ـ لا ينعقـد الزواج بين الرجل والمرأة ـ البتة ـ بالفعل المصطلح عليه بـ (المعاطاة)، فلو رضي كل من الرجل والمرأة بتزوُّج الآخر لم يتحقّق زواجهما بتسليم الرجل المهر للمرأة قاصداً تَزوُّجَها وتسلُّم المرأة للمهر قاصدة قبول زواجه منها، بل لا بد من التعاقد اللفظي الدال على ذلك الرضا منهما بالإيجاب من أحدهما والقبول من الآخر مع قدرتهما على النطق، أو بالإيجاب أو القبول اللفظي من القادر على النطق، وبما يقوم مقام اللفظ من كتابة أو إشارة من العاجز عنه، كما سيأتي بيانه؛ كما وأنه ـ مع القـدرة على النطـق ـ لا يكتفى بكتابة الإيجاب والقبول عن التلفظ بهما.
ـ يتحقّق عقد الزواج ـ إيجاباً وقبولاً ـ بكل لفظٍ تعارف الناس على استعماله في ما يدل على الزواج وعلى الرضا به، سواءً في ذلك العربية من اللغات أو غير العربية، وسواء الفصحى من العربية أو العامية، وسواءً الملحون من الفصحى أو الصحيح الموافق لقواعد العربية، وذلك من القادر على العربية ومن غير القادر، لكنَّ الأكمـل والأحـوط ـ استحبابـاً ـ أن يكون العقد باللغة العربية الفصحى الصحيحة، سواءً ـ في ذلك ـ الناطق بالعربية وغير الناطق بها، ولو بتوكيل الغير بإنشاء العقد بالعربية عنهما أو عن أحدهما. وحيث يرغب غير العربي بمباشرة العقد بنفسه، فإنه يكفي ـ بعد إفهامه معاني ألفاظ العقد ـ أن يرددها وراء من يلقنه إياها.
مسألة 632: المراد من (الإيجاب) هو: عَرضُ أحد الطرفين نفسه زوجاً على الآخر، والمراد من (القبول) هو: رضا الآخر بذلك العرض وقبوله له؛ فإذا اتضح هذا، نقول: لا يعتبر في عقد الزواج تقدم الإيجاب على القبول، كما لا يعتبر أن يكون الإيجاب من المرأة والقبول من الرجل، فلو قالت المرأة للرجل: «إنني أرضى بك زوجاً لي» فقال الرجل: «زَوَّجْتُكِ نفسي» وقع به الزواج وصح؛ وإن كان الأكمل والأحوط ـ استحباباً ـ أن يتقدم الإيجاب على القبول، وأن يكون الإيجاب من المرأة والقبول من الرجل.
مسألة 633: يصح الزواج الدائم مع عدم ذكر المهر عمداً أو سهواً؛ فإذا دخل بها كان لها عليه مهر أمثالها، وإن لم يدخل بها لم يكن لها عليه شيء حتى يفارقها، فإن فارقها بالطلاق قبل الدخول كان لها عليه من المال ما يصطلح على تسميته بـ (المتعة)، وهي: مقدارٌ غير محدد من المال يدفعه الغني والفقير، كلٌّ بحسبه، وإن فارقها بغير الطلاق، كفسخ العقد قبل الدخول، أو موت أحدهما قبله، فلا شيء لها عليه، كما أنه لا شيء عليه لو أسقطته عنه وسامحته به؛ أما إذا ذكر لها مهراً ـ كما هو المتعارف ـ فإنه يثبت لها ما سماه من المهر بمجرد العقد. هذا في الزواج الدائم، أما في الزواج المؤقت فإن ذكر المهر شرط في صحة العقد، فلو تعمدا عدم ذكر المهر بطل العقد، بل وكذا لو نسيا ذكره أيضاً. وسيأتي ذكر ذلك في مبحث مستقل.
مسألة 634: بناءً على ما تقدم في المسائل الآنفة الذكر فإن الصيغة الأكمل لعقد الزواج الدائم هي التي تكون باللغة العربية الفصحى الصحيحة، والتي ينص فيها على ذكر المهر بمقدار معلوم، والتي يتقدم فيها الإيجاب على القبول، والتي يكون فيها الإيجاب من المـرأة والقبـول مـن الرجـل، وصورتهـا ـ إن كان الزوجان هما المباشرين للعقد ـ كما يلي: تقول المرأة أولاً: «زوَّجْتُكَ نفسي بمهرٍ قدره (...)»، فيقول الرجل بعدها مباشرة: «قبلت التزوج منك بالمهر المذكور».
وصورتها ـ إن كان العاقدان هما الوكيلين ـ كما يلي: يقول وكيل المرأة أولاً: «زوجت موكلتي فلانة موكلك فلاناً بمهر مقداره كذا» فيقول وكيل الرجل بعده مباشرة: «قبلت عن موكلي التزوج من موكلتك بالمهر المذكور».
وصورتها ـ إن كان العاقـدان هما الرجل ووكيل المـرأة ـ أن يقول وكيل المرأة: «زوجتك موكلتي فلانة بمهر مقداره كذا»، فيقول الرجل: «قبلت التزويج».
وأما كيفية أخذ الوكالة من المرأة قبل إجراء عقد الزواج فهي أن يقول لها وليها، أو أي شخص آخر، وهو العالم الديني غالباً: «أترضين يا فلانة بأن أكون وكيلاً عنك في تزويجك من فلان بمهر مقداره كذا» فتقول المرأة: «نعم أنت وكيلي»، فيقول الوكيل: «قبلت الوكالة». وإن كان يُكتفى في صدور التوكيل منها بكل صيغة أخرى مفيدة لهذا المعنى.
مسألة 635: لا يجب على العاجز عن النطق توكيل القادر عليه، وحينئذ يُرى: فإن كان قادراً على الكتابة وجب تقديمها على الإشارة، وإلا كَفَتْ الإشارة الدالة على المقصود.
مسألة 636: يعتبر في عقد الزواج توفر أمور:
الأول: الفعلية والتنجيز، فلا يصح تعليقه على حدوث شيء غير معلوم التحقّق فعلاً، كعودة المسافر، ولا على ما هو معلوم الحصول مستقبلاً، كولادة الهلال؛ فيما يصح تعليقه على ما هو متحقّق فعلاً، وبخاصة إذا كان مما تتوقف عليه صحـة العقـد، رغـم كـون التعليـق ـ حينئـذٍ ـ أشبه باللغو، كأن تقول: «زوَّجْتُك إن كان اليوم هو الجمعة» حيث يكون هو يوم الجمعة فعلاً، أو: «...إن لم تكن أخي» أو نحو ذلك.
الثاني: الموالاة بين الإيجاب والقبول، وتكفي العرفية منها، فلا يضر الفصل اليسير بالنحو الذي يصدق معه أن هذا قبول لذلك الإيجاب أو يصدق معه عنوان التعاقد عرفاً، كما لا يضر الفصل بمتعلقات العقد من ذكر المهر والشروط وغيرهما وإن كثرت.
الثالث: تعيين الزوجين على وجه يمتاز كل منهما عن غيره بالإسم أو الوصف أو الإشارة، فلو قال الولي أو الوكيل: «زوجتك إحدى ابنتَيَّ» أو «...إحدى الأختين» لم يصح مع عدم معرفة المعقود لها بعينها، وكذا لا يصح مع جهالة الزوج بعينه، كأن يقول: «زوجت إبنتي ليلى أحد إبنيك هذين» أو «..أحد أخويك هذين» أو ما أشبه ذلك. نعم، يكفي في التعيين ما لو كانا معينين في ذهن المتعاقدين وقَصْدِهما، عن تعيينهما في متن الصيغة ولفظها أو بالإشارة الخارجية، فلو توافقا قبل العقد على أن يزوج أحدهما إبنه سعيداً لبنت الآخر ليلى، كفى في مقام إجراء الصيغة أن يقول: «زوجت إبنتي من إبنك» فيقبل الآخر، إذا قصد كل منهما الشخص الذي توافقا عليه؛ كما لا يضر بالتعيين ما لو سمى العاقد الزوجين أو أحدهما بغير إسمه أو أشار إلى غيره غلطاً وخطأً ما دام المعقود له معيّناً في الذهن ومعلوماً، فيقع العقد لمن قصده في ذهنه لا لمن سماه أو أشار إليه خطأً.
مسألة 637: لا يعتبر اتحاد مجلس العقد إيجاباً وقبولاً، بل يصح العقد مع تباعد العاقدين بالنحو الذي يسمع فيه أحدهما الآخر ولو بالصراخ أو بواسطة الهاتف، بحيث يقع الإيجاب من هذا فيجيبه الآخر بالقبول من مكان آخر دون إخلال بالموالاة.
مسألة 638: لا يعتبر الإشهاد في صحة عقد الزواج، نعم هو مستحب.
مسألة 639: لا يعتبر إذن الأب أو الجد للأب في صحة العقد على البالغ الرشيد، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيباً، وكذا لو كانت بكراً، لسقوط ولايتهما عنها بالبلوغ والرشد، وإن كان الأحوط استحباباً للبكر أن تستأذن أباها أو جدها لأبيها وتدع الأقدام على التزوج قبل إذنه لها ورضاه، بل ينبغي لها الحرص على ذلك والتشدد في استشارته، بل واستشارة من تثق به من أهل المعرفة والخبرة، حرصاً منها على تدارك بعض التعقيدات الناتجة عن بعض الأوضاع الاجتماعية التي قد تنعكس سلباً على استقرار حياتها الزوجية، وحرصاً منها على عدم الوقوع ضحية خداع بعض الرجال نتيجة قلة تجربة الفتاة البكر في الحياة؛ وذلك من دون فرق في الجميع بين الزواج الدائم أو المنقطع، ومع فقد أبيهـا وجدهـا لأبيهـا فإنـه ـ حتماً ـ لا ولاية لأحدٍ غيرهما عليها؛ وسيأتي حكم عقد الصغيرين لاحقاً. والمقصود بالبِكْر: مَنْ لا تزال بكارتها موجودة ولو مع الدخول بها من دون فض البكارة إذا تحقّق ذلك، والمقصود بالثيِّب: مَنْ زالت بكارتها بالجماع ولو من الزنى، بل مَنْ زالت بكارتها بعارضٍ كالوثبة ونحوها أو أزالتها ـ عمداً ـ بالإصبع ونحوه.
مسألة 640: لا يعتبر في صحة العقد مباشرة الزوجين له بنفسيهما، بل يجوز قيام الولي به لفاقد الأهلية، كما يجوز لهما ـ أو لوليهما مع عدم أهليتهما أو أهلية أحدهما ـ توكيل الغير به، وسيأتي بيان ذلك مفصلاً في مطلب مستقل (أنظر المسألة: 645 وما بعدها).
مسألة 641: يجـوز فــي عقـد الـزواج ـ كغيـره مـن العقـود ـ أن يشتـرط المتعاقدان ما يرغبان به من الشروط السائغة، ما عدا اشتراط خيار الفسخ لهما أو لأحدهما، فيجوز أن تشترط المرأة على الرجل أنْ لا يخرجها من بلد أهلها، أو أن لا يتزوج عليها، أو أن لا يدخل بها، أو أن تكون وكيلة عنه في طلاق نفسها، مطلقاً أو في ظرف خاص، كما يجوز أن يشترط الرجل عليها أن تخدمه مطلقاً أو بكيفية خاصة، أو أن تجعله شريكاً معها في تجارة أو مال، ونحو ذلك؛ وحيث يقبل الآخر بالشرط يجب عليه الوفاء به، سواء كانا قد ذكرا ذلك الشرط صراحة في ضمن عقد الزواج، أو توافقا عليه قبل العقد بحيث تم عقد الزواج مبنياً عليه، أو في ضمن عقد آخر جائزٍ أو لازم، قبل تزوجهما أو بعده؛ فإن لم يف المشروط عليه بما شرطه على نفسه أثم بذلك ولم يبطل به العقد، وجاز للشارط إلزامه بالوفاء له بكل وسيلة مشروعة. هذا إذا كان الشرط سائغاً، أما إذا كان الشرط محرماً، كأن شرط عليها أن تنزع الحجاب عن رأسها، أو أن تقدم الخمر لضيوفه، أو نحو ذلك، فإن الشرط لا ينعقد حتى لو رضي به المشروط عليه، ولكن لا يبطل به عقد الزواج.
مسألة 642: إذا وقع عقد الزواج مستكملاً لشروطه كان لازماً، فلا ينفسخ إلا إذا انكشف وجود عيب من العيوب التي يسمح بموجبها للطرف الآخر بفسخ العقد؛ أو إذا عرض ما يوجب بطلان الزواج، كالإرتداد، أو حرمة أحدهما على الآخر مؤبداً بمثل الرضاع، أو غير ذلك من الأسباب التي سنذكرها مفصّلاً في موضع آخر من هذا الفصل، إضافة إلى زوال أثر العقد بالطلاق أو الموت.