أجرت صحيفة "الوطن العمانية" حواراً مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تناولت فيه الأزمة اللبنانية، وأبعاد المشكلة السنية الشيعية. وهذا نصّ الحوار:
س: بدايةً، نبدأ من الأزمة التي يشهدها لبنان على صعيد الانقسام الداخلي الشديد الحساسية، خصوصاً مع بروز محاولات توظيف العامل المذهبي لخدمة العوامل السياسية إقليمياً ودولياً، فهل إن تطييف المذهب الجعفري الذي أقرّه الأزهر مع المذاهب الأربعة، وهل إن عسكرة الشيعة، يضرّ بوحدة الإسلام؟
ج: في البداية، عندما ندرس الأزمة اللبنانية، لا نجد أنها تمثّل مسألة محلية، بل هي مرتبطة بالخطة الأمريكية التي تتحرك في تغيير منطقة الشرق الأوسط لحساب المصالح الاستراتيجية لأمريكا، وهذا ليس سراً، بل إن المسؤولين الأمريكيين على اختلاف تصريحاتهم يؤكّدون ذلك. ولهذا، فإنّ عقدة الأزمة وامتداداتها، تتحرك من خلال الموقف الأمريكي الذي يملك الكثير من العلاقات ببعض الفرقاء اللبنانيين الذين يريد منهم أن يقفوا مع مشروعه تحت عناوين محلية أو إقليمية.
ولذلك، فإنّ من الصعب جداً إيجاد أي حلّ لهذه الأزمة، سواء كان عربياً أو محلياً، إذا لم توافق أمريكا على الحل، فالعقدة هي أمريكية، وأعتقد أن هذا لم يعد سراً في الحسابات السياسية اللبنانية. أما مسألة تطييف الواقع اللبناني، فإنني أعتقده أمراً سخيفاً، لماذا؟ لأنه ليست هناك أية مشكلة بين السنة والشيعة، فعندما ندرس مسألة المعارضة، نجد أنّ المعارضة، سواء كانت تتمثل بحزب الله أو ببقية الفرقاء، هي ليست ضد حكومة سنية، لأنّ الحكومة ائتلافية تشمل كل الأطياف اللبنانية، كما أن المعارضة تشمل أيضاً الأطياف اللبنانية المتنوعة، ففيها الموارنة وفيها السنة وفيها الدروز كما فيها الشيعة.
وعندما ندرس المسألة في الوسط السياسي، نجد أنّ كون رئيس الوزراء سنياً لا يجعل المعارضة للحكومة معارضةً للسنة، لأنّه لو فرضنا أن الحكومة سقطت، فليس الشيعة هم مَن سوف يرث هذه الحكومة، كذلك الأمر بالنسبة إلى رئاسة المجلس النيابي، فكون رئيسه شيعياً لا يعني أنّ المجلس شيعي، وكذلك فإنّ مؤسسة رئاسة الجمهورية ليست للموارنة، ولكن الرئاسة هي للموارنة. من هنا، فإن إثارة المسألة المذهبية في طبيعة المسألة السياسية، يراد منها إيجاد حالٍ غرائزية لدى جمهور السنة، تحاول أن تقوي موقعاً من مواقع الزعامة السنية على أساس أنها الزعامة التي تحمي السنة في لبنان. ولكن كما قلنا، هذا أمر لا قيمة له. إن مسألة السنة والشيعة ابتدأت من مسألة الخلافة، وليس هناك من يتحدث الآن عن الخلافة، هل هي لأبي بكر أو هي للإمام علي(ع)؟!
لذلك، فإننا نعتبر أن إثارة المسألة السنية والشيعية في لبنان، هي جزء من المناخ الذي يُراد إيجاده في المنطقة في المسألة المذهبية، خصوصاً بالنسبة إلى العراق أو بالنسبة إلى الخليج، أو في علاقة الواقع العربي بالواقع الإيراني، لأنّهم يتهمون إيران بأنها تخطط لتشييع العالم السني وما إلى ذلك، مما لو درسه الإنسان دراسة دقيقة، لعرف أن هذا الكلام ليس له واقع، فإيران مهما بلغت قوتها، لا تستطيع أن تتحول إلى إمبراطورية على العالم الإسلامي والعالم العربي وما إلى ذلك، بل إنّ إيران دولة تملك بعض القوة كما تملكها الدول الأخرى في مناطق أخرى. أما قضية عسكرة الشيعة، فما الذي يضرّ العالم العربي والإسلامي؟! إن عسكرة الشيعة استطاعت أن تعطي العالم العربي والعالم الإسلامي انتصاراً لم يستطع هذان العالمان أن يحققاه ضد إسرائيل، سواء في سنة 2000 أو في سنة 2006. فالعسكرة الشيعية في لبنان لم تنطلق من أجل أن تتحرك في الصراعات الداخلية، بل انطلقت لتتحرك في مواجهة العدو الإسرائيلي، وهذا ما تتحدث به إسرائيل عندما يدور الصراع الداخلي فيما بين مسؤوليها، ليشيروا إلى أن حزب الله هو القوة التي تحسب إسرائيل حسابها في كل تخطيطاتها المستقبلية.
س: كيف يمكن فصل الخلاف السني الشيعي، في مفهومه التاريخي الفقهي، عن السياسة المعاصرة، والحؤول دون إنجاح المؤامرة؟
ج: أنا لا أعتقد أن هناك علاقة في ما يحدث بين الخلافات الفقهية والخلافات السياسية الراهنة. إنّ الشيعة هم مواطنون في العراق وفي الخليج وفي لبنان وفي بعض الأماكن بشكل محدود جداً. وعلى أساس ذلك فالشيعة ليست لهم مشاريع خاصة في مقابل الآخرين، بل إن الشيعة يريدون أن يعيشوا كمواطنين متساوين مع المواطنين الآخرين في الحقوق والواجبات، حتى إن الشيعة في العراق أو في البحرين، باعتبار أنهم يمثلون الأكثرية في هذين البلدين، لا يريدون إلا أن يعيشوا متساوين في الحقوق والواجبات مع مواطنيهم الآخرين، وأما ما يثيره الكثيرون من بعض المسؤولين في العالم العربي، انطلاقاً من السياسة الأمريكية في تعقيد المسألة الشيعية والسنية، فمردّها أن الكثيرين في العالم العربي أدمنوا اضطهاد الشيعة واعتبارهم مواطنين من الدرجة الرابعة والخامسة، كما نلاحظه في بعض الدول الخليجية، وكما لاحظناه في العراق سابقاً. ولذلك فإن الشيعة يصرِّحون بأنه ليس لهم مشروع خاص، ولا يريدون دولةً خاصةً بهم، بل يريدون أن يعيشوا في نطاق الدولة الموحّدة، ليحصلوا على حقوقهم ويمارسوا واجباتهم.
س: كيف يمكن قراءة العلاقة بين الدول العربية وإيران بمنظوريها التاريخي والمعاصر؟ وإلى أي مدى قد تنجح إسرائيل، ومعها السياسة الأمريكية الحاضنة لها، في تصوير إيران بلداً معادياً للعرب؟
ج: إنني أعتقد أن العلاقات الإيرانية العربية، ولاسيما العلاقات الإيرانية الخليجية، وفي مقدمتها السعودية، حاولت إيران أن تجعلها علاقات طبيعية، فهناك اتفاق أمني بين إيران والسعودية، وهناك مشاورات دائمة ولقاءات دائمة بينهما، وإيران تحاول أن تتحرك وفق الخطوات السياسية، وهي تحاول أن تقول للخليجيين إنّها لا تشكّل أي خطر عليهم، بل إنها مستعدة لأن تعقد اتفاقاً أمنياً معهم لحماية الخليج، من خلال معاهدة بينها وبين دول الخليج، وقد أكّدت إيران لدول الخليج أخيراً، حسب ما قرأناه في الإعلام، أن مشروعها النووي ليس مشروعاً عسكرياً، بل هو مشروع سلمي في هذا المجال.
وقد لاحظنا أخيراً الزيارات المتبادلة بين إيران والسعودية وبعض الدول الأخرى، وهي زيارات تحمل دلالة بأن الخطة الأمريكية الهادفة إلى تعقيد علاقات إيران بالعالم العربي، ليست بهذا المستوى من النجاح، بل ربما تكون سيطرة أمريكا على بعض الدول العربية والضغط عليها، يمثلان نوعاً من أنواع النجاح في هذه الخطة، لكن الدول العربية تعرف جيداً ما صرّح به أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى أخيراً، وما صرّح به محمد البرادعي أخيراً، بأن أية حملة عسكرية ضد إيران من قِبَل أمريكا أو من قِبَل إسرائيل، سوف تتحول إلى كارثة على المنطقة، لأن إيران عندما تقوم بالدفاع عن نفسها، فقد تضطر إلى أن تحرق الواقع الخليجي بطريقة وبأخرى، لا ضد دول الخليج، بل ضد القواعد العسكرية الموجودة في الخليج بطريقة وبأخرى.
نحن لا نقول إن إيران هي أقوى من أمريكا، ولكن إيران تملك الوسائل التي تدافع بها عن نفسها. ومن الطبيعي جداً أن أمريكا تملك جيشاً كبيراً في العراق، وتملك قواعد عسكرية، وقد تدخل كلها في ساحة الصراع بين إيران وبين أمريكا عندما تصل المسألة إلى الحرب.
س: لماذا يُحكى عن الهلال الشيعي؟
ج: هذه خرافة سياسية، فالهلال الشيعي يتمثل في الادّعاء بأنّ هناك مشروعاً سياسياً وحدوياً يحاول أن يجمع إيران والعراق وبعض لبنان وربما سوريا، لأنهم يحسبون العلويين على الشيعة. وهذا أمر ليس له أي أساس في الواقعية السياسية، فنحن نعرف أنّ العراقيين ليسوا مستعدين لأن يكونوا جزءاً من مشروع تكون إيران قائدةً له، كما أنه ليس هناك أية واقعية لأن تدخل سوريا في هذا الهلال الشيعي، أو أن يدخل فيه الشيعة اللبنانيون الذين لا يرتضون بغير لبنان وطناً.
س: هل هذا يرتبط بالهوية العربية؟
ج: الشيعة في العراق هم عرب، كما أنّ الشيعة في لبنان وفي الخليج هم عرب أيضاً، ولذلك ليس هناك ما ينتقص من عروبة المسلمين الشيعة، في الوقت الذي ليس هناك ما ينتقص من إسلامهم، ولذلك فإن إطلاق مسألة الهلال الشيعي، هو إطلاق مشروع خرافي لا يُقصد منه إلا الإثارة تماماً، كما نجد أن الذي أطلق مسألة الهلال الشيعي من المسؤولين العرب، صرّح أيضاً بأنّ هناك حرباً أهلية سوف تحدث في العراق وفي فلسطين وفي لبنان، ما جعل هذا التصريح يؤسس لهذه الفتنة بوسيلة وبأخرى.
س: كيف يمكن إبراز الصفات الحقيقية للدين الحنيف، بعيداً عن الصفات الهجينة التي تصدِّر طرائق القتل والعنف في الإسلام؟
ج: إننا نعتقد أن ما يطرح في الساحة السياسية تحت عنوان الإسلام، هو ليس إسلاماً، لأن مسألة تكفير المسلمين بعضهم لبعض، هو أمرٌ مخالف لكتاب الله وسنة رسوله، ولأن إثارة الكلمات والأحاديث الموجودة في كتب السنة وفي كتب الشيعة، هي إثارة لكلمات ماتت مع التاريخ، وإذا كان بعض العامة من السنّة أو بعض العامة من الشيعة يتحدث ببعض السلبيات، فإنها لا تمثّل الانطلاقة الفكرية الثقافية الجديدة التي يحملها الشيعة في تصورهم للإسلام، كما يحملها مفكرو السنّة في تصورهم للإسلام.
إنني أعتقد أن على الشيعة والسنة أن يدرسوا الإسلام في خطه الحضاري، ليعرفوا المشكلة التي يواجهونها ليست هي مشكلة السنة ضد الشيعة، وليست هي مشكلة الشيعة ضد السنة، بل هي مشكلة المسلمين ضد المستكبرين الذين يريدون تدمير الإسلام، وهذا ما لاحظناه في خطط الرئيس الأمريكي، ولاحظناه عندما سقط الاتحاد السوفياتي، عندما تساءل قادة الحلف الأطلسي من هو العدوّ الجديد، وقامت رئيسة الوزراء البريطانية "مارغريت تاتشر" تقول: إن العدو الجديد هو الإسلام الذي يمثل خطراً على مصالح الغرب. كما أن أمين عام الحلف الأطلسي تحدث بمثل هذه اللغة. إن مشكلة المسلمين في ثقافتهم وفي سياستهم وفي اقتصادهم وفي أمنهم، هي مشكلة الاستكبار العالمي الذي يريد مصادرة الواقع الإسلامي كله، وأما الحديث الذي أثير أخيراً، من أن هناك حركة شيعية تريد تشييع السنة، فهو أمرٌ لا يمثل أية ظاهرة.
إننا ندعو كل هؤلاء، ولاسيما سماحة الأخ الشيخ القرضاوي، أن يقدّموا لنا إحصائيةً دقيقةً لهذه الظاهرة، لأننا لا نعرف أن هناك ظاهرة في الخط الشيعي لتشييع السنة، ربما تحدث هناك بعض القضايا الفردية، كما أننا نلاحظ أن بعض السنة قد يقنع بعض الشيعة بالتسنّن، ولكنّها تبقى في هذه الدائرة ولا تتخطّاها. وأما الحديث عن أن الشيعة ينشرون كتبهم التي تستهدف عقيدة السنة، فإننا نجد أن هناك المليارات التي تصرف من قِبَل بعض دوائر السنة وبعض المسؤولين بشكل رسمي لنشر كتب تكفّر الشيعة، وكتب تتحدث عن عقائد الشيعة وما إلى ذلك.
لذلك نحن نتحدّى، وبكل محبة، ونطلب أن يقدموا لنا إحصائية فيما يتحدثون عنه من وجود هذه الظاهرة في الجزائر أو في سوريا أو في السودان أو ما إلى ذلك. إننا نتحدّى بمحبة ونقول لهم، ولاسيما للعلماء الذين نريدهم أن يكونوا وحدويين، نقول لهم: {
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.
صحيفة "الوطن العمانية"، 13/3/2007م
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 23 صفر 1428 هـ الموافق: 13/03/2007 م