عندما كنت أتردّد على منزل الصَّديق علي بزّي في الستينات، كنت أشاهد عنده شابّاً يافعاً بعمامة خضراء صغيرة، ولا يتجاوز عمره العشرين ربيعاً، فعرَّفني عليه بأنَّه ابن اخته، واسمه محمَّد حسين فضل الله، وزاد قائلاً: "أنا أتوقَّع له مستقبلاً باهراً، لأنَّه متوقّد الذّكاء، وفي منتهى الألمعيَّة".
وبعد مدّة، شاءت الظّروف أن أحضر اجتماعاً في إحدى المناسبات، فدعي محمَّد حسين فضل الله إلى المنبر، فلبَّى، وصال وجال بكلام بليغ لم أكن أتوقَّعه، لأنَّني لم أتعوَّد أن أسمع مثل هذا الكلام الجريء العميق الَّذي يدخل في عقول المثقَّفين والعامَّة من شابّ معمَّم.
ثمَّ تابعته، وكنت أتعمَّد حضور أيّ اجتماع أعرف أنَّه سيتكلَّم فيه، سواء أكان تأبينيّاً أم اجتماعيّاً، فإذا بي أتحقَّق مما قاله علي بزي، إلى أن وصل إلى ما وصل إليه من فقه وعلم واجتهاد، حتَّى أصبح صاحب مرجعيَّة ويهتمّ بالفقراء والبؤساء، فأنشأ مؤسَّسات خيريَّة وتربويَّة ترعى الأيتام والفقراء، ويصرف عليها من أموال الزكاة والتبرعات الَّتي يتسابق الرجال المؤمنون لتسليمه إيَّاها، لثقتهم التامَّة بأنَّها ستُنفَق في مجال الخير.
ولقد ارتفع السيّد محمَّد حسين فضل الله بالاجتهاد الدّيني إلى مستويات رفيعة لم نعرفها إلَّا نادراً، فهو لم ينطلق من ردود الفعل إزاء الآخرين، سواء من غير المسلمين أو المسلمين، وإنما انطلق من جلاء موقف الإسلام في قضايا هذه الأمَّة وهذا العالم. فالإسلام، كما انكشف من فكر السيّد ووسلوكه، هو الثَّورة الروحيَّة الكبرى في تاريخ هذا العالم، ومقدَّر لها أن تعيد صياغة العالم.
* من مذكّرات زهير عسيران (1914 - 2010).
عندما كنت أتردّد على منزل الصَّديق علي بزّي في الستينات، كنت أشاهد عنده شابّاً يافعاً بعمامة خضراء صغيرة، ولا يتجاوز عمره العشرين ربيعاً، فعرَّفني عليه بأنَّه ابن اخته، واسمه محمَّد حسين فضل الله، وزاد قائلاً: "أنا أتوقَّع له مستقبلاً باهراً، لأنَّه متوقّد الذّكاء، وفي منتهى الألمعيَّة".
وبعد مدّة، شاءت الظّروف أن أحضر اجتماعاً في إحدى المناسبات، فدعي محمَّد حسين فضل الله إلى المنبر، فلبَّى، وصال وجال بكلام بليغ لم أكن أتوقَّعه، لأنَّني لم أتعوَّد أن أسمع مثل هذا الكلام الجريء العميق الَّذي يدخل في عقول المثقَّفين والعامَّة من شابّ معمَّم.
ثمَّ تابعته، وكنت أتعمَّد حضور أيّ اجتماع أعرف أنَّه سيتكلَّم فيه، سواء أكان تأبينيّاً أم اجتماعيّاً، فإذا بي أتحقَّق مما قاله علي بزي، إلى أن وصل إلى ما وصل إليه من فقه وعلم واجتهاد، حتَّى أصبح صاحب مرجعيَّة ويهتمّ بالفقراء والبؤساء، فأنشأ مؤسَّسات خيريَّة وتربويَّة ترعى الأيتام والفقراء، ويصرف عليها من أموال الزكاة والتبرعات الَّتي يتسابق الرجال المؤمنون لتسليمه إيَّاها، لثقتهم التامَّة بأنَّها ستُنفَق في مجال الخير.
ولقد ارتفع السيّد محمَّد حسين فضل الله بالاجتهاد الدّيني إلى مستويات رفيعة لم نعرفها إلَّا نادراً، فهو لم ينطلق من ردود الفعل إزاء الآخرين، سواء من غير المسلمين أو المسلمين، وإنما انطلق من جلاء موقف الإسلام في قضايا هذه الأمَّة وهذا العالم. فالإسلام، كما انكشف من فكر السيّد ووسلوكه، هو الثَّورة الروحيَّة الكبرى في تاريخ هذا العالم، ومقدَّر لها أن تعيد صياغة العالم.
* من مذكّرات زهير عسيران (1914 - 2010).