لقد شرَّع الإسلام الطلاق لإنهاء العلاقة الزوجية على قاعدة أن الزواج علاقة إنسانية قائمة على التراضي والمودة، وأن هدفه قيام حياة مشتركة سعيدة، فإذا كره أحدهما الآخر، أو تكارها، وعزفا عن الاستمرار في حياتهما تلك فإن لهما أن ينفصلا كما كان لهما أن يقترنا، ما دامت الحياة حياتهما والإرادة لهما؛ وإنما اختُصَّ الرجل ـ وحده ـ بقرار الطلاق فلأنه هو الذي أدخل المرأة في حياته حين تزوجها وهو الذي يخرجها من حياته حين يعزف عن الاستمرار معها، وقد كانت المرأة عارفة بذلك حين رضيت به زوجاً وشاركته حياته، مع أن لها أن تشترط عليه أن يكون الطلاق بيدها بنحو خاص نبيِّنه لاحقاً.
ورغم ذلك فإن الإسلام لم يشجع على الطلاق، فاعتبرته بعض الأحاديث الشريفة أبغض الحلال عند الله تعالى، وأنه: مما يهتز له العرش، وذلك في تعبير رمزي عن مدى خطره على استقرار الأسرة وإخلاله بوظيفتها، من حيث إن العرش هو موقع إدارة الوجود وتنظيم أموره، (فيهتز) لكل خلل يحدث في الحياة؛ والمكروه من الطلاق ما يكون لغير ضرورة تفرضه، أما حيث يصعب التعايش بين الزوجين وتُتُهَدَّدُ الأسرة من هذه الجهة فإن الطلاق المكروه لهما أو لأحدهما يصبح العلاج المطلوب، إذ عسى أن يكره الإنسان شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً، وإنما هي تجربة استفاداها، وغالباً ما تنفعهما في تجربة جديدة وعلاقة جديدة لن تبتعد أبداً عن توفيق الله ورعايته إذا استكملت شروطها المطلوبة، لقوله تعالى: {وإن يتفرَّقَا يُغْنِ الله كُلاً من سعَتِه..} [النساء:130].
على أن الشريعة كانت قد احتاطت لفشل الزواج بِحَثِّها على حُسْنِ اختيار الشريك بالنحو الذي ذكرناه في مبحث صفات الزوجين، كما وأن منظومة القيم التي حثت المؤمن على التحلي بها سوف تساهم في الحد من حدوث الطلاق بدون سبب، وفي قيام حياة زوجية قليلة المشاكل، كما أن معرفة كل من الزوجين بما لَهُ من حقوق وبما عليه من واجبات، وإحاطَتَهما بفقه الزواج والطلاق ـ ولا سيما المرأة ـ سوف يتيحان لهما فرصة التفاهم الواعي حين التعاقد.
ومن جهة أخرى فإن لمفارقة الزوج لزوجته أنواعاً ثلاثة تختلف باختلاف من هو الكاره والراغب في الفراق منهما، فإن كان الفراق رَغْبَةَ الزوج فذلك هو (الطلاق)، وإن كان رغبة المرأة فذلك هو (الخَلْع)، وإن كان رغبتهما معاً فذلك هو (المباراة)، وهو ما سوف نخصص له فصلين نستوعب في الأول أحكام الطلاق، وفي الثاني أحكام الخلع والمباراة. أما (الظهار) فهو العِدْل المحرَّم للطلاق، فرغم أن الشريعة قد حكمت بحرمة أن يفارق الرجل زوجته بطريقة تشبيهها بإحدى محارمه، فيقول: «أنت علي كظهر أمي» قاصداً به تحريم زوجته على نفسه ومفارقتها، فإن الشريعة قد رتبت عليه آثاراً يأتي تفصيلها في خاتمة هذا الباب إن شاء الله تعالى. هذا، ورغم أن (اللعان) أقرب في أحكامه لمباحث حد الزنى في باب الحدود، فإنا قد ذكرناه هنا مجاراة للفقهاء لما له من علقة بباب الطلاق من جهة ما يترتب عليه من انفساخ العلاقة الزوجية وحدوث الحرمة الأبدية بينهما، لكننا جعلناه ملحقاً به تأكيداً منا على هذا التمايز عنه. وكما يحدث الفراق بين الزوجين خلال حياتهما باختيارهما فإنه يحدث قهراً عنهما عند موت أحدهما، وهو وإن كان خارجاً عن مجرى كلامنا هنا، غير أن له علقةً به من أكثر من جهة، فحسن ذكرُه في بعض مباحثه.