المتنجس تمام الكف الذي يمسح به بطل وضوؤه.
مسألة 235: الجرح النازف في أحد أعضاء الوضوء لا يمنع من الوضوء، وذلك بأن يصبّ الماء على الجرح حتى ينقطع الدم لحظة ثُمَّ يصبّ عليه الماء بقصد الوضوء، فإذا خرج الدم بعد ذلك لـم يضر، فيكمل وضوءه مراعياً عدم سراية الجرح النازف كمشكلة أخرى لها علاقة بالصلاة، فإن انقطع الدم طهره وصلى، وإن لـم ينقطع جاز له الصلاة بالدم بعنوان أنه معفو عنه.
مسألة 236: إذا علم المكلّف بعد الوضوء بأنه قد توضأ بماء متنجس أو مع وجود نجاسة على بعض أعضاء الوضوء حكم ببطلان وضوئه وبطلان الصلاة التي صلاها بهذا الوضوء. أمّا إذا علم بأنَّ الماء أو العضو كان متنجساً قبل الوضوء، ثُمَّ ـ بعد الفراغ من الوضوء ـ شكَّ في أنّه هل طهَّره قبل الشروع في الوضوء أو بقي على نجاسته، فإنه يحكم بصحة وضوئه فقط، وببقاء الماء أو ذلك العضو وما تأثر بنجاستهما من سائر الأعضاء والبدن والثياب على نجاسته، فإن كان قد صلى ـ والحالة هذه ـ فإنَّ صلاته غير صحيحة وعليه إعادتها.
الخامس: الاطمئنان بوصول الماء إلى البشرة، وذلك بإزالة ما يمنع وصوله إليها من المواد التي تحجب البشرة وتغطيها، مثل رباط الجرح، وكتلة العجين أو الوحل، والخاتم أو السوار الضاغط على البشرة، ونحو ذلك، وأما المواد الرقيقة اللاصقة بالبشرة، مثل الدّهان وبعض مساحيق التجميل، ونحو ذلك مما له سماكة وجرم فلا تعتبرحاجباً شرعاً، وإن كان الأحوط والأفضل إزالتها وخاصة مع سهولة الإزلة.
مسألة 237: الأصباغ التي تنفذ في الجلد وتترك لوناً على البشرة لا تعدّ حاجباً، وذلك مثل الحبر المائع، ولون السواد الناتج من تقشير الرمان أو الباذنجان ونحوهما، ومثل الدواء الأحمر وصبغة اليود اللذين يوضعان على الجروح، وغير ذلك من الأصباغ التي ليس لها سماكة وجرم، فلا تجب إزالتها عن البشرة عند الوضوء.
مسألة 238: إذا شك في وجود حاجب شكاً اعتباطياً، وذلك كما لو لـم يكن قد سبق له الاشتغال بما يحدثه، لـم يجب عليه الفحص، أمّا إذا كان للشك سبب وجيه ومنشأ عقلائي فإنه يجب عليه الفحص عنه حتى يحصل له اليقين أو الاطمئنان بعدمه.
مسألة 239: الوسخ تحت الأظافر لا يعد حاجباً ما دام مستوراً بالظفر وغيرَ معدود من الظاهر، فإن كان من الكثرة بحيث غطى أطراف الظفر العليا الظاهرة، أو غطى جزءً من اللحم الظاهر قرب الظفر، وجبت إزالته إلا إذا عُدّ جزءً من الجسد، كمثل الصباغ أو المواد اللاصقة أو نحوهما. هذا ولا تعدّ الجروح المتيبسة حاجباً، وكذلك القشور والجلد الميت ولو كان منخرقاً، فلا تجب إزالة شيء منها حتى مع تحقق الشفاء وقرب سقوطها وزوالها.
مسألة 240: إذا شك بعد الفراغ من الوضوء في وجود حاجب على أعضائه عند المباشرة بالوضوء وعدم وجوده، فإذا احتمل أنه حين قيامه بأعمال الوضوء كان ملتفتاً إلى شروط الوضوء التي منها ضرورة إزالة الحاجب والحكم المترتب عليه ولم يكن غافلاً عن ذلك فإنَّ وضوءه محكوم بالصحة، وأمّا إذا علم بأنه لـم يكن ملتفتاً حين الوضوء إلى مثل هذه الأحكام وكان في غفلة تامة عنها فوضوءه محكوم بالبطلان بسبب ذلك الشك، وعليه التأكد من عدم الحاجب ثُمَّ إعادة الوضوء وإعادة ما صلاه به إذا كان وقت الصلاة باقياً، أو قضاؤه بعد فوات الوقت.
