العلامة السيد محمد حسين فضل الله في حديث لـ «العرب»: الدور الأميركي في لبنان هو دور معرقل، وأدعو المعارضة البحرينية إلى اعتماد الأساليب السلمية

العلامة السيد محمد حسين فضل الله في حديث لـ «العرب»: الدور الأميركي في لبنان هو دور معرقل، وأدعو المعارضة البحرينية إلى اعتماد الأساليب السلمية

العلامة السيد محمد حسين فضل الله في حديث لـ «العرب»:

الدور الأميركي في لبنان هو دور معرقل، وأدعو المعارضة البحرينية إلى اعتماد الأساليب السلمية


ليس من السهل على الصحفي أن يدير دفّة الحوار في حضرة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، فتدفق أفكاره وغزارتها وتسلسلها، ينحو بالحديث إلى مكان لم يكن يريده الصحفي أو يخطّط له.

كنت أعرف مسبقاً أن السيد يستفيض بإجاباته ويستطرد فيها، لكنني ظننت أن المرض الذي أصابه مؤخراً سيدفعه إلى الاختصار، وأنه سيبذل جهده للتخلص من أسئلتي بأسرع فرصة ممكنة. لذلك حضّرت مجموعة أسئلة بدأت من خلفيات دعوته الفاتيكان إلى التلاقي حول إنسانية جامعة، ولم تنتهِ بالمصلحة الإسلامية من استفاقة الدب الروسي ودوره المنتظر في العام المقبل. لكنني لم أنجح سوى بطرح بعضها.

فاسترسال السيد فضل الله وتهاديه بين الأفكار وعلى ضفافها حال دون ذلك، ولاسيما أنني كنت أتعرض لإرهاب "وقتي" من مرافقي سماحته، الذين كانوا يشيرون إلي

بأصابعهم بعدد الدقائق التي تبقّت لي في حضرته، لكنني انتهزت رحابة صدره، وتجاوزت ما حُدّد لي من وقت... وهذا نصّ الحوار:


المشروع الأمريكي في لبنان

س: إذا سمحتم لي البدء بالشأن السياسي اللبناني. من الملاحظ أنكم دائماً تربطون الأزمة اللبنانية بالمشروع الأميركي، هل هي محاولة منكم للنأي بأنفسكم عن الدخول في السجالات السياسية الداخلية؟

ج: مطلقاً، فحديثي هذا ينطلق من دراسة تصريحات الأميركيين أنفسهم، فنحن قرأنا، كما قرأ الجميع، تصريح وزيرة الخارجية الأميركية (كوندوليزا رايس)، أن لبنان هو أفضل الساحات لمشروع الشرق الأوسط الكبير، أي أنهم يحاولون إدارة هذا المشروع والعمل على تنفيذه وتحريكه في لبنان، مستفيدين من أنه البلد الوحيد في المنطقة الذي يملك الحرية، سواء كانت حرية الكلمة، أو حرية السياسة، أو حرية الثقافة، كما إنهم يستثمرون كل التعقيدات التي تتحرك في لبنان، من خلال علاقته بسوريا أو بإيران، فضلاً عن سعيهم الدائم لحماية إسرائيل التي تعتبرها أميركا قاعدةً في استراتيجيتها في المنطقة، ثم قرأنا بعد ذلك تصريح الرئيس جورج بوش الذي اعتبر أن الواقع في لبنان يدخل في الأمن القومي الأميركي، ناهيك عن متابعة الموفدين الأميركيين الذين يفدون إلى لبنان، ومنهم السفير الأميركي، وكيف يتحركون إلى جانب فريق لبناني معيّن من أجل تعقيد الكثير من القضايا التي كان من الممكن للبنانيين أن يتفاهموا عليها ويحلوها خلال نصف ساعة. فليست القضية قضية عقدة في المسألة الأميركية، لكنها تنطلق من واقع الخطة الأميركية في اعتبار لبنان ساحةً يمكن الاستفادة منها في أزمة المنطقة.

س: المعارضة تتهم الموالاة بأنها تنفذ المشروع الأميركي في لبنان، والموالاة تتهم المعارضة بأنها تنفذ المشروع الإيراني والسوري في لبنان، هل ترى مشروعاً إيرانياً أو سورياً في لبنان؟

ج: أنا لا أعتقد أن هناك مشروعاً إيرانياً في لبنان، لأن إيران ليس لها في لبنان سوى أنها تدعم حزب الله، فليس لها موقع سياسي كبير يمكن له أن يترك تأثيره الكبير في لبنان. من الممكن أن يكون لسوريا دور في هذا المقام، لكن ليس من خلال علاقتها ببعض أركان المعارضة، بل من جهة أن هناك تداخلاً سورياً لبنانياً من حيث طبيعة العلاقات العضوية الموجودة بين لبنان وسوريا، ما يجعل من غير الممكن للبنان أن يتحرر من التدخل السوري في هذا الجانب. كما أن سوريا لا تزال تخشى مما قد يصيبها نتيجة هذا التدخل، من خلال أجهزة المخابرات الدولية والمحلية. لذلك أنا أعتقد أن الاتهام المتبادل بالتبعية لمشاريع خارجية، عشناه في العالم العربي والإسلامي، وأن المسألة هي مسألة الثقة المفقودة بين الطرفين.

أداء حزب الله السياسي

س: هل أنتم راضون عن أداء حزب الله في العمل السياسي الداخلي، وفي طريقة إدارته للأزمة القائمة؟

ج: أنا لا أتحدث بالمطلق في هذا المجال، أنا أنظر إلى حزب الله على أساس أنه حزب مقاوم، استطاع أن يحرر لبنان مرتين، فهو حرر لبنان من خلال المقاومة الإسلامية سنة 2000، ثم انتصر على العدو في سنة 2006م. لذلك أنا أعتقد أنه يمثل الموقع المتقدم في العالم العربي والإسلامي، بعد أن استطاع أن يضعف العنفوان الإسرائيلي أو أن يفقده النصر إن لم نتحدث عن هزيمة. إنني أحترم أية مقاومة تنطلق في العالم العربي والإسلامي ضد إسرائيل، وضد الخطة الأميركية التي تريد أن تسيطر على العالم العربي والإسلامي، وهذا ما لاحظناه في احتلالها العراق وأفغانستان، وفي إرباكها الوضع السياسي الإسلامي، سواء في باكستان أو في سوريا ولبنان. ولذلك أنا أحترم حزب الله، كما أحترم مقاومة حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما في فلسطين، كما أحترم المقاومة التي تتحرك ضدّ الاحتلال الأميركي وغيره في العراق وأفغانستان.

أبعاد الأزمة في البحرين

س: بالانتقال من لبنان. قبل أيام، وقعت أحداث شغب في البحرين، ترافقت مع مواجهات بين مواطنين شيعة والشرطة. ما هي قراءتكم لهذه الأحداث؟ وهل تعتقد بوجود خلفيات غير معلنة تتجاوز أحداث الشغب التي وقعت؟

ج: سبق لي أن تحدثت عن الأنظمة التي تحكم الواقع العربي والإسلامي، واعتبرت أنها أنظمة لا تحترم شعوبها، ولا تسمح لشعوبها بالتعبير عن نقدها لسياسة النظام بالوسائل السلمية، كالتظاهر السلمي وغيرها من الوسائل. واللافت، أن هذه الأنظمة ركزت أوضاعها على أساس الاقتداء بالغرب. ونحن قلنا إن الغرب، وعلى الرغم من نظرتنا السلبية إلى كثير من أوضاعه من ناحية إسلامية، إلا أنه يمثل من خلال دوله، مؤسساتٍ تحترم الإنسان، وأنظمته تخاف من شعوبها، لأن الشعوب تستطيع أن تُسقط الأنظمة. لذلك كنا نقول للأنظمة الحاكمة في البلاد العربية والإسلامية، إن عليكم أن تقتدوا بهؤلاء الذين اعتبرتموهم أساساً لحركة نظامكم، بأن تحترموا شعوبكم، وتتيحوا لهم حرية التعبير، وحرية الانتخاب، والتظاهر السلمي، والانتقاد في القضايا المختلفة التي ربما تنطلق من عقدة لدى الحاكم هنا وهناك.

أما بالنسبة إلى البحرين، فإن هناك مشكلة يثور الجدل حولها، ويصفها البعض بأنها مشكلة مذهبية أو طائفية، لأن بعض البحرينيين يتهمون الحكومة بأنها تحاول فرض توازن في الواقع الشعبي بين السنة والشيعة لمصلحة السنة. ورغم أن الشيعة يمثلون الأكثرية حالياً، فإن الحكومة تلجأ إلى الإتيان بآخرين من دول أخرى، تمنحهم الجنسية وكل الامتيازات الأخرى، هذا إضافةً إلى بعض الملاحظات التي قد تتصل ببعض القوانين المجحفة بحق الناس. ونحن قلنا في خلال أحاديثنا مع أصدقائنا في البحرين، إننا لا نشجع العنف من المعارضة في مواجهة الدولة، بل علينا أن نستخدم الأساليب السلمية، وعلى الدولة أن لا تقمع الأساليب السلمية، وأن تترك للشعب حريته في التعبير عن ملاحظاته وانتقاداته للحكم.

التهديدات الأمريكية لإيران

س: تواترت في الشهور الماضية معلومات أشارت إلى عزم المجتمع الدولي والولايات المتحدة على ضرب إيران، لكن هذه الأجواء تراجعت حدتها في الآونة الأخيرة، إلامَ تعزو هذا التراجع؟ وما هو مستقبل إيران في رأيكم؟

ج: كنت منذ البداية أعتقد أن إثارة مسألة تهديد إيران بالحرب هي صرعة إعلامية، خصوصاً عندما أرسلت أميركا بوارجها إلى البحر، لأن مسألة حرب إيران تختلف عن حرب العراق؛ فإيران تملك القوة التي تستطيع بها أن تدافع عن نفسها بطريقة أو بأخرى. وربما تترك هذه الحرب مشكلةً للمنطقة كلها، باعتبار أن المنطقة تختزن في ساحاتها الكثير من القواعد العسكرية الأميركية، كما إن المنطقة هي منطقة تمركز البترول الذي يعتمد عليه اقتصاد العالم.

ولذلك، فإننا لا نزعم أن إيران سوف تتغلب على أميركا في حال نشبت الحرب بينهما، لكننا نعتقد أن الحرب سوف تحرق المنطقة، وستدمر الكثير من أوضاعها الاقتصادية والأمنية. ولهذا فإننا نتصور أن دول الخليج بشكل خاص، والمنطقة بشكل عام، تحاول الابتعاد عن هذه المسألة، ولاسيما أن إيران تحاول بأكثر من وسيلة التقارب مع دول الخليج، سواء في حضور المؤتمرات أو الزيارات أو المعاهدات وما إلى ذلك.

إنني أتصور أن مسألة التهديد بالحرب انطلقت من المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية، ومن نائب الرئيس الأميركي (ديك تشيني) بشكلٍ خاص، الذي وقف وراء احتلال العراق، وربما كان وراء احتلال أفغانستان، وذلك بسبب ما ينقل من حقده الشديد على الواقع الإسلامي كله. ولكن هناك بعض العقلاء في أميركا يفكرون في أن هذه التهديدات يمكن أن تتحول إلى عنصر ضغط دبلوماسي قد يجذب إيران إلى التفاوض مع أميركا، ولاسيما فيما يتعلق بالقضية العراقية، كما جرى الأمر بالنسبة إلى أفغانستان. ونحن نعرف أن قضايا الدول هي قضايا ترتكز على المصالح المتبادلة في هذا المجال.

لا فتنة سنية شيعية في العراق

س: بالانتقال إلى العراق، هل مازلتم تخشون عليه من فتنة (سنية شيعية) رغم تراجع حدة الاحتقان الطائفي، واتفاق الأطراف السنية والشيعية، وانحسار عدد الحوادث الأمنية؟

ج: أنا لا أرى إمكان حدوث فتنة سنية شيعية في العراق، فأنا ولدت في العراق، وعشت فيه، ولم أجد هناك أية حساسية بين السنة والشيعة، بل كان هناك تعاون على المستوى الرسمي والثقافي والشعبي. ربما كانت هناك بعض المفردات التي تصدر من هذا الطرف أو ذاك، لكنها لا تترك أثراً كبيراً. أما ما حدث، فالمسألة لم تبدأ على أساس فتنة سنية شيعية، بل إن هناك بعض الجهات التكفيرية التي تكفِّر المسلمين الشيعة، كما تكفر المسلمين السنة الذين يختلفون معها في بعض الأفكار، كالذين يؤمنون بالشفاعة أو بزيارة الأولياء والأنبياء وما إلى ذلك، قد دخلت على خط الأزمة.

وقد صرّحت هذه الجهات التكفيرية منذ البداية، أن هناك هدفاً لديها هو قتل الشيعة وقتال المحتل، ومارست ذلك، حتى رأينا كيف سقط الكثير من الضحايا في المزارات والمساجد وغيرها، وهي لا تزال تستهدف الشيعة في المقام الأول. وقد أعلن مراجع الشيعة في النجف الأشرف رفضهم الشرعي لردود الفعل على هذه الأفعال، لأنه {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام:164)، ولا يجوز لنا أن نقتل سنياً لأن سنياً قتل شيعياً في مكان آخر. وقد أجمعت المراجع على ذلك، وكنا من الذين يؤكدون هذا المعنى، بأن المشكلة ليست مشكلة السنة مع الشيعة، ولا الشيعة مع السنة، بل هي مشكلة الاحتلال.

ولكن قد تحدث ردود فعل، كما حدث بشكل جنوني عندما اعتُدي على مقام الإمامين العسكريين اللذين يعتقد المسلمون الشيعة بإمامتهما، ولا تزال هناك بعض المشاكل التي تنطلق من خلال فعل ورد الفعل، ولكننا نلاحظ الآن وجود تقارب وتعاون بين السنة والشيعة، وأن المشكلة لم تعد مشكلة الشيعة مع التكفيريين الذين يحسبون على السنة، بل أصبح التكفيريون مشكلة للسنة أيضاً، ولذلك رأينا نشوء ما يسمى حركة الصحوة. لذلك أنا لا أتصور أن تؤدي المشكلة في العراق إلى فتنة سنية شيعية، بل هي مسألة سياسية يغذيها الاحتلال كي يبقى طويلاً في العراق. وعلى السنة والشيعة معاً أن يتعاونوا في سبيل مقاومة هذا الاحتلال والتعجيل في اندحاره عن أرض المسلمين.

ضرب الزوجة بين حالتي النشوز والعدوان

س: سماحة السيد، قبل أيام، انتشرت في وسائل الإعلام فتوى أصدرتموها، تقضي بجواز ضرب المرأة زوجها دفاعاً عن نفسها إن تعرَّضت للضرب منه، فبين مؤيِّد لهذه الفتوى (ولاسيما الجمعيات النسائية)، وبين معارض اعتبر الفتوى انتقاصاً من قوامة الرجل على المرأة، ما هي دوافعكم لإطلاق هذه الفتوى، ولاسيما أن البعض انتقد فتواكم من زاوية أنها تبيح الرد على العنف بعنف مقابل، وبالتالي فإن الأضرار الجسدية قد تصبح أكثر فداحةً؟

ج: هناك موقعان أو موردان لما يمكن أن يفهمه بعض الناس من هذه الفتوى: فهناك مسألة نشوز المرأة الذي يعني تمرّدها على زوجها في التزاماتها الشرعية التي التزمتها في العقد، والتي أصبحت حقاً للزوج، وقد نص القرآن على معالجة هذه المسألة بوعظ الزوجة أولاً، ثم بالهجران ثانياً، وأخيراً بالضرب غير المبرح، أي الضرب الذي يقود المرأة إلى أن تتراجع عن هذا التمرد، ولكن دون إضرار جسدي بها. وهذا أمر يلتقي عليه المسلمون جميعاً، لأنه نص قرآني، ولا يمكن أن تصدر منا أية فتوى في أن للمرأة أن تضرب زوجها إذا ضربها بسبب نشوزها.

أما ما ذكرناه في فتوانا التي أشرت إليها، فيتصل بدائرة أخرى، وهي دائرة الضرب الظالم. وتكون حين يضرب الزوج زوجته دون وجه حق، وهذا الضرب ربما يصل إلى حد الإدماء أو الكسر أو الضرب المبرح الذي يترك تأثيره على الجسد، بحيث يؤدي إلى حالة صحية مرضية. في هذه الحالة، قد يطرح بعض الناس أنه لا بد من رفع الأمر إلى المحاكم، وربما يطرح بعض الناس أن تطلب الزوجة الطلاق، وربما يتحدث بعض الناس عمّا ورد عن النبي محمد(ص) في المسألة الأخلاقية في علاقة الزوجة بزوجها، وأنه لو جاز السجود لرجل لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، مما قد يفسره البعض بأن على الزوجة أن تصبر على أذى زوجها حتى يغيّر هذه الطريقة.

ونحن نسجّل على هذه المسائل ملاحظات، أما قضية رفع الأمر إلى المحاكم، فنسأل: ماذا تفعل الزوجة عندما تكون وحدها في البيت مع زوجها، ويستعمل زوجها كل قوته في العدوان عليها، وليس معها أحد من أقربائها ممّن يمكن أن تستعين به لدفع العدوان عليها؟ وكيف يمكن أن ترفع أمورها إلى المحكمة لتقضي بينهما؟ أما الطلاق، فهو أمر قد لا تقبل به الزوجة ولا تريده، إضافةً إلى أنه لا يمنع من دفاعها عن نفسها لو أراد الزوج أن يؤذيها، أو يكسرها، أو يفقأ عينها مثلاً، فالطلاق ليس حلاً في هذه المسائل.

وأما الجوانب الأخلاقية، فإنها تعالج الوضع الطبيعي في الحياة الزوجية المبنية على المودة والرحمة، والتي يُخاطب فيها الزوج والزوجة معاً في هذا المجال. أما الحديث عن أن الزوجة لها الحق في أن تضرب زوجها لو ضربها، فإن هذا أمر قرآني {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (البقرة:194)، وقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (النحل:126). فالله قد أباح لكل إنسان حق الدفاع عن النفس، سواء كان زوجاً أو زوجةً أو أباً أو أخاً. تُرى لو أن أباً أراد أن يقتل ولده أو أراد أن يكسر رجله أو يفقأ عينه أو يُدميه، ألا يجوز للولد أن يدافع عن نفسه رغم كل الآيات الكريمة التي تحضّ على برّ الوالدين؟! إن مسألة الدفاع عن النفس هي حق شرعي إنساني، ونحن أطلقنا هذه الفتوى، لأننا واجهنا الكثير من الحالات التي يتصرف فيها الزوج بعدوانية ضد زوجته بطريقة فيها إدماء أو كسر.

ونحن كنا نريد أن نركّز الفكرة التي تقول للزوج إنه ليس من حقك أن تضرب زوجتك بغير وجه حق، لأنه من حقها أن ترد عليك بالمثل. كما إن وجود حق الزوجة بالرد لا يعني أنّ الردّ لازمٌ عليها، بل يمكن لها أن تصبر كما ورد في الآية الكريمة: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (البقرة:237)، {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (النحل:126). وهذا هو خيارها على كل حال.

ولعلّ مشكلة البعض الذين اعترضوا على هذه الفتوى، هي أنهم خلطوا بين حالة النشوز وحالة العدوان دون حق، وفهموا الأحاديث النبوية الواردة في طبيعة العلاقة بين الزوج والزوجة بشكل مطلق، دون أن يفهموا القضية في دائرة الحالات الطارئة العدوانية.

بيروت ـ أوّاب المصري

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 24-12-1428 هـ  الموافق: 03/01/2008 م

العلامة السيد محمد حسين فضل الله في حديث لـ «العرب»:

الدور الأميركي في لبنان هو دور معرقل، وأدعو المعارضة البحرينية إلى اعتماد الأساليب السلمية


ليس من السهل على الصحفي أن يدير دفّة الحوار في حضرة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، فتدفق أفكاره وغزارتها وتسلسلها، ينحو بالحديث إلى مكان لم يكن يريده الصحفي أو يخطّط له.

كنت أعرف مسبقاً أن السيد يستفيض بإجاباته ويستطرد فيها، لكنني ظننت أن المرض الذي أصابه مؤخراً سيدفعه إلى الاختصار، وأنه سيبذل جهده للتخلص من أسئلتي بأسرع فرصة ممكنة. لذلك حضّرت مجموعة أسئلة بدأت من خلفيات دعوته الفاتيكان إلى التلاقي حول إنسانية جامعة، ولم تنتهِ بالمصلحة الإسلامية من استفاقة الدب الروسي ودوره المنتظر في العام المقبل. لكنني لم أنجح سوى بطرح بعضها.

فاسترسال السيد فضل الله وتهاديه بين الأفكار وعلى ضفافها حال دون ذلك، ولاسيما أنني كنت أتعرض لإرهاب "وقتي" من مرافقي سماحته، الذين كانوا يشيرون إلي

بأصابعهم بعدد الدقائق التي تبقّت لي في حضرته، لكنني انتهزت رحابة صدره، وتجاوزت ما حُدّد لي من وقت... وهذا نصّ الحوار:


المشروع الأمريكي في لبنان

س: إذا سمحتم لي البدء بالشأن السياسي اللبناني. من الملاحظ أنكم دائماً تربطون الأزمة اللبنانية بالمشروع الأميركي، هل هي محاولة منكم للنأي بأنفسكم عن الدخول في السجالات السياسية الداخلية؟

ج: مطلقاً، فحديثي هذا ينطلق من دراسة تصريحات الأميركيين أنفسهم، فنحن قرأنا، كما قرأ الجميع، تصريح وزيرة الخارجية الأميركية (كوندوليزا رايس)، أن لبنان هو أفضل الساحات لمشروع الشرق الأوسط الكبير، أي أنهم يحاولون إدارة هذا المشروع والعمل على تنفيذه وتحريكه في لبنان، مستفيدين من أنه البلد الوحيد في المنطقة الذي يملك الحرية، سواء كانت حرية الكلمة، أو حرية السياسة، أو حرية الثقافة، كما إنهم يستثمرون كل التعقيدات التي تتحرك في لبنان، من خلال علاقته بسوريا أو بإيران، فضلاً عن سعيهم الدائم لحماية إسرائيل التي تعتبرها أميركا قاعدةً في استراتيجيتها في المنطقة، ثم قرأنا بعد ذلك تصريح الرئيس جورج بوش الذي اعتبر أن الواقع في لبنان يدخل في الأمن القومي الأميركي، ناهيك عن متابعة الموفدين الأميركيين الذين يفدون إلى لبنان، ومنهم السفير الأميركي، وكيف يتحركون إلى جانب فريق لبناني معيّن من أجل تعقيد الكثير من القضايا التي كان من الممكن للبنانيين أن يتفاهموا عليها ويحلوها خلال نصف ساعة. فليست القضية قضية عقدة في المسألة الأميركية، لكنها تنطلق من واقع الخطة الأميركية في اعتبار لبنان ساحةً يمكن الاستفادة منها في أزمة المنطقة.

س: المعارضة تتهم الموالاة بأنها تنفذ المشروع الأميركي في لبنان، والموالاة تتهم المعارضة بأنها تنفذ المشروع الإيراني والسوري في لبنان، هل ترى مشروعاً إيرانياً أو سورياً في لبنان؟

ج: أنا لا أعتقد أن هناك مشروعاً إيرانياً في لبنان، لأن إيران ليس لها في لبنان سوى أنها تدعم حزب الله، فليس لها موقع سياسي كبير يمكن له أن يترك تأثيره الكبير في لبنان. من الممكن أن يكون لسوريا دور في هذا المقام، لكن ليس من خلال علاقتها ببعض أركان المعارضة، بل من جهة أن هناك تداخلاً سورياً لبنانياً من حيث طبيعة العلاقات العضوية الموجودة بين لبنان وسوريا، ما يجعل من غير الممكن للبنان أن يتحرر من التدخل السوري في هذا الجانب. كما أن سوريا لا تزال تخشى مما قد يصيبها نتيجة هذا التدخل، من خلال أجهزة المخابرات الدولية والمحلية. لذلك أنا أعتقد أن الاتهام المتبادل بالتبعية لمشاريع خارجية، عشناه في العالم العربي والإسلامي، وأن المسألة هي مسألة الثقة المفقودة بين الطرفين.

أداء حزب الله السياسي

س: هل أنتم راضون عن أداء حزب الله في العمل السياسي الداخلي، وفي طريقة إدارته للأزمة القائمة؟

ج: أنا لا أتحدث بالمطلق في هذا المجال، أنا أنظر إلى حزب الله على أساس أنه حزب مقاوم، استطاع أن يحرر لبنان مرتين، فهو حرر لبنان من خلال المقاومة الإسلامية سنة 2000، ثم انتصر على العدو في سنة 2006م. لذلك أنا أعتقد أنه يمثل الموقع المتقدم في العالم العربي والإسلامي، بعد أن استطاع أن يضعف العنفوان الإسرائيلي أو أن يفقده النصر إن لم نتحدث عن هزيمة. إنني أحترم أية مقاومة تنطلق في العالم العربي والإسلامي ضد إسرائيل، وضد الخطة الأميركية التي تريد أن تسيطر على العالم العربي والإسلامي، وهذا ما لاحظناه في احتلالها العراق وأفغانستان، وفي إرباكها الوضع السياسي الإسلامي، سواء في باكستان أو في سوريا ولبنان. ولذلك أنا أحترم حزب الله، كما أحترم مقاومة حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما في فلسطين، كما أحترم المقاومة التي تتحرك ضدّ الاحتلال الأميركي وغيره في العراق وأفغانستان.

أبعاد الأزمة في البحرين

س: بالانتقال من لبنان. قبل أيام، وقعت أحداث شغب في البحرين، ترافقت مع مواجهات بين مواطنين شيعة والشرطة. ما هي قراءتكم لهذه الأحداث؟ وهل تعتقد بوجود خلفيات غير معلنة تتجاوز أحداث الشغب التي وقعت؟

ج: سبق لي أن تحدثت عن الأنظمة التي تحكم الواقع العربي والإسلامي، واعتبرت أنها أنظمة لا تحترم شعوبها، ولا تسمح لشعوبها بالتعبير عن نقدها لسياسة النظام بالوسائل السلمية، كالتظاهر السلمي وغيرها من الوسائل. واللافت، أن هذه الأنظمة ركزت أوضاعها على أساس الاقتداء بالغرب. ونحن قلنا إن الغرب، وعلى الرغم من نظرتنا السلبية إلى كثير من أوضاعه من ناحية إسلامية، إلا أنه يمثل من خلال دوله، مؤسساتٍ تحترم الإنسان، وأنظمته تخاف من شعوبها، لأن الشعوب تستطيع أن تُسقط الأنظمة. لذلك كنا نقول للأنظمة الحاكمة في البلاد العربية والإسلامية، إن عليكم أن تقتدوا بهؤلاء الذين اعتبرتموهم أساساً لحركة نظامكم، بأن تحترموا شعوبكم، وتتيحوا لهم حرية التعبير، وحرية الانتخاب، والتظاهر السلمي، والانتقاد في القضايا المختلفة التي ربما تنطلق من عقدة لدى الحاكم هنا وهناك.

أما بالنسبة إلى البحرين، فإن هناك مشكلة يثور الجدل حولها، ويصفها البعض بأنها مشكلة مذهبية أو طائفية، لأن بعض البحرينيين يتهمون الحكومة بأنها تحاول فرض توازن في الواقع الشعبي بين السنة والشيعة لمصلحة السنة. ورغم أن الشيعة يمثلون الأكثرية حالياً، فإن الحكومة تلجأ إلى الإتيان بآخرين من دول أخرى، تمنحهم الجنسية وكل الامتيازات الأخرى، هذا إضافةً إلى بعض الملاحظات التي قد تتصل ببعض القوانين المجحفة بحق الناس. ونحن قلنا في خلال أحاديثنا مع أصدقائنا في البحرين، إننا لا نشجع العنف من المعارضة في مواجهة الدولة، بل علينا أن نستخدم الأساليب السلمية، وعلى الدولة أن لا تقمع الأساليب السلمية، وأن تترك للشعب حريته في التعبير عن ملاحظاته وانتقاداته للحكم.

التهديدات الأمريكية لإيران

س: تواترت في الشهور الماضية معلومات أشارت إلى عزم المجتمع الدولي والولايات المتحدة على ضرب إيران، لكن هذه الأجواء تراجعت حدتها في الآونة الأخيرة، إلامَ تعزو هذا التراجع؟ وما هو مستقبل إيران في رأيكم؟

ج: كنت منذ البداية أعتقد أن إثارة مسألة تهديد إيران بالحرب هي صرعة إعلامية، خصوصاً عندما أرسلت أميركا بوارجها إلى البحر، لأن مسألة حرب إيران تختلف عن حرب العراق؛ فإيران تملك القوة التي تستطيع بها أن تدافع عن نفسها بطريقة أو بأخرى. وربما تترك هذه الحرب مشكلةً للمنطقة كلها، باعتبار أن المنطقة تختزن في ساحاتها الكثير من القواعد العسكرية الأميركية، كما إن المنطقة هي منطقة تمركز البترول الذي يعتمد عليه اقتصاد العالم.

ولذلك، فإننا لا نزعم أن إيران سوف تتغلب على أميركا في حال نشبت الحرب بينهما، لكننا نعتقد أن الحرب سوف تحرق المنطقة، وستدمر الكثير من أوضاعها الاقتصادية والأمنية. ولهذا فإننا نتصور أن دول الخليج بشكل خاص، والمنطقة بشكل عام، تحاول الابتعاد عن هذه المسألة، ولاسيما أن إيران تحاول بأكثر من وسيلة التقارب مع دول الخليج، سواء في حضور المؤتمرات أو الزيارات أو المعاهدات وما إلى ذلك.

إنني أتصور أن مسألة التهديد بالحرب انطلقت من المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية، ومن نائب الرئيس الأميركي (ديك تشيني) بشكلٍ خاص، الذي وقف وراء احتلال العراق، وربما كان وراء احتلال أفغانستان، وذلك بسبب ما ينقل من حقده الشديد على الواقع الإسلامي كله. ولكن هناك بعض العقلاء في أميركا يفكرون في أن هذه التهديدات يمكن أن تتحول إلى عنصر ضغط دبلوماسي قد يجذب إيران إلى التفاوض مع أميركا، ولاسيما فيما يتعلق بالقضية العراقية، كما جرى الأمر بالنسبة إلى أفغانستان. ونحن نعرف أن قضايا الدول هي قضايا ترتكز على المصالح المتبادلة في هذا المجال.

لا فتنة سنية شيعية في العراق

س: بالانتقال إلى العراق، هل مازلتم تخشون عليه من فتنة (سنية شيعية) رغم تراجع حدة الاحتقان الطائفي، واتفاق الأطراف السنية والشيعية، وانحسار عدد الحوادث الأمنية؟

ج: أنا لا أرى إمكان حدوث فتنة سنية شيعية في العراق، فأنا ولدت في العراق، وعشت فيه، ولم أجد هناك أية حساسية بين السنة والشيعة، بل كان هناك تعاون على المستوى الرسمي والثقافي والشعبي. ربما كانت هناك بعض المفردات التي تصدر من هذا الطرف أو ذاك، لكنها لا تترك أثراً كبيراً. أما ما حدث، فالمسألة لم تبدأ على أساس فتنة سنية شيعية، بل إن هناك بعض الجهات التكفيرية التي تكفِّر المسلمين الشيعة، كما تكفر المسلمين السنة الذين يختلفون معها في بعض الأفكار، كالذين يؤمنون بالشفاعة أو بزيارة الأولياء والأنبياء وما إلى ذلك، قد دخلت على خط الأزمة.

وقد صرّحت هذه الجهات التكفيرية منذ البداية، أن هناك هدفاً لديها هو قتل الشيعة وقتال المحتل، ومارست ذلك، حتى رأينا كيف سقط الكثير من الضحايا في المزارات والمساجد وغيرها، وهي لا تزال تستهدف الشيعة في المقام الأول. وقد أعلن مراجع الشيعة في النجف الأشرف رفضهم الشرعي لردود الفعل على هذه الأفعال، لأنه {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام:164)، ولا يجوز لنا أن نقتل سنياً لأن سنياً قتل شيعياً في مكان آخر. وقد أجمعت المراجع على ذلك، وكنا من الذين يؤكدون هذا المعنى، بأن المشكلة ليست مشكلة السنة مع الشيعة، ولا الشيعة مع السنة، بل هي مشكلة الاحتلال.

ولكن قد تحدث ردود فعل، كما حدث بشكل جنوني عندما اعتُدي على مقام الإمامين العسكريين اللذين يعتقد المسلمون الشيعة بإمامتهما، ولا تزال هناك بعض المشاكل التي تنطلق من خلال فعل ورد الفعل، ولكننا نلاحظ الآن وجود تقارب وتعاون بين السنة والشيعة، وأن المشكلة لم تعد مشكلة الشيعة مع التكفيريين الذين يحسبون على السنة، بل أصبح التكفيريون مشكلة للسنة أيضاً، ولذلك رأينا نشوء ما يسمى حركة الصحوة. لذلك أنا لا أتصور أن تؤدي المشكلة في العراق إلى فتنة سنية شيعية، بل هي مسألة سياسية يغذيها الاحتلال كي يبقى طويلاً في العراق. وعلى السنة والشيعة معاً أن يتعاونوا في سبيل مقاومة هذا الاحتلال والتعجيل في اندحاره عن أرض المسلمين.

ضرب الزوجة بين حالتي النشوز والعدوان

س: سماحة السيد، قبل أيام، انتشرت في وسائل الإعلام فتوى أصدرتموها، تقضي بجواز ضرب المرأة زوجها دفاعاً عن نفسها إن تعرَّضت للضرب منه، فبين مؤيِّد لهذه الفتوى (ولاسيما الجمعيات النسائية)، وبين معارض اعتبر الفتوى انتقاصاً من قوامة الرجل على المرأة، ما هي دوافعكم لإطلاق هذه الفتوى، ولاسيما أن البعض انتقد فتواكم من زاوية أنها تبيح الرد على العنف بعنف مقابل، وبالتالي فإن الأضرار الجسدية قد تصبح أكثر فداحةً؟

ج: هناك موقعان أو موردان لما يمكن أن يفهمه بعض الناس من هذه الفتوى: فهناك مسألة نشوز المرأة الذي يعني تمرّدها على زوجها في التزاماتها الشرعية التي التزمتها في العقد، والتي أصبحت حقاً للزوج، وقد نص القرآن على معالجة هذه المسألة بوعظ الزوجة أولاً، ثم بالهجران ثانياً، وأخيراً بالضرب غير المبرح، أي الضرب الذي يقود المرأة إلى أن تتراجع عن هذا التمرد، ولكن دون إضرار جسدي بها. وهذا أمر يلتقي عليه المسلمون جميعاً، لأنه نص قرآني، ولا يمكن أن تصدر منا أية فتوى في أن للمرأة أن تضرب زوجها إذا ضربها بسبب نشوزها.

أما ما ذكرناه في فتوانا التي أشرت إليها، فيتصل بدائرة أخرى، وهي دائرة الضرب الظالم. وتكون حين يضرب الزوج زوجته دون وجه حق، وهذا الضرب ربما يصل إلى حد الإدماء أو الكسر أو الضرب المبرح الذي يترك تأثيره على الجسد، بحيث يؤدي إلى حالة صحية مرضية. في هذه الحالة، قد يطرح بعض الناس أنه لا بد من رفع الأمر إلى المحاكم، وربما يطرح بعض الناس أن تطلب الزوجة الطلاق، وربما يتحدث بعض الناس عمّا ورد عن النبي محمد(ص) في المسألة الأخلاقية في علاقة الزوجة بزوجها، وأنه لو جاز السجود لرجل لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، مما قد يفسره البعض بأن على الزوجة أن تصبر على أذى زوجها حتى يغيّر هذه الطريقة.

ونحن نسجّل على هذه المسائل ملاحظات، أما قضية رفع الأمر إلى المحاكم، فنسأل: ماذا تفعل الزوجة عندما تكون وحدها في البيت مع زوجها، ويستعمل زوجها كل قوته في العدوان عليها، وليس معها أحد من أقربائها ممّن يمكن أن تستعين به لدفع العدوان عليها؟ وكيف يمكن أن ترفع أمورها إلى المحكمة لتقضي بينهما؟ أما الطلاق، فهو أمر قد لا تقبل به الزوجة ولا تريده، إضافةً إلى أنه لا يمنع من دفاعها عن نفسها لو أراد الزوج أن يؤذيها، أو يكسرها، أو يفقأ عينها مثلاً، فالطلاق ليس حلاً في هذه المسائل.

وأما الجوانب الأخلاقية، فإنها تعالج الوضع الطبيعي في الحياة الزوجية المبنية على المودة والرحمة، والتي يُخاطب فيها الزوج والزوجة معاً في هذا المجال. أما الحديث عن أن الزوجة لها الحق في أن تضرب زوجها لو ضربها، فإن هذا أمر قرآني {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (البقرة:194)، وقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (النحل:126). فالله قد أباح لكل إنسان حق الدفاع عن النفس، سواء كان زوجاً أو زوجةً أو أباً أو أخاً. تُرى لو أن أباً أراد أن يقتل ولده أو أراد أن يكسر رجله أو يفقأ عينه أو يُدميه، ألا يجوز للولد أن يدافع عن نفسه رغم كل الآيات الكريمة التي تحضّ على برّ الوالدين؟! إن مسألة الدفاع عن النفس هي حق شرعي إنساني، ونحن أطلقنا هذه الفتوى، لأننا واجهنا الكثير من الحالات التي يتصرف فيها الزوج بعدوانية ضد زوجته بطريقة فيها إدماء أو كسر.

ونحن كنا نريد أن نركّز الفكرة التي تقول للزوج إنه ليس من حقك أن تضرب زوجتك بغير وجه حق، لأنه من حقها أن ترد عليك بالمثل. كما إن وجود حق الزوجة بالرد لا يعني أنّ الردّ لازمٌ عليها، بل يمكن لها أن تصبر كما ورد في الآية الكريمة: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (البقرة:237)، {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (النحل:126). وهذا هو خيارها على كل حال.

ولعلّ مشكلة البعض الذين اعترضوا على هذه الفتوى، هي أنهم خلطوا بين حالة النشوز وحالة العدوان دون حق، وفهموا الأحاديث النبوية الواردة في طبيعة العلاقة بين الزوج والزوجة بشكل مطلق، دون أن يفهموا القضية في دائرة الحالات الطارئة العدوانية.

بيروت ـ أوّاب المصري

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 24-12-1428 هـ  الموافق: 03/01/2008 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية