استشارة.. لديَّ أخ شاب في السادسة والعشرين من عمره. عرض على والديّ قبل عدة أشهر فكرة الزواج من امرأة مطلقة تكبره ببضع سنوات ولديها طفل. ولكنَّ والديّ رفضا فكرة هذا الزواج بشكل مطلق، لقناعتهما بأن ظروف هذه المرأة لن تحقق له السعادة، ولن تكون في صالحه على الأغلب، إضافةً إلى قناعتهم بأن هذا الزواج سيؤثر في سمعتهم بشكل سيئ، بسبب نظرة المجتمع السلبية والتشكيكية بفكرة زواج شاب لم يسبق له الزواج، بامرأة بهذه المواصفات.
المشكلة أنَّ أخي ما زال مقتنعاً بخياره وبعدم صحة موقف والديّ، وهو في وضع نفسي سيئ منذ رفضهم، أي بعد مرور قرابة نصف عام على الموضوع. وعلى الرغم من حديث والديّ بهدوء وعقلانية معه عدة مرات، بغية إقناعه بتجاوز الأمر لتحسين حياته، إلا أنّ حالته النفسيَّة السيئة سبّبت جفاءً في تعامله معهما، كما أنه يقول إنَّ طريقة تعامله مع والديه وتمسكه بخياره، أمران خارجان عن إرادته، رغم محاولاته المتكررة للتغيير وتحسين التعامل معهما، محملاً في الوقت نفسه والديّ مسؤولية الوضع السيئ، ففي نظره، لا يوجد مواصفات سيئة في خياره، وإنما نظرة والديّ المتشائمة إلى هكذا زواج، هي من تسبّب مخاوف مبالغة تعرقل قناعتهم بهذا الأمر.
كذلك، فإنه لا يتقبّل أبداً مراعاة والديّ لنظرة المجتمع، لأنه يرى في ذلك مراعاة للناس على حساب سعادته وحقه في الاختيار. وهو الآن على قناعة تامة بأن الحل ليس في يده وإنما في يد والديّ.
في رأيكم، ما الذي يتوجب على والديّ وأخي لحل هذه المشكلة؟
وجواب.. يحدث كثيراً تصادم بين الولد والأهل عندما يرغب الولد في الزواج واختيار الزوجة التي يراها مناسبة له، في حين يراها أهله غير مناسبة، ويقترحون عليه أن يتزوج غيرها. ومن الواضح أنَّ أسباب هذا الاختلاف بين الأهل والولد في نظرة كل منهما إلى مدى أهلية الفتاة ومناسبتها لولدهم، متعددة، ومن ذلك إصرار الأهل على تزويج الولد من عائلته وعشيرته، خضوعاً للتقاليد التي تلزم بذلك، ومنها ما لو كان بين أهل الفتاة وأهل الشاب عداوة وخصومة، حيث لا يرضى أهل الشاب إطلاقاً بتزويج ابنهم من خصومه، ومن الأسباب اختلاف المذهب أو القومية أو المستوى الاجتماعي، حيث لا يرضى الأهل بزواج ابنهم من فتاة تخالفهم في المذهب أو الوطن أو المستوى الاجتماعي، ومن الأسباب ما ذكره المستشير في رسالته، أو لكونها غير ملتزمة دينياً، أو لكون أهلها غير ملتزمين دينياً، أو لغير ذلك من الأسباب التي لا تكاد تحصى.
من الواضح أيضاً أنَّ دوافع الأهل للتدخّل متعدّدة، فأحياناً يكون تدخلهم لاعتبارات شخصية تعنيهم هم كأهل، من دون أن يهتموا لمصلحة ولدهم وظروفه التي أملت عليه ذلك الاختيار، وهو أمر مرفوض شرعاً وعرفاً، لأن الولد أمانة عند أهله، ويجب أن يكون المعيار لموقفهم قبولاً ورفضاً هو سعادة الولد، وما دام لا يوجد سبب وجيه للرفض، سوى عنادهم أو ضيق أفقهم أو استمرارهم في مخاصمة أهل الفتاة أو ما أشبه ذلك من الاعتبارات الذاتية غير المقبولة شرعاً وعرفاً، فإن ذلك أمر لا يحبه الله تعالى لما فيه من جور على الولد وخيانة لمسؤوليتهم المؤتمنين عليها، بل عليهم تسهيل الأمور ومباركة ذلك الزواج وترك الولد لاختياره الذي يرى فيه سعادته.
