م ـ 1200: يجب على كلّ مكلّف، رجلاً كان أو امرأة، دفع الضرر المتوجه إليه من الغير، سواء كان مصدره إنساناً أو حيواناً أو شيئاً آخر غيرهما من المخاطر الطبيعية الأرضية أو السَّماوية، بل يحرم على المكلّف إيقاع الضرر بنفسه، ويجب عليه ترك ذلك وحفظ نفسه من الأضرار.
وحدّ الضرر الواجب دفعه وحماية النفس منه هو ما يحرص عامة العقلاء على دفعه عن أنفسهم، وأعلاه الموت، ثُمَّ ما يشبه الموت من الأضرار الكبرى، كالإغماء الدائم أو الشلل أو الجنون أو العمى أو غير ذلك من الأمور المستلزمة لتعطل الأعضاء والوظائف الرئيسة في الجسم، ثُمَّ الجروح والحروق البليغة أو الكسور والأمراض والأوجاع الحادة والصعبة، ونحو ذلك من مراتب الإضرار بالنفس التي تتجاوز الحدّ الأدنى في الأذى والإيلام، فإن كان مثل الخدوش واللطمات والرضوض والأوجاع البسيطة الناتجة عن مثل حُرقة المعدة أو السعال أو الحساسية الجلدية أو نحو ذلك فإنها مما لا يحرص العقلاء على تجنيب أنفسهم منه فلا يجب حفظ النفس منه وتجنيبها إياه.
ومن المخاطر الواجب دفعها ما إذا قصده المهاجم بعدوان جنسي، بمثل الجماع فما دون، للرّجل والمرأة، من الرّجل أو المرأة. ويعدّ منها ـ أيضاً ـ الاعتداء على كرامته وحرمته المعنوية، بمثل الأعمال والأقوال المؤدية إلى السخرية منه والإستهزاء به وإقلاق راحته وحجز حريته، ونحو ذلك مما لا يترتب عليه أذى مادي ظاهر بل يكون أذاه معنوياً باطنياً.
وإنَّ من موارد العدوان على الحرمات حالة ما لو عمد شخص إلى تسلق سور دار إنسان، أو أحدث ثقباً في جدار داره، أو استخدم الناظور المقرّب، أو وضع أجهزة تنصت أو تصوير، وذلك بهدف مراقبته وكشف أسراره أو الإلتذاذ الجنسي بمشاهدة حريمه أو أعماله الجنسية، فإنه يجوز له، وقد يجب عليه، دفعه ومنعه من فعل ذلك، فإن توقف دفعه على الجناية عليه أو إتلاف ماله لم يكن عليه ضمان.
م ـ 1201: لا يستثنى من ذلك الأضرار التي ألف النّاس إيقاع أنفسهم فيها، كتدخين التبغ، ولا الأضرار التي يوقعها بعض النّاس بأنفسهم لدواعٍ دينية، كضرب الرأس بالسيف أو جرح الجسد أو حرقه حزناً على الإمام الحسين (ع)، فإنَّ الضرر إذا انطبق عليه ذلك المعيار يحرم إيقاع النفس فيه حتى لو صار مألوفاً أو مغلفاً ببعض التقاليد الدينية التي لم يأمر بها الشرع ولم يرغب بها.
م ـ 1202: قد يجب ارتكاب الضرر الأقل إذا توقف عليه دفع الضرر الأكثر، بل قد يجب، أو يجوز، إهلاك النفس، كما في العمليات الجهادية الإستشهادية، إذا توقف عليه أمر أهم منه، كدفع العدو ونحوه.
م ـ 1203: دفع الخطر له مرتبتان:
الأولى: بالتوقي والتحصن منه واستخدام الحيلة لدفع عدوانه وخطره، وهو الأصل في دفع المخاطر الطبيعية عن النفس، كأضرار الحر والبرد والأوبئة والسباع وغيرها. وإذا كان المعتدي إنساناً وأمكن التخلّص من عدوانه بالتحصن في بيت، أوبتنبيهه بمثل السعال والكلام إلى كونه مستيقظاً ومستعداً له، أو بالفرار منه وتغييب نفسه عنه، فإنه يجوز فعل ذلك إذا لم يترتب عليه ذلة وهتك لحرمته أو غيرهما من العناوين الموجبة للحرمة، بل قد يجب ذلك إذا كان فيه سلامة المعتدي وسلامة المعتدى عليه، في مثل موارد غضب الرحم على رحمه، أو كون المهاجم مجنوناً، أو غيرها من الموارد.
ويجب التنبيه إلى أنَّ حالات وموارد هذه المرتبة كثيرة ومتنوّعة، بل إنَّ بعضها معقد ومُربِك، لذا فإنَّ على المكلّف أن يكون دقيقاً في تشخيص ما يناسب حالته والاعتماد في هذه الدقة على العلم بالشريعة وعلى الاحتياط والورع، خاصة وأنَّ النفس ميالة إلى السلامة والدعة، بل إنَّ ذلك الاحتياط مطلوب في كلّ موارد الدفاع وأساليبه حتى عند استخدام القوّة والعنف خشية الإفراط فيه وتجاوز الحدّ المشروع.
الثانية: مبادرة المهاجم بالهجوم المضاد، ودفع خطره ـ ولو كان دون القتل ـ بالوسائل المادية المتوفرة، وفي هذا المقام فإنه يجوز استخدام كلّ وسيلة متوفرة بين يديه من أجل ردّ الخطر ودفع العدو ولو أدّت إلى إيقاع الضرر البالغ بالمعتدي أو قتله، ولكن يجب على الدافع ـ مع الإمكان ـ الترقي في الدفع من الأخف إلى الأشدّ، ومرادنا بـ "الإمكان" هو كون المدافع قادراً على إدارة المواجهة من حيث القدرة البدنية والأدوات والزمان والمكان بتلك الطريقة من التدرج، وذلك في مقابل حالة عدم الإمكان، وهي الحالة التي يكون فيها المدافِع مربكاً أو خائفاً أو فاقداً للأدوات المناسبة ونحو ذلك من الأمور التي تعجزه عن الدفاع بتدرج.
م ـ 1204: كلّ حالة من الدفاع لها أسلوبها في الدفع المتدرج، ويمكن تحديد ذلك بنحو إجمالي كما يلي:
أولاً: باللجوء إلى وسيلة دون الضرب، وذلك مثل: عزل النفس عن المعتدي، بمثل الدرع أو إغلاق الباب، أو الصراخ أو إطلاق النّار في الهواء، أو التلويح باليد أو السلاح، أو نحو ذلك.
ثانياً: ضربه باليد أو العصا على الأماكن الأقل إيلاماً، متدرجاً فيه إلى الأماكن الأكثر إيلاماً، كما إنَّ عليه التدرج في قوّة الضرب مما لا يترك أثراً إلى ما يترك أثراً، الإحمرار ثُمَّ الإزرقاق ثُمَّ الإسوداد، وهكذا إلى استخدام الأدوات الحادة بقصد إصابته بجروح خفيفة ثُمَّ بالأعمق، ويلتفت إلى ما بين الجروح العميقة والكسور من مراتب، فيتدرج إلى آخر المراتب.
نعم إذا اعتقد ـ مسبقاً ـ أنه لا يندفع إلاَّ بالأشدّ جاز فعل الأشدّ مباشرة، وكذا إذا لم يكن له مجال لتحديد المرتبة الأخف من ناحية طبيعة الوضع وتعقيدات الدفاع. أمّا المرجع فيما هو الأخف والأشدّ فهو العرف.
م ـ 1205: لا يضمن المدافع ما يقع على المعتدي من ضرر الجروح أو الكسور، أو تلف في أمواله، كثيابه ودابته ونحوهما، إذا كان المدافع قد التزم الأسلوب المشروع في الدفع فلم يعتد ولم يفرط، وإلاَّ كان ضامناً بقدر تعديه أو تفريطه.
م ـ 1206: إذا اعتقد المكلّف ـ خطأ ـ أنَّ شخصاً يريد العدوان عليه فدفعه فجنى عليه، ثُمَّ تبين له خطأُه لزمه ضمان ما جناه عليه في نفسه وماله، ولم يكن آثماً بذلك.
م ـ 1207: لا بُدَّ من توفر أمور في المدافع كي يجوز له أو يجب عليه مباشرة عملية الدفاع:
الأول: إحراز كون الخصم يريده بالأذى، فلو ظنّ أو احتمل أنه يريده، وكان واثقاً من قدرته على دفعه في كلّ وقت، لم يجز له الدفع إلاَّ بعد وثوقه بالهجوم عليه. فإن خاف مفاجأته له بالهجوم في وقت لا يقدر على دفعه، وكان ظنَّه معتبراً عرفاً، جاز له الدفاع، وإن كان مجرّد احتمالٍ ففي جواز الدفع إشكال، والأقرب العدم.
الثاني: احتمال التغلّب على الخصم في الحدّ الأدنى، فإذا اعتقد عدم قدرته من التغلّب على الخصم لم يجب عليه الدفاع حينئذ إلاَّ أن يكون في ترك الدفاع مفسدة أعظم فيجب التصدّي ولو انهزم.
الثالث: أن لا يقطع بالقتل، فإذا أدّى دفع الجرح أو القتل عن نفسه إلى قتل نفسه لم يجب عليه الدفع وإن جاز له، أمّا في الموارد التي يجوز له الدفاع فيها، كما في مورد الدفاع عن المال فإنه يحرم الدفع إذا أدّى إلى قتله، وإلاَّ بقي على جوازه فيما دون القتل من الكسر والجرح مثلاً حتى لو كان ما يترتب على الدفع أكثر خطراً وضرراً مما يريد دفعه عنه.
م ـ 1208: لا فرق في جواز الدفاع أو وجوبه بين ما لو كان المهاجم غريباً عنه أو كان من أرحامه ومن في حكمهم، كالأب والإبن والزوج ونحوهم، فإذا هاجم الأب ولده أو الولد والده أو الزوج زوجته جاز للمعتدى عليه الدفاع عن نفسه حتى لو أدّى ذلك إلى قتل المهاجم أو جرحه إذا توقف الدفاع عليه.
م ـ 1209: حيث يندفع المهاجم ويكفُّ ويثقُ المدافِعُ بذلك لا يجوز له الاستمرار في دفعه، وكذا إذا أدبر المهاجم معرضاً عن عدوانه، فلو دفعه في إحدى هاتين الحالتين وجنى عليه كان آثماً وضامناً.
م ـ 1210: إذا توقف دفعه على الإستعانة بالظالم أو الكافر جاز ذلك أو وجب، حسب المورد، حتى لو أدّى إلى إفراطه في ردّ الاعتداء عن النفس والعرض، نعم إذا أمكنه نهيُ الظالم عن الإفراط وجب عليه، ولا يضمن المستعينُ جناية الظالم عند إفراطه على كلّ حال، بل الظالم هو الذي يضمن.
م ـ 1211: إذا تشاجر الشخصان فاعتدى كلّ منهما على الآخر ضَمِنَ كلّ منهما ما وقع على الآخر من جناية، وإذا كفّ أحدهما وترك المهاجمة فلم يتوقف الآخر واستمر فيها وجدد هجومه عليه فاضطر المتوقف للدفاع عن نفسه لم يضمن المدافع ما يقع من جناية على خصمه.