ونفس الحكم يثبت في الحالات التالية، وبنفس الشروط:
1 ـ إذا شك في حاجبية الشيء، كمثل الخاتم، ويعلم أنه كان موجوداً قبله.
2 ـ أن يعلم بحاجبيته ولكن يشك في أنه أزاله أو أوصل الماء تحته.
3 ـ أن يعلم بوجود الحاجب ولكنه يشك في أنَّ الوضوء هل وقع قبل وجوده أو بعده.
نعم لا يرد ذلك التفصيل في حالة العلم بحاجبية مثل الخاتم، والعلم بأنه لـم ينزعه ولم يحركه، فشك بعد الوضوء في وصول الماء بنفسه إلى البشرة وعدم وصوله، بل يبطل وضوءه على كلّ حال، وعليه إعادته وإعادة ما صلاه به في الوقت أو قضاؤه إذا مضى وقته.
السادس: المباشرة، ويُراد بها تولي المكلّف القادر بنفسه عملية غسل الأعضاء من أجل الوضوء وإيصال الماء إلى تمام العضو، فلا بأس في مساعدة الغير للمتوضئ بمثل إحضار الماء ووضعه في مكان الوضوء، أو بمثل رفع كمي الثوب، أو نحو ذلك من المقدمات التي ليس لها علاقة مباشرة بالوضوء. أمّا مساعدة المتوضئ بصب الماء، فإن كان بمثل صبّ الماء في يديه ليجريه هو على عضو الوضوء فهو مكروه لا يبطل به الوضوء، وإن كان بصبّ الماء من قبل المساعد على عضو الوضوء مباشرة، فهنا حالتان:
الأولى: أن يكون الصبّ من مكان بعيد. فإذا كان هناك شخص يصبّ الماء من مكان عال فيجعل المتوضئ وجهه أو يده تحته، ويحركه قاصداً التوضؤ، لـم يضر ذلك بالمباشرة حتى لو قصد المساعد توضؤ الغير به، وصح وضوءه.
الثانية: أن يصبّ المساعد الماء من مكان قريب على عضو المتوضئ فيحرّك المتوضئ وجهه أو يده بقصد الوضوء، فالظاهر أنه ليس مخلاً بالمباشرة، فلا يحكم ببطلان وضوئه، ولا بأس بالاحتياط بالامتناع عن ذلك، أمّا لو ظلّ العضو المصبوب عليه جامداً وحرك المساعد الماء ليصل إلى تمام العضو فلا شك في البطلان حينئذ، لأنَّ غسل العضو في هذه الصورة لا يستند إلى المكلف بل هو فعل الشخص الآخر.
مسألة 241: إذا عجز المكلّف عن مباشرة الوضوء لمرض ونحوه لزمه الاعتماد على من يساعده وينوب عنه، وذلك في صور:
الأولى: أن يكون العجز تاماً وشاملاً حتى عن مثل الأخذ بيد العاجز ومسح الرأس بها، فهنا ينوي المكلف الوضوء، ولا حاجة معها لنية المساعد، وإن كان هو الأحوط استحباباً، ويقوم المساعد بإجراء الماء على أعضاء الوضوء، فيغسلها عضواً بعد عضو، ثُمَّ يأخذ المساعد بيده اليمنى من رطوبة كف اليد اليمنى للعاجز ويمسح بها رأسه ثُمَّ قدمه اليمنى، ثُمَّ يأخذ بكفه الأيسر من رطوبة كف العاجز الأيسر ويمسح قدمه اليسرى.
الثانية: أن يكون العجز تاماً مع إمكان تحريك أعضاء العاجز، فهنا ينوي المكلّف كما سبق ويقوم المساعد بغسل أعضاء الوضوء للعاجز، من دون ضرورة لأن يضع الماء في يد العاجز ويغسل وجهه بيد نفسه مثلاً، بل يكفي إجراء الماء على أعضاء الوضوء من قبل المساعد ويده، وإن كان استخدام يد العاجز من قبل المساعد أحوط استحباباً، نعم في حالة المسح يجب ـ في هذه الصورة ـ مسح الرأس والقدمين بيد العاجز نفسه، فلا يكفي المسح بيد المساعد مع أخذ الرطوبة من يد العاجز.
الثالثة: أن يعجز المكلف عن بعض أفعال الوضوء ويقدر على بعضها، فهنا يستقل العاجز في فعل ما يقدر عليه ويساعده النائب فيما يعجز عنه، غير أنه في حالة المسح لا بُدَّ أن يكون بيد العاجز مع قدرته على تحريك الأعضاء وإلا فبيد المساعد كما سبق بيانه في الصورة الأولى، وفي النية تكفي نية العاجز مع الاحتياط الاستحبابي بنية المساعد فيما يساعده فيه.
مسألة 242: لا يجب على القادر مساعدة العاجز في الوضوء، ويجوز له طلب الأجرة عليها، ويجب على العاجز بذل الأجرة مع قدرته. وعلى كل حال فإنَّ مساعدة العاجز عموماً، وفي شؤون العبادة وطاعة الله تعالى خصوصاً، تعدّ من موارد الثواب والأجر ومثالاً لتعاون المؤمنين على البر والتقوى.
مسألة 243: إذا لـم يجد العاجز من يوضئه، ولو لكونه أجنبياً غير مماثل له في الذكورة والأنوثة، أو لعجزه عن دفع الأجرة، وجب عليه التيمم مع قدرته عليه، فإن عجز عنه ولم يجد مساعداً عليه صلى بدون طهارة، ووجبت عليه الإعادة في الوقت لو تجددت القدرة أو وجد المساعد، ولا يجب القضاء خارج الوقت، وإن كان الاحتياط بالقضاء مما لا ينبغي تركه.
السابع: الترتيب، ويُراد به غسل الوجه أولاً، ثُمَّ اليد اليمنى، ثُمَّ اليد اليسرى، ثُمَّ مسح الرأس، ثُمَّ مسح القدمين اليمنى واليسرى.
والإخلال بهذا الترتيب عمداً أو سهواً أو جهلاً لا يضر بالوضوء مع إمكان التدارك وتصحيح الوضوء، فمن أخل بالترتيب والتفت في أثناء الوضوء أو بعد الفراغ منه أمكنه العود إلى الترتيب والاستمرار في الوضوء الصحيح، من دون حاجة لقطعه واستئنافه من جديد، إلاَّ في حالتين:
الأولى: أن يتسبب التصحيح بحدوث فاصل كبير بين غَسل العضو السابق الصحيح وبين العضو اللاحق الذي يُراد تصحيح غسله، فيبطل الوضوء لفوات الموالاة الآتي بيانها.
الثانية: في مثل ما لو كان عالماً بالترتيب وتعمد الإخلال به قاصداً ذلك في نية الوضوء من الأول، فهنا يحكم بلزوم الاستئناف لبطلان مثل هذه النية. وهكذا نحوه مما يوجب الإخلال بالنية.
مسألة 244: الترتيب بين الأفعال واجب حتى في الوضوء الارتماسي، فلا يصح رمس أعضاء الوضوء دفعة واحدة، كذلك لا يصح رمس اليدين قبل الوجه مثلاً، بل لا بُدَّ من مراعاة الترتيب المذكور آنفاً.
الثامن: الموالاة، والمراد بها تتابع وتوالي صدور أفعال الوضوء من المكلف فعلاً بعد فعل، وذلك بالنحو الذي لا يحدث فيه بين الفعل والآخر توقف لمدة طويلة يرى العرف فيها إخلالاً بالتتابع وإضراراً بوحدة الوضوء، وهو الأمر الذي يترتب عليه غالباً جفاف العضو السابق قبل الشروع في الفعل اللاحق، كما عبّر عنه الفقهاء، وبناءً عليه فإنه لو حدث الفصل الطويل تفوت الموالاة ويبطل الوضوء حتى لو بقيت الرطوبة كلاً أو بعضاً على العضو السابق، كذلك فإنه يصح الوضوء مع عدم الفصل الطويل حتى لو جف العضو السابق لشدّة الهواء أو حرارة الجو أو البدن.
هذا ويعتبر فوات الموالاة موجباً للبطلان في حال الجهل والعمد والنسيان.
التاسع: عدم وجود ما يمنع من الوضوء مما يندرج في موجبات التيمم، فإنَّ ارتفاع هذه الموانع ـ بالجملة ـ يعتبر شرطاً في صحة الوضوء، كما سنفصله في مبحث التيمم إن شاء الله تعالى.
المبحث الثالث ـ في شروط الوضوء:
بعدما بينا معنى الحدث الأصغر وأنه في الوقت الذي يعتبر فيه سبباً وموجباً للوضوء يعتبر ناقضاً له، وبعدما بينا الغايات التي يجب الوضوء لأجلها أو يستحب، لا بُدَّ ـ قبل بيان كيفية الوضوء ـ أن نتحدّث عن الأمور التي يجب توفرها عند الشروع في الوضوء كي يقع الوضوء صحيحاً، وهي أمور عديدة:
الأول: طهارة الماء بالنحو الذي سلف بيانه في مبحث النجاسات، فلا يصح التوضؤ بالماء النجس أو المتنجس، ولا بأحد الإناءين المشتبه فيهما الطاهر بالنجس، ولا بواحد من أفراد الشبهة المحصورة، ولا بماء الاستنجاء رغم كونه طاهراً.
الثاني: إطلاق الماء، فلا يصح التوضؤ بالماء المضاف الذي سبق بيانه، نعم إذا اشتبه الماء المطلق على المكلّف بإناء آخر فيه ماء مضاف، ولم يمكنه التمييز بينهما، جاز له التوضؤ مرة بهذا الإناء وأخرى بذلك الإناء، فيكون قد أحرز جزماً التوضؤ بالماء المطلق ولم يضره وقوع أحد الوضوءين بالماء المضاف.
مسألة 226: لا فرق في بطلان الوضوء عند فقد هذين الشرطين بين صورة العلم والعمد أو الجهل أو النسيان.
الثالث: إباحة الماء الذي يتوضأ به، وذلك بأن يكون الماء ملكاً له أو مأذوناً بالتصرّف فيه من المالك أو من الولي المتسلط على الماء في مثل الموقوف. هذا وقد بيّنا في أحكام التخلي معنى الإذن وتوابعه. (أنظر المسألة 185).
مسألة 227: لا حاجة للاستئذان من أصحاب المياه السابلة، كالأنهار والعيون الغزيرة النابعة، وما يتفرع منها من جداول، بل يجوز الوضوء والشرب منها ونحوهما من الاستخدامات التي جرت عادة النّاس عليها خاصة مع عدم المنع والإنكار من أصحابها لمثل ذلك، بل إنه ليس لهم المنع عن مثل ذلك.
مسألة 228: مياه المساجد الموقوفة على خصوص المصلين فيها لا يجوز التوضؤ بها لمن لا يريد الصلاة فيها، ولا يبطل الوضوء في صورة ما لو نوى الصلاة فيها ثُمَّ أعرض عن نيته، وكذلك لو لـم يتمكن من الصلاة فيها مع احتمال ذلك منه حين إرادة الوضوء، فضلاً عمّا لو كان قاطعاً بالتمكن من الصلاة فيها وتوضأ بقصد الصلاة ثُمَّ منعه من ذلك مانع. وكذلك يصح الوضوء لو اعتقد عدم الاشتراط ثم علم به بعد الوضوء، أو كان عالماً بالاشتراط فغفل عنه ونسي، ولا يجب عليه في هاتين الحالتين الصلاة في المسجد، وإن كان هو الأحوط استحباباً.
مسألة 229: لا يشترط إباحة موقف المتوضئ والفضاء الذي يقف فيه ومصب الماء، وكذا لا يشترط إباحة الإناء الذي يتوضأ منه إذا أخذ بيده منه وصبّه على وجهه مثلاً، أمّا إذا رمس وجهه فيه فإنَّ وضوءه باطل إذا اعتبر العرف ذلك تصرفاً بالإناء، والظاهر أنَّ العرف لا يرى ذلك تصرفاً فيه فيصح وضوؤه في مثل هذه الحالة أيضاً، رغم أنَّ التصرف بهذا المقدار بالإناء المغصوب حرام في الحالتين.
مسألة 230: المياه التي توصلها الدولة أو الشركات الخاصة عبر الأنابيب إلى المنازل يجب الاقتصار فيها على المقدار المحدد لكلّ مشترك، فإن أخذ أزيد من حصته عدّ الزائد مغصوباً وحرم التصرف به، وبطل الوضوء والغسل منه، بلا فرق بين كون مصدر المياه من المباحات العامة، كمياه الأنهار أو المطر، أو كان مصدره مملوكاً كالآبار المحفورة.
مسألة 231: إنما يبطل الوضوء مع الغصبية في صورة العلم بالغصب وتعمد التصرف بالمغصوب، فلا يبطل مع الجهل بالغصب ولا مع الجهل بحرمة التصرف بالمغصوب إذا كان معذوراً في جهله، أمّا إذا كان مقصراً، بحيث أمكنه التعلّم ولم يتعلم وكان ملتفتاً إلى إمكان الخطأ، ولم يكن عمله في حالة الجهل هذه من نوع التشريع، بحيث أمكن منه تحقّق قصد القربة، فالأحوط وجوباً اعتبار الوضوء باطلاً. وكذلك لا يبطل الوضوء مع نسيان الغصب أو نسيان حرمة التصرف بالمغصوب، إلاَّ أن يكون الناسي هو الغاصب نفسه فيحكم ببطلان وضوئه.
مسألة 232: إذا علم بالغصبية أثناء الوضوء صح ما عمله ووجب عليه تحصيل المباح للباقي، نعم إذا كان العلم بعد غسل الأعضاء وقبل المسح لـم يمنع ذلك من المسح بنداوة الماء المغصوب، وإن كان الأحوط استحباباً إعادة الوضوء حينئذ.
مسألة 233: لا يشترط في صحة الوضوء أن يكون الإناء من معدن غير الذهب والفضة، بل يصح الوضوء من آنية الذهب أو الفضة، كالإبريق والطشت ونحوهما، من دون فرق بين الاغتراف منه وبين حمله والصبّ منه على الأعضاء، ولا يعد (صنبور) الماء المستخدم في هذا الزمان من الآنية لو كان ذهباً أو فضة، فلا يبطل الوضوء بأخذ الماء منه حتى لو قلنا بالاشتراط.
هذا وسوف نبين حكم استخدام هذه الأواني في الطعام والشراب في باب الأطعمة والأشربة إن شاء الله تعالى.
الرابع: أن تكون أعضاء الوضوء طاهرة، وهي خصوص الوجه واليدين وموضع المسح من الرأس والقدمين، دون غيرها من بدن المتوضئ. ومعنى طهارتها هو أن يقع الغسل أو المسح عليها وهي طاهرة غير متنجسة، ويكفي في ذلك تطهيرها أثناء الصبّ على كلّ واحد منها حين غسله للوضوء، فلا ضرورة لتطهيرها بنحو مستقل قبل الشروع في الوضوء، كما لا ضرورة لفصل غسلة التطهير عن غسلة الوضوء عند غسل كلّ عضو من الأعضاء التي يجب غسلها في الوضوء، أما ما يُمسح من أعضاء الوضوء، مثل الرأس والقدمين فإنَّ من الضروري غسله للتطهير أولاً ثُمَّ تجفيفه للمسح عليه بعد ذلك.
مسألة 234: لا يبطل الوضوء بتنجس العضو الذي انتهى من غسله أو مسحه أثناء الوضوء، بل يمكنه الاستمرار بالوضوء ثُمَّ يطهر العضو المتنجس بعد انتهاء الوضوء من أجل الصلاة، نعم إذا كان المتنجس تمام الكف الذي يمسح به بطل وضوؤه.
مسألة 235: الجرح النازف في أحد أعضاء الوضوء لا يمنع من الوضوء، وذلك بأن يصبّ الماء على الجرح حتى ينقطع الدم لحظة ثُمَّ يصبّ عليه الماء بقصد الوضوء، فإذا خرج الدم بعد ذلك لـم يضر، فيكمل وضوءه مراعياً عدم سراية الجرح النازف كمشكلة أخرى لها علاقة بالصلاة، فإن انقطع الدم طهره وصلى، وإن لـم ينقطع جاز له الصلاة بالدم بعنوان أنه معفو عنه.
مسألة 236: إذا علم المكلّف بعد الوضوء بأنه قد توضأ بماء متنجس أو مع وجود نجاسة على بعض أعضاء الوضوء حكم ببطلان وضوئه وبطلان الصلاة التي صلاها بهذا الوضوء. أمّا إذا علم بأنَّ الماء أو العضو كان متنجساً قبل الوضوء، ثُمَّ ـ بعد الفراغ من الوضوء ـ شكَّ في أنّه هل طهَّره قبل الشروع في الوضوء أو بقي على نجاسته، فإنه يحكم بصحة وضوئه فقط، وببقاء الماء أو ذلك العضو وما تأثر بنجاستهما من سائر الأعضاء والبدن والثياب على نجاسته، فإن كان قد صلى ـ والحالة هذه ـ فإنَّ صلاته غير صحيحة وعليه إعادتها.
الخامس: الاطمئنان بوصول الماء إلى البشرة، وذلك بإزالة ما يمنع وصوله إليها من المواد التي تحجب البشرة وتغطيها، مثل رباط الجرح، وكتلة العجين أو الوحل، والخاتم أو السوار الضاغط على البشرة، ونحو ذلك، وأما المواد الرقيقة اللاصقة بالبشرة، مثل الدّهان وبعض مساحيق التجميل، ونحو ذلك مما له سماكة وجرم فلا تعتبرحاجباً شرعاً، وإن كان الأحوط والأفضل إزالتها وخاصة مع سهولة الإزلة.
مسألة 237: الأصباغ التي تنفذ في الجلد وتترك لوناً على البشرة لا تعدّ حاجباً، وذلك مثل الحبر المائع، ولون السواد الناتج من تقشير الرمان أو الباذنجان ونحوهما، ومثل الدواء الأحمر وصبغة اليود اللذين يوضعان على الجروح، وغير ذلك من الأصباغ التي ليس لها سماكة وجرم، فلا تجب إزالتها عن البشرة عند الوضوء.
مسألة 238: إذا شك في وجود حاجب شكاً اعتباطياً، وذلك كما لو لـم يكن قد سبق له الاشتغال بما يحدثه، لـم يجب عليه الفحص، أمّا إذا كان للشك سبب وجيه ومنشأ عقلائي فإنه يجب عليه الفحص عنه حتى يحصل له اليقين أو الاطمئنان بعدمه.
مسألة 239: الوسخ تحت الأظافر لا يعد حاجباً ما دام مستوراً بالظفر وغيرَ معدود من الظاهر، فإن كان من الكثرة بحيث غطى أطراف الظفر العليا الظاهرة، أو غطى جزءً من اللحم الظاهر قرب الظفر، وجبت إزالته إلا إذا عُدّ جزءً من الجسد، كمثل الصباغ أو المواد اللاصقة أو نحوهما. هذا ولا تعدّ الجروح المتيبسة حاجباً، وكذلك القشور والجلد الميت ولو كان منخرقاً، فلا تجب إزالة شيء منها حتى مع تحقق الشفاء وقرب سقوطها وزوالها.
مسألة 240: إذا شك بعد الفراغ من الوضوء في وجود حاجب على أعضائه عند المباشرة بالوضوء وعدم وجوده، فإذا احتمل أنه حين قيامه بأعمال الوضوء كان ملتفتاً إلى شروط الوضوء التي منها ضرورة إزالة الحاجب والحكم المترتب عليه ولم يكن غافلاً عن ذلك فإنَّ وضوءه محكوم بالصحة، وأمّا إذا علم بأنه لـم يكن ملتفتاً حين الوضوء إلى مثل هذه الأحكام وكان في غفلة تامة عنها فوضوءه محكوم بالبطلان بسبب ذلك الشك، وعليه التأكد من عدم الحاجب ثُمَّ إعادة الوضوء وإعادة ما صلاه به إذا كان وقت الصلاة باقياً، أو قضاؤه بعد فوات الوقت.
ونفس الحكم يثبت في الحالات التالية، وبنفس الشروط:
1 ـ إذا شك في حاجبية الشيء، كمثل الخاتم، ويعلم أنه كان موجوداً قبله.
2 ـ أن يعلم بحاجبيته ولكن يشك في أنه أزاله أو أوصل الماء تحته.
3 ـ أن يعلم بوجود الحاجب ولكنه يشك في أنَّ الوضوء هل وقع قبل وجوده أو بعده.
نعم لا يرد ذلك التفصيل في حالة العلم بحاجبية مثل الخاتم، والعلم بأنه لـم ينزعه ولم يحركه، فشك بعد الوضوء في وصول الماء بنفسه إلى البشرة وعدم وصوله، بل يبطل وضوءه على كلّ حال، وعليه إعادته وإعادة ما صلاه به في الوقت أو قضاؤه إذا مضى وقته.
السادس: المباشرة، ويُراد بها تولي المكلّف القادر بنفسه عملية غسل الأعضاء من أجل الوضوء وإيصال الماء إلى تمام العضو، فلا بأس في مساعدة الغير للمتوضئ بمثل إحضار الماء ووضعه في مكان الوضوء، أو بمثل رفع كمي الثوب، أو نحو ذلك من المقدمات التي ليس لها علاقة مباشرة بالوضوء. أمّا مساعدة المتوضئ بصب الماء، فإن كان بمثل صبّ الماء في يديه ليجريه هو على عضو الوضوء فهو مكروه لا يبطل به الوضوء، وإن كان بصبّ الماء من قبل المساعد على عضو الوضوء مباشرة، فهنا حالتان:
الأولى: أن يكون الصبّ من مكان بعيد. فإذا كان هناك شخص يصبّ الماء من مكان عال فيجعل المتوضئ وجهه أو يده تحته، ويحركه قاصداً التوضؤ، لـم يضر ذلك بالمباشرة حتى لو قصد المساعد توضؤ الغير به، وصح وضوءه.
الثانية: أن يصبّ المساعد الماء من مكان قريب على عضو المتوضئ فيحرّك المتوضئ وجهه أو يده بقصد الوضوء، فالظاهر أنه ليس مخلاً بالمباشرة، فلا يحكم ببطلان وضوئه، ولا بأس بالاحتياط بالامتناع عن ذلك، أمّا لو ظلّ العضو المصبوب عليه جامداً وحرك المساعد الماء ليصل إلى تمام العضو فلا شك في البطلان حينئذ، لأنَّ غسل العضو في هذه الصورة لا يستند إلى المكلف بل هو فعل الشخص الآخر.
مسألة 241: إذا عجز المكلّف عن مباشرة الوضوء لمرض ونحوه لزمه الاعتماد على من يساعده وينوب عنه، وذلك في صور:
الأولى: أن يكون العجز تاماً وشاملاً حتى عن مثل الأخذ بيد العاجز ومسح الرأس بها، فهنا ينوي المكلف الوضوء، ولا حاجة معها لنية المساعد، وإن كان هو الأحوط استحباباً، ويقوم المساعد بإجراء الماء على أعضاء الوضوء، فيغسلها عضواً بعد عضو، ثُمَّ يأخذ المساعد بيده اليمنى من رطوبة كف اليد اليمنى للعاجز ويمسح بها رأسه ثُمَّ قدمه اليمنى، ثُمَّ يأخذ بكفه الأيسر من رطوبة كف العاجز الأيسر ويمسح قدمه اليسرى.
الثانية: أن يكون العجز تاماً مع إمكان تحريك أعضاء العاجز، فهنا ينوي المكلّف كما سبق ويقوم المساعد بغسل أعضاء الوضوء للعاجز، من دون ضرورة لأن يضع الماء في يد العاجز ويغسل وجهه بيد نفسه مثلاً، بل يكفي إجراء الماء على أعضاء الوضوء من قبل المساعد ويده، وإن كان استخدام يد العاجز من قبل المساعد أحوط استحباباً، نعم في حالة المسح يجب ـ في هذه الصورة ـ مسح الرأس والقدمين بيد العاجز نفسه، فلا يكفي المسح بيد المساعد مع أخذ الرطوبة من يد العاجز.
الثالثة: أن يعجز المكلف عن بعض أفعال الوضوء ويقدر على بعضها، فهنا يستقل العاجز في فعل ما يقدر عليه ويساعده النائب فيما يعجز عنه، غير أنه في حالة المسح لا بُدَّ أن يكون بيد العاجز مع قدرته على تحريك الأعضاء وإلا فبيد المساعد كما سبق بيانه في الصورة الأولى، وفي النية تكفي نية العاجز مع الاحتياط الاستحبابي بنية المساعد فيما يساعده فيه.
مسألة 242: لا يجب على القادر مساعدة العاجز في الوضوء، ويجوز له طلب الأجرة عليها، ويجب على العاجز بذل الأجرة مع قدرته. وعلى كل حال فإنَّ مساعدة العاجز عموماً، وفي شؤون العبادة وطاعة الله تعالى خصوصاً، تعدّ من موارد الثواب والأجر ومثالاً لتعاون المؤمنين على البر والتقوى.
مسألة 243: إذا لـم يجد العاجز من يوضئه، ولو لكونه أجنبياً غير مماثل له في الذكورة والأنوثة، أو لعجزه عن دفع الأجرة، وجب عليه التيمم مع قدرته عليه، فإن عجز عنه ولم يجد مساعداً عليه صلى بدون طهارة، ووجبت عليه الإعادة في الوقت لو تجددت القدرة أو وجد المساعد، ولا يجب القضاء خارج الوقت، وإن كان الاحتياط بالقضاء مما لا ينبغي تركه.
السابع: الترتيب، ويُراد به غسل الوجه أولاً، ثُمَّ اليد اليمنى، ثُمَّ اليد اليسرى، ثُمَّ مسح الرأس، ثُمَّ مسح القدمين اليمنى واليسرى.
والإخلال بهذا الترتيب عمداً أو سهواً أو جهلاً لا يضر بالوضوء مع إمكان التدارك وتصحيح الوضوء، فمن أخل بالترتيب والتفت في أثناء الوضوء أو بعد الفراغ منه أمكنه العود إلى الترتيب والاستمرار في الوضوء الصحيح، من دون حاجة لقطعه واستئنافه من جديد، إلاَّ في حالتين:
الأولى: أن يتسبب التصحيح بحدوث فاصل كبير بين غَسل العضو السابق الصحيح وبين العضو اللاحق الذي يُراد تصحيح غسله، فيبطل الوضوء لفوات الموالاة الآتي بيانها.
الثانية: في مثل ما لو كان عالماً بالترتيب وتعمد الإخلال به قاصداً ذلك في نية الوضوء من الأول، فهنا يحكم بلزوم الاستئناف لبطلان مثل هذه النية. وهكذا نحوه مما يوجب الإخلال بالنية.
مسألة 244: الترتيب بين الأفعال واجب حتى في الوضوء الارتماسي، فلا يصح رمس أعضاء الوضوء دفعة واحدة، كذلك لا يصح رمس اليدين قبل الوجه مثلاً، بل لا بُدَّ من مراعاة الترتيب المذكور آنفاً.
الثامن: الموالاة، والمراد بها تتابع وتوالي صدور أفعال الوضوء من المكلف فعلاً بعد فعل، وذلك بالنحو الذي لا يحدث فيه بين الفعل والآخر توقف لمدة طويلة يرى العرف فيها إخلالاً بالتتابع وإضراراً بوحدة الوضوء، وهو الأمر الذي يترتب عليه غالباً جفاف العضو السابق قبل الشروع في الفعل اللاحق، كما عبّر عنه الفقهاء، وبناءً عليه فإنه لو حدث الفصل الطويل تفوت الموالاة ويبطل الوضوء حتى لو بقيت الرطوبة كلاً أو بعضاً على العضو السابق، كذلك فإنه يصح الوضوء مع عدم الفصل الطويل حتى لو جف العضو السابق لشدّة الهواء أو حرارة الجو أو البدن.
هذا ويعتبر فوات الموالاة موجباً للبطلان في حال الجهل والعمد والنسيان.
التاسع: عدم وجود ما يمنع من الوضوء مما يندرج في موجبات التيمم، فإنَّ ارتفاع هذه الموانع ـ بالجملة ـ يعتبر شرطاً في صحة الوضوء، كما سنفصله في مبحث التيمم إن شاء الله تعالى.