وأحياناً يكون رفض الأهل بدافع الإشفاق على الولد والحرص على مصلحته، وخصوصاً إن كان الأهل ودودين ومتدينين وعندهم تجربة وحكمة في معالجة الأمور، فإن على الولد أن يقدر هذه العاطفة، وأن يحسن الإصغاء إليهم والتفكير بنصائحهم، أولاً لأن تجربتهم في الحياة أكبر وأعمق، في حين هو لا يزال قليل التجربة، على الرغم مما قد يكون عليه من مستوى ثقافي، وثانياً لأنهم ينظرون إلى الأمور نظرة محايدة وببرودة أعصاب ومن جميع النواحي، في حين قد يتحكم بالشاب انفعاله وحبه وانجذابه للفتاة ونظرته الضيقة التي قد تؤثر في دقة حكمه على الأشياء، وخصوصاً إن كان حديث المعرفة بالفتاة وأهلها.
وثالثاً: لأنَّ زوجة الولد ستعيش في محيط الأهل، لهذا يفترض أن يكون لهم رأي في اختيارها، لأنَّ وجودها سيؤثر فيهم سلباً إن كانت فيها صفات سيئة، أو يؤثر فيهم إيجاباً إن كان فيها صفات جيدة، ولذا فإن على الولد أن يحسب لرأي أهله حساباً من هذه الجهة، وذلك بسبب تشابك العلاقات بين الأهل والكنة، وخصوصاً الأم.
وعلى العموم، فإن الحالة التي شرحتها في سؤالك هي من الحالات المستهجنة عند الأهل والناس، إذ من غير المألوف أن يتزوج الشاب العازب بامراة مطلقة عند بعض الناس، لأنها في الغالب ستحمل همومها معها، وخصوصاً علاقتها بولدها الذي سيكون وجوده عبئاً على والدته وعلى زوجها، سواء لجهة تربيته أو لجهة حضوره بينهما عند خلوتهما، وخصوصاً إذا كان قد تجاوز سن الطفولة الأولى وصار واعياً، فالعريس الشاب سيرغب بالخلوة كثيراً بزوجته في سنته الأولى، كما أن زوجها السابق سيبقى هاجساً لهذا الشاب إذا كان غيوراً. وزيادة على هذا كله، فإن المرأة الأكبر سناً قد يذوي جمالها ويبهت صباها جرّاء الحمل وغيره، فتتضاءل بسببه رغبتها الجنسية، في حين يبقى الرجل في عنفوان قوته ورغبته، الأمر الذي قد يثير مخاوف المرأة من أن يبرد حبه لها ورغبته فيها، فيتزوج عليها، وربما من أجل ذلك ورد الحث على تزوج البكر، حيث يظهر أن السبب في ذلك ليس كونها بكراً من الناحية العضوية، بل لجهة أنها ستكون علاقته بها أقل تعقيداً من علاقته بالمرأة المتزوجة، لذا فإنه على الرغم من عدم وجوب مطاوعة الشاب لأهله فإن نصيحتهم في محلها، كما أن على الأهل أن يدعوه لما يحبه إن أصر على الزواج منها، وليتقبلوا الأمر وليباركوا له، فربما كان زواجه بها سعيداً، وخصوصاً أنه لا يجب على الشاب مطاوعة أهله في ذلك.
***
مرسل الاستشارة: علي الحسيني. المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي، عالم دين وباحث ومؤلّف، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض). التاريخ: 25 آذار 2013م. نوع الاستشارة: اجتماعية. |