المطلب الثاني ـ في ما يحرم الاتجار به

وهو أمور:
الأول ـ المسكرات:
مسألة 584: يحرم التكسب بكل مسكر مائع في أصل صنعه، بما في ذلك (الفُقَّاع) المستخرج من ماء الشعير المخمر المعروف بـ (البيرة)؛ وكذا يحرم التكسب بكل مسكر جامد مما صار يعرف بـ (المخدرات)، إلا في صورة استخدام المواد المخدرة في الأغراض الطبية، كصناعة الأدوية والتخدير أثناء العمليات الجراحية ونحوهما من المنافع الضرورية، فإنه يجوز التكسب به حينئذ بإشراف وتوجيه الحاكم العادل.
مسألة 585: لا يحرم التكسب بالشراب المتّخذ من ماء الشعير غير المخمّر، وكذا بغيره مما يتخذ من سائر المعتصرات من الفاكهة التي يتخذ منها الخمر إذا لم يكن ذلك العصير مخمّراً، كدبس التمر ودبس العنب وعصيرهما، بما في ذلك بيع العصير العنبي المحكوم احتياطاً بحرمة الأكل أو الشرب قبل ذهاب ثلثيه، فإن مثل هذه المعتصرات ما دامت لا تُعَدّ من المسكرات يجوز التكسب بها دون إشكال.
الثاني ـ الأعيان النجسة:
مسألة 586: يحرم التكسُّب بالأعيان النجسة، كالكلب والخنزير والميتة وغيرها، وذلك على النحو التالي:
أ ـ الكلب: يحرم التكسب بالبيع وغيره بالكلب الذي لا ينتفع به الإنسان، ككلب الهراش، دون ما يكون له منفعة محلّلة مقصودة للناس، ككلاب الصيد والحراسة وكشف الجرائم ونحوها.
ومثل الكلب فـي الحكـم سائــر الأعيـان النجسة الأخرى ـ غيـر الميتـة والخنـزير ـ، كالدم والغائط، فإذا كان لها منفعة محللة مقصودة، كالدم للعلاج، والغائط للتسميد، جاز التكسب بها، وإلا لم يجز.
ب ـ الميتة النجسة: يجوز التكسب بالميتة النجسة إذا كانت لها منفعة محللة مقصودة، كأن تجعل طعاماً للحيوانات الأليفة، أو سماداً للمزروعات، أو غير ذلك من مجالات الانتفاع المحلل، ولا سيّما في زماننا هذا، فإن كان مراد المشتري أن ينتفع بها في مثل الأكل المحرم جاز بيعها له إذا كان ممن يستحل أكلها في شريعته، وإن كان الأحوط استحباباً تركه، وإلا لم يجز بيعها له على الأحوط وجوباً.
ج ـ الخنـزير: يحرم التكسب بالخنزير مع من لا يستحله من المسلمين وغيرهم من أتباع الأديان الأخرى التي تحرم أكله، سواء كان له منفعة محللة مقصودة، كالتسميد بفضلاته أو استخدامه في التجارب الطبية، أو لم يكن له منفعة محلّلة، وأما بيعه لمن يستحله فهو جائز، وإن كان الأحوط استحباباً تركه، سواء في ذلك أيضاً ما لو أريد لمنفعة محللة أو غير محللة. هذا، ولكن رغم جواز بيعه لمن يستحله فإنه لا يجوز للمسلم شراؤه بقصد بيعه لمن يستحله، فيقتصر في ذلك على مورد ملكيته للخنزير بالاصطياد أو بالتربية أو نحو ذلك.
مسألة 587: لا فرق فيما يحرم التكسب به بين أنواع التكسب، فكما يحرم بيع مثل الخمر والخنزير وغيرهما من الأعيان النجسة التي ذكرناها آنفاً، كذلك يحرم جعله ثمناً أو مثمناً في المصالحة، وأجرة في الإجارة ومهراً في الزواج وعوضاً في الخلع وجعالة على عمل، بل تحرم المصالحة عليه وهبته ولو بدون عوض، نعم تجوز إعارة أو إجارة ماله منفعةً محللةً مقصودةً للعقلاء منها، كتأجير بعض الكلاب الهراش لجر العربات على الجليد في بعض البلدان، أو الخنزير للاستفادة من عذرته في التسميد أو في بعض التجارب الطبية ونحو ذلك، أما الخمر، فإنه إضافة إلى عدم جواز التكسب به بأية معاملة لا يجوز نقله ولا العمل في صناعته بأي نحو من الأنحاء. (أنظر في ذلك المسألة: 197 وما بعدها).
مسألة 588: يجوز بيع ما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة النجسة أو الخنزير إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها، كشعرها وصوفها وعظامها ونحوها، بل وكذا جلودها إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها.
مسألة 589: الميتة الطاهرة، كالسمك الطافي والأفاعي الميتة ونحوها، يجوز بيعها والمعاوضة عليها إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها عند العرف، وإن كان الأحوط استحباباً تجنب بيعها.
مسألة 590: يجوز بيع الأعيان المتنجسة القابلة للتطهير، كالفراش، أو غير القابلة للتطهير مما لا يتوقف الانتفاع به على كونه طاهراً، كالصابون المصنوع من مادة متنجسة، والزيت والسمن المتنجسين، ونحوهما؛ بل إنه يجوز بيع ما يتوقف استخدامه على طهارته إذا كانت له منافع أخرى لا تتوقف على الطهارة محللة ومعتد بها عند العرف، فإن لم تكن له منافع بالنحو الذي مر لم يجز بيعه على الأحوط وجوباً.
مسألة 591: إن حرمة بيع ما سبق ذكره من الأعيان لا تلغي كون صاحب العين مسلطاً عليها كتسلطه على غيرها من الأعيان محللة البيع، ولكن قابليتها للانتقال من مالك إلى آخر أقل من قابليه الأعيان المحللة؛ رغم ذلك فإنه يثبت لمن كانت هذه الأعيان تحت يده ـ إما بسبب الحيازة، كما في كلب الهراش، أو بسبب طارى‏ء، كانقـلاب الخـل خمراً، أو نحو ذلك ـ ما يصطلح على تسميته بـ (حق الاختصاص)، بنحو لا يجوز لغيره أخذها منه قهراً وغصباً، وإذا رغب صاحبها بنقل هذه العين إلى غيره جاز له أخذ مال مقابل نفس (رفع يده عن العين)، فيصبح الباذل أولى بالعين وصاحب (حق الاختصاص) الجديد؛ وأما أن يبذل له مالاً مقابل نفس (حق) الاختصاص، كمثل ما يبذل من مال عوضاً لحق المرور أو الحضانة أو غيرهما من الحقوق القابلة للنقل، فإن ذلك موضع إشكال، فالأحوط وجوباً ترك المعاوضة عليه بهذا النحو، نعم يصح نقله إلى الغير مجاناً، كالصلح مجاناً، فضلاً عن الهبة غير المعوضة، فضلاً عن انتقاله إليه قهراً بمثل الميراث.
كذلك فإن حرمة بيع هذه الأعيان لا تلغي جواز انتفاع صاحبها بها في غير الجهة المحرمة، مثل التسميد بالعذرات، واستخدامها وقوداً، والصبغ بالدم، ونحو ذلك من مجالات الاستخدام الكثيرة.
مسألة 592: يجب على البائع إعلام المشتري بنجاسة العين المتنجسة إذا كان سوف يستخدمها فيما يعرضه لمخالفة تكليف إلزامي تحريمي، كاستعمالها في الأكل أو الشرب، أو فيما يعرضه لمخالفة تكليف إلزامي وجوبي، كاستعمال الماء المتنجس في الوضوء أو الغسل من أجل الصلاة الواجبة؛ هذا إذا كان المشتري ممن يحتمل في حقه ترتيب الآثار على إعلامه بالنجاسة لكونه ممن يحتمل منه المبالاة بالدين، وإلا فلا يجب إعلامه.
مسألة 593: يجوز بيع ما عدا الأعيان النجسة من الخبائث المحكومة بالطهارة، كفضلات المواشي، وكذا ما هو حي من سباع الطير أو الحيوانات البرية أو القوارض،كالنسر والذئب والفئران ونحوها، وكذا ما يُعَدّ من الحشرات، كالفراش ودود القز ونحوهما، إذا كان لها منفعة محللة معتد بها عند العقلاء، خاصة في زماننا هذا الذي تكاثرت فيه مجالات الانتفاع المحلل، وخاصة في حقلي الصناعة والبحوث العلمية، فإن لم يكن لها منفعة محللة معتد بها لم يجز بيعها على الأحوط وجوباً.
مسألة 594: المراد بـ (المنفعة المحللة) التي تكرّر ذكرها في المسائل السابقة هي: (الفائدة المحللة التي بلحاظها تكون للشي‏ء قيمة سوقية معتد بها، وإن اختص العلم بوجودها ببعض أصحاب الاختصاص، سواء كانت مرغوبة لعامة الناس أو لقسم خاص منهم، وفي مطلق الحالات أو في الحالات الطارئة، كحالات طلبها لاستخدامها في العقاقير والأدوية، أو نحو ذلك).
الثالث ـ آلات الحرام:
مسألة 595: لا تجوز التجارة بما يكون مختصاً بالحرام، بحيث يكون مصنوعاً على هيئة لا تتناسب إلا مع الاستعمال في الحرام، كهدف تتقوّم به ماليته عند الناس غالباً، وله أنواع، منها: ما يكون من شعائر المذاهب الملحدة والأديان الباطلة، كالأصنام ونحوها مما يختص بها ويظهر عقيدة باطلة فيها.
ومنها: ما يكون من آلات القمار التي لا تستخدم في التسلية المحللة، بل ينحصر العمل فيها بالرهان المحرم.
ومنها: ما يكون من آلات الموسيقى التي لا يعزف عليها إلا الألحان المثيرة للشهوات.
هذا، ولا يخفى أنّ ما هو منحصر في الحرام من الصناعات قليل، إن لم يكن نادراً؛ بما في ذلك أدوات القمار والموسيقى، فضلاً عن غيرهما من الآلات والصناعات، مثل الراديو والتلفزيون والكمبيوتر وغيرها، فإن هذه الصناعات وغيرها لا ينحصر استخدامها في الحرام، بل إن مجالات استخدامها المحلّل أوسع بكثير من مجالات الاستخدام المحرم، فإذا كانت مشتركة بين الحرام والحلال، بحيث كانت تستعمل في كل منهما استعمالاً كثيراً، جاز الاتجار بها بيعاً وشراء دون إشكال.
مسألة 596: يجب تغيير صورة الآلات التي تنحصر فائدتها في الحرام إذا توقف النهي عن المنكر وإزالة مظاهره عليه، وإلا لم يجب تغييرها وإن كان هو الأحوط استحباباً. ثم إنه يجوز بيع مادة هذه الآلات من النحاس والخشب والرصاص ونحوها بعد تغيير صورتها، بل قبل تغييرها إذا وثق بأن المشتري يغيرها، فإن لم يثق بذلك، فباعها قبل تغييرها، صح البيع وأثم بترك التغيير.
الرابع ـ في أمور متعددة:
مسألة 597: يحرم الاتجار بأمور:
1 ـ بيع مادة الحرام: يحرم بيع العنب ليعمل خمراً، أو بيع الخشب ـ مثلاً ـ ليعمل صنماً، أو آلة لهو منحصرة في الحرام، وذلك بنحو يكون العقد مبنياً على هذه الغاية المحرمة ومتقوِّماً بها؛ دون فرق في الحرمة وبطلان العقد بين ما لو كان اتفاقهما على ذلك ضمن العقد أو في خارجه، أما إذا كان ذلك بنحو الشرط لا القيد فإنه يصح البيع ويبطل الشرط ويكون الشارط لذلك آثماً. وأما إذا لم يتفقا على ذلك، بل كان البائع يعلم أن المشتري سوف يصنع ذلك العنب خمراً، أو ذلك الخشب صنماً أو نحوه من شعائر الكفر، فإنه يجوز في مثل العنب وغيره من المواد التي يمكن أن يصنع منها آلات الحرام، كآلات اللهو والقمار، دون ما لو كان يعلم أنه سوف يصنع منها أشياء هي من شعائر الكفر.
2 ـ بيع المصحف الشريف: يجوز بيع المصحف الشريف للمسلم، وإن كان الأحوط استحباباً جعل المعاوضة على مثل الجلد لا على نفس المصحف، أو بذله بعنوان الهبة المعوضة لا بعنوان البيع. أما الكافر، فإنه يجوز تمكينه من المصحف الشريف بالبيع أو الهبة أو العارية إذا احتمل اهتداؤه به أو اطلاعه على الحقائق القرآنية كوسيلة ثقافية من وسائل تصحيح معلوماته السلبية عن الإسلام، مما قد يؤدي إلى هدايته أو دفع الحرب الثقافية عن الإسلام.
وأما غير المصحف الشريف من الكتب المشتملة على الآيات والأدعية وأسماء الله تعالى وأحاديث المعصومين i، فإنه يجوز بيعها دون إشكال، وكذا تمكين الكافر منها بالبيع وغيره.
3 ـ بيع كتب الضلال: يحرم بيع وشراء كتب الضلال ونحوها، كالأشرطة المسجلة، ونحوها مما يدون فيه أفكار ومقالات الضلال، إذا احتمل ترتب الضلال عليها لنفسه أو لغيره، فلو أمن من ذلك جاز الاتجار بها، كما يجوز إذا كانت هناك مصلحة أهم، كفضح هذه الأفكار والبدع والتحذير منها. والمقصود بكتب الضلال: (ما يشتمل على العقائد والآراء الباطلة مما يخالف دين الحق أو مذهبه).
مسألة 598: لا يحرم بيع أواني الذهب والفضة، وخاصة إذا كانت للتزيين بها، أما الأكل فيها أو الشرب منها فسيأتي حكمه في باب الأطعمة والأشربة.
وكذا لا يحرم بيع أوراق اليانصيب (أنظر المسألة 214).
وهو أمور:
الأول ـ المسكرات:
مسألة 584: يحرم التكسب بكل مسكر مائع في أصل صنعه، بما في ذلك (الفُقَّاع) المستخرج من ماء الشعير المخمر المعروف بـ (البيرة)؛ وكذا يحرم التكسب بكل مسكر جامد مما صار يعرف بـ (المخدرات)، إلا في صورة استخدام المواد المخدرة في الأغراض الطبية، كصناعة الأدوية والتخدير أثناء العمليات الجراحية ونحوهما من المنافع الضرورية، فإنه يجوز التكسب به حينئذ بإشراف وتوجيه الحاكم العادل.
مسألة 585: لا يحرم التكسب بالشراب المتّخذ من ماء الشعير غير المخمّر، وكذا بغيره مما يتخذ من سائر المعتصرات من الفاكهة التي يتخذ منها الخمر إذا لم يكن ذلك العصير مخمّراً، كدبس التمر ودبس العنب وعصيرهما، بما في ذلك بيع العصير العنبي المحكوم احتياطاً بحرمة الأكل أو الشرب قبل ذهاب ثلثيه، فإن مثل هذه المعتصرات ما دامت لا تُعَدّ من المسكرات يجوز التكسب بها دون إشكال.
الثاني ـ الأعيان النجسة:
مسألة 586: يحرم التكسُّب بالأعيان النجسة، كالكلب والخنزير والميتة وغيرها، وذلك على النحو التالي:
أ ـ الكلب: يحرم التكسب بالبيع وغيره بالكلب الذي لا ينتفع به الإنسان، ككلب الهراش، دون ما يكون له منفعة محلّلة مقصودة للناس، ككلاب الصيد والحراسة وكشف الجرائم ونحوها.
ومثل الكلب فـي الحكـم سائــر الأعيـان النجسة الأخرى ـ غيـر الميتـة والخنـزير ـ، كالدم والغائط، فإذا كان لها منفعة محللة مقصودة، كالدم للعلاج، والغائط للتسميد، جاز التكسب بها، وإلا لم يجز.
ب ـ الميتة النجسة: يجوز التكسب بالميتة النجسة إذا كانت لها منفعة محللة مقصودة، كأن تجعل طعاماً للحيوانات الأليفة، أو سماداً للمزروعات، أو غير ذلك من مجالات الانتفاع المحلل، ولا سيّما في زماننا هذا، فإن كان مراد المشتري أن ينتفع بها في مثل الأكل المحرم جاز بيعها له إذا كان ممن يستحل أكلها في شريعته، وإن كان الأحوط استحباباً تركه، وإلا لم يجز بيعها له على الأحوط وجوباً.
ج ـ الخنـزير: يحرم التكسب بالخنزير مع من لا يستحله من المسلمين وغيرهم من أتباع الأديان الأخرى التي تحرم أكله، سواء كان له منفعة محللة مقصودة، كالتسميد بفضلاته أو استخدامه في التجارب الطبية، أو لم يكن له منفعة محلّلة، وأما بيعه لمن يستحله فهو جائز، وإن كان الأحوط استحباباً تركه، سواء في ذلك أيضاً ما لو أريد لمنفعة محللة أو غير محللة. هذا، ولكن رغم جواز بيعه لمن يستحله فإنه لا يجوز للمسلم شراؤه بقصد بيعه لمن يستحله، فيقتصر في ذلك على مورد ملكيته للخنزير بالاصطياد أو بالتربية أو نحو ذلك.
مسألة 587: لا فرق فيما يحرم التكسب به بين أنواع التكسب، فكما يحرم بيع مثل الخمر والخنزير وغيرهما من الأعيان النجسة التي ذكرناها آنفاً، كذلك يحرم جعله ثمناً أو مثمناً في المصالحة، وأجرة في الإجارة ومهراً في الزواج وعوضاً في الخلع وجعالة على عمل، بل تحرم المصالحة عليه وهبته ولو بدون عوض، نعم تجوز إعارة أو إجارة ماله منفعةً محللةً مقصودةً للعقلاء منها، كتأجير بعض الكلاب الهراش لجر العربات على الجليد في بعض البلدان، أو الخنزير للاستفادة من عذرته في التسميد أو في بعض التجارب الطبية ونحو ذلك، أما الخمر، فإنه إضافة إلى عدم جواز التكسب به بأية معاملة لا يجوز نقله ولا العمل في صناعته بأي نحو من الأنحاء. (أنظر في ذلك المسألة: 197 وما بعدها).
مسألة 588: يجوز بيع ما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة النجسة أو الخنزير إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها، كشعرها وصوفها وعظامها ونحوها، بل وكذا جلودها إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها.
مسألة 589: الميتة الطاهرة، كالسمك الطافي والأفاعي الميتة ونحوها، يجوز بيعها والمعاوضة عليها إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها عند العرف، وإن كان الأحوط استحباباً تجنب بيعها.
مسألة 590: يجوز بيع الأعيان المتنجسة القابلة للتطهير، كالفراش، أو غير القابلة للتطهير مما لا يتوقف الانتفاع به على كونه طاهراً، كالصابون المصنوع من مادة متنجسة، والزيت والسمن المتنجسين، ونحوهما؛ بل إنه يجوز بيع ما يتوقف استخدامه على طهارته إذا كانت له منافع أخرى لا تتوقف على الطهارة محللة ومعتد بها عند العرف، فإن لم تكن له منافع بالنحو الذي مر لم يجز بيعه على الأحوط وجوباً.
مسألة 591: إن حرمة بيع ما سبق ذكره من الأعيان لا تلغي كون صاحب العين مسلطاً عليها كتسلطه على غيرها من الأعيان محللة البيع، ولكن قابليتها للانتقال من مالك إلى آخر أقل من قابليه الأعيان المحللة؛ رغم ذلك فإنه يثبت لمن كانت هذه الأعيان تحت يده ـ إما بسبب الحيازة، كما في كلب الهراش، أو بسبب طارى‏ء، كانقـلاب الخـل خمراً، أو نحو ذلك ـ ما يصطلح على تسميته بـ (حق الاختصاص)، بنحو لا يجوز لغيره أخذها منه قهراً وغصباً، وإذا رغب صاحبها بنقل هذه العين إلى غيره جاز له أخذ مال مقابل نفس (رفع يده عن العين)، فيصبح الباذل أولى بالعين وصاحب (حق الاختصاص) الجديد؛ وأما أن يبذل له مالاً مقابل نفس (حق) الاختصاص، كمثل ما يبذل من مال عوضاً لحق المرور أو الحضانة أو غيرهما من الحقوق القابلة للنقل، فإن ذلك موضع إشكال، فالأحوط وجوباً ترك المعاوضة عليه بهذا النحو، نعم يصح نقله إلى الغير مجاناً، كالصلح مجاناً، فضلاً عن الهبة غير المعوضة، فضلاً عن انتقاله إليه قهراً بمثل الميراث.
كذلك فإن حرمة بيع هذه الأعيان لا تلغي جواز انتفاع صاحبها بها في غير الجهة المحرمة، مثل التسميد بالعذرات، واستخدامها وقوداً، والصبغ بالدم، ونحو ذلك من مجالات الاستخدام الكثيرة.
مسألة 592: يجب على البائع إعلام المشتري بنجاسة العين المتنجسة إذا كان سوف يستخدمها فيما يعرضه لمخالفة تكليف إلزامي تحريمي، كاستعمالها في الأكل أو الشرب، أو فيما يعرضه لمخالفة تكليف إلزامي وجوبي، كاستعمال الماء المتنجس في الوضوء أو الغسل من أجل الصلاة الواجبة؛ هذا إذا كان المشتري ممن يحتمل في حقه ترتيب الآثار على إعلامه بالنجاسة لكونه ممن يحتمل منه المبالاة بالدين، وإلا فلا يجب إعلامه.
مسألة 593: يجوز بيع ما عدا الأعيان النجسة من الخبائث المحكومة بالطهارة، كفضلات المواشي، وكذا ما هو حي من سباع الطير أو الحيوانات البرية أو القوارض،كالنسر والذئب والفئران ونحوها، وكذا ما يُعَدّ من الحشرات، كالفراش ودود القز ونحوهما، إذا كان لها منفعة محللة معتد بها عند العقلاء، خاصة في زماننا هذا الذي تكاثرت فيه مجالات الانتفاع المحلل، وخاصة في حقلي الصناعة والبحوث العلمية، فإن لم يكن لها منفعة محللة معتد بها لم يجز بيعها على الأحوط وجوباً.
مسألة 594: المراد بـ (المنفعة المحللة) التي تكرّر ذكرها في المسائل السابقة هي: (الفائدة المحللة التي بلحاظها تكون للشي‏ء قيمة سوقية معتد بها، وإن اختص العلم بوجودها ببعض أصحاب الاختصاص، سواء كانت مرغوبة لعامة الناس أو لقسم خاص منهم، وفي مطلق الحالات أو في الحالات الطارئة، كحالات طلبها لاستخدامها في العقاقير والأدوية، أو نحو ذلك).
الثالث ـ آلات الحرام:
مسألة 595: لا تجوز التجارة بما يكون مختصاً بالحرام، بحيث يكون مصنوعاً على هيئة لا تتناسب إلا مع الاستعمال في الحرام، كهدف تتقوّم به ماليته عند الناس غالباً، وله أنواع، منها: ما يكون من شعائر المذاهب الملحدة والأديان الباطلة، كالأصنام ونحوها مما يختص بها ويظهر عقيدة باطلة فيها.
ومنها: ما يكون من آلات القمار التي لا تستخدم في التسلية المحللة، بل ينحصر العمل فيها بالرهان المحرم.
ومنها: ما يكون من آلات الموسيقى التي لا يعزف عليها إلا الألحان المثيرة للشهوات.
هذا، ولا يخفى أنّ ما هو منحصر في الحرام من الصناعات قليل، إن لم يكن نادراً؛ بما في ذلك أدوات القمار والموسيقى، فضلاً عن غيرهما من الآلات والصناعات، مثل الراديو والتلفزيون والكمبيوتر وغيرها، فإن هذه الصناعات وغيرها لا ينحصر استخدامها في الحرام، بل إن مجالات استخدامها المحلّل أوسع بكثير من مجالات الاستخدام المحرم، فإذا كانت مشتركة بين الحرام والحلال، بحيث كانت تستعمل في كل منهما استعمالاً كثيراً، جاز الاتجار بها بيعاً وشراء دون إشكال.
مسألة 596: يجب تغيير صورة الآلات التي تنحصر فائدتها في الحرام إذا توقف النهي عن المنكر وإزالة مظاهره عليه، وإلا لم يجب تغييرها وإن كان هو الأحوط استحباباً. ثم إنه يجوز بيع مادة هذه الآلات من النحاس والخشب والرصاص ونحوها بعد تغيير صورتها، بل قبل تغييرها إذا وثق بأن المشتري يغيرها، فإن لم يثق بذلك، فباعها قبل تغييرها، صح البيع وأثم بترك التغيير.
الرابع ـ في أمور متعددة:
مسألة 597: يحرم الاتجار بأمور:
1 ـ بيع مادة الحرام: يحرم بيع العنب ليعمل خمراً، أو بيع الخشب ـ مثلاً ـ ليعمل صنماً، أو آلة لهو منحصرة في الحرام، وذلك بنحو يكون العقد مبنياً على هذه الغاية المحرمة ومتقوِّماً بها؛ دون فرق في الحرمة وبطلان العقد بين ما لو كان اتفاقهما على ذلك ضمن العقد أو في خارجه، أما إذا كان ذلك بنحو الشرط لا القيد فإنه يصح البيع ويبطل الشرط ويكون الشارط لذلك آثماً. وأما إذا لم يتفقا على ذلك، بل كان البائع يعلم أن المشتري سوف يصنع ذلك العنب خمراً، أو ذلك الخشب صنماً أو نحوه من شعائر الكفر، فإنه يجوز في مثل العنب وغيره من المواد التي يمكن أن يصنع منها آلات الحرام، كآلات اللهو والقمار، دون ما لو كان يعلم أنه سوف يصنع منها أشياء هي من شعائر الكفر.
2 ـ بيع المصحف الشريف: يجوز بيع المصحف الشريف للمسلم، وإن كان الأحوط استحباباً جعل المعاوضة على مثل الجلد لا على نفس المصحف، أو بذله بعنوان الهبة المعوضة لا بعنوان البيع. أما الكافر، فإنه يجوز تمكينه من المصحف الشريف بالبيع أو الهبة أو العارية إذا احتمل اهتداؤه به أو اطلاعه على الحقائق القرآنية كوسيلة ثقافية من وسائل تصحيح معلوماته السلبية عن الإسلام، مما قد يؤدي إلى هدايته أو دفع الحرب الثقافية عن الإسلام.
وأما غير المصحف الشريف من الكتب المشتملة على الآيات والأدعية وأسماء الله تعالى وأحاديث المعصومين i، فإنه يجوز بيعها دون إشكال، وكذا تمكين الكافر منها بالبيع وغيره.
3 ـ بيع كتب الضلال: يحرم بيع وشراء كتب الضلال ونحوها، كالأشرطة المسجلة، ونحوها مما يدون فيه أفكار ومقالات الضلال، إذا احتمل ترتب الضلال عليها لنفسه أو لغيره، فلو أمن من ذلك جاز الاتجار بها، كما يجوز إذا كانت هناك مصلحة أهم، كفضح هذه الأفكار والبدع والتحذير منها. والمقصود بكتب الضلال: (ما يشتمل على العقائد والآراء الباطلة مما يخالف دين الحق أو مذهبه).
مسألة 598: لا يحرم بيع أواني الذهب والفضة، وخاصة إذا كانت للتزيين بها، أما الأكل فيها أو الشرب منها فسيأتي حكمه في باب الأطعمة والأشربة.
وكذا لا يحرم بيع أوراق اليانصيب (أنظر المسألة 214).
ص
429
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية