الثورة الإسلامية في إيران أدخلت المنطقة في زلزال ضرب السياسة الأمريكية فيها
فضل الله: إيران لا تزال مخلصة للقاعدة الإسلامية التي ارتكزت عليها الجمهورية الإسلامية
في أجواء الانتصار العظيم الذي حقّقته الثورة الإسلامية في إيران، وبمناسبة الذكرى التاسعة والعشرين لهذا الانتصار، أجرت صحيفة "فارس" الإيرانية حواراً مع العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تناول فيه الآثار التي تركتها الثورة في المنطقة. وهذا نصّ الحوار:
* برأيكم ما هي العوامل التي دفعت الشعب الإيراني للقيام بالثورة؟
ـ لقد كانت إيران في المرحلة السابقة على الثورة واقعة تحت النفوذ الأمريكي، بحيث كانت الإدارة الأمريكية تستخدمها في مشاريعها الأمنية كما حدث في الحرب على بعض المواقع في عُمان، وعندما دخلت في حلف بغداد إلى جانب تركيا وباكستان في مواجهة الحركة القومية الناشئة في العالم العربي في حركة الثورة المصرية بقيادة جمال عبد الناصر، إضافةً إلى اعترافها بإسرائيل اعترافاً واقعياً بطريقة دبلوماسية خاصة، وفي تحركها مع المخابرات الأمريكية ضد أكثر من دولة في المنطقة بما في ذلك الاتحاد السوفياتي لتنفيذ المشاريع الأمريكية السياسية والأمنية مع التحرك الداخلي على أساس سيطرة النظام الدكتاتوري الذي كان يقهر القوى الشعبية الحرة بإدخالها السجون وقمع تظاهراتها لتحويها إلى دولة مرتبطة بالتاريخ الإمبراطوري، إلى غير ذلك من الانحرافات المتعددة. وقد انطلق الشعب الإيراني ليعيد إيران إلى قلب الأمة من خلال شعوره بالمسؤولية الكبرى تجاه الأمة وقضاياها.
* ما هو مدى تأثير الثورة الإسلامية على المنطقة وعلى الحركات الشعبية المقاومة؟
ـ لقد أدخلت الثورة الإسلامية المنطقة في زلزال سياسي استطاع أن يترك تأثيره السلبي على السياسة الأمريكية، ويهز الدول المتحالفة معها بالطريقة التي أخافت القائمين عليه من امتداد الثورة إليها، ما أطلقوا عليه عنوان تصدير الثورة، ومن جانب آخر، فإن طرح الحكومة الإسلامية في خطاب الإمام الخميني قد حرّك المسألة الإسلامية وأثار القلق في العالم الاستكباري من الإسلام الحركي الذي انفتح على مواجهة المستكبرين في أوضاعهم السياسية والاقتصادية والأمنية، الأمر الذي جعلهم يخططون لمحاصرة هذه الثورة في إعلامهم المتنوع الذي انطلق إلى العالم العربي للإيحاء بأن الثورة فارسية تهدف إلى السيطرة على العالم العربي ـ كما طرح في العالم الإسلامي بأنها ثورة شيعية في مواجهة العالم السنّي، ومن اللافت أن الشرق والغرب قد تعاونا في الضغط السياسي والعسكري على هذه الثورة تحت عنوان مواجهة الخطر الأمني والاقتصادي والإيديولوجي على مقدراتهم الأساسية لأنهما يرون أن الإسلام الثوري يمثل الخطر على كل أوضاعهم العامة.
وقد كان تأثير الثورة الإسلامية في المنطقة أنها فتحت للحركات الإسلامية والوطنية أفاقاً واسعة في امتداد العمل الإسلامي الحركي على العالم الإسلامي، حتى أن بعض هذه الحركات، التي وافقت على القبول بسيطرة اليهود في كيانهم الإسرائيلي على الأراضي المحتلة في الـ67 وقبلوا بإقامة دولتهم عليها، قاموا واندفعوا من خلال الثورة الإسلامية لرفض الدولة العبرية بشكل مطلق وأطلقوا شعار فلسطين التاريخية الجغرافية.. وكان لهذه الثورة الدور الكبير في إنتاج المقاومة المسلحة في مواجهة إسرائيل والسياسة الأمريكية وحلفائها في المنطقة، الأمر الذي استطاع أن يحقق الانتصار الكبير على إسرائيل بمساعدة الجمهورية الإسلامية في لبنان عام2006م، ما أدى إلى تخطيط بعض حلفاء أمريكا إلى إثارة الحرب على المقاومة والتنسيق مع أمريكا وإسرائيل والدول الأوروبية، فكان انتصار المقاومة على الدولة العبرية في سنة 2006م، ولا تزال الثورة في تحديها للاستكبار العالمي تتحرك لإرباكه في سياسته، ولاسيما في احتلاله للعراق وفي تخطيطه للإخلال بموازين القوة في عملية تصنيع السلاح الذي ساعدت فيه قوى التحرر، وفي الملف النووي السلمي الذي يتحرك العالم الغربي المستكبر بقيادة أمريكا من أجل منع إيران من استكمال الخبرة العلمية ومن الحصول على الطاقة من خلال ذلك.
* كيف تقوّمون تأثير الثورة الإسلامية في المجريات السياسية والثقافية في المنطقة؟
ـ استطاعت الجمهورية الإسلامية الاقتراب من بعض أهدافها بإعلان الحكومة الإسلامية التي خطط لها الإمام الخميني، وبدعم حركة المقاومة ضد إسرائيل في فلسطين ولبنان والعراق، والانفتاح على دول المنطقة التي تتحرك أمريكا لتعقيد علاقاتها مع إيران وللتهديد بإعلان الحرب عليها من دون نجاح سياسي أو حركة عسكرية فعالة، الأمر الذي جعل إيران تحصل على المزيد من العلاقات الإيجابية مع دول الخليج اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وتنفتح على تأسيس علاقات أخرى مع الدول العربية لإعادة العلاقات معها في المفاوضات الناجحة مع مصر لإعادة العلاقات الدبلوماسية.
ما يوحي بأن إيران التي لا تزال مخلصة للقاعدة الإسلامية التي ارتكزت عليها الجمهورية الإسلامية، وأصبحت في المستوى السياسي الذي جعلها تبلغ سنّ الرشد، حيث فرضت على أمريكا أن تطالبها بالتفاوض لتخفيف الضغط عليها في العراق وأفغانستان، ولكن إيران بحاجة كبيرة إلى تأكيد الفكر الإسلامي في إطار الثورة الإسلامية الثقافية، وذلك في الجامعات التي يدرس فيها الشباب الإيراني ليبقى الإسلام هو العنوان الذي يطبع الذهنيات الثقافية بطابعه في تفكير الجيل الجديد.
* كيف تقوّمون حركة الجمهورية الإسلامية بقيادة ، السيد الخامنئي من حيث الاقتراب من الأهداف الأصلية التي وضعتها لنفسها؟
ـ اعتقد أن سماحة آية الله، القائد للجمهورية الإسلامية يملك الخبرة السياسية والثقافية من خلال تجربته الطويلة في الموقع الشعبي الوطني، كما أنه ليس بعيداً عن الإخلاص للخط الإسلامي الأصيل في انفتاحه على قضايا العالم الإسلامي بكل تعقيداتها التي يفرضها الاستكبار الأمريكي عليها ومواجهته للسياسة الصهيونية والأمريكية وتأييده للمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، الأمر الذي جعل إيران في موقع القوة المتحدية للاستكبار كله.
* كيف تقيِّمون مستقبل لبنان السياسي في ظل الأزمة الراهنة؟
ـ إن الأزمة الراهنة في لبنان هي أزمة أمريكية، لأن الإدارة الأمريكية تخطط لتنفيذ مشاريعها من خلال ساحته واعتباره تابعاً لحاجة الأمن القومي الأمريكي، وساحة لحركتها ضد بعض الدول الإقليمية كسوريا وإيران لأنهما لا تستجيبان لضغوطها، ولذلك فإنها تحاول إبقاء الأزمة ممتدة إلى أبعد مدى من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب معتمدة على المندوبين الأمريكيين الذين يزورون لبنان من أجل تعقيد أوضاعه، وعلى بعض السياسيين الخاضعين لها بشكل مطلق بعيداً من المصلحة الوطنية اللبنانية.
* كيف يقيّم سماحة السيد زيارة بوش الأخيرة، وما هي الأهداف الأساسية للزيارة خاصة على مستوى الساحة الفلسطينية، ما هو تصوركم لمستقبل القضية الفلسطينية؟
ـ جاء بوش إلى المنطقة من أجل دعم إسرائيل، وبالأخص عندما أعلن أنها الدولة الشرعية لليهود، ولدعم الفريق الفلسطيني الذي لا ينسجم مع حركة المقاومة ولا يسعى للحوار مع حماس من أجل الوحدة الفلسطينية، ولتأكيد الحرب على الانتفاضة باعتبارها مظهراً من مظاهر الإرهاب، والتلويح بالدولة الفلسطينية بشكل مخادع وبالطريقة التي تخدم إستراتيجية إسرائيل في مصالحها الاستيطانية، ولإثارة العالم العربي ولاسيما الدول الخليجية ضد إيران باعتبارها الخطر على العرب في مقابل الصداقة مع إسرائيل.. ولكننا نرى أنه قد فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق خطته التي حاول من خلالها أن يحصل على تأييد الرأي العام الأمريكي الذي بدأ يرفضه ويرفض إدارته.
التاريخ: 8-8-1723 الموافق: 05/02/2008