إنّها ذكرى ولادة إمامنا وسيّدنا حجَّة الله تعالى في الأرض، الإمام المهدي (عج)، فقد وُلد في اليوم الخامس عشر من شهر شعبان، ونحن نؤمن بالإمام (عج)، لأنّ رسول الله (ص) - مما رواه السنّة والشيعة معاً - تحدَّث عن أنه قال: "لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم، لبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً".
ولكن هناك اختلافاً في أنّ الإمام المهدي وُلِد أم لم يولد، الغالب من أهل السنّة يقولون إنه لم يولد، وبعضهم قال إنَّه وُلد، وهو محمد بن الحسن العسكري، ولكنَّ الشيعة متَّفقون على أنه وُلد، وأن الله تعالى حفظه وحماه عندما هجم جنود بني العباس على بيت الإمام العسكريّ (ع) بعد وفاته، حتى يروا من هو ولده، فيقضوا عليه وتنقطع الإمامة.
أمَّا مسألة الغيبة، فقد استُفيدت من أكثر من حديث من أحاديث الأئمَّة من أهل البيت (ع)، واستُفيدت من بعض أحاديث النبيّ (ص)، وهو أمر تسالم أتباع أهل البيت (ع) عليه، فلا يناقش فيه أحد، وغيبته (عج) هي غيب من غيب الله، كما أنَّ ظهوره هو غيب من غيب الله، ولا بدَّ لنا أن نُرجع الأمر في ذلك إلى الله تعالى، وأنَّ علينا أن ننتظره لنعدّ أنفسنا لنكون من جنده والسَّائرين على خطِّه والمستشهدين بين يديه، لأنَّ الإمام (عج) - على حسب ما وردت الأحاديث - يخرج من أجل أن يخوض معركة العدل العالميّ، ويحارب كلَّ الظالمين من أجل أن يغيّر الواقع العالمي من الظّلم إلى العدل، سواء الظلم العام أو الخاصّ.
لذلك، إذا كنا نفكّر بأن نكون من جنده والسَّائرين معه، فعلينا أن نربي أنفسنا على العدل، فليس من الطبيعي أن تكون جنديَّاً في معركة العدل وأنت ظالم، أو تعاون الظالمين وتبرّر لهم ظلمهم، لأنَّ معنى ذلك أنَّك ستكون في المعسكر الآخر، لأنَّ الإمام (عج) يحارب الظلم في واقع الظالمين، ويحارب الظلم في الذين يساعدون الظالمين ويبرِّرون لهم ظلمهم. لذلك، إذا أردت أن تكون من أنصار صاحب الزمان (عج)، عليك أن لا تظلم نفسك بالمعصية، وأن لا تظلم غيرك بالبغي والعدوان، فلا تظلم النَّاس حقوقهم، ولا تظلم أولادك بأن تتعسَّف معهم، ولا تظلم أبويك وزوجتك في حقوقها الإنسانيَّة والزوجيَّة، ولا تظلم الزوجة زوجها في حقوقه، أن لا تظلم الناس الذين تبايعهم وتشاريهم، وما إلى ذلك من الظلم العامّ، لأنّ مجتمعنا عندما يكون مجتمع الظالمين، فمعنى ذلك أننا سوف لن نكون معه، لأنَّ من يتربى على الظلم، كيف يكون مع قيادة العدل؟! وهذا ما واجهه أمير المؤمنين (ع) عندما أُبعد عن حقه، لأنَّ العصبيات هي التي كانت تتحكَّم في المجتمع الإسلامي، وهذا ما واجهه الإمام الحسين (ع) الذي بايعه ثمانية عشر ألف شخص في الكوفة من خلال سفيره "مسلم بن عقيل"، ولكن الكثيرين من هؤلاء خرجوا إلى حربه، لأنَّ "قلوبهم معه وسيوفهم عليه"، فقد تربوا تربية جعلوا فيها مصالحهم وأطماعهم هي الأساس.
نحن الآن مسلمون ونتبع أهل البيت (ع)، لماذا ننحرف ونثير الفتنة فيما بيننا؟ لماذا نساعد الظالمين ونبرِّر للمجرمين إجرامهم إذا كانوا من أقربائنا وأهلنا؟ لأنَّ الهدف في الحياة - غالباً ولا نشمل كلّ الناس - ليس الله، إنما الهدف مصالحنا وأطماعنا وعصبياتنا، العصبيّة العائلية والحزبية والطائفية والمذهبية، حتى لو كانت عائلته أو حزبه أو طائفته أو مذهبه ظالماً.
لذلك، في هذه الذكرى التي تنطلق فيها رسالة الإمام (عج) تحت عنوان رسالة العدل، العدل هو أن تعطي كلَّ ذي حقّ حقّه، على المستوى الفردي والاجتماعي، وأن لا تظلم النَّاس حقوقهم، ولا بدَّ لنا أن نؤكِّد هذا الخطّ في حياتنا العائلية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، وأن نربي أنفسنا على العدل، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ - لا لحساب فلان - وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}[النساء: 135]، ولا بدّ أن تشهد بالعدل حتى لخصمك الديني أو العائلي أو السياسي إذا كان صاحب حق، والله تعالى يقول: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ - والشنآن هو الخصومة والعداوة - قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ}[المائدة: 8].
والإمام (عج) قد يخرج في أيّ لحظة، "إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً". لذلك، علينا أن ندرّب أنفسنا على السِّلاح الذي نحارب به شيطان أنفسنا وشهواتها المحرَّمة، وكيف نحارب الشياطين من الجنِّ والإنس. وهذا اليوم هو "يوم المستضعفين" الَّذي ينبغي أن يتوحَّدوا فيه من أجل مواجهة الاستكبار.
إنَّ هذه المناسبات الإسلاميَّة لا بدَّ أن تكون مناسبات لا نقتصر فيها على التذكّر، بل أن نجعل من التذكّر وسيلة من وسائل تربية أنفسنا وتغييرها وتطويرها وتنميتها وتصفيتها وتزكيتها، لنكون على الصّورة التي يحبها الله ورسوله، حتى نحصل على رضى الله في ذلك.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستَشهدين بين يديه، وأن يرينا الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة.
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 14 شعبان 1421 هـ/ الموافق: 10/11/2000م.
إنّها ذكرى ولادة إمامنا وسيّدنا حجَّة الله تعالى في الأرض، الإمام المهدي (عج)، فقد وُلد في اليوم الخامس عشر من شهر شعبان، ونحن نؤمن بالإمام (عج)، لأنّ رسول الله (ص) - مما رواه السنّة والشيعة معاً - تحدَّث عن أنه قال: "لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم، لبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً".
ولكن هناك اختلافاً في أنّ الإمام المهدي وُلِد أم لم يولد، الغالب من أهل السنّة يقولون إنه لم يولد، وبعضهم قال إنَّه وُلد، وهو محمد بن الحسن العسكري، ولكنَّ الشيعة متَّفقون على أنه وُلد، وأن الله تعالى حفظه وحماه عندما هجم جنود بني العباس على بيت الإمام العسكريّ (ع) بعد وفاته، حتى يروا من هو ولده، فيقضوا عليه وتنقطع الإمامة.
أمَّا مسألة الغيبة، فقد استُفيدت من أكثر من حديث من أحاديث الأئمَّة من أهل البيت (ع)، واستُفيدت من بعض أحاديث النبيّ (ص)، وهو أمر تسالم أتباع أهل البيت (ع) عليه، فلا يناقش فيه أحد، وغيبته (عج) هي غيب من غيب الله، كما أنَّ ظهوره هو غيب من غيب الله، ولا بدَّ لنا أن نُرجع الأمر في ذلك إلى الله تعالى، وأنَّ علينا أن ننتظره لنعدّ أنفسنا لنكون من جنده والسَّائرين على خطِّه والمستشهدين بين يديه، لأنَّ الإمام (عج) - على حسب ما وردت الأحاديث - يخرج من أجل أن يخوض معركة العدل العالميّ، ويحارب كلَّ الظالمين من أجل أن يغيّر الواقع العالمي من الظّلم إلى العدل، سواء الظلم العام أو الخاصّ.
لذلك، إذا كنا نفكّر بأن نكون من جنده والسَّائرين معه، فعلينا أن نربي أنفسنا على العدل، فليس من الطبيعي أن تكون جنديَّاً في معركة العدل وأنت ظالم، أو تعاون الظالمين وتبرّر لهم ظلمهم، لأنَّ معنى ذلك أنَّك ستكون في المعسكر الآخر، لأنَّ الإمام (عج) يحارب الظلم في واقع الظالمين، ويحارب الظلم في الذين يساعدون الظالمين ويبرِّرون لهم ظلمهم. لذلك، إذا أردت أن تكون من أنصار صاحب الزمان (عج)، عليك أن لا تظلم نفسك بالمعصية، وأن لا تظلم غيرك بالبغي والعدوان، فلا تظلم النَّاس حقوقهم، ولا تظلم أولادك بأن تتعسَّف معهم، ولا تظلم أبويك وزوجتك في حقوقها الإنسانيَّة والزوجيَّة، ولا تظلم الزوجة زوجها في حقوقه، أن لا تظلم الناس الذين تبايعهم وتشاريهم، وما إلى ذلك من الظلم العامّ، لأنّ مجتمعنا عندما يكون مجتمع الظالمين، فمعنى ذلك أننا سوف لن نكون معه، لأنَّ من يتربى على الظلم، كيف يكون مع قيادة العدل؟! وهذا ما واجهه أمير المؤمنين (ع) عندما أُبعد عن حقه، لأنَّ العصبيات هي التي كانت تتحكَّم في المجتمع الإسلامي، وهذا ما واجهه الإمام الحسين (ع) الذي بايعه ثمانية عشر ألف شخص في الكوفة من خلال سفيره "مسلم بن عقيل"، ولكن الكثيرين من هؤلاء خرجوا إلى حربه، لأنَّ "قلوبهم معه وسيوفهم عليه"، فقد تربوا تربية جعلوا فيها مصالحهم وأطماعهم هي الأساس.
نحن الآن مسلمون ونتبع أهل البيت (ع)، لماذا ننحرف ونثير الفتنة فيما بيننا؟ لماذا نساعد الظالمين ونبرِّر للمجرمين إجرامهم إذا كانوا من أقربائنا وأهلنا؟ لأنَّ الهدف في الحياة - غالباً ولا نشمل كلّ الناس - ليس الله، إنما الهدف مصالحنا وأطماعنا وعصبياتنا، العصبيّة العائلية والحزبية والطائفية والمذهبية، حتى لو كانت عائلته أو حزبه أو طائفته أو مذهبه ظالماً.
لذلك، في هذه الذكرى التي تنطلق فيها رسالة الإمام (عج) تحت عنوان رسالة العدل، العدل هو أن تعطي كلَّ ذي حقّ حقّه، على المستوى الفردي والاجتماعي، وأن لا تظلم النَّاس حقوقهم، ولا بدَّ لنا أن نؤكِّد هذا الخطّ في حياتنا العائلية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، وأن نربي أنفسنا على العدل، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ - لا لحساب فلان - وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}[النساء: 135]، ولا بدّ أن تشهد بالعدل حتى لخصمك الديني أو العائلي أو السياسي إذا كان صاحب حق، والله تعالى يقول: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ - والشنآن هو الخصومة والعداوة - قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ}[المائدة: 8].
والإمام (عج) قد يخرج في أيّ لحظة، "إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً". لذلك، علينا أن ندرّب أنفسنا على السِّلاح الذي نحارب به شيطان أنفسنا وشهواتها المحرَّمة، وكيف نحارب الشياطين من الجنِّ والإنس. وهذا اليوم هو "يوم المستضعفين" الَّذي ينبغي أن يتوحَّدوا فيه من أجل مواجهة الاستكبار.
إنَّ هذه المناسبات الإسلاميَّة لا بدَّ أن تكون مناسبات لا نقتصر فيها على التذكّر، بل أن نجعل من التذكّر وسيلة من وسائل تربية أنفسنا وتغييرها وتطويرها وتنميتها وتصفيتها وتزكيتها، لنكون على الصّورة التي يحبها الله ورسوله، حتى نحصل على رضى الله في ذلك.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستَشهدين بين يديه، وأن يرينا الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة.
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 14 شعبان 1421 هـ/ الموافق: 10/11/2000م.