يعتبر وجود الحيوان في الأرض من النعم الإلهية الكبرى، فهو ثروة هائلة ومهمة، لما فيه من الفوائد الجمة الجليلة التي تغني طعام الإنسان ولباسه ورفاهيته؛ والحيوان السارح في هذه الأرض - مثله كمثل سائر المباحات - ثروة ماثلة أمام ناظري الإنسان وبين يديه، فمن حازه فصاده ووضع يده عليه فقد ملكه، يتساوى في ذلك ما كان منه في الجو أو البر أو البحر، كما يتساوى فيه ما كان ممتنعاً يصعب الوصول إليه إلا بالمكيدة والقوة، وما كان منه أهلياً مستأنساً يأوي إلى الإنسان ويلوذ به.
وقد تعرضت الشريعة لجميع ما يرجع لهذه الثروة، فشرعت لها من جوانب مختلفة ونظمت علاقة الإنسان بها وحددت كيفية استفادته منها بالنحو الذي يكفل سعادة الإنسان وحقِّق التوازن في عالم الطبيعة؛ ولما كانت عادة الفقهاء قد جرت على التعرض لأحكام الحيوان في بابين منفصلين، هما باب الأطعمة والأشربة وباب الصيد والذباحة، مضافاً لما يذكر منه في باب إحياء الموات، فإننا رأينا أن الأنسب جمع ذلك في باب واحد واستيعاب الأحكام المتعلقة به من خلال عدد من المباحث، فاستعرضنا في المبحث الأول كيفية تملك الحيوان الممتنع، ثم تحدثنا في المبحث الثاني عن ما يحل ويحرم من الحيوان، ثم فصلنا في المبحث الثالث طرق تذكية الحيوان التي تتحقق بالصيد تارة وبالذبح أخرى، وذلك بهدف إعطاء صورة تفصيلية عن حكم المكلف اتجاه هذه النعمة الإلهية الكبرى.