المبحث الثاني ـ في ما يحل منه وما يحرم

لا تحرم الاستفادة بغير الاغتذاء من كل حيوانات البر والبحر والجو في جميع المجالات الممكنة، بما في ذلك الكلب والخنزير، فإنهما يجوز الاستفادة منهما ومن غيرهما بغير الاغتذاء من سائر وجوه الانتفاع، كالنقل والصناعة والزراعة والطب وغيرها، حياً كان الحيوان أو ميتاً، وذلك رغم أن الحكم بنجاسة الكلب والخنزير وميتة الحيوان ذي النفس السائلة سوف تحد من مدى استخدامه من قبل المسلم المؤمن في مجال الصناعة أو اللباس أو غيرهما لما فيه من إرباك وإزعاج له، لكنه ليس ممنوعاً منه إلا في مثل الصلاة وأواني الطعام أو الشراب وغيرهما من الأمور المشروطة بالطهارة.
أما الاغتذاء بحليبه أو بيضه أو لحمه فهو موضوع هذا البحث الذي يشتمل على حكم ما يحل وما يحرم من حيوانات البر والبحر والجو، وذلك في عناوين ثلاثة:
الأول ـ في حكم حيوان البر:
ونريد به: (كل ما يعيش على اليابسة من سباع وأنعام وحشرات)، وتفصيل أحكامه يقع في مسائل:
مسألة 67: يحرم من حيوان البر جميع الحشرات الدابة أو الطائرة ما عدا الجراد كما سيأتي؛ ثم كل ذي ناب من الحيوان، صغيراً كان كالفأر وما أشبهه من القوارض، أو كبيراً كالأسد والنمر، وسواء كان من آكلات اللحم كالذئب أو من آكلات الثمار والأعشاب كالفيل، أليفاً كان كالهر والكلب أو برياً وحشياً كالذئب والأسد؛ ثم جميع الزواحف مما لم يكن له رجل كالأفعى، أو كانت له أرجل صغيرة كالضب واليربوع والوزغ ونحوها؛ ثم الأرنب على الأحوط وجوباً؛ هذا ويجب الالتفات إلى أننا استخدمنا هنا تعبير «الحشرات» بمعناها العلمي، فيما استخدمها الفقهاء بمعنى يشمل كل ما يلتجىء إلى الأرض من الحيوانات الزاحفة والقارضة.
وأما ما عدا ذلك منه فهو حلال، فيشمل جميع الحيوانات من الأنعام، وهي جميع أصناف البقر والغنم والإبل، أهلية كانت أو برية، وكذا الحصان والبغل والحمار وإن كره لحمها، والكثير من الحيوانات البرية، مثل الغزال وحمار الوحش والأيل وما أشبهها مما ليس له ناب.
مسألة 68: يحرم الحيوان المحلل عند عروض أمور عليه، وهي:
1 ـ إذا تغذى ذلك الحيوان على عذرة الإنسان وغائطه مدةً من الزمان حتى نما فيها لحمه واشتد عظمه، وهو ما يقال له «الجلاّل»، حرم أكل لحمه وشرب لبنه حتى يستبرىء بإطعامه العلف الطاهر مدة يزول عنه فيها اسم الجلل عرفاً، والأحوط استحباباً أن يلتزم بالمدة المحددة ولو زال الجلل قبلها، وهي في الإبل أربعون يوماً، وفي البقر ثلاثون، وفي الشاة عشرة، وفي مثل البطة خمسة، وفي مثل الدجاج ثلاثة.
2 ـ إذا رضع الجدي حليب خنـزيرة فله حالات يختلف حكمه باختلافها وهي:
أ ـ أن يكون في مرحلة الارتضاع، ويرتضع من ثديها، ويشتد عظمه وينمو لحمه على ذلك اللبن، فإنه يحكم بحرمة لحمه وحرمة لبنه، وكذا بحرمة لحم نسله ولبنه مهما تعددت أجياله.
ب ـ مثل الحالة (أ) ولكن لم يصل إلى مرحلة اشتداد العظم ونمو اللحم، فإنه يحكم بحرمته ولكنه إذا منع عنها وألقي على ضرع شاة سبعة أيام حل بعد ذلك.
ج ـ أن يكون قد تجاوز مرحلة الرضاع، ويرتضع من الثدي، فيحرم أيضاً ولكنّه يطهر بتناول العلف الطاهر مدّة يزول عنه خلالها أثر ذلك الحليب، سواء نما لحمه على حليب الخنزيرة أو لم ينم.
د ـ أن يتناول حليب الخنزيرة من غير الثدي، فهنا لا يحرم سواء كان في سن الرضاع أو بعدها، وسواء نما لحمه عليه أو لم ينم، ولا يجب إطعامه العلف الطاهر من أجل ذلك.
3 ـ إذا جامع الإنسان البهيمة، وتحقق منه إدخال القضيب في فرج أنثى الحيوان أو دبرها، أو في دبر الذكر من الحيوان، حرم بذلك لحم الحيوان المدخول فيه ولبنه، دون لحم ولبن نسله على الأقوى؛ ولا بد لتحقق الحرمة من كون الحيوان مأكول اللحم، سواء كان مما يطلب لحمه كمثل الغنم والبقر، أو مما يركب ظهره ويقل أكل لحمه كالحصان والحمار؛ وكذا لا بد أن يكون من ذوات الأربع، وأن يكون حياً حال وطئه غير ميت؛ أما من جهة الفاعل البالغ فإنه لا فرق في تحقق الحرمة بفعله بين ما لو كان عاقلاً أو مجنوناً، عالماً أو جاهلاً، مختاراً أو مكرهاً، بل وكذا حكم الفاعل غير البالغ على ا لأحوط.
ثم إنه ـ إضافةً إلى حرمة لحمه وحليبه ـ يجب ذبح ذلك الحيوان الموطوء إذا كان مما يطلب لحمه ثم إحراقه بعد موته، وعلى الفاعـل ـ إذا لـم يكن هو المالك ـ أن يغرم قيمته للمالك بعدما كان هو السبب في إتلافه؛ أما إذا كان الحيوان مما يركب ظهره، كالحصان والحمار، فإنه يجب نفيه إلى بلد آخر ورفع يد المالك والفاعل عنه ببيعه إلى طرف ثالث، وحينئذ يضمن الفاعل للمالك قيمته، ويرد المالك على الفاعل ثمنه الذي بيع به.
وإذا اشتبه الحيوان الموطوء في قطيعه فلم يتميز أخرج واحداً منه بالقرعة وفعل به ذلك.
مسألة 69: لا يحرم الحيوان المحلل إذا أكل أو شرب شيئاً من الأعيان المحرمة أو النجسة غير العذرة، نعم إذا شرب الخمر فسكر وجب تجنب ما حواه جوفه من القلب والكبد والكرش ونحوها على الأحوط.
الثاني ـ في حكم حيوان البحر:
وفيه مسائل:
مسألة 70: يحل من حيوان البحر كلُّ سمكة ولو لم يشتمل ظاهر جلدها على ما يسمى بـ (الفَلْس)، وهو: (دوائر صغيرة متراصة من القشور القاسية التي تنزع عنها عند تحضيرها للطهي)، وقد ألحق بما له فلس أصناف (جراد البحر) التي يقال لها في بلاد الشام (القريدس)، وفي بلاد الخليج (الأربيان) أو (الروبيان)، لأن لها جلداً خارجياً ينزع عنها عند طهيها هو بمثابة الفلس، وكذا يحل حيوان البحر على اختلاف أصنافه، ابتداءً من حوت البحر وانتهاءً بأنواع لا تحصى من الكائنات البحرية، مثل المحار ونجم البحر والأفاعي والكركند والسرطان والأخطبوط والكالامار، وإن كان الأفضل والأحوط استحباباً، الاقتصار على تناول ما له فلس منها.
مسألة 71: إذا زال ما على السمكة من فلس لعارض، ككثرة احتكاكه بقاع البحر وصخوره مثلاً، لم يضر ذلك في اعتباره من صنف الأسماك التي لها فلس.
مسألة 72: بيض السمك تابع له في الحلية. فيحلّ بيض كل ما يعيش في الماء من حيوان البحر وأسماكه، وإن كان الأفضل اجتناب بيض ما ليس له فلس منها.
مسألة 73: يحرم من أسماك البحر وحيوانه ما يكون ساماً بحيث يضر بالإنسان ضرراً معتداً به، إلا أن يمكنه إزالة الضرر بمعالجته بطريقة خاصة عند طهيه.
وكذا يحرم ما يكثر عيشه في البر من حيوان البحر، بحيث ينطبق عليه عنوان (البرمائي)، مثل الضفدع والتمساح والقندس ونحوها، دون ما يغلب عليه التواجد في الماء، ولا يضره الخروج إلى اليابسة قليلاً، كما هو حال السرطان والسلحفاة البحرية والدلفين ونحوها.
الثالث ـ في حكم الطيور:
وفيه مسائل:
مسألة 74: يحل كل ذي ريش من الطيور عدا أصناف ثلاثة:
الصنف الأول: ما يكون من (سباع الطير)، وهو: (كل ذي مخلب يسعى به لافتراس الطير وغيره)؛ وأنواعه كثيرة، وكذا أصناف كل نوع، ولا يختلف حكمها بين القوي والضعيف والصغير والكبير، والمعروف المشهور منها هو: النسر والصقر والباز والعقاب والشاهين والباشق.
الصنف الثاني: ما يكون صفيف جناحيه وسكونهما ـ خلال طيرانه ـ أكثر من دفيفهما وحركتهما؛ وهو أمر يعرف من مراقبة الطير ومشاهدة طيرانه، وقد صار ذلك معلوماً ومتيسراً بدقة عالية في زماننا هذا بعد توسع الكشوف العلمية والتمكن من مراقبة سلوك الطيور بوسائل متطورة ودقيقة؛ وعلى عكس ذلك ما هو محلل من الطيور، وهو ما يكون دفيفه وحركة جناحيه أكثر من صفيفه، وأنواعه كثيرة، فهي تبدأ في حجمها من النعامة كبراً وضخامة وتنتهي بعصفور الشوك المتناهي في صغره، وتختلف أسماء كثير منها باختلاف البلدان، والمشهور منها في بلاد الشام: السُمَّن والشقراق ودجاج الأرض والحجل والفرّ والقبّرة وأبو الحنّ والدوري وأسود الرأس والعضاض، وغيرها كثير.
وهذه العلامة ـ مع العلامة الأولى ـ هي الأصل، فإن كان الطير سبعاً حرم أكله حتى لو كانت حركة جناحيه أكثر من صفهما، وإن لم يكن سبُعاً وكان يصف جناحيه أكثر حكم بالحرمة أيضاً، سواء كان فيه قانصة وغيرها مما سنذكره في الصنف الثالث أو لم يكن فيه.
الصنف الثالث: ما تساوت حركة أجنحته في صفيفها ودفيفها، أو كان مجهول الحال من هذه الجهة، فإنه يحكم بحرمته إذا لم يشتمل باطنه على القانصة أو الحوصلة، ولا ظاهره على الصيصة، والمراد بالقانصة: (ما يجتمع فيه الحصاة الدقاق التي يأكلها الطير)، وبالحوصلة: (ما يجتمع فيه الطعام وغيره عند الحلق)، وبالصيصة: (إصبع رابعة تكون خلف كف رجل الطائر)؛ فإن اشتمل الطائر على واحدة ـ فقط ـ من هذه الثلاث حكم بحليته.
وخلاصة هذه الأصناف المستثناة هي: إن كل طائر حلال إذا لم يكن من سباع الطير ولم يكن صفيف جناحيه أكثر من دفيفهما، فإن لم يكن من السباع وتساوت حركة الأجنحة أو جهلت كيفية طيرانه فإنه يحكم بحلية ما كان له حوصلة أو قانصة أو صيصة.
مسألة 75: ينطبق على طيور الماء ما ينطبق على طيور اليابسة من العلامات، وبما أن بعض طيور الماء التي تتغذى على الأسماك يتناولها بمنقاره وبعضها يتناولها بقدميه، فإنها إن كان لها مخالب دخلت في عنوان (سباع الطير) وحرمت، وإن لم يكن لها مخالب عرفت بحركة الأجنحة أو بوجود الحوصلة أو القانصة أو الصيصة حتى لو كانت تتغذى على الأسماك.
مسألة 76: كما يحرم حيوان البر إذا صار «جلاّلاً» كذلك يحرم من الطير ما يصير جلاّلاً حتى يستبرىء بالنحو الذي ذكر في حيوان البر.
مسألة 77: الخفاش وإن كان يطير لكنه ليس من ذوات الريش، وهو مما يحرم أكله بغضّ النظر عن انطباق العلامات الآنفة عليه.
مسألة 78: بيض الطائر المحلل حلال وبيض المحرم حرام، فإن لم يعلم من أي طائر هو وجب اجتناب ما اتفق طرفاه وحل أكل ما اختلف طرفاه وتميز أسفله من أعلاه بالنحو الذي يشبه بيض الدجاج.
لا تحرم الاستفادة بغير الاغتذاء من كل حيوانات البر والبحر والجو في جميع المجالات الممكنة، بما في ذلك الكلب والخنزير، فإنهما يجوز الاستفادة منهما ومن غيرهما بغير الاغتذاء من سائر وجوه الانتفاع، كالنقل والصناعة والزراعة والطب وغيرها، حياً كان الحيوان أو ميتاً، وذلك رغم أن الحكم بنجاسة الكلب والخنزير وميتة الحيوان ذي النفس السائلة سوف تحد من مدى استخدامه من قبل المسلم المؤمن في مجال الصناعة أو اللباس أو غيرهما لما فيه من إرباك وإزعاج له، لكنه ليس ممنوعاً منه إلا في مثل الصلاة وأواني الطعام أو الشراب وغيرهما من الأمور المشروطة بالطهارة.
أما الاغتذاء بحليبه أو بيضه أو لحمه فهو موضوع هذا البحث الذي يشتمل على حكم ما يحل وما يحرم من حيوانات البر والبحر والجو، وذلك في عناوين ثلاثة:
الأول ـ في حكم حيوان البر:
ونريد به: (كل ما يعيش على اليابسة من سباع وأنعام وحشرات)، وتفصيل أحكامه يقع في مسائل:
مسألة 67: يحرم من حيوان البر جميع الحشرات الدابة أو الطائرة ما عدا الجراد كما سيأتي؛ ثم كل ذي ناب من الحيوان، صغيراً كان كالفأر وما أشبهه من القوارض، أو كبيراً كالأسد والنمر، وسواء كان من آكلات اللحم كالذئب أو من آكلات الثمار والأعشاب كالفيل، أليفاً كان كالهر والكلب أو برياً وحشياً كالذئب والأسد؛ ثم جميع الزواحف مما لم يكن له رجل كالأفعى، أو كانت له أرجل صغيرة كالضب واليربوع والوزغ ونحوها؛ ثم الأرنب على الأحوط وجوباً؛ هذا ويجب الالتفات إلى أننا استخدمنا هنا تعبير «الحشرات» بمعناها العلمي، فيما استخدمها الفقهاء بمعنى يشمل كل ما يلتجىء إلى الأرض من الحيوانات الزاحفة والقارضة.
وأما ما عدا ذلك منه فهو حلال، فيشمل جميع الحيوانات من الأنعام، وهي جميع أصناف البقر والغنم والإبل، أهلية كانت أو برية، وكذا الحصان والبغل والحمار وإن كره لحمها، والكثير من الحيوانات البرية، مثل الغزال وحمار الوحش والأيل وما أشبهها مما ليس له ناب.
مسألة 68: يحرم الحيوان المحلل عند عروض أمور عليه، وهي:
1 ـ إذا تغذى ذلك الحيوان على عذرة الإنسان وغائطه مدةً من الزمان حتى نما فيها لحمه واشتد عظمه، وهو ما يقال له «الجلاّل»، حرم أكل لحمه وشرب لبنه حتى يستبرىء بإطعامه العلف الطاهر مدة يزول عنه فيها اسم الجلل عرفاً، والأحوط استحباباً أن يلتزم بالمدة المحددة ولو زال الجلل قبلها، وهي في الإبل أربعون يوماً، وفي البقر ثلاثون، وفي الشاة عشرة، وفي مثل البطة خمسة، وفي مثل الدجاج ثلاثة.
2 ـ إذا رضع الجدي حليب خنـزيرة فله حالات يختلف حكمه باختلافها وهي:
أ ـ أن يكون في مرحلة الارتضاع، ويرتضع من ثديها، ويشتد عظمه وينمو لحمه على ذلك اللبن، فإنه يحكم بحرمة لحمه وحرمة لبنه، وكذا بحرمة لحم نسله ولبنه مهما تعددت أجياله.
ب ـ مثل الحالة (أ) ولكن لم يصل إلى مرحلة اشتداد العظم ونمو اللحم، فإنه يحكم بحرمته ولكنه إذا منع عنها وألقي على ضرع شاة سبعة أيام حل بعد ذلك.
ج ـ أن يكون قد تجاوز مرحلة الرضاع، ويرتضع من الثدي، فيحرم أيضاً ولكنّه يطهر بتناول العلف الطاهر مدّة يزول عنه خلالها أثر ذلك الحليب، سواء نما لحمه على حليب الخنزيرة أو لم ينم.
د ـ أن يتناول حليب الخنزيرة من غير الثدي، فهنا لا يحرم سواء كان في سن الرضاع أو بعدها، وسواء نما لحمه عليه أو لم ينم، ولا يجب إطعامه العلف الطاهر من أجل ذلك.
3 ـ إذا جامع الإنسان البهيمة، وتحقق منه إدخال القضيب في فرج أنثى الحيوان أو دبرها، أو في دبر الذكر من الحيوان، حرم بذلك لحم الحيوان المدخول فيه ولبنه، دون لحم ولبن نسله على الأقوى؛ ولا بد لتحقق الحرمة من كون الحيوان مأكول اللحم، سواء كان مما يطلب لحمه كمثل الغنم والبقر، أو مما يركب ظهره ويقل أكل لحمه كالحصان والحمار؛ وكذا لا بد أن يكون من ذوات الأربع، وأن يكون حياً حال وطئه غير ميت؛ أما من جهة الفاعل البالغ فإنه لا فرق في تحقق الحرمة بفعله بين ما لو كان عاقلاً أو مجنوناً، عالماً أو جاهلاً، مختاراً أو مكرهاً، بل وكذا حكم الفاعل غير البالغ على ا لأحوط.
ثم إنه ـ إضافةً إلى حرمة لحمه وحليبه ـ يجب ذبح ذلك الحيوان الموطوء إذا كان مما يطلب لحمه ثم إحراقه بعد موته، وعلى الفاعـل ـ إذا لـم يكن هو المالك ـ أن يغرم قيمته للمالك بعدما كان هو السبب في إتلافه؛ أما إذا كان الحيوان مما يركب ظهره، كالحصان والحمار، فإنه يجب نفيه إلى بلد آخر ورفع يد المالك والفاعل عنه ببيعه إلى طرف ثالث، وحينئذ يضمن الفاعل للمالك قيمته، ويرد المالك على الفاعل ثمنه الذي بيع به.
وإذا اشتبه الحيوان الموطوء في قطيعه فلم يتميز أخرج واحداً منه بالقرعة وفعل به ذلك.
مسألة 69: لا يحرم الحيوان المحلل إذا أكل أو شرب شيئاً من الأعيان المحرمة أو النجسة غير العذرة، نعم إذا شرب الخمر فسكر وجب تجنب ما حواه جوفه من القلب والكبد والكرش ونحوها على الأحوط.
الثاني ـ في حكم حيوان البحر:
وفيه مسائل:
مسألة 70: يحل من حيوان البحر كلُّ سمكة ولو لم يشتمل ظاهر جلدها على ما يسمى بـ (الفَلْس)، وهو: (دوائر صغيرة متراصة من القشور القاسية التي تنزع عنها عند تحضيرها للطهي)، وقد ألحق بما له فلس أصناف (جراد البحر) التي يقال لها في بلاد الشام (القريدس)، وفي بلاد الخليج (الأربيان) أو (الروبيان)، لأن لها جلداً خارجياً ينزع عنها عند طهيها هو بمثابة الفلس، وكذا يحل حيوان البحر على اختلاف أصنافه، ابتداءً من حوت البحر وانتهاءً بأنواع لا تحصى من الكائنات البحرية، مثل المحار ونجم البحر والأفاعي والكركند والسرطان والأخطبوط والكالامار، وإن كان الأفضل والأحوط استحباباً، الاقتصار على تناول ما له فلس منها.
مسألة 71: إذا زال ما على السمكة من فلس لعارض، ككثرة احتكاكه بقاع البحر وصخوره مثلاً، لم يضر ذلك في اعتباره من صنف الأسماك التي لها فلس.
مسألة 72: بيض السمك تابع له في الحلية. فيحلّ بيض كل ما يعيش في الماء من حيوان البحر وأسماكه، وإن كان الأفضل اجتناب بيض ما ليس له فلس منها.
مسألة 73: يحرم من أسماك البحر وحيوانه ما يكون ساماً بحيث يضر بالإنسان ضرراً معتداً به، إلا أن يمكنه إزالة الضرر بمعالجته بطريقة خاصة عند طهيه.
وكذا يحرم ما يكثر عيشه في البر من حيوان البحر، بحيث ينطبق عليه عنوان (البرمائي)، مثل الضفدع والتمساح والقندس ونحوها، دون ما يغلب عليه التواجد في الماء، ولا يضره الخروج إلى اليابسة قليلاً، كما هو حال السرطان والسلحفاة البحرية والدلفين ونحوها.
الثالث ـ في حكم الطيور:
وفيه مسائل:
مسألة 74: يحل كل ذي ريش من الطيور عدا أصناف ثلاثة:
الصنف الأول: ما يكون من (سباع الطير)، وهو: (كل ذي مخلب يسعى به لافتراس الطير وغيره)؛ وأنواعه كثيرة، وكذا أصناف كل نوع، ولا يختلف حكمها بين القوي والضعيف والصغير والكبير، والمعروف المشهور منها هو: النسر والصقر والباز والعقاب والشاهين والباشق.
الصنف الثاني: ما يكون صفيف جناحيه وسكونهما ـ خلال طيرانه ـ أكثر من دفيفهما وحركتهما؛ وهو أمر يعرف من مراقبة الطير ومشاهدة طيرانه، وقد صار ذلك معلوماً ومتيسراً بدقة عالية في زماننا هذا بعد توسع الكشوف العلمية والتمكن من مراقبة سلوك الطيور بوسائل متطورة ودقيقة؛ وعلى عكس ذلك ما هو محلل من الطيور، وهو ما يكون دفيفه وحركة جناحيه أكثر من صفيفه، وأنواعه كثيرة، فهي تبدأ في حجمها من النعامة كبراً وضخامة وتنتهي بعصفور الشوك المتناهي في صغره، وتختلف أسماء كثير منها باختلاف البلدان، والمشهور منها في بلاد الشام: السُمَّن والشقراق ودجاج الأرض والحجل والفرّ والقبّرة وأبو الحنّ والدوري وأسود الرأس والعضاض، وغيرها كثير.
وهذه العلامة ـ مع العلامة الأولى ـ هي الأصل، فإن كان الطير سبعاً حرم أكله حتى لو كانت حركة جناحيه أكثر من صفهما، وإن لم يكن سبُعاً وكان يصف جناحيه أكثر حكم بالحرمة أيضاً، سواء كان فيه قانصة وغيرها مما سنذكره في الصنف الثالث أو لم يكن فيه.
الصنف الثالث: ما تساوت حركة أجنحته في صفيفها ودفيفها، أو كان مجهول الحال من هذه الجهة، فإنه يحكم بحرمته إذا لم يشتمل باطنه على القانصة أو الحوصلة، ولا ظاهره على الصيصة، والمراد بالقانصة: (ما يجتمع فيه الحصاة الدقاق التي يأكلها الطير)، وبالحوصلة: (ما يجتمع فيه الطعام وغيره عند الحلق)، وبالصيصة: (إصبع رابعة تكون خلف كف رجل الطائر)؛ فإن اشتمل الطائر على واحدة ـ فقط ـ من هذه الثلاث حكم بحليته.
وخلاصة هذه الأصناف المستثناة هي: إن كل طائر حلال إذا لم يكن من سباع الطير ولم يكن صفيف جناحيه أكثر من دفيفهما، فإن لم يكن من السباع وتساوت حركة الأجنحة أو جهلت كيفية طيرانه فإنه يحكم بحلية ما كان له حوصلة أو قانصة أو صيصة.
مسألة 75: ينطبق على طيور الماء ما ينطبق على طيور اليابسة من العلامات، وبما أن بعض طيور الماء التي تتغذى على الأسماك يتناولها بمنقاره وبعضها يتناولها بقدميه، فإنها إن كان لها مخالب دخلت في عنوان (سباع الطير) وحرمت، وإن لم يكن لها مخالب عرفت بحركة الأجنحة أو بوجود الحوصلة أو القانصة أو الصيصة حتى لو كانت تتغذى على الأسماك.
مسألة 76: كما يحرم حيوان البر إذا صار «جلاّلاً» كذلك يحرم من الطير ما يصير جلاّلاً حتى يستبرىء بالنحو الذي ذكر في حيوان البر.
مسألة 77: الخفاش وإن كان يطير لكنه ليس من ذوات الريش، وهو مما يحرم أكله بغضّ النظر عن انطباق العلامات الآنفة عليه.
مسألة 78: بيض الطائر المحلل حلال وبيض المحرم حرام، فإن لم يعلم من أي طائر هو وجب اجتناب ما اتفق طرفاه وحل أكل ما اختلف طرفاه وتميز أسفله من أعلاه بالنحو الذي يشبه بيض الدجاج.
ص
99
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية