محاضرات
06/10/2023

لا موادَّةَ بينَ المؤمنينَ والمعادينَ للهِ والرَّسول

21 ربيع الأوَّل 1445هـ
لا موادَّةَ بينَ المؤمنينَ والمعادينَ للهِ والرَّسول

يقول تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة: 56]. ولكن كيف يكون الإنسان حزباً للهِ سبحانهُ وتعالى؟ وما عمق هذهِ العلاقة؟ هل تتمثَّل بمجرَّد قيامهِ بالعبادات؟ أو أنَّها أعمق من ذلك؟
نحن نقرأ قوله تعالى في سورة المجادلة: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ}.
{يوادُّونَ...}، بمعنى أنهم يتعمَّقون في الإخلاص لهم، ويعتبرونهم من أودّائهم الذين ينتمون إليهم، والَّذين ينصرونهم ويساعدونهم، بحيث يكونون جماعتهم ويكونون حزبهم، كالكثيرين ممَّن نراهم في أجواء الانتخابات يلتزمون الشخصيَّات العلمانيَّة التي تنكر على المؤمنين إيمانهم، وتنكر على المسلمين إسلامهم، وتنكر على الإسلام أن يكون شريعة البلد الَّذي يعيشون فيه... فالمؤمنون لا يوادّون من تمرّد على الله ورسولهِ، ومـن حارب الله ورسوله، ومن عادَى الله ورسوله، في نفسهِ من حيث الكفر أو الشِّرك، أو فـي عملـهِ مـن حيـث العصيـان.
{وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}... وهنا إشارة إلى قضيَّة الاندماج والانتماء مع القرابة، أو من تتَّصل مصالح الإنسان به، وذلك أن ينتمي الإنسان إلى الملحدين أو إلى الكافرين أو العلمانيّين الَّذين ينكرون على الدِّين أنَّه يصلح للحياة، وأنَّه يدخل في السياسة والقانون وما إلى ذلك، بحيث يخذلون المؤمنين لمصلحة غير المؤمنين.
وما هي النَّتيجة لمن يقف هذا الموقف الإيمانيّ الصَّادق؟ {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ}. والمقصود بالروح من الله - هنا - كلّ ما يفيضه الله عليهم من ألطافهِ وروحانيَّته وما إلى ذلك، {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ}، لأنهم أطاعوهُ وأخلصوا له، ولأنهم توجَّهوا إليه ولم يتوجَّهوا إلى غيره، {وَرَضُوا عَنْهُ}، لأنهم آمنوا بهِ، ولأنهم شكروهُ على ما رزقهم من كلِّ ما أعطاهم وأنعم عليهم به، {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة: 22]. وهذه العاقبة هي ما يتمنَّاه الإنسان. وقد جاء في دعاء يوم الثّلاثاء المنسوب إلى الإمام زين العابدين (ع): «واجعلني من حزبك فإِنَّ حزبكَ هم المفلحون».
إنَّ هذهِ الآية تركِّز كيف تكون صفة المؤمنين بالله ورسوله، في علاقاتهم الروحيَّة، ومشاعرهم العاطفيَّة، أي أنَّ القضيَّة في العلاقة مع الله تنطلق من الداخل، من عمق إحساسك، ومن عمق مشاعرك، ومن عمق عقلك، ومن عمق نبضات قلبك.. فهل يحاولون الفصل، كما يقول البعض: الدّين شيءٌ والسياسة شيءٌ آخر، والدّين شيءٌ والمصلحة شيءٌ آخر، أو الدّين شيءٌ والتجارة شيءٌ آخر؟ أي هل يحاولون أن يفصلوا بين موقفهم الإيماني والعقيدي وموقفهم الذاتي، لتكون عاطفة القرابة حيّةً في نفوسهم، بحيث لا تؤثّر فيها عاطفةُ العقيدة، فتنفتح قلوبهم للكافرين الَّذين يمتّون إليهم بصلة القرابة، أو يعملون على أن يكون الموقف معهم واحداً؟!
إنَّ المسألة - في الانتماء العقيدي - ليست شيئاً يتحرَّك في زاوية من زوايا الكيان، بل هي الروح الَّتي تشمل الكيان كلَّه. وفي ضوء ذلك، فإن كلَّ واحدٍ منهما ينفي الآخر؛ الكفر ينفي الإيمان، والإيمان ينفي الكفر، إذ لا علاقة بين الكفر والإيمان... لأنَّ الكفر في جانب، والإيمان في جانب آخر، فلا يمكن أن يلتقي من يخلصُ للكفر بمن يخلص للإيمان، ولا يمكن أن تكون هناك أيّ موادَّة بين هذين النَّموذجين، ما يعني أنَّ الإيمان موقفٌ ينفي الودَّ الفكريَّ والروحيّ لمن حادَّ الله ورسوله أمام مسألة العقيدة، حتَّى إنَّه قد تفرضُ العقيدة في مواقف التحدي أن يقتل الإنسان أباه وولدهُ أو أخاه أو أفراد عشيرتهِ إذا وقفوا في الموقف المعادي للإسلام والمسلمين، كما حدث لبعض الصحابة في معركة بدر، وكما حدَّثنا القرآن الكريم عن موقف نوح من ولدهِ، وعن موقف إبراهيم من أبيهِ...
وهذا هو الخطّ الَّذي يريد الإسلام للإنسان المسلم أن يقف عنده ويتحرَّك فيه، ليكون منفصلاً عن كلِّ المواقع المضادَّة للإسلام، في عمليَّة رفضٍ فكريٍّ وعمليِّ، يؤكِّد الحاجز الفاصل بين الإسلام والكفر.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.
يقول تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة: 56]. ولكن كيف يكون الإنسان حزباً للهِ سبحانهُ وتعالى؟ وما عمق هذهِ العلاقة؟ هل تتمثَّل بمجرَّد قيامهِ بالعبادات؟ أو أنَّها أعمق من ذلك؟
نحن نقرأ قوله تعالى في سورة المجادلة: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ}.
{يوادُّونَ...}، بمعنى أنهم يتعمَّقون في الإخلاص لهم، ويعتبرونهم من أودّائهم الذين ينتمون إليهم، والَّذين ينصرونهم ويساعدونهم، بحيث يكونون جماعتهم ويكونون حزبهم، كالكثيرين ممَّن نراهم في أجواء الانتخابات يلتزمون الشخصيَّات العلمانيَّة التي تنكر على المؤمنين إيمانهم، وتنكر على المسلمين إسلامهم، وتنكر على الإسلام أن يكون شريعة البلد الَّذي يعيشون فيه... فالمؤمنون لا يوادّون من تمرّد على الله ورسولهِ، ومـن حارب الله ورسوله، ومن عادَى الله ورسوله، في نفسهِ من حيث الكفر أو الشِّرك، أو فـي عملـهِ مـن حيـث العصيـان.
{وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}... وهنا إشارة إلى قضيَّة الاندماج والانتماء مع القرابة، أو من تتَّصل مصالح الإنسان به، وذلك أن ينتمي الإنسان إلى الملحدين أو إلى الكافرين أو العلمانيّين الَّذين ينكرون على الدِّين أنَّه يصلح للحياة، وأنَّه يدخل في السياسة والقانون وما إلى ذلك، بحيث يخذلون المؤمنين لمصلحة غير المؤمنين.
وما هي النَّتيجة لمن يقف هذا الموقف الإيمانيّ الصَّادق؟ {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ}. والمقصود بالروح من الله - هنا - كلّ ما يفيضه الله عليهم من ألطافهِ وروحانيَّته وما إلى ذلك، {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ}، لأنهم أطاعوهُ وأخلصوا له، ولأنهم توجَّهوا إليه ولم يتوجَّهوا إلى غيره، {وَرَضُوا عَنْهُ}، لأنهم آمنوا بهِ، ولأنهم شكروهُ على ما رزقهم من كلِّ ما أعطاهم وأنعم عليهم به، {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة: 22]. وهذه العاقبة هي ما يتمنَّاه الإنسان. وقد جاء في دعاء يوم الثّلاثاء المنسوب إلى الإمام زين العابدين (ع): «واجعلني من حزبك فإِنَّ حزبكَ هم المفلحون».
إنَّ هذهِ الآية تركِّز كيف تكون صفة المؤمنين بالله ورسوله، في علاقاتهم الروحيَّة، ومشاعرهم العاطفيَّة، أي أنَّ القضيَّة في العلاقة مع الله تنطلق من الداخل، من عمق إحساسك، ومن عمق مشاعرك، ومن عمق عقلك، ومن عمق نبضات قلبك.. فهل يحاولون الفصل، كما يقول البعض: الدّين شيءٌ والسياسة شيءٌ آخر، والدّين شيءٌ والمصلحة شيءٌ آخر، أو الدّين شيءٌ والتجارة شيءٌ آخر؟ أي هل يحاولون أن يفصلوا بين موقفهم الإيماني والعقيدي وموقفهم الذاتي، لتكون عاطفة القرابة حيّةً في نفوسهم، بحيث لا تؤثّر فيها عاطفةُ العقيدة، فتنفتح قلوبهم للكافرين الَّذين يمتّون إليهم بصلة القرابة، أو يعملون على أن يكون الموقف معهم واحداً؟!
إنَّ المسألة - في الانتماء العقيدي - ليست شيئاً يتحرَّك في زاوية من زوايا الكيان، بل هي الروح الَّتي تشمل الكيان كلَّه. وفي ضوء ذلك، فإن كلَّ واحدٍ منهما ينفي الآخر؛ الكفر ينفي الإيمان، والإيمان ينفي الكفر، إذ لا علاقة بين الكفر والإيمان... لأنَّ الكفر في جانب، والإيمان في جانب آخر، فلا يمكن أن يلتقي من يخلصُ للكفر بمن يخلص للإيمان، ولا يمكن أن تكون هناك أيّ موادَّة بين هذين النَّموذجين، ما يعني أنَّ الإيمان موقفٌ ينفي الودَّ الفكريَّ والروحيّ لمن حادَّ الله ورسوله أمام مسألة العقيدة، حتَّى إنَّه قد تفرضُ العقيدة في مواقف التحدي أن يقتل الإنسان أباه وولدهُ أو أخاه أو أفراد عشيرتهِ إذا وقفوا في الموقف المعادي للإسلام والمسلمين، كما حدث لبعض الصحابة في معركة بدر، وكما حدَّثنا القرآن الكريم عن موقف نوح من ولدهِ، وعن موقف إبراهيم من أبيهِ...
وهذا هو الخطّ الَّذي يريد الإسلام للإنسان المسلم أن يقف عنده ويتحرَّك فيه، ليكون منفصلاً عن كلِّ المواقع المضادَّة للإسلام، في عمليَّة رفضٍ فكريٍّ وعمليِّ، يؤكِّد الحاجز الفاصل بين الإسلام والكفر.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية