السيد فضل الله للـ(OTV): أغلب العالم العربي ليس عربياً في مواقفه فهو يمثّل الأنظمة التابعة للإدارة الأمريكية

السيد فضل الله للـ(OTV): أغلب العالم العربي ليس عربياً في مواقفه فهو يمثّل الأنظمة التابعة للإدارة الأمريكية

السيد فضل الله للـ(OTV): أغلب العالم العربي ليس عربياً في مواقفه

فهو يمثّل الأنظمة التابعة للإدارة الأمريكية


حوار قناة الـ (OTV) مع العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، في جزئه الثاني، وقد تمحور، حول الإسلام السياسي وتشعّباته في لبنان والمنطقة. وهذا نصّ الحوار:

س: سماحة السيد، يُقال إنّ المشكلة في لبنان هي مشكلة الشيعة الذين ابتعدوا أخيراً عن الإجماع اللبناني، وقد تجلّى ذلك في 14 آذار 2005، فهل هناك فعلاً انفصال شيعي عن الإجماع اللبناني أو عن مشروع لبننة الحلّ في لبنان؟

ج: إنني أتصوَّر أنَّ ما يسمَّى بالإجماع اللبناني، ليس إجماعاً، لأن ما يُشار إليه بأنه إجماع لبناني، هو إجماع فريق من اللبنانيين يلتزمون بعض الخطوط السياسية المنفتحة على السياسة الأمريكية، والتي لا تبتعد كثيراً عن السياسة الإسرائيلية، ولذلك فإنني لا أتصوَّر أنَّ الطائفة الشيعية ـ وأنا لا أتكلم طائفياً ـ ابتعدت عن الإجماع اللبناني، إلا إذا كان الإجماع اللبناني يتقبل احتلال إسرائيل للبنان واعتدائها عليه، إلى ما يعود إلى أوَّل الثمانينات، وقبل أن تكون الطائفة الشيعية بهذا التنظيم وبهذه القوَّة.   

 ابتعاد الشيعة عمَّا يسمَّى إجماعاً هو ابتعاد عن الاحتلال الإسرائيلي وعن السيطرة الأمريكية على لبنان


لذلك أنا أتصوَّر أنّ ابتعاد الشيعة عمّا يسمّى إجماعاً هو ابتعاد عن قبول الاحتلال الإسرائيلي وعن السيطرة الأمريكية الّتي تعتبر لبنان موقعاً تريد من خلاله الضّغط على بعض المواقع فيما يتعلق بأزمة المنطقة، مع الإشارة أنَّ هناك فريقاً من غير الشيعة هم في موقع المعارضة أيضاً، سواء من المسيحيين، كالتيار الوطني الحر، أو من المسلمين ممّن هم في المعارضة الإسلامية غير الشيعية التي لا تزال تقف مع القضية الفلسطينية، ومع القضية الوطنية ضد الاحتلال.

ونحن نتساءل: لماذا يبتعد الآخرون عن الإجماع العربي، وأقصد به الإجماع الشعبي العربي، لا الإجماع الرسمي، في مسألة مواجهة العدوان الإسرائيلي؟ حتى إنَّنا رأينا البعض من هؤلاء، سواء كانت التهمة خطأً أو صواباً، يقفون ضدَّ المقاومة في مواجهتها لإسرائيل، مع أنّ هذه المقاومة استطاعت أن تسقط العنفوان الإسرائيلي أو أن تضعفه، وأن تهزّ القاعدة السياسية الإسرائيلية...

إنني أتصوَّر أنَّ الشيعة هم أكثر الطوائف إخلاصاً في لبنان، لأنهم هم الذين استطاعوا أن يحرِّروا لبنان من الاحتلال، وأن يقدّموا الشهداء، وأن يتحمّلوا العدوان الإسرائيلي الذي دمّر كلَّ مواقعهم هنا وهناك، وقد انفتحوا ولا يزالون منفتحين على كلِّ الطوائف الأخرى، ولكن هناك بعض السياسيين الذين يغيّرون مواقفهم السياسية كما يغيِّرون ثيابهم، من الذين كانوا حلفاء للشيعة ونجحوا على حساب أصواتهم، نراهم يتحدَّثون بلغة قريبة إلى اللغة الإسرائيلية أو اللّغة الأمريكية.  

   أغلب العالم العربي ليس عربياً في مواقفه، بل إنه يمثل الأنظمة التابعة لمواقع الإدارة الأمريكية


س: نشعر اليوم بأن غالبية الأنظمة العربية تتهافت لإقامة سلام مع إسرائيل، سواء كان ذلك بالمشاركة في المؤتمرات الدولية كما في "أنابوليس" أو غيرها، هل المقاومة في لبنان، التي هي محور سجال ونقاش، هل لا زالت ترى أن هناك فرصةً لمشروع المقاومة، سواء في لبنان أو فلسطين؟

ج: إنّنا نعتقد أنَّ أغلب العالم العربي ليس عربياً في مواقفه، بل إنه يمثل الأنظمة التابعة لمواقع الإدارة الأمريكية، وأشير هنا إلى نقطة تاريخية، وهي أنّه في مؤتمر مدريد، الذي كان أوَّل مؤتمرٍ يجتمع فيه العرب مع الإسرائيليين، رفضت إسرائيل أن تتحدَّث إلى العرب مجتمعين، حتى إنها لم توافق على أن تكون الجامعة العربية هي الجهة المسؤولة عن القضية الفلسطينية، وأدخلت مجلس الاتحاد المغاربي الذي ولد ميتاً، أو مجلس التعاون الخليجي أو ما إلى ذلك، ما يدلُّ على أنه لا يُراد أن يكون هناك عالم عربي.

ونحن عندما ندرس الآن موقف كثير من الدول العربية من انتصار المقاومة على إسرائيل في حرب تموز 2006، نعرف أنَّ هؤلاء أقرب إلى إسرائيل منهم إلى شعوبهم العربية. أما في قضية المقاومة، فإن المقاومة لا تريد الآن أن تشنّ حرباً في لبنان، حتى ضدَّ إسرائيل، لأنها تدرس المسألة السياسية اللبنانية بطريقة جيدة، ولكنَّها تقول إنّها جاهزة للدفاع ضدّ أيّ عدوان إسرائيلي، فإذا اعتدت إسرائيل على لبنان في أيِّ حال من الحالات، وفي أيِّ وقت من الأوقات، فإن المقاومة لا تزال على استعداد كبير، بل أكبر من الاستعداد الذي كان عند الحرب في سنة 2006م.     أعطوا الجيش اللّبناني القوَّة العسكريَّة التي يستطيعُ من خلالها أن يقاوم العدوان الإسرائيلي وعندها لا يكون هناك حاجة إلى المقاومة

س: بعض السياسيين يرى أنَّه لا يمكنُ أن تقوم دولةٌ بجيشٍ مستقلّ وتتعايشُ مع المقاومة؟

ج: نحن نقول: أعطوا الجيش القوة العسكرية التي يستطيع من خلالها أن يقاوم العدوان الإسرائيلي من دون حاجة إلى قوات دولية أو ما إلى ذلك، وعند ذلك لا يكون هناك أيّ حاجة إلى المقاومة.

لقد كنَّا في أيام العدوان الإسرائيلي نرى كيف كانت إسرائيل تقصف قواعد الجيش اللبناني، فيسقط الشهداء من الجيش اللبناني وهم في قواعدهم، وعلى الرغم من ذلك، لم ينطلق أيُّ قرار حكومي للجيش لكي يردّ. إننا نقول: أعطوا الجيش الطائرات والصواريخ والمدافع والقوة التي يملك فيها مواجهة أيِّ عدوان إسرائيلي مستقبلي، وعند ذلك فإنَّ المقاومة لن يكون لها دور في لبنان.

س: ألم يكن ضرب إسرائيل لثكنات الجيش بالشكل الذي حصل في عدوان تموز 2006م يهدف إلى إحداث إشكال بين الجيش والمقاومة؟

ج: أنا لا أتصوَّر أن المسألة كانت بهذا الحجم، ولكنَّها أرادت أن تعاقب الجيش على العلاقات الودية بينه وبين المقاومة.

س: يُقال إن جزءاً أساسيّاً من الأزمة اللبنانية هو نتيجة لصراع سوري سعودي، أو صراع محورين عربيّين، فما رأيك في ذلك، وهل هناك حقاً ما يُعرف بعرب أمريكا؟

ج: أنا أعتقد أنَّ الأزمة اللبنانية هي أزمة أمريكية، حاولت أمريكا أن تضم إليها بعض الأوروبيين، وقد سمعنا وسمعتم بعض المسؤولين الإسرائيليين من العسكريين والسياسيين، يقول إنَّ أمريكا هي التي دفعت إسرائيل إلى حرب لبنان من أجل إسقاط المقاومة، وقد صدر كتاب في إسرائيل هو كتاب «بيت العنكبوت» يؤكِّد أن فريقاً من اللبنانيين، من الذين لا يؤيِّدون سياسة المقاومة، كانوا يرسلون الرسائل إلى إسرائيل بأن تستمرَّ في حربها حتى تسقط المقاومة، ولم نسمع أيّ ردّ من هؤلاء ينفون فيه أنهم كانوا يشجعون إسرائيل ويتوسّلونها ويلهثون وراءها من أجل استمرارها في الحرب التي دمَّرت أكثر لبنان.     أنا أدعو إلى الإسلام الحضاري الذي ينفتح على الحوار مع الحضارات الأخرى، لا الإسلام السياسي بالمعنى المعلّب

س: سماحة السيد، منذ بداية عملك، عملت على مشروع إسلامي حضاري واسع النطاق يبتعد عن المذهبية والفئوية، ويقدِّم صورةً مشرقةً للإسلام السياسي، ولكن مشروع الإسلام السياسي تحوَّل بعد أحداث11 أيلول إلى مشروع أصولي مذهبي حادّ يخيف البشر ويقتلهم في العراق، ويظهر بمظهر المعادي لكلِّ لأديان والحضارات، هل ندمت على جهودك؟

ج: أنا كنت منذ أكثر من 50 سنة، أدعو إلى الإسلام الحضاري الذي ينفتح على الحوار مع الحضارات الأخرى، بما فيها الحضارة المسيحية والحضارة الغربية، ولم أكن أعني أبداً الإسلام السياسي بالمعنى المعلّب، كما أنّني لم أشجِّع أيِّ فهم متخلّف للإسلام، أو أؤيد أيِّ عنوان إرهابي للمواجهة الإسلامية للآخرين، لأنَّ الإسلام من خلال القرآن الكريم، لا يدعو إلى مواجهة الآخرين الّذين لا يعملون على إسقاطه واضطهاده ومصادرة مواقعه وموارده واستراتيجياته، بل يدعو المسلمين إلى أن يتحركوا معهم بالعدل وأن يحسنوا إليهم، وهذا هو مدلول قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}.

فمن كان مسالماً فعلى المسلمين أن يكونوا مسالمين معه: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}، وعندما تحدَّث الله تعالى عن القتال قال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}، أمّا عندما يكون هناك مشاكل مع الآخرين، سواء كانت سياسية أو غير سياسية، فقد قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.

لذلك نحن أعلنّا، عندما حدثت أحداث 11أيلول، بالرغم من معارضتنا للسياسة الأمريكية، بأنّ هذا العمل لا يقبل به عقل ولا شرع ولا دين، وإننا ننكر هذا العمل، لأننا لا نحارب أمريكا بهذه الطريقة، وخصوصاً أننا نريد أن نكون أصدقاء للشعب الأمريكي. وقد استنكرت أيضاً ما حدث في إسبانيا وما حدث في بريطانيا، وأيضاً ما حدث في البلاد العربية في السعودية وفي المغرب.

ونحن أيضاً نعتبر أنَّ الذين يمارسون عملية القتل تحت إشراف الاحتلال الأمريكي في العراق هم أقرب إلى الوحوش منهم إلى البشر، لأنه لا يجوز لنا أن نقتل المدنيين، وخصوصاً إذا كانوا من النساء والأطفال والشيوخ...

س: بعد الجهود الكبرى التي بذلت في القرن الماضي لتحقيق تقارب واقعي بين السنة والشيعة، والنجاحات التي حققتها هذه الجهود في بعض الأمور والقضايا، نرى أن الأمور قد عادت إلى الوراء، فمن المسؤول عن ذلك؟ وما هو السبب؟

ج: أنا أعتقد أنَّ هناك خطةً أمريكيةً، تدعمها بعض الدول العربية وبعض المتخلِّفين الذين يعيشون في الماضي من السنَّة والشيعة، تعمل على إثارة الجانب المذهبي، وخصوصاً في لبنان الذي حاول فيه بعض الزعماء المسلمين، سواء كانوا دينيين أو سياسيين، الإيحاء بالفتنة المذهبية التي يتحدثون عنها أمام أية مشكلة سياسية تحدث في هذا الجانب أو ذاك الجانب، ولكن فيما أعتقد، فإنّ العقلاء في لبنان من السنة والشيعة، استطاعوا أن يسقطوها أو أن يخفّفوا من تأثيراتها.    

مسألة الهلال الشيعي الذي تحدّث عنه بعض ملوك العرب هي أشبه بمسألة الوحدة العربية التي لا يزال العرب يتحدثون عنها في أشعارهم الحماسية


س: بعد سقوط نظام صدَّام حسين في العراق، ارتفعت الأصوات المحذّرة من إمكان بروز مشروع سياسي شيعي واسع النطاق. هل فعلاً يوجد مشروع شيعي؟ وماذا عن الهلال الشيعي؟

ج: ليس هناك مشروعٌ شيعيّ في العراق، وما نلاحظه هو أنّ الانتخابات كانت شعبيةً وشاملة للسنّة والشيعة والأكراد، ولذلك فليست هناك أكثرية شيعية مطلقة. كما أنَّ مسألة الهلال الشيعي التي أثارها بعض ملوك العرب، هي أشبه بالنَّكتة منها إلى المسألة السياسية، لأنَّنا نعرف أنه ليست هناك أية فرصة لأن ينطلق الشيعة العرب، سواء في العراق أو في لبنان أو في سوريا، للاندماج مع إيران، كما أن إيران ليست مستعدةً لذلك، مع الإشارة إلى أنّه ليس كلّ الفئات الشّيعية مؤيدة للسياسة الإيرانية، بل إنّ هناك فئات معارضة لهذه السياسة. ولذلك فإن مسألة الهلال الشيعي الذي تحدث عنه بعض ملوك العرب، هي أشبه بمسألة الوحدة العربية التي لا يزال العرب يتحدَّثون عنها في أشعارهم الحماسية.

س: كثيرٌ من العرب صاروا يعتبرون إيران مصدر خطرٍ عليهم، أيّ عدوّهم الجديد، وبدأوا يتحدَّثون عن الصراع العربي الفارسي، فهل فعلاً أصبحت إيران مشكلةً للدول العربية؟

ج: أنا أريدُ أنْ أناقش المسألة بعقلٍ باردٍ: ما هو الخطر الذي سبَّبته إيران للعرب؟ فإذا عدنا إلى الحرب العراقية الإيرانية، نرى أنّ الّذي أثارها كان صدَّام حسين بتشجيعٍ من الغرب ومن الشرق في ذلك الوقت، لإسقاط الثورة الإسلامية في إيران... فإيران لم تبدأ الحرب ضد العراق، خصوصاً أن أغلب الجيش العراقي كان جيشاً شيعيّاً، وكان الكثير منهم يحاربون الجيش الإيراني، ثم إنَّ إيران الآن في سياستها تحاول التقرب من كل دول الخليج العربي، وتحاول استعادة العلاقات المصرية الإيرانية، كما أنها تحاول الانفتاح على الأردن.   


 أمريكا تريد لإيران أن تخضع لسياستها، وإيران لا تريد أن تتحرك في علاقاتها مع أمريكا إلا بشروطها التي تحفظ لها حريتها


ولذلك، فإنَّ إيران تتحرَّك الآن في سياستها تحت عنوان الصداقة مع العالم العربي، سواء على مستوى السياسة أو على مستوى الاقتصاد، حتى إنها طرحت على دول الخليج، وعلى السعودية بالذات، أن يكون هناك تحالف أمني بينهما لحماية الخليج، باعتبار أن إيران تمثِّل الدولة الحدودية الكبرى مع الخليج، لأن حدودها معه يبلغ أكثر من ألف كلم. ولكن لننطلق إلى إسرائيل وتاريخها منذ ستين سنةً مع العالم العربي، وتاريخها مع مصر وسوريا ولبنان والأردن، وحركتها الماضية والحاضرة في فلسطين، حيث تحاول اضطهاد الشعب الفلسطيني. فمن يكون العدو؟!

إنّ أمريكا تحاول أن تخضع العرب لخطوطها السياسية في تعقيد علاقاتهم مع إيران، لأنها تريد لإيران أن تخضع للسياسة الأمريكية، وإيران حتى الآن لا تريد أن تتحرك في علاقاتها مع أمريكا إلا بشروطها التي تحفظ لها حريتها.

لذلك نحن ندعو كلَّ الذين يتحدَّثون عن الخطر الإيراني، أن يدرسوا المسألة بطريقة علمية، ليروا هل هناك فعلاً خطر إيرانيّ فيما تحاول أمريكا الإيحاء به، أم أنّ الخطر هو من إسرائيل الّتي لا تزال تحتلّ الجولان وبعض المواقع في لبنان، ولا تزال تمارس إجرامها بحقِّ القضية الفلسطينية؟ لذلك نحن نعتقد أنّ هذه المسألة تمثّل كذبةً أمريكيةً تضاف إلى كذبات الرئيس بوش والإدارة الأمريكية كلّها.

س: سماحة السيد، يعتبر البعض أنَّ جزءاً من مشكلة الإسلام وعدم مماشاته للعصر وظهور ما يُعرف بـ(فوبيا الإسلام)، سببه الإسلام السلفي أو الجمود الفكري الإسلامي. لماذا في رأيك، غاب التجديد عن الخطاب والفكر الإسلاميّين، وعادت الأصولية والسلفية حتى تقبض على خناق الإسلام وتجعله في مواجهة العصر والعالم؟

ج: عندما ندرس الخطوط الثقافية الإسلامية في العالم الإسلامي، نجد أن السلفية المتخلّفة التي قد تتحرك بطريقة عدوانية في بعض الحالات من خلال بعض خططها، لا تمثِّل إلا موقعاً صغيراً جداً في حركة الثقافة الإسلامية؛ فنحن نجد أنَّ هناك مثقّفين إسلاميين، سواء من السنّة أو من الشيعة، ينفتحون على الإسلام في بعده الحضاري، ويتحرَّكون على أساس إدارة الخلافات بينهم وبين الأديان الأخرى أو الاتجاهات الأخرى بطريقة الحوار، لأن القرآن الكريم أراد من المسلمين أن يجادلوا أهل الكتاب بالتي هي أحسن، وأن ينطلقوا معهم من الكلمة السواء.   


 السلفية المتخلّفة لا تمثّل إلا موقعاً صغيراً جداً في حركة الثقافة الإسلامية


وحتى إنَّ المنهج الإسلامي في الحوار، هو المنهج الذي قد لا نجد أيَّ منهج آخر يقترب منه، فضلاً عن أن يتجاوزه، فنحن نقرأ في القرآن الكريم في حوار النبي مع الكافرين المشركين قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، بمعنى أنني قد أكون على هدى أو على ضلال، وقد تكون أنت على هدى أو على ضلال، فهناك حقيقة ضائعة بيننا، وعلينا أن نترافق في رحلة البحث عنها، فليس هناك حالة ذاتية في الحوار، بل هناك فكر يواجه فكراً، مع احتمالات الخطأ والصواب في هذا الجانب أو ذاك الجانب لدى المحاور الإسلامي.

ولذلك، فإنَّنا نعتقد أن المثقّفين الإسلاميين الواعين المعاصرين المنفتحين، استطاعوا أن يقدِّموا إسلاماً منفتحاً على قضايا الإنسان وقضايا الحرية، بالطريقة التي لا تبتعد عن الخطِّ العام للحضارة الإنسانية، وعلى الرّغم من أنّ هناك بعض الخطوط الّتي قد تختلف فيها الحضارة الإسلامية عن الحضارية الغربية، إلاّ أنّنا نعتقد أنّ الحوار هو الذي يمكن أن يركِّز القواعد التي تنطلق منها هذه الحضارة أو تلك.

وأنا أؤكِّد ما قلته في رسالتي إلى البابا الراحل، أنَّ علينا، إذا أمكن، أن ننطلق في مسألة الحوار والتعاون بين الإسلام والمسيحية من خطَّين: الخطّ الأوّل، هو خطُّ الإيمان في مقابل الإلحاد، والخطّ الثاني هو خطّ العدالة في مقابل الظلم، لأن المسيحية تنكر الاستكبار كما ينكره الإسلام، وتحمي المستضعفين كما يحميهم الإسلام، ولأنَّ المسيحية تؤمن بالله الواحد كما يؤمن به المسلمون، فعلينا أن نبدأ التعاون والحوار من تفاصيل كلِّ هذه القضايا، لتكون لدينا جبهة إسلامية مسيحية على مستوى حماية الإنسان من الإلحاد ومن الظلم والاستكبار. وقد كنت من أوائل الذين كتبوا في الحوار الإسلامي ـ المسيحي في كتابٍ صدر قبل أكثر من 20 سنة تقريباً تحت عنوان "تأملات في الحوار الإسلامي المسيحي".    

لتكن لدينا جبهة إسلامية مسيحية على مستوى حماية الإنسان من الإلحاد ومن الظلم والاستكبار


س: تكلّمت سماحتك عن مجتهدين ومفكّرين، ولكن في القرن الماضي، كانت هناك أسماء لامعة لمفكرين إسلاميين كبار ظهروا في المنطقة والقارّة الهندية والإفريقية، مثل السيد جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، والسيد عبد الحسين شرف الدين، والمفكر الكبير السيد محمد باقر الصدر، والعشرات غيرهم، فلماذا لا نسمع اليوم بمفكرين إسلاميين كبار؛ هل هناك أزمة فكر أم أزمة شخص؟

ج: نعتقد أنَّ هناك مفكّرين كبار، ولكن الإعلام لا يركِّز على أسمائهم بالطريقة التي ركّز فيها على أسماء أولئك، باعتبار أنهم كانوا يمثِّلون الظاهرة في ذلك الوقت، وأما الآن، فهناك ظواهر متعدّدة في هذا المجال.

س: سماحتك تمثّل رمزاً من رموز الحوار بين الأديان، فمنذ ما يقرب من النصف قرن وأنت تدعو إلى الحوار وتعمل في هذا المجال، وقد غذَّيته من فكرك وقلمك، وتحديداً في كتابك الأوَّل: "أسلوب الدعوة في القرآن"، وراهنت على أهمية الحوار. أين تشعر بأنّ الحوار قد نجح، وأين أخفق؟

ج: إنَّ المشكلة هي أنَّ الحوار بين الأديان، وحتى الحوار بين المذاهب الإسلامية أو المذاهب المسيحية، أصبح يعيش في دائرة الحركة السياسة الأمريكية التي لا تريد للعالم أن يتوحَّد على أساس القيم الروحية والأخلاقية، لأنَّ المسيحيين والمسلمين لو أخذوا بأسباب الحوار بالطريقة العقلانية الموضوعية التي تجعل كلَّ فريق يحاول أن يفهم الآخر كما هو، لا كما يعتقد في هذا المقام، وأن ينطلقوا من القضايا المشتركة قبل القضايا المختلف فيها، فإنه من الممكن جداً أن يصنع ذلك قوة إسلامية مسيحية في العالم تنفتح على صنع القيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية للإنسان، بحيث إنها تسقط حركة المستكبرين الذين يبغون في الأرض بغير الحق ويظلمون الناس. المشكلة هي أنّ الخطوط السياسية قد دخلت في الخطوط الدينية.

س: ذكرتَ في كتابك "إضاءات إسلامية"، أن مشكلة لبنان هي مشكلة سياسية ولا علاقة للمسجد ولا للكنيسة بها، ولكن نلاحظ أن بعض الأصوليين والسلفيين يقسمون العالم إلى معسكرين؛ معسكر الإيمان الذي يدّعون أنهم وحدهم من أهله، ومعسكر الكفر الذي يضمّ كل من لا يعتنق رؤاهم وأفكارهم للكون والآخرة، هل هذا التقسيم تقسيم واقعي؟ وإلى أين يؤدي؟

ج: هذا التقسيم ليس واقعياً، لأننا عندما ندرس عدد المسلمين في العالم، والذي يبلغ ما يقارب المليار ونصف المليار ومسلم، وعندما ندرس هذا التيار الذي يفكر بهذه الطريقة في إلغاء الآخر، حتى لو كان مسلماً، فإننا نجد أنهم لا يمثلون حتى عشرة في المائة.

س: ولكن هم أكثر الناس الذين تُسمعَ أصواتهم في العالم؟

ج: هذا سببه أنَّ الحركة السياسية الأمريكيّة تريد لهؤلاء أن يبقى صوتهم صارخاً يرتفع على أصوات الآخرين الذين يمارسون الإسلام بشكلٍ عقلاني هادىء وموضوعي.    

مشكلتنا في الواقع الإسلامي ليست مشكلة السنة والشيعة


بل هي مشكلة الاستكبار العالمي وإسرائيل


س: صحيح أنهم قلّة قليلة، كما ذكرتم، ولكنَّ الإعلام الغربي يركّز عليهم بشكلٍ أكبر، فلماذا لا تكون الشخصيات المعتدلة والمنفتحة حاضرة في هذا المجال، ولو بوسائل أخرى؟

ج: نحن دعونا إلى الحوار الإسلامي ـ الإسلامي، حتى إنّني دعوت في بعض المداخلات التي صدرت قبل أشهر، إلى الحوار حتى مع السلفيين والوهابيين، وقلت لهم إنّ مشكلتنا ليست هي مشكلة السنّة والشيعة، ولكن مشكلتنا هي في الاستكبار العالمي وإسرائيل. ولذلك لا بدَّ لنا من أن نتحاور فيما بيننا على القضايا الأساسية، حتى نصل إلى قاعدة مشتركة، لأنَّ الله تعالى يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}.

س: كلّ الأديان، ولاسيما الأديان السماوية، تدعو الإنسان إلى أن يتصالح مع ذاته ومع الإنسان الآخر، فلماذا لم يتحقَّق هذا الهدف؟ ولماذا نجد في المقابل أن الإنسان بقي ذئباً ضد الإنسان، وأن الأديان تحوّلت إلى عصبيات تقاتل بعضها بعضاً، وتلغي بعضها بعضاً؟

ج: المشكلة لم تنطلق من الأديان، بل من الذين يديرون حركة الأديان، باعتبار مواقعهم الرسمية وتطلعاتهم التي قد يغلب عليها الجانب العدواني، لذلك عندما ندرس حديث القرآن الكريم عن النصارى، نجده دعوةً إلى التلاقي والتعاون، فالله سبحانه يقول: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}، {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ}.

س: تحدثت سماحتك مطوّلاً عن خطر مشروع المحافظين الجدد في أمريكا، واعتبرته الرافد لمشروع الأصولية المسيحية. في رأيك، هل يستخدم حكّام أمريكا اليوم الفكر الديني ليحققوا مشروع إمبراطوريتهم؟

ج: عندما ندرس خطاب الرئيس بوش، الذي اعتبر فيه نفسه رسولاً من قِبَل الله، وأنه يفكر في ما يستوحيه من الله سبحانه وتعالى، وعندما ندرس البروتستانتية الموجودة في أمريكا، والمحافظين الجدد في خطوطهم العدوانية التي يريدون من خلالها إعلان الحرب على العالم الإسلامي بشكلٍ عام، حتى إنهم يعتقدون أن السيد المسيح سوف يظهر في فلسطين، وسوف يحوِّل اليهود إلى مسيحيين؛ عندما ندرس كلّ ذلك، نفهم لماذا يؤيّدون إسرائيل تأييداً مطلقاً ربما أكثر مما يؤيّده الديمقراطيون والجمهوريون الأمريكيون.

س: هل هذا الشيء يبرر علاقة الصهيونية بالمحافظين الجدد، وهل نجحت جهودهم في خلق صراع مسيحي ـ إسلامي؟

ج: هناك مصطلح يصف حركة هؤلاء بالمسيحية المتصهينة، ولكن المسيحية براء من هؤلاء.

س: في رأيك، من يمثّل رمز الحوار الحضاري المنفتح في لبنان، وأيضاً في العالم العربي؟

ج: مشكلة لبنان أنَّ مسألة العلاقات بين المسيحيين والمسلمين أصبحت تنطلق من خلال الواقع السياسي لا من خلال الواقع الديني، ولذلك لا علاقة للذين يتحركون في الدائرة الإسلامية أو في الدائرة المسيحية بالإسلام وبالمسيحية، بل إنّ بعض الذين يتحمّسون للإسلام أو المسيحية في الصراع الطائفي، قد نجد أنهم ملحدون. لذلك فالمشكلة في لبنان هي مشكلة سياسية، وهذا ما نلاحظه في تصريحات الكثير من رجال الدين المسيحي والإسلامي في أعلى المستويات.    

المشكلة في لبنان هي مشكلة سياسية وليست دينية


س: تقول سماحتك في إحدى كتاباتك، إنه لا محرّمات في الحوار. هناك كثير من المواطنين يسألون: إلى متى سيبقى لرجال الدين السلطة أو التأثير على السياسة في لبنان؟

ج: أنا لا أعتقد أنَّ من حقّ رجال الدين بصفتهم الدينية، أن تكون لهم السلطة التي يصادرون فيها سياسة الناس وفكرهم، فرجل الدين إنسان مثقف دينياً، لا قداسة له من الناحية الدينية، ولذلك فإنَّ علينا أن ننقد رجال الدين عندما يتحدثون في الدين، لأنهم قد يخطئون وقد يصيبون، وأيضاً عندما يتحدثون في السياسة أو في القضايا الاجتماعية، أو القضايا الثقافية والأدبية، فإنهم يخطئون ويصيبون.

رجل الدين هو مجرَّد إنسان يملك ثقافةً دينيةً، والله سبحانه وتعالى لم يجعله ديّاناً ومسيطراً على الناس، ولذلك أنا أستغرب من بعض الناس الذين يثورون ويتحركون بشكل استعراضي وعنيف لمجرَّد أن هناك من ينتقد رجل دين مسلم أو مسيحي في رأيه السياسي، فهو ليس نبياً ولا معصوماً، إنما هو بشر يخطىء ويصيب. وليس من المفروض أن يفرض رأيه على الناس، فقد يكون هناك بعض الناس ممن يملكون الثقافة السياسية أكثر مما يملكه رجل الدين، ويفهمون الواقع أكثر مما يفهمه، فعلى أيِّ أساس يريد أن يجعل لموقفه الديني ولرأيه السياسي هذه القداسة.

ومشكلتنا في لبنان أنّنا نقدّس من لا قداسة له، على المستوى الديني، وعلى المستوى السياسي، والله سبحانه قال لنبيّه محمد(ص): {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}، الفرق بيني وبينكم أنّي أحمل الوحي. ولكني بشرٌ مثلكم. ونحن نقول إنَّ على كل رجال الدين الذين أوصلتهم الأوضاع القانونية ليكونوا في موقع القمة، أن يتواضعوا ليرتفعوا إلى مستوى القاعدة حتى يكونوا في مواقع القوة.    


على رجال الدين أن يتواضعوا ليرتفعوا إلى مستوى القاعدة ليكونوا في مواقع القوة


س: مشروعك الفكري الكبير توَّجته بالأمس بحديث جديد ومفاجىء عن المرأة وحقها في مواجهة عنف زوجها بالعنف، ما هو الجديد في هذه النظرية؟

ج: أنا لا أعتقد أنَّ هناك شيئاً جديداً، فالمرأة إنسان كما الرّجل إنسان، وليس له قداسة خاصّة، والعقد بين الرجل والمرأة يحكم الرجل كما يحكم المرأة فيما يلتزمان به، ويجب على كلٍّ منهما أن يحترم إنسانيّة الآخر، فكما لا يجوز للمرأة إذا كانت تمتلك أي موقع من مواقع القوة، من خلال عائلتها أو لجهة قوَّتها الجسمية، أن تعتدي على الزّوج، كذلك لا يجوز للزوج الاعتداء عليها إذا كان يملك مثل ذلك، وقد قرأت قبل مدة في بعض الصحف المصرية، أنّ رجلاً طلب الطلاق من زوجته لتسلّطها عليه بسبب قوّتها البدنية.

نحن نقول إنه لا يجوز للزوج أن يمارس العنف ضدّ زوجته مستغلاً ضعفها، كما يفعل بعض الأزواج الذي يستعمل العنف الدموي مع زوجته، فيكسر رجلها أو يدها، أو ما أشبه ذلك.

إننا نقول إنَّ حقّ الدفاع عن النفس هو حقّ شامل لكل إنسان، سواء كان رجلاً أو امرأةً، وسواء كان في داخل الحياة الزوجية أو خارجها، فلو أن إنساناً أراد أن يعتدي على امرأة، فإنّ حقها أن تدافع عن نفسها وأن تقهره بكلِّ وسائل القهر، حتى إنني في بعض المداخلات الصحفية قلت إني أشجع المرأة على تعلّم رياضات القوة التي تمكّنها من أن تدافع عن نفسها.   

 الإسلام يؤكِّد أنَّ على المرأة أن تخرج في المجتمع كإنسان لا كأنثى


س: ماذا عن الحجاب؛ هل هو فرض شرعي أم ممارسة اختيارية؟

ج: قد نجيب عن هذا السؤال بسؤال آخر: لماذا نرفض العري؟ أليس لأنه يخلق حالاً من الإثارة أو ما أشبه ذلك؟ إنّ الإسلام يعتبر أنَّ على المرأة أن تخرج في المجتمع المختلط كإنسان، أما مسألة الفرق بين المرأة والرجل، فهي من جهة أن المرأة منذ البداية كانت عنوان الجمال والإثارة بالنسبة إلى الرّجل، ولم يكن الرجل بحسب طبيعة المسرى التاريخي أو الأوضاع الموجودة يعتبر عنصراً للإثارة...

ونحن نرى أنّ الأدب العالمي، سواء كان أدباً عربياً أو غيره، يؤكد جانب الفتنة والجمال والإثارة في المرأة أكثر مما هو عند الرجل، ولذلك أراد الإسلام أن يحمي المرأة ويحمي الرجل بهذا الحجاب الهادىء، فأمرها بأن تنطلق لتستر جسمها وتظهر وجهها وكفيها من جهة حاجتها إلى ذلك في المجتمع، وأن تتحرك كإنسان لا كأنثى، فالأنوثة من حقّ المرأة، لكن في موقع خاص، أما في المجتمع فعليها أن تنطلق كإنسان عنده عقل وإرادة وله فاعلية في الحياة.

س: ألا يمكن أن يتمَّ ذلك من دون حجاب؟

ج: عندما ندرس حركة عدم الحجاب، حتى في البلدان التي تعطي الحرية للمرأة، نرى أن حوادث الاعتداء والاغتصاب تكثر في هذه المجتمعات، كما هو الحال في الإدارات في أمريكا وأوروبا وغيرها، عندما ينطلق الرجال في التحرّشات الجنسية مع زميلاتهنّ أو سكرتيراتهنّ.    

على المجتهد أن يتابع أحداث الحياة ليجتهد إسلامياً في كلِّ ما يحقِّق للإنسان الاستقرار والسعادة في الحياة


س: منذ بداية حياتك، عملت سماحتك على مشروع نهضوي تجديدي في مجال الفقه والفكر والفلسفة والعقيدة، فهل تعتبر أن حلقات هذا المشروع اكتملت؟ هل يوجد شيء لم تقله بعد؟ وماذا تحضِّر؟

ج: أنا أعتقد أن الإنسان عندما يملك الاجتهاد، فإنَّ عليه أن يتابع أحداث الحياة، ليجتهد إسلامياً في كلِّ ما يحقق للإنسان الاستقرار والسعادة في الحياة.

س: كتبت في العام 2004 قائلاً: لسنا إرهابيين، ولكن هل نحن مستقبليون؟ كلمة ألقيتها في محاضرة قلت فيها: غيّر نفسك تغيّر التاريخ والواقع؟

ج: لأنَّ حركة الحياة ترتبط بالإنسان، والإنسان ينطلق من خلال الدائرة الفكرية الداخلية، ولذلك نحن نقول إنَّ الفكر الإنساني هو الذي ينعكس إيجاباً أو سلباً على الإنسان، فإذا غيّر الإنسان نفسه، فإنه يستطيع أن يحدث التغيير في الواقع.   

 لا حلّ في لبنان من خلال اللبنانيين، لأنّ الحلّ ينطلق من مصالح الآخرين


س: سؤال أخير سماحة السيد، بعد استعراضنا للأزمة اللبنانية في أبعادها وعناصرها الداخلية والخارجية، كيف تجد الحلّ في لبنان من خلال الشعار الذي طرحته: غيِّر نفسك تغيِّر الواقع؟

ج: لا حلّ في لبنان من خلال اللّبنانيين، لأنّ الحل إنما ينطلق من مصالح الآخرين الذين يفكِّرون في مواقعهم ومصالحهم أكثر مما يفكرون في مواقع اللبنانيين ومصالحهم، وأكثر اللبنانيين لا يفكرّون في مصالحهم.

س: لكن نحن ألسنا مخيّرين؛ ألا يوجد عندنا إرادة نستطيع أن نغيّر من خلالها؟

ج: نحن فقدنا إرادة أن نريد، هناك كلمة تنطبق على هذا الواقع لنزار قباني يقول فيها:

              يا ويح أوعيـة الصديـد        ليس تملك أن تريد ولا تريد    

وهذا هو شأن اللبنانيين.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 21 محرم 1429 هـ  الموافق: 31/01/2008 م

السيد فضل الله للـ(OTV): أغلب العالم العربي ليس عربياً في مواقفه

فهو يمثّل الأنظمة التابعة للإدارة الأمريكية


حوار قناة الـ (OTV) مع العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، في جزئه الثاني، وقد تمحور، حول الإسلام السياسي وتشعّباته في لبنان والمنطقة. وهذا نصّ الحوار:

س: سماحة السيد، يُقال إنّ المشكلة في لبنان هي مشكلة الشيعة الذين ابتعدوا أخيراً عن الإجماع اللبناني، وقد تجلّى ذلك في 14 آذار 2005، فهل هناك فعلاً انفصال شيعي عن الإجماع اللبناني أو عن مشروع لبننة الحلّ في لبنان؟

ج: إنني أتصوَّر أنَّ ما يسمَّى بالإجماع اللبناني، ليس إجماعاً، لأن ما يُشار إليه بأنه إجماع لبناني، هو إجماع فريق من اللبنانيين يلتزمون بعض الخطوط السياسية المنفتحة على السياسة الأمريكية، والتي لا تبتعد كثيراً عن السياسة الإسرائيلية، ولذلك فإنني لا أتصوَّر أنَّ الطائفة الشيعية ـ وأنا لا أتكلم طائفياً ـ ابتعدت عن الإجماع اللبناني، إلا إذا كان الإجماع اللبناني يتقبل احتلال إسرائيل للبنان واعتدائها عليه، إلى ما يعود إلى أوَّل الثمانينات، وقبل أن تكون الطائفة الشيعية بهذا التنظيم وبهذه القوَّة.   

 ابتعاد الشيعة عمَّا يسمَّى إجماعاً هو ابتعاد عن الاحتلال الإسرائيلي وعن السيطرة الأمريكية على لبنان


لذلك أنا أتصوَّر أنّ ابتعاد الشيعة عمّا يسمّى إجماعاً هو ابتعاد عن قبول الاحتلال الإسرائيلي وعن السيطرة الأمريكية الّتي تعتبر لبنان موقعاً تريد من خلاله الضّغط على بعض المواقع فيما يتعلق بأزمة المنطقة، مع الإشارة أنَّ هناك فريقاً من غير الشيعة هم في موقع المعارضة أيضاً، سواء من المسيحيين، كالتيار الوطني الحر، أو من المسلمين ممّن هم في المعارضة الإسلامية غير الشيعية التي لا تزال تقف مع القضية الفلسطينية، ومع القضية الوطنية ضد الاحتلال.

ونحن نتساءل: لماذا يبتعد الآخرون عن الإجماع العربي، وأقصد به الإجماع الشعبي العربي، لا الإجماع الرسمي، في مسألة مواجهة العدوان الإسرائيلي؟ حتى إنَّنا رأينا البعض من هؤلاء، سواء كانت التهمة خطأً أو صواباً، يقفون ضدَّ المقاومة في مواجهتها لإسرائيل، مع أنّ هذه المقاومة استطاعت أن تسقط العنفوان الإسرائيلي أو أن تضعفه، وأن تهزّ القاعدة السياسية الإسرائيلية...

إنني أتصوَّر أنَّ الشيعة هم أكثر الطوائف إخلاصاً في لبنان، لأنهم هم الذين استطاعوا أن يحرِّروا لبنان من الاحتلال، وأن يقدّموا الشهداء، وأن يتحمّلوا العدوان الإسرائيلي الذي دمّر كلَّ مواقعهم هنا وهناك، وقد انفتحوا ولا يزالون منفتحين على كلِّ الطوائف الأخرى، ولكن هناك بعض السياسيين الذين يغيّرون مواقفهم السياسية كما يغيِّرون ثيابهم، من الذين كانوا حلفاء للشيعة ونجحوا على حساب أصواتهم، نراهم يتحدَّثون بلغة قريبة إلى اللغة الإسرائيلية أو اللّغة الأمريكية.  

   أغلب العالم العربي ليس عربياً في مواقفه، بل إنه يمثل الأنظمة التابعة لمواقع الإدارة الأمريكية


س: نشعر اليوم بأن غالبية الأنظمة العربية تتهافت لإقامة سلام مع إسرائيل، سواء كان ذلك بالمشاركة في المؤتمرات الدولية كما في "أنابوليس" أو غيرها، هل المقاومة في لبنان، التي هي محور سجال ونقاش، هل لا زالت ترى أن هناك فرصةً لمشروع المقاومة، سواء في لبنان أو فلسطين؟

ج: إنّنا نعتقد أنَّ أغلب العالم العربي ليس عربياً في مواقفه، بل إنه يمثل الأنظمة التابعة لمواقع الإدارة الأمريكية، وأشير هنا إلى نقطة تاريخية، وهي أنّه في مؤتمر مدريد، الذي كان أوَّل مؤتمرٍ يجتمع فيه العرب مع الإسرائيليين، رفضت إسرائيل أن تتحدَّث إلى العرب مجتمعين، حتى إنها لم توافق على أن تكون الجامعة العربية هي الجهة المسؤولة عن القضية الفلسطينية، وأدخلت مجلس الاتحاد المغاربي الذي ولد ميتاً، أو مجلس التعاون الخليجي أو ما إلى ذلك، ما يدلُّ على أنه لا يُراد أن يكون هناك عالم عربي.

ونحن عندما ندرس الآن موقف كثير من الدول العربية من انتصار المقاومة على إسرائيل في حرب تموز 2006، نعرف أنَّ هؤلاء أقرب إلى إسرائيل منهم إلى شعوبهم العربية. أما في قضية المقاومة، فإن المقاومة لا تريد الآن أن تشنّ حرباً في لبنان، حتى ضدَّ إسرائيل، لأنها تدرس المسألة السياسية اللبنانية بطريقة جيدة، ولكنَّها تقول إنّها جاهزة للدفاع ضدّ أيّ عدوان إسرائيلي، فإذا اعتدت إسرائيل على لبنان في أيِّ حال من الحالات، وفي أيِّ وقت من الأوقات، فإن المقاومة لا تزال على استعداد كبير، بل أكبر من الاستعداد الذي كان عند الحرب في سنة 2006م.     أعطوا الجيش اللّبناني القوَّة العسكريَّة التي يستطيعُ من خلالها أن يقاوم العدوان الإسرائيلي وعندها لا يكون هناك حاجة إلى المقاومة

س: بعض السياسيين يرى أنَّه لا يمكنُ أن تقوم دولةٌ بجيشٍ مستقلّ وتتعايشُ مع المقاومة؟

ج: نحن نقول: أعطوا الجيش القوة العسكرية التي يستطيع من خلالها أن يقاوم العدوان الإسرائيلي من دون حاجة إلى قوات دولية أو ما إلى ذلك، وعند ذلك لا يكون هناك أيّ حاجة إلى المقاومة.

لقد كنَّا في أيام العدوان الإسرائيلي نرى كيف كانت إسرائيل تقصف قواعد الجيش اللبناني، فيسقط الشهداء من الجيش اللبناني وهم في قواعدهم، وعلى الرغم من ذلك، لم ينطلق أيُّ قرار حكومي للجيش لكي يردّ. إننا نقول: أعطوا الجيش الطائرات والصواريخ والمدافع والقوة التي يملك فيها مواجهة أيِّ عدوان إسرائيلي مستقبلي، وعند ذلك فإنَّ المقاومة لن يكون لها دور في لبنان.

س: ألم يكن ضرب إسرائيل لثكنات الجيش بالشكل الذي حصل في عدوان تموز 2006م يهدف إلى إحداث إشكال بين الجيش والمقاومة؟

ج: أنا لا أتصوَّر أن المسألة كانت بهذا الحجم، ولكنَّها أرادت أن تعاقب الجيش على العلاقات الودية بينه وبين المقاومة.

س: يُقال إن جزءاً أساسيّاً من الأزمة اللبنانية هو نتيجة لصراع سوري سعودي، أو صراع محورين عربيّين، فما رأيك في ذلك، وهل هناك حقاً ما يُعرف بعرب أمريكا؟

ج: أنا أعتقد أنَّ الأزمة اللبنانية هي أزمة أمريكية، حاولت أمريكا أن تضم إليها بعض الأوروبيين، وقد سمعنا وسمعتم بعض المسؤولين الإسرائيليين من العسكريين والسياسيين، يقول إنَّ أمريكا هي التي دفعت إسرائيل إلى حرب لبنان من أجل إسقاط المقاومة، وقد صدر كتاب في إسرائيل هو كتاب «بيت العنكبوت» يؤكِّد أن فريقاً من اللبنانيين، من الذين لا يؤيِّدون سياسة المقاومة، كانوا يرسلون الرسائل إلى إسرائيل بأن تستمرَّ في حربها حتى تسقط المقاومة، ولم نسمع أيّ ردّ من هؤلاء ينفون فيه أنهم كانوا يشجعون إسرائيل ويتوسّلونها ويلهثون وراءها من أجل استمرارها في الحرب التي دمَّرت أكثر لبنان.     أنا أدعو إلى الإسلام الحضاري الذي ينفتح على الحوار مع الحضارات الأخرى، لا الإسلام السياسي بالمعنى المعلّب

س: سماحة السيد، منذ بداية عملك، عملت على مشروع إسلامي حضاري واسع النطاق يبتعد عن المذهبية والفئوية، ويقدِّم صورةً مشرقةً للإسلام السياسي، ولكن مشروع الإسلام السياسي تحوَّل بعد أحداث11 أيلول إلى مشروع أصولي مذهبي حادّ يخيف البشر ويقتلهم في العراق، ويظهر بمظهر المعادي لكلِّ لأديان والحضارات، هل ندمت على جهودك؟

ج: أنا كنت منذ أكثر من 50 سنة، أدعو إلى الإسلام الحضاري الذي ينفتح على الحوار مع الحضارات الأخرى، بما فيها الحضارة المسيحية والحضارة الغربية، ولم أكن أعني أبداً الإسلام السياسي بالمعنى المعلّب، كما أنّني لم أشجِّع أيِّ فهم متخلّف للإسلام، أو أؤيد أيِّ عنوان إرهابي للمواجهة الإسلامية للآخرين، لأنَّ الإسلام من خلال القرآن الكريم، لا يدعو إلى مواجهة الآخرين الّذين لا يعملون على إسقاطه واضطهاده ومصادرة مواقعه وموارده واستراتيجياته، بل يدعو المسلمين إلى أن يتحركوا معهم بالعدل وأن يحسنوا إليهم، وهذا هو مدلول قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}.

فمن كان مسالماً فعلى المسلمين أن يكونوا مسالمين معه: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}، وعندما تحدَّث الله تعالى عن القتال قال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}، أمّا عندما يكون هناك مشاكل مع الآخرين، سواء كانت سياسية أو غير سياسية، فقد قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.

لذلك نحن أعلنّا، عندما حدثت أحداث 11أيلول، بالرغم من معارضتنا للسياسة الأمريكية، بأنّ هذا العمل لا يقبل به عقل ولا شرع ولا دين، وإننا ننكر هذا العمل، لأننا لا نحارب أمريكا بهذه الطريقة، وخصوصاً أننا نريد أن نكون أصدقاء للشعب الأمريكي. وقد استنكرت أيضاً ما حدث في إسبانيا وما حدث في بريطانيا، وأيضاً ما حدث في البلاد العربية في السعودية وفي المغرب.

ونحن أيضاً نعتبر أنَّ الذين يمارسون عملية القتل تحت إشراف الاحتلال الأمريكي في العراق هم أقرب إلى الوحوش منهم إلى البشر، لأنه لا يجوز لنا أن نقتل المدنيين، وخصوصاً إذا كانوا من النساء والأطفال والشيوخ...

س: بعد الجهود الكبرى التي بذلت في القرن الماضي لتحقيق تقارب واقعي بين السنة والشيعة، والنجاحات التي حققتها هذه الجهود في بعض الأمور والقضايا، نرى أن الأمور قد عادت إلى الوراء، فمن المسؤول عن ذلك؟ وما هو السبب؟

ج: أنا أعتقد أنَّ هناك خطةً أمريكيةً، تدعمها بعض الدول العربية وبعض المتخلِّفين الذين يعيشون في الماضي من السنَّة والشيعة، تعمل على إثارة الجانب المذهبي، وخصوصاً في لبنان الذي حاول فيه بعض الزعماء المسلمين، سواء كانوا دينيين أو سياسيين، الإيحاء بالفتنة المذهبية التي يتحدثون عنها أمام أية مشكلة سياسية تحدث في هذا الجانب أو ذاك الجانب، ولكن فيما أعتقد، فإنّ العقلاء في لبنان من السنة والشيعة، استطاعوا أن يسقطوها أو أن يخفّفوا من تأثيراتها.    

مسألة الهلال الشيعي الذي تحدّث عنه بعض ملوك العرب هي أشبه بمسألة الوحدة العربية التي لا يزال العرب يتحدثون عنها في أشعارهم الحماسية


س: بعد سقوط نظام صدَّام حسين في العراق، ارتفعت الأصوات المحذّرة من إمكان بروز مشروع سياسي شيعي واسع النطاق. هل فعلاً يوجد مشروع شيعي؟ وماذا عن الهلال الشيعي؟

ج: ليس هناك مشروعٌ شيعيّ في العراق، وما نلاحظه هو أنّ الانتخابات كانت شعبيةً وشاملة للسنّة والشيعة والأكراد، ولذلك فليست هناك أكثرية شيعية مطلقة. كما أنَّ مسألة الهلال الشيعي التي أثارها بعض ملوك العرب، هي أشبه بالنَّكتة منها إلى المسألة السياسية، لأنَّنا نعرف أنه ليست هناك أية فرصة لأن ينطلق الشيعة العرب، سواء في العراق أو في لبنان أو في سوريا، للاندماج مع إيران، كما أن إيران ليست مستعدةً لذلك، مع الإشارة إلى أنّه ليس كلّ الفئات الشّيعية مؤيدة للسياسة الإيرانية، بل إنّ هناك فئات معارضة لهذه السياسة. ولذلك فإن مسألة الهلال الشيعي الذي تحدث عنه بعض ملوك العرب، هي أشبه بمسألة الوحدة العربية التي لا يزال العرب يتحدَّثون عنها في أشعارهم الحماسية.

س: كثيرٌ من العرب صاروا يعتبرون إيران مصدر خطرٍ عليهم، أيّ عدوّهم الجديد، وبدأوا يتحدَّثون عن الصراع العربي الفارسي، فهل فعلاً أصبحت إيران مشكلةً للدول العربية؟

ج: أنا أريدُ أنْ أناقش المسألة بعقلٍ باردٍ: ما هو الخطر الذي سبَّبته إيران للعرب؟ فإذا عدنا إلى الحرب العراقية الإيرانية، نرى أنّ الّذي أثارها كان صدَّام حسين بتشجيعٍ من الغرب ومن الشرق في ذلك الوقت، لإسقاط الثورة الإسلامية في إيران... فإيران لم تبدأ الحرب ضد العراق، خصوصاً أن أغلب الجيش العراقي كان جيشاً شيعيّاً، وكان الكثير منهم يحاربون الجيش الإيراني، ثم إنَّ إيران الآن في سياستها تحاول التقرب من كل دول الخليج العربي، وتحاول استعادة العلاقات المصرية الإيرانية، كما أنها تحاول الانفتاح على الأردن.   


 أمريكا تريد لإيران أن تخضع لسياستها، وإيران لا تريد أن تتحرك في علاقاتها مع أمريكا إلا بشروطها التي تحفظ لها حريتها


ولذلك، فإنَّ إيران تتحرَّك الآن في سياستها تحت عنوان الصداقة مع العالم العربي، سواء على مستوى السياسة أو على مستوى الاقتصاد، حتى إنها طرحت على دول الخليج، وعلى السعودية بالذات، أن يكون هناك تحالف أمني بينهما لحماية الخليج، باعتبار أن إيران تمثِّل الدولة الحدودية الكبرى مع الخليج، لأن حدودها معه يبلغ أكثر من ألف كلم. ولكن لننطلق إلى إسرائيل وتاريخها منذ ستين سنةً مع العالم العربي، وتاريخها مع مصر وسوريا ولبنان والأردن، وحركتها الماضية والحاضرة في فلسطين، حيث تحاول اضطهاد الشعب الفلسطيني. فمن يكون العدو؟!

إنّ أمريكا تحاول أن تخضع العرب لخطوطها السياسية في تعقيد علاقاتهم مع إيران، لأنها تريد لإيران أن تخضع للسياسة الأمريكية، وإيران حتى الآن لا تريد أن تتحرك في علاقاتها مع أمريكا إلا بشروطها التي تحفظ لها حريتها.

لذلك نحن ندعو كلَّ الذين يتحدَّثون عن الخطر الإيراني، أن يدرسوا المسألة بطريقة علمية، ليروا هل هناك فعلاً خطر إيرانيّ فيما تحاول أمريكا الإيحاء به، أم أنّ الخطر هو من إسرائيل الّتي لا تزال تحتلّ الجولان وبعض المواقع في لبنان، ولا تزال تمارس إجرامها بحقِّ القضية الفلسطينية؟ لذلك نحن نعتقد أنّ هذه المسألة تمثّل كذبةً أمريكيةً تضاف إلى كذبات الرئيس بوش والإدارة الأمريكية كلّها.

س: سماحة السيد، يعتبر البعض أنَّ جزءاً من مشكلة الإسلام وعدم مماشاته للعصر وظهور ما يُعرف بـ(فوبيا الإسلام)، سببه الإسلام السلفي أو الجمود الفكري الإسلامي. لماذا في رأيك، غاب التجديد عن الخطاب والفكر الإسلاميّين، وعادت الأصولية والسلفية حتى تقبض على خناق الإسلام وتجعله في مواجهة العصر والعالم؟

ج: عندما ندرس الخطوط الثقافية الإسلامية في العالم الإسلامي، نجد أن السلفية المتخلّفة التي قد تتحرك بطريقة عدوانية في بعض الحالات من خلال بعض خططها، لا تمثِّل إلا موقعاً صغيراً جداً في حركة الثقافة الإسلامية؛ فنحن نجد أنَّ هناك مثقّفين إسلاميين، سواء من السنّة أو من الشيعة، ينفتحون على الإسلام في بعده الحضاري، ويتحرَّكون على أساس إدارة الخلافات بينهم وبين الأديان الأخرى أو الاتجاهات الأخرى بطريقة الحوار، لأن القرآن الكريم أراد من المسلمين أن يجادلوا أهل الكتاب بالتي هي أحسن، وأن ينطلقوا معهم من الكلمة السواء.   


 السلفية المتخلّفة لا تمثّل إلا موقعاً صغيراً جداً في حركة الثقافة الإسلامية


وحتى إنَّ المنهج الإسلامي في الحوار، هو المنهج الذي قد لا نجد أيَّ منهج آخر يقترب منه، فضلاً عن أن يتجاوزه، فنحن نقرأ في القرآن الكريم في حوار النبي مع الكافرين المشركين قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، بمعنى أنني قد أكون على هدى أو على ضلال، وقد تكون أنت على هدى أو على ضلال، فهناك حقيقة ضائعة بيننا، وعلينا أن نترافق في رحلة البحث عنها، فليس هناك حالة ذاتية في الحوار، بل هناك فكر يواجه فكراً، مع احتمالات الخطأ والصواب في هذا الجانب أو ذاك الجانب لدى المحاور الإسلامي.

ولذلك، فإنَّنا نعتقد أن المثقّفين الإسلاميين الواعين المعاصرين المنفتحين، استطاعوا أن يقدِّموا إسلاماً منفتحاً على قضايا الإنسان وقضايا الحرية، بالطريقة التي لا تبتعد عن الخطِّ العام للحضارة الإنسانية، وعلى الرّغم من أنّ هناك بعض الخطوط الّتي قد تختلف فيها الحضارة الإسلامية عن الحضارية الغربية، إلاّ أنّنا نعتقد أنّ الحوار هو الذي يمكن أن يركِّز القواعد التي تنطلق منها هذه الحضارة أو تلك.

وأنا أؤكِّد ما قلته في رسالتي إلى البابا الراحل، أنَّ علينا، إذا أمكن، أن ننطلق في مسألة الحوار والتعاون بين الإسلام والمسيحية من خطَّين: الخطّ الأوّل، هو خطُّ الإيمان في مقابل الإلحاد، والخطّ الثاني هو خطّ العدالة في مقابل الظلم، لأن المسيحية تنكر الاستكبار كما ينكره الإسلام، وتحمي المستضعفين كما يحميهم الإسلام، ولأنَّ المسيحية تؤمن بالله الواحد كما يؤمن به المسلمون، فعلينا أن نبدأ التعاون والحوار من تفاصيل كلِّ هذه القضايا، لتكون لدينا جبهة إسلامية مسيحية على مستوى حماية الإنسان من الإلحاد ومن الظلم والاستكبار. وقد كنت من أوائل الذين كتبوا في الحوار الإسلامي ـ المسيحي في كتابٍ صدر قبل أكثر من 20 سنة تقريباً تحت عنوان "تأملات في الحوار الإسلامي المسيحي".    

لتكن لدينا جبهة إسلامية مسيحية على مستوى حماية الإنسان من الإلحاد ومن الظلم والاستكبار


س: تكلّمت سماحتك عن مجتهدين ومفكّرين، ولكن في القرن الماضي، كانت هناك أسماء لامعة لمفكرين إسلاميين كبار ظهروا في المنطقة والقارّة الهندية والإفريقية، مثل السيد جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، والسيد عبد الحسين شرف الدين، والمفكر الكبير السيد محمد باقر الصدر، والعشرات غيرهم، فلماذا لا نسمع اليوم بمفكرين إسلاميين كبار؛ هل هناك أزمة فكر أم أزمة شخص؟

ج: نعتقد أنَّ هناك مفكّرين كبار، ولكن الإعلام لا يركِّز على أسمائهم بالطريقة التي ركّز فيها على أسماء أولئك، باعتبار أنهم كانوا يمثِّلون الظاهرة في ذلك الوقت، وأما الآن، فهناك ظواهر متعدّدة في هذا المجال.

س: سماحتك تمثّل رمزاً من رموز الحوار بين الأديان، فمنذ ما يقرب من النصف قرن وأنت تدعو إلى الحوار وتعمل في هذا المجال، وقد غذَّيته من فكرك وقلمك، وتحديداً في كتابك الأوَّل: "أسلوب الدعوة في القرآن"، وراهنت على أهمية الحوار. أين تشعر بأنّ الحوار قد نجح، وأين أخفق؟

ج: إنَّ المشكلة هي أنَّ الحوار بين الأديان، وحتى الحوار بين المذاهب الإسلامية أو المذاهب المسيحية، أصبح يعيش في دائرة الحركة السياسة الأمريكية التي لا تريد للعالم أن يتوحَّد على أساس القيم الروحية والأخلاقية، لأنَّ المسيحيين والمسلمين لو أخذوا بأسباب الحوار بالطريقة العقلانية الموضوعية التي تجعل كلَّ فريق يحاول أن يفهم الآخر كما هو، لا كما يعتقد في هذا المقام، وأن ينطلقوا من القضايا المشتركة قبل القضايا المختلف فيها، فإنه من الممكن جداً أن يصنع ذلك قوة إسلامية مسيحية في العالم تنفتح على صنع القيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية للإنسان، بحيث إنها تسقط حركة المستكبرين الذين يبغون في الأرض بغير الحق ويظلمون الناس. المشكلة هي أنّ الخطوط السياسية قد دخلت في الخطوط الدينية.

س: ذكرتَ في كتابك "إضاءات إسلامية"، أن مشكلة لبنان هي مشكلة سياسية ولا علاقة للمسجد ولا للكنيسة بها، ولكن نلاحظ أن بعض الأصوليين والسلفيين يقسمون العالم إلى معسكرين؛ معسكر الإيمان الذي يدّعون أنهم وحدهم من أهله، ومعسكر الكفر الذي يضمّ كل من لا يعتنق رؤاهم وأفكارهم للكون والآخرة، هل هذا التقسيم تقسيم واقعي؟ وإلى أين يؤدي؟

ج: هذا التقسيم ليس واقعياً، لأننا عندما ندرس عدد المسلمين في العالم، والذي يبلغ ما يقارب المليار ونصف المليار ومسلم، وعندما ندرس هذا التيار الذي يفكر بهذه الطريقة في إلغاء الآخر، حتى لو كان مسلماً، فإننا نجد أنهم لا يمثلون حتى عشرة في المائة.

س: ولكن هم أكثر الناس الذين تُسمعَ أصواتهم في العالم؟

ج: هذا سببه أنَّ الحركة السياسية الأمريكيّة تريد لهؤلاء أن يبقى صوتهم صارخاً يرتفع على أصوات الآخرين الذين يمارسون الإسلام بشكلٍ عقلاني هادىء وموضوعي.    

مشكلتنا في الواقع الإسلامي ليست مشكلة السنة والشيعة


بل هي مشكلة الاستكبار العالمي وإسرائيل


س: صحيح أنهم قلّة قليلة، كما ذكرتم، ولكنَّ الإعلام الغربي يركّز عليهم بشكلٍ أكبر، فلماذا لا تكون الشخصيات المعتدلة والمنفتحة حاضرة في هذا المجال، ولو بوسائل أخرى؟

ج: نحن دعونا إلى الحوار الإسلامي ـ الإسلامي، حتى إنّني دعوت في بعض المداخلات التي صدرت قبل أشهر، إلى الحوار حتى مع السلفيين والوهابيين، وقلت لهم إنّ مشكلتنا ليست هي مشكلة السنّة والشيعة، ولكن مشكلتنا هي في الاستكبار العالمي وإسرائيل. ولذلك لا بدَّ لنا من أن نتحاور فيما بيننا على القضايا الأساسية، حتى نصل إلى قاعدة مشتركة، لأنَّ الله تعالى يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}.

س: كلّ الأديان، ولاسيما الأديان السماوية، تدعو الإنسان إلى أن يتصالح مع ذاته ومع الإنسان الآخر، فلماذا لم يتحقَّق هذا الهدف؟ ولماذا نجد في المقابل أن الإنسان بقي ذئباً ضد الإنسان، وأن الأديان تحوّلت إلى عصبيات تقاتل بعضها بعضاً، وتلغي بعضها بعضاً؟

ج: المشكلة لم تنطلق من الأديان، بل من الذين يديرون حركة الأديان، باعتبار مواقعهم الرسمية وتطلعاتهم التي قد يغلب عليها الجانب العدواني، لذلك عندما ندرس حديث القرآن الكريم عن النصارى، نجده دعوةً إلى التلاقي والتعاون، فالله سبحانه يقول: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}، {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ}.

س: تحدثت سماحتك مطوّلاً عن خطر مشروع المحافظين الجدد في أمريكا، واعتبرته الرافد لمشروع الأصولية المسيحية. في رأيك، هل يستخدم حكّام أمريكا اليوم الفكر الديني ليحققوا مشروع إمبراطوريتهم؟

ج: عندما ندرس خطاب الرئيس بوش، الذي اعتبر فيه نفسه رسولاً من قِبَل الله، وأنه يفكر في ما يستوحيه من الله سبحانه وتعالى، وعندما ندرس البروتستانتية الموجودة في أمريكا، والمحافظين الجدد في خطوطهم العدوانية التي يريدون من خلالها إعلان الحرب على العالم الإسلامي بشكلٍ عام، حتى إنهم يعتقدون أن السيد المسيح سوف يظهر في فلسطين، وسوف يحوِّل اليهود إلى مسيحيين؛ عندما ندرس كلّ ذلك، نفهم لماذا يؤيّدون إسرائيل تأييداً مطلقاً ربما أكثر مما يؤيّده الديمقراطيون والجمهوريون الأمريكيون.

س: هل هذا الشيء يبرر علاقة الصهيونية بالمحافظين الجدد، وهل نجحت جهودهم في خلق صراع مسيحي ـ إسلامي؟

ج: هناك مصطلح يصف حركة هؤلاء بالمسيحية المتصهينة، ولكن المسيحية براء من هؤلاء.

س: في رأيك، من يمثّل رمز الحوار الحضاري المنفتح في لبنان، وأيضاً في العالم العربي؟

ج: مشكلة لبنان أنَّ مسألة العلاقات بين المسيحيين والمسلمين أصبحت تنطلق من خلال الواقع السياسي لا من خلال الواقع الديني، ولذلك لا علاقة للذين يتحركون في الدائرة الإسلامية أو في الدائرة المسيحية بالإسلام وبالمسيحية، بل إنّ بعض الذين يتحمّسون للإسلام أو المسيحية في الصراع الطائفي، قد نجد أنهم ملحدون. لذلك فالمشكلة في لبنان هي مشكلة سياسية، وهذا ما نلاحظه في تصريحات الكثير من رجال الدين المسيحي والإسلامي في أعلى المستويات.    

المشكلة في لبنان هي مشكلة سياسية وليست دينية


س: تقول سماحتك في إحدى كتاباتك، إنه لا محرّمات في الحوار. هناك كثير من المواطنين يسألون: إلى متى سيبقى لرجال الدين السلطة أو التأثير على السياسة في لبنان؟

ج: أنا لا أعتقد أنَّ من حقّ رجال الدين بصفتهم الدينية، أن تكون لهم السلطة التي يصادرون فيها سياسة الناس وفكرهم، فرجل الدين إنسان مثقف دينياً، لا قداسة له من الناحية الدينية، ولذلك فإنَّ علينا أن ننقد رجال الدين عندما يتحدثون في الدين، لأنهم قد يخطئون وقد يصيبون، وأيضاً عندما يتحدثون في السياسة أو في القضايا الاجتماعية، أو القضايا الثقافية والأدبية، فإنهم يخطئون ويصيبون.

رجل الدين هو مجرَّد إنسان يملك ثقافةً دينيةً، والله سبحانه وتعالى لم يجعله ديّاناً ومسيطراً على الناس، ولذلك أنا أستغرب من بعض الناس الذين يثورون ويتحركون بشكل استعراضي وعنيف لمجرَّد أن هناك من ينتقد رجل دين مسلم أو مسيحي في رأيه السياسي، فهو ليس نبياً ولا معصوماً، إنما هو بشر يخطىء ويصيب. وليس من المفروض أن يفرض رأيه على الناس، فقد يكون هناك بعض الناس ممن يملكون الثقافة السياسية أكثر مما يملكه رجل الدين، ويفهمون الواقع أكثر مما يفهمه، فعلى أيِّ أساس يريد أن يجعل لموقفه الديني ولرأيه السياسي هذه القداسة.

ومشكلتنا في لبنان أنّنا نقدّس من لا قداسة له، على المستوى الديني، وعلى المستوى السياسي، والله سبحانه قال لنبيّه محمد(ص): {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}، الفرق بيني وبينكم أنّي أحمل الوحي. ولكني بشرٌ مثلكم. ونحن نقول إنَّ على كل رجال الدين الذين أوصلتهم الأوضاع القانونية ليكونوا في موقع القمة، أن يتواضعوا ليرتفعوا إلى مستوى القاعدة حتى يكونوا في مواقع القوة.    


على رجال الدين أن يتواضعوا ليرتفعوا إلى مستوى القاعدة ليكونوا في مواقع القوة


س: مشروعك الفكري الكبير توَّجته بالأمس بحديث جديد ومفاجىء عن المرأة وحقها في مواجهة عنف زوجها بالعنف، ما هو الجديد في هذه النظرية؟

ج: أنا لا أعتقد أنَّ هناك شيئاً جديداً، فالمرأة إنسان كما الرّجل إنسان، وليس له قداسة خاصّة، والعقد بين الرجل والمرأة يحكم الرجل كما يحكم المرأة فيما يلتزمان به، ويجب على كلٍّ منهما أن يحترم إنسانيّة الآخر، فكما لا يجوز للمرأة إذا كانت تمتلك أي موقع من مواقع القوة، من خلال عائلتها أو لجهة قوَّتها الجسمية، أن تعتدي على الزّوج، كذلك لا يجوز للزوج الاعتداء عليها إذا كان يملك مثل ذلك، وقد قرأت قبل مدة في بعض الصحف المصرية، أنّ رجلاً طلب الطلاق من زوجته لتسلّطها عليه بسبب قوّتها البدنية.

نحن نقول إنه لا يجوز للزوج أن يمارس العنف ضدّ زوجته مستغلاً ضعفها، كما يفعل بعض الأزواج الذي يستعمل العنف الدموي مع زوجته، فيكسر رجلها أو يدها، أو ما أشبه ذلك.

إننا نقول إنَّ حقّ الدفاع عن النفس هو حقّ شامل لكل إنسان، سواء كان رجلاً أو امرأةً، وسواء كان في داخل الحياة الزوجية أو خارجها، فلو أن إنساناً أراد أن يعتدي على امرأة، فإنّ حقها أن تدافع عن نفسها وأن تقهره بكلِّ وسائل القهر، حتى إنني في بعض المداخلات الصحفية قلت إني أشجع المرأة على تعلّم رياضات القوة التي تمكّنها من أن تدافع عن نفسها.   

 الإسلام يؤكِّد أنَّ على المرأة أن تخرج في المجتمع كإنسان لا كأنثى


س: ماذا عن الحجاب؛ هل هو فرض شرعي أم ممارسة اختيارية؟

ج: قد نجيب عن هذا السؤال بسؤال آخر: لماذا نرفض العري؟ أليس لأنه يخلق حالاً من الإثارة أو ما أشبه ذلك؟ إنّ الإسلام يعتبر أنَّ على المرأة أن تخرج في المجتمع المختلط كإنسان، أما مسألة الفرق بين المرأة والرجل، فهي من جهة أن المرأة منذ البداية كانت عنوان الجمال والإثارة بالنسبة إلى الرّجل، ولم يكن الرجل بحسب طبيعة المسرى التاريخي أو الأوضاع الموجودة يعتبر عنصراً للإثارة...

ونحن نرى أنّ الأدب العالمي، سواء كان أدباً عربياً أو غيره، يؤكد جانب الفتنة والجمال والإثارة في المرأة أكثر مما هو عند الرجل، ولذلك أراد الإسلام أن يحمي المرأة ويحمي الرجل بهذا الحجاب الهادىء، فأمرها بأن تنطلق لتستر جسمها وتظهر وجهها وكفيها من جهة حاجتها إلى ذلك في المجتمع، وأن تتحرك كإنسان لا كأنثى، فالأنوثة من حقّ المرأة، لكن في موقع خاص، أما في المجتمع فعليها أن تنطلق كإنسان عنده عقل وإرادة وله فاعلية في الحياة.

س: ألا يمكن أن يتمَّ ذلك من دون حجاب؟

ج: عندما ندرس حركة عدم الحجاب، حتى في البلدان التي تعطي الحرية للمرأة، نرى أن حوادث الاعتداء والاغتصاب تكثر في هذه المجتمعات، كما هو الحال في الإدارات في أمريكا وأوروبا وغيرها، عندما ينطلق الرجال في التحرّشات الجنسية مع زميلاتهنّ أو سكرتيراتهنّ.    

على المجتهد أن يتابع أحداث الحياة ليجتهد إسلامياً في كلِّ ما يحقِّق للإنسان الاستقرار والسعادة في الحياة


س: منذ بداية حياتك، عملت سماحتك على مشروع نهضوي تجديدي في مجال الفقه والفكر والفلسفة والعقيدة، فهل تعتبر أن حلقات هذا المشروع اكتملت؟ هل يوجد شيء لم تقله بعد؟ وماذا تحضِّر؟

ج: أنا أعتقد أن الإنسان عندما يملك الاجتهاد، فإنَّ عليه أن يتابع أحداث الحياة، ليجتهد إسلامياً في كلِّ ما يحقق للإنسان الاستقرار والسعادة في الحياة.

س: كتبت في العام 2004 قائلاً: لسنا إرهابيين، ولكن هل نحن مستقبليون؟ كلمة ألقيتها في محاضرة قلت فيها: غيّر نفسك تغيّر التاريخ والواقع؟

ج: لأنَّ حركة الحياة ترتبط بالإنسان، والإنسان ينطلق من خلال الدائرة الفكرية الداخلية، ولذلك نحن نقول إنَّ الفكر الإنساني هو الذي ينعكس إيجاباً أو سلباً على الإنسان، فإذا غيّر الإنسان نفسه، فإنه يستطيع أن يحدث التغيير في الواقع.   

 لا حلّ في لبنان من خلال اللبنانيين، لأنّ الحلّ ينطلق من مصالح الآخرين


س: سؤال أخير سماحة السيد، بعد استعراضنا للأزمة اللبنانية في أبعادها وعناصرها الداخلية والخارجية، كيف تجد الحلّ في لبنان من خلال الشعار الذي طرحته: غيِّر نفسك تغيِّر الواقع؟

ج: لا حلّ في لبنان من خلال اللّبنانيين، لأنّ الحل إنما ينطلق من مصالح الآخرين الذين يفكِّرون في مواقعهم ومصالحهم أكثر مما يفكرون في مواقع اللبنانيين ومصالحهم، وأكثر اللبنانيين لا يفكرّون في مصالحهم.

س: لكن نحن ألسنا مخيّرين؛ ألا يوجد عندنا إرادة نستطيع أن نغيّر من خلالها؟

ج: نحن فقدنا إرادة أن نريد، هناك كلمة تنطبق على هذا الواقع لنزار قباني يقول فيها:

              يا ويح أوعيـة الصديـد        ليس تملك أن تريد ولا تريد    

وهذا هو شأن اللبنانيين.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 21 محرم 1429 هـ  الموافق: 31/01/2008 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية