استشارة..
السَّلام عليكم.
أنا شابة أبلغ من العمر 23 عاماً، ولم يتقدم أحد للزواج مني، فهل تتعلق المشكلة بي، أو أن ذلك كله بإذن الله وكل شيء نصيب. هل أستطيع أن أفعل شيئاً مثل قراءة أدعية معيّنة للمساعدة على إتمام الأمر؟ وماذا تنصحني أن أفعل؟ وشكراً.
وجواب..
لقد كثرت هذه الحالة التي تشكين منها، وهي حالة تأخر سن الزواج عند الفتاة والشاب أيضاً، بل يمكننا القول إن تأخر سن الزواج عند الفتاة سببه تأخره عند الشاب، وذلك مراعاة منه لفارق العمر بينهما كي لا يكون كبيراً، فمن لا يمكنه أن يتزوج نتيجة الظروف الاقتصادية الضاغطة في معظم البلدان، إلا بعد أن يصل إلى ما فوق الثلاثين عاماً، فإنه في الغالب سيختار من هي فوق العشرين عاماً، وعليه، فإن زواج بناتنا الذي كان يتم في الغالب ما بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة عاماً، هو حالة قد مضت ولا وجود لها الآن إلا قليلاً، نتيجة لتغير ظروف الناس، وبالتالي لن تعتبر الفتاة عانساً ولن يحزنها إذا تجاوزت العشرين بعدة سنوات دون أن تتزوج، مثلما كان يحزنها ذلك في الماضي، وعلى الأمهات أن يدركن ذلك، وأن لا يوهمن بناتهن أنهنَّ في وضع غير طبيعي، وأنهن مهدّدات بالعنوسة، بل إنهن لا يزلن في وضع طبيعي، لأنَّه متناسب مع الظّروف المستجدة.
إذاً، فأنت يا أختاه لست في وضع صعب، وما يزال الأمل كبيراً في قدوم الخاطب المناسب، إن شاء الله تعالى.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الأمور كلها تجري بعلم الله تعالى وقضائه وقدره، ولكنها تجري أيضاً بأسبابها، وليس بتدخل مباشر من الله تعالى، فمن وضع بذرة الليمون في التراب المناسب وسقاها بالمقدار المناسب وأبعد عنها الأضرار، فإنها ستنمو وتصير شجرة تحمل ليموناً، وسيأكل زارعها نتيجة تعبه ليموناً نافعاً مفيداً. والزارع سينتفع بزرعه، سواء كان مؤمناً أو كافراً، أما لو وضعنا البذر في ظروف غير صحيحة، فهي لن تصير شجرة تحمل الليمون، حتى لو كان الزارع عابداً تقياً عالماً مجتهداً، فهنا قد أمرنا الله تعالى بالزرع وترك نمو الرزع لأسبابه، وحين ينمو الزرع عند الكافر ولا ينمو عند المؤمن، ليس ذلك لأن الله يحب الكافر وتدخَّل في زرعه فجعله ينمو، وأنه لا يحب المؤمن فتدخل في زرعه فجعله لا ينمو ولا يثمر.
وحالة الزواج هي من هذا القبيل، فحين يتزوج الشاب أو الفتاة، فلأن الظروف المناسبة قد توافرت لزواجهما، مثل المال وجمال الشكل وملاقاة الشخص المناسب، وحين لا يتزوجان، فإن الظروف المناسبة لا تكون متوافرة، سواء في ذلك الفتاة أو الشاب، الذي كثيراً ما لا يتزوج ويبقى عازباً، لأنه فقير أو دميم أو فيه عيب أو مريض أو غير جذاب، أو غير ذلك، حيث لا تقتصر العنوسة على الفتاة وحدها، وحيث لا فرق في ذلك بين المؤمنين والمسلمين وغيرهم، لأن ذلك قانون عام له أسبابه التي يجري فيها دون أن يتدخل الله تعالى به مباشرة. نعم، هو تعالى يعلم مسبقاً أنَّ فلاناً أو فلانة لن يتزوجا، ولكن علمه تعالى لا يعني أنه هو الذي تدخل كي لا يتزوج، بل لأن الله تعالى يعلم أن ظروفه لن تساعده للزواج.
وعليه، فإنّ هذا القانون يجري في الصحة والمرض، والنجاح والفشل، والسعادة والشقاء، فما يحدث من شيء من ذلك إلا إذا توافرت أسبابه، وذلك رغم أن الله تعالى يعلم مسبقاً مآل الإنسان وما سيجري عليه، وهذا هو معنى التقدير، وليس معنى التقدير أنه تعالى يتدخل في ذلك فيجعل من يشاء سعيداً بدون سبب، ويجعل من يشاء شقياً بدون سبب، بل هو العادل الحكيم تبارك وتعالى، وبهذا يتبين لنا أن الدعاء قد ينفعنا، وهو ضروري، لكن من عناصر الإجابة وتحقق ما نرجو، توافر أسبابه خارجياً.
وعلى هذا الأساس، فإن العنوسة أو تأخر سن الزواج قد يحدث لقلة اختلاط الفتاة أو أسرتكم بغيرها من الأسر من الأقارب والجيران، وقد تكون ثمة عادات في المنطقة التي تسكنون فيها تعيق زواج الفتاة، مثل ما لو كان أهلها أغراباً جغرافياً أو مذهبياً أو عائلياً، ومثل ما لو كانت الفتاة ليس عندها مستوى ثقافي بالدرجة المرغوبة للخاطب، أو كانت غير عاملة، لأن العاملة مرغوبة أكثر، أو كانت مواصفات جمالها أقل من المرغوب، أو ما شابه ذلك، حيث إننا أمام مثل هذه الأسباب سنتوقع قلة فرص زواج هذه الفتاة، وتأخر سن زواجها.
وعلى العموم، فإن على الفتاة أن لا تحزن كثيراً من أجل ذلك، وأن توطّن نفسها وتهيأها لتقبل هذا الواقع، وأن تضع في حساباتها أن الدنيا لن تخرب من أجل ذلك، وأنه يفترض بها أن ترتب أمورها بما يتناسب مع حياة العنوسة، وبما أن أكثر ما سيزعج الفتاة هو حياة الوحشة التي ستشعر بها، فإن من الجيد لها أن تنخرط في نشاطات اجتماعية أو دينية أو ثقافية تقدم فيها ما تقدر عليه من خدمات وتساهم في الدعوة إلى الله تعالى وازدهار المجتمع، فيكون ذلك تعويضاً عن دورها كزوجة وأم ولو جزئياً حين تفوتها هذه الفرصة، إضافة إلى أنها لو كان سيزعجها المساهمة في خدمة الأهل والضيوف، فلتتقبل ذلك بقصد التقرب إلى الله تعالى، براً بوالديها، ورضا بالواقع المفروض، وتسليماً لما جرت به المقادير، وستثاب على ذلك بقدر إخلاصها فيه.
***
مرسلة الاستشارة: حنين.
المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي،
عالم دين وباحث، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).
التاريخ: 2 نيسان 2013م.
نوع الاستشارة: اجتماعية.
استشارة..
السَّلام عليكم.
أنا شابة أبلغ من العمر 23 عاماً، ولم يتقدم أحد للزواج مني، فهل تتعلق المشكلة بي، أو أن ذلك كله بإذن الله وكل شيء نصيب. هل أستطيع أن أفعل شيئاً مثل قراءة أدعية معيّنة للمساعدة على إتمام الأمر؟ وماذا تنصحني أن أفعل؟ وشكراً.
وجواب..
لقد كثرت هذه الحالة التي تشكين منها، وهي حالة تأخر سن الزواج عند الفتاة والشاب أيضاً، بل يمكننا القول إن تأخر سن الزواج عند الفتاة سببه تأخره عند الشاب، وذلك مراعاة منه لفارق العمر بينهما كي لا يكون كبيراً، فمن لا يمكنه أن يتزوج نتيجة الظروف الاقتصادية الضاغطة في معظم البلدان، إلا بعد أن يصل إلى ما فوق الثلاثين عاماً، فإنه في الغالب سيختار من هي فوق العشرين عاماً، وعليه، فإن زواج بناتنا الذي كان يتم في الغالب ما بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة عاماً، هو حالة قد مضت ولا وجود لها الآن إلا قليلاً، نتيجة لتغير ظروف الناس، وبالتالي لن تعتبر الفتاة عانساً ولن يحزنها إذا تجاوزت العشرين بعدة سنوات دون أن تتزوج، مثلما كان يحزنها ذلك في الماضي، وعلى الأمهات أن يدركن ذلك، وأن لا يوهمن بناتهن أنهنَّ في وضع غير طبيعي، وأنهن مهدّدات بالعنوسة، بل إنهن لا يزلن في وضع طبيعي، لأنَّه متناسب مع الظّروف المستجدة.
إذاً، فأنت يا أختاه لست في وضع صعب، وما يزال الأمل كبيراً في قدوم الخاطب المناسب، إن شاء الله تعالى.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الأمور كلها تجري بعلم الله تعالى وقضائه وقدره، ولكنها تجري أيضاً بأسبابها، وليس بتدخل مباشر من الله تعالى، فمن وضع بذرة الليمون في التراب المناسب وسقاها بالمقدار المناسب وأبعد عنها الأضرار، فإنها ستنمو وتصير شجرة تحمل ليموناً، وسيأكل زارعها نتيجة تعبه ليموناً نافعاً مفيداً. والزارع سينتفع بزرعه، سواء كان مؤمناً أو كافراً، أما لو وضعنا البذر في ظروف غير صحيحة، فهي لن تصير شجرة تحمل الليمون، حتى لو كان الزارع عابداً تقياً عالماً مجتهداً، فهنا قد أمرنا الله تعالى بالزرع وترك نمو الرزع لأسبابه، وحين ينمو الزرع عند الكافر ولا ينمو عند المؤمن، ليس ذلك لأن الله يحب الكافر وتدخَّل في زرعه فجعله ينمو، وأنه لا يحب المؤمن فتدخل في زرعه فجعله لا ينمو ولا يثمر.
وحالة الزواج هي من هذا القبيل، فحين يتزوج الشاب أو الفتاة، فلأن الظروف المناسبة قد توافرت لزواجهما، مثل المال وجمال الشكل وملاقاة الشخص المناسب، وحين لا يتزوجان، فإن الظروف المناسبة لا تكون متوافرة، سواء في ذلك الفتاة أو الشاب، الذي كثيراً ما لا يتزوج ويبقى عازباً، لأنه فقير أو دميم أو فيه عيب أو مريض أو غير جذاب، أو غير ذلك، حيث لا تقتصر العنوسة على الفتاة وحدها، وحيث لا فرق في ذلك بين المؤمنين والمسلمين وغيرهم، لأن ذلك قانون عام له أسبابه التي يجري فيها دون أن يتدخل الله تعالى به مباشرة. نعم، هو تعالى يعلم مسبقاً أنَّ فلاناً أو فلانة لن يتزوجا، ولكن علمه تعالى لا يعني أنه هو الذي تدخل كي لا يتزوج، بل لأن الله تعالى يعلم أن ظروفه لن تساعده للزواج.
وعليه، فإنّ هذا القانون يجري في الصحة والمرض، والنجاح والفشل، والسعادة والشقاء، فما يحدث من شيء من ذلك إلا إذا توافرت أسبابه، وذلك رغم أن الله تعالى يعلم مسبقاً مآل الإنسان وما سيجري عليه، وهذا هو معنى التقدير، وليس معنى التقدير أنه تعالى يتدخل في ذلك فيجعل من يشاء سعيداً بدون سبب، ويجعل من يشاء شقياً بدون سبب، بل هو العادل الحكيم تبارك وتعالى، وبهذا يتبين لنا أن الدعاء قد ينفعنا، وهو ضروري، لكن من عناصر الإجابة وتحقق ما نرجو، توافر أسبابه خارجياً.
وعلى هذا الأساس، فإن العنوسة أو تأخر سن الزواج قد يحدث لقلة اختلاط الفتاة أو أسرتكم بغيرها من الأسر من الأقارب والجيران، وقد تكون ثمة عادات في المنطقة التي تسكنون فيها تعيق زواج الفتاة، مثل ما لو كان أهلها أغراباً جغرافياً أو مذهبياً أو عائلياً، ومثل ما لو كانت الفتاة ليس عندها مستوى ثقافي بالدرجة المرغوبة للخاطب، أو كانت غير عاملة، لأن العاملة مرغوبة أكثر، أو كانت مواصفات جمالها أقل من المرغوب، أو ما شابه ذلك، حيث إننا أمام مثل هذه الأسباب سنتوقع قلة فرص زواج هذه الفتاة، وتأخر سن زواجها.
وعلى العموم، فإن على الفتاة أن لا تحزن كثيراً من أجل ذلك، وأن توطّن نفسها وتهيأها لتقبل هذا الواقع، وأن تضع في حساباتها أن الدنيا لن تخرب من أجل ذلك، وأنه يفترض بها أن ترتب أمورها بما يتناسب مع حياة العنوسة، وبما أن أكثر ما سيزعج الفتاة هو حياة الوحشة التي ستشعر بها، فإن من الجيد لها أن تنخرط في نشاطات اجتماعية أو دينية أو ثقافية تقدم فيها ما تقدر عليه من خدمات وتساهم في الدعوة إلى الله تعالى وازدهار المجتمع، فيكون ذلك تعويضاً عن دورها كزوجة وأم ولو جزئياً حين تفوتها هذه الفرصة، إضافة إلى أنها لو كان سيزعجها المساهمة في خدمة الأهل والضيوف، فلتتقبل ذلك بقصد التقرب إلى الله تعالى، براً بوالديها، ورضا بالواقع المفروض، وتسليماً لما جرت به المقادير، وستثاب على ذلك بقدر إخلاصها فيه.
***
مرسلة الاستشارة: حنين.
المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي،
عالم دين وباحث، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).
التاريخ: 2 نيسان 2013م.
نوع الاستشارة: اجتماعية.