يقول تعالى في كتابه الكريم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ}(البقرة: 185).
لقد تحدّث الله سبحانه عن شهر رمضان بأنّه الشّهر الّذي اتّصل فيه سبحانه بعباده، من خلال كلامه الَّذي أنزله على نبيّه، ليكون منهجاً للنَّاس في كلِّ أمورهم، سواء كانت هذه الأمور تتَّصل بالعقيدة أو بالشَّريعة أو بمفاهيم الحياة، لأنَّ القرآن الكريم، كما صوَّره الله تعالى لنا في كتابه، هو النّور: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}(المائدة: 15-16)، فهو النّور الثَّقافيّ الَّذي إذا استوعبه الإنسان وتدبَّره وتأمَّله في قراءته لآياته، فإنَّه يحصل على النّور في قلبه وعقله ومشاعره وأحاسيسه، فلا يعود هناك أيّة ظلمة في شخصيَّته، بل إنّه يعيش الإشراق في كلّ ما يفكِّر فيه أو يتصرَّف فيه.
حجَّةُ العقل
وقد أراد تعالى في كتابه الكريم أن يؤكّد دور العقل، وأنَّ الَّذين يتذكّرون ويؤمنون ويملكون الوعي هم أولو الألباب {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ}(الرّعد: 19)، يعني "أولو العقول". والله أراد للعقل أن يكون في شخصيَّة الإنسان حركةً لمعرفة الحقّ من الباطل، ليميّز بين الحقّ والباطل، وبين الخير والشّرّ، وبين الاستقامة والانحراف.
وقد جعل الله العقل حجَّةً بينه وبين عباده، فالله سوف يحاسب النَّاس غداً يوم القيامة على ما أدركته عقولهم، وقد ورد في الحديث: «لَمَّا خَلَقَ اللّهُ العَقلَ قالَ لَهُ: أقبِلْ فَأقبَلَ، ثُمَّ قالَ لَهُ: أدبِرْ فَأدبَرَ، فقالَ: وعِزَّتي وجَلالي، مَا خَلَقْتُ خَلقاً أحسَنَ مِنكَ، إيّاكَ آمُرُ وَإيَّاكَ أَنْهَى، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ وَإيَّاكَ أُعاقِبُ». وورد أيضاً في الحديث: «إِنَّما أُثِيبُهُ - الإنسان - عَلَى قَدْرِ عَقْلِهِ»، وهو يعاقبه أيضاً على قدر عقله. ولهذا، فإنَّ الله يريد لنا تنمية عقولنا، تماماً كما نعمل على تنمية أجسادنا، لأنَّ صحَّة العقل تؤدّي إلى صحَّة الفكر، كما أنَّ صحَّة الجسد تؤدّي إلى صحَّة الحياة.
الابتعادُ عنِ الغفلة
وهكذا، يعلّمنا القرآن الكريم أن نبتعد عن الغفلة الَّتي تجعل الإنسانَ خارج نطاق التصوّر والفكر، بحيث تغلق الغفلة عقله فلا يفكّر، وتغلق قلبه فلا ينبض بالخير، وتغلق حياته فلا يتحرَّك نحو الصّراط المستقيم. ولذلك، كرَّر الله سبحانه وتعالى الأمر بالتَّذكّر والتَّذكير في الكثير من آياته، كما في قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}(الأعلى: 9)، ذكِّر النَّاس بكلِّ ما يتحمَّلون مسؤوليَّته، وبكلّ ما يواجههم من قضايا الحياة، فيما يُطَاعُ الله وفيما يُعْصَى {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى}(الأعلى: 10)، فإذا ذكَّرت الإنسان بما يرتبط بمسؤوليَّته ونتائج عمله، وأنَّه سوف يواجه هذه النَّتائج {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(الشّعراء: 88-89)، فلم يتذكَّر ذلك ويبتعد عمّا يمارسه في حياته من لهوٍ وعبث، وشهوات محرَّمة، وأموال باطلة، واعتداءات على النَّاس وظلم لهم، فإنَّه سوف يواجه العقاب من الله، أمَّا إذا ابتعد عن ذلك كلّه، وذكر ربَّه وموقعه منه ومسؤوليَّاته أمامه وخاف منه، فإنَّه سوف يحصل على النَّتائج الكبرى.
{وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى}(الأعلى: 11)، أمَّا الشَّخص الَّذي يعيش الشَّقاء الفكريّ والرّوحيّ والعمليّ في حياته، فلا يلتفت إلى ما يتذكَّره المتذكِّرون، ولا إلى مسؤوليَّته، على طريقة {لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا}(الأعراف: 179)، فإنَّ هذا عندما يعيش الغفلة عن الله، وعن مواقع طاعته، وينفتح على مواقع معصيته، فإنَّه {يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ}(الأعلى: 12)، فيحترق فيها.
وقد أراد الله تعالى من رسوله ومن كلّ السَّائرين في خطِّ الرّسالة، ممن يتحمَّلون مسؤوليَّة وعظِ النَّاس وتوعيتهم، أراد منهم تذكير الآخرين بالله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}(الذَّاريات: 55)، لأنَّ المؤمن، من خلال إيمانه بالله، إذا سمع آيةً من آيات القرآن الكريم تُذكِّره بالآخرة وبمسؤوليَّاته، فإنَّه سوف ينتفع بها، وسيطيع الله سبحانه وتعالى فيما أراده منه. ولذلك، فإنَّ الشَّيطان يحاول دائماً أن يبعد الإنسان عن جوّ التَّفكير، ويدخله في جوّ الغفلة واللَّا مبالاة، ككثير من النّاس الّذين لا يبالون بالمواعظ الّتي بلّغها الأنبياء إلى أممهم {خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٌ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيم}(البقرة: 7)، وإذا خُتِمَ على قلبه، فلا يعود باستطاعته التَّمييز بين الحقّ والباطل، بل قد يُخيَّل إليه أنَّ الباطل حقّ، والحقّ باطل.
الاستدلالُ على التَّوحيد
وهكذا ينفتح بنا القرآن الكريم على نور التَّوحيد، ويحدِّثنا الله سبحانه عن أنَّه وحده الخالق والرَّازق والمميت والمحيي، وأنَّه وحده الَّذي يمنح الإنسان القوَّة، وأنَّه لا شريك له في الأرض ولا في السَّماء.
وقد أرادنا الله أن نفهم البيّنات الَّتي بيَّنها في الاستدلال على توحيده، قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا}(الأنبياء: 22)، لأنَّ كلَّ إلهٍ حينها سيختار طريقاً وشريعةً وبرنامجاً، وربما تتصادم الشَّرائع، وتختلف البرامج، لأنَّ كلَّ إله يريد أن يؤكِّد برنامجه، فتتصادم البرامج، ولا يكون هناك وحدةٌ في الكون، ولذلك فإنَّ الكون سوف يفسد من خلال هذا الصّدام والصّراع بين الآلهة المدَّعاة.
ولذلك، أكَّد الله التَّوحيد، فالكون كلُّه يمثّل وحدة النّظام من خلال وحدة الخالق لهذا النّظام، فلا اختلاف فيه ولا تفاوت: {قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}(الطَّلاق: 3)، {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}[الملك: 3- 4].
وهكذا عندما ينفي الله فرضيَّة وجود آلهة غيره سبحانه، فيقول: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}(المؤمنون: 91)، أي لو كان عندنا آلهة وكانوا يتصارعون، فإنَّ ذلك يعني أنَّ هذا يستقلُّ بمنطقة من الكون، وذاك يستقلُّ بمنطقة أخرى، ولوجدنا أنَّ هذا يحاول أن يتغلَّب على ذاك، وذاك يريد أن يتغلَّب على هذا، وبذلك يفقد الكون توازنه ووحدته، مع أنَّ العقيدة التَّوحيديَّة تجعلنا نفهم أنَّ الكون واحدٌ بكلِّ قوانينه ونظمه، لأنَّ الله سبحانه وتعالى هو الإله الواحد والخالق الواحد الَّذي نظَّم الكون وأبدعه.
معنى التَّوحيد في الدّعاء
وفي ضوء هذا، فإنَّ العقيدة التَّوحيديَّة تفرض علينا أن لا نجعل لأحد من المخلوقين أيَّ صفةٍ من صفاتِ الخالق، بل إنّهم جميعاً فقراء إلى الله، سواء الأنبياء والرّسل، أو الأئمَّة والأولياء، ولذلك نجد أنَّ الأدعية الَّتي يدعى بها من قبل الأنبياء والأئمَّة (ع) تعبِّر عن ذلك.
وقد ورد في دعاء الإمام زين العابدين (ع): «اللَّهُمَّ إنِّي أَخْلَصْتُ بِانْقِطَاعِي إلَيْكَ، وَأَقْبَلْتُ بِكُلِّي عَلَيْـكَ، وَصَـرَفْتُ وَجْهِي عَمَّنْ يَحْتَـاجُ إلَى رِفْدِكَ، وَقَلَبْتُ مَسْأَلَتِي عَمَّنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ فَضْلِكَ، وَرَأَيْتُ أَنَّ طَلَبَ الْمُحْتَاجِ إلَى الْمُحْتَاجِ سَفَهٌ مِنْ رَأيِهِ، وَضَلَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ». وهذا الكلام يعني أنّه كما أنا محتاج إلى الله، كذلك النّبيّ أو الوليّ أيضاً محتاج إليه سبحانه، فلا أستطيع، مثلاً، أن أقول: يا رسول الله ارزقني، لأنَّ الرّسول يقول: يا الله ارزقني. ولذلك جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ}(الأحقاف: 9)، {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}(الأعراف: 188)، فكما أنا أحتاج إلى الله، كذلك النّبيّ والإمام يحتاجان إليه سبحانه، فلا نقول، كما يفعل البعض في الزّيارات: يا رسول الله ارزقني، يا عليّ أدركني، يا إمام أعطني... لأنَّ الرسول والأئمّة أنفسهم يطلبون من الله ويتضرَّعون إليه.
نعم، لقد أعطاهم الله سبحانه كرامة الشَّفاعة، ولذلك نطلب من الله ونقول مثلاً: يا الله، بكرامة النَّبيّ أعطنا الأمر الفلاني، أو بشفاعة النَّبيّ (ص) أعطنا كذا، فدورهم هو دور الشَّفاعة، والله تعالى يقول: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا}(الجنّ: 18)، فالله {هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}(الذّاريات: 58). ولكنَّ بعض النَّاس أصبح عندهم حالة غلوّ في هذه القضايا.
الآن، هناك بعض النَّاس يقول: أنا لا أطلب من الله، بل أطلب من النَّبيّ، أو من الإمام، وكلُّ هذا خلاف التَّوحيد، وهو قريبٌ من الشِّرك، الله تعالى يقول للنَّاس: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ}(فاطر: 15). لذا يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعائه: «فَكَمْ قَدْ رَأَيْتُ، يَا إِلَهِي، مِنْ أُنَاسٍ طَلَبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِكَ فَذَلُّوا - نحن لا نطلب العزَّة إلَّا منك، لأنَّك أنت الَّذي تعزُّ من تشاء وتذلُّ من تشاء - وَرَامُوا الثَّرْوَةَ مِنْ سِوَاكَ فَافْتَقَرُوا، وَحَاوَلُوا الارْتِفَاعَ فَاتَّضَعُوا، فَصَحَّ بِمُعَايَنَةِ أَمْثَالِهِمْ - عندما رأيتهم وتأمَّلت فيهم - حَازِمٌ وَفَّقَهُ اعْتِبَارُهُ، وَأَرْشَدَهُ إِلَى طَرِيقِ صَوَابِهِ اخْتِيَارُهُ. فَأَنْتَ يَا مَوْلايَ دُونَ كُلِّ مَسْؤُولٍ مَوْضِعُ مَسْأَلَتِي، وَدُونَ كُلِّ مَطْلُوبٍ إِلَيْهِ وَلِيُّ حَاجَتِي، أَنْتَ الْمَخْصُوصُ قَبْلَ كُلِّ مَدْعُوٍّ بِدَعْوَتِي، لَا يَشْرَكُكَ أَحَدٌ فِي رَجَائِي، وَلَا يَتَّفِقُ أَحَدٌ مَعَكَ فِي دُعَائِي، وَلَا يَنْظِمُهُ وَإِيَّاكَ نِدَائِي».
هذا هو معنى التَّوحيد؛ أن لا تدعو مع الله أحداً، ولا ترى معه أحداً. ولهذا نقولُ في التشهُّد: «أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، فعظمة محمَّدٍ (ص) أنّه كان عبداً مخلصاً لله، وعظمة عليّ (ع) أيضاً أنّه كان عبداً مخلصاً لله، وقد ورد في الحديث عنه (ع): «كَفَى بي عِزّاً أَنْ أَكُونَ لَكَ عَبْداً، وكَفَى بي فَخْراً أَنْ تَكُونَ لي رَبّاً. إِلَهِي! أَنْتَ لي كَمَا أُحِبُّ، فَاجْعَلْني كَمَا تُحِبُّ».
أهميّةُ تلاوةِ القرآن
هذه هي المفاهيم الَّتي نأخذها من القرآن الكريم، والّتي تنير قلوبنا: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}(المائدة: 15). ودور القرآن أنّه يخرج النَّاس من الظّلمات إلى النّور. ولذلك، أراد الله سبحانه وتعالى لنا أن نتلو القرآن، ليس فقط في شهر رمضان، بل في كلّ يوم، وبمقدار ما نستطيع، لا تلاوة الإنسان الَّذي أغلق قلبه عن معانيه، بل تلاوة الإنسان الَّذي يتدبَّره {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(محمَّد: 24)، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}(النّساء: 82).
لذلك، أيُّها الأحبَّة، القرآن هو ثقافتنا؛ فيه العقيدة والشَّريعة والمفاهيم الحقَّة، وفيه العلاقات وكلّ حركة الإنسان، وفيه أحوال الآخرة والجنَّة، وفيه كلُّ ما يرتفع بالإنسان ليعيش في مواقع القرب من الله تعالى، ولذا قال النَّبيُّ (ص)، فيما روي عنه في خطبته الَّتي استقبل بها شهر رمضان: «ادْعُوا رَبَّكُمْ بِنيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، أَنْ يُوَفّقَكُمْ لِصِيَامِهِ وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ»، بحيث يتلو الإنسان كتاب الله في اللَّيل والنَّهار، تلاوةَ وعيٍ ومعرفةٍ وتدبّر.
والحمدُ للّه ربِّ العالَمين.
*موعظة لسماحته، بتاريخ: 3 أيلول 2005 م/ الموافق: 3 رمضان 1429هـ.
يقول تعالى في كتابه الكريم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ}(البقرة: 185).
لقد تحدّث الله سبحانه عن شهر رمضان بأنّه الشّهر الّذي اتّصل فيه سبحانه بعباده، من خلال كلامه الَّذي أنزله على نبيّه، ليكون منهجاً للنَّاس في كلِّ أمورهم، سواء كانت هذه الأمور تتَّصل بالعقيدة أو بالشَّريعة أو بمفاهيم الحياة، لأنَّ القرآن الكريم، كما صوَّره الله تعالى لنا في كتابه، هو النّور: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}(المائدة: 15-16)، فهو النّور الثَّقافيّ الَّذي إذا استوعبه الإنسان وتدبَّره وتأمَّله في قراءته لآياته، فإنَّه يحصل على النّور في قلبه وعقله ومشاعره وأحاسيسه، فلا يعود هناك أيّة ظلمة في شخصيَّته، بل إنّه يعيش الإشراق في كلّ ما يفكِّر فيه أو يتصرَّف فيه.
حجَّةُ العقل
وقد أراد تعالى في كتابه الكريم أن يؤكّد دور العقل، وأنَّ الَّذين يتذكّرون ويؤمنون ويملكون الوعي هم أولو الألباب {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ}(الرّعد: 19)، يعني "أولو العقول". والله أراد للعقل أن يكون في شخصيَّة الإنسان حركةً لمعرفة الحقّ من الباطل، ليميّز بين الحقّ والباطل، وبين الخير والشّرّ، وبين الاستقامة والانحراف.
وقد جعل الله العقل حجَّةً بينه وبين عباده، فالله سوف يحاسب النَّاس غداً يوم القيامة على ما أدركته عقولهم، وقد ورد في الحديث: «لَمَّا خَلَقَ اللّهُ العَقلَ قالَ لَهُ: أقبِلْ فَأقبَلَ، ثُمَّ قالَ لَهُ: أدبِرْ فَأدبَرَ، فقالَ: وعِزَّتي وجَلالي، مَا خَلَقْتُ خَلقاً أحسَنَ مِنكَ، إيّاكَ آمُرُ وَإيَّاكَ أَنْهَى، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ وَإيَّاكَ أُعاقِبُ». وورد أيضاً في الحديث: «إِنَّما أُثِيبُهُ - الإنسان - عَلَى قَدْرِ عَقْلِهِ»، وهو يعاقبه أيضاً على قدر عقله. ولهذا، فإنَّ الله يريد لنا تنمية عقولنا، تماماً كما نعمل على تنمية أجسادنا، لأنَّ صحَّة العقل تؤدّي إلى صحَّة الفكر، كما أنَّ صحَّة الجسد تؤدّي إلى صحَّة الحياة.
الابتعادُ عنِ الغفلة
وهكذا، يعلّمنا القرآن الكريم أن نبتعد عن الغفلة الَّتي تجعل الإنسانَ خارج نطاق التصوّر والفكر، بحيث تغلق الغفلة عقله فلا يفكّر، وتغلق قلبه فلا ينبض بالخير، وتغلق حياته فلا يتحرَّك نحو الصّراط المستقيم. ولذلك، كرَّر الله سبحانه وتعالى الأمر بالتَّذكّر والتَّذكير في الكثير من آياته، كما في قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}(الأعلى: 9)، ذكِّر النَّاس بكلِّ ما يتحمَّلون مسؤوليَّته، وبكلّ ما يواجههم من قضايا الحياة، فيما يُطَاعُ الله وفيما يُعْصَى {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى}(الأعلى: 10)، فإذا ذكَّرت الإنسان بما يرتبط بمسؤوليَّته ونتائج عمله، وأنَّه سوف يواجه هذه النَّتائج {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(الشّعراء: 88-89)، فلم يتذكَّر ذلك ويبتعد عمّا يمارسه في حياته من لهوٍ وعبث، وشهوات محرَّمة، وأموال باطلة، واعتداءات على النَّاس وظلم لهم، فإنَّه سوف يواجه العقاب من الله، أمَّا إذا ابتعد عن ذلك كلّه، وذكر ربَّه وموقعه منه ومسؤوليَّاته أمامه وخاف منه، فإنَّه سوف يحصل على النَّتائج الكبرى.
{وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى}(الأعلى: 11)، أمَّا الشَّخص الَّذي يعيش الشَّقاء الفكريّ والرّوحيّ والعمليّ في حياته، فلا يلتفت إلى ما يتذكَّره المتذكِّرون، ولا إلى مسؤوليَّته، على طريقة {لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا}(الأعراف: 179)، فإنَّ هذا عندما يعيش الغفلة عن الله، وعن مواقع طاعته، وينفتح على مواقع معصيته، فإنَّه {يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ}(الأعلى: 12)، فيحترق فيها.
وقد أراد الله تعالى من رسوله ومن كلّ السَّائرين في خطِّ الرّسالة، ممن يتحمَّلون مسؤوليَّة وعظِ النَّاس وتوعيتهم، أراد منهم تذكير الآخرين بالله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}(الذَّاريات: 55)، لأنَّ المؤمن، من خلال إيمانه بالله، إذا سمع آيةً من آيات القرآن الكريم تُذكِّره بالآخرة وبمسؤوليَّاته، فإنَّه سوف ينتفع بها، وسيطيع الله سبحانه وتعالى فيما أراده منه. ولذلك، فإنَّ الشَّيطان يحاول دائماً أن يبعد الإنسان عن جوّ التَّفكير، ويدخله في جوّ الغفلة واللَّا مبالاة، ككثير من النّاس الّذين لا يبالون بالمواعظ الّتي بلّغها الأنبياء إلى أممهم {خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٌ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيم}(البقرة: 7)، وإذا خُتِمَ على قلبه، فلا يعود باستطاعته التَّمييز بين الحقّ والباطل، بل قد يُخيَّل إليه أنَّ الباطل حقّ، والحقّ باطل.
الاستدلالُ على التَّوحيد
وهكذا ينفتح بنا القرآن الكريم على نور التَّوحيد، ويحدِّثنا الله سبحانه عن أنَّه وحده الخالق والرَّازق والمميت والمحيي، وأنَّه وحده الَّذي يمنح الإنسان القوَّة، وأنَّه لا شريك له في الأرض ولا في السَّماء.
وقد أرادنا الله أن نفهم البيّنات الَّتي بيَّنها في الاستدلال على توحيده، قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا}(الأنبياء: 22)، لأنَّ كلَّ إلهٍ حينها سيختار طريقاً وشريعةً وبرنامجاً، وربما تتصادم الشَّرائع، وتختلف البرامج، لأنَّ كلَّ إله يريد أن يؤكِّد برنامجه، فتتصادم البرامج، ولا يكون هناك وحدةٌ في الكون، ولذلك فإنَّ الكون سوف يفسد من خلال هذا الصّدام والصّراع بين الآلهة المدَّعاة.
ولذلك، أكَّد الله التَّوحيد، فالكون كلُّه يمثّل وحدة النّظام من خلال وحدة الخالق لهذا النّظام، فلا اختلاف فيه ولا تفاوت: {قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}(الطَّلاق: 3)، {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}[الملك: 3- 4].
وهكذا عندما ينفي الله فرضيَّة وجود آلهة غيره سبحانه، فيقول: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}(المؤمنون: 91)، أي لو كان عندنا آلهة وكانوا يتصارعون، فإنَّ ذلك يعني أنَّ هذا يستقلُّ بمنطقة من الكون، وذاك يستقلُّ بمنطقة أخرى، ولوجدنا أنَّ هذا يحاول أن يتغلَّب على ذاك، وذاك يريد أن يتغلَّب على هذا، وبذلك يفقد الكون توازنه ووحدته، مع أنَّ العقيدة التَّوحيديَّة تجعلنا نفهم أنَّ الكون واحدٌ بكلِّ قوانينه ونظمه، لأنَّ الله سبحانه وتعالى هو الإله الواحد والخالق الواحد الَّذي نظَّم الكون وأبدعه.
معنى التَّوحيد في الدّعاء
وفي ضوء هذا، فإنَّ العقيدة التَّوحيديَّة تفرض علينا أن لا نجعل لأحد من المخلوقين أيَّ صفةٍ من صفاتِ الخالق، بل إنّهم جميعاً فقراء إلى الله، سواء الأنبياء والرّسل، أو الأئمَّة والأولياء، ولذلك نجد أنَّ الأدعية الَّتي يدعى بها من قبل الأنبياء والأئمَّة (ع) تعبِّر عن ذلك.
وقد ورد في دعاء الإمام زين العابدين (ع): «اللَّهُمَّ إنِّي أَخْلَصْتُ بِانْقِطَاعِي إلَيْكَ، وَأَقْبَلْتُ بِكُلِّي عَلَيْـكَ، وَصَـرَفْتُ وَجْهِي عَمَّنْ يَحْتَـاجُ إلَى رِفْدِكَ، وَقَلَبْتُ مَسْأَلَتِي عَمَّنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ فَضْلِكَ، وَرَأَيْتُ أَنَّ طَلَبَ الْمُحْتَاجِ إلَى الْمُحْتَاجِ سَفَهٌ مِنْ رَأيِهِ، وَضَلَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ». وهذا الكلام يعني أنّه كما أنا محتاج إلى الله، كذلك النّبيّ أو الوليّ أيضاً محتاج إليه سبحانه، فلا أستطيع، مثلاً، أن أقول: يا رسول الله ارزقني، لأنَّ الرّسول يقول: يا الله ارزقني. ولذلك جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ}(الأحقاف: 9)، {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}(الأعراف: 188)، فكما أنا أحتاج إلى الله، كذلك النّبيّ والإمام يحتاجان إليه سبحانه، فلا نقول، كما يفعل البعض في الزّيارات: يا رسول الله ارزقني، يا عليّ أدركني، يا إمام أعطني... لأنَّ الرسول والأئمّة أنفسهم يطلبون من الله ويتضرَّعون إليه.
نعم، لقد أعطاهم الله سبحانه كرامة الشَّفاعة، ولذلك نطلب من الله ونقول مثلاً: يا الله، بكرامة النَّبيّ أعطنا الأمر الفلاني، أو بشفاعة النَّبيّ (ص) أعطنا كذا، فدورهم هو دور الشَّفاعة، والله تعالى يقول: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا}(الجنّ: 18)، فالله {هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}(الذّاريات: 58). ولكنَّ بعض النَّاس أصبح عندهم حالة غلوّ في هذه القضايا.
الآن، هناك بعض النَّاس يقول: أنا لا أطلب من الله، بل أطلب من النَّبيّ، أو من الإمام، وكلُّ هذا خلاف التَّوحيد، وهو قريبٌ من الشِّرك، الله تعالى يقول للنَّاس: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ}(فاطر: 15). لذا يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعائه: «فَكَمْ قَدْ رَأَيْتُ، يَا إِلَهِي، مِنْ أُنَاسٍ طَلَبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِكَ فَذَلُّوا - نحن لا نطلب العزَّة إلَّا منك، لأنَّك أنت الَّذي تعزُّ من تشاء وتذلُّ من تشاء - وَرَامُوا الثَّرْوَةَ مِنْ سِوَاكَ فَافْتَقَرُوا، وَحَاوَلُوا الارْتِفَاعَ فَاتَّضَعُوا، فَصَحَّ بِمُعَايَنَةِ أَمْثَالِهِمْ - عندما رأيتهم وتأمَّلت فيهم - حَازِمٌ وَفَّقَهُ اعْتِبَارُهُ، وَأَرْشَدَهُ إِلَى طَرِيقِ صَوَابِهِ اخْتِيَارُهُ. فَأَنْتَ يَا مَوْلايَ دُونَ كُلِّ مَسْؤُولٍ مَوْضِعُ مَسْأَلَتِي، وَدُونَ كُلِّ مَطْلُوبٍ إِلَيْهِ وَلِيُّ حَاجَتِي، أَنْتَ الْمَخْصُوصُ قَبْلَ كُلِّ مَدْعُوٍّ بِدَعْوَتِي، لَا يَشْرَكُكَ أَحَدٌ فِي رَجَائِي، وَلَا يَتَّفِقُ أَحَدٌ مَعَكَ فِي دُعَائِي، وَلَا يَنْظِمُهُ وَإِيَّاكَ نِدَائِي».
هذا هو معنى التَّوحيد؛ أن لا تدعو مع الله أحداً، ولا ترى معه أحداً. ولهذا نقولُ في التشهُّد: «أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، فعظمة محمَّدٍ (ص) أنّه كان عبداً مخلصاً لله، وعظمة عليّ (ع) أيضاً أنّه كان عبداً مخلصاً لله، وقد ورد في الحديث عنه (ع): «كَفَى بي عِزّاً أَنْ أَكُونَ لَكَ عَبْداً، وكَفَى بي فَخْراً أَنْ تَكُونَ لي رَبّاً. إِلَهِي! أَنْتَ لي كَمَا أُحِبُّ، فَاجْعَلْني كَمَا تُحِبُّ».
أهميّةُ تلاوةِ القرآن
هذه هي المفاهيم الَّتي نأخذها من القرآن الكريم، والّتي تنير قلوبنا: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}(المائدة: 15). ودور القرآن أنّه يخرج النَّاس من الظّلمات إلى النّور. ولذلك، أراد الله سبحانه وتعالى لنا أن نتلو القرآن، ليس فقط في شهر رمضان، بل في كلّ يوم، وبمقدار ما نستطيع، لا تلاوة الإنسان الَّذي أغلق قلبه عن معانيه، بل تلاوة الإنسان الَّذي يتدبَّره {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(محمَّد: 24)، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}(النّساء: 82).
لذلك، أيُّها الأحبَّة، القرآن هو ثقافتنا؛ فيه العقيدة والشَّريعة والمفاهيم الحقَّة، وفيه العلاقات وكلّ حركة الإنسان، وفيه أحوال الآخرة والجنَّة، وفيه كلُّ ما يرتفع بالإنسان ليعيش في مواقع القرب من الله تعالى، ولذا قال النَّبيُّ (ص)، فيما روي عنه في خطبته الَّتي استقبل بها شهر رمضان: «ادْعُوا رَبَّكُمْ بِنيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، أَنْ يُوَفّقَكُمْ لِصِيَامِهِ وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ»، بحيث يتلو الإنسان كتاب الله في اللَّيل والنَّهار، تلاوةَ وعيٍ ومعرفةٍ وتدبّر.
والحمدُ للّه ربِّ العالَمين.
*موعظة لسماحته، بتاريخ: 3 أيلول 2005 م/ الموافق: 3 رمضان 1429هـ.