ما يحرم من الأعمال وما يحل
يتوزع الجهد الإنساني على أعمال كثيرة بهدف التعيش منها والتكسب بها، وقد تعرضت الشريعة لها فأباحت أكثرها وحرمت القليل منها، أما المباح فلا كلام لنا فيه لأنه هو المكسب الهنيء المرضي لله تعالى، وأما الحرام فإنه كما لا يجوز فعله من قبل الإنسان لنفسه وفائدته الشخصية كذلك لا يجوز فعله لمصلحة الغير وفائدته مقابل أجرة أو بالمجان، ولا يصح تبرير ذلك بأنه حرفة يعتاش منها العامل، ولا بأن العهدة في إثمها على من استأجره، بل ولا يصح الاعتذار عنها بقلة فرص العمل وضيق ذات اليد ما دام لم يصل إلى حد الضرورة التي تبيح المحظور. إن جميع ذلك ونحوه لا يبرر للعامل المسلم تجاوز ما حرم الله تعالى على عباده، بل إن عليه أن لا يفعله لنفسه ولا لغيره، بأجرة أو بالمجان ما دام الله تعالى لا يرضى بوقوع ذلك الحرام بأي نحو من الأنحاء، ولا بإشاعة الفساد والظلم في مجتمع المسلمين، بل إن على المؤمن - حينئذ - مواجهة من يفعل ذلك وردعه ونهيه عن المنكر بجميع الوسائل المشروعة.
ولا يخفى أن دائرة الأعمال المحللة واسعة جداً ، وهي تتّسع بتطور الزمان وازدياد حاجات الإنسان، مقابل دائرة الأعمال المحرمة التي تقتصر على أمورٍ محدودة يمكن حصرها في عدد معين كما سيتبين معنا، بل إن الشريعة - حرصا منها على سعادة المجتمع البشري وازدهاره - قد أوجبت كل حرفة وصنعة يحتاج إليها المجتمع بنحو الوجوب الكفائي وجعلت أصل السعي والعمل محبوباً لله تعالى في الحالات العادية وواجباً عند الضرورة.
وفي جانب المحرم نلاحظ بنظرة شمولية أن مرجع الأعمال المحرمة إلى أمرين:
الأول: كون ذلك العمل محرما في أصل التشريع، مثل الزنا والعري والنحت والقمار ونحوها.
الثاني: كونه ظلما للغير وإضراراً به وإيذاءً له في نفسه أو ماله أو عرضه أو كرامته أوحريته أو وطنه، فتحرص الشريعة من تحريمه على دفع الظلم عن الإنسان.
وكنوعٍ من التسامي في النشاط الاقتصادي، فإن الشريعة حكمت بكراهة بعض المهن مثل الجزارة والحياكة، مما هو مبررٌ ومحصورٌ في ظروف خاصة كنا قد تحدثنا عنها وعن ما يناسبها في مبحث سابق. (أنظر: ص/44).
وفيما يلي سوف نستعرض الأعمال المحرمة وأحكامها على النحو التالي: