(الخيار) مصطلح يسمى به السبب الذي يتيح لصاحبه من الطرفين فسخ عقد الإجارة عند حدوثه، فمثل وجود (العيب) في الأجرة أو في العين المستأجرة يعطي حقاً للأجير أو المستأجر بفسخ عقد الإجارة في حالات معينة، فيسمى هذا الحق الثابت به بـ (خيار العيب)، أي: خيار الفسخ بسبب العيب، وهكذا خيار الغبن، وخيار الشرط، وغيرهما من الخيارات.
ورغم أن عادة الفقهاء قد جرت على ذكر هذه الخيارات في مباحث البيع بنحو تفصيلي، وهو ما سوف نلتزم به، فإننا لن نستغني عن ذكرها هنا بمقدار ما تدعو الحاجة إليها، وذلك على النحو التالي:
1 ـ خيار العيب:
مسألة 244: إذا وجد المستأجر عيباً في الأجير، وكان سابقاً على العقد، فإن كان يعلمه واستأجره رغم ذلك لم يكن له عليه شيء، أما إذا غفل عن ذلك أو كان يجهله تماماً، فإن كان عيباً طفيفاً لا ينتقص من منفعته ولا تختلف قيمة عمله بسببه وجوداً وعدماً لم يكن له عليه شيء أيضاً، وذلك كأن يكون قد استأجره للكتابة أو الفلاحة وكان أجرد ليس له لحية، أو كانت البنصر من أصابعه مقطوعة مثلاً؛ أما إذا كان العيب مستلزماً لنقص في عمله وتفويت شيء من منفعته، وذلك كما لو استأجره للقراءة فبان ضعيف النظر، أو لحمل أغراضه فبان مريضاً أو أعرج، أو كان العيب غير مفوت للمنفعة ولكنه كان ممّا يرغب بسببه عن الأجير في أمثال العمل المستأجر عليه، كأن استأجره ليخدم ضيوفه فبان مشوّه المنظر مثلاً، فإنه يثبت للمستأجر في الحالتين خيار الفسخ أو القبول بالأمر الواقع على ما هو عليه إذا لم يترتب على العيب فوات شيء من المنفعة المرتجاة، وإلا جاز له أن ينقص قيمة ما يفوت من المنفعة بنسبته من الأجرة المسماة.
هذا إذا كان العيب سابقاً على العقد؛ أما إذا تجدد العيب بعد العقد، قبل شروعه في العمل أو بعد شروعه فيه واستيفاء شيء من جهد العامل وانقضاء بعض من مدته، فإنه يثبت للمستأجر ـ أيضاً ـ خيار الفسخ أو الرضا بالموجود مع التعويض عن المنفعة الفائتة، وذلك مع لحاظ المدة التي عمل فيها بالنحو المناسب إذا كان الانكشاف أثناء المدة.
مسألة 245: إذا وجد الأجير عيباً في العين المجعولة بنفسها أجرة له أو المجعولة منفعتها أجرة له، والتي كان قد دفعها المستأجر سلفاً قبل شروع الأجير في العمل، فللمسألة صورتان:
الأولى: أن تكون العين المدفوعة شخصية ومحدّدة حين التعاقد، فإذا وجدها الأجير مشتملة على عيب ثبت له نفس الحكم المذكور في المسألة السابقة، من الفسخ أو القبول بالموجود مع أخذ أرش النقصان المتحقق في المنفعة بنفس التفاصيل.
الثانية: أن تكون العين المدفوعة غير مشخّصة في فرد معين، وهي ما يصطلح عليها بـ (العين الكلية)، كمثل أن يقول له: إبن هذا الجدار ولك أجرةٌ نسخةٌ من الكتاب الفلاني، فإنه إذا وجد الأجير عيباً في النسخة التي قبضها لم يكن له فسخ الإجارة، بل يحق له المطالبة بنسخة بدلها غير معيبة، فإن تعذر البدل ثبت له ـ حينئذ ـ خيار الفسخ أو الرضا بالمعيبة مع حق المطالبة بالأرش بالنحو الذي ذكرناه في المسألة السابقة؛ ونفس التفصيل يجري فيما لو جعل الأجرة داراً من دوره الكثيرة ليستوفي الأجرة من منفعة السكن فيها ووجد في الفرد المدفوع إليه عيباً.
