المرجع الإسلامي السيد محمد حسين فضل الله:
الزيدي دافع عن شرف العراق وأدعو المالكي إلى إطلاق سراحه
يتحدث المرجع الإسلامي، السيد محمد حسين فضل الله، في (الحلقة 8) من الحوار الشامل الذي تجريه معه مجلّة ((الشراع))، عن معاني الحج والرسالة السماوية التي يحملها هذا الركن الكبير من أركان الإسلام، كما يتحدث عن الوضع في العراق وفشل السياسة الأميركية في المنطقة، والموقف من الصحافي منتظر الزيدي الذي رمى الرئيس جورج بوش بحذائه.
الوحدة الإسلامية في مفردات الحجّ
س: سماحة السيد، بعد عودتكم من الحج ـ تقبل الله أعمالكم ـ كيف تصفون حال المسلمين على ضوء ما شاهدتموه في الحج؟
ج: من الأفكار التي راودتني وأنا أنظر إلى جموع الحجيج بعددهم الذي يزيد عن المليوني حاج، أن الحج يجسد الوحدة الإسلامية الميدانية التي تتمثل بحوارات الحجاج حول قضاياهم الإسلامية على اختلاف مذاهبهم، وقضاياهم السياسية على اختلاف اتجاهاتهم وأوضاعهم وثقافاتهم، ونظرتهم إلى الإسلام، أو انتماءاتهم إلى هذا المحور الدولي أو ذاك، أو إلى هذا الموقع الإقليمي أو ذاك. كما تتمثل الوحدة أيضاً بهذا التجمع الإسلامي الذي يلتقي حول شعارات موحّدة للحجّاج جميعاً، عندما يعلنون التزامهم بالشهادتين، وعندما تعلو صرخاتهم بالتلبية للنداء الإلهي في دعوة الناس من خلال نبيه إبراهيم(ع) للقدوم إلى هذا البيت للانفتاح على طاعة الله ومحبته والارتباط به والسير في خطه.
ولذلك، فإنني أعتبر أن هذه الأجواء الروحية تمثل نوعاً من التجدد في إسلام الإنسان، بحيث يستحضر إسلامه في طوافه بالبيت، الذي هو البيت العالمي الوحيد: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة}، بينما بيوت العبادة الأخرى هي بيوت محدودة بالعائلة والمنطقة والبلد. وممّا نستوحيه من مسألة الطواف بهذا البيت، أنه لا بد للمسلم من أن لا يطوف في بيوت الظالمين والمستكبرين، لأن من يطفْ ببيت الله وينفتح على معانيه وقداسته، لا يمكن أن يطوف بالبيوت التي تصدّه عن الله وعن القيم الروحية والأخلاقية التي يوحي بها.
وفي السعي بين الصفا والمروة، نجد إيحاءً روحياً بأن على الإنسان أن يكون سعيه نحو الأهداف التي يرضاها الله ويحبها، فلا ينطلق في سعيه نحو الأهداف التي تتحرك في معاونة الطغاة والظالمين والمستكبرين.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن هذا التجمع الإسلامي السنوي، إضافةً إلى التجمعات الأخرى كصلاة الجماعة، يمثّل حضور الإنسان المسلم بين يدي الله إلى جانب المسلمين الآخرين، ما يؤدي إلى نوع من أنواع التمازج فيما بينهم والشعور بالقرابة الروحية. وقد لاحظت أن أي دين من الأديان الأخرى في العالم لا يملك مثل هذا النوع من الاجتماعات المليونية في الصلوات الروحية التي تتجدد كل سنة أو كل يوم، إذ يجتمع الناس لا ليهتفوا لقيادة دينية أو لقيادة سياسية، بل ليهتفوا لله تعالى، وهو ما يعمق المعاني الإسلامية في نفوس المسلمين.
كما أننا نرى أن المسلمين على تنوع قومياتهم واتجاهاتهم السياسية واختلاف مذاهبهم، يلتقون في هذه البقعة المقدسة، فلا يُسيء أحدهم إلى الآخر، ما يؤكد أن هناك فرصة للاستفادة من هذا الجو الإسلامي الروحي، الذي يؤكد أن التنوع المذهبي والثقافي والسياسي والقومي، لا يمكن أن يُفرّق بين المسلمين، أو أن يجعل مسلماً يُكفّر مسلماً أو يقتله أو يستبيح دمه وعرضه، على الرغم من وجود بعض السلبيات في الواقع الإسلامي، وكل ذلك يؤكد أننا نستطيع أن نجعل من الحج فرصة للتخطيط لوحدة إسلامية ثقافية تتقارب فيها المذاهب، ويلتقي فيها المسلمون على السياسات العالمية التي تحفظ لهم مصالحهم وأمنهم وتحقق طموحاتهم كأُمّة تستطيع المشاركة في تقرير مصير العالم.
س: سماحة السيد، قلت إن الحج يشكل فرصةً أمام المسلمين ليخططوا لوحدتهم ومستقبلهم، لكن في كل سنة يلتقي المسلمون ثمّ يتفرقون بدون أية متابعة عملية؟
الحج يجسد الوحدة الإسلامية الميدانية التي تتمثل بحوارات الحجاج حول قضاياهم الإسلامية على اختلاف مذاهبهم
ج: إننا نأسف، لأن الظروف الواقعية المحيطة بتنظيم وضع الحجاج في حملاتهم أو في مواقعهم أو غير ذلك لا تحقق مثل هذا الهدف، ولكنني أتصور أن جموع الحجاج من الشعوب الإسلامية، من مختلف أنحاء العالم، تحمل في داخل وجدانها بعضاً من تلك الروحية التي يمكن أن تزداد ثقافةً في ذلك الاتجاه، والتي قد تتحول ولو بعد حين إلى قاعدة للوحدة الإسلامية، عندما يتذكر الحجاج أن كل الذين يحجون هم مسلمون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وأن دعوات التكفير والتضليل لا واقعية لها، بل إنها قد تنطلق من خلفيات معادية للإسلام.
وقد قرأت قبل يومين بعض الوثائق الأمنية الإسرائيلية التي تتحدث عن التحالف مع الأنظمة العربية السنية في مقابل التجمعات الشيعية، ما يدل على أن إسرائيل تخطّط للتفريق بين المسلمين، وربما كانت بعض الأوضاع الأمنية في العراق ناشئة من دخول الموساد إلى جانب الاستخبارات الأميركية إلى العراق بعد احتلاله، لإحداث انقسام وفتن بين المسلمين، وإسرائيل حين تتحدث عن تحالف مع بعض الأنظمة السنية، إنما تبغي من ذلك إحداث فتنة بين المسلمين، ونحن نعرف أن العلماء والمفكرين من السنة يقفون ضد هذا التوجه وضدّ تلك المخططات الإسرائيلية.
س: وهل لمستم استعدادات للقيام بخطوات عملية مستقبلاً لمواجهة عوامل الانقسام والتفرقة؟
ج: هناك مسألة لا بد لنا من أن ندرسها بدقّة، وهي أن العالم الإسلامي الآن يعيش حالاتٍ غير طبيعية، لأن هناك حرباً ضد الإسلام تتحرك في أكثر من موقعٍ من المواقع السياسية والاقتصادية والأمنية، وهناك بلاد إسلامية محتلة كالعراق وأفغانستان وفلسطين، إضافة إلى مواقع إسلامية تعيش شيئاً من الفوضى كالصومال والسودان، إلى جانب المشاكل والضغوط التي تتحرك باتجاه سوريا ولبنان وإيران، وكل ذلك يجعل الشعوب الإسلامية تنشغل عن الثوابت الإسلامية الأساسية بمشاكلها الاقتصادية والأمنية والسياسية. ولذلك نرى أنّ ما يقوم به الحجّاج، من تحرّك رافض للاستكبار العالمي وللمحاور الدولية، سواء كانت أوروبيةً أو أميركيةً، لإضعاف تأثيرها في بلاد المسلمين، وإيجاد تعبئة نفسية ضد الانفتاح عليها أو الانتماء إليها أو الالتـزام بها، واللقاءات والتجمعات التي تحصل في الحج، كل ذلك يجعلك تكتشف أن هناك عناصر إسلامية مثقفة مخلصة يمكن أن تنفتح على الحوار، وهذا ما لاحظته في خلال لقاءاتي في مكة المكرمة بأخواننا من علماء المسلمين السنة ومن الشخصيات السياسية السنية القادمة من العراق أو لبنان أو باكستان ومن بلدان أخرى، ما يجعل هناك خميرة يمكن لنا أن نصنع منها خبزاً إسلامياً يأكل منه المسلمون بلذة وحدوية.
الخلافات الفقهية حول بعض مناسك الحج
إسرائيل تتحدث عن التحالف مع الأنظمة العربية السنية في مقابل التجمعات الشيعية، ما يدل على أنها تخطّط للتفريق بين المسلمين
س: وكيف يمكن تخطي بعض الإشكالات التي لا تساعد أبداً على تحقيق مثل تلك الطموحات، كالخلاف على يوم الوقوف في عرفة أو يوم العيد، وهناك أيضاً من يثير إشكالات حول شرعية التوسعة في الحرم المكي وشرعية الطواف في تلك التوسعة؟
ج: لا أعتقد أنّ مثل هذه المسائل قد تسيء إلى الوحدة الإسلامية، باعتبار أنها تنطلق من قواعد اجتهادية، فالاختلاف في تحديد يوم العيد ينطلق من أن القاعدة التي يلتزم بها علماء المسلمين سنةً وشيعةً، تعتمد على الرؤية في الثبوت، ومن الطبيعي أن مسألة الرؤية تؤدي إلى أن تشك هذه القيادة العلمائية أو تلك في الشهود هنا أو هناك، ما يفقد هذه القيادات الطمأنينة، وهذا أمر لا يختص بمذهب دون آخر، فنحن نلاحظ أن الشيعة يختلفون فيما بينهم، والسنة يختلفون فيما بينهم، كما أنّ هناك مبانٍ اجتهادية أصولية وفقهية تتعلق بما يسمى وحدة الأفق وتعدد الأفق، فالأكثرية الإسلامية من السنة والشيعة يرون أن ثبوت الهلال لا بد من أن يكون في المنطقة الإسلامية أو في العالم القديم كما يسميه بعضهم.
وهناك رأي آخر نتبناه نحن، وكان يتبناه استأذنا السيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله)، وهو أن مسألة القمر تختلف عن مسألة الشمس، فإذا ولد القمر في مكان نلتقي معه بجزء من الليل، فإننا نستطيع أن نحكم بولادة القمر على أساس الحسابات الفلكية الدقيقة. فالقضية إذاً تتعلق بخطوط اجتهادية. ولذلك نقول إننا لن نستطيع الوصول إلى وحدة في مسألة الهلال، خصوصاً فيما يتعلق بالجوانب الشرعية التي تترتب عليها الأعمال العبادية، كعيد شهر رمضان، أو الوقوف في عرفة وفي كل مواقع الحج المؤقتة، أو في عيد الأضحى، لا مجال لوحدة الرأي فيها إلا بالأخذ بالحسابات الفلكية التي هي أدق من الرؤية، باعتبار أن الفضاء أصبح ملوثاً ولا يملك الصفاء الذي يمكن الإنسان من رؤية الهلال بطريقة صحيحة.
أما بشأن توسعة المسعى، فقد أعلنا شرعية هذه التوسعة بعدما اتصلنا بالخبراء من كبار العلماء في مكة، واقتنعنا حتى من الناحية التاريخية أيضاً، بأن المسعى كان أوسع مما هو عليه، باعتبار أن مساحته بالعرض مساحة واسعة، وتوسعته من جهة العرض لا تمنع من أن يبقى السعي بين الصفا والمروة، ولذلك أفتينا لكل الذين يرتبطون بفتاوانا، بأن السعي في هذا المسعى الموسع هو شرعي ومبرىء للذمة، بينما نجد بعض العلماء من السنة والشيعة يتحفظون على ذلك ولا يرون هذا الرأي.
س: الخلاف الفقهي حول مسألة الهلال كان قائماً في السابق، وكان يحصل خلاف حول بداية شهر رمضان أو تحديد يوم الفطر، ولكن الاختلاف بالنسبة إلى يوم الوقوف في عرفة أو عيد الأضحى هو أمر جديد، لماذا؟ فقد كان هناك نوع من التسليم بعدم إثارة هذه المسألة بغض النظر عن اختلاف الآراء الفقهية؟
ج: هناك رأيان في خصوص يوم الوقوف في عرفة؛ فهناك رأي كان يرتئيه السيد محسن الحكيم (رحمه الله)، ونحن نرتئيه أيضاً، وهو أنه لو أفتى مفتي الديار السعودية بأن الموقف أو يوم الوقوف هو في هذا اليوم، وكان رأينا الاجتهادي من خلال الرؤية أنه في اليوم الآخر، فإن الوقوف في عرفة على أساس الرأي الموجود في الديار السعودية جائز وشرعي، وهذا هو رأينا نحن أيضاً في هذا المجال، وهناك من يرى أنه إذا احتملنا الصواب والخطأ، فيمكن أن يكون الوقوف شرعياً، أما الرأي الآخر فيرى أن ذلك لا يجوز وأنه لا بد من الاحتياط، وهذه أيضاً مسألة فقهية.
الموقف من الصحافي العراقي
فقد أعلنا شرعية توسعة المسعى بعدما اتصلنا بالخبراء من كبار العلماء في مكة
س: منذ يومين (الأحد الماضي)، أقدم الصحافي العراقي منتظر الزيدي على رشق الرئيس الأميركي بوش بحذائيه، ما تعليقك على ذلك؟
ج: إنّ الشعب العراقي يرفض الاحتلال جملةً وتفصيلاً، وقد كانت له تجارب سابقة، ففي سنة 1920م، خرج علماء النجف مع العشائر ليحاربوا بريطانيا عندما دخلت العراق لاحتلاله، وقد وقف الشعب العراقي كله ضد الاحتلال البريطاني حتى أخرجوه من بلادهم، ولذلك فإن الاحتلال الأميركي لم يلاقِ أي ترحيب أو رضى من جماهير الشعب العراقي، وإن كان بعضهم يرى في حينه أن هناك لقاء مصالح بين أميركا التي لا يقبلون باحتلالها، وبين سقوط نظام الطاغية الذي أربك الواقع العراقي والعربي بأجمعه، ونحن نعرف أن الاحتلال الأميركي هو الذي دمر العراق وأفسح في المجال أمام التكفيريين وآخرين لزعزعة الأمن، وسهل بطريقة أو بأخرى ارتكاب المجازر التي كانت تطاول العراقيين المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ أكثر مما تطاول الجنود الأميركيين المحتلين.
وقد قرأت أخيراً أن مسؤولين أميركيين اعترفوا بأن الإدارة الأميركية فشلت في إعمار العراق، رغم أنها صرفت أكثر من مئة مليار دولار في إعماره، ذلك أنّ الفساد الذي تعيشه الشركات الأميركية هو ما عطَّل الإعمار. فالاحتلال الأميركي لم يستطع إذاً أن يحقق شيئاً للعراق، سواء على مستوى الخدمات والإعمار أو على مستوى الأمن، بل إنه أربك العراق والمنطقة كلها، ولذلك أنا أعتبر أن حركة هذا الشاب كانت تمثل ذاك النوع من الرفض للاحتلال الأميركي، وتمثل نوعاً من الإيحاء إلى الرئيس الأميركي بأن الشعب العراقي لن يقابله إلا بالأحذية، وهذا العمل يمثل عنواناً لما يختزنه الشعب العراقي ضد الاحتلال الأميركي.
س: أليس لافتاً لكم في مشهد رشق الحذاء، أن الصحافي من اتجاه يساري، بينما رئيس الوزراء الذي يقف إلى جنب بوش هو من تيار إسلامي؟!
ج: تندرج هذه المسألة في الجانب الدبلوماسي، باعتبار ما تحدثت به بعض الصحف العراقية عن أنه ضيف البلد، ولكن وزيرة الخارجية رايس صرَّحت بأن هذا مظهر من مظاهر الحرية والديمقراطية، ونحن نقول: إذا كانت الحرية تقتضي بأن من حق الشعب أن يضرب الرئيس المحتل الظالم، فلا يجوز اعتقاله إذاً.
فشل بوش في العراق
س: إلى أيِّ حدٍّ يمكن لهذا المشهد أن يكون تعبيراً عن وداع تجربةٍ امتدت لثماني سنوات؟
الشعب العراقي يرفض الاحتلال جملةً وتفصيلاً، وقد وقف الشعب العراقي كله ضد الاحتلال البريطاني حتى أخرجوه من بلادهم
ج: أعتقد أن تجربة جورج بوش في العراق كانت تجربةً فاشلةً بامتياز، وهذا ما أجمعت عليه الصحف الأميركية والعالمية، وأجمع عليه أيضاً الرأي العام الأميركي، ولذلك حاول بوش أن يختصر وجوده في العراق، ولكن على أساس أن يخرج بنصر من خلال الاتفاقية الأمنية، إلا أن هذه الحركة أبطلت أو فوتت عليه هذا النصر، لأنها اختصرت كل مشاعر الشعب العراقي ضد الاحتلال.
س: مع فشل هذه التجربة، هل ترى أن مشروع المحافظين الجدد قد طوي؟
ج: أعتقد أن فشل بوش كان فشلاً للمحافظين الجدد وللوبي اليهودي، حتى إن الاتفاقية الأمنية مع العراق بما فيها من سلبيات، تجبر الأميركي على تقديم تنازلات.
س: بشكلٍ واضح، هل تطالب حكومة نوري المالكي بإطلاق سراح الصحافي منتظر الزيدي؟
ج: نعم، لأنّ هذا الصحافي يدافع عن شرف العراق، ولذلك لا يجوز اعتقاله.
حوار زين حمود – أحمد الموسوي
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 24 ذو الحجة 1429 هـ الموافق: 22/12/2008 م