في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إنَّ مجاهدة الفساد بالكلمة الهادية والفعل الموجّه، من أهم الفرائض الواجبة على المسلم اتجاه أخيه المسلم في إطار التواصي بالحقّ وصيانة الآخر، فرداً ومجتمعاً، من الانحراف في الفكر والسلوك، لذا فإنه يمكن القول بأنه أعظم الفرائض الاجتماعية، فيما الصلاة أعظم الفرائض الفردية والعبادية، خاصة وأنه قد روي عن المعصوم عليه السلام أنَّ: بالأمر بالمعروف تُقام الفرائض وتَأمَنُ المذاهب، وتَحِل المكاسب، وتُمنَع المظالم، وتَعمُر الأرض، وينتصِفُ المظلوم من الظالم، ولا يزالُ النّاس بخيرٍ ما أمروا بالمعروف ونَهوَا عن المنكر وتعاونُوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات، وسُلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصرٌ في الأرض ولا في السَّماء. الأمر الذي يؤكد على مركزية هذه الفريضة وامتداد أثرها ونفوذه في شتى مجالات الحياة وجميع الأنظمة الفردية والاجتماعية، وحفظ الأمن وصيانة الأرض، وهو وإن لم يكن من الواجبات المشروط فعلها بنية التقرب إلى اللّه تعالى، كما هو الشأن فيما سلف من أبواب هذا الجزء، إلاَّ أننا نذكره معها جرياً على المألوف عند الفقهاء، وتسهيلاً للرجوع إليه، رغم أنَّ فيه قدراً كبيراً من روح العبادة وجوهرها، بما هو سبيل إلى اللّه تعالى ومعَبِّر عن الحرص على طاعته وعلى دعوة النّاس إليها وحثهم عليها.
وسوف يظهر من البحوث القادمة أنَّ الأمر بالمعروف ليس مجرّد علاقة محدودة بين مسلمين متناصحين يبقى صداها خافتاً وأثرها ضئيلاً، بل إنه يكبر ليصبح مواجهةً وثورة بين الشعب المؤمن والقيادة المنحرفة عندما لا ينفع النصح والإعتراض والإحتجاج السلمي.
والمراد بـ (الأمر والنهي) قيام المكلّف بواجب التصدّي لتارك المعروف أو لفاعل المنكر لحثّه على فعل المعروف وترك المنكر بواحد من الأساليب التي وضعتها الشريعة لذلك، وقد أُخذ في شروطه علم تارك المعروف وفاعل المنكر بذلك وقيامه بالمعصية عن وعي وقصد، فلا يشمل من فعل ذلك عن جهل بكون المعروف واجباً عليه أو المنكر حراماً عليه، بل إنَّ الموقف من مثل هذا المكلّف مختلف كما سيأتي بيانه.
والمراد "بالمعروف" كلّ فعل حسن أوجبتْه الشريعة أو ندبت إليه، فإن كان واجباً كان الأمر به واجباً، وإن كان مستحباً كان الأمر به مستحباً.
كذلك فإنَّ المراد "بالمنكر" كلّ فعل كرهتْه الشريعة فحرمت فعله أو حثّت على التنزه عنه، فإن كان المنكر حراماً كان النهي عنه واجباً، وإن كان مكروهاً كان النهي عنه مستحباً وراجحاً.
ولا يصير المباح معروفاً ولا منكراً إلاَّ إذا غلب جانب المصلحة أو المفسدة فيه على غيره وانطبقت عليه العناوين الإستثنائية الموجبة للحرمة أو الوجوب أو الاستحباب أو الكراهة، فيُعامل معاملة العنوان الجديد الذي تلبَّس به، وذلك كمثل الماء المباح شربُه، فإن توقف عليه دفع الضرر وإنقاذ النفس من الهلاك صار واجباً ومعروفاً، فيجب الأمر به عند تركه من قبل المحتاج إليه، وهكذا..
هذا وينبغي الإلتفات إلى أنَّ استحباب الأمر بالمستحب أو النهي عن المكروه إنما هو في صورة ما لو لم يترتب عليه إيذاء المأمور وإهانته، وإلاَّ حَرُمَ حينئذ، كذلك ينبغي الحذر من الإفراط في الأمر والنهي واستلزامه الإثقال على المأمور وتزهيده في الدين وتنفيره منه وانقلاب الأمر في نتائجه إلى ضدّه من الترغيب والحث على الطاعة ومكارم الأخلاق، فقد روي عن النبيّ (ص) قول