يتوجَّه الإنسان إلى إشباع غريزة الجنس المودَعة فيه مثلما يتوجه إلى إشباع أية غريزة أخرى دون أن يشعر ـ ابتداءً ـ بأية مسؤولية تستتبع ذلك الإشباع، ولولا أن الوحي الإلهي وما رافقه من تشريع حكيم قد رافق مسيرة الإنسان منذ وجوده على الأرض، ونظَّم له حياته عليها، ودلَّه على ما فيه صلاحه وفساده، لما قامت (الأسرة) التي استوعبت هذه الغريزة وحَدَّتْ من غلوائها ونَظَّمتْ فُوضاها؛ بما اشتملت عليه من ركني الأبوة والأمومة وبما بيّنت من دور لكل واحد منهما تتحدّد على أساسه مسؤولية الرجل والمرأة فيها بوصفهما زوجين أولاً، ثم بوصفهما أبوين فيما بعد.
وفي الوقت الذي قَبِلَ فيه الإسلام إشباع غريزة الجنس، بل وحثَّ على إشباعها، فإنه اعتبر الزواج عملاً مهماً أشبه بالعبادة منه بقضاء الوطر، وذلك لأنه يُخرج الإنسان من لهو الحياة الفردية وتَرسُّلها إلى جد الحياة الزوجية وانضباطها، ويجعل الإنسان في مواقع المسؤولية التي تتعاظَم يوماً بعد يوم، فتنصقل بها قوى الإنسان وقابلياته ويَحسُن بها أداؤه لوظيفته في شتى المجالات التي يجب ـ أو يَحسُنُ ـ أن يتواجد فيها ليقوم بدوره المطلوب منه، إن حسن قيام الإنسان بواجبه تجاه زوجته وأولاده أمر مطلوب وضروري، وهو لا يقف عند حدود حياة المرء ومكابدته فيها، بل يستمر ذلك الدور وتلك المسؤولية لما بعد الموت ليكون جهد الإنسان الأخلاقي متمثلاً في ذرية صالحة، وليكون جهده المادي زاداً وعدة لتلك الذرية ترث ثمرته مالاً وعمراناً لتستأنف مسيرة الوالد بخطوات واثقة وتجربة واعية، فتستمر دورة الحياة في كل جيل، ويكون ذلك الجيل هو المسؤول عن مستقبل التجربة الإنسانية في نجاحها وفشلها إلى أن يرث الله تعالى الأرض وما عليها.
فيما يلي سوف نستعرض هذه الأحكام في مدخل نبيّن فيه علاقة الرجل بالمرأة في إطارها العام، ثم نبيّن أحكام الزواج وما يناسبه، و أحكام الطلاق وما يلحق به، متّكلين على الله تعالى.