العلاّمة محمد حسين فضل الله: المسيحيون فقدوا دورهم الفاعل على المستوى الوطني ومعظم اللبنانيين لا يمثلون لبنان

العلاّمة محمد حسين فضل الله: المسيحيون فقدوا دورهم الفاعل على المستوى الوطني  ومعظم اللبنانيين لا يمثلون لبنان

العلاّمة محمد حسين فضل الله: المسيحيون فقدوا دورهم الفاعل على المستوى الوطني  ومعظم اللبنانيين لا يمثلون لبنان


الحوار مع العلاّمة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، لا يمكن أن يكون سريعاً أو أن يقتصر على أسئلة مغلقة وأجوبة مغلقة. والإصغاء إليه رياضة فكرية صعبة وممتعة في آن، لأن قراءته للحدث تتجاوز الواقع إلى أبعاده السياسية والتاريخية والاستراتيجية معاً، وترسم أطر المستقبل بوضوح مذهل أحياناً. إنه الرجل الذي يعرف كثيراً، ويجيد التعبير عن رؤيته ورؤاه.

وهذا نصّ الحوار معه:


س: في رسالة الفصح المجيد، قال البطريرك صفير إن لبنان أصبح مثل فلسطين بمأساتها ومعاناة شعبها، هل تشارك غبطته في قراءته هذه؟ وهل الوضع في لبنان وصل إلى هذا المستوى من التأزم؟
 

ج: ليس من عادتي أن أعلِّق على كلام الآخرين، ولكن عندما ندرس القضية الفلسطينية، نلاحظ أن هذه القضية تختصر كل تاريخ المنطقة في مدى السبعين سنة الماضية، حيث بدأت المشكلة مع الاحتلال الاستيطاني الغاصب لأرض فلسطين، سواء من خلال الاحتلال المباشر أو غير المباشر. كما أن هذه المشكلة أوجدت من خلال الدول الأوروبية أولاً، والأميركية ثانياً، من أجل تعطيل حركة المنطقة، وخصوصاً من خلال التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي الاستراتيجي، مروراً بالتحالف الفرنسي ـ الإسرائيلي الذي وصل إلى مستوى يوحي بالدخول في متاهات القضايا الأساسية. وهكذا بالنسبة إلى بريطانيا التي تتحمّل المسؤولية الكبرى في مسألة اغتصاب فلسطين.  

  القضية اللبنانية مجرد تفصيل صغير من تفاصيل القضية الفلسطينية


لذلك، فإن القضية الفلسطينية تعتبر من القضايا الاستراتيجية في كل أزمات المنطقة وفي كل حروبها في مدى الستين سنة الماضية، كما أن الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون هو واقع الوحشية اليهودية التي تصادر الأرض الفلسطينية لمصلحة الدولة اليهودية تدريجياً، من خلال بناء المستعمرات الكبرى والجدار الفاصل، والاستيلاء على القدس، إضافةً إلى القصف المنظم بالطائرات الأميركية التي لا تستخدم إلا في الحروب الكبيرة. أما القضية اللبنانية، فهي مجرد قضية محدودة من خلال طبيعة المصالح الأميركية وبعض المصالح الأوروبية وأيضاً العربية التي تريد أن تستفيد من الساحة اللبنانية ومن الحريات الموجودة في لبنان التي يمكن أن تتحول إلى فوضى. ولهذا فإن المسألة اللبنانية تختلف اختلافاً كبيراً عن القضية الفلسطينية، بل هي مجرد تفصيل صغير من تفاصيل القضية الفلسطينية.

س: ما هي هوية لبنان في النهاية؟ وما دور المسيحيين فيه؟

ج: نحن نعتبر أنّه كان للمسيحيين دور كبير وفاعل في لبنان، ولكن هذا الدور كفّ عن أن يكون فاعلاً على المستوى الوطني الواسع، لأن الكثيرين من الذين يقودون المسألة المسيحية، أصبحوا يتحدثون عن المسيحية كدائرة مغلقة لا تنفتح على الدائرة الوطنية اللبنانية. فنحن عندما نسمع أنه لا يجوز للنواب المسيحيين أن ينجحوا بأصوات الناخبين المسلمين أو العكس، فمعنى ذلك أنّ النظرة المسيحية، سواء الدينية أو السياسية، ليست نظرةً وطنيةً شاملةً تعتبر أن اللبنانيين يمثلون وحدة يتساوون فيها في الحقوق والواجبات، بل تعتبر أن للمسيحيين دائرتهم السياسية الخاصة، كما للمسلمين دائرتهم الخاصة. لذلك كنت أقول إن لبنان بحسب النظام الطائفي يمثل ولايات غير متحدة.

س: ماذا ينتظر لبنان بعد قمة دمشق؟

ج: أنا أعتقد أن الأزمة اللبنانية تمثل حركة في صراع أزمة المنطقة، باعتبار أن أميركا تحاول في صراعها مع إيران ومع سوريا ربط الأمر بما يجري في العراق، واتهامها لهما بالتدخل في العراق، وكذلك بالتدخّل في فلسطين، وذلك بتقوية الفصائل الفلسطينية المعارضة للاحتلال الإسرائيلي، هذا إضافةً إلى العقدة الأميركية والأوروبية المتحركة في خط العقدة الإسرائيلية بالنسبة إلى مسألة «حزب الله» وحركة «حماس». لذلك أعتقد أن القمة العربية لن تحل أي مشكلة عربية، وستخرج بقرارات إنشائية لا تتضمّن أي حلول واقعية للمشاكل العربية القائمة.     القمة العربية لن تحلّ أي مشكلة عربية وستخرج بقرارات إنشائية

ونحن نعرف أن القضية الفلسطينية التي لا تزال عالقة منذ ستين سنة، ولم نلمس أي بادرة إيجابية لحلّ المشكلة التي تعيشها، بل على العكس، فإننا نرى المزيد من السقوط العربي تحت تأثير الضغوط الأميركية التي فرضت على بعضهم المصالحة مع إسرائيل بشكل دبلوماسي رسمي، وعلى بعضهم الآخر المصالحة بشكل غير معلن وبارز. وهكذا تحوّل الحراك العربي السياسي، بفعل الضغط الأميركي، إلى اعتبار إيران هي العدو وإسرائيل هي الصديق، إضافةً إلى وقوفهم مع إسرائيل في عدوانها على لبنان في العام 2006، لأنهم لا يريدون أن تبقى في العالم العربي أيّة مقاومة تواجه إسرائيل.

س: ما هي الأخطار التي يمكن أن تترجم نفسها على الساحة اللبنانية في ظل هذه الشبكة المعقدة من العلاقات الإقليمية والدولية؟

ج: أنا لست خائفاً من حرب أهلية أو فتنة طائفية أو مذهبية، لأنّ هناك عدة معطيات تمنع من ذلك؛ أولاً: لأننا نعرف أنّ مصلحة الإدارة الأميركية الحالية، على الأقل في الوقت الحاضر، لا تسمح بقيام أيّ فوضى عسكرية في لبنان، لأنها سوف تؤثر تأثيراً سلبياً على قوات «اليونيفيل» الخاضعة للخطة الأميركية في المحافظة على أمن إسرائيل، لأن قوات «اليونيفيل» استقدمت لحماية إسرائيل أكثر من حماية لبنان، ولهذا السبب نجد أن هذه القوات لا تستطيع أن تعترض على الخروقات الجوية الإسرائيلية لسماء لبنان، وحتى بعض الاختراقات البرية والبحرية. وعليه، فإنّ حرباً لبنانية على المستوى الأهلي أو الطائفي، سوف تسهم في إخراج قوات «اليونفيل» من قبل دولها، إضافةً إلى أنّ المسألة سوف تتحول بطريقة أو بأخرى إلى ما يشبه الواقع الأمني الفوضوي بالنسبة إلى إسرائيل، لأن كل الفئات المواجهة لها سوف تتدخل، وربما تتحرك عبر الحدود، بحيث لا تبقى هناك حدود، فتختلط المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج، إضافةً إلى المقاومة الإسلامية.

ثم إنّ مسألة الحرب سوف تربك إسرائيل التي لا تجد أنّ الظروف في المرحلة الحاضرة ملائمة لقيام أي حرب بينها وبين لبنان، إضافةً إلى السياسات العربية التي تتخوف من امتداد الفتنة إلى دولها في حال نشبت الفتنة في لبنان. كما أن اللبنانيين ليس لديهم أي استعداد للدخول في أيّ حرب، سواء من قِبَل الأكثرية أو المعارضة. لكن تبقى هناك مخاوف جدية من تحريك الأزمة الداخلية في خط الأزمة الخارجية، وإيجاد نوع من التعقيدات داخل الوسط السياسي اللبناني بين ما يسمى المعارضة أو الموالاة، لأن أميركا لا تريد الاستقرار اللبناني، باعتبار أنها تخطِّط لأن يكون الاهتزاز اللبناني وسيلةً من وسائل الاهتزاز السوري، ووسائل الاهتزاز في المنطقة كلها.

س: ما هي المناخات الملائمة للتفاهم اللبناني الداخلي؟ وفي يد من مفاتيح هذه المناخات؟

ج: أنا لا أعتقد أنّ هناك مناخاً واقعياً سياسياً للتفاهم في لبنان، لأنّ أكثر اللبنانيين لا يمثلون الرؤية الوطنية اللبنانية، بل إنهم خاضعون لخطوط سياسية خارجية. وهذا ما يفسر التدخل السافر للمندوبين الأميركيين الذين يزورون لبنان، سواء من داخل الإدارة الأميركية أو من خارجها، وتصريحاتهم التي تتحدث عن أوضاع لبنان الداخلية، والتي تدل على نيتهم في العبث بالعلاقات اللبنانية الداخلية. لذلك أنا أعتقد أن لبنان قد خرج من وصاية سورية ليدخل في وصاية دولية إقليمية، وليس للبنانيين شيء في هذا المقام. ولذلك، فإنّ لبنان الذي لطالما مثّل خط الاعتدال، قد كف عن هذا الاعتدال في المسألة السياسية، لأنّ المشكلة باتت تتمثّل بانعدام الثقة في الداخل اللبناني، في امتداداته الذاتية والطائفية، وفي امتداداته الدولية والإقليمية.

س: هل أصبح لبنان مشكلةً إيرانية ـ أميركية؟

ج: أنا لا أعتقد أن لبنان بات مشكلة أميركية ـ إيرانية، لأنّ المشكلة الأميركية ـ الإيرانية انطلقت من الصراع بين أميركا وإيران في أزمة المنطقة، من خلال اتهام أميركا لإيران بالتدخل في العراق ضد جنودها في محاولة للسيطرة على العراق، إضافةً إلى قضية الملف النووي الإيراني، والمساعدات الإيرانية التي تقدّمها لقوى المقاومة في لبنان وفلسطين، ولذلك فإنّ الصراع الأميركي الإيراني هو أكبر من لبنان، بل هو صراع يمتد على مستوى المنطقة، ولاسيما أن الموقف الإيراني من إسرائيل يمثل الموقف الذي لا تتسامح به الإدارة الأميركية، وهو ما صرح به نائب الرئيس الأميركي في زيارته الأخيرة إلى المنطقة، بأن أميركا تدعم الأمن الإسرائيلي في المنطقة، ولا تعمل على الضغط على إسرائيل مهما فعلت، سواء دمرت الشعب اللبناني أو الفلسطيني.

س: هناك قول للمؤرخ الفرنسي، موريس شوفالييه، يقول فيه أخشى أن يصبح تاريخ لبنان جزءاً من اللغات القديمة؟

ج: أنا لا أتصور أن الإنسان اللبناني المثقف والعامل والفلاح يمكن أن ينقلب في شخصيته وهويته إلى إنسان آخر، بحسب الواقع الثقافي أو الاجتماعي في هذا المجال، ولكن عندما يدخل اللبناني في واقع التعقيدات السياسية، فإنّه يصبح حينها أمريكياً أو أوروبياً أو إيرانياً أو سورياً أو غير ذلك. فالمسألة ليست في اللغات القديمة، ولكن في اللغات الحديثة المنفتحة على الأزمات التي تتحرك وتطبق على الساحة اللبنانية لتحولها إلى ساحة للمخابرات الدولية والإقليمية. وقد كنت أقول إن لبنان وجد ليكون الرئة التي تتنفس منها مشاكل المنطقة، وليكون المحرقة التي يحترق فيها اللبنانيون في هذا المشروع الدولي أو ذاك المشروع الإقليمي.

س: الفكر القومي في أزمة كيانية، هل مرد ذلك إلى المد الأصولي، أم إلى ما لحقه من اتهامات بالفشل والتقصير والتواطؤ؟ وما هي الأسس التي يمكن أن تصوِّب مساره؟

ج: المشكلة في الخط القومي، تتمثّل باستغراقه في الانفعال والحماس، إضافةً إلى مسألة التمزق الإقليمي، حيث غلبت الإقليمية على القومية، كما أنّ الخط القومي لم يستطع أن يؤسس لقاعدة ثقافية فكرية قومية يختزنها الواقع العربي في وجدان الإنسان العربي، بل أصبحت المسألة مسألة انفعال وحماس. إضافةً إلى أن الذين يسيطرون على البلاد العربية أصبحوا هامشاً من هوامش السياسة الأميركية التي عملت على إلغاء الخط القومي، ليصبح مجرد حالة إحساسية شعورية لا تترك أي تأثير قوي... إنني أقول إن النظام العربي مات سياسياً منذ زمن طويل، ولم يعد هناك إلا عدة مسؤولين يحاولون الحفاظ على عروشهم قبل أن يحافظوا على شعوبهم.

س: يرى البعض أنّ العلاقة مع الغرب تحكمها ثلاثة اتجاهات، وهي الرفض المطلق، والتبني الكامل، والاتجاه التوفيقي، فماذا تقولون؟

ج: نحن نفكِّر في أن علينا أن نكون أصدقاء العالم، لأنّ هناك مصالح متبادلة بيننا وبين الغرب وبيننا وبين الشرق، وعلينا أن نعمل على أن تكون هذه العلاقة قائمةً على أساس التوازن والاحترام المتبادل. ولكن المشكلة هي أن الغرب لا يفكر بهذه الطريقة، لأنه لا يحترم الدول الخاضعة له من خلال قياداتها الرسمية. لذلك فإنّ الغرب يتعامل مع العرب والمسلمين بكثير من الاستهانة والاحتقار والمصادرة لكل قضاياهم، كما أن المنطقة العربية تمثّل بالنسبة إلى الغرب البقرة الحلوب، وهذا ما يشير إليه قول أحد القادة العسكريين للاحتلال الأميركي في العراق، وهو من أصل لبناني، ويدعى جون أبي زيد، يقول إننا دخلنا العراق من أجل الإمساك بالنفط العراقي.

وقد قرأت تصريحاً لمسؤول أمريكي يقول فيه إن العراق لو كان يزرع الفجل لما فكرنا في الدخول إليه، لكن المشكلة هي الثروة النفطية التي تختزنها المنطقة. لذلك فإنّ الغرب ليس مستعداً لأن يتعامل مع الشرق العربي أو الإسلامي بذهنية الاحترام أو التوافق، ولكن نحن نعمل على أساس أن ننفتح على الشعوب الغربية، ونحاول أن نرصد مراكز الدراسات التي تفكر بطريقة موضوعية وعقلانية، لبناء قاعدة تجمع الشعوب الغربية والشرقية، بحيث تتحرك هذه القاعدة بأسلوب الحوار الذي يدرس الأمور بعقلية إنسانية تحترم الشعوب ولا تصادرها.    

الوضع السياسي في العراق ما زال يحكمه الضياع وتتحكم به المتاهات الطائفية


س: بعد خمس سنوات من احتلال العراق، ماذا بقي من العراق؟

ج: لم يبق من العراق شيء، فقد دلت الإحصائيات على أنه قتل أكثر من مليون عراقي منذ الغزو حتى الآن، وأنّه هُجِّر أكثر من خمسة ملايين عراقي في الداخل والخارج، وأنّ الإنسان العراقي بات يفتقر إلى كلّ الضرورات الحياتية والخدمات الإنسانية، من كهرباء وماء وفرص عمل. كما أن الوضع السياسي ما زال وضعاً يحكمه الضياع، وتتحكم به المتاهات الطائفية، ولهذا لاحظنا غلبة اللغة الطائفية في المسألة السياسية، إضافةً إلى المسألة الكردية في التخطيط للدولة الكردية المستقلة، والتي يمكن أن تنفتح على كل الأكراد الموجودين في المنطقة. إننا نعتقد أن أميركا استطاعت إدخال العراق في دوامة من العنف لم يسبق أن دخلها بهذا الحجم، ففي الوقت الذي تتحدث عن الإرهابيين، نراها تشجع الإرهاب، لأنّ ذلك يساعدها على البقاء في العراق طويلاً، أضف إلى ذلك، أن بعض الدول العربية تساعد التكفيريين على القيام بالمجازر ضد المدنيين العراقيين، على أساس مذهبي تارة، وسياسي تارةً أخرى.   

 العراق أصبح البلد الذي يمثل الهزيمة الأمنية والسياسية بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية


س: يقول الرئيس بوش إنه حقق نصراً استراتيجياً على الإرهاب في العراق...

ج: مشكلة الرئيس بوش أنه بدأ حياته السياسية بالكذب الذي لا يخجل منه أمام الآخرين، وقد سمعناه مرات يتحدث عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وقد نقل عنه أنه يقول: لا تقولوا في هذا المجال إنني كذبت، ولكن لطِّفوا قليلاً من الكلمة بطريقة أو بأخرى! عقدة الرئيس بوش أنه يريد أن يقول للشعب الأميركي، وخصوصاً في معركة الانتخابات الرئاسية الآن، إنه حقق نصراً في العراق، ولكن حقيقة الأمر تُظهر أنه فشل هناك فشلاً ذريعاً، وتكبّد جيشه أكثر من أربعة آلاف قتيل، إضافةً إلى عشرات الألوف من الجرحى والمرضى. إن العراق أصبح البلد الذي يمثل الهزيمة الأمنية والسياسية بالنسبة إلى أميركا، وهي الآن تتخبط في حركتها السياسية في المنطقة لتحمِّل بعض الدول المجاورة للعراق مسؤولية ما يجري لجيشها هناك.

س: يُقال إنّ زيارة بوش إلى المنطقة في أيار المقبل، هي لتكريس قيام الدولة اليهودية، وهناك معلومات تقول إنه سيعلن نقل سفارة بلاده إلى القدس. هل إن هذه الخطوات ستدفع المنطقة نحو اتجاهات فاصلة ومكشوفة لا مجال فيها لأي نوع من أنواع التمويه؟

ج: أنا أعتقد أن كل ما يقال عن قضية نقل سفارة أميركا إلى القدس لا يغيِّر في القضية شيئاً، لأنّ أميركا مؤيدة تأييداً شاملاً ومطلقاً لإسرائيل في سياستها الرامية إلى تهويد القدس، سواء كان هناك سفارة أو لم يكن.

أما الدولة اليهودية، فقد أعلنها الرئيس بوش منذ زمن، وقد لاحظنا أن مرشح الحزب الجمهوري صرح أنه سينقل السفارة إلى القدس. إن المشكلة هي أن الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي يتفقان اتفاقاً تاماً في دعمهما لإسرائيل، ولكن هناك فرقاً في بعض المساحيق التجميلية التي يختلف فيها هذا الحزب عن ذاك، ولهذا أعتقد أن زيارة بوش هي زيارة وداع لإسرائيل ولبعض العرب الذين كانوا يلهثون وراءه، وهي بمثابة حفل التسلّم والتسليم التي يسلّم فيها السيد عبيده إلى شخص آخر.

س: ما هو العنوان الأنسب للوضع الفلسطيني الداخلي؛ هل أصبح الفلسطينيون يعيشون تحت لافتة عنوانها التسوية المستحيلة؟

ج: المشكلة هي أن ما يسمى بالسلطة الفلسطينية التي تتحرك من خلال منظمة التحرير، كانت تعيش وهماً كبيراً خلاصته أنّ عزلها للفصائل المجاهدة، ولاسيما حركة حماس، سوف يحقِّق لها النتائج الكبرى، لذلك إني أشك في حصول اتفاق فلسطيني ـ فلسطيني، ما دامت أميركا وبعض السياسات الأوروبية لا تريد أي دور لحركة حماس في السياسة الفلسطينية.   

 إيران أصبحت دولةً كبرى في المنطقة، وعلاقتها بسوريا تنطلق من المصالح المشتركة بين البلدين


س: هل أصبحت سوريا عنوان التمدد الإيراني في المنطقة؟

ج: أنا أعتقد أن امتداد الخطوط الإيرانية نحو المنطقة لم ينطلق من الموقع السوري، فإيران دولة إقليمية كبرى تحاول أن تنفتح على كل محيطها، وأنا لا أعتقد أن سوريا سوف تتحول إلى ساحة للانتشار الإيراني في المنطقة، لأنها تملك الكثير من حالات التوازن السياسي في المسائل العربية، لكن علاقتها بإيران هي علاقة استراتيجية، تماماً كما هي علاقات بعض العرب بأميركا التي يقولون إنها استراتيجية. إن إيران أصبحت دولة كبرى في المنطقة، وأصبحت تملك الكثير من القدرة العلمية التي خولتها تصنيع الكثير من السلاح المتطور وأشياء أخرى كثيرة، ولذلك أنا أتصور أن العلاقات السورية ـ الإيرانية هي علاقات تنطلق من المصالح المشتركة بين البلدين.

حاوره: نبيل المقدم

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 23 ربيع الأول 1429 هـ  الموافق: 31/03/2008 م

العلاّمة محمد حسين فضل الله: المسيحيون فقدوا دورهم الفاعل على المستوى الوطني  ومعظم اللبنانيين لا يمثلون لبنان


الحوار مع العلاّمة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، لا يمكن أن يكون سريعاً أو أن يقتصر على أسئلة مغلقة وأجوبة مغلقة. والإصغاء إليه رياضة فكرية صعبة وممتعة في آن، لأن قراءته للحدث تتجاوز الواقع إلى أبعاده السياسية والتاريخية والاستراتيجية معاً، وترسم أطر المستقبل بوضوح مذهل أحياناً. إنه الرجل الذي يعرف كثيراً، ويجيد التعبير عن رؤيته ورؤاه.

وهذا نصّ الحوار معه:


س: في رسالة الفصح المجيد، قال البطريرك صفير إن لبنان أصبح مثل فلسطين بمأساتها ومعاناة شعبها، هل تشارك غبطته في قراءته هذه؟ وهل الوضع في لبنان وصل إلى هذا المستوى من التأزم؟
 

ج: ليس من عادتي أن أعلِّق على كلام الآخرين، ولكن عندما ندرس القضية الفلسطينية، نلاحظ أن هذه القضية تختصر كل تاريخ المنطقة في مدى السبعين سنة الماضية، حيث بدأت المشكلة مع الاحتلال الاستيطاني الغاصب لأرض فلسطين، سواء من خلال الاحتلال المباشر أو غير المباشر. كما أن هذه المشكلة أوجدت من خلال الدول الأوروبية أولاً، والأميركية ثانياً، من أجل تعطيل حركة المنطقة، وخصوصاً من خلال التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي الاستراتيجي، مروراً بالتحالف الفرنسي ـ الإسرائيلي الذي وصل إلى مستوى يوحي بالدخول في متاهات القضايا الأساسية. وهكذا بالنسبة إلى بريطانيا التي تتحمّل المسؤولية الكبرى في مسألة اغتصاب فلسطين.  

  القضية اللبنانية مجرد تفصيل صغير من تفاصيل القضية الفلسطينية


لذلك، فإن القضية الفلسطينية تعتبر من القضايا الاستراتيجية في كل أزمات المنطقة وفي كل حروبها في مدى الستين سنة الماضية، كما أن الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون هو واقع الوحشية اليهودية التي تصادر الأرض الفلسطينية لمصلحة الدولة اليهودية تدريجياً، من خلال بناء المستعمرات الكبرى والجدار الفاصل، والاستيلاء على القدس، إضافةً إلى القصف المنظم بالطائرات الأميركية التي لا تستخدم إلا في الحروب الكبيرة. أما القضية اللبنانية، فهي مجرد قضية محدودة من خلال طبيعة المصالح الأميركية وبعض المصالح الأوروبية وأيضاً العربية التي تريد أن تستفيد من الساحة اللبنانية ومن الحريات الموجودة في لبنان التي يمكن أن تتحول إلى فوضى. ولهذا فإن المسألة اللبنانية تختلف اختلافاً كبيراً عن القضية الفلسطينية، بل هي مجرد تفصيل صغير من تفاصيل القضية الفلسطينية.

س: ما هي هوية لبنان في النهاية؟ وما دور المسيحيين فيه؟

ج: نحن نعتبر أنّه كان للمسيحيين دور كبير وفاعل في لبنان، ولكن هذا الدور كفّ عن أن يكون فاعلاً على المستوى الوطني الواسع، لأن الكثيرين من الذين يقودون المسألة المسيحية، أصبحوا يتحدثون عن المسيحية كدائرة مغلقة لا تنفتح على الدائرة الوطنية اللبنانية. فنحن عندما نسمع أنه لا يجوز للنواب المسيحيين أن ينجحوا بأصوات الناخبين المسلمين أو العكس، فمعنى ذلك أنّ النظرة المسيحية، سواء الدينية أو السياسية، ليست نظرةً وطنيةً شاملةً تعتبر أن اللبنانيين يمثلون وحدة يتساوون فيها في الحقوق والواجبات، بل تعتبر أن للمسيحيين دائرتهم السياسية الخاصة، كما للمسلمين دائرتهم الخاصة. لذلك كنت أقول إن لبنان بحسب النظام الطائفي يمثل ولايات غير متحدة.

س: ماذا ينتظر لبنان بعد قمة دمشق؟

ج: أنا أعتقد أن الأزمة اللبنانية تمثل حركة في صراع أزمة المنطقة، باعتبار أن أميركا تحاول في صراعها مع إيران ومع سوريا ربط الأمر بما يجري في العراق، واتهامها لهما بالتدخل في العراق، وكذلك بالتدخّل في فلسطين، وذلك بتقوية الفصائل الفلسطينية المعارضة للاحتلال الإسرائيلي، هذا إضافةً إلى العقدة الأميركية والأوروبية المتحركة في خط العقدة الإسرائيلية بالنسبة إلى مسألة «حزب الله» وحركة «حماس». لذلك أعتقد أن القمة العربية لن تحل أي مشكلة عربية، وستخرج بقرارات إنشائية لا تتضمّن أي حلول واقعية للمشاكل العربية القائمة.     القمة العربية لن تحلّ أي مشكلة عربية وستخرج بقرارات إنشائية

ونحن نعرف أن القضية الفلسطينية التي لا تزال عالقة منذ ستين سنة، ولم نلمس أي بادرة إيجابية لحلّ المشكلة التي تعيشها، بل على العكس، فإننا نرى المزيد من السقوط العربي تحت تأثير الضغوط الأميركية التي فرضت على بعضهم المصالحة مع إسرائيل بشكل دبلوماسي رسمي، وعلى بعضهم الآخر المصالحة بشكل غير معلن وبارز. وهكذا تحوّل الحراك العربي السياسي، بفعل الضغط الأميركي، إلى اعتبار إيران هي العدو وإسرائيل هي الصديق، إضافةً إلى وقوفهم مع إسرائيل في عدوانها على لبنان في العام 2006، لأنهم لا يريدون أن تبقى في العالم العربي أيّة مقاومة تواجه إسرائيل.

س: ما هي الأخطار التي يمكن أن تترجم نفسها على الساحة اللبنانية في ظل هذه الشبكة المعقدة من العلاقات الإقليمية والدولية؟

ج: أنا لست خائفاً من حرب أهلية أو فتنة طائفية أو مذهبية، لأنّ هناك عدة معطيات تمنع من ذلك؛ أولاً: لأننا نعرف أنّ مصلحة الإدارة الأميركية الحالية، على الأقل في الوقت الحاضر، لا تسمح بقيام أيّ فوضى عسكرية في لبنان، لأنها سوف تؤثر تأثيراً سلبياً على قوات «اليونيفيل» الخاضعة للخطة الأميركية في المحافظة على أمن إسرائيل، لأن قوات «اليونيفيل» استقدمت لحماية إسرائيل أكثر من حماية لبنان، ولهذا السبب نجد أن هذه القوات لا تستطيع أن تعترض على الخروقات الجوية الإسرائيلية لسماء لبنان، وحتى بعض الاختراقات البرية والبحرية. وعليه، فإنّ حرباً لبنانية على المستوى الأهلي أو الطائفي، سوف تسهم في إخراج قوات «اليونفيل» من قبل دولها، إضافةً إلى أنّ المسألة سوف تتحول بطريقة أو بأخرى إلى ما يشبه الواقع الأمني الفوضوي بالنسبة إلى إسرائيل، لأن كل الفئات المواجهة لها سوف تتدخل، وربما تتحرك عبر الحدود، بحيث لا تبقى هناك حدود، فتختلط المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج، إضافةً إلى المقاومة الإسلامية.

ثم إنّ مسألة الحرب سوف تربك إسرائيل التي لا تجد أنّ الظروف في المرحلة الحاضرة ملائمة لقيام أي حرب بينها وبين لبنان، إضافةً إلى السياسات العربية التي تتخوف من امتداد الفتنة إلى دولها في حال نشبت الفتنة في لبنان. كما أن اللبنانيين ليس لديهم أي استعداد للدخول في أيّ حرب، سواء من قِبَل الأكثرية أو المعارضة. لكن تبقى هناك مخاوف جدية من تحريك الأزمة الداخلية في خط الأزمة الخارجية، وإيجاد نوع من التعقيدات داخل الوسط السياسي اللبناني بين ما يسمى المعارضة أو الموالاة، لأن أميركا لا تريد الاستقرار اللبناني، باعتبار أنها تخطِّط لأن يكون الاهتزاز اللبناني وسيلةً من وسائل الاهتزاز السوري، ووسائل الاهتزاز في المنطقة كلها.

س: ما هي المناخات الملائمة للتفاهم اللبناني الداخلي؟ وفي يد من مفاتيح هذه المناخات؟

ج: أنا لا أعتقد أنّ هناك مناخاً واقعياً سياسياً للتفاهم في لبنان، لأنّ أكثر اللبنانيين لا يمثلون الرؤية الوطنية اللبنانية، بل إنهم خاضعون لخطوط سياسية خارجية. وهذا ما يفسر التدخل السافر للمندوبين الأميركيين الذين يزورون لبنان، سواء من داخل الإدارة الأميركية أو من خارجها، وتصريحاتهم التي تتحدث عن أوضاع لبنان الداخلية، والتي تدل على نيتهم في العبث بالعلاقات اللبنانية الداخلية. لذلك أنا أعتقد أن لبنان قد خرج من وصاية سورية ليدخل في وصاية دولية إقليمية، وليس للبنانيين شيء في هذا المقام. ولذلك، فإنّ لبنان الذي لطالما مثّل خط الاعتدال، قد كف عن هذا الاعتدال في المسألة السياسية، لأنّ المشكلة باتت تتمثّل بانعدام الثقة في الداخل اللبناني، في امتداداته الذاتية والطائفية، وفي امتداداته الدولية والإقليمية.

س: هل أصبح لبنان مشكلةً إيرانية ـ أميركية؟

ج: أنا لا أعتقد أن لبنان بات مشكلة أميركية ـ إيرانية، لأنّ المشكلة الأميركية ـ الإيرانية انطلقت من الصراع بين أميركا وإيران في أزمة المنطقة، من خلال اتهام أميركا لإيران بالتدخل في العراق ضد جنودها في محاولة للسيطرة على العراق، إضافةً إلى قضية الملف النووي الإيراني، والمساعدات الإيرانية التي تقدّمها لقوى المقاومة في لبنان وفلسطين، ولذلك فإنّ الصراع الأميركي الإيراني هو أكبر من لبنان، بل هو صراع يمتد على مستوى المنطقة، ولاسيما أن الموقف الإيراني من إسرائيل يمثل الموقف الذي لا تتسامح به الإدارة الأميركية، وهو ما صرح به نائب الرئيس الأميركي في زيارته الأخيرة إلى المنطقة، بأن أميركا تدعم الأمن الإسرائيلي في المنطقة، ولا تعمل على الضغط على إسرائيل مهما فعلت، سواء دمرت الشعب اللبناني أو الفلسطيني.

س: هناك قول للمؤرخ الفرنسي، موريس شوفالييه، يقول فيه أخشى أن يصبح تاريخ لبنان جزءاً من اللغات القديمة؟

ج: أنا لا أتصور أن الإنسان اللبناني المثقف والعامل والفلاح يمكن أن ينقلب في شخصيته وهويته إلى إنسان آخر، بحسب الواقع الثقافي أو الاجتماعي في هذا المجال، ولكن عندما يدخل اللبناني في واقع التعقيدات السياسية، فإنّه يصبح حينها أمريكياً أو أوروبياً أو إيرانياً أو سورياً أو غير ذلك. فالمسألة ليست في اللغات القديمة، ولكن في اللغات الحديثة المنفتحة على الأزمات التي تتحرك وتطبق على الساحة اللبنانية لتحولها إلى ساحة للمخابرات الدولية والإقليمية. وقد كنت أقول إن لبنان وجد ليكون الرئة التي تتنفس منها مشاكل المنطقة، وليكون المحرقة التي يحترق فيها اللبنانيون في هذا المشروع الدولي أو ذاك المشروع الإقليمي.

س: الفكر القومي في أزمة كيانية، هل مرد ذلك إلى المد الأصولي، أم إلى ما لحقه من اتهامات بالفشل والتقصير والتواطؤ؟ وما هي الأسس التي يمكن أن تصوِّب مساره؟

ج: المشكلة في الخط القومي، تتمثّل باستغراقه في الانفعال والحماس، إضافةً إلى مسألة التمزق الإقليمي، حيث غلبت الإقليمية على القومية، كما أنّ الخط القومي لم يستطع أن يؤسس لقاعدة ثقافية فكرية قومية يختزنها الواقع العربي في وجدان الإنسان العربي، بل أصبحت المسألة مسألة انفعال وحماس. إضافةً إلى أن الذين يسيطرون على البلاد العربية أصبحوا هامشاً من هوامش السياسة الأميركية التي عملت على إلغاء الخط القومي، ليصبح مجرد حالة إحساسية شعورية لا تترك أي تأثير قوي... إنني أقول إن النظام العربي مات سياسياً منذ زمن طويل، ولم يعد هناك إلا عدة مسؤولين يحاولون الحفاظ على عروشهم قبل أن يحافظوا على شعوبهم.

س: يرى البعض أنّ العلاقة مع الغرب تحكمها ثلاثة اتجاهات، وهي الرفض المطلق، والتبني الكامل، والاتجاه التوفيقي، فماذا تقولون؟

ج: نحن نفكِّر في أن علينا أن نكون أصدقاء العالم، لأنّ هناك مصالح متبادلة بيننا وبين الغرب وبيننا وبين الشرق، وعلينا أن نعمل على أن تكون هذه العلاقة قائمةً على أساس التوازن والاحترام المتبادل. ولكن المشكلة هي أن الغرب لا يفكر بهذه الطريقة، لأنه لا يحترم الدول الخاضعة له من خلال قياداتها الرسمية. لذلك فإنّ الغرب يتعامل مع العرب والمسلمين بكثير من الاستهانة والاحتقار والمصادرة لكل قضاياهم، كما أن المنطقة العربية تمثّل بالنسبة إلى الغرب البقرة الحلوب، وهذا ما يشير إليه قول أحد القادة العسكريين للاحتلال الأميركي في العراق، وهو من أصل لبناني، ويدعى جون أبي زيد، يقول إننا دخلنا العراق من أجل الإمساك بالنفط العراقي.

وقد قرأت تصريحاً لمسؤول أمريكي يقول فيه إن العراق لو كان يزرع الفجل لما فكرنا في الدخول إليه، لكن المشكلة هي الثروة النفطية التي تختزنها المنطقة. لذلك فإنّ الغرب ليس مستعداً لأن يتعامل مع الشرق العربي أو الإسلامي بذهنية الاحترام أو التوافق، ولكن نحن نعمل على أساس أن ننفتح على الشعوب الغربية، ونحاول أن نرصد مراكز الدراسات التي تفكر بطريقة موضوعية وعقلانية، لبناء قاعدة تجمع الشعوب الغربية والشرقية، بحيث تتحرك هذه القاعدة بأسلوب الحوار الذي يدرس الأمور بعقلية إنسانية تحترم الشعوب ولا تصادرها.    

الوضع السياسي في العراق ما زال يحكمه الضياع وتتحكم به المتاهات الطائفية


س: بعد خمس سنوات من احتلال العراق، ماذا بقي من العراق؟

ج: لم يبق من العراق شيء، فقد دلت الإحصائيات على أنه قتل أكثر من مليون عراقي منذ الغزو حتى الآن، وأنّه هُجِّر أكثر من خمسة ملايين عراقي في الداخل والخارج، وأنّ الإنسان العراقي بات يفتقر إلى كلّ الضرورات الحياتية والخدمات الإنسانية، من كهرباء وماء وفرص عمل. كما أن الوضع السياسي ما زال وضعاً يحكمه الضياع، وتتحكم به المتاهات الطائفية، ولهذا لاحظنا غلبة اللغة الطائفية في المسألة السياسية، إضافةً إلى المسألة الكردية في التخطيط للدولة الكردية المستقلة، والتي يمكن أن تنفتح على كل الأكراد الموجودين في المنطقة. إننا نعتقد أن أميركا استطاعت إدخال العراق في دوامة من العنف لم يسبق أن دخلها بهذا الحجم، ففي الوقت الذي تتحدث عن الإرهابيين، نراها تشجع الإرهاب، لأنّ ذلك يساعدها على البقاء في العراق طويلاً، أضف إلى ذلك، أن بعض الدول العربية تساعد التكفيريين على القيام بالمجازر ضد المدنيين العراقيين، على أساس مذهبي تارة، وسياسي تارةً أخرى.   

 العراق أصبح البلد الذي يمثل الهزيمة الأمنية والسياسية بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية


س: يقول الرئيس بوش إنه حقق نصراً استراتيجياً على الإرهاب في العراق...

ج: مشكلة الرئيس بوش أنه بدأ حياته السياسية بالكذب الذي لا يخجل منه أمام الآخرين، وقد سمعناه مرات يتحدث عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وقد نقل عنه أنه يقول: لا تقولوا في هذا المجال إنني كذبت، ولكن لطِّفوا قليلاً من الكلمة بطريقة أو بأخرى! عقدة الرئيس بوش أنه يريد أن يقول للشعب الأميركي، وخصوصاً في معركة الانتخابات الرئاسية الآن، إنه حقق نصراً في العراق، ولكن حقيقة الأمر تُظهر أنه فشل هناك فشلاً ذريعاً، وتكبّد جيشه أكثر من أربعة آلاف قتيل، إضافةً إلى عشرات الألوف من الجرحى والمرضى. إن العراق أصبح البلد الذي يمثل الهزيمة الأمنية والسياسية بالنسبة إلى أميركا، وهي الآن تتخبط في حركتها السياسية في المنطقة لتحمِّل بعض الدول المجاورة للعراق مسؤولية ما يجري لجيشها هناك.

س: يُقال إنّ زيارة بوش إلى المنطقة في أيار المقبل، هي لتكريس قيام الدولة اليهودية، وهناك معلومات تقول إنه سيعلن نقل سفارة بلاده إلى القدس. هل إن هذه الخطوات ستدفع المنطقة نحو اتجاهات فاصلة ومكشوفة لا مجال فيها لأي نوع من أنواع التمويه؟

ج: أنا أعتقد أن كل ما يقال عن قضية نقل سفارة أميركا إلى القدس لا يغيِّر في القضية شيئاً، لأنّ أميركا مؤيدة تأييداً شاملاً ومطلقاً لإسرائيل في سياستها الرامية إلى تهويد القدس، سواء كان هناك سفارة أو لم يكن.

أما الدولة اليهودية، فقد أعلنها الرئيس بوش منذ زمن، وقد لاحظنا أن مرشح الحزب الجمهوري صرح أنه سينقل السفارة إلى القدس. إن المشكلة هي أن الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي يتفقان اتفاقاً تاماً في دعمهما لإسرائيل، ولكن هناك فرقاً في بعض المساحيق التجميلية التي يختلف فيها هذا الحزب عن ذاك، ولهذا أعتقد أن زيارة بوش هي زيارة وداع لإسرائيل ولبعض العرب الذين كانوا يلهثون وراءه، وهي بمثابة حفل التسلّم والتسليم التي يسلّم فيها السيد عبيده إلى شخص آخر.

س: ما هو العنوان الأنسب للوضع الفلسطيني الداخلي؛ هل أصبح الفلسطينيون يعيشون تحت لافتة عنوانها التسوية المستحيلة؟

ج: المشكلة هي أن ما يسمى بالسلطة الفلسطينية التي تتحرك من خلال منظمة التحرير، كانت تعيش وهماً كبيراً خلاصته أنّ عزلها للفصائل المجاهدة، ولاسيما حركة حماس، سوف يحقِّق لها النتائج الكبرى، لذلك إني أشك في حصول اتفاق فلسطيني ـ فلسطيني، ما دامت أميركا وبعض السياسات الأوروبية لا تريد أي دور لحركة حماس في السياسة الفلسطينية.   

 إيران أصبحت دولةً كبرى في المنطقة، وعلاقتها بسوريا تنطلق من المصالح المشتركة بين البلدين


س: هل أصبحت سوريا عنوان التمدد الإيراني في المنطقة؟

ج: أنا أعتقد أن امتداد الخطوط الإيرانية نحو المنطقة لم ينطلق من الموقع السوري، فإيران دولة إقليمية كبرى تحاول أن تنفتح على كل محيطها، وأنا لا أعتقد أن سوريا سوف تتحول إلى ساحة للانتشار الإيراني في المنطقة، لأنها تملك الكثير من حالات التوازن السياسي في المسائل العربية، لكن علاقتها بإيران هي علاقة استراتيجية، تماماً كما هي علاقات بعض العرب بأميركا التي يقولون إنها استراتيجية. إن إيران أصبحت دولة كبرى في المنطقة، وأصبحت تملك الكثير من القدرة العلمية التي خولتها تصنيع الكثير من السلاح المتطور وأشياء أخرى كثيرة، ولذلك أنا أتصور أن العلاقات السورية ـ الإيرانية هي علاقات تنطلق من المصالح المشتركة بين البلدين.

حاوره: نبيل المقدم

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 23 ربيع الأول 1429 هـ  الموافق: 31/03/2008 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية