لما صار فعل المنكر وترك المعروف ظاهرة كبيرة متمثّلة في دول وهيئات وجمعيات ومؤسسات، مضافاً لتمثّلها في أفراد عاديين أو ذوي شأن، فإنَّ المواجهة القوية المؤثرة لهذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة واسعة وخطّة شاملة تتصل بالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ونحوه، أمّا العاملون في حقل التوجيه الديني فإنَّ عليهم ـ بقدر موقعهم وطاقتهم ـ أن يبذلوا كلّ جهدهم في الوعظ والإرشاد والتوعية ومواجهة الواقع الفاسد بحكمة وعمق وروية وشمولية، وأن يحرّكوا جهودهم مع العاملين في سبيل تحويل الخطّة إلى واقع في هذا الموقع أو ذاك، لأنَّ المرحلة هي مرحلة الطوارىء التي ينبغي لهم أن يحرّكوا فيها كلّ طاقتهم في هذا الهمِّ الرسالي الكبير.
ثُمَّ إنه قد ذكر بعض الأكابر قدس سره: إنَّ من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعلاها وأتقنها وأشدّها، خصوصاً بالنسبة إلى رؤساء الدِّين أن يلبس الآمر أو الناهي رداء المعروف واجبه ومندوبه، وينزع رداء المنكر محرمه ومكروهه، ويستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة، وينزهها عن الأخلاق الذميمة، فإنَّ ذلك منه سبب تام لفعل النّاس المعروف، ونزعهم المنكر، خصوصاً إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المرغبة والمرهبة، فإن لكلّ مقام مقالاً، ولكلّ داء دواء، وطب النفوس والعقول أشدّ من طب الأبدان بمراتب كثيرة، وحينئذٍ يكون قد جاء بأعلى أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهنا يستحسن ذكر جملة من الأمور الداخلة في المعروف تذكيراً بها وترغيباً فيها، وذكر أمور من المنكر تزهيداً فيها وتنفيراً عنها، وذلك في مطلبين: