وهي أمور:
الأول ـ الصيغة:
مسألة 504: الوقف من الإيقاعات لا من العقود، فيتحقق بمجرد إنشائه بالقول أو الفعل دون حاجة إلى قبول الموقوف عليه، سواء كان وقفاً خاصاً، كالوقف على ذرية شخص معين وما أشبهه، أو كان وقفاً عاماً، كالوقف على الفقراء، نعم إذا كان في حيثيات الوقف ما ينافي حق الغير كأن أوقف فراشاً ليفرش في دار زيد، أو مكتبةً لتوضع في المسجد، صح الوقف ولكنه لا ينفذ ولا يجوز العمل بمقتضاه إلا إذا أذن صاحب الدار في وضع الفراش فيها، أو أذن ولي المسجد في وضع المكتبة فيه، فإن لم يأذنا بطل الوقف حينئذ.
مسألة 505: لا يكفي في تحقق الوقف العزم القلبي عليه دون إظهاره بقول أو فعل، بل لا بد من إنشاء الواقف أو وكيله له بكل ما يظهر إرادته له والتزامه به، ويتحقق الإنشاء بأحد أمرين:
1 ـ بالقول: ويقع بكل لفظ يدل على الوقف، كمثل: (وقفت)، أو: (حبست هذه العين إلى الأبد)، أو: (جعلت هذا المال صدقة جارية مستمرة)، أو غير ذلك من الألفاظ المفيدة لمعنى إخراج العين عن ملك مالكها.
2 ـ بالفعل، مثل: كتابة نص الوقف والتوقيع على الورقة، أو دفع العين الموقوفة لمن يتولى الإشراف على الجهة الموقوفة عليها، كدفع الأثاث لولي المسجد أو خادمه ليضعه فيه، أو بتخلية العين الموقوفة وجعلها في معرض الانتفاع، كفتح أبواب المسجد للصلاة فيه، ونحو ذلك من الأفعال الدالة على إيقاع الوقف وإرادته.
مسألة 506: لا يشترط في تحقق الوقف قصد التقرب إلى الله تعالى، وإن كان قصد التقرب مدعاة لمزيد من الثواب عنده والزلفى لديه تعالى؛ هذا رغم أن بعض الوقوف لا يكاد ينفك عن قصد التقرب، كالوقف لشؤون الجهاد والعلماء وتبليغ الدين والفقراء والأيتام ونحو ذلك.
الثاني ـ التأبيد:
مسألة 507: يعتبر في الوقف التأبيد، فلو وقّته بمدة لم يقع وقفاً، بل يحمل على التحبيس ويصح بالنحو الذي صدر منه وتترتب عليه آثار التحبيس الآتية وأحكامه، إلا أن يريد به الوقف فيبطل.
مسألة 508: إذا وقف عيناً على من يتوقع انقراضه، كالوقف على زيد وأولاده المباشرين، لم يصح وقفاً لخلوه من التأبيد، ولكنه يصح حبساً إلى حين انقراض الموقوف عليه، وحينئذ فإن كان الواقف ما يزال حياً عادت العين إليه، وإن كان قد مات قبل ذلك ورثها من كان من ورثته حياً حين موته لا حين انقراض الموقوف عليه.
وأما إذا وقف على من لا يتوقع انقراضه فاتفق وقوع حادث عليهم استأصلهم جميعاً، فإن كان قد ظهر منه إرادة الوقف عليهم خاصة على نحو وحدة المطلوب فالحكم فيه كحكم الوقف على من يتوقع انقراضه، وإن كان قد أراد الوقف على نحو تعدد المطلوب، أي أراد التصدق بالعين أساساً وجَعلَها على هذا الموقوف عليه لأنه من مواردها، لا لخصوصية فيه، فإنه حينئذ لا يكون حبساً، بل يبقى الوقف ويستمر صدقة جارية، وتحول منافع العين الموقوفة إلى العنوان الأقرب فالأقرب للعنوان الموقوف عليه؛ وسيأتي مزيد تفصيل لأمثال هذه المسألة عند التعرض لمصير الوقف عند طروء خلل عليه.
مسألة 509: إذا وقف عيناً وشرط فيها ما قد ينافي التأبيد، كأن شرط عودها إليه عند حاجته إليها، لم يمنع ذلك من صحته وقفاً، فإذا احتاج إليها أخذها وبطل الوقف؛ ولو فرض بطلانه وقفاً صح حبساً رغم أنه قد لا يحتاجها مدة عمره، فلا يضر في صحته حبساً ـ حينئذ ـ كون المدة أزيد من عمر الحابس كما سنتعرض له في أحكام الحبس.
الثالث ـ التنجيز:
مسألة 510: يعتبر في صحة الوقف التنجيز، أي جعل العين في معرض الانتفاع الفعلي، فيبطل لو علقه على أمر مستقبل معلوم الحصول، كأن يقول: «داري هذه وقف إذا هل الهلال من الشهر الفلاني»، أو: «..إذا قدم المسافر»؛ وكذا إذا علقه على أمر حالي محتمل الحصول، كأن يقول: «داري وقف إن كان هذا الجنين ذكراً»، نعم إذا كان ذلك الأمر الحالي مما تتوقف عليه صحة الوقف فإن الظاهر الصحة،كأن يقول: «داري وقف إن كانت ملكاً لي»، ونحو ذلك.
مسألة 511: إذا أنشأ صيغة الوقف معلقة على وفاته، كأن يقول: «سيارتي هذه وقف على المجاهدين بعد وفاتي»، فإن قصد بها إنشاء الوقف الآن معلقاً على الموت بطل الوقف، وإن قصد بها الوصية بوقفها بعد موته صحت الوصية في الثلث ووجب تنفيذها بعد وفاته.
الرابع ـ كون الوقف على الغير:
مسألة 512: لا يصح الوقف على النفس مستقلاً ولا منضماً إلى الغير، كأن يقول: «داري هذه وقف عليّ وعلى ذريتي» أو كما لو وقف داره واشترط تأجيرها كي تصرف أجرتها في وفاء ديونه العرفية والشرعية بعد الموت، أو لتصرفَ على أداء العبادات الواجبة عليه، أو في قربات وطاعات مستحبة يُهدى ثوابُها إليه.
مسألة 513: إذا وقف عيناً بالنحو الموجب لتمليك المنفعة للموقوف عليه، كأن وقف داره على زيد وذريته مثلاً، واشترط عليه وفاء ديونه وعباداته وغيرها، أو اشترط عليه القيام بمؤنة ضيوفه أو زوجته وأولاده، من حاصل العين الموقوفة ونمائها، صح الوقف إذا كانت الصيغة واضحة في تمليك الموقوف عليه للنماء ثم صرفه في شروط الواقف، أما إذا كان مفاد الصيغة صرف النماء مباشرة في شروط الواقف قبل ملكية الموقوف عليه لها فالوقف غير صحيح؛ وكذا يصح الوقف بهذا النحو إذا كان قد اشترط على الموقوف عليه الصرف عليه من ماله لا من نماء العين الموقوفة.
وعلى هذا الأساس فإنه لا يصح للواقف استثناء شيء لنفسه من نماء العين الموقوفة على الغير، كأن يجعل تمام البستان للموقوف عليه على أن يشاركه في أخذ ما ييبس من أشجاره مثلاً، كالسعف والغصون والأوراق، ونحو ذلك، لأنه من الوقف على النفس. وكذا لا يصح استثناء جميع منفعته لنفسه مدة معينة من الزمان كسنة، أو غير معينة كتمام عمره. أما أن يستثني شيئاً من العين حين وقفها فهو أمر آخر، إذ لا شك في جوازه كما سيأتي، لأن الجزء المستثنى غير موقوف بالأصل، فيصح أن يقف داره ما عدا غرفة منه، أو بستانه ما عدا شجرة أو أشجار، أو يقف شجرة عدا ما ييبس من غصونها وأوراقها، ونحو ذلك.
مسألة 514: إذا رغب الواقف في الاستفادة من العين الموقوفة بعد وقفها في الحالات التي حكمنا فيها بعدم جواز استفادته منها، أَمكنَهُ ذلك بإحدى طريقتين:
الأولى: أن يُملِّك العين لغيره بالهبة أو البيع المراد له جدياً، مشترطاً عليه أن يقفها ذلك الغير لمصلحة المالك الأول بالنحو الذي يريده.
الثانية: أن يؤجرها له مدة طويلة مشترطاً لنفسه حق الفسخ، ثم يقفها وهي مؤجرة للغير، فإذا فسخ الإجارة بعد مدة يعتد بها كسنة ونحوها، انتقلت المنفعة إلى الواقف بمقدار ما بقي من مدة الإجارة لا إلى الموقوف عليه، وبذلك يستفيد الواقف من العين الموقوفة مدة من الزمان يقضي بها حاجاته.
مسألة 515: يجوز لمن وقف مسجداً أو مدرسة أو بئراً على العابرين أو مكتبة على طلبة العلوم الدينية أو نحو ذلك من العناوين العامة التي يلحظ فيها استيفاء الموقوف عليهم للمنفعة بأنفسهم دون أن يتملكوها، يجوز له أن يستفيد من منافع العين الموقوفة بمثل الصلاة والمطالعة والاستقاء والتعلم، وهكذا أشباهها من العناوين العامة.
بل إن للواقف أن يستفيد من العين الموقوفة تمليكاً للغير في الحالات العادية التي يستفيد فيها غيره منها، كمثل نزوله ضيفاً على الموقوف عليه ونومه في الدار أو على الفراش الموقوف من قبله، وكمثل استعارته للعين الموقوفة لبعض الوقت، ونحو ذلك.
مسألة 516: إذا وقف المالك داره مثلاً على عنوان ليس له مصداق غيره، كأن أوقفه على عالم البلد، وكان هو عالم البلد الوحيد، لم يصحّ الوقف، وإلا صحّ.
الخامس ـ القبض:
مسألة 517: لا شك أن حصول القبض من قبل الموقوف عليه موجب لتحقق الوقف ولزومه، أما قبل القبض فإن الأحوط وجوباً في وقف التمليك عدم رجوع الواقف عنه أثناء حياته، وإذا مات وكان الورثة كباراً فإن الأحوط وجوباً تخليهم عن العين الموقوفة وإبقاؤها وقفاً، وإن كانوا صغاراً فالأقرب عدم نفوذ الوقف، واعتبارُها ميراثاً لهم.
أما الوقف العام فلا يشترط القبض في صحته وتحققه، ولا في لزومه، بل يتحقق وقف مثل المسجد أو المدرسة ويخرج عن ملك الواقف ويصبح لازماً بمجرد إنشائه حتى لو لم يصلِّ في المسجد أحد، أو لم يسكن المدرسة الداخلية ساكن أو يتعلم فيها متعلم.
مسألة 518: يتحقق قبض العين بحيازة الموقوف عليه لها وتسلطه عليها في المنقولات، ويتحقق في غير المنقول برفع الواقف يده عنها واستيلاء الموقوف عليهم عليها. ولا يشترط مباشرة الموقوف عليه للقبض، بل يكفي مع أهليته قبض وكيله، أو قبض وليه إذا كان فاقد الأهلية، وإذا كانت العين الموقوفة موجودة عند الموقوف عليه كفى ذلك في قبضها.
مسألة 519: إذا وقف على من هو ولي عليه، كوقف الأب على أولاده، أو الوصي على من له القيمومة عليه، وكانت العين تحت يد الولي، كفى ذلك في قبضها عمن هو مولَّى عليه، نعم إذا كانت عند غيره بوديعة أو عارية فإنه لا بد من أخذها منه ليتحقق قبضه عنه.
مسألة 520: إذا وقف على جماعة، فإن كانوا ذرية كفى قبض الموجود من الطبقة الأولى عمن سيوجد منها، فضلاً عن كفايته عن الطبقات التي ستوجد في مستقبل الزمان، بل يغني قبض واحد من الموجودين عن غيره من أفراد طبقته الموجودين معه إذا كان قبضه من حيث أنه واحد منهم لا بصفته الشخصية؛ وكذا إن لم يكونوا ذرية، كما لو وقف داره على علماء البلد، وكان منهم في زمانه ثلاثة، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط في مثل هذه الصورة بقبض الجميع مباشرة أو بتوكيل واحد منهم.
مسألة 521: يتحقق القبض في الوقف على الجهات العامة رغم عدم اشتراطه باستخدام الموقوف فيما وقف له، كالمقبرة يُدفن فيها، والمسجد يُصلّى فيه، وذلك من دون حاجة إلى قبض الحاكم الشرعي؛ بل إنه إذا وقف شيئاً عليها، كالأثاث ونحوه، كفى في قبضه وضعه فيها بقصد استعماله؛ ومثله ما إذا أضاف شيئاً على بنائها أو رممه فإنه يكفي في قبضه مجرد قيامه بالعمل دون أن يقبضه منه قابض.
مسألة 522: لا يعتبر إمكان القبض حين الوقف، ولا كون العين الموقوفة تحت سيطرة الواقف، بل يكفي تحقق القبض بعد ذلك وإن كان متعذراً حين الوقف، فيصح وقف الحيوان الشارد والعين المغصوبة ونحوهما مما لا سيطرة للواقف عليه، وكذا يصح الوقف على الغائب والسجين ونحوهما ممن لا يستطيع القبض؛ غاية الأمر أنه يكمل الوقف بقبضهم ولو بعد مدة طويلة إذا ظلت الشروط متوفرة؛ بل إنه لا تجب الفورية في القبض حتى مع القدرة عليه حين الوقف.
مسألة 523: لا ينفك الوقف عن رضا الواقف باستخدامه فيما وقف له، فلا يحتاج قبضه من قبل الموقوف عليه بعد إنشاء الوقف إلى إذن الواقف، بل يجوز للموقوف عليه أن يبادر إلى استعماله في العنوان الموقوف له دون إعلام الواقف ولا استئذانه.
وهي أمور:
الأول ـ الصيغة:
مسألة 504: الوقف من الإيقاعات لا من العقود، فيتحقق بمجرد إنشائه بالقول أو الفعل دون حاجة إلى قبول الموقوف عليه، سواء كان وقفاً خاصاً، كالوقف على ذرية شخص معين وما أشبهه، أو كان وقفاً عاماً، كالوقف على الفقراء، نعم إذا كان في حيثيات الوقف ما ينافي حق الغير كأن أوقف فراشاً ليفرش في دار زيد، أو مكتبةً لتوضع في المسجد، صح الوقف ولكنه لا ينفذ ولا يجوز العمل بمقتضاه إلا إذا أذن صاحب الدار في وضع الفراش فيها، أو أذن ولي المسجد في وضع المكتبة فيه، فإن لم يأذنا بطل الوقف حينئذ.
مسألة 505: لا يكفي في تحقق الوقف العزم القلبي عليه دون إظهاره بقول أو فعل، بل لا بد من إنشاء الواقف أو وكيله له بكل ما يظهر إرادته له والتزامه به، ويتحقق الإنشاء بأحد أمرين:
1 ـ بالقول: ويقع بكل لفظ يدل على الوقف، كمثل: (وقفت)، أو: (حبست هذه العين إلى الأبد)، أو: (جعلت هذا المال صدقة جارية مستمرة)، أو غير ذلك من الألفاظ المفيدة لمعنى إخراج العين عن ملك مالكها.
2 ـ بالفعل، مثل: كتابة نص الوقف والتوقيع على الورقة، أو دفع العين الموقوفة لمن يتولى الإشراف على الجهة الموقوفة عليها، كدفع الأثاث لولي المسجد أو خادمه ليضعه فيه، أو بتخلية العين الموقوفة وجعلها في معرض الانتفاع، كفتح أبواب المسجد للصلاة فيه، ونحو ذلك من الأفعال الدالة على إيقاع الوقف وإرادته.
مسألة 506: لا يشترط في تحقق الوقف قصد التقرب إلى الله تعالى، وإن كان قصد التقرب مدعاة لمزيد من الثواب عنده والزلفى لديه تعالى؛ هذا رغم أن بعض الوقوف لا يكاد ينفك عن قصد التقرب، كالوقف لشؤون الجهاد والعلماء وتبليغ الدين والفقراء والأيتام ونحو ذلك.
الثاني ـ التأبيد:
مسألة 507: يعتبر في الوقف التأبيد، فلو وقّته بمدة لم يقع وقفاً، بل يحمل على التحبيس ويصح بالنحو الذي صدر منه وتترتب عليه آثار التحبيس الآتية وأحكامه، إلا أن يريد به الوقف فيبطل.
مسألة 508: إذا وقف عيناً على من يتوقع انقراضه، كالوقف على زيد وأولاده المباشرين، لم يصح وقفاً لخلوه من التأبيد، ولكنه يصح حبساً إلى حين انقراض الموقوف عليه، وحينئذ فإن كان الواقف ما يزال حياً عادت العين إليه، وإن كان قد مات قبل ذلك ورثها من كان من ورثته حياً حين موته لا حين انقراض الموقوف عليه.
وأما إذا وقف على من لا يتوقع انقراضه فاتفق وقوع حادث عليهم استأصلهم جميعاً، فإن كان قد ظهر منه إرادة الوقف عليهم خاصة على نحو وحدة المطلوب فالحكم فيه كحكم الوقف على من يتوقع انقراضه، وإن كان قد أراد الوقف على نحو تعدد المطلوب، أي أراد التصدق بالعين أساساً وجَعلَها على هذا الموقوف عليه لأنه من مواردها، لا لخصوصية فيه، فإنه حينئذ لا يكون حبساً، بل يبقى الوقف ويستمر صدقة جارية، وتحول منافع العين الموقوفة إلى العنوان الأقرب فالأقرب للعنوان الموقوف عليه؛ وسيأتي مزيد تفصيل لأمثال هذه المسألة عند التعرض لمصير الوقف عند طروء خلل عليه.
مسألة 509: إذا وقف عيناً وشرط فيها ما قد ينافي التأبيد، كأن شرط عودها إليه عند حاجته إليها، لم يمنع ذلك من صحته وقفاً، فإذا احتاج إليها أخذها وبطل الوقف؛ ولو فرض بطلانه وقفاً صح حبساً رغم أنه قد لا يحتاجها مدة عمره، فلا يضر في صحته حبساً ـ حينئذ ـ كون المدة أزيد من عمر الحابس كما سنتعرض له في أحكام الحبس.
الثالث ـ التنجيز:
مسألة 510: يعتبر في صحة الوقف التنجيز، أي جعل العين في معرض الانتفاع الفعلي، فيبطل لو علقه على أمر مستقبل معلوم الحصول، كأن يقول: «داري هذه وقف إذا هل الهلال من الشهر الفلاني»، أو: «..إذا قدم المسافر»؛ وكذا إذا علقه على أمر حالي محتمل الحصول، كأن يقول: «داري وقف إن كان هذا الجنين ذكراً»، نعم إذا كان ذلك الأمر الحالي مما تتوقف عليه صحة الوقف فإن الظاهر الصحة،كأن يقول: «داري وقف إن كانت ملكاً لي»، ونحو ذلك.
مسألة 511: إذا أنشأ صيغة الوقف معلقة على وفاته، كأن يقول: «سيارتي هذه وقف على المجاهدين بعد وفاتي»، فإن قصد بها إنشاء الوقف الآن معلقاً على الموت بطل الوقف، وإن قصد بها الوصية بوقفها بعد موته صحت الوصية في الثلث ووجب تنفيذها بعد وفاته.
الرابع ـ كون الوقف على الغير:
مسألة 512: لا يصح الوقف على النفس مستقلاً ولا منضماً إلى الغير، كأن يقول: «داري هذه وقف عليّ وعلى ذريتي» أو كما لو وقف داره واشترط تأجيرها كي تصرف أجرتها في وفاء ديونه العرفية والشرعية بعد الموت، أو لتصرفَ على أداء العبادات الواجبة عليه، أو في قربات وطاعات مستحبة يُهدى ثوابُها إليه.
مسألة 513: إذا وقف عيناً بالنحو الموجب لتمليك المنفعة للموقوف عليه، كأن وقف داره على زيد وذريته مثلاً، واشترط عليه وفاء ديونه وعباداته وغيرها، أو اشترط عليه القيام بمؤنة ضيوفه أو زوجته وأولاده، من حاصل العين الموقوفة ونمائها، صح الوقف إذا كانت الصيغة واضحة في تمليك الموقوف عليه للنماء ثم صرفه في شروط الواقف، أما إذا كان مفاد الصيغة صرف النماء مباشرة في شروط الواقف قبل ملكية الموقوف عليه لها فالوقف غير صحيح؛ وكذا يصح الوقف بهذا النحو إذا كان قد اشترط على الموقوف عليه الصرف عليه من ماله لا من نماء العين الموقوفة.
وعلى هذا الأساس فإنه لا يصح للواقف استثناء شيء لنفسه من نماء العين الموقوفة على الغير، كأن يجعل تمام البستان للموقوف عليه على أن يشاركه في أخذ ما ييبس من أشجاره مثلاً، كالسعف والغصون والأوراق، ونحو ذلك، لأنه من الوقف على النفس. وكذا لا يصح استثناء جميع منفعته لنفسه مدة معينة من الزمان كسنة، أو غير معينة كتمام عمره. أما أن يستثني شيئاً من العين حين وقفها فهو أمر آخر، إذ لا شك في جوازه كما سيأتي، لأن الجزء المستثنى غير موقوف بالأصل، فيصح أن يقف داره ما عدا غرفة منه، أو بستانه ما عدا شجرة أو أشجار، أو يقف شجرة عدا ما ييبس من غصونها وأوراقها، ونحو ذلك.
مسألة 514: إذا رغب الواقف في الاستفادة من العين الموقوفة بعد وقفها في الحالات التي حكمنا فيها بعدم جواز استفادته منها، أَمكنَهُ ذلك بإحدى طريقتين:
الأولى: أن يُملِّك العين لغيره بالهبة أو البيع المراد له جدياً، مشترطاً عليه أن يقفها ذلك الغير لمصلحة المالك الأول بالنحو الذي يريده.
الثانية: أن يؤجرها له مدة طويلة مشترطاً لنفسه حق الفسخ، ثم يقفها وهي مؤجرة للغير، فإذا فسخ الإجارة بعد مدة يعتد بها كسنة ونحوها، انتقلت المنفعة إلى الواقف بمقدار ما بقي من مدة الإجارة لا إلى الموقوف عليه، وبذلك يستفيد الواقف من العين الموقوفة مدة من الزمان يقضي بها حاجاته.
مسألة 515: يجوز لمن وقف مسجداً أو مدرسة أو بئراً على العابرين أو مكتبة على طلبة العلوم الدينية أو نحو ذلك من العناوين العامة التي يلحظ فيها استيفاء الموقوف عليهم للمنفعة بأنفسهم دون أن يتملكوها، يجوز له أن يستفيد من منافع العين الموقوفة بمثل الصلاة والمطالعة والاستقاء والتعلم، وهكذا أشباهها من العناوين العامة.
بل إن للواقف أن يستفيد من العين الموقوفة تمليكاً للغير في الحالات العادية التي يستفيد فيها غيره منها، كمثل نزوله ضيفاً على الموقوف عليه ونومه في الدار أو على الفراش الموقوف من قبله، وكمثل استعارته للعين الموقوفة لبعض الوقت، ونحو ذلك.
مسألة 516: إذا وقف المالك داره مثلاً على عنوان ليس له مصداق غيره، كأن أوقفه على عالم البلد، وكان هو عالم البلد الوحيد، لم يصحّ الوقف، وإلا صحّ.
الخامس ـ القبض:
مسألة 517: لا شك أن حصول القبض من قبل الموقوف عليه موجب لتحقق الوقف ولزومه، أما قبل القبض فإن الأحوط وجوباً في وقف التمليك عدم رجوع الواقف عنه أثناء حياته، وإذا مات وكان الورثة كباراً فإن الأحوط وجوباً تخليهم عن العين الموقوفة وإبقاؤها وقفاً، وإن كانوا صغاراً فالأقرب عدم نفوذ الوقف، واعتبارُها ميراثاً لهم.
أما الوقف العام فلا يشترط القبض في صحته وتحققه، ولا في لزومه، بل يتحقق وقف مثل المسجد أو المدرسة ويخرج عن ملك الواقف ويصبح لازماً بمجرد إنشائه حتى لو لم يصلِّ في المسجد أحد، أو لم يسكن المدرسة الداخلية ساكن أو يتعلم فيها متعلم.
مسألة 518: يتحقق قبض العين بحيازة الموقوف عليه لها وتسلطه عليها في المنقولات، ويتحقق في غير المنقول برفع الواقف يده عنها واستيلاء الموقوف عليهم عليها. ولا يشترط مباشرة الموقوف عليه للقبض، بل يكفي مع أهليته قبض وكيله، أو قبض وليه إذا كان فاقد الأهلية، وإذا كانت العين الموقوفة موجودة عند الموقوف عليه كفى ذلك في قبضها.
مسألة 519: إذا وقف على من هو ولي عليه، كوقف الأب على أولاده، أو الوصي على من له القيمومة عليه، وكانت العين تحت يد الولي، كفى ذلك في قبضها عمن هو مولَّى عليه، نعم إذا كانت عند غيره بوديعة أو عارية فإنه لا بد من أخذها منه ليتحقق قبضه عنه.
مسألة 520: إذا وقف على جماعة، فإن كانوا ذرية كفى قبض الموجود من الطبقة الأولى عمن سيوجد منها، فضلاً عن كفايته عن الطبقات التي ستوجد في مستقبل الزمان، بل يغني قبض واحد من الموجودين عن غيره من أفراد طبقته الموجودين معه إذا كان قبضه من حيث أنه واحد منهم لا بصفته الشخصية؛ وكذا إن لم يكونوا ذرية، كما لو وقف داره على علماء البلد، وكان منهم في زمانه ثلاثة، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط في مثل هذه الصورة بقبض الجميع مباشرة أو بتوكيل واحد منهم.
مسألة 521: يتحقق القبض في الوقف على الجهات العامة رغم عدم اشتراطه باستخدام الموقوف فيما وقف له، كالمقبرة يُدفن فيها، والمسجد يُصلّى فيه، وذلك من دون حاجة إلى قبض الحاكم الشرعي؛ بل إنه إذا وقف شيئاً عليها، كالأثاث ونحوه، كفى في قبضه وضعه فيها بقصد استعماله؛ ومثله ما إذا أضاف شيئاً على بنائها أو رممه فإنه يكفي في قبضه مجرد قيامه بالعمل دون أن يقبضه منه قابض.
مسألة 522: لا يعتبر إمكان القبض حين الوقف، ولا كون العين الموقوفة تحت سيطرة الواقف، بل يكفي تحقق القبض بعد ذلك وإن كان متعذراً حين الوقف، فيصح وقف الحيوان الشارد والعين المغصوبة ونحوهما مما لا سيطرة للواقف عليه، وكذا يصح الوقف على الغائب والسجين ونحوهما ممن لا يستطيع القبض؛ غاية الأمر أنه يكمل الوقف بقبضهم ولو بعد مدة طويلة إذا ظلت الشروط متوفرة؛ بل إنه لا تجب الفورية في القبض حتى مع القدرة عليه حين الوقف.
مسألة 523: لا ينفك الوقف عن رضا الواقف باستخدامه فيما وقف له، فلا يحتاج قبضه من قبل الموقوف عليه بعد إنشاء الوقف إلى إذن الواقف، بل يجوز للموقوف عليه أن يبادر إلى استعماله في العنوان الموقوف له دون إعلام الواقف ولا استئذانه.