فضل الله في حوار خاص لإسلام أون لاين.نت: البحث العلمي الذي يمارسه العلماء الوحدويون المخلصون للإسلام البعيد عن عناصر الإثارة هو الذي يؤكد الوحدة في الأمة

فضل الله في حوار خاص لإسلام أون لاين.نت: البحث العلمي الذي يمارسه العلماء الوحدويون المخلصون للإسلام البعيد عن عناصر الإثارة هو الذي يؤكد الوحدة في الأمة

فضل الله في حوار خاص لإسلام أون لاين.نت:

البحث العلمي الذي يمارسه العلماء الوحدويون المخلصون للإسلام

البعيد عن عناصر الإثارة هو الذي يؤكد الوحدة في الأمة


سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، واحد من المرجعيات الشيعية الكبرى، وإحدى الشخصيات المنوط بها الإسهام في تحريك الواقع اللبناني من جهة، والواقع العام بين السنة والشيعة من جهة أخرى، نظراًإلى ما يتمتع به الرجل من وضعية مرجعية بين الشيعة على المستوى العام، وفي لبنان خصوصا.

من هنا تأتي أهمية الحوار الذي أجرته شبكة (إسلام أون لاين) معه، والذي تناولت فيه أفكاراً كثيرة، ورؤى متعددة للعديد من القضايا التي يمكن أن تمثل إطلالةً على رؤية الداخل اللبناني، والواقع العام للعديد من القضايا الحيوية في محيطنا العربي والإسلامي.

وهذا نصّ الحوار:


س: بداية، سماحة السيد، كيف تقرأون الواقع اللبناني؟ وما السبيل من وجهة نظركم، إلى إنهاء الأزمة في لبنان؟

ج: مشكلة الواقع اللبناني، هي أنّ أزماته السياسية المتعددة والمتنوعة، لا تختزل أسبابها في أوضاعه الداخلية، بل إن أبرز أسباب أزماته تعود إلى خضوعه للخطوط الدولية والإقليمية في صراعاتها من جهة، وفي مشاريعها الاستراتيجية العامة من جهة أخرى،خصوصاً الطرف الأمريكي والأوروبي، فضلاً عمّا يطلقه الموقع الإقليمي المعادي لحرية لبنان واستقلاله من ضغوط سياسية وأمنية تتصل بمصالح أطرافه والتحالفات مع أعداء الأمة.

هذا إلى جانب النادي السياسي اللبناني الذي كان تاريخ بعض رموزه القيادية منفتحًا على المجازر الوحشية، كما أن حاضره يتمثل بتغيير شعاراته السياسية وتبديلها من خلال الخلفيات الدولية الأمريكية.

وتأتي الأوضاع العربية لتفرض انقساماتها على لبنان في اتجاه الخطوط الداخلية، تبعاً للعلاقات بين هذه الدولة وتلك، إضافةً إلى إسرائيل التي تخطط دائماً للعبث بأمن لبنان واللعب على أزماته، من خلال مخابراتها التي تمارس الاغتيال، وتسعى إلى تنفيذ استراتيجيتها المشتركة مع أمريكا... ولذلك فإن من الصعب خروج الواقع اللبناني من أزمته المعقّدة، إلا إذا التقى جميع اللاعبين على ذلك، ولكنهم لا يرون أساساً لذلك اللقاء.


    من الصعب أن تطرح المبادرة العربية الحل لإنهاء الأزمة في لبنان


المبادرة العربية

س: هل ترون في المبادرة العربية التي طرحها أمين عام الجامعة العربية، أساساً يمكن عن طريقه تصفية الأزمة؟

ج: من الصعب أن تطرح المبادرة العربية الحلّ لإنهاء الأزمة في لبنان، لأن أعضاء الجامعة الذين يجتمعون على مستوى القمة أو على مستوى وزراء الخارجية، لم يتفقوا على أساس الحلّ الذي يلتقي مع خط الواقعية السياسية الذي يعالج المشكلات المعقّدة، لأن خلافاتهم الخاصة كانت تتدخل في مفردات المبادرة، الأمر الذي أدى إلى فشل الأمين العام للجامعة العربية في إدارة المسألة، ما جعل البعض يتهمه بأنه يميل إلى فريق دون فريق، وخصوصاً مع غموض النصّ الذي صيغت به المبادرة في سلّتها المعلومة.

هذا إلى جانب أن أغلب العرب لا يقرون أي اتفاق إلا إذا وافقت أمريكا على قراراتهم ومبادراتهم، ولعلّ من الواضح أن أمريكا، التي كانت حاضرةًعمليّاًفي اجتماع الوزراء في عملية إيحائية، لم توافق على المبادرة انطلاقاً من سياستها في إثارة المشكلة اللبنانية، على أساس أنها ترفض أن تكسب المقاومة نصرًا يكمل الذي أحرزته في حربها ضد التحالف الأمريكي الإسرائيلي في تموز عام 2006م.

س: سماحة السيد، إجاباتك تدعم ما يؤكده كثير من الخبراء، أن لبنان أضحى ساحةً لتصارع قوى إقليمية ودولية كثيرة. في رأيكم، ما الحل الأمثل لإيجاد مرتكزات لدولة مؤسسات بعيداً عن الطائفية والحزبية؟

ج: إنني أتصور أن من الصعب أن يتحوّل لبنان إلى دولة مؤسسات، لأن النظام الطائفي الذي حوّله إلى دويلات طائفية تلتقي بالخطوط المذهبية المعقدة، جعل البلد خاضعاً للزعامات السياسية الطائفية التي تختفي خلفها الخطوط الدولية التي تتصارع من أجل الاستفادة من الساحة اللبنانية في مشاريعها السياسية، وفي تعزيز نفوذها من خلال ضغوطها المتنوعة.

وقد كنا في الماضي نقول إن لبنان لم يصنع ليكون وطناً لبنيه، وإن اللبنانيين لا يتحركون في حقوقهم ومسؤوليتهم على أساس المواطنة، بل على أساس الانتماء الطائفي الذي تختلف مصالحه واتجاهاته عن مصلحة الإنسان في الوطن.

س: هذا يقودنا إلى سؤال عن دور الشيعة في لبنان. كيف تستشرفون هذا الدور؟ وماذا تتوقعون لحزب الله لو افترضنا أنّ دور المقاومة انتهى بأي طريقة؟ وبماذا ترد على من سيطالبون بنـزع سلاح حزب الله على فرض استقرار الأوضاع ووجود دولة المؤسسات؟

ج: إن السؤال عن دور الشيعة في لبنان يطرح سؤالاً آخر هو: ما هو دور السنّة والدروز والموارنة والأرثوذكس؟!! والجواب، هو أن الشيعة مواطنون لبنانيون يخلصون لوطنهم.

ثم إننا لا ندري ماذا يقصد السؤال حول انتهاء دور المقاومة في لبنان، في الوقت الذي يعرف الجميع أنّ هناك أرضاً لبنانيةً محتلةً، وأن هناك تهديداً إسرائيليًّا عدوانيًّا في التخطيط الصهيوني، مما نرصده من الجدل الدائر حول فينوغراد.
   

لا يمكن أن يتحول لبنان إلى دولة مؤسسات


لأن النظام الطائفي فيه حوّله إلى طائفية ومذهبية معقدة


س: نحن ندرك أن شرعية المقاومة ما زالت قائمة، وستستمر ما دام الاحتلال قائماً، ولو لشبر واحد، لكن البعض يتحدث عن أن دولة المؤسسات هي وحدها القادرة على تمثيل لبنان بكل طوائفه، ومن هنا كان السؤال عن دور حزب الله وسلاحه، إذا افترضنا ـ كما قلنا ـ وانتهت المقاومة، أو على الأقل كان هناك اتفاق على ضرورة تدعيم مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش؟

ج: إذا كان البعض يتحدّث عن الدولة بأنّها هي وحدها المدافعة عن لبنان والحافظة للتعايش اللبناني، فإننا نتساءل: هل تملك الدولة القرار الحاسم في دعوة الجيش إلى الدفاع عن الدولة ضد العدوان؟ وهل استطاعت الحكومات المتتابعة أن تزوّد الجيش بالقوة؛بالطائرات والصواريخ والأسلحة المتطورة؟ ونحن عشنا أيام العدوان في تموز، ولم نلمس ذلك!!

هذا ما نردّ به على المطالبين بنزع سلاح حزب الله، على فرض استقرار الأوضاع ووجود دولة المؤسسات، لنقول لهم: أعطوا الجيش السلاح المتطور الذي يستطيع به ردّ العدوان، وعند ذلك لن يكون هناك حاجة إلى المقاومة.

إيران وشيعة لبنان

س: سوريا وإيران، كيف يرى سماحة السيد فضل الله دورهما في لبنان؟ وهل يعتبر شيعة لبنان ـ كما يردّد البعض ـ أداةً في يد إيران؟

ج: أنا أؤكدأن شيعة لبنان ليسوا أداةً في يد أي دولة، بل هم مستقلون في حربهم وسلمهم وقراراتهم، كما أن سنّة لبنان ليسوا أداةًـ في أجواء هذا السؤال ـ في يد الدول العربية السنية، وكذلك الطوائف الأخرى ليسوا أداةً في يد هذه الدولة أو تلك.

إن المسلمين الشيعة الذين كان لهم شرف تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، ومواجهته بكل قوة في عدوانه، يستفيدون من كل الجهات التي تلتقي معهم في السياسة ضد الصهيونية من أجل تحرير فلسطين ولبنان وسوريا، ولكنهم لا يتلقون أي تعليمات من هؤلاء.

أما دور الدول الإقليمية الممانعة، فإنه دور الدول التي تتحرك من أجل الدفاع عن مصالحها، والتحرّر من الضغوط القاسية التي تفرض عليها من أمريكا وبعض الدول الأوروبية، وربما العربية، التي تتماثل في سياستها مع سياسات الدول الكبرى في الغرب.

وإنني أتساءل: لماذا ينطلق الحديث بتأكيد الدور السوري والإيراني في لبنان، ولا يتحدث أو يُشار إلى أدوار الدول الغربية وغيرها؟ هل هناك شرعية للتدخل الغربي ولا شرعية للتدخل العربي والإسلامي؟.

ثم إن هناك نقطةً مهمةً،وهي أن اللبنانيين إذا قرروا أن يكونوا أحراراً مستقلين على مستوى الواقع لا الشعار، فربما يستطيعون منع كل الدول من الضغط على سياستهم.

    الشيعة في كل لبنان يستفيدون من كل الجهات التي تلتقي معهم في السياسة ضد الصهيونية من أجل تحرير فلسطين ولبنان وسوريا


س: سماحة السيد: دعوت ـ كما ورد على موقع بينات ـ إلى توديع بوش كما يليق به كمجرم حرب، فكيف ترون مستقبل المنطقة في ظل مخططات بوش وإدارته؛ بمعنى، هل تتوقعون فعلاً أن ينهي بوش رئاسته بحرب على إيران؟ وماذا عن موقف الدول العربية من هذه الحرب إن حدثت؟

ج: إنني لا أجد أي فرصة واقعية لأي حرب ضد إيران، وأتصور أن الدول العربية، ولاسيما دول الخليج، لا توافق على ذلك؛ لأن الحرب في الخليج سوف تحرق المنطقة كلها، خصوصًا أن إيران بدأت تعرض على الدول العربية علاقات صداقة من جهة الالتقاء على المصالح المشتركة.

فضلاً عن أن إيران أكبر دولة تمتد على طول الخليج، ولا أتصور أن العرب سوف يصدّقون المقولة الأمريكية بأن إسرائيل هي الصديق، وهم يرون كيف تدمّر هذه الدولة الصهيونية الشعب الفلسطيني في عملية إبادة للأرض والإنسان.

س: في ظل ما تقولونه عن دعوة إيران الدول العربية إلى علاقات صداقة، كيف تقرأون دعوة مجلس التعاون الخليجي الرئيس الإيراني إلى حضور جلساته، ثم دعوة العاهل السعودي له لأداء الحج؟

ج: إننا نشجّع هذه الدعوة التي تلتقي مع الواقع الجغرافي والخط الإسلامي، كما أننا نجد في العلاقات الإيرانية السعودية ضمانة للانفتاح الإسلامي ـ الإسلامي في منع الفتنة السنية الشيعية التي تخطط لها أمريكا وحلفاؤها.
   

العلاقات الإيرانية ـ السعودية ضمانة للانفتاح الإسلامي ـ الإسلامي


في منع الفتنة السنية الشيعية


س: على ذكر إيران وعلاقتها بالمنطقة، هناك من يتحدث عن ولاء حزب الله لإيران، وعن دعم كامل من الأخيرة لشيعة لبنان، فكيف تقيّمون ذلك في ظل ما يؤكده البعض من أحلام إيرانية وأطماع لفرض الهيمنة والنفوذ على المنطقة العربية، بل يتعداه، حسب البعض، إلى حلم الدولة الصفوية؟

ج: لم تجر دراسة المسألة من قِبَل الجميع دراسةً موضوعية واقعية، فما بين حزب الله وموقع ولاية الفقيه هو علاقة فقهية، كما أن هناك علاقات سياسية تنفتح على المساعدات التي تقدمها إيران للمقاومة في لبنان، كما تقدمها إلى الفلسطينيين..

ولكن ليست هناك علاقة ولاء بالمعنى الذي تفقد فيه حركة المقاومة إرادتها واستقلاليتها في قراراتها، وربما تلتقي المواقف في بعض الخطوط السياسية، كالموقف من إسرائيل ومن الاستكبار العالمي المتمثّل بأمريكا وحلفائها.

أما الحديث عن الدولة الصفوية، فهو حديث لا قيمة له من الناحية العلمية والتاريخية، لأن إدارة القيادات التي تملك الرشد السياسي وتدرس الأوضاع السياسية في حركة الصراع، ولاسيما في المنطقة، لا تسمح بذلك، كما أنها لا تجد أي واقعية لما يطرحه البعض من مسألة الهلال الشيعي.
   

علاقة الشيعة بإيران علاقة ولاء بالمعنى الذي لا تفقد فيه


حركة المقاومة إرادتها واستقلاليتها في قراراتها


إن هذه الأطروحات تدخل في إطار التهويل الذي يُراد من خلاله تخويف الواقع العربي والإسلامي من إيران، ولاسيما أننا لا نعتقد بقدرة إيران على فرض الهيمنة والنفوذ على المنطقة العربية، إذا أخذت هذه المنطقة بأسباب القوة والاستقلال والعلاقات الطبيعية مع جيرانها...

وإنني أتساءل مع هؤلاء: ما رأيهم في الهيمنة والنفوذ الأمريكي على الدول العربية، ومحاولات واشنطن المتكررة التدخل في كل أوضاعهم الاقتصادية والأمنية، وفرض إسرائيل كأمر واقع على المنطقة كلها؟!

س: في رسالة وجهتها إلى الشعوب العربية والإسلامية بمناسبة السنة الهجرية الجديدة، دعوت إلى عدم إلقاء اللوم على الخارج فحسب، فهل هي دعوة إلى ممارسة النقد الذاتي فقط، أم أنه إقرار بوجود خيانة عربية وإسلامية لثوابت الأمة؟ وهل ينطبق ذلك على الحالة اللبنانية الراهنة؟

ج: إنها دعوة إلى ممارسة النقد الذاتي على مستوى الثقافة المذهبية لدى الشعوب العربية والإسلامية، وفي هذا المجال، لا بدّ من دراسة أوضاع الأنظمة دراسةً دقيقةً، في تحالفاتها مع الدول الكبرى المهيمنة على العالم العربي والإسلامي، وفي اعترافها بإسرائيل ومواقفها الخاضعة للسياسة الأمريكية، وعدم مساعدة الشعب الفلسطيني أو ممارسة الضغوط على إسرائيل لمصلحته.

أما ممارسة النقد الذاتي على المستوى السياسي، فإننا ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى رفض عبادة الأشخاص وتقديسهم، سواء كانوا شخصيات دينية أو سياسية أو رسمية، لأننا نفرق بين الاحترام الذي ندعو إليه، والتقديس الذي نرفضه، ولاسيما أن المال السياسي يتحرك في تغيير المواقف والآراء، وتحريك الفتن في العالم الإسلامي.

    إننا ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى رفض عبادة الأشخاص وتقديسهم


التقريب بين السنة والشيعة

س: سماحة السيد، تُعْرَفُون بأنّكم من المرجعيات الشيعية الموصوفة في صفوف السنة بالمعتدلة، فكيف ترون حل معضلة التعايش بين قطبي الأمة الآن؟ وهل لكم من جهود في هذا الميدان؟

ج: إننا نطرح قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} (النساء:59)، ووجوب احترام المسلم للمسلم، ورفض دعوات التكفير التي يستحل بها البعض دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم.

كما إنني أدعو إلى الموضوعيةوالعقلانية في الحوار الإسلامي ـ الإسلامي، والابتعاد عن الخضوع للخطوط السياسية التي تخطط للفتنة بين المسلمين، واقتصار العلاقات على مواقع اللقاء من جهة، والانفتاح على قضايا المسلمين في العالم، ومواجهة الضغوط المفروضة على الواقع الإسلامي كله من جهة أخرى، باعتبار أن ما يحقق الوحدة في الأمة، هو أن نلتقي على ما اتفقنا عليه، ونتحاور ـ علميًّا ـ فيما نختلف فيه.
   

لتنطلق المصارحة في المواقع العلمية الموضوعية الشرعية


لا التبعية السطحية أو السياسية


س: في مؤتمر الدوحة للتقريب بين المذاهب، والذي عقد منذ فترة، دعا العلامة القرضاوي إلى ما أسماه المصارحة من أجل إتمام عملية التقريب بين أهل السنة والشيعة، وأكد أن تلك المصارحة تقتضي القول في الحالة العراقية مثلاً، بأن مفاتيح اللعبة بكاملها تكمن في إيران خصوصاً، والمرجعيات الشيعية عموماً. فما تعليقكم على ذلك؟

ج: إننا نشجّع المصارحة في المواقع العلمية الموضوعية الشرعية، لا الشعبية السطحية أو السياسية، ولكن اعتبار مفاتيح اللعبة بكاملها تكمن في إيران والمرجعيات الشيعية، هو من الطروحات غير الواقعية، ولاسيما أن المرجعيات أصدرت الكثير من المواقف والفتاوى من أجل التقريب بين المسلمين.

كما أن إيران تجمع علماء المسلمين من السنة والشيعة في مؤتمراتها، وأخشى ألا يؤكد صديقنا الشيخ القرضاوي الدور التدميري لأمريكا التي احتلت العراق، وعبثت بكل أوضاعه، وتدخلت في كل مفاصله، ودور التكفيريين الذين يستحلون دماء المسلمين، وغير ذلك من الأسباب.

إن البحث العلمي الذي يمارسه العلماء الوحدويون المخلصون للإسلام في الجلسات المغلقة، البعيدة عن عنصر الإثارة التي يختلط فيها الجانب الثقافي بالجانب السياسي، هو الذي يقرّب الأفكار ويجمع الخطوط على وحدة الأمة.

س: هذا يقودنا إلى ما يقتضيه منهج المصارحة حين قال القرضاوي: كيف أقترب (وأنا من يقول: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما)، ممن يقول: (أبو بكر وعمر لعنهما الله!!) يعني مسألة سبّ الصحابة... إلى آخره. فما تعقيبكم؟

ج: إننا نستغرب من صديقنا الشيخ القرضاوي تأكيد هذه المقولة التي قد تخلق ـ كما خلقت في الماضي ـ المزيد من الإثارة، في الوقت الذي يُطلق العلماء الشيعة الفتاوى التي تحرّم اللعن والسبّ.

إن القضية تفرض على العلماء من السنة والشيعة أن يتفقوا على تركيز القاعدة الإسلامية الأخلاقية في الواقع الشعبي، والبحث عن الوسائل الواقعية للوصول إلى نتائج إيجابية، مع إبعاد المسألة عن الإعلام المثير الذي دأب البعض على إثارته وتكريره لاستعادة التعقيدات التاريخية، بدلاً من الوسائل العقلانية للخروج من هذا الكهف المظلم.

س: ما رأيكم فيما يراه البعض من أنّ التقريب بين السنّة والشيعة مستحيل، مقترحين بديلاً منه مصطلح "التعايش"، هل توافقون على تلك النظرة؟

ج: إن الذي يفكّر بهذه الطريقة هو إنسان لا يريد للسنّة أن يدخلوا في حوار مع الشيعة، وبالعكس... كما أنه لا يملك الثقافة التي تكتشف أن ما بين الطائفتين قد يصل في الجانب الفقهي وبعض الجانب الكلامي إلى ما يقرب من ثمانين في المائة.

وإذا لم نستطع التخطيط للتقريب الذي ينفتح على الثقافة المشتركة، فمن الصعب أن يتحقق التعايش، الذي يبادر المتعصبون الذين لا يشعرون بخطورة الكفر والاستكبار على الإسلام، إلى رفضه، وإلى إثارة الفتنة بتأكيد مواقع الفراق، بعيداً من مواقع اللقاء.

س: بناءً على تأكيدكم سماحة السيد أن مساحات الاتفاق بين الفريقين تقارب الثمانين في المائة، كيف ترون الاختلافات الفقهية بين السنة والشيعة إذاً؟ وإلى أي مدى تؤثر على عملية التقريب بينهما؟ بمعنى، هل هي من التنوع المطلوب، أم أنها من عوامل تأجيج الخلافات؟

ج: لقد نجحت دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في مصر في الوصول إلى وسيلة واقعية في عملية التقريب، ما أدى إلى إصدار فتوى تاريخية للمرحوم الشيخ محمود شلتوت،أفتى فيها بشرعية التعبّد بالمذهب الشيعي.

كما أن الدراسة الدقيقة لمجلدات رسالة الإسلام، وإصدار تفسير مجمع البيان يدلاّن على واقعية المسألة.

الاحتلال والتكفير

س: الوضع العراقي، كيف يقرأه سماحة السيد محمد حسين فضل الله؟ وإلى أي مدى يرى الدور الشيعي مساهماً في استقرار الأوضاع؟

ج: الوضع في العراق يتحرك في دائرتين؛ الاحتلال الأمريكي، والاتجاه التكفيري، ولا أتصور أن يتحقق هناك استقرار في الأوضاع ما دام هذان الفريقان مسيطرين على العراق، ولا يملك الشيعة ولا السنة إيجاد الحل.

س: وماذا عن دور إيران في العراق؟ بمعنى هل تعتقدون أن مصلحة إيران هي في بقاء الوضع في العراق على ما هو عليه، لعدم تمكين أمريكا من التفكير فيها، أم الأمر عكس ذلك؟

ج: أنا لا أتصور أن مصلحة إيران هي إبقاء الوضع في العراق في حالة اهتزاز، ولاسيما أن هناك أكثر من جهة في العالم العربي والدولي تعمل على استباحة العراق لمصالحها، وأن أمريكا تخطط لاعتبار العراق جسرًا تعبر منه إلى الدول المجاورة للعراق للسيطرة على مقدراتها، ولاسيما الدول النفطية... إن زوال الاحتلال هو الذي يحلّ المشكلة، ويمنع كل الجهات من التدخل في الشأن العراقي.

س: سماحة السيد، ظاهرة العنف الإسلامي ـ إن اعتبرناها ظاهرة ـ سواء مورست بسبب مذهبي أو بسبب حزبي، أو بسبب خروج على سلطة، كما حدث من بعض الجماعات الإسلامية في فترات مختلفة... في رأيك ما هي أسبابها، وكيف يتم احتواؤها؟

      الاحتلال الأمريكي والاتجاه التكفيري يحكمان الوضع في العراق


ج: إن العنف الذي يمارسه بعض الذين ينتمون إلى الإسلام،إنما ينطلق من تفكيركم المغلق الذي لا يحاول دراسة القرآن الكريم في رسالته المرتكزة على الرفق واللين، ولا دراسة السنّة التي جاء بها الرسول(ص).

هذا إلى جانب أنّ الأوضاع السياسية التي أثارها الاحتلال الأمريكي في العالم الإسلامي،جعلت هذه الظاهرة تنمو وتتطور على مستوى المأساة في تدمير الواقع الإسلامي.

س: بعض تلك الجماعات بدأت في عمل ما أسمته المراجعات، كالجماعة الإسلامية، وجماعة الجهاد في مصر، فهل ترون ذلك بدايةً لفترة جديدة في العقلية الإسلامية؟ وما تأثير تلك المراجعات في رأيكم على تنظيمات كالقاعدة وغيرها في العالم العربي والإسلامي؟

ج: إننا نشجّع هذا الاتجاه التراجعي عن العنف المجنون المغلّف بغلاف إسلامي، ونرجو أن يهدي الله الآخرين للسير في هذه الثقافة الإسلامية.

    إن العنف الذي يمارسه بعض الذين ينتمون إلى الإسلام إنما ينطلق من تفكيرهم المغلق


س: قلت في أحد حواراتك منذ سنوات، إنك لا ترى في النصوص الدينية ما يدل على ولاية الفقيه، فهل تعارضون هذا المبدأ؟

ج: ولاية الفقيه، نظرية فقهية اجتهادية، ولا تمثل أساساً للمذهب الشيعي، ولذلك فإن أكثر مجتهدي الشيعة لا يلتزمونها من ناحية فقهية اجتهادية، ونحن نوافقهم في عدم الالتزام بها، إلا إذا توقّف عليها حفظ نظام المجتمع الإسلامي.

حوار ـ إسلام عبد العزيز فرحات

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 3-2-1429 هـ  الموافق: 10/02/2008 م

فضل الله في حوار خاص لإسلام أون لاين.نت:

البحث العلمي الذي يمارسه العلماء الوحدويون المخلصون للإسلام

البعيد عن عناصر الإثارة هو الذي يؤكد الوحدة في الأمة


سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، واحد من المرجعيات الشيعية الكبرى، وإحدى الشخصيات المنوط بها الإسهام في تحريك الواقع اللبناني من جهة، والواقع العام بين السنة والشيعة من جهة أخرى، نظراًإلى ما يتمتع به الرجل من وضعية مرجعية بين الشيعة على المستوى العام، وفي لبنان خصوصا.

من هنا تأتي أهمية الحوار الذي أجرته شبكة (إسلام أون لاين) معه، والذي تناولت فيه أفكاراً كثيرة، ورؤى متعددة للعديد من القضايا التي يمكن أن تمثل إطلالةً على رؤية الداخل اللبناني، والواقع العام للعديد من القضايا الحيوية في محيطنا العربي والإسلامي.

وهذا نصّ الحوار:


س: بداية، سماحة السيد، كيف تقرأون الواقع اللبناني؟ وما السبيل من وجهة نظركم، إلى إنهاء الأزمة في لبنان؟

ج: مشكلة الواقع اللبناني، هي أنّ أزماته السياسية المتعددة والمتنوعة، لا تختزل أسبابها في أوضاعه الداخلية، بل إن أبرز أسباب أزماته تعود إلى خضوعه للخطوط الدولية والإقليمية في صراعاتها من جهة، وفي مشاريعها الاستراتيجية العامة من جهة أخرى،خصوصاً الطرف الأمريكي والأوروبي، فضلاً عمّا يطلقه الموقع الإقليمي المعادي لحرية لبنان واستقلاله من ضغوط سياسية وأمنية تتصل بمصالح أطرافه والتحالفات مع أعداء الأمة.

هذا إلى جانب النادي السياسي اللبناني الذي كان تاريخ بعض رموزه القيادية منفتحًا على المجازر الوحشية، كما أن حاضره يتمثل بتغيير شعاراته السياسية وتبديلها من خلال الخلفيات الدولية الأمريكية.

وتأتي الأوضاع العربية لتفرض انقساماتها على لبنان في اتجاه الخطوط الداخلية، تبعاً للعلاقات بين هذه الدولة وتلك، إضافةً إلى إسرائيل التي تخطط دائماً للعبث بأمن لبنان واللعب على أزماته، من خلال مخابراتها التي تمارس الاغتيال، وتسعى إلى تنفيذ استراتيجيتها المشتركة مع أمريكا... ولذلك فإن من الصعب خروج الواقع اللبناني من أزمته المعقّدة، إلا إذا التقى جميع اللاعبين على ذلك، ولكنهم لا يرون أساساً لذلك اللقاء.


    من الصعب أن تطرح المبادرة العربية الحل لإنهاء الأزمة في لبنان


المبادرة العربية

س: هل ترون في المبادرة العربية التي طرحها أمين عام الجامعة العربية، أساساً يمكن عن طريقه تصفية الأزمة؟

ج: من الصعب أن تطرح المبادرة العربية الحلّ لإنهاء الأزمة في لبنان، لأن أعضاء الجامعة الذين يجتمعون على مستوى القمة أو على مستوى وزراء الخارجية، لم يتفقوا على أساس الحلّ الذي يلتقي مع خط الواقعية السياسية الذي يعالج المشكلات المعقّدة، لأن خلافاتهم الخاصة كانت تتدخل في مفردات المبادرة، الأمر الذي أدى إلى فشل الأمين العام للجامعة العربية في إدارة المسألة، ما جعل البعض يتهمه بأنه يميل إلى فريق دون فريق، وخصوصاً مع غموض النصّ الذي صيغت به المبادرة في سلّتها المعلومة.

هذا إلى جانب أن أغلب العرب لا يقرون أي اتفاق إلا إذا وافقت أمريكا على قراراتهم ومبادراتهم، ولعلّ من الواضح أن أمريكا، التي كانت حاضرةًعمليّاًفي اجتماع الوزراء في عملية إيحائية، لم توافق على المبادرة انطلاقاً من سياستها في إثارة المشكلة اللبنانية، على أساس أنها ترفض أن تكسب المقاومة نصرًا يكمل الذي أحرزته في حربها ضد التحالف الأمريكي الإسرائيلي في تموز عام 2006م.

س: سماحة السيد، إجاباتك تدعم ما يؤكده كثير من الخبراء، أن لبنان أضحى ساحةً لتصارع قوى إقليمية ودولية كثيرة. في رأيكم، ما الحل الأمثل لإيجاد مرتكزات لدولة مؤسسات بعيداً عن الطائفية والحزبية؟

ج: إنني أتصور أن من الصعب أن يتحوّل لبنان إلى دولة مؤسسات، لأن النظام الطائفي الذي حوّله إلى دويلات طائفية تلتقي بالخطوط المذهبية المعقدة، جعل البلد خاضعاً للزعامات السياسية الطائفية التي تختفي خلفها الخطوط الدولية التي تتصارع من أجل الاستفادة من الساحة اللبنانية في مشاريعها السياسية، وفي تعزيز نفوذها من خلال ضغوطها المتنوعة.

وقد كنا في الماضي نقول إن لبنان لم يصنع ليكون وطناً لبنيه، وإن اللبنانيين لا يتحركون في حقوقهم ومسؤوليتهم على أساس المواطنة، بل على أساس الانتماء الطائفي الذي تختلف مصالحه واتجاهاته عن مصلحة الإنسان في الوطن.

س: هذا يقودنا إلى سؤال عن دور الشيعة في لبنان. كيف تستشرفون هذا الدور؟ وماذا تتوقعون لحزب الله لو افترضنا أنّ دور المقاومة انتهى بأي طريقة؟ وبماذا ترد على من سيطالبون بنـزع سلاح حزب الله على فرض استقرار الأوضاع ووجود دولة المؤسسات؟

ج: إن السؤال عن دور الشيعة في لبنان يطرح سؤالاً آخر هو: ما هو دور السنّة والدروز والموارنة والأرثوذكس؟!! والجواب، هو أن الشيعة مواطنون لبنانيون يخلصون لوطنهم.

ثم إننا لا ندري ماذا يقصد السؤال حول انتهاء دور المقاومة في لبنان، في الوقت الذي يعرف الجميع أنّ هناك أرضاً لبنانيةً محتلةً، وأن هناك تهديداً إسرائيليًّا عدوانيًّا في التخطيط الصهيوني، مما نرصده من الجدل الدائر حول فينوغراد.
   

لا يمكن أن يتحول لبنان إلى دولة مؤسسات


لأن النظام الطائفي فيه حوّله إلى طائفية ومذهبية معقدة


س: نحن ندرك أن شرعية المقاومة ما زالت قائمة، وستستمر ما دام الاحتلال قائماً، ولو لشبر واحد، لكن البعض يتحدث عن أن دولة المؤسسات هي وحدها القادرة على تمثيل لبنان بكل طوائفه، ومن هنا كان السؤال عن دور حزب الله وسلاحه، إذا افترضنا ـ كما قلنا ـ وانتهت المقاومة، أو على الأقل كان هناك اتفاق على ضرورة تدعيم مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش؟

ج: إذا كان البعض يتحدّث عن الدولة بأنّها هي وحدها المدافعة عن لبنان والحافظة للتعايش اللبناني، فإننا نتساءل: هل تملك الدولة القرار الحاسم في دعوة الجيش إلى الدفاع عن الدولة ضد العدوان؟ وهل استطاعت الحكومات المتتابعة أن تزوّد الجيش بالقوة؛بالطائرات والصواريخ والأسلحة المتطورة؟ ونحن عشنا أيام العدوان في تموز، ولم نلمس ذلك!!

هذا ما نردّ به على المطالبين بنزع سلاح حزب الله، على فرض استقرار الأوضاع ووجود دولة المؤسسات، لنقول لهم: أعطوا الجيش السلاح المتطور الذي يستطيع به ردّ العدوان، وعند ذلك لن يكون هناك حاجة إلى المقاومة.

إيران وشيعة لبنان

س: سوريا وإيران، كيف يرى سماحة السيد فضل الله دورهما في لبنان؟ وهل يعتبر شيعة لبنان ـ كما يردّد البعض ـ أداةً في يد إيران؟

ج: أنا أؤكدأن شيعة لبنان ليسوا أداةً في يد أي دولة، بل هم مستقلون في حربهم وسلمهم وقراراتهم، كما أن سنّة لبنان ليسوا أداةًـ في أجواء هذا السؤال ـ في يد الدول العربية السنية، وكذلك الطوائف الأخرى ليسوا أداةً في يد هذه الدولة أو تلك.

إن المسلمين الشيعة الذين كان لهم شرف تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، ومواجهته بكل قوة في عدوانه، يستفيدون من كل الجهات التي تلتقي معهم في السياسة ضد الصهيونية من أجل تحرير فلسطين ولبنان وسوريا، ولكنهم لا يتلقون أي تعليمات من هؤلاء.

أما دور الدول الإقليمية الممانعة، فإنه دور الدول التي تتحرك من أجل الدفاع عن مصالحها، والتحرّر من الضغوط القاسية التي تفرض عليها من أمريكا وبعض الدول الأوروبية، وربما العربية، التي تتماثل في سياستها مع سياسات الدول الكبرى في الغرب.

وإنني أتساءل: لماذا ينطلق الحديث بتأكيد الدور السوري والإيراني في لبنان، ولا يتحدث أو يُشار إلى أدوار الدول الغربية وغيرها؟ هل هناك شرعية للتدخل الغربي ولا شرعية للتدخل العربي والإسلامي؟.

ثم إن هناك نقطةً مهمةً،وهي أن اللبنانيين إذا قرروا أن يكونوا أحراراً مستقلين على مستوى الواقع لا الشعار، فربما يستطيعون منع كل الدول من الضغط على سياستهم.

    الشيعة في كل لبنان يستفيدون من كل الجهات التي تلتقي معهم في السياسة ضد الصهيونية من أجل تحرير فلسطين ولبنان وسوريا


س: سماحة السيد: دعوت ـ كما ورد على موقع بينات ـ إلى توديع بوش كما يليق به كمجرم حرب، فكيف ترون مستقبل المنطقة في ظل مخططات بوش وإدارته؛ بمعنى، هل تتوقعون فعلاً أن ينهي بوش رئاسته بحرب على إيران؟ وماذا عن موقف الدول العربية من هذه الحرب إن حدثت؟

ج: إنني لا أجد أي فرصة واقعية لأي حرب ضد إيران، وأتصور أن الدول العربية، ولاسيما دول الخليج، لا توافق على ذلك؛ لأن الحرب في الخليج سوف تحرق المنطقة كلها، خصوصًا أن إيران بدأت تعرض على الدول العربية علاقات صداقة من جهة الالتقاء على المصالح المشتركة.

فضلاً عن أن إيران أكبر دولة تمتد على طول الخليج، ولا أتصور أن العرب سوف يصدّقون المقولة الأمريكية بأن إسرائيل هي الصديق، وهم يرون كيف تدمّر هذه الدولة الصهيونية الشعب الفلسطيني في عملية إبادة للأرض والإنسان.

س: في ظل ما تقولونه عن دعوة إيران الدول العربية إلى علاقات صداقة، كيف تقرأون دعوة مجلس التعاون الخليجي الرئيس الإيراني إلى حضور جلساته، ثم دعوة العاهل السعودي له لأداء الحج؟

ج: إننا نشجّع هذه الدعوة التي تلتقي مع الواقع الجغرافي والخط الإسلامي، كما أننا نجد في العلاقات الإيرانية السعودية ضمانة للانفتاح الإسلامي ـ الإسلامي في منع الفتنة السنية الشيعية التي تخطط لها أمريكا وحلفاؤها.
   

العلاقات الإيرانية ـ السعودية ضمانة للانفتاح الإسلامي ـ الإسلامي


في منع الفتنة السنية الشيعية


س: على ذكر إيران وعلاقتها بالمنطقة، هناك من يتحدث عن ولاء حزب الله لإيران، وعن دعم كامل من الأخيرة لشيعة لبنان، فكيف تقيّمون ذلك في ظل ما يؤكده البعض من أحلام إيرانية وأطماع لفرض الهيمنة والنفوذ على المنطقة العربية، بل يتعداه، حسب البعض، إلى حلم الدولة الصفوية؟

ج: لم تجر دراسة المسألة من قِبَل الجميع دراسةً موضوعية واقعية، فما بين حزب الله وموقع ولاية الفقيه هو علاقة فقهية، كما أن هناك علاقات سياسية تنفتح على المساعدات التي تقدمها إيران للمقاومة في لبنان، كما تقدمها إلى الفلسطينيين..

ولكن ليست هناك علاقة ولاء بالمعنى الذي تفقد فيه حركة المقاومة إرادتها واستقلاليتها في قراراتها، وربما تلتقي المواقف في بعض الخطوط السياسية، كالموقف من إسرائيل ومن الاستكبار العالمي المتمثّل بأمريكا وحلفائها.

أما الحديث عن الدولة الصفوية، فهو حديث لا قيمة له من الناحية العلمية والتاريخية، لأن إدارة القيادات التي تملك الرشد السياسي وتدرس الأوضاع السياسية في حركة الصراع، ولاسيما في المنطقة، لا تسمح بذلك، كما أنها لا تجد أي واقعية لما يطرحه البعض من مسألة الهلال الشيعي.
   

علاقة الشيعة بإيران علاقة ولاء بالمعنى الذي لا تفقد فيه


حركة المقاومة إرادتها واستقلاليتها في قراراتها


إن هذه الأطروحات تدخل في إطار التهويل الذي يُراد من خلاله تخويف الواقع العربي والإسلامي من إيران، ولاسيما أننا لا نعتقد بقدرة إيران على فرض الهيمنة والنفوذ على المنطقة العربية، إذا أخذت هذه المنطقة بأسباب القوة والاستقلال والعلاقات الطبيعية مع جيرانها...

وإنني أتساءل مع هؤلاء: ما رأيهم في الهيمنة والنفوذ الأمريكي على الدول العربية، ومحاولات واشنطن المتكررة التدخل في كل أوضاعهم الاقتصادية والأمنية، وفرض إسرائيل كأمر واقع على المنطقة كلها؟!

س: في رسالة وجهتها إلى الشعوب العربية والإسلامية بمناسبة السنة الهجرية الجديدة، دعوت إلى عدم إلقاء اللوم على الخارج فحسب، فهل هي دعوة إلى ممارسة النقد الذاتي فقط، أم أنه إقرار بوجود خيانة عربية وإسلامية لثوابت الأمة؟ وهل ينطبق ذلك على الحالة اللبنانية الراهنة؟

ج: إنها دعوة إلى ممارسة النقد الذاتي على مستوى الثقافة المذهبية لدى الشعوب العربية والإسلامية، وفي هذا المجال، لا بدّ من دراسة أوضاع الأنظمة دراسةً دقيقةً، في تحالفاتها مع الدول الكبرى المهيمنة على العالم العربي والإسلامي، وفي اعترافها بإسرائيل ومواقفها الخاضعة للسياسة الأمريكية، وعدم مساعدة الشعب الفلسطيني أو ممارسة الضغوط على إسرائيل لمصلحته.

أما ممارسة النقد الذاتي على المستوى السياسي، فإننا ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى رفض عبادة الأشخاص وتقديسهم، سواء كانوا شخصيات دينية أو سياسية أو رسمية، لأننا نفرق بين الاحترام الذي ندعو إليه، والتقديس الذي نرفضه، ولاسيما أن المال السياسي يتحرك في تغيير المواقف والآراء، وتحريك الفتن في العالم الإسلامي.

    إننا ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى رفض عبادة الأشخاص وتقديسهم


التقريب بين السنة والشيعة

س: سماحة السيد، تُعْرَفُون بأنّكم من المرجعيات الشيعية الموصوفة في صفوف السنة بالمعتدلة، فكيف ترون حل معضلة التعايش بين قطبي الأمة الآن؟ وهل لكم من جهود في هذا الميدان؟

ج: إننا نطرح قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} (النساء:59)، ووجوب احترام المسلم للمسلم، ورفض دعوات التكفير التي يستحل بها البعض دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم.

كما إنني أدعو إلى الموضوعيةوالعقلانية في الحوار الإسلامي ـ الإسلامي، والابتعاد عن الخضوع للخطوط السياسية التي تخطط للفتنة بين المسلمين، واقتصار العلاقات على مواقع اللقاء من جهة، والانفتاح على قضايا المسلمين في العالم، ومواجهة الضغوط المفروضة على الواقع الإسلامي كله من جهة أخرى، باعتبار أن ما يحقق الوحدة في الأمة، هو أن نلتقي على ما اتفقنا عليه، ونتحاور ـ علميًّا ـ فيما نختلف فيه.
   

لتنطلق المصارحة في المواقع العلمية الموضوعية الشرعية


لا التبعية السطحية أو السياسية


س: في مؤتمر الدوحة للتقريب بين المذاهب، والذي عقد منذ فترة، دعا العلامة القرضاوي إلى ما أسماه المصارحة من أجل إتمام عملية التقريب بين أهل السنة والشيعة، وأكد أن تلك المصارحة تقتضي القول في الحالة العراقية مثلاً، بأن مفاتيح اللعبة بكاملها تكمن في إيران خصوصاً، والمرجعيات الشيعية عموماً. فما تعليقكم على ذلك؟

ج: إننا نشجّع المصارحة في المواقع العلمية الموضوعية الشرعية، لا الشعبية السطحية أو السياسية، ولكن اعتبار مفاتيح اللعبة بكاملها تكمن في إيران والمرجعيات الشيعية، هو من الطروحات غير الواقعية، ولاسيما أن المرجعيات أصدرت الكثير من المواقف والفتاوى من أجل التقريب بين المسلمين.

كما أن إيران تجمع علماء المسلمين من السنة والشيعة في مؤتمراتها، وأخشى ألا يؤكد صديقنا الشيخ القرضاوي الدور التدميري لأمريكا التي احتلت العراق، وعبثت بكل أوضاعه، وتدخلت في كل مفاصله، ودور التكفيريين الذين يستحلون دماء المسلمين، وغير ذلك من الأسباب.

إن البحث العلمي الذي يمارسه العلماء الوحدويون المخلصون للإسلام في الجلسات المغلقة، البعيدة عن عنصر الإثارة التي يختلط فيها الجانب الثقافي بالجانب السياسي، هو الذي يقرّب الأفكار ويجمع الخطوط على وحدة الأمة.

س: هذا يقودنا إلى ما يقتضيه منهج المصارحة حين قال القرضاوي: كيف أقترب (وأنا من يقول: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما)، ممن يقول: (أبو بكر وعمر لعنهما الله!!) يعني مسألة سبّ الصحابة... إلى آخره. فما تعقيبكم؟

ج: إننا نستغرب من صديقنا الشيخ القرضاوي تأكيد هذه المقولة التي قد تخلق ـ كما خلقت في الماضي ـ المزيد من الإثارة، في الوقت الذي يُطلق العلماء الشيعة الفتاوى التي تحرّم اللعن والسبّ.

إن القضية تفرض على العلماء من السنة والشيعة أن يتفقوا على تركيز القاعدة الإسلامية الأخلاقية في الواقع الشعبي، والبحث عن الوسائل الواقعية للوصول إلى نتائج إيجابية، مع إبعاد المسألة عن الإعلام المثير الذي دأب البعض على إثارته وتكريره لاستعادة التعقيدات التاريخية، بدلاً من الوسائل العقلانية للخروج من هذا الكهف المظلم.

س: ما رأيكم فيما يراه البعض من أنّ التقريب بين السنّة والشيعة مستحيل، مقترحين بديلاً منه مصطلح "التعايش"، هل توافقون على تلك النظرة؟

ج: إن الذي يفكّر بهذه الطريقة هو إنسان لا يريد للسنّة أن يدخلوا في حوار مع الشيعة، وبالعكس... كما أنه لا يملك الثقافة التي تكتشف أن ما بين الطائفتين قد يصل في الجانب الفقهي وبعض الجانب الكلامي إلى ما يقرب من ثمانين في المائة.

وإذا لم نستطع التخطيط للتقريب الذي ينفتح على الثقافة المشتركة، فمن الصعب أن يتحقق التعايش، الذي يبادر المتعصبون الذين لا يشعرون بخطورة الكفر والاستكبار على الإسلام، إلى رفضه، وإلى إثارة الفتنة بتأكيد مواقع الفراق، بعيداً من مواقع اللقاء.

س: بناءً على تأكيدكم سماحة السيد أن مساحات الاتفاق بين الفريقين تقارب الثمانين في المائة، كيف ترون الاختلافات الفقهية بين السنة والشيعة إذاً؟ وإلى أي مدى تؤثر على عملية التقريب بينهما؟ بمعنى، هل هي من التنوع المطلوب، أم أنها من عوامل تأجيج الخلافات؟

ج: لقد نجحت دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في مصر في الوصول إلى وسيلة واقعية في عملية التقريب، ما أدى إلى إصدار فتوى تاريخية للمرحوم الشيخ محمود شلتوت،أفتى فيها بشرعية التعبّد بالمذهب الشيعي.

كما أن الدراسة الدقيقة لمجلدات رسالة الإسلام، وإصدار تفسير مجمع البيان يدلاّن على واقعية المسألة.

الاحتلال والتكفير

س: الوضع العراقي، كيف يقرأه سماحة السيد محمد حسين فضل الله؟ وإلى أي مدى يرى الدور الشيعي مساهماً في استقرار الأوضاع؟

ج: الوضع في العراق يتحرك في دائرتين؛ الاحتلال الأمريكي، والاتجاه التكفيري، ولا أتصور أن يتحقق هناك استقرار في الأوضاع ما دام هذان الفريقان مسيطرين على العراق، ولا يملك الشيعة ولا السنة إيجاد الحل.

س: وماذا عن دور إيران في العراق؟ بمعنى هل تعتقدون أن مصلحة إيران هي في بقاء الوضع في العراق على ما هو عليه، لعدم تمكين أمريكا من التفكير فيها، أم الأمر عكس ذلك؟

ج: أنا لا أتصور أن مصلحة إيران هي إبقاء الوضع في العراق في حالة اهتزاز، ولاسيما أن هناك أكثر من جهة في العالم العربي والدولي تعمل على استباحة العراق لمصالحها، وأن أمريكا تخطط لاعتبار العراق جسرًا تعبر منه إلى الدول المجاورة للعراق للسيطرة على مقدراتها، ولاسيما الدول النفطية... إن زوال الاحتلال هو الذي يحلّ المشكلة، ويمنع كل الجهات من التدخل في الشأن العراقي.

س: سماحة السيد، ظاهرة العنف الإسلامي ـ إن اعتبرناها ظاهرة ـ سواء مورست بسبب مذهبي أو بسبب حزبي، أو بسبب خروج على سلطة، كما حدث من بعض الجماعات الإسلامية في فترات مختلفة... في رأيك ما هي أسبابها، وكيف يتم احتواؤها؟

      الاحتلال الأمريكي والاتجاه التكفيري يحكمان الوضع في العراق


ج: إن العنف الذي يمارسه بعض الذين ينتمون إلى الإسلام،إنما ينطلق من تفكيركم المغلق الذي لا يحاول دراسة القرآن الكريم في رسالته المرتكزة على الرفق واللين، ولا دراسة السنّة التي جاء بها الرسول(ص).

هذا إلى جانب أنّ الأوضاع السياسية التي أثارها الاحتلال الأمريكي في العالم الإسلامي،جعلت هذه الظاهرة تنمو وتتطور على مستوى المأساة في تدمير الواقع الإسلامي.

س: بعض تلك الجماعات بدأت في عمل ما أسمته المراجعات، كالجماعة الإسلامية، وجماعة الجهاد في مصر، فهل ترون ذلك بدايةً لفترة جديدة في العقلية الإسلامية؟ وما تأثير تلك المراجعات في رأيكم على تنظيمات كالقاعدة وغيرها في العالم العربي والإسلامي؟

ج: إننا نشجّع هذا الاتجاه التراجعي عن العنف المجنون المغلّف بغلاف إسلامي، ونرجو أن يهدي الله الآخرين للسير في هذه الثقافة الإسلامية.

    إن العنف الذي يمارسه بعض الذين ينتمون إلى الإسلام إنما ينطلق من تفكيرهم المغلق


س: قلت في أحد حواراتك منذ سنوات، إنك لا ترى في النصوص الدينية ما يدل على ولاية الفقيه، فهل تعارضون هذا المبدأ؟

ج: ولاية الفقيه، نظرية فقهية اجتهادية، ولا تمثل أساساً للمذهب الشيعي، ولذلك فإن أكثر مجتهدي الشيعة لا يلتزمونها من ناحية فقهية اجتهادية، ونحن نوافقهم في عدم الالتزام بها، إلا إذا توقّف عليها حفظ نظام المجتمع الإسلامي.

حوار ـ إسلام عبد العزيز فرحات

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 3-2-1429 هـ  الموافق: 10/02/2008 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية