العلامة محمد حسين فضل الله لـ «الرأي الآخر»:
"المصاهرة" ستُسقط الفتنة السنيّة الشِّيعية
الرأي الآخر ( العدد18) – آذار/2008
الحديث مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، ينفتح على أكثر من بُعد، سواء أكان ذلك في الفكر أم في السياسة، فالسيد معروف بانفتاحه على جميع قضايا الساعة، إضافةً إلى متابعته الدائبة لمجمل القضايا المطروحة على الساحتين العربية والدولية. عن ارتباط الأزمة اللبنانية بأزمة المنطقة، وعن أوضاع الشيعة في المنطقة، وخصوصاً في العراق، حاورت مجلة "الرأي الآخر" العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وهذا نص الحوار:
لبنان جزء من أزمة المنطقة
س: هل يرى سماحة السيد، أن أزمة لبنان قد أصبحت مرتبطةً بأزمات الشرق الأوسط أكثر من ذي قبل؟
ج: أنا لا أتصوّر أنَّ لبنان قد مرَّ عليه زمن كان فيه لبنانياً، بل هو كما كنت أصفه أيام الحرب، الرئة التي تتنفَّس من خلالها مشاكل المنطقة، وهو لم يصنع ليكون وطناً لبنيه. لذلك كان الحديث عن الطوائف في لبنان ـ منذ بداياته وخلال الأربعينات ـ يتمُّ من خلال الإشارة إلى علاقة كلّ طائفة بالدّولة الّتي تدعمها، فيقال مثلاً الطائفة الدرزية البريطانية، أو الطائفة الكاثوليكية الفرنسية أو غير ذلك، وقد كانت بريطانيا تحاول الدخول من هنا وهناك، حتى جاءت مرحلة عبد النَّاصر وفؤاد شهاب، ودخلت أميركا على ذلك الخط.ولذلك أعتقد أنَّ المسألة اللُّبنانية كانت دوماً مرتبطةً بواقع المنطقة، ويمكن أن نلمس ذلك من خلال دراستنا لبدايات الحرب اللّبنانية، والدور الفلسطيني فيها، وما كان أيضاً من دور لإسرائيل الّتي كانت تعتدي على لبنان من وقت إلى آخر، إضافةً إلى دخول الدول العربية على خطّ الأزمة اللّبنانيّة، باعتبار أنَّ كل دولة عربية كان لها ممثل في المقاومة الفلسطينية، وكانت تتدخّل في الشأن اللبناني من خلال منظمة التحرير.كما أنّنا لاحظنا أيضاً أنّ اتفاق الطائف لم يكن لبنانياً ولا سورياً، وأنا استغربت قول بعض السياسيين اللبنانيين إنّ الطائف ولد أثناء الدور السوري، ولم يكن اتفاقاً سعودياً أمريكياً، إذ إنني أقول إنه اتفاق أميركي بعقال عربي وطربوش لبناني.فقد كان اللبنانيون يستقبلون أفكار الآخرين وحلولهم.أما قضية تحوُّل لبنان إلى ساحة تتغذى منها أزمة المنطقة أو تتحرك فيها، فهذا ما يمكن أن نستنتجه من تصريحين؛ تصريح وزيرة الخارجية الأميركية "رايس" التي قالت إنّ لبنان ساحة من أفضل الساحات لمشروع الشرق الأوسط الكبير، وتصريح الرئيس "بوش" الذي قال إنّ للبنان علاقة بالأمن القومي الأميركي، ومعنى ذلك أن هناك ارتباطاً عضوياً في لبنان بين الأزمة اللبنانية وأزمة المنطقة.إنّ أميركا تحرِّك سياستها في سوريا وفي إيران، وحتى بعض خطوط سياستها في العراق، من خلال المتطرّفين، ومن خلال وقوفها ضدّ المقاومة، باعتبار أنّها معنيّة بما تعتبره إسرائيل خطراً على أمنها وما إلى ذلك.أنا أعتقد أنّ دخول الأزمة اللبنانية على خطِّ أزمة المنطقة قد اشتدّ أكثر، لذلك عندما نتحدّث عن الأزمة اللبنانية، نجد أن كلّ فريق، بقطع النظر عن الخطأ والصواب، يتهم الفريق الآخر بأنّه ينطلق في سياسته من خلال علاقته بدولة إقليمية أو دولية، إنّ صح التعبير، فالمعارضة متهمة بأنّها تتلقَّى أوامرها من سوريا وإيران، والأكثرية متَّهمة بأنّها تتلقى أوامرها من أميركا أو من فرنسا، ما يعني أنّ الجميع متفقون على أنّ خلفيات الأزمة اللبنانية هي خلفيات خارجية. وأختم في هذا الموضوع، بأنّ أمين عام الجامعة العربية صرَّح بأنّه سيأتي إلى لبنان ويتصل بالمواقع الدولية والإقليمية وما إلى ذلك؛ فلو كانت الأزمة اللبنانية لبنانية، فأية حاجة إلى أن يتصل أمين عام الجامعة العربية بالمواقع الدولية والمواقع الإقليمية ومواقع الأمم المتحدة؟! فهذا يعني أنّ لبنان لم يُرَد له أن يكون لبنانياً، وأظنَّ أن السياسيين اللبنانيين ركَّزوا خطوطهم على أن يلاحظ كلُّ واحد منهم مصلحته، وعلى الفقراء أن يقلِّعوا شوكهم بأيديهم.
لا حرب إسرائيلية على لبنان
س: هل يتضمَّن هذا الارتباط بين أزمة لبنان وأزمة المنطقة، احتمال تجدد الحرب بين لبنان وإسرائيل، أو قيام إسرائيل بحرب جديدة على لبنان؟
ج: أنا لا أتصوّر أنَّ هناك أيّة فرصة لقيام إسرائيل بحربٍ في مدى سنتين على الأقلّ، لأنّ إسرائيل لن تدخل حرباً إلاّ إذا ضمنت انتصارها، وضمنت الجانب السياسي الذي يخدم مواقعها، وقد جرَّبت إسرائيل في حرب تموز/يوليو وخسرت الحرب، ولا أريد أن أتحدّث عن هزيمة وانتصار، ولكن من المؤكّد أّنها خسرت الحرب على الرغم من أن حربها كانت حرب التحالف مع أمريكا، سواء من حيث التسليح أو من حيث السياسة.وعلينا أن نركّز على تصريح باراك، الذي يقول فيه، إنّ حزب الله أصبح أقوى من السابق، وإنّه يملك صواريخ تستطيع أن تتجاوز المدى الذي بلغته الصواريخ التي كانت لديه. أيضاً ليست هناك مصلحة أميركية في حرب لبنانية إسرائيلية، لأن أميركا تريد هذا النوع من الاستقرار القابل للاهتزاز في لبنان لكي تدير سياستها، لأن أيَّ نوع من أنواع الفوضى التي يمكن أن تحركها الحرب في لبنان، قد يسيء أولاً إلى إسرائيل، باعتبار أنّ الفلسطينيين سواء في الداخل الفلسطيني وغيره كما حزب الله وآخرون سيملكون حينها حرية التحرك. كما أنّ الحرب قد تفسح في المجال أمام سوريا للتدخل بطريقة غير رسمية، الأمر الذي يؤدِّي إلى فوضى على حساب السياسة الأميركية. أمّا حزب الله، فقد صرَّح بأنَّه ليس معنياً بالحرب، وإنّما تمثّل مقاومته حالة دفاعية.
نظام الحكم في إيران
س: يتمّ الحديث اليوم عن مبدأ تغيير النظام أو ما يسمى (Regime change)، ضدّ إيران، وهو مبدأ استخدم سابقاً ضدّ ألمانيا واليابان، كما استخدم ضدّ إيطاليا والاتحاد السّوفياتي، فهل ترى الحديث عن تغيير النّظام في إيران أمراً واقعياً؟
ج: أنا لا أتصوَّر الآن أنّ هناك فرصةً أو ظروفاً تسمح بتغيير النظام في إيران، لأنَّ الشعب الإيراني قد يختلف سياسياً، كما هو الحال في الانتخابات المقبلة، فهناك إصلاحيون ومحافظون ومستقلون، ولكن هناك خصوصية للشعب الإيراني الذي يعيش وطنيته أكثر مما يعيش إسلامه، وهو أنّه إذا شعر بأنّ هناك خطراً على شخصيته وهويته الوطنية، فإنّه يتوحَّد. لذا فإنّه كلَّما اشتدَّ الضغط الأمريكي أكثر، واشتدَّ الحصار أكثر، كان تصلُّب الشعب الإيراني أكثر، إضافةً إلى أنَّ القيادة الإيرانيّة، ولا سيما السيد علي الخامنئي، تملك تجربة سياسية امتدَّت على مدى ثماني سنوات في رئاسة الجمهورية، كما أنّه يدخل الآن في عمق السياسة الإيرانية حتى في أدقِّ تفاصيلها.
س: رفسنجاني أو خامنئي؟
ج: أنا أتحدَّث عن السيد الخامنئي، رجل يملك فكراً معاصراً وليس تقليدياً، ويملك خبرةً سياسيةً في هذا المجال، ولا يزال يحرِّك هذه الخبرة، والعلاقة بينه وبين الشيخ رفسنجاني علاقة ارتباط عضوي، ولذلك نرى أن هناك رشداً سياسياً في إيران، ويمكن أن ندرك هذه المسألة من خلال إدارة إيران لمسألة الملفِّ النووي، وهذه اللعبة من الشدِّ والجذب. لذا أنا لا أتصوّر أن هناك أية فرصة سياسية أو أية ظروف واقعية يمكن أن تفسح في المجال لتغيير النظام في إيران.
س: حتى الحادث الذي جرى في مضيق هرمز؟
ج: أنا أعتقد أنّ الحادث الذي جرى في مضيق هرمز، إما أن يكون رسالةً إيرانيةً، أو هو حركة إعلامية أميركية، لأنني لا أظن أن الإيرانيين لديهم حالة من النـزق العسكري لكي يستفزوا البوارج الأميركية، ولذلك أنا أتصور أن أمراً قد حدث واستغلته أميركا.
شيعة العراق ومقاومة الاحتلال
س: سماحة السيِّد، متى تتوقَّعون أن يعلن شيعة العراق العصيان ضدَّ أميركا؟
ج: أستطيع أن أتوقَّع شيئاً، وهو أن مسألة الشيعة مع الاحتلال لم تنطلق من خلفية سياسية تؤمن بالاحتلال، لأنّ الجميع يعرفون أنّ الشيعة كانوا في طليعة المقاومة ضدّ الاحتلال البريطاني في ثورة العشرين، ما يدلُّ على أنّهم لم تكن لديهم حالة طائفية ومذهبية، فهذه المقاومة الشعبية صبت في سياق حماية الخلافة العثمانية التي كانت تضطهدهم، وكانت لا تؤمن بهم من ناحية مذهبية.ولكنّنا نعرف ـ وأنا لديَّ خبرة في الوضع العراقي، لأنّني ولدت وعشت في العراق ـ أنّ الوضع الشيعي، وربما غير الشيعي في العراق، قد وصل إلى حد الاختناق، بحيث إن المسألة وصلت إلى حدّ الاستعداد للتعامل مع الشّيطان إذا كان ذلك سيخلّصهم ممّا كانوا فيه، وقد حاولت أميركا بطريقتها أن تدخل على خطِّ المعارضة في لندن، لتقنعها بأنّ مصلحتها هي في سقوط النظام العراقي الذي كان يرأسه صدام، كما أن لهم مصلحة في ذلك.ويمكن أن نلاحظ مسألة أخرى، وهي أنّ الشيعة ليسوا الفريق الذي يحتضن الاحتلال، والجيش الأميركي لم يستطع الدخول إلى بغداد عن طريق الجنوب إلاّ بعد أيام، إذ واجه في ذلك الوقت مقاومةً شيعيةً قويةً، ونحن نعرف أنّ هناك مقاومةً شيعيةً تتمتّع بخبرة عسكرية وسياسية كبرى الآن، وهي تنفِّذ العمليات النوعية، بما فيها إسقاط الطائرات مثلاً. لذلك عندما ندرس التجربة الأميركية في العراق، وندرس مشاعر الشعب العراقي، سنجد أنّ أغلبية الشعب العراقي تطالب بانسحاب أميركا وإزالة الاحتلال، لذا تعمل الإدارة الأمريكية على تخويف الشعب العراقي بتقسيم العراق إلى دول، من خلال طرح مسألة الفيدرالية التي انطلقت من خلال الخطِّ السياسي الكردي، وأنا كنت أستمع للمعارضة في منطقة صلاح الدّين، عندما كان الحديث يدور حول الفيدراليّة، كنت أعارض ذلك، وأقول لهم إنَّ الفيدرالية هي مشروع يطرح لتوحيد الشعب المقسم، أمّا الشّعب الواحد، فلا معنى للفدراليّة بالنّسبة إليه.وربما يفكر الآن بعض سياسيي الشيعة، ومنهم السيد عبد العزيز الحكيم وفريقه، بالفيدرالية في الجنوب إلى جانب الفيدرالية في الوسط والفيدرالية الكردية، على أساس أنَّ الدولة المركزية التي كانت تتمثَّل بشكل شرس بنظام صدام، استطاعت أن تضغط ضغطاً غير معقول على الشيعة، ولذلك فإنّ الفيدرالية قد تمنحهم نوعاً من الحرية. لكن أنا أعتقد أن الفيدرالية ليست لها واقعية سياسية قانونية معقولة، لأن الشعب العراقي شعب مختلط مع بعضه البعض، سواء السنَّة والشيعة أو غيرهم.
س: هل يعني هذا أن الوطنية أقوى من الدين في العراق؟
ج: في العراق نوع من أنواع الفوضى الفكرية.
س: كيف تصف لنا طبيعة العلاقة بين شيعة العراق وشيعة إيران؟
ج: هي ليست علاقة ارتباط عضوي، لأن العراقيّين يختلفون في التزاماتهم السياسية والفكرية، ففي العراق من يؤيد إيران ومنهم من لا يؤيدها، وليس من الوعي السياسي أن يقال إن الشيعة في العراق ملحقون بالشيعة في إيران، أو إنّ إيران تملك السيطرة على العراق من خلال السيطرة على الشيعة، ولا من حيث المرجعية، لأنّ المرجعية تنفصل عن السياسة.
س: هل تعتقد بالتحليل أو بالإحساس، أنّ المواجهة بين الشيعة والسنة في المنطقة قد انحسرت؟
ج: أنا أعتقد أنه ليس هناك أية واقعية أو أية فرصة لفتنة سنية شيعية في لبنان، ربما توجد بعض الحساسيات التي يثيرها تصريح ذلك الشيخ أو ذلك السياسي وغيره، ولكن هناك نقطة لا ينتبه إليها البعض، وهي أنّ المصاهرة بين السنّة والشيعة في لبنان قد تصل إلى مستوى 60 في المئة.ولقد كنت ألقي محاضرة عام 1985، في جمعية خريجي جمعية المقاصد الإسلامية، حيث قلت فيها، إنّ من وسائل إتمام الوحدة الإسلامية المصاهرة، لأنّ الفرد عندما يصبح جزءاً من العائلة، يدرك تفاصيل ما تعتقده هذه العائلة، فلا يأخذ بما يرد من هذا أو ذاك. أما في العالم العربي، فإنّ أميركا وبعض المتخلفين من العلماء والمسؤولين في بعض الدول العربية، قد يحاولون إثارة الفتنة الشيعية السنية، ولكنّهم لن يستطيعوا ذلك، لأنّ الهيكل سوف يسقط على رؤوس الجميع.
حاوره:سعد محيو
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 29 صفر 1429 هـ الموافق: 07/03/2008 م
العلامة محمد حسين فضل الله لـ «الرأي الآخر»:
"المصاهرة" ستُسقط الفتنة السنيّة الشِّيعية
الرأي الآخر ( العدد18) – آذار/2008
الحديث مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، ينفتح على أكثر من بُعد، سواء أكان ذلك في الفكر أم في السياسة، فالسيد معروف بانفتاحه على جميع قضايا الساعة، إضافةً إلى متابعته الدائبة لمجمل القضايا المطروحة على الساحتين العربية والدولية. عن ارتباط الأزمة اللبنانية بأزمة المنطقة، وعن أوضاع الشيعة في المنطقة، وخصوصاً في العراق، حاورت مجلة "الرأي الآخر" العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وهذا نص الحوار:
لبنان جزء من أزمة المنطقة
س: هل يرى سماحة السيد، أن أزمة لبنان قد أصبحت مرتبطةً بأزمات الشرق الأوسط أكثر من ذي قبل؟
ج: أنا لا أتصوّر أنَّ لبنان قد مرَّ عليه زمن كان فيه لبنانياً، بل هو كما كنت أصفه أيام الحرب، الرئة التي تتنفَّس من خلالها مشاكل المنطقة، وهو لم يصنع ليكون وطناً لبنيه. لذلك كان الحديث عن الطوائف في لبنان ـ منذ بداياته وخلال الأربعينات ـ يتمُّ من خلال الإشارة إلى علاقة كلّ طائفة بالدّولة الّتي تدعمها، فيقال مثلاً الطائفة الدرزية البريطانية، أو الطائفة الكاثوليكية الفرنسية أو غير ذلك، وقد كانت بريطانيا تحاول الدخول من هنا وهناك، حتى جاءت مرحلة عبد النَّاصر وفؤاد شهاب، ودخلت أميركا على ذلك الخط.ولذلك أعتقد أنَّ المسألة اللُّبنانية كانت دوماً مرتبطةً بواقع المنطقة، ويمكن أن نلمس ذلك من خلال دراستنا لبدايات الحرب اللّبنانية، والدور الفلسطيني فيها، وما كان أيضاً من دور لإسرائيل الّتي كانت تعتدي على لبنان من وقت إلى آخر، إضافةً إلى دخول الدول العربية على خطّ الأزمة اللّبنانيّة، باعتبار أنَّ كل دولة عربية كان لها ممثل في المقاومة الفلسطينية، وكانت تتدخّل في الشأن اللبناني من خلال منظمة التحرير.كما أنّنا لاحظنا أيضاً أنّ اتفاق الطائف لم يكن لبنانياً ولا سورياً، وأنا استغربت قول بعض السياسيين اللبنانيين إنّ الطائف ولد أثناء الدور السوري، ولم يكن اتفاقاً سعودياً أمريكياً، إذ إنني أقول إنه اتفاق أميركي بعقال عربي وطربوش لبناني.فقد كان اللبنانيون يستقبلون أفكار الآخرين وحلولهم.أما قضية تحوُّل لبنان إلى ساحة تتغذى منها أزمة المنطقة أو تتحرك فيها، فهذا ما يمكن أن نستنتجه من تصريحين؛ تصريح وزيرة الخارجية الأميركية "رايس" التي قالت إنّ لبنان ساحة من أفضل الساحات لمشروع الشرق الأوسط الكبير، وتصريح الرئيس "بوش" الذي قال إنّ للبنان علاقة بالأمن القومي الأميركي، ومعنى ذلك أن هناك ارتباطاً عضوياً في لبنان بين الأزمة اللبنانية وأزمة المنطقة.إنّ أميركا تحرِّك سياستها في سوريا وفي إيران، وحتى بعض خطوط سياستها في العراق، من خلال المتطرّفين، ومن خلال وقوفها ضدّ المقاومة، باعتبار أنّها معنيّة بما تعتبره إسرائيل خطراً على أمنها وما إلى ذلك.أنا أعتقد أنّ دخول الأزمة اللبنانية على خطِّ أزمة المنطقة قد اشتدّ أكثر، لذلك عندما نتحدّث عن الأزمة اللبنانية، نجد أن كلّ فريق، بقطع النظر عن الخطأ والصواب، يتهم الفريق الآخر بأنّه ينطلق في سياسته من خلال علاقته بدولة إقليمية أو دولية، إنّ صح التعبير، فالمعارضة متهمة بأنّها تتلقَّى أوامرها من سوريا وإيران، والأكثرية متَّهمة بأنّها تتلقى أوامرها من أميركا أو من فرنسا، ما يعني أنّ الجميع متفقون على أنّ خلفيات الأزمة اللبنانية هي خلفيات خارجية. وأختم في هذا الموضوع، بأنّ أمين عام الجامعة العربية صرَّح بأنّه سيأتي إلى لبنان ويتصل بالمواقع الدولية والإقليمية وما إلى ذلك؛ فلو كانت الأزمة اللبنانية لبنانية، فأية حاجة إلى أن يتصل أمين عام الجامعة العربية بالمواقع الدولية والمواقع الإقليمية ومواقع الأمم المتحدة؟! فهذا يعني أنّ لبنان لم يُرَد له أن يكون لبنانياً، وأظنَّ أن السياسيين اللبنانيين ركَّزوا خطوطهم على أن يلاحظ كلُّ واحد منهم مصلحته، وعلى الفقراء أن يقلِّعوا شوكهم بأيديهم.
لا حرب إسرائيلية على لبنان
س: هل يتضمَّن هذا الارتباط بين أزمة لبنان وأزمة المنطقة، احتمال تجدد الحرب بين لبنان وإسرائيل، أو قيام إسرائيل بحرب جديدة على لبنان؟
ج: أنا لا أتصوّر أنَّ هناك أيّة فرصة لقيام إسرائيل بحربٍ في مدى سنتين على الأقلّ، لأنّ إسرائيل لن تدخل حرباً إلاّ إذا ضمنت انتصارها، وضمنت الجانب السياسي الذي يخدم مواقعها، وقد جرَّبت إسرائيل في حرب تموز/يوليو وخسرت الحرب، ولا أريد أن أتحدّث عن هزيمة وانتصار، ولكن من المؤكّد أّنها خسرت الحرب على الرغم من أن حربها كانت حرب التحالف مع أمريكا، سواء من حيث التسليح أو من حيث السياسة.وعلينا أن نركّز على تصريح باراك، الذي يقول فيه، إنّ حزب الله أصبح أقوى من السابق، وإنّه يملك صواريخ تستطيع أن تتجاوز المدى الذي بلغته الصواريخ التي كانت لديه. أيضاً ليست هناك مصلحة أميركية في حرب لبنانية إسرائيلية، لأن أميركا تريد هذا النوع من الاستقرار القابل للاهتزاز في لبنان لكي تدير سياستها، لأن أيَّ نوع من أنواع الفوضى التي يمكن أن تحركها الحرب في لبنان، قد يسيء أولاً إلى إسرائيل، باعتبار أنّ الفلسطينيين سواء في الداخل الفلسطيني وغيره كما حزب الله وآخرون سيملكون حينها حرية التحرك. كما أنّ الحرب قد تفسح في المجال أمام سوريا للتدخل بطريقة غير رسمية، الأمر الذي يؤدِّي إلى فوضى على حساب السياسة الأميركية. أمّا حزب الله، فقد صرَّح بأنَّه ليس معنياً بالحرب، وإنّما تمثّل مقاومته حالة دفاعية.
نظام الحكم في إيران
س: يتمّ الحديث اليوم عن مبدأ تغيير النظام أو ما يسمى (Regime change)، ضدّ إيران، وهو مبدأ استخدم سابقاً ضدّ ألمانيا واليابان، كما استخدم ضدّ إيطاليا والاتحاد السّوفياتي، فهل ترى الحديث عن تغيير النّظام في إيران أمراً واقعياً؟
ج: أنا لا أتصوَّر الآن أنّ هناك فرصةً أو ظروفاً تسمح بتغيير النظام في إيران، لأنَّ الشعب الإيراني قد يختلف سياسياً، كما هو الحال في الانتخابات المقبلة، فهناك إصلاحيون ومحافظون ومستقلون، ولكن هناك خصوصية للشعب الإيراني الذي يعيش وطنيته أكثر مما يعيش إسلامه، وهو أنّه إذا شعر بأنّ هناك خطراً على شخصيته وهويته الوطنية، فإنّه يتوحَّد. لذا فإنّه كلَّما اشتدَّ الضغط الأمريكي أكثر، واشتدَّ الحصار أكثر، كان تصلُّب الشعب الإيراني أكثر، إضافةً إلى أنَّ القيادة الإيرانيّة، ولا سيما السيد علي الخامنئي، تملك تجربة سياسية امتدَّت على مدى ثماني سنوات في رئاسة الجمهورية، كما أنّه يدخل الآن في عمق السياسة الإيرانية حتى في أدقِّ تفاصيلها.
س: رفسنجاني أو خامنئي؟
ج: أنا أتحدَّث عن السيد الخامنئي، رجل يملك فكراً معاصراً وليس تقليدياً، ويملك خبرةً سياسيةً في هذا المجال، ولا يزال يحرِّك هذه الخبرة، والعلاقة بينه وبين الشيخ رفسنجاني علاقة ارتباط عضوي، ولذلك نرى أن هناك رشداً سياسياً في إيران، ويمكن أن ندرك هذه المسألة من خلال إدارة إيران لمسألة الملفِّ النووي، وهذه اللعبة من الشدِّ والجذب. لذا أنا لا أتصوّر أن هناك أية فرصة سياسية أو أية ظروف واقعية يمكن أن تفسح في المجال لتغيير النظام في إيران.
س: حتى الحادث الذي جرى في مضيق هرمز؟
ج: أنا أعتقد أنّ الحادث الذي جرى في مضيق هرمز، إما أن يكون رسالةً إيرانيةً، أو هو حركة إعلامية أميركية، لأنني لا أظن أن الإيرانيين لديهم حالة من النـزق العسكري لكي يستفزوا البوارج الأميركية، ولذلك أنا أتصور أن أمراً قد حدث واستغلته أميركا.
شيعة العراق ومقاومة الاحتلال
س: سماحة السيِّد، متى تتوقَّعون أن يعلن شيعة العراق العصيان ضدَّ أميركا؟
ج: أستطيع أن أتوقَّع شيئاً، وهو أن مسألة الشيعة مع الاحتلال لم تنطلق من خلفية سياسية تؤمن بالاحتلال، لأنّ الجميع يعرفون أنّ الشيعة كانوا في طليعة المقاومة ضدّ الاحتلال البريطاني في ثورة العشرين، ما يدلُّ على أنّهم لم تكن لديهم حالة طائفية ومذهبية، فهذه المقاومة الشعبية صبت في سياق حماية الخلافة العثمانية التي كانت تضطهدهم، وكانت لا تؤمن بهم من ناحية مذهبية.ولكنّنا نعرف ـ وأنا لديَّ خبرة في الوضع العراقي، لأنّني ولدت وعشت في العراق ـ أنّ الوضع الشيعي، وربما غير الشيعي في العراق، قد وصل إلى حد الاختناق، بحيث إن المسألة وصلت إلى حدّ الاستعداد للتعامل مع الشّيطان إذا كان ذلك سيخلّصهم ممّا كانوا فيه، وقد حاولت أميركا بطريقتها أن تدخل على خطِّ المعارضة في لندن، لتقنعها بأنّ مصلحتها هي في سقوط النظام العراقي الذي كان يرأسه صدام، كما أن لهم مصلحة في ذلك.ويمكن أن نلاحظ مسألة أخرى، وهي أنّ الشيعة ليسوا الفريق الذي يحتضن الاحتلال، والجيش الأميركي لم يستطع الدخول إلى بغداد عن طريق الجنوب إلاّ بعد أيام، إذ واجه في ذلك الوقت مقاومةً شيعيةً قويةً، ونحن نعرف أنّ هناك مقاومةً شيعيةً تتمتّع بخبرة عسكرية وسياسية كبرى الآن، وهي تنفِّذ العمليات النوعية، بما فيها إسقاط الطائرات مثلاً. لذلك عندما ندرس التجربة الأميركية في العراق، وندرس مشاعر الشعب العراقي، سنجد أنّ أغلبية الشعب العراقي تطالب بانسحاب أميركا وإزالة الاحتلال، لذا تعمل الإدارة الأمريكية على تخويف الشعب العراقي بتقسيم العراق إلى دول، من خلال طرح مسألة الفيدرالية التي انطلقت من خلال الخطِّ السياسي الكردي، وأنا كنت أستمع للمعارضة في منطقة صلاح الدّين، عندما كان الحديث يدور حول الفيدراليّة، كنت أعارض ذلك، وأقول لهم إنَّ الفيدرالية هي مشروع يطرح لتوحيد الشعب المقسم، أمّا الشّعب الواحد، فلا معنى للفدراليّة بالنّسبة إليه.وربما يفكر الآن بعض سياسيي الشيعة، ومنهم السيد عبد العزيز الحكيم وفريقه، بالفيدرالية في الجنوب إلى جانب الفيدرالية في الوسط والفيدرالية الكردية، على أساس أنَّ الدولة المركزية التي كانت تتمثَّل بشكل شرس بنظام صدام، استطاعت أن تضغط ضغطاً غير معقول على الشيعة، ولذلك فإنّ الفيدرالية قد تمنحهم نوعاً من الحرية. لكن أنا أعتقد أن الفيدرالية ليست لها واقعية سياسية قانونية معقولة، لأن الشعب العراقي شعب مختلط مع بعضه البعض، سواء السنَّة والشيعة أو غيرهم.
س: هل يعني هذا أن الوطنية أقوى من الدين في العراق؟
ج: في العراق نوع من أنواع الفوضى الفكرية.
س: كيف تصف لنا طبيعة العلاقة بين شيعة العراق وشيعة إيران؟
ج: هي ليست علاقة ارتباط عضوي، لأن العراقيّين يختلفون في التزاماتهم السياسية والفكرية، ففي العراق من يؤيد إيران ومنهم من لا يؤيدها، وليس من الوعي السياسي أن يقال إن الشيعة في العراق ملحقون بالشيعة في إيران، أو إنّ إيران تملك السيطرة على العراق من خلال السيطرة على الشيعة، ولا من حيث المرجعية، لأنّ المرجعية تنفصل عن السياسة.
س: هل تعتقد بالتحليل أو بالإحساس، أنّ المواجهة بين الشيعة والسنة في المنطقة قد انحسرت؟
ج: أنا أعتقد أنه ليس هناك أية واقعية أو أية فرصة لفتنة سنية شيعية في لبنان، ربما توجد بعض الحساسيات التي يثيرها تصريح ذلك الشيخ أو ذلك السياسي وغيره، ولكن هناك نقطة لا ينتبه إليها البعض، وهي أنّ المصاهرة بين السنّة والشيعة في لبنان قد تصل إلى مستوى 60 في المئة.ولقد كنت ألقي محاضرة عام 1985، في جمعية خريجي جمعية المقاصد الإسلامية، حيث قلت فيها، إنّ من وسائل إتمام الوحدة الإسلامية المصاهرة، لأنّ الفرد عندما يصبح جزءاً من العائلة، يدرك تفاصيل ما تعتقده هذه العائلة، فلا يأخذ بما يرد من هذا أو ذاك. أما في العالم العربي، فإنّ أميركا وبعض المتخلفين من العلماء والمسؤولين في بعض الدول العربية، قد يحاولون إثارة الفتنة الشيعية السنية، ولكنّهم لن يستطيعوا ذلك، لأنّ الهيكل سوف يسقط على رؤوس الجميع.
حاوره:سعد محيو
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 29 صفر 1429 هـ الموافق: 07/03/2008 م