قد خصصنا أبحاث الطهارة بهذا الباب وأفردناها بالذكر لأنها تعتبر مقدمة مهمة للعديد من العبادات، فهي من أبرز مقدمات الصلاة، كما أنها ـ بالجملة ـ مقدمة للصوم وللطواف، مضافاً إلى أن لها علاقة بالطعام والشراب، وأحكام الأموات، كما أنها محبوبة ومرغوبة في نفسها لما لها من علاقة بآداب النظافة والتجمل.
م ـ 53: يُراد "بالطهارة" النظافة، وهي ـ في الشرع ـ اسم للنتيجة التي تحصل من الإزالة بطريقة خاصة لعدد من القذارات التي حدّدها الشرع وسماها "نجاسة"، وذلك من قبيل البول والغائط والدم ونحوها مما اصطلح على تسميته بـ "النجاسة الخبثية"، والطهارة منها بالماء ونحوه تسمى بـ"الطهارة من الخبث" كذلك فهي اسم للنتيجة التي تحصل من إزالة آثار ما يعلق في النفس والجسد بسبب حدوث النوم أو البول أو الاستحاضة أو الجنابة أو غير ذلك مما اصطلح على تسميته بـ"الحدث"، والطهارة منه بالوضوء أو الغسل تسمى بـ"الطهارة من الحدث".
م ـ 54: الحدث مصطلح خاص يُراد به نوعان:
الأول: الحدث الأصغر: وهو خصوص خروج البول، والغائط، والريح من الدبر، والاستحاضة القليلة، وحدوث ما يسبب غياب العقل، مثل النوم والسكر والإغماء، وهذه الأحداث تزول بالوضوء أو بالتيمم بدلاً عنه.
الثاني: الحدث الأكبر: وهو حدوث الموت أو الجنابة أو الحيض أو النفاس أو الاستحاضة المتوسطة أو الكثيرة أو مس الميت، ويزول هذا الحدث بالغسل أو بالتيمم بدلاً عنه.
أمّا النجاسة الخبثية فقد اصطلح على تسمية مثل الدم والبول والميتة وغيرها من أنواع النجاسة بـ (الأعيان النجسة) بوصفها المصدر والأصل في حدوث النجاسة، فإذا وقع شيء منها على اليد أو الثوب أو الأثاث أو غيرها من الأشياء سمي الشيء الذي وقعت عليه بـ (المتنجس)، لأنَّه كان طاهراً فتنجس وتأثر بوقوع النجاسة عليه.
م ـ 55: تجب الطهارة من الخبث ومن الحدث، أو من أحدهما منفرداً، مقدمة لبعض العبادات، وخاصة الصلاة، بالنحو الذي سوف نفصله لاحقاً، وقد تجب الطهارة منهما أو من أحدهما بنفسها إذا صارت متعلّقاً للنذر أو العهد أو اليمين، كما لو نذر الإنسان أن يبقى على وضوء دائماً، أو نذر أن يطهر ثوبه أو جسده من كلّ نجاسة خبيثة فوراً، وفي ما عدا هاتين الحالتين فإنَّ الطهارة من الخبث والحدث مستحبة في نفسها، وذلك لما لها من آثار صحية ومعنوية واجتماعية محبوبة ومرغوبة، فلا يجب ـ مثلاً ـ على من لا يريد الصلاة أو الصوم أو الطواف أو الوضوء أو الاغتسال من الجنابة، بل يستحب له ذلك للكون على طهارة أو لغيره من الغايات المستحبة، كذلك فإنَّ تطهير الثوب أو البدن في غير وقت الصلاة غير واجب، ولكنَّه مستحب من جهة أثره في نظافة المؤمن وآداب تجمله.
م ـ 56: لا يجوز أكل الطعام النجس ولا المتنجس، كذلك لا يجوز شربهما. أمّا الأطفال فإنَّه يجب منعهم من تناول المسكرات المائعة أو الجامدة مثل المخدرات، والأحوط الأولى منعهم من تناول الأعيان النجسة، مثل الدم والميتة ونحوهما، إلاَّ أن تكون مضرة بهم فيحرم على الولي جعلها في متناول أيديهم وتمكينهم منها، نعم لا مانع من تمكين الأطفال من الأطعمة أو الأشربة المتنجسة، من دون فرق بين ما كان متنجساً من غيرهم وبين ما نجسوه بمباشرتهم له، وإن كان الأولى تجنيبهم ذلك ما أمكن.
م ـ 57: كما يحرم على المكلّف أكل النجس وشربه يحرم عليه التسبُّب بأكل الغير له أو شربه، فإذا باع أو أعار طعاماً أو وعاءً لجعل الطعام فيه وكان نجساً وجب عليه إعلام المشتري أو المستعير. نعم لا يجب عليه الإخبار بنجاسة الطعام للجاهل به إذا لم يكن هو الذي قدّم له الطعام.
م ـ 58: إذا استعار إناءً أو كتاباً أو ثوباً مثلاً فتنجس عنده وجب إخبار المالك إذا كان مما يستعمله في ما يشترط فيه الطهارة، وهو الأحوط وجوباً في ما عدا ذلك.
م ـ 59: إذا قدّم صاحب البيت لضيفه ثوباً أو فراشاً متنجساً فباشره برطوبة فتنجس وجب على صاحب البيت إخبار ضيفه بالنجاسة، وأمّا إذا لم يكن هو الذي قدّمه له فالأحوط وجوباً إعلامه كذلك.
أمّا استيفاء الكلام في أحكام الطهارة فيقع في فصول: