العلاّمة فضل الله للوفاق:
لإيران دور متوازن وفاعل في لبنان
تناولت صحيفة "الوفاق" في حوار خاص مع العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، أهم الملفات الإقليمية والعالمية، منها الشأن اللبناني والعراقي والفلسطيني والإيراني، وأهم التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي. وقد أشار سماحته إلى إن الأزمة اللبنانية هي جزء من أزمة المنطقة التي تديرها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، والتي جعلت من لبنان ساحةً مفتوحةً لتحريك مشاريعها، ولاسيما مشروع الشرق الأوسط الجديد. وقال: إن لإيران دوراً متوازناً و فاعلاً في لبنان. وقد جاءت المقابلة مع سماحته كما يلي:
عوامل الفتنة في العالم الإسلامي
س: مَن يقف وراء المساعي الرامية إلى إثارة الفتنة في العالم الإسلامي، وخصوصاً في العراق؟
ج: إن إثارة الفتنة بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي، ربما كانت ناشئةً في حركة الواقع الإسلامي، من التراكمات التاريخية المثيرة التي حركت الانفعال المذهبي، وحوّلت الانتماء إلى هذا المذهب أو ذاك إلى عصبية عمياء، بحيث وصلت المسألة إلى حدّ تكفير بعض الأطراف لأطراف أخرى، انطلاقاً من التزام كل فريق ببعض الاجتهادات الثقافية في فهم الكتاب والسنة، إذ قد يفهم البعض أيةً قرآنية فهماً يعتبره هو الحقيقة الإلهية، بحيث إذا أنكر الآخر هذا الفهم اعتبر ذلك إنكاراً لكتاب الله، وكذلك إذا اختلف معه في توثيق حديث مروي عن النبي(ص)، فأنكره الآخر، عدّ ذلك اعتراضاً على رسول الله(ص) وجحوداً بالسنّة، فيؤدِّي ذلك إلى التكفير المتبادل... وربّما يتمثّل هذا الواقع ببعض الأفكار والعقائد التي تنطلق في تقديس الأشخاص، مما قد يراه الآخرون غلوّاً في العقيدة، وانحرافاً عن الإسلام في التفكير، بينما لا يراه أصحابه في هذا المستوى.
وقد نلاحظ أن العصبية لهذا المذهب أو ذاك، أو لهذا الاجتهاد الكلامي أو ذاك، تمنع من الدخول في عملية حوار، سواء بين المذاهب المختلفة، أو في داخل المذهب الواحد.
ولعل الخطورة الكبرى في هذا الموضوع، أن المسألة لم تقتصر على الجدل حول هذه الأمور بين العلماء، بل إنها امتدت إلى العوام من الناس في الواقع الشعبي، ما حوّل المشاعر النفسية لديهم إلى مشاعر حقد وبغضاء ضد المسلمين الآخرين الذين يختلفون معهم، وربما أخذوا يفضلون الكافرين عليهم، وقد تجذّرت هذه الحالة في نفوس المسلمين من أهل المذاهب، حتى تعقدوا من الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، باعتبارها انحرافاً عن الخط الإسلامي في الدائرة المذهبية، حيث خُيِّل إلى البعض أن هذه الدعوة تهدف إلى أن تحوّل الشيعي إلى سني أو العكس. وقد نجد في هذا النوع من التراكم التاريخي السلبي، أنّ بعض الفتاوى تحرّم الزواج بين أبناء المذاهب المختلفة والأكل من ذبائحهم... كما حدث في علاقات مذاهب السنة بعضهم ببعض، أو بين السنّة والشيعة في حالاتٍ أخرى، وربما حدث ذلك بين بعض الاتجاهات المذهبية لدى الشيعة فيما بينهم.
إن هذا الواقع خلق أجواء تعصّب امتدت إلى الأجيال المتعاقبة، بحيث هيّأت المناخ الملائم للفتنة من قبل الذين يخططون للعبث بالأمة الإسلامية، من خلال جهات سياسية إقليمية ودولية ومحلية تتحرك من أجل تدمير الواقع الإسلامي والسيطرة على مقدراته الاقتصادية والسياسية والأمنية، وإسقاط الأصول الإسلامية الأساسية التي تدعو إلى الانفتاح على الحوار، والرجوع إلى الله والرسول فيما يختلف فيه المسلمون أو يتنازعون في الالتزام بمضمونه.
وقد نشأت في بلاد المسلمين بعض الاتجاهات السلفية المتعصبة التي تصدر الفتاوى بقتل المسلمين من غير السلفيين، ولاسيما الذين ينتمون إلى المذهب الشيعي، اتهاماً لهم بالشرك والكفر والارتداد، وهو ما يتخذونه مبرّراً لقتلهم بشكل وحشي، كما يحدث الآن في العراق، حيث ينطلق الانتحاريون منهم في تفجير أنفسهم بالمدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، أو قصف منازلهم تقرباً إلى الله، وذلك بحسب التعاليم التي يزودهم بها الذين يصدرون لهم الفتاوى، وربما يخّيل إلى بعضهم أنّ قتال هؤلاء المسلمين أفضل من قتال الكافرين، بمن فيهم المحتلون، ولذلك نرى الضحايا من المحتل أقل بكثير من ضحايا المسلمين...
ولم يقتصر الأمر في هؤلاء على قتال المسلمين الشيعة، بل امتد إلى قتال المسلمين من أهل السنّة الذين يختلفون معهم في الرأي أو في الموقف السياسي... وقد استغل الاحتلال الأمريكي هذا الواقع التكفيري في العراق، فاستفاد منه في اللعب على الأوضاع السلبية هناك، حيث خطط لإثارة الفتنة المذهبية التي أراد لها أن تحرق الواقع العراقي لتمتد إلى مناطق العالم الإسلامي، من خلال توظيف الإعلام لتكريس التناحر المذهبي، والتركيز على مسؤولية المذهب الشيعي في شكل خاص عن المجازر، لإيجاد حالة نفسية معقدة ضد هذا المذهب الذي سقط عشرات الآلاف من أفراده من قِبَل التكفيريين... كما لا يتورع الإعلام الذي يدور في فلك الاحتلال في العالم العربي أو الإسلامي، وحسب ما تمليه مصالح الاحتلال، عن التلاعب بالوقائع ليحول الضحية إلى مجرم، والمجرم إلى ضحية، متجاهلاً التاريخ الإجرامي لبعض هؤلاء التكفيريين الذين بدأوا بقتل بعض المسلمين في أفغانستان من خلال العقدة العمياء ضد انتمائهم المذهبي.
إن الجواب عن السؤال الذي طرحته، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية، في إدارتها الحالية، هي التي خططت وتخطط لإثارة القضية المذهبية في مستوى الفتنة، مستفيدةً من طروحات التكفيريين وممارساتهم، لأن ذلك يخدم استمرار احتلالها للعراق.
مشكلات العالم الإسلامي
س:كيف تنظرون إلى مكانة العالم الإسلامي ووضع المسلمين في العالم؟ وهل يمكن اعتبار حوار الأديان أحد السبل لحل الأزمات العالمية؟
ج: المشكلة هي أن مصطلح العالم الإسلامي لا ينطبق على الواقع الذي يتمثل في بلاد المسلمين التي تسكن فيها الجماعات المنتمية إلى الإسلام، لأن هذه البلدان لا تلتقي مع بعضها البعض بما يمثّل الوحدة، وذلك نتيجة الانفصال السياسي والاقتصادي والتعقيد الأمني فيما بينها، فكل واحدة منها تتحرك باستقلال عن الأخرى، ولذلك استطاع الاستكبار العالمي أن يسيطر على مقدراتها ليحوّلها إلى هامشٍ سياسي أو اقتصادي أو أمني تابع له، وهو ما لا يجعل لها علاقة بالإسلام من الناحية العامة، بل مجرد بلاد يسكنها المسلمون من دون أن يخضع قانونها للإسلام فكراً وشريعة وحركة علاقات...
يضاف إلى ذلك أنّ منظمة المؤتمر الإسلامي لم تستطع أن تخلق كياناً توحيدياً يجمع بلاد المسلمين في محور واحد، بالمعنى الذي يثير الاهتمام العملي بالقضايا الإسلامية الحيوية والمصيرية، لأن الانتماء السياسي الذي تلتزمه هذه البلدان، يجعلها خاضعةً للولايات المتحدة الأمريكية في قراراتها المتنوعة التي لا تنسجم مع المصالح الإسلامية، بل تنسجم مع مصالح أمريكا، كما أنّ المندوبين الأمريكيين يجلسون في المواقع الخلفية لهذا المؤتمر أو ذاك، للإيحاء للمؤتمرين بما يريدون لهم أن يتوافقوا عليه، تماماً على طريقة الوسواس الخناس، فلا يحصل المسلمون على أية نتيجة إيجابية كبرى من خلال ذلك.
وهذا ما جعل الآخرين في أمريكا وأوربا لا يحترمون مكانة العالم الإسلامي، لأنه لا يملك الاستقلال والوحدة في قراراته في الأمور الاستراتيجية، كما أنّهم لا يرون لهذا العالم أيّ دور في المشاركة في قرار العالم، بالرغم من العدد الهائل لمواطني العالم الإسلامي الذي يقارب المليار والنصف، بل إننا نلاحظ أن هناك اتجاهاً لتقسيمه بين متطرف معارض للاستكبار، ومعتدل مؤيد له ولحليفته إسرائيل. هذا إضافةً إلى أن المشاكل المعقدة التي تحصل في بلدان العالم الإسلامي، يعمل على تكريسها وعدم السماح بحلّها على المستوى الإسلامي، بل نرى الآخرين هم الذين يعالجونها سياسياً وأمنياً واقتصادياً، إضافةً إلى التحكّم في الأوضاع الأمنية القتالية التي تصل فيها التوترات الخطيرة إلى حدّ التقاتل بين فريق وفريق، فضلاً عما يعانيه هذا العالم الإسلامي من الاحتلال الذي تفرضه عليه أمريكا من جهة، وحلف الناتو من جهة أخرى...
ولا تزال المسألة الفلسطينية المعقّدة منذ عقود، تعاني من سياسات الاحتلال الصهيوني المتحالف مع الموقف الأمريكي الاستراتيجي، من دون السماح للعالم الإسلامي بالدخول إلى هذا الموقع من أجل إنقاذ الشعب الفلسطيني، بل إن التخطيط الأمريكي ـ الأوروبي ينطلق من أجل إبقاء المشكلة في طور التعقيد، حتى لا تصل القضية إلى مستوى إنقاذ الفلسطينيين. لقد فقد المسلمون مكانتهم في العالم بفعل غياب الوحدة الإسلامية بين جماعاتهم، حتى إن ثرواتهم الطبيعية التي يتوقف عليها رخاء العالم الغربي، لا يستطيعون التصرف فيها بحرية، سواء على مستوى تصنيعها أو تسويقها أو توظيفها لرفع المستوى الاقتصادي، بل إن الأرصدة الحاصلة منها مدفونة في المصارف الأمريكية التي تستغلها لمصالحها الاقتصادية الخاصة.
أما المسلمون كشعوب، فإن الفتن المذهبية من جهة، والعرقية من جهة أخرى، والإقليمية الضيقة من جهة ثالثة، تحاصرهم وتمزق وحدتهم، وتفصل بين قضاياهم الحيوية، إلا في بعض الحالات العاطفية التي قد تثيرها بعض التحديات بين وقت وآخر، من دون أن تتحول إلى أفكار وسياسات تؤسس لمواقع تجعل الآخرين يحترمون مواقفهم، كما حدث في الردّ على مسألة نشر الصور المسيئة إلى النبي(ص) وأمثال ذلك.
إن المسلمين لا يملكون الموقع الاستراتيجي في المشاركة الفعلية في عملية صنع القرار في العالم الإسلامي، بل إن الآخرين من قوى الاستكبار هم الذين يخطّطون لصنع القرار في البلاد الإسلامية في كافة قضاياهم، حتى إنهم استخدموا الأمم المتحدة، ولاسيما مجلس الأمن، لإصدار القرارات الكثيرة ضد مصالح الواقع الإسلامي، وأدخلوا الواقع الإسلامي في مسألة الحرب على الإرهاب، واتّهموا الإسلام بأنه دين العنف. لذلك تحركوا للضغط على أكثر من بلد إسلامي من الناحية الأمنية والمخابراتية والسياسية انطلاقاً من هذا العنوان، الأمر الّذي جعل المسلمين يتساقطون تحت تأثير الأزمات الخانقة التي تصادر الأمن كلّه، والاقتصاد كلّه.
أما حوار الأديان، فلم يتحرك بطريقة جدية في مستوى العالم، بل إنّه تمثّل في بعض اللقاءات المحدودة التي لا تحقق أية نتيجة على مستوى اللقاء الديني الثقافي أو الانفتاح الاجتماعي في مسألة التعايش السلمي، الّذي يحترم فيه أتباع هذا الدين أتباع الدين الآخر، إضافةً إلى التعقيدات الحاصلة من التبشير المضاد الذي قد يؤدي إلى مشاكل كبرى وتجاذبات سياسية في البلدان المختلطة التي يعيش فيها المسلمون والنصارى أو اليهود مع بعضهم البعض، ما قد يخلق بعض المشاكل الحادة الّتي قد تؤدي إلى التقاتل والتقاطع.
وعلى ضوء هذا، فإنه لا يمكن اعتبار حوار الأديان أحد السبل لحل الأزمات العالمية، لأن مشكلة الصراع في العالم ليست مشكلة اختلاف الأديان في مضمونها الديني في مسائل العقيدة والمفاهيم، ففي هذا المجال، يمكن إجراء مقاربة بين الأديان على أساس القضايا المشتركة لاكتشاف المشترك الإنساني بين الناس الذين تختلف أديانهم، بدلاً من الحالات الحادّة المتشنجة.
أما حوار الحضارات، فإنّه قد يساهم في إيجاد حالة من التقارب بين الشعوب التي تختلف في التزامها الحضاري، كما هو الحال بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، بحيث يعالج مسألة سوء الفهم الناتج من النظر إلى الآخر من خلال أحكام سلبية مسبقة، وذلك بالانفتاح على مواقع اللقاء، وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة من خلال الحوار المتنوع، ولكن المشكلة هي أن الواقع السياسي المستكبر لا يتحرك في علاقته بالمسلمين من خلال حوار الحضارات، بل من خلال القوة المستعلية المستكبرة التي تعمل لمصادرة أوضاعهم بالسيطرة على مقدراتهم الاقتصادية والسياسية والثقافية.
س: أنتم دعوتم إلى حوار شيعي ـ سلفي. في رأيكم، كيف ستكون نتائج مثل هذه الحوارات؟
ج: لقد جاءت الدعوة المذكورة في سياق الدعوة إلى حوار إسلامي ـ إسلامي يشمل المذاهب الإسلامية كلّها، على مستوى ما تختلف فيه من نظريات علم الكلام في قضايا العقيدة، كالتوحيد والنبوة والإمامة والقرآن ودور العقل في الحسن والقبح، أو من نظريات الفقه الإسلامي في تشريعاته واجتهاداته... ومن هنا، أطلت دعوتنا الحوارية إلى المذهب السلفي الذي هو مذهب كلامي في الأصل، والذي يثير في رؤيته الكثير من الجدل في قضايا الشرك والتوحيد والإيمان والكفر، ونحو ذلك... وقد تلقينا بعض الردود الإيجابية من البعض، وبعض الملاحظات السلبية من بعض السلفيين ومن غيرهم، ممن يرون أنّ هذه الدعوة غير واقعية، أو ممن يرفضون الحوار في وجهات النظر المختلفة، لأنهم يرون أن الحق معهم وأنّ الباطل مع الآخرين، ما يفرض تنازل الآخرين عن أفكارهم لتنتهي المشكلة.
إننا نؤمن بالحوار بين الإنسان والإنسان الآخر؛ بين المؤمنين والكافرين، وبين المسلمين وأهل الكتاب، وبين المسلمين بعضهم مع بعض، لأنّ ذلك هو المنهج القرآني الأصيل الذي يؤدي إلى التقارب في الفهم والموقف الواحد. ولكن التعقيدات المرتكزة على العصبية المذهبية أو الطائفية العمياء، قد تعيق عملية الحوار، ولاسيما أن قوى الاستكبار العالمي لا تزال تتدخل من خلال بعض الأمور السلبية لاستغلال التراكمات التاريخية المتجذرة في الوجدان الإسلامي لإثارة الفتنة بين المسلمين ومنعهم من التلاقي، خصوصاً في ظلّ وجود جهاتٍ دينية متنوعة تحمل قناعات تكفيرية أو توظّف الحالات المثيرة للانفعال في أساليب السب والشتم للمقدسات من جهة، وفي بعض أفكار الغلوّ من جهة أخرى، من موقع التخلف الذاتي الذي يحاول التنفيس عن العقدة لا الوصول إلى نتائج إيجابية تحقق الوحدة بين المسلمين.
أبعاد الأزمة اللبنانية
س: بعد مضي عدة أشهر على الأزمة الحالية في لبنان، إلى متى ستستمر هذه الأزمة؟ وهل هناك أي تطلع إيجابي إلى نهايتها؟
ج: إن مشكلة الأزمة اللبنانية، هي أنها جزء من أزمة المنطقة التي تديرها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، والتي جعلت من لبنان ساحةً مفتوحةً لتحريك مشاريعها، ولاسيما مشروع الشرق الأوسط الجديد، واعتبار لبنان موقعاً من مواقع سلامة الأمن القومي الأمريكي، وساحةً لإدارة الصراع بينها وبين أكثر من دولة إقليمية في المسألة السياسية، ولاسيما إيران وسوريا والمقاومة في فلسطين ولبنان، هذا إضافةً إلى التزامها أمن إسرائيل التي لا تريد لأي فريق من أفرقاء الممانعة والمقاومة أن يشكل أي تهديد حالي أو مستقبلي لها، وهذا ما لاحظناه في المشاركة الاستراتيجية والعسكرية بين أمريكا وإسرائيل في عدوان إسرائيل على لبنان في تموز من أجل إسقاط المقاومة ونزع سلاحها، مما انهزمت فيه الدولتان في تحقيق أهدافهما العدوانية.
إن الأزمة سوف تبقى مستمرةً ما دامت أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون وفريقهما اللبناني لا يريدون للمعارضة أن تحصل على أي مكسب سياسي في عملية الصراع، وهذا ما نواجهه في الجدل الدائر في ساحة الأزمة، حول انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، الذي تريده أمريكا وفريقها في لبنان شخصاً يدير سياستها ويتبنى مواقفها ويخطط لمستقبلها السياسي في هذا البلد.
س: كيف تقيّمون الأخبار التي نشرت عن مساعي صهيونية لضرب لبنان وسوريا مجدداً، وخصوصاً بعد التعرض الجوي الصهيوني لسوريا؟
ج: ليست هناك، بحسب الظروف الحاضرة، أية فرصة لإسرائيل في ضرب لبنان وسوريا مجدداً، بل إنّ المسألة تتحرك في اتجاه الحرب النفسية، حتى في مسألة الغارة على سوريا التي كانت تجربةً صهيونيةً لعرض العضلات في عملية استعراضٍ للقوة، كما أن أمريكا، التي لا تخوض إسرائيل أي حرب إلاّ معها أو بموافقتها، ليست لها أية مصلحة في ذلك، لأنّ الحرب تسيء إلى خطتها الاستراتيجية بالنسبة إلى موقعها الاحتلالي في العراق، وحاجتها تالياً إلى العلاقة مع سوريا وإيران، كما أن الحرب الإسرائيلية في لبنان قد تخلط الأوراق في الدولة العبرية، وخصوصاً أنها لا تملك شروط تحقيق الانتصار، بما يحدث تغييراً في الأوضاع المعقدة في هذه المنطقة.
دور إيران الإقليمي
س: كيف تقيّمون دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الساحة اللبنانية؟
ج: إنني ألاحظ أنه دور متوازن فاعل من خلال علاقتها بحزب الله من جهة، وببعض أطراف المعارضة اللبنانية من جهة أخرى، وبالشعب الجنوبي والبقاعي الذي يقدر لها مساعدتها في مواجهة آثار العدوان، ولكنّ هناك جهات معقدة تابعة للسياسة الأمريكية ـ الإسرائيلية تحاول إثارة الشكوك حول الموقف الإيراني، ولكن من دون أيّ دليل... وقد يرى بعض المحللين السياسيين في السعي الإيراني الرسمي والجدي للتدخل إيجابياً في حل الأزمة اللبنانية مع السعودية أو فرنسا، دوراً فاعلاً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكن الحركة الأمريكية تعمل على تعطيل هذا الدور بسبب صراعها مع إيران.
س: هل هناك أي تأثير لمؤتمر الخريف على الوضع الفلسطيني؟ وكيف تقيّمون دعوة القيادة الإيرانية إلى مقاطعة هذه المؤتمر؟
ج: أنا لا أعتقد أن مؤتمر الخريف سوف يخرج بنتائج جيدة لصالح الوضع الفلسطيني، لأن إسرائيل ـ ومعها أمريكا ـ لم توافق على تحديد جدول زمني لتنفيذ الوثيقة المشتركة التي يراد تقديمها للمؤتمر من قِبَل المفاوض الفلسطيني والإسرائيلي. وقد وافقت أمريكا على هذا الرفض للتحديد الزمني، واعتبرت أن المسألة خاضعة لحركة التفاوض بين الطرفين، في الوقت الذي تعرف أن أكثر أوراق القوة في حال المفاوضات، هي بيد إسرائيل التي لا تمنح السلطة الفلسطينية أية مكاسب في مطالبها الوطنية، فقد بادرت إلى اعتبار القدس مدينة موحّدة، بما فيها المسجد الأقصى، عاصمة أبدية لإسرائيل، وأصرّت على بقاء المستوطنات الكبرى والجدار الفاصل ورفضت عودة اللاجئين، وسيطرت على مصادر المياه، إلى غير ذلك من الأمور التي تعتبرها السلطة الفلسطينية قضايا حيوية مصيرية، وذلك بالتزامن مع ما تصرّح به أمريكا من أنها لا تضغط على إسرائيل بما لا تريد الموافقة عليه مما لا يتوافق مع مصلحتها...
أما العرب اللاهثون وراء إسرائيل في هذا المؤتمر، فإنهم بدأوا يثيرون الشك في جدواه. ويتحدث البعض عن التردد في حضوره، لأن المطلوب من هذا المؤتمر أمريكياً هو إيجاد حالةٍ تطبيعية بين الدول العربية ـ حتى التي لم تصالح إسرائيل ـ وإسرائيل قبل الوصول إلى ما يسمى عملية السلام، لذلك فإن الخطة الأمريكية تمنع الفلسطينيين من تحقيق الوحدة الوطنية بالتوافق بين فتح وحماس والفصائل الجهادية الأخرى، ومن بقاء الانتفاضة التي تمثل الردّ القوي على العدوان الإسرائيلي...
إن هذا المؤتمر الدولي سيكون لمصلحة إسرائيل جملةً وتفصيلاً، لا لمصلحة الشعب الفلسطيني، وسوف يكون الحضور العربي الرسمي شاهد زور. ونحن نقدر دعوة الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى مقاطعة هذا المؤتمر، وكنا قد دعونا إلى ذلك منذ انطلاقة الدعوة إليه، لأننا لا نرى فيه خيراً سياسياً وتحريرياً للشعب الفلسطيني، بل خديعة إسرائيلية وأمريكية للعب على قضاياه الكبرى.
س: كيف تنظرون إلى مشروع تقسيم العراق وأهداف هذا المشروع؟ وما هي سبل مواجهته وإفشاله؟
ج: إننا نرفض تقسيم العراق الذي تحدث به ودعا إليه بعض السياسيين الأمريكيين في الكونغرس، لأنه ضد مصلحة الشعب العراقي الذي نرى أن وحدته هي التي تمنحه القوة، ونرى أن هذه الدعوة التقسيمية قد تكون خطوةً أولى لتقسيم المنطقة إلى مناطق على أساسٍ عرقي ومذهبي، بحسب البرنامج الإسرائيلي في تقسيم المنطقة العربية والإسلامية، لإضعاف قوتها وتفتيت وحدتها، لتبقى الأقوى في سيطرتها على مقدرات المنطقة. نحن منذ البداية رفضنا ما طرح من تطبيقٍ للفيدرالية في العراق، والذي رُفع في مؤتمر المعارضة العراقية الأول، لأن الحاجة إلى الفيدرالية إنما تكون في الدولة المقسمة في مناطقها، لا في الدولة الموحدة، كما هو الحال في العراق.
س: كيف تنظرون إلى التهديدات الأمريكية والغربية ضد الجمهورية الإسلامية؟
ج: إننا نعتقد أن التهديدات الأمريكية والغربية بالحرب ضد الجمهورية الإسلامية، تمثل حرباً إعلامية نفسية، لأن أمريكا وحلفاءها يدركون جيداً أن إيران تملك القدرة على مواجهة هذه الحرب بقوة كبرى، وأن المنطقة الخليجية التي تمثّل موقعاً متقدماً للمصالح الأمريكية، سوف تحترق بفعل هذه الحرب، كما أن إسرائيل التي تدفعها أمريكا إلى القيام بقصف المواقع النووية الإيرانية بالطائرات المتقدمة، مثل أف 35 التي لا يكتشفها الرادار وأمثالها، سوف تواجه الدمار بالصواريخ الإيرانية المتطورة.
إن الحرب على الجمهورية الإسلامية سوف تكلف أمريكا الكثير من الخسائر في المنطقة، ولاسيما من خلال وجودها العسكري في العراق، والذي قد يحوّل جنودها إلى رهائن لدى إيران.
لقد استطاعت إيران أن تأخذ بأسباب القوة التي لن تملك أمريكا أية فرصة لإسقاطها، ولاسيما أن الشعب الإيراني ينطلق موحداً أمام الخطر العدواني الخارجي.
م
كتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 23 شوال 1428 هـ الموافق: 03/11/2007 م