يعتبر الدفاع عن النفس وعمّا يتعلّق بها من الأمور الفطرية المركوزة في طبيعة الإنسان، وقد أقرّه الشرع وأمر المكلّف به وحثه عليه، مرغباً بالثواب على فعله متوعداً بالعقاب على تركه، وذلك بسبب ما له من أهمية قصوى في سعادة الإنسان ونهوض الأمم واستقرار المجتمع.
ولا تقل أهمية هذا الواجب المقدس عن أهمية واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إن لم تزد عليه، فإنه بالأمر والنهي ندافع عن الدِّين والقيم، وبالجهاد الدفاعي ندافع عن وجود الإنسان والمجتمع والوطن، وهي من الأهمية بدرجة عالية، فلا عجب أن تتكاثر الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة مشيدة به وحاثة عليه ومرغبة فيه، فيوصف بأنه تجارة مع اللّه تعالى، وأنه باب من أبواب الجنة فتحه اللّه لخاصة أوليائه. وإنما خصصنا الكلام بالجهاد الدفاعي لأنَّ الجهاد الابتدائي لا يرجى تهيؤ ظروفه قبل ظهور الحجّة عجل اللّه تعالى فرجه، فاقتصرنا على ما هو مورد الحاجة.
ولا يقف ذلك عند حدود الدفاع عن النفس وتوابعها من المال والعرض، بل يتعداه إلى وجوب الدفاع عن أنفس الغير، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، كذلك فإنَّ الأمر لا يقف عند ضرورة دفع المخاطر المتوجهة إلى النفس مباشرة بل يتعدّى ذلك إلى المخاطر التي تلحق المكلّف بطريق غير مباشر، وهي المخاطر التي تلحق المجتمع بوجوده المعنوي العام، وذلك كالمخاطر التي تتهدّد الأرض التي يسكن عليها ويستقر فيها، بما هي كيان وطني مستقل له مداه الملحوظ في الشرع، وله توابعه الأمنية والسياسية والاقتصادية وغيرها من الأمور الحيوية والضرورية لقيام الفرد والمجتمع بوظائفه المنوطة به من اللّه تعالى.
والدفاع عن النفس ضدّ المخاطر الشخصية قد يكون واجباً عينياً في بعض الأحيان على المكلّف القادر على الدفاع وجائزاً في أحيان أخرى، فإن عجز المكلّف عن ردّ الخطر عن نفسه وجب على غير ردّه عنه بالوجوب الكفائي. وأمّا الدفاع عن الوطن ونحوه من الأمور العامة فإنَّ وجوبه في الأصل إنما هو على نحو الوجوب الكفائي، وقد يكون واجباً عينياً في بعض الأحيان.
هذا، وإنَّ في ما سنذكره من مباحث تفصيل جميع ذلك.