(الزَّواج) مصدرٌ لــ (زوَّج) بمعنى: قَرَن، وقد صار يُطلق على اقتران الرجل والمرأة. وقد فضلنا هذه التسمية على تسمية (النِكاح) التي درج الفقهاء منذ القدم على استعمالها، وهي مصدر لفعل (نَكَحَ) بمعنى: تزوج، وأيضاً بمعنى: جَامَع، وذلك لقلة تداوله واستعماله بين الناس في زماننا هذا، بالمعنى الذي نريده.
ولا يخفى أن الزواج من الأمور التي وردت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة بالحث عليه والترغيب فيه لما له من أهمية في سعادة الفرد واستمرار النوع الإنساني في الأرض، وإنما يسعد الفرد به فلأن شهوة الجماع غريزة فيه، ويرتكز إشباعها على المخالف في الجنس، فيطلبه لأجلها ويرغب بالإقتران به وقضاء وطره منه، فيسعد بذلك وينعكس عليه راحة واستقراراً، ونظراً لسلبيات الإشباع غير المنظم على استقرار المجتمع ومستقبله القائم على تسلسل المسؤوليات ونضج الفرد للقيام بدوره، فإن الإسلام قد حصر إشباع الغريزة بالزواج الذي يحقق أهداف الغريزة كعمل شخصي له آثاره الفردية، كما يحقق توظيف العلاقة القوية القائمة بين الزوجين في خدمة المجتمع، وذلك بإقامة أركان (أسرة) منهما ومن أبنائهما متضامنة وقوية، هي نواة المجتمع الذي هو في نظرية الإسلام أسرة كبيرة.
أما استمرار النوع الإنساني فهو نتاج رغبة كل فرد في أن يستمر في أبنائه، كما وأنه ـ قبل ذلك ـ هو قرار إلهي وإرادة ربانية سامية أخرجها وأظهرها وضمن بقاءها حين إذْ غرز في نفس الإنسان الرغبة في البقاء، ولو ذكْراً على لسان أبنائه، فكانت هذه الأجيال المتعاقبة على مدى التاريخ تلهج بذكر الله تعالى وتسعد بمعرفته والكدح إليه عز وجل.
ويأتي في رأس تلك النصـوص المقدسة الشريفة قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]، { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:4].
ومن الأحاديث الشريفة ما روي عن النبي(ص) أنه قال: (الزواج سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني)، ومنه ما روي عن الصادق عن أمير المؤمنين عليهما السلام أنه قال: (تزوّجوا، فإن رسول الله(ص) قال: من أحبَّ أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج)، وعن النبي(ص) أنه قال: (من تزوّج فقد أحرز نصف دينه، فليتق الله في النصف الآخر). إضافة إلى أحاديث أخرى كثيرة يظهر منها استحباب الزواج في نفسه ولو لمن لم تشتق نفسه إلى الزواج، كما يظهر من أحاديث أخرى نهت عن العزوبة ـ مثل المروي عن النبي(ص): (رُذَّال موتاكم العُزَّاب) ـ أنه يكره العزوف عن الزواج، غير أنه إذا خاف الإنسان على نفسه من الوقوع في الحرام وجب عليه التزوج صيانة لنفسه من الحرام. هذا، وكما يستحب الزواج للمكلف فإنه يستحب له السعي في تزويج الراغب ومساعدته على ذلك، كما يستحب التعجيل في تزويج الولد عند توفر النضج والأهلية للقيام بتبعات الحياة الزوجية، وبخاصة للفتاة. وكذا يستحب للمرأة التقليل من المهر وتيسير الزواج للكفؤ الراغب فيه. إضافة إلى أمور أخرى كثيرة ورد استحبابهـا من حيث وقت الـزواج، وكيفيـة تعامل الزوجين، والصفات المرغوبة في كـل منهمـا، وآداب الزفـاف والجماع، ونحو ذلك، وهي أمور ينبغي طلبها في الكتب الموسعة وإن كنا سنذكر بعضها في مواضعها المناسبة من المباحث القادمة.
إننا في هذا الباب سوف نتناول أحكام الزواج من جميع جوانبه في فصول أربعة، وسوف نتناول في الفصل الأول ما يجب وما يستحب توفره من صفات في كل من الزوجين، وفي الفصل الثاني أحكام العقد وأهلية المتعاقدين، وفي الفصل الثالث آثار الزواج من حيث المهر والنفقة وحق ال