ونريد به: بيان النوع الثاني من أنواع القرابة الموجبة لحرمة التزوج، وهو الرضاع. وذلك: إنه إذا ارتضع ولدٌ حليبَ إمرأة لم تلده رضاعاً موافقاً للشروط التي سنذكرها في مبحث آخر، وقعت بسبب هذا الرضاع بين الرضيع وبين عدد من الرجال والنساء قرابة سببية موجبة لحرمة تزوج بعضهم من البعض الآخر، وحيث تجب مراعاة ذلك عند اختيار الزوج فإنه لا بد من معرفة من يحرم بالرضاع تفصيلياً، كي يُعمل عليه. (أنظر حول شروط الرضاع المسائل: 820 وما بعدها).
وأصل ذلك كله أن الرضاع يوجب ـ شرعاً ـ أبوة (صاحب اللبن) وهو: زوج المرضعة الذي نتج حليبها بسبب حملها منه، وكذا أمومة المرضعة، للطفل الرضيع الذي يصير إبناً لهما بالرضاع؛ إذ إنه بمقتضى القاعدة الشرعية التي تقول: «الرضاع لُحْمةٌ كلُحْمة النسب» فإنه إذا تحقّق الرضاع الجامع للشروط صار صاحبُ اللبن أباً وصارت المرضعة أمّاً للرضيع، وصار أباؤهما وأمهاتهما مهما علو أجداداً له، وأولادهما أخوة وأخوات له، وأولاد أولادهما أولاد أخوة وأخوات له، وأخوتهما وأخواتهما أعماماً وعمات وأخوالاً وخالات له، وكذا أعمام وعمات وأخوال وخـالات أبويـه مـن الرضاعـة، فإنهـم ـ أيضـاً ـ يصيرون أعماماً وعمات وأخوالاً وخالات له، فيما يصير الرضيـع ـ ذكراً كان أو أنثاً ـ ولداً لهما، وكذا أولاده ـ مهما نزلوا ـ يصيرون أحفاداً وأسباطاً لهما.
ولكن رغم التشابه الكبير بين آثار الرضاع وآثار النسب فإن ثمة اختلافاً في بعض موارد القرابة الحاصلة منهما في كون ذلك المورد موجباً للحرمة في النسب دون الرضاع أو بالعكس، ولما كانت تطبيقات ذلك مما يحتاج إلى درجة يعتد بها من الدقة والإحاطة بقواعد الشريعة فإنه لا بد من إيضاح ذلك وتفصيل علاقة القرابة القائمة بين الرضيع وصاحب اللبن والمرضعة في عدد من المسائل على النحو التالي: