يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، وهو يخاطب الَّذين آمنوا من عباده: {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}(النساء: 135).
تندرج هذه الآية المباركة في سياق الآيات التي تؤكّد أنّ على المؤمنين صياغة شخصيّتهم الإسلاميّة على أساس العدل، ليكونوا الصورة الحقيقيّة للعدل في كلّ ما يتحرّكون به في واقعهم العمليّ، سواء مع الأقربين من الناس، أو مع الأبعدين منهم.
والعدل هو الهدف الكبير للحياة في تطلّعات الإسلام وأهدافه؛ حيث قال تعالى في آية أخرى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}(الحديد: 25)، وقد بيّن سبحانه فيها، أنّ الهدف من إرسال الرسل والرسالات إنّما هو قيام الناس بالقسط، وهو العدل.
{يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}، أي كونوا قائمين بالعدل؛ بأن تجعلوا حياتكم قياماً به، من أجل أن يستوعب كل علاقاتها ومعاملاتها وأعمالها وأقوالها، بحيث تتحول كل نشاطاتكم إلى حركة دائبة في هذا السبيل.
{شُهَدَآءِ للهِ} لا للعاطفة، ولا للمزاج، ولا للمصلحة أو للطمع، وذلك بأن تواجهوا الواقع الموضوعي كما هو، من خلال ما ترونه وما تسمعونه، بعيداً من أيّ مؤثراتٍ أخرى، على أساس أنَّ دور الشَّهادة هو أن يكشف الحقيقة، لتكون أساساً للعدل الَّذي هو - في محتواه - لله.
{وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ}، لأنَّ الله أقرب إلى الإنسان من نفسه، فلا ينظر في شهادته مصلحة نفسه ورضاها، بل مصلحة العدل الَّذي يلتقي به رضا الله.
{أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ}، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا قيمة للعلاقات الشخصية أمام العلاقة بالله، لأنّ أيّاً من هذه العلاقات ينتهي عند حدود رضاه. وتلك هي قصَّة القيم الكبرى في الحياة، فإنها تتقدَّم كلَّ شيء مهما كانت عظمته، لتكون الأشياء كلّها في خدمتها، ولتكون هي بدورها في خدمة الإنسان في دوره الحقيقي أمام الله، وبذلك تتصاغر العواطف والمشاعر لتتحوَّل إلى هواء ودخان، لتبقى للحياة عناصرها الأساسيَّة الدَّائمة.
{إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً}، فلا يفكِّر الإنسان - أمام خطّ العدل - في أن يشهد لمصلحة الغنيّ لغناه، أو ضدّ مصلحته من أجل العقدة الذاتيَّة تجاهه، أو يشهد للفقير على أساس العاطفة التي تتفاعل إنسانياً وعاطفياً مع مظاهر الفقر وآلامه، ما قد يوحي بالانحراف عن الحقّ.
{فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا}، فإنَّ الله هو الذي يتكفل بمصالح عباده برحمته التي تشملهم جميعاً؛ وتلك هي حكمته التي ارتكزت على أساس أنَّ الانحراف عن العدل، مراعاةً لبعض الخصوصيات، يسيء إلى المستفيدين منه في المستقبل أكثر مما ينفعهم.
{فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ}، بل اتَّبعوا الحقَّ الذي يقودكم إلى العدل، وتلك هي وصية الله التي يجب أن تلتزموا بها.
{وَإِن تَلْوُواْ}، أي تنحرفوا، {أَوْ تُعْرِضُواْ} عن السَّير مع وصايا الله وتعليماته، فستواجهون الموقف الصَّعب أمامه غداً يوم القيامة، {فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}، فلا تحاولوا أن تعتذروا بما لا مجال لقبول العذر فيه، لأنَّه إذا كان النَّاس من حولكم يعلمون ظواهر الأشياء من دون النَّفاذ إلى الأعماق، فإنَّ الله يعلم واقع هذه الأشياء وعمقها.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، وهو يخاطب الَّذين آمنوا من عباده: {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}(النساء: 135).
تندرج هذه الآية المباركة في سياق الآيات التي تؤكّد أنّ على المؤمنين صياغة شخصيّتهم الإسلاميّة على أساس العدل، ليكونوا الصورة الحقيقيّة للعدل في كلّ ما يتحرّكون به في واقعهم العمليّ، سواء مع الأقربين من الناس، أو مع الأبعدين منهم.
والعدل هو الهدف الكبير للحياة في تطلّعات الإسلام وأهدافه؛ حيث قال تعالى في آية أخرى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}(الحديد: 25)، وقد بيّن سبحانه فيها، أنّ الهدف من إرسال الرسل والرسالات إنّما هو قيام الناس بالقسط، وهو العدل.
{يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}، أي كونوا قائمين بالعدل؛ بأن تجعلوا حياتكم قياماً به، من أجل أن يستوعب كل علاقاتها ومعاملاتها وأعمالها وأقوالها، بحيث تتحول كل نشاطاتكم إلى حركة دائبة في هذا السبيل.
{شُهَدَآءِ للهِ} لا للعاطفة، ولا للمزاج، ولا للمصلحة أو للطمع، وذلك بأن تواجهوا الواقع الموضوعي كما هو، من خلال ما ترونه وما تسمعونه، بعيداً من أيّ مؤثراتٍ أخرى، على أساس أنَّ دور الشَّهادة هو أن يكشف الحقيقة، لتكون أساساً للعدل الَّذي هو - في محتواه - لله.
{وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ}، لأنَّ الله أقرب إلى الإنسان من نفسه، فلا ينظر في شهادته مصلحة نفسه ورضاها، بل مصلحة العدل الَّذي يلتقي به رضا الله.
{أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ}، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا قيمة للعلاقات الشخصية أمام العلاقة بالله، لأنّ أيّاً من هذه العلاقات ينتهي عند حدود رضاه. وتلك هي قصَّة القيم الكبرى في الحياة، فإنها تتقدَّم كلَّ شيء مهما كانت عظمته، لتكون الأشياء كلّها في خدمتها، ولتكون هي بدورها في خدمة الإنسان في دوره الحقيقي أمام الله، وبذلك تتصاغر العواطف والمشاعر لتتحوَّل إلى هواء ودخان، لتبقى للحياة عناصرها الأساسيَّة الدَّائمة.
{إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً}، فلا يفكِّر الإنسان - أمام خطّ العدل - في أن يشهد لمصلحة الغنيّ لغناه، أو ضدّ مصلحته من أجل العقدة الذاتيَّة تجاهه، أو يشهد للفقير على أساس العاطفة التي تتفاعل إنسانياً وعاطفياً مع مظاهر الفقر وآلامه، ما قد يوحي بالانحراف عن الحقّ.
{فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا}، فإنَّ الله هو الذي يتكفل بمصالح عباده برحمته التي تشملهم جميعاً؛ وتلك هي حكمته التي ارتكزت على أساس أنَّ الانحراف عن العدل، مراعاةً لبعض الخصوصيات، يسيء إلى المستفيدين منه في المستقبل أكثر مما ينفعهم.
{فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ}، بل اتَّبعوا الحقَّ الذي يقودكم إلى العدل، وتلك هي وصية الله التي يجب أن تلتزموا بها.
{وَإِن تَلْوُواْ}، أي تنحرفوا، {أَوْ تُعْرِضُواْ} عن السَّير مع وصايا الله وتعليماته، فستواجهون الموقف الصَّعب أمامه غداً يوم القيامة، {فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}، فلا تحاولوا أن تعتذروا بما لا مجال لقبول العذر فيه، لأنَّه إذا كان النَّاس من حولكم يعلمون ظواهر الأشياء من دون النَّفاذ إلى الأعماق، فإنَّ الله يعلم واقع هذه الأشياء وعمقها.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.