هذا إذا دفع له الأجرة سلفاً، أما إذا دفع له العين المعيبة بعدما أدى عمله فإن له الحق ـ فقط ـ بالمطالبة بما يكون قد فاته من قيمة ما سببه العيب من نقصان بعدما سقط حق الفسخ تلقائياً بانتهاء العمل.
2 ـ خيار الغبن:
مسألة 246: يثبت خيار الغبن للمستأجر إذا أعطى الأجير أكثر من الأجرة المتعارفة، ويثبت للأجير إذا أخذ أجرةً أقلّ من المتعارف؛ ولا يتحدّد التفاوت قلةً أو كثرةً بمقدار معين، كالثلث أو الربع أو الخمس، بل المقياس في ذلك هو عدم تسامح العرف الغالب بمثل ذلك التفاوت واعتبارهم مَن وقع عليه ذلك الخسران مغبوناً، وهو أمر يختلف مقداره باختلاف السلعة؛ كما أنه لا بد في ثبوته من كون المغبون جاهلاً بالحال، ومهتماً ومبالياً بالتعامل على أساس الأجرة المتعارفة، أما إذا كان المغبون مريداً للعمل كيف كان وبأية أجرة، دون أن يبالي بموافقة الأجرة المتعارفة، أو كان عالماً بأن الأجرة أكثر أو أقل من المتعارف، لم يثبت له الخيار.
مسألة 247: إذا علم المغبون بالغبن ثبت له من الحقوق ما هو المتعارف في مثله من المعاملات، فإذا كان العرف يقضي بلزوم مطالبة الغابن بمقدار التفاوت أولاً، ثم إن لم يدفع التفاوت كان له فسخ الإجارة، ثبت للمغبون ذلك، ولم يكن له الفسخ إلا بعد رفض الغابن دفع التفاوت؛ وإن لم يوجد مثل هذا العرف في مورد الغبن فليس للمغبون ـ ابتداءً ـ إلا حق الفسخ أو القبول بالأمر الواقع مجرداً عن المطالبة بالتفاوت، فلا يجب على الغابن دفع مقدار التفاوت إذا طلبه الآخر، وكذا لا يجب على المغبون القبول بمقدار التفاوت إذا كان راغباً بالفسخ، إلا أن يتراضيا عليه، أو أن يتصالحا على إسقاط الخيار مقابل مال يدفعه الغابن.
مسألة 248: الظاهر اعتبار الفورية العرفية في خيار الغبن، بمعنى عدم التأخر في الفسخ أكثر مما هو متعارف فيه مما يختلف زمانه باختلاف الموارد والظروف، وذلك بعد العلم بثبوت الغبن وثبوت الخيار له، نعم لا يضر التأخير الحاصل لعذر مقبول، كانتظار حضور الغابن أو الوصول إليه أو حضور من يستشيره في الفسخ وعدمه، ونحو ذلك من الأعذار التي لا يعدّ التأخير الحاصل بسببها توانياً وإهمالاً.
3 ـ خيار اشتراط الفسخ:
مسألة 249: خيار الشرط هو: (أن يشترط كل من المتعاقدين، أو أحدهما، على الآخر لنفسه أو لأجنبي، أن يكون له حق فسخ الإجارة خلال مدة معينة، متصلة بالعقد أو منفصلة عنه)، ويكفي تحديدها ولو بالإجمال، كقوله: «ما دام العمر»، مقابل الإبهام وعدم التحديد المطلق؛ فإذا تم التوافق على ذلك بين المتعاقدين ثبت الخيار لمن شرطه، وجاز له العمل بمقتضاه متى شاء، ووجب على المشروط عليه الوفاء له به.
مسألة 250: يمكن الاستفادة من هذا الخيار بالنحو التالي: وهو أن يؤجر زيدٌ نفسه لصيانـة الكهربـاء ـ مثلاً ـ في مصنع سعيد لمدة خمس سنين، على أن يعطيه كل شهر أجرة خمسمائة دولار، يدفعها له صاحب العمل دفعة واحدة عن السنوات الخمس حين ابتدائه بالعمل، بشرط أن يرجع الأجير هذه الأجرة ويعوضها على صاحب العمل خلال سنتين من تاريخه، ويكون له حق فسخ الإجارة على رأس السنتين وترك العمل عنده.
وتكون الغاية من هذا الاتفاق أن يستفيد صاحب العمل من خبرة الأجير في هندسة الكهرباء مدة سنتين مجاناً، وأن يستفيد الأجير في ابتداء عمله من مبلغ كبير في يده ليوظفه في التجارة والاستثمار أو لشراء شيء مضطر إليه دفعة واحدة، فيما يسدده لصاحب العمل أقساطاً، أو غير ذلك من الفوائد المتصورة.
هذا، وإنه يمكن الاستفادة من هذه الطريقة في صورة ما لو كان موضوع الإجارة عيناً، كالدار والسيارة، بنفس التفاصيل التي ذكرناها لصورة ما لو كان موضوع الإجارة هو النفس.
وأصل هذا الخيار موجود في البيع بعنوان «بيع الخيار»، مع اختلاف في التفاصيل ناتج عن اختلاف طبيعة معاملة البيع عن معاملة الإجارة. (أنظر المسألة 690 وما بعدها).
4 ـ خيار تخلّف الشرط:
مسألة 251: لا يخفى أنه يجوز أن يشترط كلا المتعاقدين ـ أو أحدهما ـ على الآخر ما يشاء من الشروط السائغة في الشرع، وذلك كما لو آجره نفسه لخدمته وشرط عليه أن يعلِّمه الكتابة مثلاً، أو غير ذلك من الشروط؛ وكلما شرط أحد المتعاقدين على الآخر شرطاً وتخلف المشروط عليه عن الوفاء للمشروط له جاز للمشروط له أن يبادر إلى فسخ العقد وإلغاء المعاملة، أو يرضى بالأمر الواقع من دون المطالبة بما فاته بسبب عدم الوفاء له بالشرط، نعم يجوز له قبل ذلك ـ إذا شـاء ـ أن يرفع الأمر للحاكم الشرعي لإجباره على الوفاء، فإن لم يستجب فسخ العقد أو رضي به بدون الشرط.
مسألة 252: لا فرق في الشرط الذي يثبت بتخلفه الخيار بين أن يكون مصرّحاً به ومذكوراً، وبين أن يكون من الشروط الضمنية التي ترتكز عليها معاملات العرف وتكون ملحوظة فيها ضمناً، فلا تذكر ولا يؤكد عليها لشيوعها وحضورها في أذهان المتعاقدين من العارفين بها.
5 ـ خيار تبعض الصفقة:
مسألة 253: يقضي عقد الإجارة أن يُسلِّم مالك العين تمام العين المستأجرة للمستأجر، أو أن يسلم الأجير تمام العمل المستأجر عليه للمستأجر، فإذا لم يسلمه من الدار المستأجرة إلا نصفها مثلاً، أو لم ينجز له الفلاح إلا نصف فلاحة الأرض، في وقت كان ينتظر المستأجر تسلم العين كاملة أو تسلم العمل وإنجازه كاملاً، فإن للمستأجر أن يفسخ الإجارة أو يرضى بالأمر الواقع ويدفع نصف الأجرة المسماة إن لم يكن قد دفعها، أو يعوض عليه المؤجر نصف الأجرة المسماة إن كان قد دفعها إليه، ولكن لو فرض نَقصُ أجرة الجزء الذي تسلّمه لم يكن له مطالبة المؤجر بالأرش والتفاوت الناتج عن ذلك، بل إن غاية ما يستحقه عليه هو الفسخ أو القبول بالموجود كما هو.
6 ـ خيار تعذر التسليم:
مسألة 254: يراد بتعذر التسليم عدم تسليم المالك لشيء من العين المستأجرة، أو عدم تسليم العامل لشيء من العمل المستأجر عليه، أو عدم تسليم المستأجر شيئاً من الأجرة للمؤجر، وذلك إما عمداً أو لطارىء قاهر منع من تسليم أي جزء من المطلوب للطرف الآخر، فإذا تعذر التسليم على هذا النحو ثبت للمتضرر خيار الفسخ.
هذا وسوف نتعرض لتفاصيل أحكام التسليم في مبحث مستقل.
7 ـ خيار الشركة:
مسألة 255: يثبت هذا الخيار إذا انكشف بعد التعاقد كون العين المستأجرة أو المدفوعة أجرة مشتركة بين المنتفع الجديد وغيره، وإنما يثبت بها الخيار لأن الاشتراك يمنعه من الاستقلال بالتصرف بها إلا بعد استئذان الشريك، وفي ذلك مخالفة لشرط ضمني ارتكازي في مثل هذه المعاملات، فيثبت به للمتضرر خيار الفسخ أو الرضا بالأمر الواقع مع المطالبة بالتفاوت الحاصل بين قيمة الشيء مشتركاً وقيمته مملوكاً لواحد.
8 ـ خيار التدليس:
مسألة 256: التدليس هو: (أن يفعل المالك في العين المستأجرة أو المدفوعة أجرة ما يستلزم الحدوث المؤقت لصفة كمال غير موجودة فيها أساساً، بهدف غش الطرف الآخر والتدليس عليه وخداعه)؛ فإذا حدث ذلك ثبت للمدلَّس عليه خيار الفسخ أو الرضا بالموجود مع المطالبة بالأرش، أي بمقدار التفاوت بين ما توفرت فيه الصفة المرغوبة وبين الفاقد لها؛ ومن الواضح ارتباط هذا الخيار بخيار تخلف الشرط بعدما كان التدليس لإقناع المدلَّس عليه بوجود الصفة التي يطلبها. وكما يقع التدليس من صاحب العمل فإنه قد يقع من العامل إذا سلمه العمل على خلاف الأوصاف المطلوبة، بعدما يكون قد أخفاها عنه، وذلك مثل حداد السيارات الذي يخفي عيوب حدادته تحت طبقة الدهان السميكة التي يضعها عليها، أو نحو ذلك.
9 ـ خيار التفليس:
مسألة 257: يتحقق الإفلاس في مقامنا هذا عند عجز المستأجر للعين عن دفع أجرتها، فيتخير المؤجر بين الفسخ واسترداد العين أو الاستمرار في الإجارة والدخول مع سائر الديان في المطالبة بدينه؛ وكذلك يتحقق الإفلاس من المستأجر عند عجزه عن دفع أجرة العامل فيما إذا كان المطلوب دفع الأجرة سلفاً أو قبل انتهاء العمل، فيثبت للعامل حق فسخ الإجارة لما بقي من المدة، ويدخل مع الديان فيما استحقه من الأجرة، أما إذا كان قد أنجز تمام العمل فليس أمامه إلا الدخول مع الديان وانتظار الفرج.
(الخيار) مصطلح يسمى به السبب الذي يتيح لصاحبه من الطرفين فسخ عقد الإجارة عند حدوثه، فمثل وجود (العيب) في الأجرة أو في العين المستأجرة يعطي حقاً للأجير أو المستأجر بفسخ عقد الإجارة في حالات معينة، فيسمى هذا الحق الثابت به بـ (خيار العيب)، أي: خيار الفسخ بسبب العيب، وهكذا خيار الغبن، وخيار الشرط، وغيرهما من الخيارات.
ورغم أن عادة الفقهاء قد جرت على ذكر هذه الخيارات في مباحث البيع بنحو تفصيلي، وهو ما سوف نلتزم به، فإننا لن نستغني عن ذكرها هنا بمقدار ما تدعو الحاجة إليها، وذلك على النحو التالي:
1 ـ خيار العيب:
مسألة 244: إذا وجد المستأجر عيباً في الأجير، وكان سابقاً على العقد، فإن كان يعلمه واستأجره رغم ذلك لم يكن له عليه شيء، أما إذا غفل عن ذلك أو كان يجهله تماماً، فإن كان عيباً طفيفاً لا ينتقص من منفعته ولا تختلف قيمة عمله بسببه وجوداً وعدماً لم يكن له عليه شيء أيضاً، وذلك كأن يكون قد استأجره للكتابة أو الفلاحة وكان أجرد ليس له لحية، أو كانت البنصر من أصابعه مقطوعة مثلاً؛ أما إذا كان العيب مستلزماً لنقص في عمله وتفويت شيء من منفعته، وذلك كما لو استأجره للقراءة فبان ضعيف النظر، أو لحمل أغراضه فبان مريضاً أو أعرج، أو كان العيب غير مفوت للمنفعة ولكنه كان ممّا يرغب بسببه عن الأجير في أمثال العمل المستأجر عليه، كأن استأجره ليخدم ضيوفه فبان مشوّه المنظر مثلاً، فإنه يثبت للمستأجر في الحالتين خيار الفسخ أو القبول بالأمر الواقع على ما هو عليه إذا لم يترتب على العيب فوات شيء من المنفعة المرتجاة، وإلا جاز له أن ينقص قيمة ما يفوت من المنفعة بنسبته من الأجرة المسماة.
هذا إذا كان العيب سابقاً على العقد؛ أما إذا تجدد العيب بعد العقد، قبل شروعه في العمل أو بعد شروعه فيه واستيفاء شيء من جهد العامل وانقضاء بعض من مدته، فإنه يثبت للمستأجر ـ أيضاً ـ خيار الفسخ أو الرضا بالموجود مع التعويض عن المنفعة الفائتة، وذلك مع لحاظ المدة التي عمل فيها بالنحو المناسب إذا كان الانكشاف أثناء المدة.
مسألة 245: إذا وجد الأجير عيباً في العين المجعولة بنفسها أجرة له أو المجعولة منفعتها أجرة له، والتي كان قد دفعها المستأجر سلفاً قبل شروع الأجير في العمل، فللمسألة صورتان:
الأولى: أن تكون العين المدفوعة شخصية ومحدّدة حين التعاقد، فإذا وجدها الأجير مشتملة على عيب ثبت له نفس الحكم المذكور في المسألة السابقة، من الفسخ أو القبول بالموجود مع أخذ أرش النقصان المتحقق في المنفعة بنفس التفاصيل.
الثانية: أن تكون العين المدفوعة غير مشخّصة في فرد معين، وهي ما يصطلح عليها بـ (العين الكلية)، كمثل أن يقول له: إبن هذا الجدار ولك أجرةٌ نسخةٌ من الكتاب الفلاني، فإنه إذا وجد الأجير عيباً في النسخة التي قبضها لم يكن له فسخ الإجارة، بل يحق له المطالبة بنسخة بدلها غير معيبة، فإن تعذر البدل ثبت له ـ حينئذ ـ خيار الفسخ أو الرضا بالمعيبة مع حق المطالبة بالأرش بالنحو الذي ذكرناه في المسألة السابقة؛ ونفس التفصيل يجري فيما لو جعل الأجرة داراً من دوره الكثيرة ليستوفي الأجرة من منفعة السكن فيها ووجد في الفرد المدفوع إليه عيباً.
هذا إذا دفع له الأجرة سلفاً، أما إذا دفع له العين المعيبة بعدما أدى عمله فإن له الحق ـ فقط ـ بالمطالبة بما يكون قد فاته من قيمة ما سببه العيب من نقصان بعدما سقط حق الفسخ تلقائياً بانتهاء العمل.
2 ـ خيار الغبن:
مسألة 246: يثبت خيار الغبن للمستأجر إذا أعطى الأجير أكثر من الأجرة المتعارفة، ويثبت للأجير إذا أخذ أجرةً أقلّ من المتعارف؛ ولا يتحدّد التفاوت قلةً أو كثرةً بمقدار معين، كالثلث أو الربع أو الخمس، بل المقياس في ذلك هو عدم تسامح العرف الغالب بمثل ذلك التفاوت واعتبارهم مَن وقع عليه ذلك الخسران مغبوناً، وهو أمر يختلف مقداره باختلاف السلعة؛ كما أنه لا بد في ثبوته من كون المغبون جاهلاً بالحال، ومهتماً ومبالياً بالتعامل على أساس الأجرة المتعارفة، أما إذا كان المغبون مريداً للعمل كيف كان وبأية أجرة، دون أن يبالي بموافقة الأجرة المتعارفة، أو كان عالماً بأن الأجرة أكثر أو أقل من المتعارف، لم يثبت له الخيار.
مسألة 247: إذا علم المغبون بالغبن ثبت له من الحقوق ما هو المتعارف في مثله من المعاملات، فإذا كان العرف يقضي بلزوم مطالبة الغابن بمقدار التفاوت أولاً، ثم إن لم يدفع التفاوت كان له فسخ الإجارة، ثبت للمغبون ذلك، ولم يكن له الفسخ إلا بعد رفض الغابن دفع التفاوت؛ وإن لم يوجد مثل هذا العرف في مورد الغبن فليس للمغبون ـ ابتداءً ـ إلا حق الفسخ أو القبول بالأمر الواقع مجرداً عن المطالبة بالتفاوت، فلا يجب على الغابن دفع مقدار التفاوت إذا طلبه الآخر، وكذا لا يجب على المغبون القبول بمقدار التفاوت إذا كان راغباً بالفسخ، إلا أن يتراضيا عليه، أو أن يتصالحا على إسقاط الخيار مقابل مال يدفعه الغابن.
مسألة 248: الظاهر اعتبار الفورية العرفية في خيار الغبن، بمعنى عدم التأخر في الفسخ أكثر مما هو متعارف فيه مما يختلف زمانه باختلاف الموارد والظروف، وذلك بعد العلم بثبوت الغبن وثبوت الخيار له، نعم لا يضر التأخير الحاصل لعذر مقبول، كانتظار حضور الغابن أو الوصول إليه أو حضور من يستشيره في الفسخ وعدمه، ونحو ذلك من الأعذار التي لا يعدّ التأخير الحاصل بسببها توانياً وإهمالاً.
3 ـ خيار اشتراط الفسخ:
مسألة 249: خيار الشرط هو: (أن يشترط كل من المتعاقدين، أو أحدهما، على الآخر لنفسه أو لأجنبي، أن يكون له حق فسخ الإجارة خلال مدة معينة، متصلة بالعقد أو منفصلة عنه)، ويكفي تحديدها ولو بالإجمال، كقوله: «ما دام العمر»، مقابل الإبهام وعدم التحديد المطلق؛ فإذا تم التوافق على ذلك بين المتعاقدين ثبت الخيار لمن شرطه، وجاز له العمل بمقتضاه متى شاء، ووجب على المشروط عليه الوفاء له به.
مسألة 250: يمكن الاستفادة من هذا الخيار بالنحو التالي: وهو أن يؤجر زيدٌ نفسه لصيانـة الكهربـاء ـ مثلاً ـ في مصنع سعيد لمدة خمس سنين، على أن يعطيه كل شهر أجرة خمسمائة دولار، يدفعها له صاحب العمل دفعة واحدة عن السنوات الخمس حين ابتدائه بالعمل، بشرط أن يرجع الأجير هذه الأجرة ويعوضها على صاحب العمل خلال سنتين من تاريخه، ويكون له حق فسخ الإجارة على رأس السنتين وترك العمل عنده.
وتكون الغاية من هذا الاتفاق أن يستفيد صاحب العمل من خبرة الأجير في هندسة الكهرباء مدة سنتين مجاناً، وأن يستفيد الأجير في ابتداء عمله من مبلغ كبير في يده ليوظفه في التجارة والاستثمار أو لشراء شيء مضطر إليه دفعة واحدة، فيما يسدده لصاحب العمل أقساطاً، أو غير ذلك من الفوائد المتصورة.
هذا، وإنه يمكن الاستفادة من هذه الطريقة في صورة ما لو كان موضوع الإجارة عيناً، كالدار والسيارة، بنفس التفاصيل التي ذكرناها لصورة ما لو كان موضوع الإجارة هو النفس.
وأصل هذا الخيار موجود في البيع بعنوان «بيع الخيار»، مع اختلاف في التفاصيل ناتج عن اختلاف طبيعة معاملة البيع عن معاملة الإجارة. (أنظر المسألة 690 وما بعدها).
4 ـ خيار تخلّف الشرط:
مسألة 251: لا يخفى أنه يجوز أن يشترط كلا المتعاقدين ـ أو أحدهما ـ على الآخر ما يشاء من الشروط السائغة في الشرع، وذلك كما لو آجره نفسه لخدمته وشرط عليه أن يعلِّمه الكتابة مثلاً، أو غير ذلك من الشروط؛ وكلما شرط أحد المتعاقدين على الآخر شرطاً وتخلف المشروط عليه عن الوفاء للمشروط له جاز للمشروط له أن يبادر إلى فسخ العقد وإلغاء المعاملة، أو يرضى بالأمر الواقع من دون المطالبة بما فاته بسبب عدم الوفاء له بالشرط، نعم يجوز له قبل ذلك ـ إذا شـاء ـ أن يرفع الأمر للحاكم الشرعي لإجباره على الوفاء، فإن لم يستجب فسخ العقد أو رضي به بدون الشرط.
مسألة 252: لا فرق في الشرط الذي يثبت بتخلفه الخيار بين أن يكون مصرّحاً به ومذكوراً، وبين أن يكون من الشروط الضمنية التي ترتكز عليها معاملات العرف وتكون ملحوظة فيها ضمناً، فلا تذكر ولا يؤكد عليها لشيوعها وحضورها في أذهان المتعاقدين من العارفين بها.
5 ـ خيار تبعض الصفقة:
مسألة 253: يقضي عقد الإجارة أن يُسلِّم مالك العين تمام العين المستأجرة للمستأجر، أو أن يسلم الأجير تمام العمل المستأجر عليه للمستأجر، فإذا لم يسلمه من الدار المستأجرة إلا نصفها مثلاً، أو لم ينجز له الفلاح إلا نصف فلاحة الأرض، في وقت كان ينتظر المستأجر تسلم العين كاملة أو تسلم العمل وإنجازه كاملاً، فإن للمستأجر أن يفسخ الإجارة أو يرضى بالأمر الواقع ويدفع نصف الأجرة المسماة إن لم يكن قد دفعها، أو يعوض عليه المؤجر نصف الأجرة المسماة إن كان قد دفعها إليه، ولكن لو فرض نَقصُ أجرة الجزء الذي تسلّمه لم يكن له مطالبة المؤجر بالأرش والتفاوت الناتج عن ذلك، بل إن غاية ما يستحقه عليه هو الفسخ أو القبول بالموجود كما هو.
6 ـ خيار تعذر التسليم:
مسألة 254: يراد بتعذر التسليم عدم تسليم المالك لشيء من العين المستأجرة، أو عدم تسليم العامل لشيء من العمل المستأجر عليه، أو عدم تسليم المستأجر شيئاً من الأجرة للمؤجر، وذلك إما عمداً أو لطارىء قاهر منع من تسليم أي جزء من المطلوب للطرف الآخر، فإذا تعذر التسليم على هذا النحو ثبت للمتضرر خيار الفسخ.
هذا وسوف نتعرض لتفاصيل أحكام التسليم في مبحث مستقل.
7 ـ خيار الشركة:
مسألة 255: يثبت هذا الخيار إذا انكشف بعد التعاقد كون العين المستأجرة أو المدفوعة أجرة مشتركة بين المنتفع الجديد وغيره، وإنما يثبت بها الخيار لأن الاشتراك يمنعه من الاستقلال بالتصرف بها إلا بعد استئذان الشريك، وفي ذلك مخالفة لشرط ضمني ارتكازي في مثل هذه المعاملات، فيثبت به للمتضرر خيار الفسخ أو الرضا بالأمر الواقع مع المطالبة بالتفاوت الحاصل بين قيمة الشيء مشتركاً وقيمته مملوكاً لواحد.
8 ـ خيار التدليس:
مسألة 256: التدليس هو: (أن يفعل المالك في العين المستأجرة أو المدفوعة أجرة ما يستلزم الحدوث المؤقت لصفة كمال غير موجودة فيها أساساً، بهدف غش الطرف الآخر والتدليس عليه وخداعه)؛ فإذا حدث ذلك ثبت للمدلَّس عليه خيار الفسخ أو الرضا بالموجود مع المطالبة بالأرش، أي بمقدار التفاوت بين ما توفرت فيه الصفة المرغوبة وبين الفاقد لها؛ ومن الواضح ارتباط هذا الخيار بخيار تخلف الشرط بعدما كان التدليس لإقناع المدلَّس عليه بوجود الصفة التي يطلبها. وكما يقع التدليس من صاحب العمل فإنه قد يقع من العامل إذا سلمه العمل على خلاف الأوصاف المطلوبة، بعدما يكون قد أخفاها عنه، وذلك مثل حداد السيارات الذي يخفي عيوب حدادته تحت طبقة الدهان السميكة التي يضعها عليها، أو نحو ذلك.
9 ـ خيار التفليس:
مسألة 257: يتحقق الإفلاس في مقامنا هذا عند عجز المستأجر للعين عن دفع أجرتها، فيتخير المؤجر بين الفسخ واسترداد العين أو الاستمرار في الإجارة والدخول مع سائر الديان في المطالبة بدينه؛ وكذلك يتحقق الإفلاس من المستأجر عند عجزه عن دفع أجرة العامل فيما إذا كان المطلوب دفع الأجرة سلفاً أو قبل انتهاء العمل، فيثبت للعامل حق فسخ الإجارة لما بقي من المدة، ويدخل مع الديان فيما استحقه من الأجرة، أما إذا كان قد أنجز تمام العمل فليس أمامه إلا الدخول مع الديان وانتظار الفرج.